" ٤ "

_ العاشرة صباحاً _

همهمه خافته منزعجه أحدثها جمال وهو يتقلب فوق سريره للجانب الآخر مُبتعداً عن كفي مصعب الذي تابع هزه بألحاح كي ينهض ، ومالبث أن تذمر بصوته الناعس :
  - الجمعة .. أنها الجمعة .. أي أجازة .. أرجوك دعني أنام .

_ جمال .. عمي أسامه غاضب للغاية فقد وصلت للعاصمة مُنذُ ثلاثة أشهر ولم أقم بزيارته  .

_ هل قال أنه غاضب مني أنا ؟!

_ كلا ..

_ إذن ما شأني أنا .. أذهب وحدك .

وجذب الغطاء ليندس جسده تحته بالكامل مما ضاعف من حنق وغضب مصعب فهتف بتبرم :
_ تنامون في النهار بينما أنا مضطر للنوم في الليل وحين أُفيق في يوم أجازة لا يتجول في السكن غيري كالأشباح .

_ أرجوك أيها الشبح أنقل تذمرك للخارج .. أو أبحث لك عن شبح مثلك .
بصوت مكتوم بالكاد يُسمع رماها جمال من أسفل غطائه ليصيح مصعب :
_ ألا تشبع من النوم ؟!

_ بوجود أنت و أُمي  .. لا أظنُ ذلك .

بزفره ساخطه قالها ليبتسم مصعب رغماً عنه ومع ازدياد تكوّم جمال حول نفسه أصابه اليأس منه فانتقل إلى هيثم واقترب منه ومد يده لايقاظه لتقع عينه على الورقه المثبته فوق لحافه ، أنتزعها وقرأ مافيها ( لم أنم إلا بعد صلاة الفجر لذا يرجى عدم الأزعاج .. لأني لن أنهض إلا للصلاة .. الصلاة فقط .. وفقط أيضاً .).

عض شفته السفلي بغيظ وعينه تنظر للكمّ الهائل من القصص والمانجا المنتثره حول جسد هيثم النائم وباستسلام رمى ورقته عليه وقد قرر الذهاب بمفرده للزيارة فرسالة أسامه التي أفاق صباحاً على صوت وصولها حملت الكثير من العتب عليه .

¤¤¤¤¤¤¤

ابتلع مصعب ريقه في توتر ودارت عينيه بوجل بعد أن أخفض يده مستغرباً لهذا العدد الكبير من سيارات الأجرة التي توقفت بأشارة من يده فقط واجتمع حوله مايفوق الخمسة رجال وكل فرد منهم يدعوه ان يستقل سيارته هو ..

_ انا من اوقفتُ لك السيارة أولاً .
_ بل أن من رأيته ولكنك اعترضت طريقي .
_ دعك منهما .. سيارتي بها كل سبل الراحه .
_ لا يُهم ذلك كُله مادمت لا تعرف كل طرق العاصمة مثلي .
_ ساُخفض لك الأجر.

وواصلوا ثرثرتهم وصياحهم ليزداد توتره ويتراجع للخلف متردداً من سيختار ، وهل سينجو من البقية أذا ماقرر ؟!

_ أصعد .
قالها فجأة رجل سادس برز من بين الخمسة ليعقد مصعب حاجبيه قلقاً من ردة فعل البقية ولكن ماحدث فاجئه أكثر فبدلاً من نشوب معركه شرسه بين الخمسة والرجل وجدهم يعودون بصمت وانكسار الى سياراتهم ..

لم تزل دهشته ومع ذلك كان مضطر لصعود السيارة الوحيده التي بقيت متاحه له فيما انتبه الرجل لوجومه فقال :

_لعلك تستغرب كيف تنازل عنك سائقي الأجرة بهذه السرعة.

_بالضبط .

ابتسم الرجل ابتسامة متغطرسة أتبعها بقوله:
_إن سيارتي هذه تتبع أكبر شركه في العاصمة لسيارات الأجرة.

حرك رأسه بعدم اقتناع :
_ولكن هذا لا يُجبرهم على التنازل.

_لو أبلغتُ عنهم الشرطة فإنهم لن يجدوا ما يقتاتوا منه بعد الآن لأنهم لا يتبعون أي شركة .

انفرجت شفتي مصعب باستهجان قبل ان يومأ برأسه متفهماً ولم تتقبل نفسه هذا الرجل فظاهره المتأنق يُخالف باطنه والذي بلاشك قد اختبره الرجال الخمسه وإلا مافروا منه بذاك الأنكسار والذعر .

_إلى أين أين نتجه !؟
سأل الرجل ببرود ليُجيبه مصعب :

_شركة الثقة الأولى للإلكترونيات .

_التي يُملكها أسامة رامز ؟!

_نعم.

أجاب مصعب بهدوء وعينيه تتحرك لتستمتع بالمنظر الخارجي عبر نافذته دون أن ينتبه لنظرات الرجل المتفحصه لوجهه عبر مرآة السيارة الداخلية قبل أن يتحدث :
_ موقعها قريب لذا سنصل أليها في وقت قصير .

أومأ مصعب برأسه ملازماً صمته ولازالت عينا الرجل تُطارد تفاصيل وجهه قبل ان يسأله :
_ أنت لست من سكان العاصمة ؟!

_هذا صحيح.

فعاد يسأله بلهفه أشد:
_أنت من المدينة الجنوبية أليس كذلك !

أدار مصعب رأسه نحوه, مُجيباً بدهشة:
_هذا صحيح .. ولكن كيف عرفت ؟!

فقط تلك الاستدارة التي احتاجها ليرى كامل وجهه خلال المرآة وعندها أطلق ضحكة مُرتبكه :
_لقد تبين لي ذلك من طريقة حديثك التي تحمل اللهجة الجنوبية.

تحركت شفتي مصعب بابتسامة كناية عن تفهمه فبحق لهجة مدينته مميزة و ..

_ ما هو اسمك ؟!

ارتفع حاجبا مصعب استنكاراً فكل حديثه السابق معه برغم كونه لا مبرر له وينم عن فضول ولكن سؤاله عن اسمه كان أشدُّها تطفلاً فآثر الصمت رغم حرجه من أن يتجاهله ليفاجئه قول الرجل بضحكة مُحرجه  :
_ آسف .. أسف .. لا بد ان ذلك كان وقحاً مني ..

اعتذاره ووصف نفسه بذاك الوصف جعل ملامح مصعب ترق ويشعر بالذنب اتجاهه وبابتسامة خفيفه اجاب " مصعب عبدالله "

ليس وكأن معرفته باسمه ستؤذيه لذا لا بأس بأن يُخبره بدلاً من جعله يشعر بالسوء  .. هذا مافكر به مصعب دون أن ينتبه لتألق عينا الرجل ببريق ذا معنى وهو يقول بسرعة :
_ ( مصعب أذن ) .. من النادر أن نجد شبيهاً باسمك هذه الأيام .

_ والدي رحمه الله من سماني .

أومأ الرجل برأسه فيما أشغل مصعب نفسه بهاتفه متجنباً أي سؤال جديد دون أن يدرك أن الرجل لم يعد يرغب بسؤاله عن شيء آخر أو لم يعد يحتج لذلك ..

خمسة عشر دقيقة استغرقه الأمر ليقف أمام مبنى ضخم يتجاوز العشرين الطابق وهو يقول بهدوء أجاد إتقانه:
_لقد وصلنا .. يمكنك النزول.

ناوله مصعب أجرته, ثم ترجل خارج السيارة ليقف ناظراً لواجهة المبنى الزجاجية العاكسة فخامة المكان ومرت دقيقة من شروده لم يقطعها سوى سماعه لصوت التقاط صورة فالتفت بفزع خلفه ليرى صاحب سيارة الأجرة يلوح له من داخل السيارة بهاتفه مبتسماً :
_ لقد صورت المبنى .. سأُبقيها كأمنية لي بالحصول على وظيفه فيه يوماً ما .

ابتسامته المصاحبه لعذره الغير منطقي لم تزده إلا غرابةٌ فتحرك مصعب مبتعداً عنه نحو الشركة ليدفع بابها الزجاجي ودار ببصره بتمعن في صالة الاستقبال قبل أن يتجه الى موظفها سائلاً بأدب :

_السلام عليكم ..

_ وعليكم السلام ورحمة الله .

_ أريد مقابلة السيد أسامة رامز .

رماه موظف الأستقبال بنظره مستهجنه من رأسه لأخمص قدميه ثم قال:
_ نعم ولكنه في اجتماع الآن.

سأله مصعب في ضيق:
_وهل سيطول هذا الاجتماع؟

لم يُبالِ الموظف بالنظر نحوه بل أخذ يقلب في ملفات أمامه مجيباً ببرود :

_لا أعلم .. ولكن هل لديك موعد سابق معه ؟

أومأ مصعب برأسه نافياً ثم قال :
_كلا .. لقد أتيتُ مباشرة إلى هنا دون أخذ موعد معه ولكن لا أظن أنه سيُمانع في استقبالي.

رفع موظف الاستقبال رأسه عن الملفات وتطلع أليه ثانية قال بعدها بلهجة محتقرة:
_وما الذي جعلك تثق كل هذه الثقة؟

أراد مصعب أن يُجيبه حين فاجيء الأثنان موظف الاستقبال الآخر الذي أسرع يقول :

_لا عليك أيها الفتى .. يمكنك الجلوس هناك وانتظاره حتى ينتهي من اجتماعه .

أومأ مصعب برأسه بطاعة واتجه الى أحد المقاعد ليجلس عليها فيما همس الموظف الثاني لزميله في حنق:
_أنت دائماً تتصرف ببلاهة .. توقف عن  مجادلتهم واجعلهم يجلسون حتى يملون ثم ينصرفون من تلقاء أنفسهم.

مط الموظف الأول شفته في ازدراء :
_أغبياء هؤلاء الناس .. ما أن يجد أحدهم عيباً واحداً فيما تنتجه الشركة حتى يهرع ألينا طالباً رئيس الشركة بعينه وكأنه ليس متفرغ إلا لهم.

أومأ الموظف الثاني برأسه مؤيداً له قبل ان يعودا لينشغلان بما في أيديهم من ملفات  ..

ومرت ساعة تلتها أخرى قبل أن يتململ مصعب فوق مقعده من الأنتظار فنهض نحوهما سائلاً بضجر :
_ ألم ينتهي الاجتماع بعد ؟!

أجابه الأول في تذمر :
_يمكنك المغادرة أن لم تُطق الانتظار.

تجاهل مصعب رده, واستدار نحو الثاني قائلاً :
_ألا يمكنك أن تسأل أن كان الاجتماع قد أنتهي ؟!.

أجابه الثاني في برود شديد:
_لقد انتهي مُنذُ نصف ساعة ولكن المدير خرج على الفور.

_ولكني لم أره يغادر.

صاح بها بلهجة غاضبه فنظر أليه الموظف الأول , وقال بغلظة :
_وهل تظن أن شركة ضخمة مثل هذه ليس لديها سوى مخرج واحد ! .

عض أضراسه في غيظ وقد ندم لطاعتهما ليقول بحده :
_أنتما تكذبان .. ما كان علي أن أسألكما منذ البداية بل  سأصعد أليه بنفسي .

واتجه بخطوات غاضبه إلى المصعد, وما كاد يصل أليه حتى أمسكه أحدهما بخشونه قائلاً :
_هيا أخرج ستتسبب في فوضى كبيرة أن سمحنا لك بالدخول.

قاومه مصعب بقوة ولكن سرعان ما انظم أليه الآخر, و قاما بتقييد حركته, وأخذا يدفعانه بعيداً عن المصعد الذي فُتح فجأة ليخرج منه رجل وقور بدا في نهاية العقد الرابع من عمره والذي شدّه ما يرى, فسأل باستغراب:
_ماذا هناك !

استدار أليه الموظفين بارتباك, وقالا بلهجة المغلوب على أمره:
_هذا الفتى أراد التسبب ببعض المشاكل هنا فاضطررنا إلى أخراجه.

صاح مصعب من خلفهما:
_إنهما يكذبان .. كل ما أريده هو مقابلة ..

نبرة صوته المألوفه لأذني أسامه جعلته يسأل بلهفه :
_ مصعب .. أهذا أنت ؟!

اتسعت عينا الموظفين رعباً وتفرقا للجانبان ليظهر من خلفهما مصعب فعاد يُكرر بسرور :

_يا إلهي ..انه أنت مصعب.

ذلك الترحيب الحار من أسامه قابله اشتياق اكبر من مصعب الذي قفز نحوه ليُعانقه قائلاً :

_عمي أسامة .. لقد اشتقت أليك كثيرا.

أحتضنه أسامة برفق لثوانٌ قبل أن يُعيده للخلف لينظر لهيئته وابتسامته الواسعه ثم قال :
_بني .. لقد كُبرت كثيراً منذ أخر مرة رأيتك فيها..

أصيب موظفي الاستقبال بالصدمة من هذا الاستقبال الحار من مديرهم لهذا الفتى فقررا التسلل هرباً ولكن أسامة أستوقفهما بحده:
_انتظرا.

توقفا بالرغم عنهما بينما راح أسامه يسأل مصعب بحزم:
_أنا أعلم أنك لست شرس الطباع ولا تتسبب بأية مشاكل .. وهذا يعني أنهما هم من أغضبوك أليس كذلك ؟!

شعر الاثنان بالرجفة تسري في جسدهما وهما ينتظران إجابة مصعب على سؤال مديرهما،
صمت مصعب بعض الوقت قبل أن يقول بهدوء:
_لعلي فقط مللتُ الانتظار .. فقد طال الاجتماع الذي تعقده.

فغر أسامة فاه وهتف في دهشة:
_اجتماع ؟! .. بيوم جمعة ؟! .. كلا .. أنا فقط ارتب مواعيدي اليوم للأيام القادمة .. فلمَ ظننت أن لديّ اجتما ..

وقطع حديثه ليُلقي نظرة صارمة نحو الموظفين, وقال في عصبية بالغة:
_أنتما من قال له ذلك ؟! ..

تلعثما خوفاً ولم يستطيعا أجابته فأردف بغضب :
_ أتفعلان الشيء ذاته مع كل من يأتي لطلب رؤيتي ؟!

ألتزم الاثنان بالصمت فقال بغضب :
_ اللافته المُعلقة في الخارج ما المكتوب فيها ؟!

تبادل الأثنان نظره محتاره وهما يحاولان تفسير ما يرمي أليه فصرخ بهما :
_أجيبا.

فصاحا معاً بذعر :
_شركة ( الثقة ) الأولى للإلكترونيات لصاحبيها أسامة رامز ومصعب عبدالله.

أشار أسامة إلى مصعب وقال:
_وهذا هو مصعب عبدالله.

بُهت الاثنان ونظرا نحو مصعب بأوجه شاحبه فمن كان ليظن بأن فتىٌ صغير مثله هو الشريك الثاني لأسامة رامز، والذي أثار حيرتهم لوقت طويل فهم يرون أسماً مكتوب فقط على الأوراق ولم يرو صاحبه أبداً، سارع الاثنان يعتذران لمصعب عما بدر منهما, ولكن قاطعهما أسامة بقوله :
_مصعب .. إن أمر عقابهما بيدك الآن .. أأمر بما تشاء.

بدا الخجل الشديد على وجه مصعب وهو يجيب:
_أشكرك يا عمي.

ثم التفت إلى الاثنان وقال في تواضع شديد:
_ اسمعا جيداً .. ما سأقوله لكما الآن سأقوله كزبون وليس كشريك لعمي أسامه .. إن مكانكم الذي تشغلانه في هذه الشركة يتيح لكما الالتقاء بكل من يدخلها مباشرة, ووظيفتكم هي استقبالهم لا طردهم والترحيب بهم لا ازدرائهم واحتقارهم .. ماذا ستخسران لو قابلتم كل من دخل بابتسامة ..لن تخسروا شيء بل سيثقل ميزان حسناتكم .. هل فاتكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم(تبسمك في وجه أخيك صدقة) .. ثم أنه ليس من شأنكم أن كان المدير يُريد أن يستقبل أم لا .. كل ما عليكم هو إيصال الأمر أليه وهو بعد ذلك يقرر لأنه هو من يعلم مصلحة شركته .. وأن كنتم تهملون عملكم لأن مدير الشركة لا يراكم .. فلا تنسوا أن رب مدير الشركة مطلع عليكم ..

وعقد حاجبيه بجدية شديدة :
_ أتقنوا عملكم .. فأنتم واجهة هذه الشركة وإلا خسرت هذه الشركة سمعتها التي حافظت عليها طوال سنوات مضت.

أعجاب لا حدود له استولى على شعور أسامة وانعكس على وجهه الذي أشرق وهو ينظر له ويسمع كلماته وكأن من أمامه عبدالله نفسه لا ابنه ليداهم قلبه الحزن فجأة على شريكه الذي ترك مكاناً فارغاً بموته ..

فيما هز الرجلان رأسيهما بطاعة لمصعب قبل أن يعتذرا ويقسمان أنهما لن يُكررا الموقف مع غيره فابتسم واستدار نحو أسامه ليُباغته بكفه التي ربتت على شعره مبعثراً له وهامساً :

_لقد كنت رائعاً .. كوالدك تماماً ... أنت تجاوزت شبهك به لتحمل حتى تصرفاته وأسلوبه .

طيف من الحزن ظهر على وجهه فأحنى رأسه رغماً عنه هامساً بمراره :
_ لن أكون بروعته أبداً .. لم أتعلم منه كُل شيء .. لقد فقدته حتى قبل أن ..

شعر أسامة بفداحة خطأه وكل تلك البهجة تتحول لهذا الألم بوجهه, فقاطعه :

_مصعب هل تناولت غداءك؟

أومأ له مصعب برأسه نافياً, فجذبه أسامه من يده وهو يقول في مرح :

_ هيا .. فلنصلي الجمعة ثم سيسعدني جداً تناول الغداء معك.

( الغداء ) لم يكن ضمن خطة مصعب في زيارته له ولكن مع تشبثه بيده لم يستطع الرفض وخاصه مع نظرة أسامه نحوه التي حملت حباً كبيراً  .

¤¤¤¤¤¤¤¤

" أصابك شيء في عقلك بلا شك . "
رماها رجل تجاوز عقده الخمسين في وجه السائق الذي أقلَّ مصعب لشركة الألكترونيات ليقف أمامه قائلاً بلهجه مُلحه :

_ سيد شاهر لمَ لا تُصدقني ؟! .. لقد رأيته بأمّ عيناي .

_ بل لمَ أُصدقك ! .. فكل الصحف نشرت خبر موته حتى أنها وثقت خبرها بصورة جثته .

قرب منه هاتفه مجدداً مشدداً عليه لينظر أليها :
_ هذه صورته .. أنه هو نفسه .

_ مجرد صورة جانبيه لا تُثبت شيء .

و تحرك شاهر ليقف أمام مسبح ضخم مُلحق بفلاه ذات الطابقين والمترامية الأطراف فيما اعاد الرجل هاتفه لجيبه قائلاً :
_ أنا متيقن أنه هو .

_ قد يكون أحد أقربائه .

_ وهذا ماخطر لي فسألته عن اسمه وقال انه مصعب عبدالله بل وأنزلته في شركة أسامه رامز شريك والده ، هو حتى تحدث عن والده بصيغة الميت .

حرك شاهر عينيه الجاحظتان نحوه وقد اتسعت أكثر مستنكراً :

_ لقد قتله رجالي مُنذ أكثر من عامين .. هذا مستحيل يازاهر.

_ من ذلك الفتى أذن أن لم يكن هو ؟!
قال زاهر مستنكراً هو الآخر لتصدمه استدارة شاهر نحوه قائلاً بحده :

_ أذهب وأحضره ودعنا نعرف من هو .

شحب وجه زاهر وبدا مُرتبكاً وهو يجيبه :
_ لقد مضى على ايصالي له فوق الثلاث ساعات .. يستحيل أن أجده .

لم تتغير سحنة شاهر الغاضبة ومدَّ يده ليُمسك بياقته قائلاً بغلظة :
_ هذا الشك الذي أثرته داخلي أما أن تُصمته أو أقتلك .

لم يكن يمزح ، كل جزء من تفاصيل وجهه نبأت زاهر أنه قد ارتكب جُرماً في حق نفسه وبأنفاس لاهثه صاح :
_ سأفعل .. أعدك سأجده .

_ لا تعد بدونه .. ولو اضطررت للبحث عنه في كل فنادق العاصمة .. بل وعد الى مدينته لو اضطرك الأمر وخذ معك جابر .

انفرجت شفتي زاهر وقد استحال الموقف جاداً للغاية فشاهر لا يُرسل جابر إلا لمهماته الخاصه فقال بانفعال :
_ أتُريد أرسال جابر حقاً للبحث عنه ؟! .. قد يُفسد مهمة البحث فأنت تعلم ان لديه ضغينة شديد...

وابتلع لسانه حين اختنق بياقتة التي زاد شاهر من لويها غضباً فصاح بإذعان :
_ حسناً .. حسناً .. سأخذه معي .

أرسله شاهر عندئذ ليتراجع للخلف ملتقطاً أنفاسه ومشى خطوات مبتعداً عنه قبل أن يقف فجأة ليسأله بحيرة :
_ ولكن ماذا لو كان هو ؟!

تحركت شفتي شاهر بابتسامة جانبية :
_ ان كان هو فالميت يجب أن يبقى ميت .

ثم ارتفع حاجباه لفكرة خطرت بباله ليستدرك بشراسه :
_ أو قد لا يكون الموت هو أسوأ ما قد يُصيبه ..
وشد قبضته هاتفاً بحقد متأجج
" ان كان هو فسأجعله يتمنى أنه مات بذاك اليوم . "

ابتلع زاهر ريقه في توتر وتلك النظرة الحاقدة بعيني شاهر تعكس تصميماً مخيفاً يُنبؤ عن قرب وقوع جريمة شنيعة ستهز العاصمة كما حدثت قبل عامين بالمدينه الجنوبية ..

¤¤¤¤¤¤¤¤¤

" لقد شبعت "
هتف مصعب بالعبارة وهو يمسح فمه بالمنديل في ذلك الفندق الفخم الذي أخذه أليه أسامة رامز فيما حرك أسامة ملعقته في طبقه هاتفاً بهدوء:
_من الجيد أن رسالتي كانت ذا أثر عليك وإلا ماكُنتُ رأيت كيف تغيرت خلال هذه الأشهر الثلاثة .

التقى حاجبا مصعب بشدة وهو يكرر اعتذاره :
_لقد ذهبتُ إلى شقتك عدة مرات لأفُاجئك ولكن دائماً لا أجدك بها وعندها فكرت بزيارتك في الشركة .

وضع أسامة ملعقته وقال مبتسماً :
_ ماكُنتُ أظن أبداً أنني سألتقي بك بعد أقل من ساعة من أرسال الرسالة .. أحسنت .. لقد نجحت أخيراً في مفاجئتي .

ابتسامة واسعة زينت وجه مصعب ابتهاجاً فيما ظلَّ ينظر نحوه أسامه برفق قبل أن يقول :

_ أعتذر فلقد لمتك في الوقت الذي لم أزرك أنا فيه وأرحب بك في العاصمة ..
وتنهد بقلة حيلة " أن أشغالي الكثيرة تُعيقني دائما عن المبادرة لرؤيتك . "

أومأ مصعب برأسه متفهماً, ثم قال بهدوء :
_لقد حملت عبئاً كبيرا بعد وفاة والدي .. لقد عرضت عليك المساعدة ولكنك رفضت.

عبارته الأخيرة بددت ذلك اللين ليحلَّ محله غضب كبير أتبعه بقوله :
_كم مره أخبرتك أن لا تذكر ذلك أمامي .. أنا أفعل ذلك من أجل والدك .. لطالما  تمنى أن يراك تحمل أعلى الشهادات .. وأن تتعلم كيف تعتمد على نفسك قبل ان تتسلم العمل بالشركة .

قال مصعب بتوتر:
_أجل ولكن هذا يُشكل عبء كبير عليك.

توتره كان واضحاً للغاية فبادر أسامه ليربت على كتفه, وقال بلهجة ودود:
_مصعب أنت لا تعلم كم أُحبك وأُحب والدك .. وأنت أيضاً لا تعلم مقدار الخدمات التي قدمها لي والدك .. لقد جعلني شريك له بربع رأس المال الذي دفعه هو .. بل وتعامل معي وكأني أنا المالك الوحيد لهذه الشركات .. ألا يحق لي أن أرد له بعض الجميل فيك ؟! ..

وضغط برفق على كتفه مستطرداً بلطف :
_ أرجوك لا تقلق بشأني فقط أدرس حتى تحقق أمنية والدك وعندما تتخرج أعدك بأني سأجعلك تساعدني.

بادله مصعب لطفه الذي لطالما أغدقه به بعد وفاة والده مُجيباً :
_حسناً...

مال أسامة بغته بجسدة نحوه سائلاً بجديه:
_مصعب هل ما أنزله لك من مال في حسابك يكفيك أم أنك تحتاج إلى المزيد !

فغر مصعب فاه, وردَّ باستنكار :
_المزيد؟! .. أن ما تُنزله شهرياً يكفي لإعالة ثلاثة أسر .. ثم إنه بقي مما لم أصرفه الكثير .. لذا أرى أن تتوقف.

تنهد أسامة براحه وسحب محفظته ليدفع ثمن غدائهم متمتماً :

_هذا جيد .. إن أرباح الشركة تزداد من وقتٍ لآخر ولذلك فكرت أن أزيدك .. ولكن مادام ذلك يكفيك فلا بأس .. سيبقى الحال على ماهو حتى تتخرج من الجامعة وتتسلم أموال والدك كاملة.

ثم نهض عن مقعده , وقال بهدوء:
_هيا يا مصعب سأوصلك بنفسي إلى الجامعة.

استقلا السيارة معاً واتجها مباشرة إلى الجامعة وما أن وصلا حتى عانق أسامة مصعب قائلاً:
_  لا تتأخر عن زيارتي .. وإلا سأرسل من يجرك من قدميك ألي.

ضحك مصعب وقال بحرج :
_ المرة القادمة لن أكرر الخطأ سأعقد موعداً معك برسالة قبل قدومي إن شاء الله .

عاد أسامه ليستقل سيارته فيما اخذ مصعب يلوح بكفه له حتى غابت السيارة عن عينيه وعندها اتجه للسكن .

كانت الثانية ظهراً حين دخل مجدداً الى حجرة جمال وهيثم ليشعر بالغيظ عندما وجدهم لازالا على حالهم نائمين إلا من بعض فوضى ملابس هنا وهناك دليل أنهما استفاقا لأداء صلاة الجمعة ثم عادا لسباتهم مجدداً ، على الأقل لديهما بعض الضمير لأجل آخرتهم ، سحب نفسه بثقل للعودة الى حجرته .. ماذا ينتظره ؟ .. الضجر مجدداً إلى أن يُفيقا ..

تجاوز درجات الطابق الثالث وزفر وهو يفتح باب حجرته ليقابله فراغها ، أذن فقد غادر عامر خلال زيارته ، ولكن كلاهما مجبر للألتقاء مجدداً عند عودته ..
اتجه لدورة المياه ثم توضأ وعاد لسريره ليقرأ سورة الكهف قبل أذان صلاة العصر ومضى الوقت قبل أن ينتبه لصوت رساله في هاتفه فتحها ليجد ..

" أنزل . "

ابتسامه خفيفه علت شفتيه فقد استيقظ جمال أذن و ... لم يرد علي رسالته وعاد ليُكمل قراءته حين وصلته رسالة أخرى من هيثم ..

" تعال بسرعة .. لديَّ الكثير من المانجا التي ستُعجبك .. دعنا نُنهيها معاً قبل التاسعة فغداً سنكون مشغولين برحلتنا البحرية. "

زادت ابتسامته اتساعاً .. هل الأثنان يشعران بالذنب اتجاهه وكل منهما يُعبر عن اعتذاره بطريقته الخاصة ؟! .

" ألم تعد من زيارتك بعد ؟! .. "

رسالة أخرى من جمال تجاهلها بهدف أغاظته وعاد ليُكمل قراءة السورة ثم أغلق المصحف و ..فُتح باب الحجره فجأة ليظهر من خلفه عامر ، حتى السلام لم يُلقه على مصعب وقد بدا أفضل حالاً عما بالأمس و ..

" لديك دقيقة أن لم تُجب فأنا من سيصعد أليك وسأكسر هاتفك على رأسك . "

فزع شديد قفز لوجه مصعب بمجرد قراءته لهذه الرسالة الغاضبة من جمال فسحب هاتفه وركض متجاوزاً عامر فآخر ماقد يرغب به هو لقاء الأثنان بعد عراك الأمس ..

----------------

شكرا لقرائتكم ❤️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top