أنا قتلته ؟! " ٢٨ "

انهمرت الدموع بغزاره من عيني سمر خالة مصعب التي عانقته, وهي تقول بسعادة كبيرة:
_لا أُصدق .. أبن أختي سحر..مصعب...حي.

أجلسها مصعب بلطف على أريكة متوسطه في منزلها الفخم, وجلس بجوارها قائلاً برفق:
_خالتي..أرجوكِ كفي عن البكاء منذ أن التقينا لم تتوقف دموعك.

دفنت وجهها بين كفيها, وأجهشت بالبكاء فزادت من ارتباك مصعب بفعلها هذا...
تطلع مصعب في توتر إلى عامر لعله يسكتها، إلا إنه هز كتفيه في لامبالاة وقال ببرود:
_لا شأن لي..أنت السبب.

تنهد مصعب قبل أن يقول باهتمام بالغ:
_خالتي ..أنا لا يسرني أبداً أن أراك هكذا.

أزاحت كفيها, وقالت وسط دموعها بانهيار, وهي تنظر لوجهه:
_ثلاث سنوات حي وأنا لا أعلم..من كان يطعمك!..أين كنت تبيت!!...من كان يهتم بك!!!...لا أحد أبداً..أكاد أجن..

أجابها مصعب مواسياً:
_هاأنذا أمامك بخير كما ترين...لدي خادمان في منزل والدي ينفذان كل ما أطلبه وعندي صديق بمثابة الأخ لقد كانت أسرته تتولى كل ما أحتاج أليه ووالده كان بمثابة الأب لي ثم أن عمي أسامه شريك والدي لم يقصر أبداً معي.

تطلعت أليه بضع لحظات, قالت بعدها في أسى:
_لن يكونوا كأسرتك أبداً ...من الآن فصاعداً أنا أمك هل فهمت يا حبيبي!

أجابها مصعب باسماً:
_فهمت...
ولكنه مالبث أن قال باستغراب:
_خالتي أنت تشبهين أمي كثيراً.

أطلق عامر ضحكه قصيرة, وهو يهتف:
_ تُشبهها !...إنهما توأمان ألم أخبرك ؟!
استدار مصعب نحوها, وقال بذهول:
_هذا صحيح إنك نسخة طبق الأصل منها.

ابتسمت سمر, وأمسكت بيده قائله:
_أجل إنا توأمان... أوه نسيت..هيا تعال..لابد أنك جائع..لقد صنعت طعاماً لذيذاً احتفالاً بعودة عامر ..يجب أن تذوق طبخي.
سارا معاً نحو صالة الطعام, فصاح عامر بدهشة حقيقية:
_يا إلهي...عمتي هل نسيتني!

عادت أليه وجذبته من يده قائلة في خجل:
_لا أعلم كيف نسيتك...هيا تعال فقد صنعته لك أنت على أي حال.
تجمعوا حول مائدة الطعام وكانت الأصناف كثيرة ولذيذة .

انتهى عامر من طعامه, وقال مداعباً:
_عمتي هل مكثت أسبوعاً كاملاً تطبخين!
ابتسمت ابتسامة كبيرة, وقالت وهي تنظر لمصعب:
_لو كنت أعلم أن مصعب معك لبدأت منذ شهر.

أبتسم مصعب بدوره, وقال بهدوء:
_خالتي إن طعامك هذا رائع ...لم أذق مثله إلا الذي كانت تطبُخهُ أمي.
وضعت ملعقتها, وهتفت في حزن:
_لقد كانت أمك رائعة لقد صدمت تماماً بموتها ...لقد كنت مع زوجي خارج البلاد فترة طويلة يتلقى فيها العلاج من أجل مرضه فهو مقعد ...و عند عودتي صُدمت...

طأطأ مصعب رأسه في حزن شديد, جعل عامر يهمس لها بأن تكف عن الحديث.....بينما لم ينتبه مصعب لتوقفها عن الكلام, بعد أن تسلل الحزن إلى قلبه وسيطر عليه, فرفع رأسه وقال بمرارة:
_عندما ماتت أمي كنت في العاشرة من عمري...لقد صُدمت تماماً بموتها ولم تمر ست سنوات حتى فقدت أبي وأخي الصغير...

ربتت خالته على كتفه, وقالت بحنان:
_مصعب يا حبيبي لا تحزن...إن الظالم سيجد عقابه لا محالة ،اعتبرني أمك وعامر أخاك .

أومأ لها مصعب برأسه موافقاً, ثم قال بغتة في اهتمام شديد:
_خالتي أن لي أخ أخر سأذهب لزيارته بعد..

قاطعته في ضيق :
_كلا لن تذهب من عندي أبداً..لقد سعدت كثيراً برؤيتك فلا تُنغص سعادتي... ستقضي أجازتك كاملة هنا هل فهمت!
أرتبك مصعب بضع لحظات, لأنه كان يريد إعطاءها خبر عن ذهابه فحسب, ولم يتوقع أن تتصرف كأم حقيقية لها حق الأمر عليه.

أبتسم مصعب ابتسامة متوترة قائلاً:
_إن الأمر بالغ الأهمية ولا يحتمل التأجيل أبداً.
أجابته بحزم:
_لا...عليك أن تقضي معي نصف الأجازة أولاً ثم أذهب عنده مدة أسبوع فقط وعد أليّ بعدها..لا تناقشني بعد الآن..هذا أقصى ما يمكنني السماح به.

رمق مصعب عامر بنظرة رجاء, فقال على الفور:
_لا أمل ..أن رأسها أصلب من الصخر.
لم يعد يعرف مصعب ماذا عليه أن يعمل أمام هذا الإصرار البالغ من خالته والذي لم يتوقعه أبداً.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤

مر أسبوع كامل على بقاء مصعب عند خالته, حاول فيه بكل استطاعته أقناعها بضرورة ذهابه, ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً, ولم يشأ هو أن يخالف أمرها بعد أن رأى سعادتها الكبيرة بوجوده معها ..كان يتمنى أن يكون ذلك بإرادتها هيّ حتى لا تتنغص فرحتها بقدومه...
¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استلقى مصعب على الأريكة يشاهد التلفاز مع خالته التي كانت منسجمة تماماً مع ما يعرض, ثم سألها بدهشه :
_خالتي هل تصدقين ما يعرض!! إنه مجرد تمثيل.

مسحت خالته دموعها, وقالت بمرارة:
_كلا إنه حقيقي...أنظر إلى الدم أنه يغطي كل ملابسه.
أنفجر مصعب ضاحكاً, وهو يقول:
_خالتي إنها مجرد خدعه استخدموا فيها سائل ملون باللون الأحمر..كيف تصدقين هذه السخـ...

قطع حديثه رنين هاتفه النقال فالتقطه بسرعة من على الطاولة القريبة منه, وفرح كثيراً عندما رأى أسم المتصل.
_السلام عليكم .
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..كيف حالك يا هيثم.

أتاه صوت هيثم خافتاً:
_بخير ..
سأله مصعب بقلق:
_هيثم مابك إن صوتك لا يبدو على ما يرام!

أجابه هيثم باضطراب:
_مصعب أنا أحتاج أليك.
سأله مصعب, وقد تضاعف قلقه:
_هيثم أخبرني هل أنت و جمال بخير!

صمت هيثم لحظه فجر فيها ما تبقى من قلقه, فصاح ثائراً:
_هيثم أرجوك لا تصمت أخبرني ماذا حدث!
أجابه هيثم بحزن:
_إن جمال في السجن وأنا لا أعرف كيف أتصرف أرجوك تعال.

نهض مصعب عن الأريكة لا أرادياً, وعيني خالته تراقبه بقلق, وهو يصيح في ارتياع:
_في السجن ؟!  لماذا؟

رد عليه هيثم بانفعال جارف:
_مصعب لا يمكنني شرح ما حدث في الهاتف ..تعال وسأخبرك بكل شيء.
أجابه مصعب بحزم:
_حسناً..سأأتي ولكن أين؟.. منزلك أم منزل جمال؟

رد هيثم بمرارة:
_بل في العاصمة.
صاح مصعب في فزع:
_يا إلهي العاصمة...أنا قادم في الحال ..وداعاً.

هرع مصعب إلى خارج المنزل غير آبه بنداء خالته ...وعقله يتساءل بإلحاح عن سر بقاءهم في العاصمة والسبب الذي أدى لدخول جمال السجن.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤

استرخى مصعب على المقعد الخلفي في سيارة الأجرة التي تُقلّه إلى مبنى شرطة العاصمة, والى جواره هيثم الذي سأله مصعب بلهفه شديدة:
_هيثم ماهو سبب سجن جمال؟

فرك هيثم يديه في توتر:
_من أجل السيارة.
سأله مصعب باستغراب:
_أي سيارة!

استدار هيثم نحوه, وقال بارتباك:
_من أجل السيارة التي فجرها عندما كنت مصاباً.

فغر مصعب فاه في ذهول, وهيثم يقص عليه ما حدث ذلك اليوم...
عض مصعب شفته, وأخذ يهمس, وقد غلفت الكآبة كل وجهه:
_فعل ذلك من أجلي...كم كنت سيئاً معه..

أكمل هيثم حديثه دون أن ينتبه لما قاله مصعب:
_إنه الآن مطالب بثمن السيارة التي فجرها بالإضافة إلى غرامه ماليه كبيرة..من أجل إفزاع الناس .

صاح مصعب في سرور كبير:
_سأدفع ثمنها كاملاً بالإضافة إلى الغرامة المالية.
رمقه هيثم بخوف, وقال محذراً:
_لا تقل ذلك أبداً أمامه..بل لا تفكر في أن تنفذه بتاتاً.

سأله مصعب في حيره وإحباط:
_لماذا!
بدت الجدية على ملامح هيثم, وهو يجيبه:
_لقد كاد يقتلني عندما قلت له فقط أني سأخبرك ...وقال أنه سيغضب مني كثيراً لو علمت..ولكني وحدي هنا ولا أعرف كيف أتصرف..ولم أحتمل رؤيته في السجن أبداً.

تنهد مصعب, وقال في أسى:
_أنه لم يرد أبداً على كل اتصالاتي...إنها المرة الأولى التي يطول فيها غضبه هكذا.

أعتدل هيثم في جلسته, وقال بتوتر عندما رأت عيناه مبنى الشرطة:
_مصعب سيغضب كثيراً مني عندما يراك.
أجابه مصعب بثقة:
_لا تقلق ...سأُقنعه وسترى ذلك بنفسك.
¤¤¤¤¤¤¤¤

استرخى جمال على أحد المقاعد في الحجرة المخصصة للزيارة في مبنى الشرطة الضخم, وهو يقول في مرح لهيثم الجالس إلى جواره:
_هل أبدو وسيماً أكثر في ملابس السجن يا هيثم !

ارتسم الحزن بكل تفاصيله على تقاسيم وجه هيثم دون أن ينبس ببنت شفه، فربت جمال على كتفه وقال باهتمام:
_هيثم هل ستفعل في كل مره تأتي لزيارتي هكذا...إنك حزين وكأنك أنت في السجن..أنظر ألي أنا راضي بما أنا فيه وأضحك ملأ فمي ولا أهتم...فلماذا تعذب نفسك بي..أرجوك عد إلى مدينتك فأنا قلق من بقائك وحدك في العاصمة.

نظر أليه هيثم بطرف عينيه لحظه قبل أن يقول بارتباك:
_لم أعد وحدي.
تسلل القلق إلى قلب جمال فسأله بلهفه:
_ماذا تقصد بقولك هذا؟

رمقه هيثم بخوف, وقال بصوت بدا التوتر في نبراته:
_جمال أرجو أن تسامحني لم أحتمل أن أراك سجيناً.. فأحضرت معي...

قاطعه جمال في غضب:
_حسان أليس كذلك!...هيثم ألم أقل أنك يجب أن تُبقي الأمر سراً بيننا.

كاد هيثم يبكي, وهو يصيح بمرارة:
_جمال لم أحتمل أن أراك سجيناً وأنا حر طليق لقد قلت لهم أن يسجونني معك ولكنهم رفضوا ...فلم يعد أمامي خيّار إلا أن أبحث عن من يستطيع مساعدتك وإخراجك حتى لو غضبت مني.

أحنى جمال رأسه بعد أن شعر بالشفقة عليه, وقال بلهجة المغلوب على أمره:
_لا بأس ..ولكنك تعلم مثلي تماماً أن حسان لو باع كل ما يملك ما كان ليفي بربع المال المطلوب مني...ولكن مادمت قد صممت على ذلك فلا بأس ستُعذبهُ قليلاً برؤيتي ثم يخرج بعدها بخاطرً مكسور.

أراد هيثم أن يخبره أن الشخص الذي أحضره ليس حسان, ولكنه خشي أن يرفض جمال مقابلته فآثر أن يكتشف جمال ذلك بنفسه .

نهض هيثم بسرعة إلى الخارج, وأشار بيده لمصعب لكي يدخل، ولكن ما كادت عيني جمال تقع على مصعب حتى أُصيب بصدمة, و تفجرت كل آلامه الماضية لتضاف إلى آلام السجن, فأشاح بوجهه عنه, وقال في حنق مخاطباً هيثم:
_هيثم لم أعهدك تخلف وعداً قطعته من قبل.

أجابه هيثم بصوت مرتجف دون أن يقترب منه:
_جمال أنا أسف...أرجوك لا تغضب مني...عليك أن تقدّر موقفي...

تردد مصعب لحظة قبل أن يقترب من جمال, ويقول:
_لا تلمه..أنا من صممت على القدوم معه.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي جمال, وهو يستدير نحوه قائلاً بسخرية مشوبة بغيظ:
_لماذا أتعبت نفسك بالمجيء أيها الثري الصغير!!.. لتعذب عينيك بمرأى المبتز في السجن...أم لأمارس عليك هوايتي المفضلة التي أكتشفها قريبك وشهدت عليها بنفسك .

أقترب منه مصعب أكثر, وقال معتذراً:
_لا هذا ولا ذاك...لقد جئتُ لأعتذر..أنا أسف يا جمال من أجل ما حدث ...يجب أن ننسى ..

قاطعه جمال في عصبية:
_ننسى!!.هل تقول ننسى؟! .. من السهل عليك أن تنسى أنت.. أما أنا فلا لأن الجرح كان بكرامتي أنا وليس بكرامتك أنت.

أزدرد مصعب لعابه بصعوبة, وهو يقول في لهجة ودود:
_جمال يا أخي...أخطأت و جئت لأُعدلّ خطئي...أخي..أفهمنـ..

أطلق جمال ضحكة ساخرة, وهو يقاطعه متهكماً:
_أخي...تقول أخي...ياللسخافه..أين اختفت هذه الكلمة عندما وصفني عامر بما وصفني به أمام عينيك وسمعك...

صاح به هيثم في حده:
_جمال لقد ترك خالته وهرع إلى هنا فور علمه بسجنك...فلا تقل له ذلك.

رفع جمال حاجبيه في دهشة مصطنعه, وقال بسخرية لاذعة:
_هرع من أجلي...يال رقه مشاعره...شكراً لك أيها الفتى النبيل..ما كان عليك أن تتعب نفسك من أجل فقير مثلي...أنظر لقد نصحتني أن أتوقف عن الابتزاز ولكني لم أستجب لك فكان السجن جزائي..

تطلع أليه مصعب بضع لحظات في ألم, ثم قال بمرارة:
_جمال...أرجوك..لا تكن عنيداً...لقد اعتذرت لك وسأقول لك مرة أخرى أنا أسف.. لقد أخطأت .. ولقد قررت العودة معك إلى مدينتنا...

أشار له جمال بطرف يده بجفاء ليخرج, وهو يقول بحده:
_لستُ بحاجةً لأسفك...ثم إني لم أعد أُطيقُ رؤيتك...

صُدم مصعب تماماً من طرد جمال الصريح له, واتسعت عيناه في ذهول ..إنه لم يعهد جمال قاسياً بهذا الشكل...إنه حتى لا يقبل اعتذاره المتواصل..فهتف بصوت غلف الحزن نبراته:
_جمال أرجوك كُفّ عن عنادك هذا...لقد مر أكثر من ثلاثة أيام على خصامنا ..وهذا لا يصح...سأنفذ كل ما تريد المهم أن تنسى ما حدث.

تنهد جمال عند ذلك, وقال ببرود مفتعل:
_لا بأس مادمت ستنفذ كل ما أريد...أدفع ثمن السيارة التي فجرتها بالإضافة إلى الغرامة المالية..ولن أمانع إذا ما كتبت إحدى شركاتك باسمي...
ثم مال بوجهه نحوه مكملاً بلهجة تفيض بالسخرية:
_فما أنا إلا مبتز جشع يحُسن استغلال الفرص..وهذا ما قصدته بقولك.

هز مصعب رأسه بقوة, وقال بارتباك شديد:
_أقسم أني لم أقصد ذلك ..جمال مابك! لم أعهدك هكذا أبداً..لا تسيء الظن بي.

ضحك جمال قبل أن يقول بصوت مرتفع:
_أضف سوء الظن إلى قائمة مميزاتي التي اكتشفتها مع قريبك.

ارتمى مصعب على أحد المقاعد ..في ذهول شديد..
لم يتصور أبداً أن يكون جمال غاضب وحانق عليه إلى هذه الدرجة..أنه لم يكف عن السخرية به للحظة واحده..فهل حقاً قد وصلا إلى مفترق الطريق....أخذ مصعب يلوم نفسه بقوة من أجل ما حدث..
أنا السبب...فقدت أبي وأخي..والآن بيديّ أنا فقدت أخر من بقي لي...لماذا فعلت ذلك ..لماذا...لماذا!
طأطأ مصعب رأسه, بعد أن ارتسم الحزن والألم بكل تفاصيله على وجهه .

سار هيثم بخطوات غاضبه نحو جمال, وهو يقول بحده:
_جمال..أنت قاسي..أنظر ماذا فعلت به..أهذا جزائه لأنه هرع أليك ...هيا أذكر كم مره أخطأت في حقه وصفح عنك...

أجابه جمال بعصبية:
_هيثم إن ما سببه لي لا يساوي ما سببته له مجتمعاً..لقد أهان كرامتي حين صدق ذلك الحقير...

قاطعه مصعب بانهيار:
_جمال أنا لم أصدقه...

صرخ جمال, وهو يلوح بسبابته في وجهه:
_بل صدقته...أنا لا أُخطيء في فهمك أبداً...لقد سببت بنظرتك المرتابة تلك جرحاً غائراً في كرامتي ...أنا طوال ثلاثة عشر سنه أصحبك طمعاً في مالك يالها من أهانه.

احتقن وجه مصعب بشده, فعاد ليطأطئ رأسه ليخفي عن عينيهما تلك المرارة التي تجاهد لتتفجر على صفحة وجهه, فصاح هيثم غاضباً:
_جمال أنت سيء...عليك أن تكون ..

قطع حديث هيثم رنين هاتفه النقال فالتقطه بسرعة, وما أن رأى أسم المتصل حتى أسرع خارجاً بخطىً متوترة.

ألقى جمال نظره متشفية إلى مصعب الذي ظل مطأطأ الرأس دون أن يرفع رأسه نحوه,
فاستدار نحوه هاتفاً بابتسامه كبيرة ساخرة:
_لماذا لم يأتي حارسك الشخصي معك لكي يحميك من مخالب المبتز!!
لم يجبه مصعب فأكمل جمال سخريته حين طال انتظار جوابه:
_أو لعله يختبئ هنا أو هناك لينقض عليّ في الوقت المناسب...فهو ذكي جداً.. لقد استطاع أن يكتشف ما لم تكتشفه أنت طوال ثلاثة عشرة سنه بسبب سذاجتك.

صمت جمال بعد كلماته تلك فرفع مصعب رأسه نحوه بوجه شاحب وعينين محمرتين, سائلاً بهدوء:
_هل اكتفيت!
هز جمال كتفيه في لامبالاة, وقال ببرود عجيب:
_نعم لقد اكتفيت...ويمكنك الآن الذهاب.

حدق مصعب في وجهه لحظه عاد بعدها يردد بصوت يائس:
_أذهب...تُريدني أن أذهب...هل حقاً وصلنا لمفترق الطريق؟!.

أشاح جمال بوجهه عنه متجاهلاً كلماته, فاحتضن مصعب رأسه بين كفيه, وأخذ يهزه بقوه, وهو يردد بألم وانهيار:
_مفترق الطريق..مفترق الطريق.

تطلع أليه جمال بضع لحظات بشماتة..لقد رد لمصعب كل أهانته, وشعر أن كل الغضب الذي سيطر عليه مدة أسبوع بدأ يتلاشى ..لقد تساويا الآن ولم يعد هناك أي سبب لبقائه فلماذا لا يذهب.

بقي مصعب على وضعه المؤلم ذاك وقت ليس قصير, ولكنه بغتة رفع رأسه, وقال بابتسامة مغتصبه حزينة:
_جمال هل نسيت وعدنا لأبي أن تبقى أخوتنا وصداقتنا مهما صار!

أرتبك جمال لحظه قال بعدها بكبرياء:
_كلا لم أنسى...ولكنك قد تسببت في مقتل أخوتنا كما تسببت في مقتل والد...

أبتلع جمال لسانه حين شعر بفداحة ما قال, وألقى بنظرة متفحصة قلقه لمصعب الذي بدا كما لو كان صُفع, وهاله الامتقاع الشديد الذي اكتسى به وجهه, وعينيه التي ظلت محدقة به وقد اغرورقت بالدموع, ولسانه يردد بهذيان وانهيار:
_يا إلهي...أنا قتلتُ والدي!.. أنا قتلته!

---------------

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top