1#
أهدي هذه القصة الى ذلك القارئ الذي بقي ينتظرني
ولم يتخلَّ عن أحرفي رغم هجري لها
..
قراءة ممتعة
مهما وضعت استنتاجات وتكهنات تبقى منعطفات الحياة احتمالاتا غير واردة حتى لو قضيت الدهر كله بالتفكير؛ ولم يتصور قط ابن الحادية عشر أن يقف في مأتم عائلته وحيدا مثل طائر تائه بعد ان افترس القط عشهم؛ احرقته نظرات أعين اؤلئك البالغين الغرباء، بعضهم كان ينظر بشفقة وتحسر على الحال الذي آل اليه، والبعض يراقب تحركاته كما لو أنهم يشاهدون فيلم تراجيديا ساخرا
احتوت تلك المقبرة على مجموعة كبيرة من الأشخاص، أقارب أصدقاء معارف جيراناً وزملاء وعائلته، لكن آدم شعر بينهم بوحدة وغربة قاتلة كما لو ان هنالك حاجزا شفافا يعزله عن العالم، وعقله لا يريه الا ابتسامات تغرق ببقع الدماء و نداءات اختفت بين أصوات النيرات والصراخ، اغمض عينيه وأطراف أصابعه تتحسس جروحه المضمضة ببعض الألم قبل أن يطلق العنان لتنهيدة حارة.
حاول بصعوبة بالغة كبح دموعه من الانهمار فكان يعض شفتيه كي لا تهرب منها شهقاته المستغيثة
وقد اشتدت قبضتاه المرتجفة على أطراف قميصه
وهو ينظر للأسفل لعل خصلات شعره تخفي عينيه الدامعة؛ فقط هو لا يمكنه تصديق أنه فقد ثلاثة في يوم واحد والداه وشقيقه، إنها فاجعة لم يستطع عقله استيعابها
وكل اؤلئك البالغين من حوله يناقشون من يأخذه معه كما لو انه غرض ما، متجاهلين انه يمر بوقت عصيب وعليهم مواساته؛ وكم يتمنى لو يموت في هذه اللحظة ... لمَ هو بالذات من بقي حياً؟ لمَ لم يأخذوه معهم، فقط كيف امكنهم الرحيل عن هذه الحياه وتركه وحيدا؟
قطع حبل أفكاره تلك اليد الموشحة بسواد قفاز من الدانتيل، اردفت صاحبتها بالقول بصوتها الهادئ:
" يمكنك البكاء لكن تذكر جميعنا سوف نموت "
توقف عقله عن العمل حين سمع ذلك الصوت المألوف، كانت لحظة واحدة ولكنها أشبه بقرن، شعر كما لو ان العالم تجمد في تلك الثانية وهو يستدير لها ورغم أن السواد كساها من رأسها حتى أخمص قدميها الا أنه تمكن من معرفتها! ، كيف لا وهي أخته التي هجرته منذ وقت طويل، رغم توسلاته ورجائه في تلك الليلة الا إنها رحلت معتذرة وهاهي تعود الان ! بعد كل تلك السنوات ! ولكن هو لم يستطع أن يكرهها لا يقدر، رغم كل الاستياء في جوفه الا انه كان بحاجة ماسة لها، ارتمى في حضنها وهو يجهش بالبكاء ويطلق العنان لصرخات احتبست في جوفه اكثر مما يجب فكان صوته متقطعا وهو يجهش بالبكاء
" جوـــديث لقد رحلو و و تركوني ارجوك ... أتوسل إليك جوديث، لا تتركيني أنتِ ايضا "
نطق اخر كلمة ليجهش بالبكاء اكثر وهو يتشبث بها بشدة فكانت هي الاخرى تحتضنه وتعض شفتيها لا تعلم ماذا تقول كيف تتصرف مشاعرها متضاربة هي غاضبة وحزينة ومصدومة و تتألم
حاولت الحفاظ على نبرة هادئة بقدر المستطاع وهي تهمس له :
" انا اسفه "
~ لم اعد احتمل لعب دور الاخت الكبرى المثالية~
تجمد لثوانٍ وهو يدفعها قليلا حتى ينظر لها، يريد ان تتقابل أعينهم ولكن ذلك الشال الاسود الذي يغطي وجهها حال دون ذلك؛ تسرعت أنفاسه وهو يتسائل في جوفه لمَ تعتذر؛ هل ذلك يعني انها تتخلى عنه مجددا!
أهي تريد تركه وحيدا؟ لذلك تعتذر لأنها سوف تتركه ولن تستطيع إيفاء هذا الرجاء، إن كانت أخته لن تقف معه اذا من سيفعل ! فقط لمَ هو حي الان؟؟
ازداد تنفسه سرعه وهو يرتجف، حاول مسح دموعه بيسراه ويده اليمنى تشد على قميصه جهة قلبه وعقله يطرح ملايين الاحتمالات والاستنتاجات في هذه الثانية اهتزت عيناه بذعر وهو ينطق برجاء أن ما يفكر به خطأ
" لمَ تعتذرين؟ ماذا يعني ذاك؛ الامر ليس أنك تعتذرين لانك سوف تتركيني صحيح؟ اعتذارك لا يعني انك تتخلين عني اليس كذلك "
توقف عقلها عن العمل لثوانٍ تحاول استيعاب كيف هو ترجم اعتذارها، حاولت لمسه واخباره ما يجول في خلدها ولكنه كان يرتجف ويتنفس بصوت عالٍ وينظر للفراغ بعيون فزعة
" آدم انصت الي "
" انا اكرهك "
فزعت من صراخه المفاجئ وقد بدا كما لو أنه لم يسمعها، بل صرخ بصوت برتفع أكثر وهو يسد أذنيه :
" انت اشد فظاعة من الجميع، تقنعيني أنك تهتمين لأمري وأني ثمين وفي لحظة واحدة تحطمين كل شيء وحين أوقن انك لا تكنين في قلبك شيئا لي وأعتاد على برودك تعودين مجددا اكثر دفءاً، توقفي عن ذاك فمشاعري ليست لعبة، هل من الممتع رؤيتي اتشبث بك بيأس ثم تبتعدين؟ "
انزل كفيه عن اذنيه فاشتدت قبضته على قميصه وتنفسه يتسارع كما لو أن العالم بات خالياً من الهواء، لم يعد يسمع أي صوت عدا نبضه وقد شعر أن الجميع يسمع دقات قلبه السريعة الذي أيقن أنه سوف يخرج من حنجرته الان، رفع رأسه وهو يرى العالم يتلون بالرمادي كما لو أنه يسرق سواده من وشاح الدانتيل الفاحم
" انا وثقت برابط الدم الذي بيننا رغم أنك خذلتني مرة "
بدأ صوته يخبو مثل شمعة على وشك الانطفاء وقد تحول العالم بعينيه للون الاسود وكل ما رآه هو طيف أخته التي تهجره مجددا
.
.
.
... ... ...
يتبع
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top