مصعب لم يعد يعني لي شيئاً " ٢٧ "
- في صباح اليوم التالي -
ناول جمال هيثم كوب قهوته, قائلاً في جذل:
_إنه أخر كوب من قهوتي قبل مغادرتنا السكن ...أنت الوحيد الذي فُزتّ بشرفه.
تناوله هيثم منه وعيناه ترمقانه بانبهار بالغ، بينما أكمل جمال بابتسامة كبيرة:
_أتعلم سأشتاق كثيراً للحافلة...بل أظن أني قبل مغادرتي للسكن سأضطر لوداعه...لقد تغير كثيراً بعد تلك الرسالة ولم يعد يلجأ للقسوة إلا في النادر...حتى أن عصاه التي لم تكن تفارق يده تخلى عنها.
هتف هيثم في أعجاب:
_إنك تبدو صلباً رغم ما حدث بالأمس
زمّ جمال شفتيه وقال ساخراً:
_وماذا تظن أني سأفعل ؟! .. أن أبكي كالفتيات... كلا ..ثم إن مصعب هو الآخر قد أصبح صلباً ..أنه حتى لم يأتي لوداعي.
وقف هيثم ثم راح يجذبه من يده, قائلاً برجاء:
_جمال أرجوك...دعنا نذهب نحن لوداعه.. قبل أن يتحرك القطار.
سحب جمال يده برفق, وقال معتذراً:
_هيثم أنا أسف ..يمكنك أن تذهب وحدك.. أما أنا فلا...
ثم طأطأ رأسه, وقال بحزن شديد:
_قد أحتمل أن أُضرب أو أُقتل حتى .. ولكن أن تُهان كرامتي ويُجرح كبريائي فلا...لقد تسببوا في جرحً غائر داخلي لن يبرأ بسرعة...ومما زاده سوءاً أن مصعب أساء ظنه فيّ أنا...كيف صدق أني أنا أبتزه ...إن معرفته بي لا تشفع له عندي أبداً لأنه يعلم تماماً أني لا أسعى خلف ماله..ولذلك فغضبي منه أشد.
نظر هيثم أليه وشعور عارم من الشفقة ينتابه نحوه، فقال في توتر:
_جمال لن أسمح بحدوث هذا أبداً.
ثم وضع كوب قهوته, وغادر الحجرة مسرعاً.
¤¤¤¤¤¤¤¤
فرك مصعب كفيه ببعضهما بقوة محاولاً بث الحرارة فيهما، فقد كان البرد قارصاً جداً في المحطة.
وقف عامر بجانبه, وسأله بهدوء:
_أمازلت تنتظر.. لم يتبقى على تحرك القطار سوى عشر دقائق.
أجابه مصعب بعناد:
_لا بأس سأنتظر خلالها أيضاً.
حرك عامر رأسه بتبرم هاتفاً:
_مصعب لو كان جمال يأبه لك لأتى من قبل.. ولكنه يأس منك ومن ثروتك ولهذا قرر ألا يُتعب نفسه باللهث ورائك أنه الآن ولابد يسعى لضحية أخرى.. كنـ..
قاطعه مصعب بانفعال:
_عامر أنت لا تعرفه كما أعرفه أنا...أنت مخطئ في كل ما تقول.
هز عامر كتفيه في لامبالاة, وقال :
_لن يأتي وسترى.
أتاه صوت لاهث من خلفه:
_بل أتيت.
استداروا معاً نحو ذلك الصوت, وهالهم منظر هيثم الذي أخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة, بعد ركضه المتواصل.
سأله مصعب في لهفه:
_هيثم...لماذا لم يأتي جمال معك؟
أجابه هيثم متهكماً:
_يأتي.. كيف يأتي بعد ما حدث بالأمس!...مصعب لماذا لم تأتي لوداعه والاعتذار منه؟
أجابه مصعب في عناد:
_هو من أخطأ كان عليه أن يعتذر هو أولاً.
حرك هيثم رأسه يمنة ويسرة, وهو يقول في حزن:
_منذ متى كانت صداقتكم تعتمد على اعتذار شخص بعينه أولاً!
صمت هيثم قليلاً ليرى أثر كلمته على مصعب الذي صمت، قال بعدها بجدية:
_مصعب لقد شككت في جمال أليس كذلك!
أجابه مصعب بارتباك:
_كلا أنا لم أشك فيه مطلقاً.
عض هيثم شفته, وقال بغيظ:
_بل شككت فيه.. ومادام جمال قال ذلك فأنا أثق أن ما قاله هو الصواب.
طأطأ مصعب رأسه, وقال في ذهول:
_جمال قال ذلك!
أكمل هيثم متجاهلاً كلماته:
_أنت تعلم أن جمال يرفض المال الذي أعطيه وأنا ابن خالته ..فكيف يطمع فيك أنت وأنت لا تمسه بأي قرابة!
شعر مصعب بعقله الذي بدأ يهتز متحرراً من كلمات عامر السامة, وهيثم يتابع:
_لقد جرحت يا مصعب كرامته وأهنته بفعلك هذا!...هل تنتظر منه فيما بعد أن يأتي ليعتذر.. لقد انتظرت قدومك طوال ليلة البارحة وأظنه أيضاً كان ينتظر ولكنك لم تأتي.. مصعب أهذا ما يستحقه جمال منك ...صداقة ثلاثة عشر سنه تتوج بالابتزاز إن هذا مؤلم بحق.. لا أعلم كيف احتمل هو ذلك...
شعر مصعب بالندم يسري في كل جسده, فأمسك رأسه, وقال في تأثر وانفعال:
_يا إلهي...أنا خير من يعرف جمال ما كان ليطمع في قرش أمده له فكيف بما في جيبي...أنا سيء سيء للغاية.
بادر عامر يقول :
_مصعب أنت لست...
قاطعه هيثم بحزم:
_عامر ماذا تستفيد عندما تبث الشحناء بين أثنين... ألا تخشى أن يكون عقابك من نفس فعلك السيئ...أليس لديك من تحبه وتخشى أن تدب الفرقة بينكم بسبب عملك المشين هذا...ألم تتعلم في حياتك أن النميمة قد حرمها الله وأن عقابها وخيم...إن هذا التحريش لا يكون إلا من صفات الشيطان ...فكر بعقلك هل ما تفعله سيكون في جانب حسناتك أم سيئاتك...أفق أفق من ..
تجاهل عامر حديثه, و قفز إلى القطار, محاولاً التهرب من هذا النقاش, بينما أمسك مصعب بيد هيثم هاتفاً بلهفه:
_يجب أن أعتذر منه لقد أسأت إليه ...هل تظنه سيصفح عني!
أجابه هيثم باسماً:
_أنه طيب القلب سيصفح عنك بلا شك.
تحركا معاً لمغادرة المحطة, ولكن فجأة صاح عامر:
_مصعب سيتحرك القطار..هيا أصعد.
توقف مصعب لحظة متردداً, وبصره ينتقل بين القطار وهيثم, ولكنه مالبث أن صاح:
_عامر سألحق بك في قطار المساء.
هتف به عامر في ضيق:
_لن تعرف الطريق إلى منزل عمتي.
أحتار مصعب حيرة بالغة أنقذه هيثم منها بقوله:
_لا بأس أذهب وأنا سأوصل اعتذارك لجمال.
قفز مصعب على الفور إلى القطار, وقد قرر في نفسه أنه سيلتقي بخالته فقط, وبعدها سيعود على الفور لمصالحة جمال.
¤¤¤¤¤¤¤¤
" مصعب يرسل أليك تحياته. "
أجابه جمال ساخراً:
_يا لرقة مشاعره.
عدل هيثم من وضع منظاره الطبي, وقال بهدوء:
_لقد كان يريد القدوم معي للاعتذار منك.
سأله جمال متهكماً:
_ولماذا لم يأتي؟ هل منعه...
قاطعه هيثم بضيق:
_لقد تحرك القطار فاضطر لصعوده قبل أن يذهب...وقد وعدته بأن أوصل اعتذاره منك نيابة عنه.
استدار جمال نحوه, وقال بحنق:
_يبدو أنك قد صورتني له وسط بحر من الدموع مما أثار شفقته.
أجابه هيثم بجدية:
_كلا..لم أكن لأفعل ذلك بك أبداً..بل أدرك أنه أخطأ فـ...
قطع هيثم حديثه, وعيناه ترمق جمال الذي ارتدى سترته, واتجه نحو الباب, فسأله باستغراب:
_جمال إلى أين أنت ذاهب!
أدار جمال مقبض الباب, وقال ببرود:
_مهمة بسيطة لن أتأخر.
شد انتباههم بغتة صوت رنات هاتف جمال النقال الذي نسيه على المنضدة, هرع هيثم أليه ونظر لأسم المتصل, وما أن رآه حتى صاح بسرور:
_جمال إنه مصعب.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي جمال, وهو يقول:
_هيثم يا أخي..سأقول لك كلمة أرجو أن لا تضطرني لإعادتها مرة أخرى...مصعب لم يعد يعني لي شيئاً و لم يعد يهمني.. لقد أصبحنا أنا وإياه نسير في طريقين متوازيين لن يتقاطعا أبداً...لذلك أرجو أن لا تنسى ذلك ولا تذكر لي أسم مصعب بعد الآن.
غادر جمال الحجرة في الحال بعد كلماته تلك, تاركاً هاتفه النقال في يد هيثم الذي أخذ ينظر أليه بقلق شديد.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أعاد مصعب هاتفه النقال إلى جيبه, وأخذ ينظر إلى المناظر الخارجية من نافذة القطار التي كان يجلس بجانبها، وقد ارتسم حزن كبير على وجهه وهو يحدث نفسه في توتر:
_إنها المرةُ الأولى التي يغضب فيها جمال إلى هذا الحد...أنه حتى لا يُجيب اتصالي .. أنه غاضب بحق...لم يكن يطول خصامنا من قبل ليمتد إلى يومين بل كنا نكتفي بساعات يهرع بعدها أحدنا ليصالح الآخر..ولكن لم يكن سبب خصامنا أبداً يتعلق بنوايا الآخر أو كرامته من قبل...لو غضب جمال يحق له ذلك فإن ما قاله له عامر كان أهانه لا يمكن لطفل صغير احتمالها...لقد بقي طوال حياته إلى جانبي كأخ ..لم أحتج أليه لحظة واحده وردني.. فكيف استطاع عامر أن يجعل ذلك الخاطر السيء المريع يتغلغل داخلي...لقد كان عامر سيئاً للغاية..
استدار مصعب نحو عامر الجالس في مواجهته, وراح يسأله بحده:
_عامر لماذا فعلت ذلك؟
رمقه عامر بنظرة مستغربة, فتابع مصعب بحده أكبر:
_لماذا تحاول التفرقة بيني وبين جمال ؟
أجابه عامر ببساطه:
_لأنا أغنياء ومن غير اللائق بفقير مثله أن يرافقنا.
فغر مصعب فاه صائحاً بذهول:
_يا إلهي..أهذا هو السبب!!...يالك من متعجرف هل هو من اختار أن يكون فقيراً!...أم أن غناك أعمى عينيك عن أن ما نحن فيه هو نعمة يجب شكرها وليس التكبر بسببها و أن تكبرنا يحولها إلى نقمة ...عامر لا فرق بين غني وفقير إلا بالتقوى ..قد يكون الفقير الذي تحتقره خيراً عند الله من ألف غني..لم أكن أظنك بهذا التفكير السيء أبداً.
صاح عامر في وجهه بعصبية:
_أصمت أن تفكيري أرقى من تفكيرك أنت وجمال معاً.
ظل مصعب مشدوهاً للحظات, وعيناه مركزتين على عامر, وهو غير مصدق أنه كان يرمي بكلامه الذي ينصحه به من قبل, مجرد التفرقة بينهما دون أن يستند على أي دليل.
رمقه عامر بنظرة مستاءة قال بعدها:
_ثم أنه من غير الممكن أن تقوى صداقتنا في وجود جمال البغيض ذاك.
صاح مصعب في عصبية بالغة:
_بل تصرفاتك هي البغيضة بحق .. لن أسمح لك بعد الآن أن تتكلم عنه بسوء .
أشاح عامر بوجهه عنه, بينما حاول مصعب تمالك نفسه, وابتلاع غضبه, ولكن يبدو أنه لم يستطع ذلك, فقد انفجر مكملاً في حنق:
_كان يمكن أن تقوى صداقتي بك في وجود جمال أيضاً ..كما لم يؤثر وجود هيثم على علاقة جمال بي...إن الأخوة والمحبة في الله لا تقطع صداقاتك الماضية بل تزيد صداقاتك الجديدة مع احتفاظها بالقديم..إنك لا تعرف الأخوة في الله...أن ما بيني وبين جمال هي أخوة في الله... ننصح بعضنا إذا أخطأنا..يأخذ بيدي وأخذ بيده إلى فعل الخير..ولو تغير جمال عن هذا المبدأ لم أكن لأبقى معه لحظة واحده..لأن ديني فوق كل شيء...نعم سأنصحه ولكن إذا شعرت أنه سيجرني معه للحرام فسأركله غير مأسوفٌ عليه ...باستثناء إذا تاب...هذا هو المبدأ الذي علمني والدي والذي عشتُ عليه طوال حياتي...
بدا عامر مصغياً تماماً, وكأنه يسمع هذه الكلمات لأول مره في حياته, في حين أكمل مصعب حديثه:
_أرأيت الأسرة قد تحوي عشرة أخوة وتجد أنهم يحب بعضهم البعض دون أن يؤثر ذلك على علاقة أحدهم بالآخر ...إن الأخوة والمحبة في الله أرقي من الأخوة في النسب.. إن الأخ في الله يسعد كثيراً عندما يرى أخيه قد زادت طاعته لله و صداقاته النقية بأناس صالحين و يفرح كثيراً إذا رأى ما يسعد أخاه وهذا ما رأيته في عيني جمال عندما عرف أن لدي أقرباء أظن أن سروره كان أشد مني ذلك اليوم ولكنك بفعلك هذا حطمت كل أخوتنا الصافية في لحظات...أنت أناني لم تعرف معنى الأخوة ...لهذا أردت أن تقتصر صداقتك علي فقط..أي تفكير هذا..
قاطعه عامر في حدة:
_ولماذا تكدر جمال أذن عندما وجدني ذلك اليوم أشرح لك!
أجابه مصعب بعصبية:
_وماذا تريد منه أن يفعل أن يضحك!...لقد سبقته لمساعدتي وكان يريد هو أن يسبق إلى ذلك بعد أن أتعب هيثم .. يريد أن يرد معروفاً سابقاً لي فيما مضى لا تعرفه أنت ... وأن كنت أشك في إنك تعرف معنى كلمة معروف..إنه على الأقل لم يسعى للتفرقة بيني وبينك كما سعيت أنت لذلك..أنت سيء... لا تحسن إلا الهذر بلـ...
قاطعه عامر وقد أنتابه غضب عارم:
_كف عن شتمي...وإلا قتلتك.
لوح مصعب بسبابته في وجهه ساخراً:
_أفعلها هيا فأني لن أستغرب أن يصدر منك ذلك بعد ما فعلته.
زاد عامر من استرخائه في مقعده, وقال ببرود عجيب, وكأنه قد نسي غضبه السابق:
_كلا لن أقتلك الآن ولكن بعد أن تلتقي بعمتي قد أفعل ذلك.
طأطأ مصعب رأسه, وقال في حزن:
_سأقابلها فقط و سأعود بعدها لأعتذر من أخي جمال..نعم سأعود وليكن ما يكن.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تتوقعوا جمال راح يقبل أعتذار مصعب ؟!
والمهمه الي طلع لها جمال أيش هيّ ؟!
ولا تنسو الكومنتات والفوت ❤️❤️❤️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top