الغريق " ٣٧ "
تفجر ألم فظيع في رأس جمال لم يشعر به من قبل, وبدأ يشعر بطعم الدماء داخل فمه, بينما صرخ مصعب في هلع وهو يحاول مقاومة الرجل المكبل لحركته:
_أتركه أيها الحقير..أتركه هيا.
أطلق جابر ضحكه متشفية قبل أن يميل ليهمس في أذن جمال بتلذذ:
_إنها البداية فحسب...سأجعلك تتوسل لي أن أكف عن ذلك.
رفع جمال رأسه بكبرياء, وقال ببرود مستفز, والدماء تسيل من زاوية شفتيه :
_أنا أتوسل لخنزير بعين واحده...الموت أرحم من أن أفعل ذلك.
انتفخت أوداج جابر, وصاح في عصبيه بالغه:
_العين الواحدة صنعها طيشك الذي سأجعلك تندم عليه ألف مره.
كوم جابر قبضتيه, وبدأ في توجيه عدة ضربات لوجه جمال وصدره, والتي أشعرته بآلام رهيبة لا تُطاق , وبدأ الدم يتدفق بغزاره من أنفه وفمه .
رفع جمال قدميه بحقد معتمداً على جسد ذلك الضخم الذي يُكّتفهُ, وركل بكل قوته جابر في صدره فارتمى بعنف على الأرض.
أمسك جابر صدره في ألم وتطلع بحقد كبير إلى جمال الذي أغتصب ابتسامة شامته من بين آلامه ليزيد من غيظه.
وثب جابر واقفاً, واختطف مدفع رشاش من يد الرجل الذي يصوبه نحو جمال, وقال بعد أن انتابته نوبة عارمة من الغضب والعصبية:
_سأجعلك تتوسل أليّ أن أقتلك.
ضرب جابر بكل قوته بطن جمال بذلك المدفع فأغمض جمال عينيه في ألم كبير, وهو يشعر بأن مافي بطنه يكاد يقفز من فمه, وعض على شفتيه محاولاً كتم صرخة ألم تجاهد في استماتة لتدّوي حتى لا يفرح جابر بذلك, بينما جر مصعب الرجل الذي يُقيده نحو جمال بقوة, وهو يصرخ في لوعه:
_سأقتلك يا جابر سأقتلك.
زاد ذلك الرجل من أحاطته بمصعب, في حين انهال جابر بمدفعه الرشاش ضرباً على صدر جمال الذي أحس وكأن جميع ضلوع صدره قد تحطمت من جراء الضربات المتتالية, فلم يعد يقوى على الوقوف وانهار جسده, ولكن الضخم لم يفلته وبقي متشبثاً به, وبدأ يصدر من حلق جمال أنين ألم ينفطر له القلب, فأرخى رأسه على صدره, ودوار عنيف يحيط به من كل جانب.
أطلق جابر ضحكه منتصرة بعد سماعه لأنينه, فرفع رأسه المنحني من شعره, وقال في سخريه لاذعة:
_كيف تشعر الآن!
تطلع أليه جمال بعينين نصف مفتوحتين, وبوجه شاحب جداً, ومتألم, والدماء مازالت تتدفق من شفتيه, ولكنه مالبث أن تمالك نفسه وضم شفتيه ثم بصق الدماء المحتبسة في فمه على وجه جابر...
صُعق جابر من هذا العناد الشديد الذي يتحلى به جمال, فأخرج مسدسه على الفور, وصوبه على رأس جمال قائلاً بكل حنقه:
_قل وداعاً للحياة .. أيها الصلب.
أنتظر جابر أجابته, ولكن يبدو أن جمال لم يعد يدرك أبداً ما حوله فقد ارتخى جسده بين ذراعي ذلك الضخم, فقال جابر بسخرية:
_سأبدأ بعينك اليمنى.
سحب جابر زناد مسدسه, ولكنه ما كاد يفعل ذلك حتى شعر بغتة باصطدام مؤلم لرأس شخصٍ ما بصدره...
كان ذلك مصعب الذي ما كاد يرى المسدس المصوب نحو جمال حتى أُصيب بالجنون, فتراجع للخلف بقوة جعلت الرجل المقيّد له يفقد توازنه, ويسقط للخلف, وسقط مصعب فوقه ولكنه ما لبث أن قفز واقفاً, وركض بكل ذعره نحو جابر, وضربه برأسه في صدره فسقطا معاً.
أخذ مصعب يكيل لكمات عنيفة لجابر بعد سقوطهما ..ولكن تلك اللكمات لم تكتمل فقد أحاط به رجال جابر, وجروه بخشونة بعيداً عن جسد جابر.
نهض جابر, ومسح خيط الدم الذي سال من جانب شفته قبل أن يقول في حزم:
_كل ما نحتاجه منك هو لسانك فلا بأس أذن من أن نزين جسدك ببعض الكدمات.
أخذ جابر يركل مصعب ركلات قوية ومؤلمة في أجزاء متفرقة من جسده , فجرت آلام مصعب هو الآخر, فأمسك بكتفه المصاب بعد تفجر الدماء منه من جديد, وارتمى على الأرض في ضعفً شديد...
وقف جابر يلهث من فرط الإجهاد الذي بذله, ثم تطلع إلى معاذ, وسأله بتلذذ:
_لقد لقناهم درساً لن ينسوه أليس كذلك يا سامي!
أجابه معاذ في فرح:
_يستحقون ذلك..
سأل الرجل الضخم الممسك بصعوبة جسد جمال المنهار:
_ماذا أفعل بهذا؟
أجابه جابر في حنق:
_أقتله..أنه..لا يستحق أهتمـ...
قطع جابر حديثه حينما وقعت عينه الواحدة على المسبح الكبير, فقال في وحشيه:
_كلا..لا تقتله أرمى به في المسبح ليغرق كما أغرقني ذلك اليوم.
جرّ الضخم جسد جمال الذي بدا مستسلماً تماماً, ورمى به في المسبح أمام أعين الجميع, ولكن ما أن سمع مصعب ذلك حتى نهض واقفاً متناسياً كل ألامه , ليمشي بخطوات مترنحة, وهو يصيح في ارتياع:
_كلا..لن أسمح بأن يحدث هذا.
أمسك الرجلين مصعب بقوة بالغه عجز عن مقاومتها, وأسقطاه أرضاً, مكبلين حركته, فأخذ يصرخ بأعلى صوته:
_جمال..أخي..أرجوك...قاوم..
ما أن سمع جمال كلمات مصعب تلك, حتى ضرب سطح الماء بعد استفاقته عدة لحظات محاولاً الوصول إلى حافة المسبح, ولكن مالبث أن تغلبت عليه آلامه, وجهله بالسباحة, فانهارت مقاومته, وهو يقول بصوت أخذ يخفت تدريجياً وكأنه يوشك على فقدان الوعي:
_مصعب ..لقد حاولت...
ثم استطرد بصعوبة في ضعف وانهيار:
_ولكني لم.. أعد.. أحتـ..م..ل.
غاص جسد جمال بعد عبارته تلك إلى قاع المسبح بهدوء مخيف, أمام عيني مصعب الذي أخذ يحرك رأسه بقوة , وهو يصرخ في انهيار :
_لا ا ا ا ا ا ا ا ا.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
ظل علاء وقت ليس بقصير يدور ببصره داخل حجرة شاهر محاولاً استيعاب تلك الفوضى التي عمت الحجرة, ولكنه ما كاد يُبصر شاهر المرمي على الأرض, حتى انقض على عامر بكل وحشية.
تفادى عامر ضرباته بصعوبةً بالغة, نتيجة ذلك الإرهاق الذي مازال يسيطر على كل جسده من عراكه السابق مع همام, وحاول التراجع إلى الخلف ليتفادى إحدى ركلاته القوية, إلا أنه تعثر بغتة في طرف السجاد المثني ففقد توازنه, وسقط للخلف على ظهره.
وما كاد عامر يسقط حتى التقط علاء مسدسه, وصوبه إلى صدر عامر الذي أغمض عينيه في خوف شديد منتظراً اختراق الرصاصة لصدره.
ظل عامر مغمض العينين لحظه, ونبضات قلبه تكاد تُسمع من شدة الخفقان والخوف, ولكنه فتح عينيه ببطء حين سمع صوت ارتطام شيء ثقيل ...
وما كاد يفتح عينيه حتى دُهش من سقوط علاء على الأرض, ليكشف خلفه هيثم بجسده الضئيل, ويديه محمله بتحفه كبيره من الطراز القوي.
صاح عامر في سعادة:
_مرحى..لقد أنقذتني يا هيثم.
رمى هيثم بتلك التحفه, وقال بارتباك وبصوت مرتعد:
_لا أعلم كيف فعلتها...ولكن عامر كيف تحولت الخطة إلى هذا العراك ..وكأن الحجرة قد تفجرت بها قنبلة.
وثب عامر, ونفض ملابسه, وتأكد من حالة الملفات التي أخفاها تحت سترته, ثم قال في عجله:
_هيثم هذا ليس وقت السؤال ...علينا الخروج من هنا قبل أن يُدركنا بقية الحراس.
هرعا معاً إلى باب الخروج, ولكن استوقفهم فجأة صوت ضعيف متألم, يقول في استعطاف شديد:
_عامر..النجدة...أرجوك أنقذني.
عاد عامر إلى النافذة المحطمة بعد تعرفه على نبرة ذلك الصوت, وقال في اشمئزاز:
_ألم تسقط وتمت أيها القاتل!.:
تطلع أليه همام بعينين مستعطفتين باهتتين, وقال في رجاء ويده الممزقة بالكاد تمسك بإفريز النافذة الخارجي:
_عامر يا صديقي...أرجوك أنقذني فأنا لم أقصد قتل أمك أبداً...و لن أنسى لك هذا المعروف..
تطلع أليه عامر بضع لحظات في تردد, تجاذبته خلالها مشاعر شتى, ولكنه مالبث أن مد يده له ليجذبه بقوة داخل الحجرة وبخشونة.
لوهلة لم يدرك عامر ما الذي فعله, وما الذي أقدم عليه, ولكن يبدو أن تسامح مصعب وأخلاقه العالية قد وجدت طريقها إلى قلبه لترتسم بعد ذلك على أفعاله التي كان هذا أحدها.
تركه عامر مرمياً على الأرض يأنُ في ألم , وركض مع هيثم إلى خارج الحجرة, وأخذوا يقفزون بسرعة على الدرج متجهين إلى الطابق الأول...
وفجأة سأل عامر هيثم بصوت لاهث من شدة التعب:
_هيثم لماذا أخذت المدفع الرشاش هل تُجيد استخدامه!
أومأ هيثم برأسه نافياً, فقال عامر بذهول:
_ولماذا أخذته أذن؟
أجابه هيثم بصوت لاهث ومتقطع:
_لكنهم.. لا ..يعلمون أني.. لا أُجيدُ استخدامه.
قطب عامر حاجبيه محاولاً فهم ما يرمي أليه, ولكنه ما كاد يفهم حتى صاح في جذل:
_لقد أصبحت رائعاً يا هيثم وذكي أيضاً.
أبتسم هيثم لعبارته, وهما يواصلان ركضهما للخروج من هذا القصر قبل أن تميل الكفة لخصمهم الشرس.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تلألأت دموع مصعب بفعل الأضواء القوية بل كادت دموع القهر تقفز بقوة أكبر من عينيه, وهو يرى جمال يغرق أمام عينيه وهو عاجز..
عاجز تماماً عن إنقاذه, ويدي رجال جابر لا تفارق جسده الذي ما استطاع تحريكه لحظةً واحده..ولكن بغتة تجمدت دموعه تماماً عندما شاهد ذلك الفتى الصغير الذي انطلق كالسهم يعدو نحو المسبح, صائحاً في عزم كبير:
_مصعب لن يغرق جمال البطل..لن يغرق.
اتسعت ابتسامة مصعب, وتسلل الأمل إلى قلبه من جديد بعد أن كاد يفقده, وهو يرى أخاه معاذ يقفز إلى المسبح, بينما صاح رجال جابر في دهشة حقيقية:
_مابه سامي؟
عقد جابر حاجبيه مفكراً, ثم مالبث أن قال بجديه كبيره:
_يبدو أن سامي قد أستعاد ذاكرته بسبب تكرر مثل هذه الحادثة عليه.
غاص معاذ بجسده الصغير إلى قاع المسبح, والتقط جسد جمال, وأخذ يسحبه للأعلى مستفيداً من قوة دفع الماء لهما, وما أن وصل إلى سطح الماء حتى رفع رأس جمال إلى الأعلى ليستنشق بعض الهواء.
صاح أحد رجال جابر بعد أن أخرج مسدسه:
_سأقتلهما معاً.
أشار جابر له بكفه, وقال ببرود عجيب:
_كلا ولكن دعنا نرى ما الذي يمكنه فعله..وإذا ما استطاع أخراجه قتلناهما معاً.
سحب معاذ جسد جمال نحو أحد حواف المسبح بصعوبة بالغه, ومر وقت طويل وهو يحاول الوصول للحافة أستنفذ خلاله معظم طاقته, بالإضافة إلى أن ثقل جسد جمال مقارنة به أعاقه وسبب له إرهاق كبير, فأخذ يصرخ بفزع بعد أن خارت قواه وكاد يغرق مع جمال :
_أخي..لم أعد أحتمل..سأغرق أنا أيضاً...النجدة.
بدأ جسديهما يغوصان معاً نحو قاع المسبح, فأخذ جابر ورجاله يضحكون بشدة, ضحكات مستهترة متلذذة, وكأنهم يشاهدون فيلماً وليس حقيقة ،أستغل مصعب استغراقهم التام في مشاهدة ما يحدث, وتملص من أيديهم, وأخذ يركض بخطوات متعثرة نحو المسبح, صائحاً في لهفه:
_لن أسمح بحدوث هذا مرة أخرى.
ألتقط جابر مسدسه, وصوبه إلى رأس مصعب, صائحاً في نفاذ صبر:
_لقد أجبرتني على ذلك.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
كومنتات + فوت 🌹🌹🌹 لا تنسوها
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top