ذكرى من الماضي " ١٨ "
غادر جمال صفه المدرسي بخطوات واسعه فأسرع مصعب يمسك يده بقوة فانتزعها جمال من بين كفي مصعب المتشبثة به, وقال بعصبية بالغة:
_دعني.. لن أسمح له أبداً بأن يصفني بالضعيف .
عاود مصعب التشبث به قائلاً في رجاء:
_جمال أن أيمن هذا شرير.. يريد استدراجك ليوقعك في سمومه.. فلا تكن ساذجاً .
دفعه جمال بخشونة, واتجه إلى ساحة المدرسة, وهو يقول بصوت مرتفع:
_لا شأن لك بي .
وما أن رأى أيمن جمال القادم نحوه حتى قال ساخراً:
_لقد كنت أظنك شجاعاً يا جمال ولكن ظهر لي العكس من ذلك إنك ضعيف..
قاطعه جمال في حدة:
_أعطني هيا.
برقت عينا أيمن, وهتف في سعادة:
_أعد ما قلته.
قال جمال في حده زائدة:
_ما سمعته أذناك.
صفق أيمن بكفيه بقوة قبل أن يقول:
_لقد قلت من قبل أن مجموعتنا في حاجة لفتىً قوي وجريء مثلك.
مد جمال يده نحوه هاتفاً بزهو شديد:
_سأبتلعها أمامكم.
حرك أيمن رأسه قائلاً بجدية:
_ليس هنا يا جمال.. ولكن في مزرعة والدي بعد صلاة المغرب هل اتفقنا ؟
سأله جمال في تخاذل:
_ولماذا ليس هنا؟
أجابه أيمن في حذر:
_من الصعب أن يتم الأمر دون أن يراك باقي الرفاق ويحتفلوا بانضمام قوي مثلك.
أومأ جمال برأسه موافقاً ثم قال بغباء:
_حسناً...ولكن لا تخلف وعدك.
فرك أيمن يديه في خبث, وهو يقول:
_أنا أخلف وعدي مستحيل.. لقد كنت أحلم بمثل هذه الفرصة منذ زمن.. ثق بي.
قال جمال وهو يهم بالمغادرة :
_حسناً.. موعدنا بعد صلاة المغرب.. وداعاً.
غادر جمال المدرسة بعد ذلك الوعد الذي قطعه مع أيمن, فاعترض مصعب طريقه صائحاً في غضب:
_لماذا تحدثت يا جمال مع أيمن؟ أنه يريد تدميرك.
أشار جمال بأصبعه إلى رأسه, قائلاً ببرود مستفز:
_أنا حر فيما أفعله...وإذا لم تكف يا مصعب عن سخافاتك هذه فلن أتوانى عن أن أتعامل معك بأسلوب لم تعتده مني.
ثم دفع مصعب بقسوة مزيحاً له عن طريقه, أتبعه مصعب بصره بعينين قلقتين خائفتين من القادم المجهول.
¤¤¤¤¤¤¤¤
وضع عبدالله ملعقته بهدوء على المائدة, وعيناه لا تفارق مصعب الذي أخذ يحرك ملعقته داخل الحساء دون أن يأخذ منه رشفة واحدة, فسأله في قلق أبوي:
_مصعب لماذا لا تأكل!
أنتبه مصعب من شروده على عبارة والده, فوضع ملعقته هو الآخر, وقال في حزن:
_أنه جمال.
سأله والده :
_مابه؟ هل هو مريض!
حرك مصعب رأسه نافياً, وهو يقول في مرارة:
_لقد خدعه أيمن وقال له أنه ضعيف لأنه ليس ذو جرأه على...
قاطعه والده في تساؤل:
_أيمن ولد شاهر تاجر المخدرات.
أجابه مصعب في أسى:
_هو بعينه...أنه يستدرج جمال لتعاطي المخدرات.
عقد عبدالله كفيه أمام وجهه مفكراً بعض الوقت قبل أن يغمغم باهتمام:
_هذا خطير جداً...ألم تنصحه أنه صديقك!
أجابه مصعب في تأثر وانفعال:
_لقد نصحته ولكنه لم يستجب لي.
ربت والده على كفه برفق وحنان, وقال ناصحاً:
_مصعب إنه صديقك لا تتخلى عنه ... إنه في حاجة لك.
تطلع مصعب للحظات إلى عيني والده, هتف بعدها بعزيمة صادقة:
_نعم جمال في حاجة لي ولن أتخلى عنه.
قطع حديثهم معاذ ذو الست سنوات ببراءة طفولية:
_أبي عندنا في المدرسة يقولون أن القوي هو الذي يكون له عضلات.
ربت والده على شعره, وداعب خصلات شعره الكستنائي الناعم, وهو يقول:
_هذا لأن الشر لم يتمكن من قلوب أطفال مثلكم .
شد مصعب قامته قبل أن يعيد مقعده إلى مكانه, فسأله والده في تعجب:
_مصعب إلى أين؟ أنت لم تأكل.
أجابه مصعب بابتسامة كبيرة:
_سأنام حتى أذهب إلى جمال في المساء وأنصحه مرة أخرى.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤
- في مزرعة أيمن -
مد جمال يده بأصابع مرتجفة لأيمن ليلتقط الكيس الصغير الذي ناوله إياه, قلّب ذلك الكيس المملوء بالبودرة البيضاء بين كفيه, وقال في توتر:
_طحين!!
أطلق أيمن ضحكة ساخرة أحنقت جمال ،فأسرع يقول في مكر:
_أنه ليس طحين أنه شيء مختلف تماماً يجعلك تشعر بالنشوة والسعادة وينسيك كل همومك .
نقل جمال بصره بتوتر بين أيمن والكيس قبل أن يقول بارتباك:
_كيف أستخدمه؟
كوم أيمن قبضته ثم رفعها إلى رأسه وحك ظهرها بأنفه برفق, قائلاً في تلذذ:
_هكذا ...
فتح جمال الكيس ووضع قليل من محتوياته على ظهر كفه, ثم رفعها ببطء إلى أنفه, ولكنه مالبث أن أخفضها بسرعة, وكلمات مصعب تتردد داخله:
_أيمن شرير...يريد تدميرك...يريد تدميرك...يريد تدميرك.
حرك أيمن رأسه يمنة ويسرة قائلاً بإحباط مفتعل:
_لقد ظننت أنك رجل لا يتردد أبداً...لقد اهتزت نظرتي المعجبة بك.
تطلع أليه جمال بضع لحظات أستجمع خلالها ما تبقى لديه من شجاعة مذمومة, فرفع كفه بحده إلى أنفه, واشتم ذلك المسحوق دفعة واحدة, فانتابته نوبة عارمة من السعال أشعرته بأن صدره يتقطع من أثرها.
أقترب منه أيمن, وهمس في خبث:
_هكذا البداية دائماً...خذ جرعة أخرى وستحلق في عالم آخر.
تحت عبارات أيمن ورفاقه المشجعة, أخذ جمال جرعة أخرى أشعرته أنه يحلق حقاً في عالم آخر, ولكنه عالم مظلم مخيف.
¤¤¤¤¤¤¤
تطلع مصعب إلى ساعته وهو يعود مرة أخرى ليستند بظهره على حائط منزل جمال بعد مرور ساعة كاملة من الانتظار، ولكنه ما أن رأى جمال_ العائد من مزرعة شاهر _يسير بخطى مترنحة حتى هرع نحوه صائحاً في ارتياع:
_جمال مابك؟
أجابه جمال بصوت مضطرب:
_مصعب أرجوك أبتعد عن طريقي.. فأنا لم أؤذيك من قبل ولا أحب أن أؤذيك.
أقترب مصعب منه وصاح في قلق:
_جمال أنت لست على مايرام. .لا تقل أنك ذهبت إلى أيمن...ستقتلك هذه السموم لا محالة.. جمال أنها محرمة ومن الخبائث ولا يحرم الله شيء إلا لحكمة ...وأنت تعلم كم هي مضرة.. جمـ...
توقف مصعب عن الحديث عندما دلف جمال إلى منزله وصفق الباب خلفه متجاهلاً كلماته.
¤¤¤¤¤¤¤¤
مر ثلاثة أسابيع كاملة منذ تعاطي جمال كانت كفيلة بأن تجعله مدمناً, في حين ظل مصعب يسعى خلفه ناصحاً ولكن دون أي فائدة.
¤¤¤¤¤¤¤¤
تشبث جمال بطرف سترة أيمن الخلفية, قائلاً في رجاء:
_أيمن أنا لا أملك المال...أرجوك ..أعطني جرعة واحده فقط.
أمسك أتباع أيمن جمال بغلظة, وسحبوه بعيداً عنه فأخذ يصيح بلهفه:
_أيمن أرجوك.. سأفعل ما تشاء غير المال.. فأنت تعلم أني فقير.
تجاهل أيمن رجائه, وهو يسير نحو إحدى حجراته بالمزرعة, فتملص جمال بالقوة من أيدي أتباع أيمن ولحق به, وأمسكه من يده, قائلاً بذل:
_أيمن.. أرجوك جسدي يكاد يتمزق من شدة الألم.
لحق به أتباعه مرة أخرى, و أسقطوه أرضاً ليضيفوا ألام ذله إلى ألام جسده.
استدار نحوه أيمن, وقال في صرامة موجهاً حديثه لأتباعه:
_دعوه.
تفرق أتباع أيمن عن جسد جمال الملقى أرضاً, فاعتدل جمال جالساً على الفور, أقترب منه أيمن ووضع كفيه على كتفيه, وقال ببرود وهو ينظر إلى عينيه مباشرة:
_جمال أنت تعلم أنه يجب أن تدفع لكي تأخذ.
قال جمال بمسكنة:
_ولكنك تعلم أني لا أملك المال.. أرجوك.. أعطني جرعة واحدة فقط ..فإن جسدي يكاد يتمزق من الألم.
صمت أيمن لحظه عاد يقول بعدها بابتسامة بغيضة:
_أنت تملك مال كثير... لو حركت عقلك قليلاً.
رفع جمال حاجبيه, وقال مستغرباً:
_ماذا تقصد؟
أجابه بمكر :
_مصعب.
صاح جمال في ذعر:
_أسرق مصعب.
هز أيمن رأسه نافياً, وقال بصوت مخيف:
_كلا.. لا تسرقه...فقط عليك أن تفعل شيئاً واحداً وعندها سأعطيك ما تحتاج أليه مجاناً ووقت ما تشاء وبالكمية أيضاً التي تريدها.
تطلع أليه جمال في هدوء حذر فتابع حديثه:
_أحضره إلى هنا ..أجعله يتعاطى وسيدفع ثمن ..
دفع جمال يديّ أيمن, وشد قامته قائلاً بصرامة, وهو يدير ظهره نحوه:
_كلا.. أخون أخي الذي ظل ملازماً لنصيحتي بالابتعاد عنكم.. أنت تحلم.
همس أيمن في أذنه بدهاء:
_لن يكون مثلك أنه يملك المال... أن والده يملك ثروة طائلة فإذا ما احتاج جسده سيجد بغيته على الفور.
عقد جمال ساعديه بقوة أمام صدره, وقال في عناد:
_إن كان ثمن ما يحتاجه جسدي يساوي مصعب فإن كفة مصعب هي الرابحة.
ثم غادر مزرعة والد أيمن بخطوات واسعة عازماً في نفسه أنه لن يعود حتى لو كان ثمن ذلك هي حياته.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top