~الفصْلُ الثَّالث: دعوةٌ إلى المجْهول~
أشَرْتُ بسبَّابتي اليُمْنى إلى كتلةٍ بشعةٍ متَّصلةٍ بعلَمِ البلاد وسطَ الأخيرَة، وسألتُ راكَان عن ماهيَّتِها، فعقلي قد شبَّهَها بكائنٍ مصريٍّ أسطوريٍّ قرأتُ عنهُ يومًا، ويسمُّونه "أبو الهوْل"
لكنَّ راكان أجابَني بكلماتٍ نازلَت المرئي في أذيَّتِهِ لقلْبي
:« يسمُّونَه أسَد، قربان الحريَّة، وغيرهما، أمَّا نحنُ فنسمِّيه ألفٌ وتِسْعَة.»
لا يُعْقَلْ! إذن ما تناقَلتْهُ الألسنَة في الجزيرَة الاصطناعية صحيح!
:«هو منَّا؟!»
أومأ برأسه بالإيجاب، وحدَّق إليَّ مطوَّلًا ربما لاختبار مدى جاهزيَّتي لتقبُّل الأمر، قبل أن يسرُدَ لي ما حدث:
-أسْهلُ طريقةٍ لنشْر الدِّين هي مكانٌ يحترمُ كلَّ الديانات والنَّاس، لكنْ في المُقابلِ عليْك تحمُّل فسوق ومجون وكُفر سكَّانه، فعلى الأقلِّ سيصغونَ إليكَ قبل تجاهُل كلماتك، وما الحريَّةُ والاحترام المطلقَيْنِ إلَّا حجَّةً اتَّخذوها لتبرير خطاياهم واختلافاتهم غير المباحة، في الدين والأفكار وحتى الميولات الجنسيَّة
لكنَّ جاسِرْ، وهو اسمهُ الحقيقي، لم يتأقلم مع المكان رغم التدريبات، فجنَّ تمامًا وقام بأكبر مجْزَرَة شهِدَتْها جزيرَةُ الانْعِتاق.
-وماذا كانَ عقابُه؟
-صنعوا من أجله خصِّيصًا مقصلةً ذات فوهةٍ واسعة جدًّا يُسْتَبْعَدُ أن تكون مخصَّصةً للرَّأسُ فقط، وفصلوا بها نصفهُ العلويَّ كاملًا عن النِّصفِ السفلي، ثمَّ وصلوا العلويَّ إلى نصفِ أسَدٍ سفليٍّ سخريةً منه، وعبرةً لمن يعتبر
-لكن ما الدَّاعي إلى كل هذه القسوة؟!
-ليس المهم الموت نفسه، الأهم هو العبرة من بعده
-وماذا كانتْ كلماته الأخيرة؟
-أستحقُّ العقاب لأنَّني خنتُ رفاقي، رجاءً لا تحمِّلوا المسلمين ذنبَ ما فعَلْت، يميل البشر إلى التعميم كي لا يتعاطفوا إن استثنوا، و لكي لا يبذلوا جهدا في الاستثناء، هذا جزءٌ ممَّا قال
-لكن هذا جرى قبل عشرينَ سنة، وأنتَ كنتَ هنا في ذلكَ الوقت، فلم لم تفعل شيئًا؟ أولسْتَ المُضيفَ والحامي؟
-مهما بلَغَتْ واقعيَّةُ كتبِ التَّاريخ، يبقى المؤرِّخ الأشدُّ صدْقًا ووحشيَّةً هو الذَّاكِرَة؛ أنا شهدْتُ المجزرة والإعدام، ولم يسعني فعل شيء، فهو قد خرقَ القاعِدَة الأولى والأهَمْ، لكنَّ السكَّان المناصرين لحقوق الإنسان لم يصمتوا، وبعد مظاهراتٍ عنيفةٍ منهم صار جسدهُ المحنَّط رمزًا للحريَّة
كم نحبُّ تمجيد الموتى، والتَّقليل من الأحياء، إلى أن يموتوا.
هذا جزءٌ ممَّا دار بيننا في أوَّلِ يومٍ لي هُنا، والذي ذكَّرني للمرَّة الألف بمدى أهميَّة القاعدَة الأولى، وهأنذا الآن في قمَّة البرج، أُؤَذِّن، لا أخرق القاعدة الأهم، ولكنِّي أستفزُّهُمْ قليلًا، وأمتِّعُ بَصري بالمشهدِ الخلَّاب أسفلي
كالمسلمين تمامًا، خاضعون، واقفونَ، صامتون، ولو كان هذا بلا خشوعٍ أو فهمٍ لما يجري، ولكنَّ التَّأثيرَ هو نفسه تقريبًا
انتظرتُ تدخُّل الخائفينَ من الصَّوتِ والكلمَة، وما إن أقبلوا من بعيدٍ حتَّى هربتُ من إحدى المخارج السريَّة
•
•
•
وتكرَّر النِّدَاء بصفةٍ غير دوريَّة، وفي عدَّة صوامع من صنعِ راكان وغيرِه، أمَّا المسكن فبقي مستقرًّا لم يتغيَّر، منزل راكان المهندس المشهور، ذو الطَّابق التحتي السرِّي الذِّي بناهُ مع ثلَّةٍ من المجاهدينَ ولأجلِهِمْ
مرَّت ثلاث سنوات ناجحَة نسبيًّا، توقَّفوا عن محاولة إيقاف الآذان، بل وصنَّفوهُ إلى أنشودةٍ روحانيَّةٍ لدينٍ مجهولٍ من المستحبِّ التعرُّف إليه بعد تحليل كلماته، وهذا سهلٌ كونه مترجمٌ إلى لغتهم، وانتشرت ملصقاتٌ تنادي النِّداء، فانتابني كسلٌ وبخلٌ مزيَّفين، فقط لتحفيز اشتياقهم إلى الآذان
لكن في يومٍ ما، وفي حادثةٍ لم يسبق لها أن جرتْ
صوتٌ متألم، مرهقٌ تمامًا، استغاثني وألحَّ عليَّ بالذهاب إلى مكانٍ لا يعرفهُ غيرنا
نقطةُ التقاطع الحارَّة
نفس المكان الذي وجدني فيه راكان في الصحراء، ونفس المكان الذي وُجِدَ فيه الجميع من قبلي ومن بعدي
قبلتُ الدَّعوة، وذهبت إلى هناك بعد جدالٍ مطول مع راكان
قابلتُ هناك رجلًّا ضخم البنية، لم يسَعْني سوى ترديدُ ” ما شاء اللَّه “ بداخلي فور رؤيته، طلب منِّي بأدبٍ أن أتبعه، ففعلتُ بشيءٍ من القلقِ والتوتُّر
كانتْ رحلةً طويلةً نوعًا ما، زادتْها الجماجمُ على قارعة الطريق رعبًا، وانتهت بتوقفنا أمام بيتٍ أعرفه جيِّدًا؛
لقد أراني راكان هذا المكان في إحدى جولاتنا، بل هو من صمَّمه بنفسه!
هذا إن لم تخنِّي الذَّاكرة
بيتُ الوزيرْ؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
1: مع أو ضد مجزرة جاسر؟
2: ماذا يريد الوزير؟
3: ما الهدف من الآذان؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top