أختطاف " ٣١ "


مضى وقت طويل على صمت ثلاثتهم قطعه جمال الذي نظر بطرف عينه إلى عامر, ثم هتف بازدراءٍ واضح:
_ألن تذهب !

وضع عامر أحدى قدميه على الأخرى, وأجابه بغطرسة:
_كلا..لن أذهب حتى يعود قريبي مصعب..وأودعه.
أشار أليه جمال بكفه, وقال ساخراً:
_سأوصل له وداعك...فلا ترهق نفـسك بانتظــ ..

صاح هيثم بغتة مقاطعاً حديثهم المشحون :
_لقد تأخر مصعب.

قال عامر ببرود شديد:
_إن خالتي عنيدة ولن تقتنع بسهوله.

نظر هيثم إلى ساعته, وقال باستغراب:
_وهل سيأخذ أقناعه لها أكثر من نصف ساعة!...كلا .. هذا مستحيل..
نظرا أليه بتوتر كبير فقد أستطاع بكلماته تلك أن يثير القلق داخلهم.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤

سأل موظف المطعم ثلاثتهم باهتمام شديد:
_هل تقصد الفتى المصاب بمرض نفسي!

نظر ثلاثتهم لبعضهم البعض بدهشة، فعاد يسألهم باهتمام أشد:
_هل تقصدون فتى كان يرتدي بنطال بني وقميص أصفر وطوله بطول هذا الفتى!
وأشار إلى جمال, فقال له عامر ببرود عجيب:
_نعم هو بعينه .. أين ذهب!

طأطأ الموظف رأسه, وقال بأسى:
_مسكين ذلك الفتى لقد أُصيب بانهيار عصبي بعد وفاة والدته فأخذ أحد الأطباق ورمى به والده ثم أذى عمه ولكنه مالبث أن انهار وسقط فاقداً الوعي.

ردد هيثم كلماته في شبه صدمه :
- وفاة والدته؟!... عمه ! ...فقد الوعي ؟؟...أنا لا أفهم شيئا.

وأدار بصره المتسع حيرةً واستنكاراً لجمال كي يسأله عما يعنيه ذلك..
ولكن حاجبي جمال المعقودان بشده ووجهه المحتقن غضباً ونظراته التي فاضت بالشك جعلته يهتف بفزع :
- يا إلهي ...لا يُمكن .
فيما راح يلقي جمال سؤال غاية في اللهفه لموظف المطعم :
_وأين هو الآن؟

أجابه الموظف بهدوء:
_لقد أعتذر والده منا من أجل ما حدث ودفع ثمن ما أتلف ثم حمله وخرج به...

سأله عامر بحده :
_منذ متى خرج؟
عاد ليطأطئ رأسه, ويقول بحزن:
_لم يمضي على خروجه وقت طويل لقد قال أنه سينقله إلى المستشفى ..مسكين.
ثم رفع الموظف رأسه, وسألهم بفضول:
_هل أنتم أقربائه؟

ولكنه لم يجد أجابةً لسؤاله لأنه لم يعد هناك أي أحد من الممكن أن يجيبه...
فقد كان المكان خالياً
خالياً تماماً.
¤¤¤¤¤

بالكاد أوقف هيثم تتابع ساقيه عن الركض ليقف أمام الخط السريع المواجه للمطعم صائحاً بصوتٍ عالي:
_أنهم هناك.

استدار عامر وجمال نحوه, وشعروا بغيظ شديد عندما رأوهم، فقد كانوا يحاولون أرقاد مصعب الفاقد الوعي على المقعد الخلفي للسيارة.

أشتبك جمال مع أحدهم على الفور, بينما اشتبك عامر مع الآخر, في حين هرع هيثم إلى مصعب وحاول أخراجه, ولكنه لم يحتمل ثقله, فعاد نحو جمال صائحاً في توتر شديد:
_جمال لم أستطع حمله؟

أجابه جمال في حنق ، وهو يحاول إسقاط خصمه الضخم :
_قُد سيارتهم أيها الغبي وابتعد بها.
اتسعت عينا هيثم, وقال في جذل:
_هذا صحيح.

عاد هيثم راكضاً إلى السيارة, وفتح باب السائق, ثم جلس, وأقفل الباب بأحكام قبل أن يتشبث بمقود السيارة لحظه قصيرة, قام بعدها بإخراج رأسه من النافذة, وصاح ببلاهة:
_جمال ولكن أنا لا أعرف القيادة!

أسقط جمال خصمه, وهو يصيح في عصبيه ثائرة:
_سأقتلك أيها المعتوه..ولكن بعد أن أنهي هذا القذر أولاً.
صاح عامر، وقدمه ترتفع لتركل خصمه في صدره:
_جمال أذهب وأنا سأتولى أمر الآخر.

تجاهله جمال, ويداه تقبضان بقوه على عنق خصمه, فقال عامر بعصبيه:
_سأكون بخير هيا أنقذ مصعب .

نهض جمال عنه بعد تردد بسيط, وهرع إلى السيارة, وعندما فتح باب السائق شعر بنوبة عارمة من الغضب تجتاحه حينما وجد هيثم مازال يتشبث بالمقود في بلاهة ،فصاح بكل ما يعتمل داخله من انفعال:
_أبتعد أيها الأحمق.

دفعه جمال بقوة وصعد هو ثم قاد السيارة بعيداً بسرعة جنونية.
¤¤¤¤¤¤¤¤

بدا جمال غاضباً للغاية, وهو يصرخ بصوتٍ عالي:
_لماذا أخبرته بالشقة التي استأجرناها؟

أقفل هيثم هاتفه النقال قبل أن يجيبه ببرود عجيب:
_جمال كُفّ عن الصراخ..إن له حق الاطمئنان على مصعب أكثر منا فهو قريبه...لا تجعل حقدك عليه يحول دون رؤيتك لما هو صواب.

مط جمال شفته في حنق, وأشاح بوجهه عنه, فقد كان كلامه منطقياً...
منطقياً تماماً...

أرتفع بغته صوت جرس شقتهم, فقال هيثم في عجلة:
_أظنه هو.
فتح هيثم باب الشقة, فدخل عامر بهيئة مرتبة قائلاً بهدوء:
_السلام عليكم.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

دار عامر ببصره في الشقة لحظه قال بعدها بازدراء:
_ألم تجدوا غير هذه الشقة العفنة!

جلس هيثم على الأريكة, وأجابه في تذمر:
_هذه الشقة العفنة استطاعت أن تُفرغ كل مافي جيبي وجيب جمال.

عقد عامر حاجبيه متفهماً ذلك, ثم سأل باهتمام شديد:
_كيف حال مصعب الآن؟

استدار هيثم نحوه, وقال بجديه:
_إنه بخير كما أخبرتك من قبل...لقد وجدنا في ذراع قميصه بقعه صغيرة من الدم فعرفنا على الفور أنه حُقن بمخدر...أنه نائم في تلك الحجرة.

هز عامر رأسه علامة الفهم, وهو يسير نحوهم, وجلس على الأريكة الثالثة بعد أن نزع سترته السوداء.

بينما تمدد جمال على أريكته, واستدار بظهره نحوهما, والغيظ يكاد يفجره من وجود عامر...
تطلع هيثم إلى عامر, وسأله بفضول شديد:
_كيف تغلبت عليهما!

وضع عامر إحدى قدميه على الأخرى, ورد ببرود عجيب:
_لم يكن الأمرُ صعباً...ما أن غادر جمال حتى انتهيت من الأول ثم استدرت إلى الثاني الذي لم يأخذ مني وقت طويل نتيجة ما تلقاه من جمال.

شبك هيثم بين أصابعه, وبدا مصغياً تماماً, وهو يسأله بشغف:
_ألم تخشى أن يستخدموا السلاح!

هز عامر رأسه قائلاً بثقة:
_ما كانوا ليستخدموه أبداً.

اتسعت عينا هيثم دهشة, فاستطرد بهدوء مفسراً سبب ثقته:
_إن رصاصه واحده كفيله بإفزاع المارة ورواد المطعم وجذب كل دوريات الشرطة.

ظل هيثم يحدق فيه للحظات بإعجاب بالغ فقد استطاع القتال والتفكير في آنً واحد, ولكنه مالبث أن تثاءب بشدة قبل أن ينظر إلى ساعته ويقول في إرهاق واضح:
_إنها الواحدة صباحاً لم أعد أحتمل...سأذهب لأنام...ولكني سأطمئن أولاً على مصعب...طابت ليلتكم.

نهض هيثم بعد كلماته تلك وغادرهما بخطىً سريعة.
ران صمت ثقيل على المكان بعد خروج هيثم, قطعه عامر بقوله باستغراب شديد مخاطباً جمال:
_ أنت لست مثل مصعب أبداً..أنه سرعان ما يتسامح و ينسى.

أجابه جمال ساخراً دون أن يستدير نحوه:
_هل حان دوري !
حرك عامر رأسه, وقال بضيق:
_كلا..لقد تبت ولن أكررها مرة أخرى...ولكن أنت حقاً تختلف عن مصعب.

رفع جمال صوته مجيباً:
_لأني لستُ ساذج.

رفع عامر حاجبيه, وقال باستغراب أشد:
_وهل كان مصعب ساذجاً حين تسامح !

أطلق جمال ضحكه ساخرة, أجابه بعدها في جرأه:
_رائع..لقد حصلت على هدفك..إنها فرصتك الآن..أذهب وقل له أني قلت عنه ساذج.

مط عامر شفته السفلى في غيظ, وهمّ بأن يفتح شفتيه ليجيبه, ولكن بغتة ودون أي مقدمات دوت صرخة عاليه متألمة من حجرة مصعب ...

نهض كلاهما مفزوعين, وركضا معاً إلى حجرة مصعب, والقلق قد بلغ ذروته داخلهما, وهما يتساءلان عن سر هذه الصرخة.
¤¤¤¤¤¤¤¤

صفع شاهر بقوة هائلة ذلك الضخم الواقف أمامه, وهو يصيح بعصبية مفرطة:
_كيف استطاع فتيّان لم يتجاوزا العشرين من عمرهما التغلب عليكما!.

أجابه الضخم بصوت مرتجف بعد أن تحسس خده في ألم:
_لقد باغتني... إنه حتى لم يعطني فرصه واحده لأدافع عن نفسي.. لقد ركلني ركلات متتالية ظننت معها أن صدري لم يبقى به عظماً واحداً غير مهشم .

استدار شاهر نحو الآخر, فبادر يقول بكل هلع, وهو يتحسس عنقه في ألم:
_لقد خنقني حتى كدت أموت ثم جاء الآخر وركلني في رأسي ركله لم أرى بعدها ما أمامي.

انتفخت أوداج شاهر, وأخذ يصيح بكل عصبيته, وهو يجذبه من ياقة سترته, ويهزه بعنف:
_إذن فقد انتهى من المعتوه الأول ثم استدار نحوك ليكمل ما بدأه رفيقه فوضع ختمه الأخير على رأسك الفارغ القذر.
لم يتمالك شاهر نفسه بعد ذلك, فصفعه هو الآخر مكملاً بمرارة:
_ ألم أدفع أموال طائلة على تدريبكم يا براميل الشحم !

تحسس الأول صدره في ألم, وقال بصوت مرتعد:
_لقد تدربنا على استخدام السلاح فحسب...أما رياضة تقوية الأجسام فلا.

وضع شاهر كفه على رأسه, صائحاً في قهر حقيقي:
_من أين أتيت بهؤلاء الحمقى يا جابر!

تقدم جابر نحوهم, والذي ظل صامت طوال الوقت, وقال باعتذار قلق:
_لقد ظننت أنهم أكفاء... ولكن لا تقلق سأذهب بنفسي خلفه.

رمى شاهر بسيجارته المشتعلة, وقال بعصبية:
_لقد قلت لك من قبل أن تذهب بنفسك ولكنك استهنت بهم ... جابر إن لم تحضر مصعب خلال يومين ...فسأجعلك تختار طريقة قتلك بنفسك.

أزدرد جابر لعابه, وهو يومأ برأسه موافقاً, في حين استدار شاهر نحو الاثنين صائحاً:
_أمازلتما هنا هيا أخرجا قبل أن أمزقكم بأسناني .
هرع الاثنان للخروج بأقصى سرعتهم قبل أن ينفذ ما قاله حقاً .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

توقعكم
ماسبب الصرخة الصادرة من حجرة مصعب؟!

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top