دم " ٣٢ "
دفع جمال وعامر باب حجرة مصعب بقوة لتصطدم عيناهما بذلك المشهد العجيب...
ظلوا لوقت غير قصير يحاولون استيعاب ما رأوه...
وعيونهم تنتقل في ذهول بين هيثم المرمي على الأرض, وقد بدا الألم الشديد على تقاسيم وجهه وهو يمسك كتفه...
ومصعب الذي يحمل مقعد في يديه دون أن يتحرك والذي بدا كتمثال من الصلب...
كان مصعب هو أول من خرج من هذا الجمود والذهول, ليرمي المقعد بعيداً ثم يجثو على ركبتيه بجانب هيثم , وهو يصيح في قلق شابه بعض الخجل :
_هيثم....هل أنت بخير!
عقد هيثم حاجبيه في ألم, وقال بضعف:
_لا أظن أنه بقي عظماً واحداً من جسدي في مكانه.
ارتمى جمال وعامر على ركني الباب, يضحكان بشده بعد استيعابهم لما حدث.
فيما ساعد مصعب هيثم على النهوض, وهو يقول بأسف مرير:
_أنا أسف يا هيثم.. لقد ظننت أني هناك...عند الرجلين .. ولكني لست عندهم.
ثم دار مصعب ببصره نحو جمال وعامر, وسألهم بلهجة تحمل استغراب وحيرة بالغة:
_كيف جئتم هنا؟
زادت ضحكات الاثنين مع سؤال مصعب ذاك, والذي بدا لهم سخيفاً, حتى بدأت دموعهم بالتساقط, فصرخ هيثم في حنق:
_ كفا عن الضحك و ابتعدا عن الباب هيا.
أفسحا لهما المجال ليمرا بصعوبة, وضحكاتهم مازالت تتردد في كل أركان الشقة.
¤¤¤¤¤¤¤¤
خرج مصعب من الحمام واتجه بخطوات هادئة إلى الصالة حيثُ رفاقه, إلا أنه شعر بالاستياء الشديد حينما شاهد جمال وعامر مازالا مستغرقين في الضحك...
أغتصب جمال كلمات ساخرة أخرجها بصعوبة وسط ضحكاته المتصلة مخاطباً هيثم الذي أمسك كتفه في ألم:
_كنت تريد الاطمئنان على مصعب ..هاه..
مسح عامر المستلقي على الأريكة دموعه, وقال بصوتٍ ضاحك:
_ألم يكن من الأفضل أن تطرق الباب قبل دخولك!
انتابت جمال نوبة جديدة من الضحك, وهو يقول:
_كان عندها سيتنبه مصعب لذلك ويجد الوقت الكافي لحمل كل أثاث الحجرة. .وضربه به.
جلس مصعب إلى جوار هيثم, وقال في استياء:
_ألن تتوقفا عن سخريتكما السخيفة هذه !؟ ..لقد مر أكثر من نصف ساعة على ما حدث... توقفا وإلا...
قاطعه جمال ساخراً:
_وإلا ماذا!...من الجيد أن المقعد بعيد عن يديك.
أنفجر جمال وعامر ضاحكين معاً من جديد بصوتٍ أعلى مما أشعر مصعب بالخجل, فهمس في غيظ:
_إن حالكما أسوأ مما تصورت.
استدار نحو هيثم, وقال بلهجة تشف عن اعتذار بالغ:
_هيثم أنا أسف حقاً...عندما أفقت ظننت أني في منزل ذلك الشخصين.. وظننتك أحدهما حينما فتحت الباب علي فحدث ما حدث.
أجابه هيثم بلطف:
_لا عليك...أنا أعلم أنك لم تقصد ذلك أبداً.
سأله مصعب في قلق:
_كيف تشعر الآن؟
تحسس كتفه, وقال بمرح مصطنع:
_لا تقلق ...لقد خف الألمُ كثيراً.
استدار مصعب نحو جمال وعامر، وسألهم بلهفه:
_كيف أنقذتموني من الرجلين ؟
اتسعت ابتسامة هيثم، وبادر يجيبه بفخر:
_أنا من أنقذك.
رفع مصعب حاجبيه في دهشة حقيقية قبل أن يستدير نحوه, ويقول بإعجاب بالغ:
_يا إلهي..أنت يا هيثم من أنقذني..أنت رائع ..كيف فعلت ذلك!
أشار هيثم إلى رأسه ببلاهة, وقال في تباهي:
_أنا أول من تنبّه إلى تأخرك...
رمقه عامر بنظرة مستنكره قال بعدها ساخراً:
_من حسن حظك يا مصعب أنه كان معنا.
أعتدل جمال جالساً, وقال بضيق موجهاً خطابه لمصعب:
_لقد كدتُ أُجن يا مصعب عندما رأيته متشبثاً بمقود السيارة ..لقد بدا كما لو كان أبله...لقد اضطرني لدفعه كي أقود السيارة وأُبعدها عن ذلك المكان.
نهض هيثم, وصرخ بصوت بدا الغضب في نبراته:
_كلا..لم أعد أحتمل سأعود إلى أمي..ما كان علي البقاء معك..سأخبر خالي رائد عند عودتي أننا قد أنهينا امتحاناتنا وأنك مازلت تتسكع بالعاصمة.
ثم مالبث أن استطرد في عجلة:
_جمال نسيت أن أخبرك أن والدك يقول أنه سيضطر لشد أذنيك عندما تعود...من أجل مزرعته التي فقدها.
اتسعت عينا جمال هلعاً بعد أن تلاشت تلك الابتسامة من على شفتيه, وهو يسأله في فزع:
_هيثم...هل قال والدي ذلك حقاً!..
أجابه هيثم بجديه, وابتسامة شامته تزين شفتيه:
_نعم لقد قال ذلك..ولكن حين كنت بالسجن لم يكن الوقت مناسباً لأخبرك...و أظن أن هذا أنسب وقت.
بدا جمال متوتراً للغاية, وهو يتحسس أذنه, ويقول بصوت خافت:
_مادام قال ذلك فهو سينفذه لا محالة..بل إني سأكون حسن الحظ لو اكتفي بأذنيّ فقط.
عقد هيثم ذراعيه أمام صدره, ومال برأسه نحوه, هاتفاً في تشفي:
_تستحق ذلك.
أخرجهم من حديثهم مصعب الذي بدا شارداً جداً, مطأطأ الرأس ، وخصلات شعره تغطي عينيه بالكامل, وعامر يسأله باهتمام شديد:
_مصعب هل أنت على مايرام؟
رفع مصعب رأسه نحوه بوجه شاحب, وقال بصوت خافت حائر:
_إنها المرةُ الثانية التي أسمعهم يقولون فيها أنهم سيأخذونني إلى معاذ...أكادُ أجن...أنا أشعر أنه حي..ولكن..
قاطعه عامر بهدوء:
_لعل تأثير المخدر جعلك ...
حرك مصعب رأسه بقوة, وهتف بكل ما يعتمل داخله من انفعال:
_كلا..لم يكن المخدر قد سرى في جسدي بعد...أنا متأكد.
شد انتباه الاثنين بغته جمال وهيثم الذين تبادلوا نظرات متوترة, فاستدار مصعب نحوهم، وصاح بلهفه:
_أنتم تخفون عني شيئاً..
أجابه جمال ببرود مفتعل:
_ولماذا أخفي عنك شيئ ؟!
استدار هيثم نحو إحدى الحجرات محاولاً الفرار, قبل أن يباغته مصعب بسؤاله الذي حمل استعطافه الشديد:
_هيثم إنك فتىً طيب...هيا أخبرني ما الذي تخفيانه..أرجوك.
لوح هيثم بكفيه, وقال بارتباك واضح:
_مصعب كما قال جمال تماماً لماذا نخفي عنك شيئاً...إنك مخطئ.
أسرع هيثم في خطواته, وما لبث أن لحق به عامر قائلاً بتعب:
_مصعب إنها الثالثة صباحاً..أذهب ونم..ودعك من هذه الوساوس. التي لا صحة لها.
نهض جمال في عجله, ولحق بهما قبل أن ينفرد به مصعب ويؤرقه باستجوابه, ولكنه ما كاد يلمس مقبض إحدى الحجر المخصصة للنوم, حتى رفع حاجبيه بدهشة, وراح يسأل مصعب الذي التقط سترته, وأخذ يرتديها:
_مصعب إلى أين أنت ذاهب؟
سار مصعب بخطوات عصبيه نحو باب الخروج, وهو يقول متهكماً:
_ سريرك الحبيب في انتظارك.
سار جمال نحوه, وقال باستغراب:
_مصعب لابد أنهم يبحثون عنك في كل مكان ..سيأخذونك لو خرجت.
عقد مصعب حاجبيه, وقال ببرود مستفز :
_ و هذا ما أريده.
وقف جمال معترضاً طريقه إلى الباب ومانعاً له من الخروج , وهو يقول بجديه تامة:
_مصعب لقد خلصناك منهم بصعوبة..كف عن تهورك هذا.
مط مصعب شفته في غيظ مصطنع, وصاح, وهو يحاول أزاحته عن طريقه:
_لم أطلب منكم ذلك...ثم أنهم سيخبروني على الأقل بما تخفيانه عني..هيا أبتعد عن طريقي.
صاح جمال في عصبيه بعد أن رفض الابتعاد عن طريقه:
_أنا لا أخفي عنك شيئاً.
جذبه مصعب من ياقة قميصه بكلتا يديه , وصاح في غضب مفتعل, وهو ينظر لعينيه مباشرة:
_قل لعينيك أن تعقد اتفاقاً مع لسانك قبل أن تكذب.
عقد جمال حاجبيه وفتح شفتيه ليقول شيئاً ما يدافع به عن نفسه إلا أن نظرات مصعب المحتده الواثقه المسلطه عليه جعلت كلماته تخرج متلعثمه خافته..
وعندها أطلق تنهيدة يائسة ثم أزاح يدي مصعب عن قميصه ببرود, وسار نحو إحدى الأريكات, وهو يقول بجدية:
_لا بأس لقد أقنعتني..تعال سأخبرك.
كاد مصعب يقفز فرحاً بنجاح حيلته, إلا أنه خشي أن يكتشف جمال ذلك, فأسرع نحوه, وجلس في مواجهته, وقال بصوت حمل كل لهفته:
_هيا أبدأ..كلي آذان صاغية.
أجابه جمال بسرعة:
_إن معاذ حي.
تهللت أسارير مصعب, وارتسمت كل معاني الفرح في عينيه, وهو يسأله بشك:
_جمال هل تعي ما تقول؟
هز جمال رأسه علامة الإيجاب, ولكنه مالبث أن قال في توتر:
_ولكن...
تلاشت السعادة من على تقاسيم وجه مصعب الذي أمسك بيد جمال الصامت, وقال مستحثاً له ليكمل:
_ولكن ماذا؟..هيا قُل.
قال جمال في ارتباك واضح:
_لقد جلست أسبوعاً كاملاً هنا بعد إنهائنا للامتحانات ورحيلك للقاء خالتك..للتأكد من أنه حي...
وصمت لحظة أضاف بعدها بحده :
- إنه يسكن في منزل شاهر..
صاح مصعب في ارتياع:
_في منزل شاهر!
أومأ جمال برأسه إيجاباً, وقال باستغراب كبير:
_ليست الغرابة في ذلك..بل إني تسللت لمنزل شاهر فرأيته في حديقة المنزل فناديته باسمه فنظر أليّ بعجب بالغ أشعرني وكأني أبله ومالبث أن فرّ وحينها سمعتُ أحدهم يناديه باسم سامي.
ظهر الذعر الشديد على وجه مصعب, وهو يسأله في قلق:
_جمال ألم تعرف مابه؟
أطرق جمال مفكراً قليلاً, ثم هتف في شك:
_لقد سألت هيثم عن ذلك...فقال لي أنه ولابد قد فقد ذاكرته من عنف الصدمة فاستغل شاهر ذلك.
مال مصعب نحوه, وقال في عزم كبير:
_جمال سأنقذه حتى لو لم يذكرني.
أبتسم جمال ابتسامة غامضة, وقال:
_لقد عزمت على إنقاذه وحدي ولكن بما أنك قد علمت فأنه لن يستطيع أحد تخليصي من يديك.
ثم مد جمال يده لمصعب بعد أن فتح راحته بأكملها, وبطريقه قد اعتادوا عليها معاً, وذلك عندما كانوا يعزمون على خوض تحدي كبير, وهو يقول في مرح:
_سنكون معاً هل اتفقنا.
أبتسم مصعب ابتسامة كبيرة بعد فهمه لمغزى ذلك, وضرب يده صائحاً في جذل:
_اتفقنا.
¤¤¤¤¤¤¤¤
أخذ مصعب يتقلب على سريره بضيق شديد محاولاً مواصلة نومه إلا أن بعض الأصوات المزعجة واصلت طريقها إلى أذنيه من صالة الشقة، ألتقط ساعته ونظر أليها, كانت الواحدة ظهراً، أي أنه لم تكتمل ساعة واحده من ارتمائه على السرير بعد صلاة الظهر.
وصل إلى أذنيه بغتة دويّ أصوات قويه جعلته يشعر بالفزع،
نهض عن سريره وهرع إلى الصالة, وما كاد يرى ما أمامه حتى بُهت تماماً..
فما رآه كان أسوأ مما يتصور..
بل أنه فظيع ..
فظيع للغاية...
وقف هيثم الذي هرع بدوره إلى جانبه, وأخذ يصيح في ارتياع:
_دم ..دم..دم..
حرك مصعب رأسه في ذهول محاولاً طرد بقايا النوم العالقة بعينيه...ثم عاد ليرى فكان نفس المشهد لم يتغير...
كان عامر واقفاً على قدميه بصعوبة ملحوظة, ويده لا تفارق عنقه وقد بدا الألم الشديد في وجهه,
بينما كان جمال جاثياً على ركبتيه ممسكاً صدره بألم بالغ, وبعض الدماء تتدفق من زاوية شفتيه...
¤¤¤¤¤¤¤¤
لا تنسو الكومنتات والفوت^_^
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top