الفصل الواحد و الثلاثون



الفصل الواحد و الثلاثون



دخلت مي وكل كلامها إصرار على رأيها ولا ألومها

مَن ترضى أن تعيش مع رجل زوج وليس بزوج , له

زوجة غيرها تأخذ حقها وحق نفسها منه وهي لا دور

لها سوا إلقاء اللوم عليها في كل شيء واعتبار وجودها

السبب في أي شيء يحدث من مشاكلي ووسن لمرضها

الدائم وحتى وليد لازال ينتظر وعودي بالحديث معها

وها هي النتيجة سمعت حديثنا ولا نفع من إخفاء ما حدث

عنها ، رن هاتفي فنظرت للمتصل فكان وليد فلم أقدر أن

أجيب عليه ولم أعرف ما أقول له وهوا من ينتظر مكالمتي

بعدما سأتحدث معها ، عاود الاتصال مرارا وتكرارا

فأجبت وقلت مباشرة " أنا عند الساحة تعال لي هنا "

ثم أغلقت الخط وأعدت هاتفي لجيبي ووصل هوا

عندي بعد قليل ووقف أمامي وقال " ماذا حدث معك

فقد اتفقت يومها مع عمها وعاصم وقالا القرار لها "

قلت من فوري " لأجل ذلك إذا اختفيت يوما كاملا "

أبعد نظره عني وقال " كان عليا حسم الأمر معهم أولا "

قلت بهدوء " مي سمعت كل حديثنا يومها "

نظر لي بصدمة وقال " أي حديث !! "

تنهدت وقلت " الحديث الذي دار بيننا في المكتب

عن حادث اغتصابها "

قال بصدمة " سمعت كل شيء !! "

هززت رأسي وقلت " تقريبا وخمنت أنه أنت

من أخرجها يومها "

قال بعد صمت " وماذا عن ما اتفقنا عليه هل حدثتها عنه

فأنت من اشترط أن تكلمها أولا "

نظرت للأسفل وقلت " رفضت الزواج بالكلية "

قال من فوره " لما وهي كانت تريدني "

رفعت نظري له وقلت " ليس سهلا عليها أن تعلم بكل ذلك

وأنك السبب مهما كانت أسبابك وهي تصر على ترك المزرعة

من قبل أن ينتهي العام ونحن الآن نعبر الشهر التاسع منه وها

هي اختارت الابتعاد بطلاق أو بدونه وبدون زواج "

قال بضيق " كيف هذا يا نواس كيف تبقى معلقة فالشروط

تقضي بزوج غيرك لتطلقها "

أبعدت نظري عنه وقلت " لا يبدوا لي مي من النوع الذي

يرضى بالعيش على الجراح يا وليد "

قال باستغراب " ما معنى كلامك هذا !! "

نزلت بنظري للأرض وقلت بحزن " أعني أن الجرح سيبقى

حائلا بينكما مهما تغاضيتما عنه ومن ناحية مي خصوصا ستبقى

ترى نفسها ناقصة في نظرك بسبب اغتصابها لأنك تعلم وستبقى

تذكّرك دائما أنك السبب أي أن اجتياز الجراح أمر صعب

جدا يا صديقي "

ثم رفعت نظري له وهوا ينظر لي بحيرة وقلت بسخرية " حتى

أنا ووسن رغم كل ذاك الحب الذي دام لسنوات وبقي حتى الآن

لازلنا نعاني ضغط جراحنا جرحي القديم منها وجرحها الحديث

مني وكلما تشابكت الخيوط تذكر أحدنا وذكّر الآخر بجرحه منه

ليفتح له الثاني دفتره أيضا ومي إن كانت كما أعرفها فلن ترضى

هكذا حياة خصوصا وهي تشهد تجربتي ووسن أمام عينيها "

هز رأسه وقال " لو لم تكن صديقي لقلت أنك تكرهني ما كل

هذا التشاؤم يا نواس وأنا من علقت آمالي عليك في إقناعها

بي وبنسيان الماضي وتجاوزه "

تنهدت وقلت " حاولت جهدي ولن أقول لك غير حاول ولا تيأس

لكن ضع جميع الاحتمالات نصب عينيك فالحياة كل شيء فيها

متوقع وأنا لن أترك مي دون زواج منك أو من غيرك "

تركني حينها دون أن يضيف شيئا وغادر وابتعد خلف الظلام

أعلم أنني قسوت عليه لكن عليه أن يعلم الحقيقة ويتوقعها فمي

تقرأ المستقبل بعين الحاضر وتعلم جيدا أن الماضي لن يتركهما

وشأنهما وهذا كان واضحا جدا من كلامها , إن كنا أنا ووسن

لازلنا نصارع جراح الماضي حتى الآن فكيف سيكون الحال

معهما ولست ألومها ولا ألومه فالحب أمر مجهد حد الوجع

والجرح موجع حد الإجهاد وفي هذه المعادلة ينجح الجرح

أغلب الأحيان , دخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة وسن

بعدما حُسم الأمر مع مي فعصام هوا من سيستأجر منزلا لهما

ولن ترجع لإخوتها ورغم أنف الجميع , هوا فقط يريد أن يرتب

أموره لبعض الوقت وبنهاية العام سأطلقها لأنه وعدني بإقناعها

بالزواج من أي كان وأنا طبعا من سأختار ذاك الزوج لها وليد

أو غيره فلا أريد أن تكون لأي رجل كان يظلمها فوق ما رأت

من ظلم , وصلت باب غرفة وسن وفتحته لأفاجأ به مغلق من

الداخل جربت كثيرا وبلا فائدة طرقت ولم تجب فطرقت مجددا

وقلت " وسن افتحي الباب لما تغلقيه على نفسك "

والنتيجة واحدة فصعدت للأعلى وجلبت المفتاح الآخر وفتحته

لأفاجأ بها تجمع أغراضها في حقيبتها فوقفت مصدوما مما أرى

أمامي وهي تخرج ثيابها بعشوائية وترميهم فيها وتمسح دموعها

بقوة وقهر وتتجاهلني تماما ولم تنظر جهتي ولا مجرد النظر فتوجهت

نحوها وأمسكت يدها وأخذت منها الثياب التي فيها ورميتها في

الخزانة وقلت بحدة " وسن هل جننتي ما هذا الذي تفعلينه "

سحبت يدها مني بقوة وقالت بغضب " نعم جننت جننت

يوم صدقت أكاذيبك يا نواس "

ثم أشارت لنفسها وقالت ودموعها عادت للنزول " تكذب علي

وتمثل أيضا وأنا من غبائي صدقتك , نهايتها تشفق عليا يا نواس

يا ابن خالتي يا قطعة من هذه التي أمامك "

قلت بصدمة " ما معنى هذا يا وسن ما تعني بكلامك "

ابتسمت ابتسامة ساخرة خرجت معها ضحكة متألمة بحرقة

وقالت بأسى " تطلب منها أن تتنازل وتستحملني لأنك لست

بأقل منها ودست على جرحك مخافة أن أصاب بالسرطان

وأموت , آخر ما توقعته أن تكون بهذا الانحطاط يا نواس "

أمسكت ذراعها وهززتها وقلت بحدة " توقفي عن إهانتي هكذا

يا وسن هل لأني أخاف على صحتك أكون منحطا لأني أحبك

وأداريك كي لا أفقدك تنزليني لهذه الدرجة "

قالت بسخرية " وتعترف أيضا تخاف على صحتي وتراعيني

من أجل ذلك هل أصبحت بهذا الوضع المزري لتشفق

عليا أنت وزوجتك "

تركت يدها بقوة وقلت بغضب " يكفي تفوها بالحماقات يا

وسن من أين يرسل عقلك هذه الأفكار "

عادت لإخراج أغراضها وقالت " من الجنون طبعا ألا تخشى

أن أجن أيضا وأنا من غبائي أضنك تحبني حقا وأن كل

كلامك ذاك حقيقة وهوا تمثيل "

أخذت منها الثياب مجددا ورميتهم على الأرض وقلت بغضب

" يكفي جنون فلا خروج لك من هنا تفهمي "

قالت بغضب أشد " بل سأخرج إن اليوم أو الغد ولن أرجع لك ولو

حفيت هذا إن فكرت في أن تحفى من أجلي فلتبقى لها وحدها من

تهمك وتراعي مشاعرها كثيرا سحقا لكم معشر الرجال قلوبكم صوان "

قلت بصراخ غاضب " هل أنا من أصبح الملام الآن لما لا تري

أن كل هذا من أجلك أنتي فما سيجبرني على أن أدوس جرحي

وأنسى ما فعلته وأخاف على صحتك هل هوا الانتقام أيضا "

قالت بحدة " نعم تمُن عليا بذلك وتتبجح بأنك دست على جرحك

من أجلي لا يسمعك أحد ويضن أني ارتكبت جرما لو كنتَ جدار

لرأفت لترجي لك ونسيت لكنك حقود وبقلب أسود يا نواس لم ولن

تنسى مهما حدث واسمعها مني يا ابن خالتي مثلما لم تنسى فلن

أنسى لأنك جرحتني كما جرحتك يوم تزوجت بها وتركتني ولا

مجال لأسامحك كما فعلت اليوم وكنت سأرضى بالعيش مع واقعك

لأنك لا تستحق لا حبي ولا تضحيتي ولا شيء لأنك أجوف

من الداخل تسيرك مصالحك "

شددتها من ذراعها بقوة وسرت بها نحو السرير ورميها عليه

فانقلبت للجانب الآخر وأمسكت معدتها فقلت بغضب

" هل ارتحت الآن هذا فقط لتعلمي أنك الملام الوحيد في كل

هذا أنتي سبب أوجاعك وستنتهين على يديك أنتي "

قالت بتألم وهي تخفي وجهها عني وتمسك خصرها بقوة

" أخرج واتركني يا نواس لم اعد أريد رؤيتك ولا سماع

صوتك ولا شفقتك علي أخرج من حياتي أكرهك تفهم "

فخرجت حينها ضاربا باب الغرفة بقوة وهذه كانت النتيجة لأننا

تجاهلنا الجراح ولم نشفيها ضننا أنه يمكننا تجاوزها وهي تنزف

لكن الأمر لن ينجح بالطبع , هي سمعت جزء من حديثنا على ما

يبدوا وربط عقلها الأحداث كما يريد وظهرت وسن الحاقدة من

جديد التي ظننت أنها ماتت مع نواس المجروح لكنهما وعلى ما

يبدوا لازالا على قيد الحياة وسيقفان بيننا للأبد , توجهت لمكتبي

وقضيت ليلتي هناك ليلة لم تشرق عليها شمس الصباح وكلما

اقتربت من غرفتها سمعت صوت تقيئها يصل للباب وها قد عدنا

لنقطة البداية , لو فقط ترحم نفسها ولو بالمسكنات لكنها لا تتغير

تهوى تعذيب نفسها وتعذيبي ويبدوا أنها كمن يريد الانتحار لتموت

بالبطيء وهي باتت متأكدة أن في هذا موتها

ومر بعدها باقي الأسبوع لم أرها فيه قط ولا أسمع أخبارها سوا

من سائقها أنها تذهب للجامعة فاختباراتها هذا الأسبوع ومن راضية

التي تأخذ لها الطعام وهي ترفضه أغلب الأحيان وثيابها لازالت

في حقيبتها حتى الآن لا أعلم ما يخبرها عقلها وأين تريد الذهاب

كان الوقت ليلا والليل مقمرا وأنا أقف مكاني الذي أصبح كالإدمان

وهوا ساحة الخيول وكأنه بات يذكرني بشيء آخر كان لي وضاع

مني وما أكثر ما أخسر في هذه الحياة , رن هاتفي ونظرت للمتصل

فكان جواد فتجاهلته لأنه لا مزاج لي لأحد لكن إصراره جعلني

أجيب عليه فقال مباشرة " وأخيرا ... كل يوم أقول قد يكون

مشغولا والنتيجة تتهرب مني "

قلت بهدوء " كيف حالكم "

قال بضيق " كيف حالنا برأيك فرح كانت ولادتها منذ يومين

ولا أحد منكما يجيب أنت وزوجتك لأخبركما ولا أسمع حتى

صوتك في غربتي هذه وظروفي تلك "

قلت " حمدا لله على سلامتها المهم أنها وابنك بخير ماذا

سيفعل لك اتصالنا "

قال مباشرة " ما بكما ستتكلم الآن يا نواس "

قلت بحيرة " ومن أين علمت أن بنا شيئا "

تنهد وقال " من وسن طبعا اتصلت بفرح في ليلة لا يعلمها غير

الله وسمعتُ صوتها ونحيبها بأذني وهي تترجانا لنعود هناك

ونأخذها معنا , نواس لا أريد أن نخسرها وأخسر زوجتي

فولادتها تعسرت وجاءت قبل موعدها بأيام بسبب ذلك "

قلت بضيق " عجزت معها يا أخي فعلت كل ما أقدر عليه

وهي لا تختار سوا أن تتألم حتى تنتهي أرحموني أيضا

أنا في النهاية بشر لما وحدي الملام "

قال بهدوء " سأوقف دراستي وسنرجع "

قلت بصدمة " ماذا تقول !! "

قال " ما سمعت أنا لست على استعدا لأخسر ابنة خالتي

وزوجتي في آن واحد ففرح لن ترتاح أعرفها تعذب نفسها

حتى تنتهي نهاية وسن بل سينتهي زواجنا بالطلاق على هذا

الحال ووسن إن بقيت هكذا ستتقهقر حالتها أكثر ونندم وقت

لا ينفع الندم , بقي لي مادتان ثم سأكمل جميع إجراءاتي ونرجع

ونأخذها معنا , على الأقل تستقر أموركما وتجدا حلا لكما

بعيدين عن بعض "

قلت بضيق " بماذا تهدي يا جواد أين تأخذها هل هي فوضى "

قال بهدوء " فكر في الأمر فهوا الحل الوحيد وفي كل الأحوال

سأوقف دراستي وسنرجع ووسن على علم بذلك ... وداعا "

ثم أنهى الاتصال وتركني أتأفف بغيظ , لهذا إذا هي تركت

حقيبتها جاهزة تنتظر عودتهما لترحل من هنا ولم يظهر أن

كلامي وحدي تمثيلا بل هي أيضا كل كلامها تبخر وتريد تركي

بسهولة ولم تعطني ولا مجالا لأبرر لها ما سمعت بل ما الذي

لدي لأقوله لها فلا الحقيقة أستطيع قولها ولا الكذب سيجدي لأن

حباله قصيرة دائما ونهايته أسوء من الصدق , رن هاتفي مجددا

فنظرت للمتصل وكان رقم شقيق معتصم رئيس الشرطة الجنائية

فنظرت له باستغراب ظننت أنه نسي كلامه ومقابلته لوسن بل وأنا

نسيت أمره تماما فما قصته معها , أجبت عليه فقال مباشرة

" سأكون لديكم واثنان من رجالي بعد ساعة لا أريد غيرك

وزوجتك تحضرا وحدكما فقط ولا تتسرب أي معلومات

عن الأمر لحمايتها "

قلت بتوجس " ولما تكون في خطر ما القصة "

قال " ستعلم كل شيء في وقته وداعا "

ثم أنهى الاتصال دون أن يوضح ولو شيئا بسيطا وترك اللغز

يزداد تعقيدا فما معنى أن تكون في خطر ومن هذا الذي قتل

والدها وشقيقها ولما ستكون في خطر إن تكلمت , بقيت مكاني

أصارع الوقت وهوا يصارعني حتى رن هاتفي وكان هوا المتصل

وعلمت أنه الضيف المنتظر قد وصل , اتصلت بالعمال ليفتحوا

له الباب وانتقلت أمام المنزل لاستقباله لحظة دخول سيارة سوداء

مظلمة لا يظهر من بداخلها واقتربت حتى وقفت أمامي وانفتحت

أبوابها الثلاثة ونزل منها ثلاث رجال وعرفته فورا ومن لا يعرفه

ولم يره في الصحف أو التلفاز , تصافحنا وقال مباشرة " نريد أن

نراها سريعا ونغادر كي لا نحدث شوشرة وشبهة "

هززت رأسي بحسنا ودخلت وهم يتبعوني حتى أوصلتهم لمكتبي

وتوجهت لغرفتها ووقفت أمام بابها أفكر في هذا الصراع الداخلي

وأصارع الأفكار التي تريد الدخول لي حتى أمسكت مقبض الباب

وأدرته ببطء وفتحته وكانت المرة الأولى أدخلها منذ تلك الليلة فقد

تحولت وسن سجينة لغرفتها في الأسفل ومي سجينة لغرفتها في

الأعلى منذ تحدثت معي ليلتها وكأنها تريد أن تبتعد عنا كي لا تسوء

الأوضاع بيننا بسببها ولا تعلم أنها سيئة من دون وجودها , دخلت

الغرفة فكانت تجلس على مكتبها ولم ترفع نظرها جهتي أبدا ويبدوا

علمت أنه أنا دون أن تنظر للباب , قلت بهدوء

" هناك من يريد مقابلتك "

لاذت بالصمت لوقت ثم قالت ببرود دون أن تنظر إلي

" لا أريد أن أرى أحدا "

تنهدت وقلت " هذا لا يستطيع أحد رفض طلب مقابلته

حتى أنه لم يطلب أخذ إذنك "

رفعت نظرها بي أخيرا لتعطي عيناي المجال لتروي عطشها مما

حُرمتُ منه لأيام فسحقا للجراح وللكبرياء لما لا تركض لي وترتمي

في حضني وأضمها لصدري بقوة ويُمحى من ذاكرتنا كل شيء كان

متى سنتجاوز ألآمنا يا وسن بل وكيف , أبعدتْ نظرها بل ووجهها

عني عندما طال تأملي لها وقالت " ومن يكون هذا "

قلت بجدية " رئيس الشرطة الجنائية جابر حلمي "

وقف من فورها وقالت " جاء أخيرا "

نظرت لها بصدمة وقلت " ما قصتك معه "

تحركت قائلة بجمود " ثلاث أعوام ليتذكروني

تأخروا عني كثيرا "

بقيت جامدا مكاني وهي تجتازني خارجة من أمامي ولم أستطع

ترجمة شيء مما يجري فليفهمني أحدكم ما الحكاية !! يأتي لمقابلتها

وهي تنتظر قدومه من ثلاث أعوام أي وقت وفاة والدها وشقيقها

فلما لم تذهب هي له مادامت تنتظره , خرجت أتبعها وهي تلف

حجابها ودخلتِ المكتب وأنا خلفها وجلستْ مقابلة له حيث كان

يجلس على أريكة صالون المكتب وبجواره الرجلين اللذان جاءا

معه ووقفت أنا دون جلوس وقال من فوره بنظرة ثابتة لها

" مؤكد أخبرك زوجك من أكون أم تريدين أن أُعرف عن نفسي "

قالت ونظرها لازال للأسفل " لا يحتاج لا أن يخبرني ولا

أن تعرف عن نفسك فأنا أعرفك "

نظر للذي بجانبه وقال " دون كل شيء يا عقيد خليل ولا

تنسى لا تكتب اسمها الآن "

هز ذاك رأسه بحسننا وأخرج دفتره وقلما من جيبه وانشغل به

يملأ بعض خانات الورقة الفارغة أمامه وقال

" إن كان ثمة خطأ فصححيه لي "

ثم بدأ يكتب ويقول " العمر اثنان وعشرون عاما طالبة في كلية

العلوم قسم الأحياء فصيلة الدم آي سالبة متزوجة وليس لديك أبناء

توفي والدك وشقيقك في ...... "

وبدا يسرد لها تفاصيل دقيقة عنها وكلها صحيحة حتى انتهى

وتكلم حينها شقيق معتصم قائلا " سيدة وسن أنا هنا من

أجل مقتل والدك وأنتي لديك علم بمقتله طبعا "

هزت رأسها بنعم وأنا أنظر لها بجمود وهذا يؤكد كلامه

جلستُ لأن هذا اللقاء يبدوا يحتاج لأرتكز على شيء وقال

" كان حادثا مدبرا على طريق ....... سببه انزلاق لسيارتهما

عند المنحدر لأنها كانت مطاردة من سيارتين "

قالت بهدوء " مجريات الحادث لا أعرفها ولا أستطيع

توثيقها لكم لكني أعلم أنه مدبر "

قال " وتعلمين من وراء هذا "

هزت رأسها بنعم وأنا لازلت أنظر لها بصدمة وقالت

" خالد الصقار ومن يعمل لإمرتهم وقد تم تهديده

لأشهر بل وتهديدي معه أيضا "

نظرت لها ولهم أحاول ترجمة شيء من هذا وقال هوا

" ولما هددوك وبماذا "

قالت ولازالت كما هي نظرها لم ترفعه بهم أبدا

" هددوني وقت خطبتي بالصقار بل من أول ليلة لها "

قال " لماذا وبماذا "

قالت بهدوء " ليلة حكا لي والدي أن ذاك التاجر يريد الزواج

بي ولم يأخذ موافقتي بعد فزرته في غرفته وقت الفجر وترجيته

أن لا يفعل ذلك وأني مخطوبة لابن خالتي ولا يجوز أن نفعل هذا

به فلاحظت التوتر والخوف باديا عليه ويترجاني أن لا العب مع

من هم أكبر مني لكني كنت مصرة واخترت خطيبي حينها وهددته

بأني سأهرب له وأترك المنزل إن هوا أرغمني عليه أو يخبرني

مما هوا خائف فأخذني لمكتبه واتصل بأحدهم أمامي وكان يصرخ

بوالدي وقال ( أقسم إن اطلع أحد على ما بيننا وحتى ابنتك أو علمتُ

أن الأمر قد تسرب ستخسر حياتك على يدي وإن رفضتني

ابنتك ستدفع الثمن غاليا )

قال بهدوئه ذاته " وبما هددك "

رفعت حينها رأسها ونظرت لي وقالت بحزن

" هددنا بحياة نواس "

وقفت حينها على طولي أنظر لها بصدمة وهي عادت بنظرها

حيث كان للأرض أمامها وقالت " إما أن أصير خطيبة له تلك

الليلة أو يموت نواس وإما أن أصمت أو يموت والدي بل

وجميع عائلتي سيلحقونه حال تكلمت فاخترت أن يموت داخلي

وحدي أن يموت قلبي وحلمي على أن أفقد الجميع وأولهم

خطيبي وابن خالتي "

قال بنظرة ثابتة " ولما لم تتحدثي بعدما مات والدك "

هزت رأسها بلا وقالت " لم أستطع خفت عليهم خفت أن يؤذوا

أحدا إن زرت مكتبك أو مكتب الشرطة تمنيت أن أدركتم أنتم

الأمر , جريمة مدبرة وواضحة ماتت تحت الركام انتظرتكم

طويلا وتأخرتم كثيرا حتى ضاع أكثر مما كان "

قال " وها أنتي تحدثت الآن ألا تخشين منهم "

قالت بنبرة ساخرة " لم يبقى الآن شيء أخشى عليه فليثهم يأتوا

ليقتلوني ثم أنا أعلم من وقت قدومك هذا أنكم أدركتم خطورة الأمر

ولا تريدون أن يعلم أحد بأقوالي التي سأقولها لكم "

قال بجدية " نريد أي دليل ملموس لديك أي شيء قد ينفعنا

وإن كان بالنسبة لك ليس ذا أهمية "

وقفت حينها من فورها وخرجت من المكتب مجتازة لي ولم

ترفع ولا نظرها بي فنظرت له وقلت " كيف يكون كل هذا

ولم تخبر عنه أحد ولا حتى أنا "

وقف ووقف رجاله معه وقال " لكي تحميكم طبعا فإن تكلمت

سيحاربونها بكم بل قد تكون هي أول ضحاياهم خصوصا أنهم

لا يعلمون أنها على علم بما حدث لوالدها فأن تتكلم يعني أن تضع

الشبهة حول نفسها وسيبدؤون بتهديدها خصوصا إن كانت

تملك دليلا ضدهم وهذا هوا الظاهر "

دخلت حينها وسن ومدت له بورقة وقالت " هذه صورة

عن الورقة التي قتلوا والدي من أجلها "

أخذها منها وفتحها وقرأ فيها ثم نظر لأحد رجاله وقال بصدمة

" أذون لإدخال ممنوعات وليست مزورة "

لتتحول الصدمة لرجاله وقال أحدهم " شرطة الجمارك

معهم أيضا !! مصيبة أعظم من سابقتها "

طوى الورقة لأربع ودسها في جيبه وقال " لو كنت أعلم أن

لديك دليلا كهذا لجئتك منذ وقت وطويل لكننا فعلا لم نعلم عن

مجريات ما حدث لوالدك إلا بعد موت الصقار ولم آتيك وقتها

كي لا يشك أحد بالأمر وانتظرت أن يمر على موته وقت فلستِ

وحدك من خسر أحدا بسببه "

هزت رأسها بحسنا وقالت ونظرها للأرض

" لا يهم فالأمور تساوت عندي "

ثم خرجت من فورها وتوجهت لغرفتها وخرج هوا ورجاله

يتبعونه مغادرين المكان وتركوني جامدا مكاني كأثاث هذا المكتب

كانت تحمينا بل فعلت ما فعلته لحمايتي أنا وافقت عليه وتركتني

كي لا يقتلوني , تحملت لومي وجفائي بل واتهاماتي لها كل هذه

السنوات وقتلت نفسها بالصمت وترجي الصفح مني وهي تواصل

تضحيتها كي لا يتأذى أحد وأنا أولهم بينما أنا لم أرحمها فكم قالت

أنه رغما عنها ولا يد لها فيه لكني ظننتها حجة من أجل إنقاذ والدها

ولم يكن الأمر أموالا كما ظن الجميع لا ديون يريدها منه ولا شيء

يمكنني توفيره ففي الحكاية مساومة بالأرواح ومنذ أول ليلة طلبها

فيها للزواج , هززت رأسي بقوة غير مصدق ولا مستوعب لما

يجري , كيف هذا يا وسن كيف تحملي كل هذا في قلبك وكنتِ

ستحملينه لآخر عمرك لو لم يفكر هذا الرجل أن يأتي بهذه

الطريقة التي تضمن لك حماية الجميع بل قالتها بصريح

العبارة ( لم يعد يعنيني شيء )

أي حتى إن قتلوها أو قتلوني لأننا البقية المتبقية لهم , انهرت

جالسا على الأريكة وأمسكت رأسي بيداي وعقلي لحظات ويتوقف

*

*

ما أن طلعت شمس الصباح ورأيت زوجة نواس الثانية خرجت

لجامعتها حتى دخلت لراضية في المطبخ وقلت

" راضية هل تخدميني في أمر "

فالتفتت بسرعة وقالت بفزع " بسم الله , وليد ما بك أصبحت

كالأشباح تدخل فجأة وتكلمني وأنا غافلة "

قلت بضيق " وكيف تريدين أن أكلمك "

قالت مبتسمة " قل أحم قل يا راضية قل أيتها

الجميلة السارحة "

ضحكت وآخر ما كنت أفكر فيه الضحك ثم قلت

" لا الأخيرة لا تفكري فيها لأني لن أقولها "

رمت يدها ناحيتي وعادت لما كانت تفعل وقالت ببرود

" إذا أخرج ولا تتحدث معي "

قلت بهدوء " العمال أخبروني أن سيارة سوداء مظلمة مجهولة

دخلت البارحة المزرعة واستقبلها نواس هل لديك علم بها "

نظرت لي وقالت بتوجس " بسم الله ما هذه المواصفات لا

نكون في فيلم بوليسي ولا نعلم "

هززت رأسي وقلت " يبدوا لا علم لك بشيء واتركينا الآن في

المهم اصعدي لمي في غرفتها وناديها لي "

نظرت لي ببرود بمعنى هل هي فوضى أم ماذا فتنفست بقوة

وقلت " راضية مي ونواس سينفصلان ومؤكد لا علم لك وأريد

التحدث معها في أمر مهم وإن علمت أنه أنا فلن تنزل

لذلك علينا إيجاد حل "

قالت بصدمة " وصل الأمر لأن ينفصلا "

نظرت لها باستغراب فتنهدت وقالت " حتى الأعمى يلاحظ

أن علاقتهما ليست كزوجين طبيعيين لكني فكرت أنه

بسبب زواجه بأخرى "

نظرت للأرض وقلت " مي طلبت الانفصال منذ البداية وهما

متفقان ومتفاهمان على هذا وإن خرجت مي من هنا لن أتمكن

من التحدث معها فساعديني يا راضية "

قالت بعد صمت " لا أعدك بشيء لكني سأحاول فهي لا

تخرج من غرفتها أبدا ولأي سبب كان فإن فشلت ورفضت

فلا تلقي باللوم علي "

قلت قبل أن تغادر " إن أخبرتِها أنه أنا فلن توافق "

نظرت لي باستغراب وقالت " وما قصدك بهذا نكذب

عليها مثلا "

قلت " لو سينجح الأمر افعليه "

هزت رأسها بلا وقالت " مستحيل ستغضب مني بعدها وأنا لا

أحب أن يحدث ذلك بيننا فانس الفكرة يا وليد "

قلت بإلحاح " لن تغضب أنتي فقط أخبريها أن شقيقها يريدها

ولن تغضب منك لأني أنا من طلب منك هذا "

هزت رأسها رافضة وبإصرار فقلت بضيق " والحل الآن "

قالت ببرود " أخبرها الحقيقة طبعا "

تنهدت وقلت باستسلام " أمري لله وأقنعيها بمعرفتك فأعرفك لحوحة "

قالت ضاحكة وهي تخرج من أمامي " لا فبعد زوجة نواس الأخرى

اكتشفت أني فاشلة في الإقناع والزن أيضا "

ثم غادرت ونظري يتبعها حتى اختفت ووقفت أنتظرها على

نار حتى دخلت المطبخ مجددا وهزت رأسها بقلة حيلة فقلت

" ألم أقل لك أنها سترفض إن أخبرتها أنه أنا "

رفعت كتفيها وقالت " رفضت وبإصرار وقالت أنها

ستغضب مني إن أنا تكلمت معها في الأمر ثانيتا "

تأففت وخرجت دون أن أضيف شيئا وجربت الاتصال بها

مجددا ولا تجيب فأرسلت لها ( مي أجيبي هذه المرة فقط )

ثم اتصلت بها ولا أمل من كل ذلك بل وأغلقت هاتفها أيضا


*

*

هززتها من كتفها وقلت " وسن تكلمي على الأقل وأنا أكلمك

ما بك تحولت لتمثال وهاتي لي حلا لمصيبتي "

قالت ببرود " وما الحل وعقد قرانك اليوم "

قلت ودموعي تصارع للنزول " تعبت من البكاء ومن الصياح

لو أن الجدران تشعر لرحمت حالي أسأل الله أن يصاب ذاك العريس

بشلل نصفي اليوم ويتوقف كل شيء بل أن يموت ويريح البشرية

منه , وبكل بساطة يرسل لي مع والدي وأخبر خالي ليسألني أين أريد

أن أسكن هنا في العاصمة أم في مدينته لا بارك الله فيه من عريس

ولا زواج ويهتم كثيرا أين سأعيش بل وهل يهم عندي أنا هذا فكلها

جهنم وجحيم ويريد أن تراني والدته المصون هذا ما ينقص أرى

والدة زوجة والدي تلك العقرب التي أنجبت العقربة الصغيرة "

ثم ضربت بيدي على فخذي وقلت بعبرة " سأموت يا وسن سأموت

من ناري المشتعلة بداخلي كيف سأكون وذاك المخيف في مكان

واحد ما هذا الحظ الذي لدي "

مسحت دمعة تسللت من عينها فحضنتها وقلت ببكاء " سامحيني يا

وسن فهمي جعلني أنسى همومك ليثنا لم نصبح صديقتين لقد

تشاءمت من هذه الصداقة "

قالت بعبرة " لما لا أموت وأرتاح يا ملاك حتى فرح تأخرت

في عودتها أريد أن أخرج من منزلهما سوف أفقد عقلي إن بقيت هناك "

أبعدتها عني ومسحت دموعها وقلت " وسن توقفي عن كل هذا وفكري

في صحتك خصوصا بعد الذي علمته لا أريد أن أخسرك فوحدك

من سيدعمني ويشجعني تعيستان للأبد "

حضنتني مجددا وقالت بحزن " سامحيني أنتي أيضا يا ملاك

أفكر في همومي وأنساك ليثه كان بيدي شيء أفعله من أجلك

لكني لست بأقل منك "

قلت ببكاء " لا بارك الله في الحب أتعسونا وقت

امتحاناتنا لو رسبنا فبسببهم "

ثم أبعدتها عني وقلت " توقفي عن البكاء وتعذيب نفسك يا

وسن ولا تنسي صحتك لا تستحمل كل هذا "

وقفت وحملت أوراقها وقالت " علينا أن نركز في مادتنا القادمة

فهي الأصعب بين البقية فليس لنا غير دراستنا نتمسك بها

فنهاية كل واحدة منا الطلاق "

وقفت أيضا وقلت " نعم معك حق فنهايتي كزوجاته السابقات

سيطلقني بلا أدنى تفكير ووقتها لن أرجع لوالدي مهما فعل وسأعمل

بشهادتي وأنفصل عنه هذا إن لم يكن لي وقتها ابن من ذاك المتوحش "

ثم قلت بابتسامة كرتونية " أي أنه قد يكون لنا مستقبل سعيد آخر بعد ذلك "

نظرتْ للأسفل بحزن فقلت باستياء " أنا لا أحبه أنتي ونواس ما ذنبكما

تصلان للطلاق "

قالت مغادرة " ونواس لا يحبني أيضا فلسنا مختلفتين وليس بأقل

من صديقه الذي تخلى عنك "

هززت رأسي بقلة حيلة وتبعتها للداخل , معها حق عليا

أن أفرغ غضبي وطاقتي كلها في دراستي فلا أحد لي غيرها

يتيمة وأبويها لازالا على قيد الحياة , آه لا أعلم كيف سأركز

وزواجي من ذاك اليوم يا رب أرحمني

أنهيت يومي واختباري على خير وأجبت إجابات مرضية وعدت

للمنزل بعدما وضعنا اللمسات الأخيرة على مشروعنا فهوا يأخذ

أغلب وقتنا ونحتاج لأيام قليلة فقط وسيكون جاهزا , دخلت المنزل

لأفاجأ بالهدايا الموجودة فيه وإيمان وابنها منسجمان في تفتيشها

وحتى جدتي أمامها هدية مخصصة لها وقفز سفيان قائلا

" عمتي ملاك أنظري ما أحضر لي زوجك "

قلت بصراخ غاضب " ليس زوجي لا تقل زوجك تفهم "

ثم توجهت لغرفتي دخلتها وأغلقت الباب خلفي بقوة وجلست

على الأرض أبكي وها قد حُسم الأمر يا ملاك وأصبحت زوجته

والجميع سعيد بذلك وكأنهم لا يعلمون ما ينتظرني ثم من أين لذاك

البخيل أن يحضر كل هذه الهدايا فليست عادته , يا رب خذ روحه

وارحمني منه يا رب أرملة أرحم لي من أن أصير زوجة فعلية

له وحتى من أن أكون طليقته , رن هاتفي فنظرت للمتصل ووقفت

على طولي حين وجدت اسم والدي هوا المتصل فبلعت ريقي مرارا

وأجبت عليه فقال مباشرة " زوجك مستعجل وسيأخذك في آخر

يوم لك من الامتحانات "

قلت ودموعي تنزل تباعا " لكن .... ورسالة تخرجي "

قال بحدة " البطيخ رسالتك تنهيها عنده لا مشكلة لديه , هوا أسبوع

واحد وفي نهايته سيأخذك من هناك أرسلت مهرك لخالك أم

تريدي حفل زفاف وتفاهات ناقصة ككلام والدتك "

قلت بخوف " لا أريد شـ شيئا كل مـ ما تريده سيحدث "

فأغلق الخط حينها في وجهي , ما هذا الأب المتحجر أين

منظمات حقوق الإنسان لتأخذ بحقي منه


*

*

مرت أيام اختباراتي أخيرا وأنا لا أعرف سوا غرفتي والممر

المؤدي للخارج وحتى نواس لم أره من ليلة جاء رئيس الجنائية

ذاك اليوم , أحيانا أسمع صوت خطواته في الممر ليلا ويحاول

أن يفتح باب الغرفة وحين يجده مقفلا من الداخل يغادر رغم أنه

يملك المفتاح , فرح وجواد سيصلان هذا الأسبوع وسأغادر من

هنا وإن فجرنا المنزل أنا وهوا ولن أبقى يوما واحدا فليهنأ بزوجته

ولا داعي لأن يضحيا لأجلي ولا يكن حين علم بسبب تركي له

وقبولي بالصقار أنّبه ضميره فليأتيني بعذر الآن لزواجه منها

فلن أعذره أبدا كما فعل معي ولن أنساها له

سمعت طرقات متقطعة على باب الغرفة فلم أجب فزاد الإصرار

والطرق فتوجهت للباب وفتحته فكانت راضية وفي يدها صينية

طعام وقالت مباشرة " حلفتك بالله أن تأكلي وترحمي زوجك على

الأقل فقد رأفت لحاله من كثرة ما يطلب مني أن أحاول معك "

أبعدت نظري عنها وقلت ببرود " لا أريد ولا رغبة لي في الأكل "

تنهدت بأسى وقالت " أنظري لوجهك في المرآة شاحب ومصفر

وجسدك زاد نحولا , تضغطين على نفسك بالدراسة والسجن

هنا وهذا ليس في صالحك "

لم أجب عليها فهزت رأسها بقلة حيلة وقالت " على الأقل زوري

خروفك وغزالتك وانظري مكانهما وجمالهما , كيف لا تزوريهم

وأنتي من جلبهم , بالنسبة لي صرت أزورهما كل يوم من روعتهما "

نظرت لها باستغراب وتذكرت حينها فقط أننا بالفعل أحضرناهما

هنا تلك الليلة حين عدنا من البر , قلت بهدوء " وأين وضعوهما "

قالت مبتسمة " خصصوا لهما مكانين بجانب إسطبل الوسن

جعل لهما نواس حظيرتين صغيرتين ورائعتين "

ثم دخلت ووضعت صينية الطعام وقالت " تناولي شيئا بسيطا

ولو من أجل دراستك ولا أريد أن أعود وأجدها كما تركتها "

ثم غادرت من فورها وأغلقت الباب خلفها فنظرت للساعة فكانت

السادسة ونصف فتوجهت للنافذة وفتحتها فكانت الشمس قد غابت

للتو ولم تظلم الدنيا تماما فأخذت حجابي ولففته على شعري وخرجت

من غرفتي وكان المنزل هادئا تماما فحتى صوت مي مع راضية لم

أعد أسمعه حتى وقت ذهابي أو عودتي من الكلية ولم أرها ولا

بالمصادفة , مررت براضية في المطبخ ووقفت عند الباب

وقلت " راضية هل نواس موجود "

التفتت لي وقالت " غادر المزرعة منذ قليل "

هززت رأسي بحسنا ثم قلت بعد تردد " زوجته لا صوت

لها هل هي ليست في المنزل "

تنهدت وقالت بحزن " غادرت مع شقيقها منذ يومين "

نظرت لها باستغراب وقلت " تركت المنزل !! "

التفتت لما كانت تفعل وقالت " نعم "

فغادرت وتركتها , لم تحتمل أكثر إذاً ويبدوا خيّرته بيني وبينها

فهي قالت له بنفسها أنها لم تعد تحتمل هذا الوضع , لو كانت صبرت

قليلا لكنتُ تركت لها الجمل بما حمل ولا تقلق فسيذهب قريبا لإرجاعها

لأني من سيترك لهم المنزل بما فيه , خرجت من المنزل ولففت جهة

إسطبل الوسن مجتازة العمال الذين يعيدون الخيول لإسطبلاتها وكنت

مطمئنة لأني رأيت صديق نواس الذي كان يعيش في المنزل معهم وهوا

شاب مهذب وخلوق ولن أخاف من العمال في وجوده , وصلت لحظيرتيهما

فكانت رائعة بسياج خشبي جميل مقسومة لنصفين ومكان ليدخلا له وقت

يسوء الطقس أو تهطل الأمطار , فتحت باب حظيرة الخروف ودخلت

وتوجهت نحوه وأمسكته وجلست وأجلسته في حجري أمسح على صوفه

الأبيض الجميل ليلفت انتباهي الشيء المعلق في أذنه فكانت قطعة

من الفضة على ما يبدوا ومكتوب فيها ( شبل ) الاسم الذي سميته له سابقا

" لم تسمي الآخر لكنا وضعنا له اسمه أيضا "

نظرت بسرعة لمصدر الصوت فكان نواس يقف عند باب الحظيرة

فوقفت من فوري وركض الخروف مبتعدا وتوجهت للباب لأخرج

فأمسك بذراعي قبل أن اجتازه وقال بهدوء " وسن دعينا نتحدث

ولو للمرة الأخيرة "

أبعدت وجهي جانبا وقلت " لا "

تنهد وقال " لما لم تخبريني حقيقة ما حدث

لما تركتها حتى الآن "

ابتعدت عنه للخلف عدة خطوات ونظرت لعينيه وقلت

بسخرية " وهل كنت ستصدق حكايتي "

ثم هززت رأسي بلا وقلت " بالتأكيد لن تصدقني لأن حقدك علي

قد أعماك فلو كنت تحبني فعلا لكنت عذرتني دون أن تبحث عن

السبب وأنا الآن من لن تغفر لك زواجك منها وتركك لي فجد عذرا

تقنعني به أو لا تتعب نفسك لأني لن أصدقك مهما قلت وفعلت

فأنت انتهيت من حياتي يا نواس "

أغلق الباب ودخل وتوجه نحوي وأمسكني من ذراعاي وهزني

وقال " كيف أنتهي من حياتك يا وسن ما هذا الذي تقولينه "

قلت وأنا أحاول أن أتخلص من قبضة ذراعيه " نعم انتهيت

وباختيارك أنت ومنذ البداية تركتني بإرادتك وتزوجتني مرغما

والآن انتهى كل شيء فاذهب لها وأرجعها لترضى عليك "

ففاجأني حينها بأن ضمني لحضنه بقوة وشدني لصدره بذراعيه

وقال بهمس " يرضيك ابتعادك عني يا وسن يرضيك أن أبقى

من دونك ارحميني فوحدك من بقي لي ويعنيني"

قلت بحرقة " ولما أنت أرضاك ذلك ولوقت طويل فكم ترجيتك

أن تعذرني لكنك لم تفعل أنت السبب يا نواس "

ارتخت حينها قبضة ذراعيه عن جسدي حتى تركني وابتعد

جهة الباب وقال موليا ظهره لي " جواد ينتظرك عند باب المنزل

اذهبي معهم وارحمي نفسك على الأقل من أخذ المسكنات

التي عدت لها من جديد "

فغادرت الحظيرة راكضة حتى وصلت باب المنزل وكان جواد

هناك يمسك طفلا صغيرا في لفافة وفرح تقف بجانبه فركضتُ

نحوها من فوري واحتضنا بعضنا حضنا ملئه شوق وبكاء وحزن

وقلت بعبرة " أخرجوني من هنا يا فرح ولا تتركوني ثانيتا أرجوكم "

فقالت ببكاء " لن نتركك يا وسن وستغادرين معنا ستحضر

الخادمة حقائبك حالا ولن تدخلي المنزل أبدا "

ثم أركبتني السيارة وركبت معي وغادرنا ما أن أخرجت

راضية حقائبي الجاهزة منذ أكثر من أسبوعين

*

*

تنهدت وقالت " ملاك توقفي عن البكاء فهذا لن

يغير في واقعك شيئا "

قلت بنحيب " لما أنا حظي من بين الخلق هكذا أنهي امتحاناتي

برؤية وجهه البشع ما بكم تحجرتم جميعكم ولا أحد يشعر بي ولم

تجدوا حلا سوا هذه العبارات التي أسمعها منكم على الدوام نصيبك

وقدرك واصبري , أشعروا بي يا عباد الله هذا وحش وليس ببشر "

هزت رأسها بقلة حيلة ثم قالت " خالك ينتظرك فاخرجي له

قبل أن يصعد لنا والدك يا ملاك "

تأففت ووقفت وأخذت عباءتي بقوة من على السرير ولبستها

فقالت " دعيني أصلح لك زينتك قليلا فبكائك أفسدها "

قلت بتذمر " اتركيني وشأني يكفي تزينت له مرغمة

هل بظنك سيرى وجهي وما أضع عليه "

سحبتني للكرسي مرغمة وقالت " بل رغما عنك سأعدلها لك

وأزيد من مثبت الماكياج لأني أعرفك ستندبين طوال الطريق "

أطعتها مرغمة وأقسمت على نفسي أن لا أبكي أكثر وأري ذاك

الحقير دموعي فأنا أعرفه سيسخر مني كما كان يفعل في الماضي

غطيت وجهي وخرجت وأنزلني خالي وركبنا سيارة والدي ولم

أستطع ولا حتى التحدث في وجوده فصمته بالنسبة لي رحمة لأنه

لا يتحدث إلا غاضبا وعريس الغفلة لم يكن معنا طبعا , وصلنا لمكان

لا أعرفه ولم يعنيني وسرنا مسافة طويلة حتى وصلنا له لم تكن

طويلة جدا لكنه يبدوا خارج العاصمة ثم نزل والدي وفتح لي الباب

فنزلت ووقفت بجانبه متمنية أن تنزل عليا صاعقة من السماء وتقتلني

ولا أدخل هنا , كان منزلا يبدوا عليه الرقي بعض الشيء أي ليس

متواضعا وقال والدي " أدخلي فوالدة زوجك تنتظرك وهوا قال

أن لديه شيء مهم وسيأتي بعد قليل "

تنهدت بأسى واستسلام ودفعت الباب ثم التفت له وقلت

" سامحك الله على هذه البيعة التي بعتني فيها يا

والدي فأنا لن أسامحك "

ثم دخلت من فوري كي لا يصبح عنقي في قبضته وخطوت

الخطوات سريعا كي أدخل ودخلت المنزل بعد تردد , ما هذا

اليوم يا ملاك تدخلين وحدك لمكان لا تعرفيه ولأول مرة أزوره

ووالدته المصون تنتظرني , لم أرى والدة زوجة والدي منذ صغري

ولا أذكر شكلها لأن تلك المجنونة قاطعة الأرحام كانت على خلاف

مع الجميع ولا أحد يحبها ولم يكن يزورها سوا شقيقها السكير ذاك

فهوا على شاكلتها , دخلت ووجدتها في الداخل وبجانبها فتاتين وبقيت

واقفة أنظر لهم باستغراب , لا يبدون لي يشبهون تلك المجنونة هذه لابد

وأنها شقشقتها المسافرة مع زوجها والأخرى زوجة شقيقها الآخر فلم

أسمع عنهم سوا حكاياتها للناس عن عائلتها التي هجرتها وتدعي

أنها تواصلهم دائما , تقدمت مني والدته وقالت

" مرحبا بك في منزلك يا ملاك "

وقالت إحدى الأخيرتين " فعلا ملاك ولم يخبرنا ذاك

الأحمق أنك جميلة هكذا "

كنت أنظر لهم باستغراب وكأنني لأول مرة أرى بشرا في

حياتي حتى قالت الواقفة هناك " أتمنى أن يَركز هذه المرة

ولا يطلق ملاكا مثلك "

يا إلهي متأكدين جدا من أنه سيطلقني كغيري سامح الله الحظ الذي

رماني عليه وعليكم , تقدمت مني والدته وأمسكت يدي وقالت

" تعالي ادخلي ما بك خائفة هكذا ويديك باردة كالجليد "

قالت ابنتها ضاحكة " أمي معها حق تخاف وتخجل

أليست عروس "

نظرتْ لها وقالت " أين شقيقك حتى الآن ما هذا الذي

يفعله ذاك المجنون "

قالت الأخرى ناظرة جهة باب المنزل " ها هوا قد جاء أسمع

باب المنزل الخارجي يُفتح لابد وأنه يدخل سيارته "

وقفتُ حينها كالملدوغة وبدأت أرتجف من الخوف والقهر أو

كبت الدموع أو لا أعرف ماذا وقالت والدته " غرفتك هناك وأنا

سأذهب مع ابنتي فخذا راحتكما في المنزل ومبارك لكما يا

ملاك , ابني طيب كثيرا فقط يحتاج امرأة تفهمه "

ثم خرجوا وتركوني وحدي نعم تركوني في المنزل أواجهه لوحدي

توجهت راكضة جهة الغرفة التي قالت عنها وأغلقتها خلفي بالمفتاح

لن أسمح له بالاقتراب مني ولا لمسي وسأهرب من هنا صباحا ولن

أعود ولن يجدوني مهما بحثوا عني , شعرت بحركة جهة نافذة الغرفة

فابتعدت والتصقت بالجدار أرتجف من الرعب , من هذا الذي جاء هنا

لو أنه جرب فتح الباب ولم يُفتح له لقلت أنه سيدخل لي من النافذة

انفتحت النافذة بقوة فصرخت بكل صوتي وغطيت وجهي بيداي

لحظة سماعي لقفزة لأحدهم منها للغرفة وصوت رجولي قائلا

" تظنين أنك ستهربين مني يا ملاك الليل وتتزوجين بغيري بعدما

لعبت بي , لا ليس معاذ من تفعل به واحدة مثلك هكذا "

أبعدت يداي بسرعة ونظرت له بصدمة وقلت

" مـ مـ معاذ "

اقترب مني وقال " نعم معاذ وهل بظنك سأنسى

بسهولة انتقامي منك على فعلتك "

قلت برجفة وأنا ابتعد يمينا ملتصقة بالجدار " ابتعد عني يا

معاذ أرجوك لا تسبب لي فضيحة معه سيقتلني إن وجدك هنا "

قال بسخرية " نعم وهذا ما أريده سيدخل ويجدني معك

وليس في أي وضع "

ثم شدني لحضنه بقوة وأنا أصرخ من الخوف حتى أظلمت

الدنيا في عيناي ولم أعد أرى شيئا حولي وغبت في سواد قاتم

لم أخرج منه إلا بعد وقت وأنا أشعر بقطرات من الماء البارد على

وجهي وفتحت عيناي بصعوبة وأول من وقع عليه نظري والدة

زوجي فقلت ببكاء " أقسم أني لم أفعل شيئا يا خالة هوا من دخل "

مسحت على وجهي وقالت بحنان " بسم الله عليك يا ملاك لا

تخافي يا ابنتي ماذا حدث لك "

دخلت في نوبة بكاء لحظة دخول ابنتها بكوب عصير قائلة

" هل استفاقت أخيرا "

ثم نظرت جهة النافذة وقالت بضيق " أرعبتها يا مجنون أصبر

عليها قليلا فهي تتزوج لأول مرة في حياتها "

ثم اقتربت مني أكثر قائلة " أنتم الرجال لا أعلم ما بكم تفقدون

عقولكم ما أن تتزوجوا ولا تراعون خوف وخجل المرأة أبدا "

نظرت بريبة جانبا حيث تلك النافذة المشئومة وحيث كانت تنظر

وتحدث أحدهم بأشياء لا أفهمها لتقع عيني على الجالس في النافذة

ينظر لي بابتسامته المشاكسة فجلست مفزوعة وأسقطت كوب

العصير من يدها دون قصد ووالدته تسمي الله بخوف وقالت

" معاذ أخرج حتى ترتاح قليلا لقد أصبحتَ لها مصدر رعب "

قفز حينها من النافذة وقال " أنتم أخرجوا واتركوني وزوجتي

سنتفاهم بمعرفتنا "

فغادرت السرير حينها ووقفت في الجانب الآخر منه وقلت

" من أنتم وأين أنا "

وضعت ابنتها يدها على صدرها وقالت " بسم الله الفتاة

فقدت ذاكرتها بسببك "

لتنطلق ضحكته العالية ثم اقترب مني وأنا أصرخ أن يبتعد عني

لكنه لم يأبه لي حتى وصل عندي وحملني بين ذراعيه وقال

" توقفي سببتِ لنا فضيحة مع الجيران هذه والدتي والأخرى

شقيقتي ومؤكد تذكري أن والدك من أوصلك بنفسه هنا "

قالت حينها والدته " افهمنا الأمر يا معاذ ما بكما وما بها زوجتك "

نظر لي وقال مبتسما " أخرجوا هيا واتركونا لا شيء بنا "

فخرجتا من فورهما وأغلقتا الباب خلفهما وأنا لازلت أنظر له

كالدمية لا أفهم شيئا ولم أعرف ما أفسر وما أترك فرماني على

السرير وقال " مبارك يا عروس ما رأيك بهذه المفاجأة "

بقيت أنظر له بصدمة كالميتة فحرك أصبعه أمام وجهه وقال

" واحدة بواحدة وهكذا تصافينا يا حبيبة أحزان السنين "

فما كان مني حينها سوا أن نزلت دموعي بغزارة تعبر طرف

عيناي وتنزل لشعري وقلت بهمس " أنت هوا زوجي "

فهز رأسه بنعم ثم جلس بجواري على السرير وانحنى لوجهي

وقبل شفتاي قبلات كثيرة وقال " نعم يا زوجتي وهذا منزلي

ومنزلك بما أنك لم تختاري العاصمة "

فصرخت بقوة وأبعدته عني وغادرت السرير ليطرق أحدهم

الباب ووصلنا صوت والدته قائلة " معاذ ماذا بكما أخرج

واتركها الليلة الفتاة خائفة ومتوترة أخرج بني أرجوك "

فأمسك يدي وسحبني نحوه وقال " هل يعجبك كل هذه الفضائح

الآن وسنضطر لأن نحكي لهم الحكاية غدا طبعا لأنك الآن لن

تخرجي من هنا أبدا "

وشدني لحضنه يقبل خدي فقلت بعبرة " لماذا فعلت

هذا بي لماذا يا معاذ "

فحملني ورملني على السرير مجددا وقال " عقابا لك على ما

فعلته بي طبعا يا جنية "

********************

***************

خرجت من الجناح أتبعه ودخلنا للغرفة التي كنت فيها سابقا حيث

وجدنا فتاة رائعة الجمال وتشبهه في أشياء كثيرة في ملامحها

نظرت لي باستغراب مطولا ثم قالت " هذه زوجتك يا جابر "

نظر لي وقال " نعم ألا تعجبك "

نظرتْ له ثم لي ثم له وقالت بصدمة " لكنها طفلة "

قال بعد ضحكة " كل هذه طفلة ألا تريها امرأة كاملة أمامك "

قالت بحيرة " نعم ولكنها صغيرة يا جابر صغيرة جدا "

وضع ذراعه على كتفاي وقال " اقتربي يا جيهان وسلمي على

زهور شقيقتي ستكون رفيقتك هنا وستحبينها فهي مثلك

قليلة كلام وحركة "

اقتربت منها بتوجس وأعرف ما تشعر به حيالي وأعذرها

لكن كما قال لي جابر سابقا للضرورة أحكام وهوا يضحي

براحة باله وليس سهلا أن ينشر كهذا خبر وهوا متزوج فَعليا

أن أقدر هذا , مددت يدي لها وقلت " سررت بمعرفتك "

نظرت ليدي مطولا ثم صافحتني وقالت " هل أخبرك

أنه متزوج ولديه أبناء "

نظرت له ثم لها وقلت " نعم ومرتين أيضا "

هزت رأسها وقالت " لا أعلم كيف تفكر يا جابر "

أمسكنا كلينا من كتفينا بذراعيه وقال متوجها بنا جهة الأريكة

" أفكر فيما أجبرني على أن أكون هكذا يا زهور كما سبق وأخبرتك "

ثم جلس بنا هناك وقالت هي " أخبر زوجتك إذا قبل أن تعلم من

غيرك فذاك لا يجوز , تزوجت هذا من حقك لكن أن تسمع من

الناس وليس منك أمر لا يقبله عقل وأعرفك عاقلا يا جابر "

وضع ساق على الأخرى وقال " حسنا أي أوامر أخرى "

تنهدت وقالت " لا ومن يستطيع أن يأمرك "

وقف بعدها وقال " إذا جهزي نفسك غدا موعدنا مع

الطبيب يا زهور لا تكوني نسيتي "

هزت رأسها بلا وقالت " وكيف أنسى هذا "

ثم غادر دون أن يضيف شيئا ووقفت أنا من فوري فوقفت هي

لوقوفي وقالت " أخبريني فقط ما جعل جابر يتزوجك

وهوا يحب زوجته "

هززت رأسي بلا وقلت " لا أعلم "

نظرت لي باستغراب وقالت " لا تعلمين !! "

قلت بهدوء " لا تحقدي علي يا زهور فأنا ضحية ظروف

أجبرتني لأكون هنا "

قالت مبتسمة " لم أحقد عليك أبدا يا جيهان فقط أقنعيه

يخبر زوجته ويقنعها بهذا "

هززت رأسي بحسنا وخرجت مسرعة وكأني أهرب منها وعدت

للجناح فورا ودخلته ودخلت غرفته فكان هناك مضجعا على السرير

بملابسه ويغطي عيناه بذراعه فشعرت بحماقة ما أفعل أدخل غرفته

هكذا هل صدقت أنه زوجي أم ماذا , كنت سأخرج حين أوقفني

صوته قائلا " تعالي يا سما "

فالتفت له فكان على حاله فقلت بهدوء " آسفة يبدوا أنك ستنام وأنا

دخلت دون استئذان بسبب توتري من لقاء شقيقتك "

قال ولم يرفع ذراعه عن عيناه " تعالي أجلسي "

اقتربت وجلست على الكرسي وقلت " هل ستنام هكذا ببذلتك "

قال مبتسما " زوجتي الأخرى كانت تجهز لي ملابسي وتلبسها لي

أيضا ما أفعل مع الزوجة الثانية المهملة "

نظرت للأرض بخجل من كلامه هذا فمهما كان أنا لست

زوجته فعلا , قال بهدوء " سما نزار سيسافر "

رفعت رأسي له بسرعة وكان على نومته لم يغيرها فقلت

بعينان تمتلئ دموعا " قرر أن يسافر "

قال " نعم النقود كانت تكفي العملية وأن يدرس وأنا ساعدته

بمعرفتي هناك وقبلوه على الفور يكفي أضعت عليه فرصته

هنا والمنزل بطلب منك "

نظرت للأرض وقلت بحزن " ما كان سيأخذ المال لو لم

نفعل ذلك أعرفه جيدا "

تنهد وقال " يريد أن يراك قبل أن يذهب "

وقفت على طولي وأبعد هوا ذراعه عن عينيه وقال

" لكني رفضت إلا إن كان لك أنتي رأي آخر "

قلت وقد نزلت أولى دمعاتي " لا أريد يا جابر حتى إن ضعفت

وطلبت ذلك منك فارفض واضربني حتى الضرب لا أريد

أن أراه يكفيني حتى هنا "

جلس وقال " توقفي عن البكاء يا سما واجلسي "

مسحت دموعي وجلست حيث كنت وقال بهدوء " لن يحدث إلا

ما تريدين يا سما لقد خدمتيه خدمة العمر فلم تري التفاؤل في

عيني نزار فالسفر والدراسة وعملية والدته بالنسبة له حلم حياته

الذي عاش سنينا على أمل تحقيقه لكن طلبه رؤيتك ورائه

أمر لا يريد الإفصاح عنه "

هززت رأسي بلا وقلت " دعه يرحل ويكون كما يريد فبعدما قابلت

ابن عمي وفهمت منه حقيقة وضعي في العائلة اقتنعت بكلام نزار

ورأيه فأنا وهوا كالمستقيمان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدا , كل

ما أريده أن تشفى خالتي وأن يحقق هوا حلمه ولو يجرب ويفشل

المهم يصل هناك وكنت أكيدة أنه سيسافر ما أن يقبل المال فأنا

أعرف جيدا كيف يفكر "

تنفس بقوة وقال " المبلغ كبير جدا يا سما وأثر تأثيرا واضحا في

حصتك ونزار لم يقبله عبثا أخشى أنه شك في الأمر "

هززت رأسي وقلت " لا يهم المهم أنه قبله لأني كنت أخشى من

أن يرفضه وحصتي شيء يخصني وحدي وسيرجع كما كان بما

أن كل شيء يتحرك ويخرج أرباحا وليس واقفا مكانه وحتى إن

كنت سأخسر كل مالي من أجلهما فلن أمانع "

قال " وأعمامك وأبنائهم أتركي أمرهم لي فلابد سيلاحظون خروج

الأموال , أسامة لن يقصر معك رجل يقاس بالذهب وأعرفه جيدا وأنا

بجانبك دائما يا سما ولا تحلمي حتى أن أوافق تزويجك لرجل

يطمع في مالك "

قلت بابتسامة حزينة " لا تقل أنك ستبقى تتحكم بزواجي

حتى آخر عمري "

ضحك وقال " وهذا ما سيحدث وصايتك لن أسلمها لأعمامك أبدا

أناس مثلهم لا يستحقون هذا وسيستغلونه , لذلك إما أسامة أو أنا أو

القانون لتزوجك المحكمة برضاك فقط "

قلت بهدوء " إذا أنت لكن لا تجعلني أندم يوما حين ترفض

زواجي بمن أريد "

ضحك وقال " يبدوا نسيتي نزار سريعا "

نظرت للأرض وقلت بأسى ودمعة محبوسة " هل تنسى أنت

امرأة أحببتها بسهولة هل هذا سهل لديكم أنتم الرجال "

قال من فوره " لا بالطبع "

رفعت نظري له وقلت " هل جربت الحب يوما "

ضحك كثيرا ثم عدل جلسته واتكأ على ظهر السرير وقال

" يبدوا أن هذه الجلسة بدأت تزداد حماسا "

نظرت له باستغراب وقلت " أنت شخصية غريبة حقا يا جابر "

قال بهدوء " وما الغريب بي ألست بشريا "

قلت مبتسمة " بلى لكن يصعب فهمك واستنتاج ردود أفعالك "

قال بابتسامة صغيرة " هناك امرأة استطاعت كل هذا ولم تفشل "

قلت بفضول " وهي التي أحببتها "

هز رأسه بنعم فقلت بحماس " يالها من جبارة كيف تمكنت

من جلبك لمصيدتها "

ضحك وقال " حتى أنا لا أعلم "

قلت بهدوء " أعذر فضولي لكن هل هي إحدى زوجاتك

أم أنها ماضي وانتهى "

قال " بلى زوجتي الحالية "

قلت بحزن " أخشى أن يدمر خبر زواجك زواجكما وأنت تحبها "

نظر للبعيد وقال " اتركيها لعل هذا يرجعها تلك التي أعرفها

فكل تفاصيل حياتي تفتقدها "

بقيت أنظر له باستغراب فنظر لي وقال " هيا أخذتي أكثر من

حصتك معي فلم افتح قلبي لأحد قبلك ولا أقرب المقرين لي أنتي

كالساحرة بالجناحين ترفرفين حول القلوب وتخرجين كل ما فيها "

ابتسمت على تعبيره الغريب وقلت " بل أنت رجل رائع يا جابر

وزوجتك محظوظة بك وما فهته من كلامك منذ قليل أنها تغيرت

عليك وتتمنى عودتها كما كانت فأخبرها بحقيقة زواجك بي أو

على الأقل أقنعها أنك تزوجت بسبب ظروف أرغمتك على

هذا فأنا لا أريد لك التعاسة أبدا "

هز رأسه بحسنا وقال " اتركيني أنام قليلا ورائي عمل

بعدد شعر رأسي "

وقفت وقلت " حسنا طردة مقبولة لكن أخبرني أولا

ماذا جد في القضية "

عاد لنومته السابقة ووضع ذراعه على عينيه وقال " وجدنا شيئا

جديدا يؤكد انغماس شرطة الجمارك أيضا في الأمر وهذا متوقع

البحرية والجمارك جهازان متصلان لكن لم يظهر لنا بعد أي

أسماء منهم كما في البحرية ولابد وأن يقع الرأس يوما "

قلت بهدوء " وصورة عائلتي أريدها جابر أرجوك ولو

أن تضعها في مكان آمن حتى تنتهي القضية "

قال بهدوء " لم نجدها حتى الآن "

قلت باستغراب " اختفت "

قال " نعم وسنبحث عنها مجددا في القبو "

أطفأت حينها النور وغادرت فلا أريد أن أزعجه أكثر

خرجت من غرفته ودخلت لغرفتي هناك وجلست عند النافذة من

بعيد كعادتي اتكأ على حافتها أشاهد السحاب والغيوم , ستسافر يا

نزار ستبتعد للأبد وستفصلك عني البحار والقارات وليس كيلومترات

بسيطة فقط كما الآن , كم أتمنى لو كنت بجانب خالتي وأراها تسترد

عافيتها وأن آخذ بيدك حتى تكلل حلمك بالنجاح لكنك ترفضني بكل

تفاصيلي يا نزار وأنا أيضا لم أعد أريد ذلك كي لا يؤذوك عائلتي فإن

كان والدي تبروا منه فقط لأنه تزوج من يتيمة فقيرة فكيف بي وهم

ينتظرون زوالي ليتقاسموا حصتي كيف إن جلبت لهم معي زوجا من

عامة الناس مؤكد سيهينونه حد الوجع ولن أستطيع ولا ردعهم عنه

ووقتها سيختار تركي مجروحا ومطعونا في رجولته

بعد وقت غادرت من أمام النافذة وتوجهت للخزانة وأخرجت

الرواية التي لم أقرأها منذ وقت طويل , ترى ما سيحدث مع

ردين وهل ستفارقهم مثلي أم لا وهل ستحب فراس أم سيُكرهها

على العيش معه , توجهت للسرير وجلست عليه وقرأت من حيث

توقفت (( عدت لسجن نفسي من جديد ورغم محاولات عمتي سعاد

لم أنزل لكني اليوم رضخت لها فقد رأفت بحالها وترجيها لي

خصوصا أن من هنا اليوم ابنة عمة عمي رياض رحمه الله

وشقيقة الجد أي عمة عمتي سعاد ولم تتركني أنزل حتى سرّحت

شعري ووضعت كحلا خفيفا وأحمر شفاه بحجة أني عروس

وأنهم لم يروني سابقا ويريدون رؤيتي , كيف ننسى أنه مر فقط

أشهر قليلة على وفاته لنتزين ونبتهج لكني أطعتها لأني أراها

تحاول إسعاد الجميع ليعيشوا حياتهم الطبيعية أما هي فهي الأكثر

حزنا بيننا وفقدا له فهوا زوجها حتى النوم كانت تنام بجواره

نزلت للأسفل وتوجهت حيث يكونون بعدما أخبرتني أن وائل

مسافر ليومين وأن أشرف خارج المدينة ولا خوف من دخولهما

وأنا بدون حجاب فلست بمزاج مشاكل مع الرجل الثالث الموجود

هنا وهوا فراس طبعا , دخلت غرفة الجلوس وكانوا ثلاثتهن هناك

فتوجهت نحوهم وسلمت عليهما , توقعتهما أكبر من هذا بكثير وأنهما

عجوزان لكنهما في عمر ليس بكبير جدا , قالت عمتها " ما شاء الله

يا سعاد زوجة ابنك أجمل مما سمعت عنها متى ستزوجونهما "

ضحكت الأخرى وقالت " كيف صبر لكم عليها حتى الآن "

نظرت للأسفل ليس خجلا من حديثها بل كرها له , ما يريده بي

يتلهف هكذا , مسحت عمتي سعاد على شعري وقالت

" وفراس كان مصرا أن يأخذها لمنزلهما لولا أني

عاندته في ذلك حتى تخرج من حزنها أولا "

نظرت لها باستغراب من كلامها هل هوا حقيقة أم فقط

أمامهما لحظة دخول أحدهم وقالت عمتها " ها هوا

العريس حظر كنا نتحدث عنك للتو "

توجه ناحيتي وجلس بجواري وكأنه ليس من بث سمومه

بي ذاك اليوم بل ووضع يده على كتفي ووضع ساق

على الأخرى وقال " وماذا تقولون عني "

ضحكت ابنة عم والده وقالت " نقول متى ستتزوج

وتُفرح والدتك "

استرخى في جلسته أكثر وقال " وأنا متزوج الآن أم

تريدون تزويجي بالثانية "

شهقت عمتي سعاد وضحكتا هما عليها وقالت عمتها

" الله أكبر ما أوسع عينك مع هذه الجميلة تريد زوجة أخرى

بل هي نعني فمتى ستفرح والدتك برؤية أبنائك "

أبعدت وجهي جانبا فلم أعد أحتمل هذه الجلسة , قال أبنائه قال

هذا لا يفكر في الأبناء يريد فقط كسر رأسي وأنفي بل أنا التي

لن أحمل منه أبدا , قال حينها " في القريب بما أنه لن

يكون هناك حفل زواج "

نظرت له بسرعة وصدمة فنظر لي وقال بابتسامة باردة

" أم تريدين حفلا ورقصا وغناء "

بقيت أنظر لعينيه بجمود لوقت ثم قلت بصوت

منخفض " أنت أكثر من يعلم ما أريد وتريد "

قرب شفتيه من أذني وهمس " أريد زوجة تضع عقلها في

رأسها وقبله حجاب فوقه فكم مرة قلت لا أريدك من

دون حجاب أمام أخوتي "

وقفت حينها وقلت " بعد إذنكم "

ثم خرجت لأني إن بقيت هنا ستكون حربا والخاسرون فيها كثر

ولساني لن يرحمه أبدا وسأحرج عمتي سعاد أمام قريباتهم

وصلت غرفتي وأغلقت بابها بقوة لينفتح بعدي فورا ودخل فراس

وأغلقه خلفه وقال " متى ستحترمينني أمام الناس يا ردين "

قلت ببرود " وماذا فعلت لا شتمتك لا سببتك ولا عيرتك بعيوبك "

توجه ناحيتي وأمسك ذراعي بقوة وقال من بين أسنانه

" قلت تحترميني وكلامي أعتقد واضح لك وتعلمي

معنى ما أعني وما فعلتِه جيدا "

استللت يدي منه وقلت " اخرج من غرفتي "

نظر لي بغضب يتطاير من عينيه وقال بحدة " أعيدي ما قلته "

لحظة فتح عمتي سعاد باب الغرفة ودخلت وقالت وهي تغلقه

" ما بكما لما هذا الصراخ "

أشار لي وقال بحدة " تعالي وتفاهمي مع من تقولين لي وصية

والدك ويتيمة ووووو أنظري ما تقول وتفعل لا تحترم كبير ولا

تقدر أحد وأولهم زوجها "

قلت بضيق " قلت لكم لا زوج لي وكله كان بطلب من عمي

رياض وانتهى بموته وستطلقني فورا "

قال بغضب " في أحلامك يا ابنة مالك الحزين "

قالت وقد تجمعت الدموع في عيناي " لن أسمح لك أن

تسخر من والدي "

قالت والدته بحدة " فراس أخرج حالا "

كان سيتحدث لكنها قالت بأمر " أخرج ولا تتحدث "

فخرج يتأفف بغضب وقلت بعبرة " أرأيت ابنك , كيف سأعيش

معه وهوا يعاملني هكذا ولن يردعه عني أحد ولا عمي رياض

أقسم أني لن أجعله يهنأ بها "

أمسكت ذراعاي وأجلستني على السرير وقالت

" أجلسي واستمعي لي جيدا "

ثم جلست بجواري وقالت " ماذا حدث بينكما يومها

بعد نزولك لجده "

نظرت لها بحيرة وقلت " ولماذا "

تنهدت وقالت " لأني أرى مزاجه أصبح سيء ومع الجميع من

يومها وهوا من قال لي قبلها وبلسانه أنه سيأخذك لمنزلكما

دون حفل وأنه عند وصية والده له "

قلت بسخرية " يضحك عليك ليس إلا فقد هددني قبل وفاة

والده وبعدها وقال أنه سينتقم مني بزواجه بي "

قالت بهدوء " لكنه يصر على زواجكما والعناد لن يجدي في

شيء يا ردين ولا تنسي أنه زوجك ويمكنه إخراجك

من هنا متى أراد "

هززت رأسي بلا بقوة فتنهدت بأسى وقالت " تعوذي من الشيطان

يا ابنتي وجنبينا المشاكل واذهبي مع زوجك "

قلت بتذمر " لما أنا من عليها أن تتعوذ من الشيطان وتذهب مع

شيطان آخر لما هوا لا يكبر رأسه ويُخرج من قلبه حقده علي

هوا لا يريدني فليطلقني بالحسنى "

قالت بجدية " وأين ستذهبين إن طلقك يا ردين عمك رياض لن

يرضى عنا يوم الحساب إن أخرجناك للشارع "

قلت بضيق " وابنك يعلم انه لا أحد لي غيركم لهذا يريد فرض

رأيه علي , وعليه أن يطلقني وسأخرج للشارع وأحللكم

من مسؤوليتي أما الجميع أحياء وأموات "

وقفت وقالت " ردين لا تكثري المشاكل مع زوجك سبق ونصحتك

بها وسأعيدها فكل هذا ستكون عواقبه وخيمة والزوج سند

أمام الناس حتى لو كرهتِ عشرته "

ثم خرجت من عندي وأغلقت الباب وتركتني مع الأفكار تموج

بي موج البحر , يخطط لأخذي معه هناك إذا ليستفرد بي لن تهنأ

بها يا فراس يا ابن رياض وسترى ما ستفعله بك ابنة مالك الحزين

انتظرت حتى انجلى الليل وجمعت جميع ثيابي واتصلت بالرقم الذي

أعرفه وأحفظه جيدا فأجابت عليا صاحبته سريعا قائلة

" نعم من معي "

قلت بهمس " أزهار "

قالت " نعم من أنتي "

قلت " أنا ردين "

قالت بصوت مبتسم " مرحبا ردين أين أنتي

يا ناكرة العشرة "

قلت " ليس وقت عتاب الآن أخبريني هل عرضك

لي ما يزال قائما "

قالت من فورها " بالطبع أنتي فقط أشيري وأنفذ "

نظرت للباب وقلت " أريد سيارة تأخذني وسأعطيك العنوان

الذي تجدني فيه ونتفاهم لاحقا "

ثم أعطيتها أسم الشارع الآخر وتسللت من الباب الخلفي وخرجت

راكضة لأجد سيارة في انتظاري فركبتها وغادرنا في الفور فلنرى

كيف ستجدني يا فراس وبماذا ستبرر للجميع ))

كانت الصفحة قد انتهت فقلبتها ولم يتبقى سوا صفحة واحدة مكتوب

فيها (( أين ذهبت ردين وكيف أمضت أربع سنوات عجز حتى

فراس أن يجدها فيهم بل وأين سيجدها وكيف وماذا سيحدث

كل هذا سيكون في الجزء الثاني من ( خلف أسوار المدينة ) ))

أغلقت الرواية وقلت بضيق " يالها من كاتبة مخادعة لو كنت أعلم

ما قرأتها منذ البداية , أين سأجد الآن التكملة بل لن أبحث عنها

ولن أقرأ روايات مجددا "

ثم رميت الرواية بعيدا وكل تفكيري فيها فأين ستذهب بالفعل بل

أين اختفت كل هذا وكيف وما مصيرها من فراس حين سيجدها

مؤكد لن يرحمها أبدا

*

*

رتبت كل شيء في حقيبتها وأنا أقول " ماذا نسينا يا أمي

فلن نستطيع العودة له إن وصلنا هناك "

قالت وهي تمد لي مسبحتها " لا شيء هذه آخر شيء لي هنا "

أخذتها منها ووضعتها في الحقيبة أيضا فقالت بهدوء

" ألن نودع سما أبدا ولا نراها "

شعرت بحرقة في قلبي فالتفكير في هذا الأمر يؤرقني حقا ولا

أجد له حلا , قلت وأنا أغلق سحّاب الحقيبة " رفضت ذلك يا أمي "

قالت باستغراب " مستحيل ترفض سما أن تودعني وتراني "

وقفت ورفعت الحقيبة وقلت " بلى اتصل بي جابر وأخبرني لقد

سألها ورفضت وعلينا أن نعذرها في هذا "

تنهدت وقالت بحزن " فليحفظها الله هذه الصغيرة رأت ما لا

يستطيع الرجال تحمله وحرمت كل شيء حتى الرجل الذي أحبته "

وضعت الحقيبة جانبا وقلت " لا تنسي يا أمي فطائرتنا وقت الفجر

إن لم انزل لك اتصلي بي كي لا تفوتنا "

هزت رأسها بحسنا وقالت " الليل لم يحل بعد ولازلنا

أول النهار لتوصني بإيقاظك "

قلت مغادرا الغرفة " لأني بث أخاف أن يقف أي

شيء ضدي مجددا "

خرجت من غرفتها وصعدت للأعلى وأمسكت هاتفي واتصلت

بجابر مجددا وما أن أجاب حتى قلت " دعني أراها ولو من

دون علمها يا جابر أرجوك "

تنهد وقال " لو أفهمك يا رجل وأفهم كيف تفكر "

قلت بتذمر " أسدي لي هذا المعروف يا جابر فأنت لن

تراني قبل أعوام كثيرة "

قال باستسلام " أمري لله تعال لمكتبي الآن "

خرجت من الغرفة قائلا " قادم لك حالا "

ثم خرجت من المنزل وركبت سيارتي وانطلقت لمكتبه فورا

وأدخلوني له فقال ما أن دخلت " أغلق الباب وتعال "

أغلقه واقتربت منه وهوا جالس وأمامه حاسوبه ينظر له بتركيز

ثم نظر لي وقال " تعالى اجلس ألست تريد رؤيتها "

جلست وقلت بحيرة " هنا !! "

أدار لي الحاسوب وقال " نعم أم تريد أن آخذك لها وهي

رفضت ذلك , أنظر هذا المقطع يهمك بالتأكيد ولا تطلب

مني شيء غيره لأني لن أوافق "

نظرت للشاشة حيث ظهرت صورتها تجلس أمام نافذة تنظر للسماء

شعرها مفتوح وغرتها أصبحت في نهاية وجهها مدرجة على شعرها

للخلف تزداد جمالا في كل حالاتها وعيناها الزرقاء الواسعة تلمع من

حبسها لدمعتها كانت الصورة قريبة وواضحة وظننتها ثابتة حتى رفعت

يداها لصدرها وضمتهما له وقالت بحزن " يا رب أحفظ نزار

وخالتي فلن أراهما مجددا "

ثم نزلت الدمعة الأولى من عينها وقالت بأسى " أحبك نزار وأيقنت

أنك لست لي ولن تكون لي مهما طال الزمن وأتلهف لرؤيتك

لكني لا أستطيع فكل شيء انتهى نعم انتهى وللأبد "

لتظلم الصورة بعدها فرفعت نظري به فأدار الحاسوب وقال

" ها قد حققت لك طلبك وغيره لا تحلم به "

قلت بصوت ضعيف " متى كان هذا "

أغلق حاسوبه وقال " البارحة بعدما علمت بخبر سفركم

أنت قررت نسيانها يا نزار فاتركها تنساك "

وقفت وقلت " ومن قال أني قررت ذلك "

وقف أيضا وقال " وما معنى أن تسافر لأعوام وتتركها دون

حتى أن تطلب منها أن تنتظرك , سما من الذكاء أن تفهم معنى

ما يجري أمامها بل باتت موقنة من قراراتك ومقتنعة بها "

قلت بحيرة " هي قالت لك ذلك "

خرج من خلف مكتبه ووقف بجانبي ووضع يده على كتفي

وقال " نعم وبلسانها فانظر لمستقبلك ولتنظر هي لمستقبلها بما

أنك رفضت أن أزوجها لك وهناك أمر أخير ستفعله لها "

نظرت له بحيرة فقال " عليك فتح باب القبو لنا مجددا لنبحث

عن صورة عائلتها فهي تسأل عنها باستمرار "

نظرت للأرض وقلت بحزن " الصورة عندي وليست في القبو "

قال باستغراب " لديك أنت !! "

نظرت له وقلت " نعم وكنت أود أخذها معي لكن بما أنها تريدها

سأحضرها لك فأعطني وقتا لأغير لها زجاج بروازها أولا لأنه

انكسر تلك الليلة ولا تخبرها أنها كانت معي "

تنهد وقال " حسنا فعلت ولا تفكر أن تأخذ نسخة عن الصورة

فوالدها وهي فيها وخذ البرواز فقط ليركبوا لك عليه الزجاج

وليس الصورة أيضا "

هززت رأسي بحسنا وخرجت من عنده وعدت للمنزل وأشعر

أني تركت قلبي هناك معه بل معها حيث المكان الذي لا أعلمه

حتى اليوم , ترى هل ستجمعنا السنين مجددا يا قلب نزار هل

سيكتب لنا لقاء ولو بعد أعوام

وصلت المنزل مثقل بهموم لن تغادرني رغم أني بث أدنوا كثيرا

من تحقيق أهم أحلامي لكن يبدوا أن سما أهم منها فكيف أحققه

وهوا الأصعب بينها , عليا أن أقتنع كما اقتنعت هي بكلامي وسوف

تنساني وتجد من هوا أفضل مني بالتأكيد وقد يكون ابن عمها ذاك أو

غيره منهم أو غيرهم جميعهم كالضابط ذاك فمؤكد ستوافق عليه ولو

بعد حين , دخلت المنزل وصعدت لغرفتي وأخرجت الصورة من

حقيبتي فحتى صورتها لن تذهب معي كما كنت أريد , جلست على

كرسي مكتبي وتذكرت المقطع الذي أراه لي جابر وكأنه أمامي الآن

كُتب لك يا سما أن تبقي وحيدة لأن الظروف ضدنا وما لا تعلميه أني

تركت قلبي معك هنا وسأرحل من دونه

هززت رأسي أحاول ولو طرد تلك الأفكار وليس طردها هي لأنها

لن تخرج ثم أخرجت القطعة المتبقية من زجاج البرواز وكانت قرابة

نصفه وكنت سأقيس حجمه لأجلب له غيرها لكني لاحظت أن القياسات

مكتوبة في طرفها السفلي الذي كان مخفيا في خشب البرواز فأخرجت

قلما ودفترا لأسجلها ثم توقفت أنظر لها بتركيز , غريب هذه يستحيل

أن تكون مقاسه لأنها أصغر !! رفعت الصورة ببروازها ونظرت لها

بتمعن , يبدوا لي حجمها بين الـ 25 ـ 30 سم عرضا وحدود الـ 20 سم

طولا أما المكتوب فيبدوا 9سم عرض و9 طول أي مربع لثلث الصورة

تقريبا فما السر يا ترى , أخرجت عدستي المكبرة ونظرت لباقي الكتابة

الصغيرة ونقلتها في الورقة ولأنه سبق لي أن درست الهندسة فسهل علي

فك رموز المكتوب وهوا ( جهة الشمال ارتفاع 11 سم نزولا 9سم وحد

تقاطعي 21 سم و9 سم جنوبا ) فقلبت الصورة وطبقت المعادلة على

خلفيتها وحددت خطا بالقلم على جميع الاتجاهات المذكورة فكانت النتيجة

مربع في الزاوية اليسرى من الأعلى فبدأت بلمس حدوده بالضغط عليه

بقوة وفتحت عيناي على اتساعهما من الصدمة وأنا أتلمس الشيء الموجود

فيها هذا يبدوا الدليل الذي يبحثون عنه لديها لكن يا ترى ما سر أن كتبوا

وحددوا المكان بهذه الدقة , نعم هوا نظام طمس الأدلة وأي خطأ في

إخراج هذا الدليل ستكون نتيجته أن يتلف تماما وهذا تحسبا لأن يقع في

يد شخص من العصابة تحديدا وهوا يشبه النقل المصرفي للأموال في

حوافظ خاصة تفتح بطريقة معينة وفي حالة سرقها أحدهم وفتحها بطريقة

عادية ستتشوه جميع الأموال بالحبر الأزرق وتصبح ورق بلا فائدة

رفعت هاتفي واتصلت بجابر كثيرا ولم يجب فأرسلت له

( جابر أجب الموضوع مهم جدا وخطير )

عاودت الاتصال ولم يجب أيضا أين ذهب هذا الرجل هل هذا وقته الآن

جلبت مشرطا من الدرج ومررته على الأجزاء التي حددتها , عليا

أخراجه فورا فمن يعلم إن كان سيبقى حتى يجد جابر رسالتي أم لا

مزقت القطعة الورقية بحذر وبطء حتى تعرق جبيني وكل خوفي من

أن يضيع الدليل أو تتمزق صورة سما وعائلتها وما تبقى لها منهم

أنهيت العمل بعد وقت وقلبت الصورة وأول ما ظهر لي أن الصورة

لم تتمزق فارتحت من نصف المشكلة وبقي الأهم , رفعت الصورة

ليقع القرص الذي كان موجودا بداخلها ووقفت على طولي أنظر له

بصدمة , نعم هذا هوا الدليل دليل قتلة عائلتك يا سما كان معك

طوال الوقت وضعه والدك هنا لتجديه يوما ما , رفعت القرص

وشعرت أن مهمتي بدأت الآن وهي إيصاله لجابر سالما


**************************


مرت عدة أيام وكل شيء يسير مكانه ترف تحسنت حالتها

قليلا حسب كلام معتصم فلم أتمكن من رؤيتها ولن أتمكن من

ذلك فالخروج ممنوع منعا باتا أما زائر تلك الليلة فكانت بيسان

جاءتني تبكي وتقول أنها خائفة وأن الدم يدخل لها من الشرفة

وندِمت أني لم أترك بتول تنام معها كما طلبت ونامت معي تلك

الليلة وانتقلت بتول بعدها لغرفتها وأصبحتا معا طوال النهار

ومصعب وعدي لا يتركوهما سوا وقت النوم طبعا أما جابر

فلم يأتي تلك الليلة وكل ما وصلني منه رسالة مكتوب فيها

( مشغول ولن أتمكن من المجيء )

كان ردا واضحا كي لا أحاول مجددا وأطلب ذلك منه قد يبدوا

أفضل من أن لا يرسل شيئا لكن النتيجة واحدة وقد تعبت من كثرة

ما يسأل الجميع أين يكون ولما لا يأتي هنا فكل من في هذا القصر

منفصل عن العالم الخارجي ولا يعلمون أنه لديه منزل في العاصمة

يسكن فيه حاليا ولولا المصادفة ومكالمة عمه لذاك الضابط ما علمت

حتى أنا , تنهدت بأسى وجمعت شعري للخلف ونظرت جانبا وقلت

" أين شقيقك لم أره اليوم أبدا "

قالت وهي منشغلة بما تفعل " مع عمر طبعا في غرفته

ولا يسمحون لنا بالدخول معهم "

قالت بتول بتذمر " مصعب أقسم أن أضربك إن أفسدتها مجددا

ابتعد عني لا أعلم متى سأتخلص من الأطفال "

قلت مبتسمة " بل جاءك الأطفال الذين لا ينتهون "

قالت ببرود " في أحلامه هل يظنني أرنبا لن أنجب أبناء هكذا متتاليين

كالمسبحة ولن أسكن هنا كي لا يكونوا هؤلاء معي طوال الوقت "

ضحكت وقلت " وهل هناك من تكره أن تكون بقرب عائلها "

قالت وهي مشغولة بما تفعل " نعم أنا "

فقفزت بيسان جالسة وقالت " انتهيت قبلك وفزت عليك "

فقالت بتول بتذمر " كله بسبب هذا القرد هل ارتحت الآن "

ثم وقفت راكضة جهة عدي الذي يحبوا بعيدا وقالت " تعال هنا

ستوقعها عليك ولن ترحمني والدتك ما أتعسني من فتاة لو فقط

بقيتَ جالسا ولم تتحرك كل عمرك "

ضحكت وهززت رأسي وقلت " معك حق تربية الأطفال أمر

صعب وأرى والدتك لا تساعدك أبدا "

رفعته من الأرض وعادت به ناحيتنا وقالت " وكيف تشغل بالها

بهم ولديها مربية خاصة لكن الدنيا لن تبتسم لها طويلا

وستبقى لهم وحدها "

قلت مبتسمة " قالت ستجلب خادمة ما أن تتزوجي "

وضعت يدها وسط جسدها وقالت بضيق " نعم نعم هل الآن

أصبحت الخادمة أمر مباح وعندما كنت أنا خادمتهم كان

ذاك شيئا ممنوعا بالنسبة لها "

رفعت كتفاي مبتسمة فقالت " وأنتي أين زوجك طوال الوقت غير

موجود ولم نره منذ قدومنا هنا هل يأتي ليلا ويغادر أم ماذا "

نظرت للأسفل وقلت " شيء من هذا "

عادت للجلوس متربعة على الأرض أمام بيسان ووضعت عدي

في حجرها وقلت " كوني حذرة ولا تغفلي عن زوجك كي

لا تأخذه غيرك منك بكل بساطة "

نظرت لها بصدمة فقالت " نعم ما بك تنظرين لي هكذا زوجك رجل

تركض خلفه النساء ولا تنسي أنه يحتك بهن طوال الوقت وإن كنت

أنا مكان واحدة منهن لسعيت جهدي لأحصل عليه "

قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام ثم جابر ليس من هذا النوع "

ضحكت وقالت " لا تموتي قبل أوانك ولا تؤمني للرجال ولا

مكر النساء فأين يذهب كل هذا الوقت ألم تفكري أن يكون

تزوج عليك فالرجال لا مأمن لهم "

وقفت وقلت " ما هذه الأفكار التي لديك الجلوس معك مهلكة "

أمسكت الورقة التي يلعبون عليها وقالت وهي تكتب فيها

" لقد حذرتك فلا تلومي إلا نفسك "

خرجت من هناك قبل أن تأكل رأسي بالوساوس بل هي فعلتها

بالفعل , توجهت لجناحي ولغرفتي فورا ولم أنزل ولا لتناول

العشاء مع البقية ليمر بي الليل جالسة مكاني حتى فتح أحدهم باب

غرفتي وكانت بيسان مجددا وقالت وهي تفرك عيناها

" ماما بتول تركتني وحدي أنا خائفة "

مددت يداي لها وقلت " وأين ذهبت في هذا الليل لابد

وأنها في غرفة شقيقيها وستعود "

صعدت للسرير معي ونامت في حضني قائلة

" لا أعلم لقد خفت كثيرا "

ضممتها لحضني وتنهدت بأسى لقد أصبحنا في ترف جديدة تخاف

من الوحدة والظلام ولا ألومها بعد الذي رأته , نامت سريعا فعدلتها

بجانبي ونمت معها أمسح على شعرها حتى أخذني النوم لأشعر بشيء

على ذراعي فقفزت جالسة بفزع فكان جابر في الغرفة ويقف فوقي

فوضعت يدي على صدري وقلت بخوف " أفزعتني جابر متى دخلت "

قال وهوا ينظر لبيسان " الآن , ماذا تفعل بيسان هنا "

نظرت لها وقلت " أصبحت تخاف كثيرا منذ اليوم الذي أصيبت

فيه ترف وبتول تنام معها ويبدوا الليلة نامت مع أخوتها الصغار "

هز رأسه بحسنا وكان سيغادر فغادرت السرير وأمسكت يده

وقلت " جابر "

فالتفت لي لتلقي عينانا عن قرب بل وسبحت عيناي في كل

ملامحه لتعود لمعانقة عينيه مجددا وقلت بهمس

" عد يا جابر فهناك من اشتاق لك بحق "

بقي ينظر لي بصمت فقلت بابتسامة حزينة

" أقسم أني اشتقت لك "

فرفع رأسه ينظر للأعلى ورفع يده لشعره ومررها فيه حتى

أمسك بها قفا عنقه ولا أعلم ما سبب توتره هكذا فأحطت

جسده بذراعاي وحضنته بقوة وقلت " لا تتركني مجددا

جابر أرجوك أقسم أني تعبت من بعدك عني "

قال بصوت منخفض " والطلاق "

رفعت رأسي ونظرت له وقلت " لن أذكره مجددا أقسم لك "

قال بهدوء " لا تنسي أنك أقسمتي "

غمرت وجهي في صدره وقلت " لن أنسى ولن أقولها ما حييت "

كنت سأخبره عن حملي فهذا الوقت الأنسب له ويبدوا أن أمورنا

ستتصافى أخيرا لكنه سبقني قائلا بهدوء " أنا تزوجت يا أرجوان "

فابتعدت عنه للخلف عدة خطوات انظر له بصدمة وقلت

" تزوجت !! "

نظر للجانب الآخر وقال " نعم "

شعرت بشيء لا أعرف ما أقول عنه بلى أعرفه إنه نار نعم

نار اشتعلت في جوفي وقلبي وقلت مجددا بصوت مخنوق

غير مصدقه " تزوجت يا جابر "

نظر لي في صمت فوضعت يداي جانب رأسي أضغط عليه

بقوة من الصدمة وأنظر للأرض ثم بدأت بضربه بهما بقوة وأنا

أبكي وأمسك عبراتي كي لا تستيقظ بيسان , كنت أضرب وأضرب

وشعري الطويل يتطاير مع حركة يداي فاقترب مني وأمسكهما

وأبعدهما قائلا " توقفي عن لطم نفسك يا أرجوان "

فاستللت يداي منه وجلست على كرسي مرآة التزيين وغطيت وجهي

بيداي وخرج بكائي ونحيبي ولم أستطع ولا السيطرة عليه فأمسكني

من ذراعاي وأوقفني وأخرجني من الغرفة وأغلق الباب وقال

" أرجوان توقفي لنتحدث "

لكن جنون الكون كله كان يسيطر علي وقتها ويداي لازالتا على

وجهي فعدت لضربه مجددا لكن هذه المرة من الأمام وأنا في نحيب

مستمر فشدني لحضنه بقوة وقال بضيق " توقفي قلت لك كيف لامرأة

مؤمنة تعلم حدود الله تلطم وجهها هكذا "

استسلمت لبكائي في حضنه بل لنحيبي الذي أخفاه في صدره

العريض قتلني وجاء ليخبرني بل يضم جراحي لحضنه الذي

جرحني به الحضن الذي باتت غيري تشاركني فيه يا الله ياله

من شعور قاسي ويالها من نيران تشتعل في داخلي

*

*
خرجت من غرفة قصي وعدي ليشد انتباهي صوت ضحك معتصم

المرتفع من غرفته فتحركت جميع خلايا الفضول لدي بل ما أعاده

الليلة من المستشفى ! اقتربت من غرفته فكان يكلم أحدهم في الهاتف

ويضحك بهستيرية فشعرت بالشيطان الذي غرسته في عقل أرجوان

انغرس في عقلي وكأن السحر انقلب على الساحر فاقتربت أكثر عندما

انخفض صوته وكأنه يحدث أحدهم همسا ومؤكد من كان يكلمه الآن

اقتربت أكثر لأسمع فانفتح باب الغرفة بقوة فقفزت مفزوعة وأمسكت

صرختي بيدي وقال بنظرة استغراب " بتول ماذا تفعلين هنا

ظننتك إحدى الخادمات تتجسس علي "

أبعدت يدي عن فمي ووضعتها وسط جسدي وقلت " وماذا تفعل

أنت ومع من كنت تتحدث همسا وتضحك هكذا "

أمال وقفته وقال بمكر " الله أكبر جديدة هذه حرمنا المصون "

قلت بجدية " جديدة أو حتى قديمة قل مع من كنت تتحدث "

قال بابتسامة جانبية " غيرة هذه أم ماذا "

قلت بضيق " أعتبرها ما تريد وأخبرني الآن من تكون "

وضع يده في جيب بنطاله القصير وقال " وما يعنيك من

تكون , هذه خصوصية حسب اعتقادي "

دفعته من أمامي وقلت وأنا أدخل غرفته " سأعرف

وحدي من هذه يا خائن يا معتصم "

أمسكني من خصري ورفعني من الأرض وقال

" أنتي السبب طبعا يا بثلتي "

قلت وأنا أحرك ساقاي في الهواء " أنا السبب يا كاذب وأنا

وافقت على الزواج بك هل تتحجج بي "

سار بي حتى السرير ورماني عليه وقال " وافقتِ !! بعد ماذا

بعدما أشبتِ لي رأسي "

جلست مقابلة له وقلت ببكاء " أقسم أن تطلقني إن كنت

تتحدث مع أخرى "

ثم ضربت بيدي على السرير وقلت " تكلم الآن واعترف بسرعة "

قفز بجانبي على السري وأبعد شعري المفتوح للخلف وقبل عنقي

وقال " كنت أتحدث مع صديقي "

قلت بعبرة " كاذب تتهامسان وتضحك وفي هذا الوقت

المتأخر يا خائن يا مغازل "

ضحك وقبل خدي عدة قبلات فدفعته بعيدا وقلت

" أبتعد عني قلت لك واذهب لها "

عاد للضحك مجددا ثم أمسك هاتفه ورماه في حجري وقال

" انظري بنفسك لآخر مكالمة لي "

رفعته من فوري ومسحت دموعي وعيناي لأرى جيدا وفتحت

قائمة المكالمات ورأيت آخرها وكانت من اسم ( معاذ )

فرميته له وقلت " ومن هذا معاذ الذي تحدثه هذا الوقت "

قبل خدي مجددا وقال " صديقي قلنا صديقي "

مسحت خدي وقلت ببرود " لا أصدقك "

رفع الهاتف واتصل به فأجاب من فوره قائلا " معتصم أتركني

وشأني يا حسود لديك زوجتك ففارقني الليلة "

ففصل عليه الخط وقال " تأكدتِ الآن يا غيورة يا من تحبينني "

دفعته عني وقلت مغادرة السرير " لست غيورة ولا أحبك أيضا "

فأمسك يدي وسحبني منها وشدني لحضنه نائما بي على السرير

وقال " أين أين ستنامين هنا الليلة "

قلت وأنا أحاول الخلاص منه " معتصم أتركني هل جننت "

شدني له بقوة وقال " لن أفعل شيئا فاهدئي قلت لك والذنب عليك

حذرتك من المجيء لي هنا وفعلتها بنفسك "

ضربت يداه وقلت ببكاء " معتصم أتركني ماذا أنام معك هذه

أين تضننا أتركني قبل أن يرانا أحد "

فتركني ضاحكا وغادرت أنا السرير راكضة ووقفت عند

الباب ونظرت له وأخرجت لساني وقلت " المهم لم تكن تكلم

امرأة ولتعلم فقط أنه لا امرأة ترضى أن تكلمك يا بشـ .... "

ثم صرخت وركضت هاربة حين غادر السرير راكضا نحوي

وعبرت الممر مسرعة وصعدت الطابق ركضا لأرتطم بشيء

بقوة أعادني للوراء ولم يتأثر أبدا وما كان إلا جابر الذي واصل

طريقه مسرعا ونزل السلالم دون حتى أن يسألني لما أركض

هذا الوقت فرفعت كتفاي وتابعت طريقي يبدوا أنه يأتي ليلا

فقط لهذا لا نراه , يا عيني على الناس الرومانسية والجــ

" يااااااااااااااااااااا "

قفزت صارخة لأجد عمر شقيقي خلفي يضحك بهستيرية وكانت

الصرخة له طبعا ثم فر هاربا وقال " معتصم يسلم عليك

وقال أنها هدية منه "

عصابة الحمقى لقد أوقعوا لي قلبي وهذا القرد ما يوقظه حتى

الآن وأمجد نائم منذ وقت يفترض بهم أن تركوا أرجوان تربيه

هوا تحديدا
*

*

خرجت مسرعا بعد الاتصال الذي تلقيته من سالم وقال فيه أنه

فتح هاتفي الخاص الذي نسيته اليوم في المنزل ولم أخرجه معي

وأن نزار يتصل بي دون توقف وأرسل أن الأمر مهم وخطير

نزار رحلته بعد أقل من ساعة ولم يحضر الصورة وأن يكون

الأمر مهما يعني أنه يخصها , اتصلت به بالهاتف الموجود عندي

وأنا أخرج بسيارتي فأجاب فورا وقال " أين أنت يا رجل لم أترك

مكان لم أسأل عنك فيه ولا تجيـ ...... "

قاطعته قائلا " ماذا حدث وأين أنت الآن وهل وجدت شيئا أم لا "

قال من فوره " في المطار فأسرع فالشيء الذي لدي مهم جدا

ومكانه كان صورة عائلتها لم نتوقعه ولا في أحلامنا "

قالت بحماس " ما يكون وما حجم أهميته "

قال " قرص "

ضربت المقود ولففت به وقلت " رائع وجدنا دليلنا أخيرا

توقعت أن يكون معلومات مهمة "

قال من فوره " وطريقة حفظه له وإخراجه يدل على

أن الذي فيه مهم للغاية "

ثم سرد لي كيف وجده وأنا أسير بكل سرعتي جهة المطار

وقلت ما أن انتهى " لا تكن شغلته "

قال " لا فأنا أعرف أن التعامل مع هذه الأمور حساس جدا

وقد يكون يعمل لمرة واحدة فلا خبرة لدي كثيرا في هذه

الأمور ولا تفتحه دون خبير "

وقفت بسيارتي وقلت " وهل نسيت خبرتي في مجال الحاسوب

فهوا هوايتي المفضلة ها قد وصلت أين أنت "

قال مباشرة " في صالة الركاب "

نزلت من فوري راكضا والحرس يركضون خلفي والجميع منتبه

لطريقة دخولنا لكن هدفي كان واحدا أريد الوصول له بأي شكل

كان ولو بقي واحد منا فقط على قيد الحياة وخرج به , توجهت

حيث يكونون الآن وأسرع نزار ناحيتي وسلمه لي وقال

" كنت سألغي الرحلة بسببه لو لم تأتي ولولا أنه

أمر مهم ما كان سيوقفني شيء غيره "

ضغطت عليه في يدي وقلت " وأخيرا يا رفعت الشاطر وجدنا

ما يبحث عنه شلة المجرمين بأيديهم وأسنانهم "

أمسك كتفي وقال " جابر لتكن سما في عينيك يا صديقي أقسم

أني أترك قلبي معك وأسافر "

ربت على كتفه وقلت " لا تقلق فإن لم يقتلها ما

فعلته بها فلن يقتلها شيء "

نظر للأرض وقال بحزن " تمنيت أن تعذرني هي مثلك لكن

يبدوا لي أنك أنت أصبحت تلومني كالبقية "

قلت بجدية " ليس بيدي فالفتاة تجعلك تتعاطف معها رغما

عنك لكنها أقوى مما كنت أتصور هذه طفلة في جسد

امرأة تفتقدها أغلب النساء "

قال بحيرة " ماذا تعني بهذا "

قلت مغادرا " سلم لي على والدتك ولا تنسى أن

تكلمني ما أن تصلا "

ثم خرجت من مبنى المطار ووقفت عند السيارة وأجريت اتصالاتي

ليجتمع الجميع في منزلي ثم نظرت للطائرة التي حلقت في السماء

وأعلم علم اليقين أنها طائرتهما لأنها خاصة وطبية , بقيت أنظر لها

وهي تحلق مودعة الأرض كما ودع من فيها أرضنا وأهم أحلامه

موفق يا نزار ولا تقلق على قلبك الذي تركته هنا فإن كانت تحبك

حقا ستنتظرك دون أن يخبرها أحد فالحب الحقيقي شيء لا يحتاج

توثيق , طفلتك وامرأتي يا صديقي علمتاني شيئا جديدا في عالم

النساء وهوا أنهن لا يستسلمن بسهولة فسما اختارت بنفسها أن

تسافر عنها وتُحرم منك كي لا تخسرك للأبد أما امرأتي ...

تنهدت وفتحت باب السيارة ووقفت مكاني أتذكر اللحظات ما قبل

خروجي من عندها حين ابتعدت عن حضني ونظرت لي بعينان

تلمعان من الدموع في ضوء الردهة الخفيف وقالت بإصرار

وأصبعها على شفتيها " لن تأخذك أي امرأة مني يا جابر تفهم

وأفهمها ذلك جيدا فلن تكون إلا لي "

ليرن هاتفي وأجبت عليه فكان سالم وعلمت منه بأمر نزار

وكنت سأغادر فقالت " جابر لا تذهب "

التفت لها فقالت بجدية " عليه أن يكون نحن اختيارك

وإن ذهبت تكون اخترت "

قلت بضيق " أرجوان لن أذهب لها الأمر مهم وعليا أن أغادر "

قالت بحزم " اختر الآن "

قلت بضيق أكبر " توقفي عن الجنون أخبرتك أني لن أذهب لها "

قالت بعبرة تخنقها " الآن تختار يا جابر "

فوقفت مكاني وتوقف عقلي عن العمل لكن نزار والدليل لابد وأنه

وجده وهذا الأمر مصيري للجميع وستتفهم أرجوان هذا فيما بعد

فعلينا أن نضحي وللنهاية , ففتحت باب الجناح وخرجت وتركتها

واقفة مكانها هناك وأعلم ما فكرت فيه بسبب ما فعلت .

هززت رأسي وركبت السيارة وانطلقنا لتداهمني الأفكار مجددا

بعد نزولي من عندها حين وجدت خالتي في الأسفل وقالت ما

أن رأتني " جابر متى عدت !! "

وقفت وقلت " الآن وسأغادر فورا "

قالت " هل صحيح ما سمعته "

قلت باستغراب " وما الذي سمعته وممن "

قالت بجدية " من الهاتف طبعا هل صحيح تزوجت

على ابنة فارس "

نظرت للبعيد وقلت " نعم "

قالت من فورها " تطلقها إذا "

نظرت لها وقلت " من تعني ؟؟ "

قالت بجمود " أرجوان طبعا أو لست ابني ولا أعرفك "

قلت بضيق " أمي ما هذا الكلام الذي أسمعه كيف تريدين

أن أطلق زوجتي "

قالت ببرود " ما لدي قلته فانا وهي لن نجتمع إما أنا أو هي "

تأففت وقلت " سأخرجها من هنا أما طلاق فلن أطلقها "

قالت بضيق " تحبها يا جابر أكلت عقلك يا رئيس شرطة البلاد "

قلت بضيق أكبر " زوجتي ولم أرتكب جرما ولا حراما كما

أحبك وأحب أبنائي هذا شيء طبيعي "

قالت مغادرة " أنا خيرتك ولك أن تختار "

لأخرج بهَم جديد مع همومي , ما هذه الليلة ليلة الاختيارات متى

سيرحمونني ويشعروا أن الذي بين ضلوعي قلب ولم يعد يستحمل

ضغوط الحياة أكثر كيف أرضيك يا خالتي وكيف أتصرف

ذهبت للمسجد أولا صليت الفجر ثم للمنزل ووجدت الجميع ينتظرني

فدخلت المكتب مباشرة وهم يتبعونني وجلست عند المكتب وأحاطوا

بي فمددت القرص لأسعد وقلت " دليل رفعت الشاطر قرص مضغوط

من النوع الذي لا تُنسخ منه المعلومات ولا تُمسح ولا يمكن التلاعب

بما فيه بأي طريقة أي لدى المحكمة قرص لا يمكن إدخال

أي شبهة ناحيته "

أمسكه مني وقال " رفعت الشاطر رجل أذكى وأخطر

مما يتوقع الجميع "

وقفت وقلت " ومن أخرج لنا هذا القرص تصرف بذكاء فائق

ووقع عند صاحبه الأصلي , رفعت الشاطر كان يعلم جيدا

مع من يلعب لذلك ترك دليلا مطموسا سيفسدونه بسهولة

إن وصل لأيديهم قبلنا مما يعني أنه سلاح ذو حدين "

قال أسعد " هل نشغله الآن "

تحركت من خلف مكتبي وقلت " سنشغله في حاسوبي فلدي

نظام طورته بنفسي لنسخ الأقراص من هذا النوع وقد

ننجح في أخذ نسخة عنه "

قال خليل " هل تعتقد أنه سيعمل لمرة واحدة فقط "

قلت وأنا أدخله لجهازي " ممكن رغم أني أستبعد ذلك بما

أنه تركه دليلا لكن كل شيء جائز "

شغلته ليبدأ بعرض ما فيه البداية كانت صور لملفات وأرقام

وتصاريح بإدخال بضائع ممنوعة للبلاد بالوقت والتاريخ وكأن

ثمة من يصورها سريعا ويبدوا بكميرة هاتف نقال ويبدوان

شخصان واحد يحرك الورق والآخر يصور ويتهامسان ثم تغيرت

الصورة لثلاث رجال يعطون ظهورهم يتحدثون مع شخص جالس

على مكتب وقال لهم بحدة " حمقى شلة حمقى يكفي ضاع منا ما

ضاع أعلِموا ..... " وبدأ يسرد أسماء جعلتنا ننظر لبعضنا بصدمة

ثم قال " هل بضنك سيدهم جابر سيسكت عن الأمر طويلا سيتحرك

وإن تحرك سيكشفنا وحتى القتل لا يمكننا قتله يا فاشلين "

قال سالم بهمس " لو يتحرك احدهم لنراه "

وقف حينها ولازال مختفيا خلفهم وقال " أريد جثته ميتا مع دليله

الذي لديه بسرية وتكتم كما عرفتكم والبضاعة ستدخل رغما عن

أنوف الجميع ككل مرة فالعملاء في انتظارها والهنود يلعبون

كثيرا وهذا لم يعد في صالحنا ورفعت هذا أصبح كالشوكة في

حلقومهم ويهدد بالتبليغ عنهم "

قلت من بين أسناني " ليبتعد أحدكم يا حمقى "

وما أنهيت جملتي إلا وتحرك من خلف مكتبه وابتعدوا هم

جانبا لنقف جميع الجالسين منا على طولنا ونحن ننظر

بصدمة لمن ظهر في الصورة

*

*

شعرت بشيء يهزني بقوة فقلت بهمهمة " أممممم من "

ليوقظني صوت رقيق باكي قائلا " بتول استيقظي بسرعة أرجوك "

فتحت عيناي فكانت بيسان أمامي وتبكي فجلست وقلت

" ما بك وأين أنتي لم أجدك هنا "

أمسكت يدي تسحبني منها وقالت ببكاء " ماما مريضة

بسرعة يا بتول "

فخرجت من السرير قفزا وركضت معها دون حتى أن ارتدي

حدائي وركضت لجناحها ودخلته ودخلت غرفتها لأفاجئ بالدماء

في لحافها وصوت أنينها المكتوم المتوجع فاقتربت منها وهززتها

وقلت " أرجوان ما بك أجيبي "

وبلا فائدة كانت تقول كلمات لكني لم أكن أفهمها فنظرت

لبيسان الواقفة عند الباب تبكي وقلت " بيسان بسرعة

أحضري شراشف من الخزانة "

فتحركت مسرعة وأخرجت كل ما يوجد فيها فأخذتها منها وقلت

" أخرجي من الغرفة وابقي في الجناح ولا تخبري أحد مفهوم "

هزت رأسها بحسنا وقالت ببكاء " هل ستموت ماما "

أمسكت يدها وأخرجتها للخارج وقلت " لن تموت ماما هي

متعبة قليلا وسنأخذها للمستشفى حسنا "

بقيت تنظر لي ودموعها كالأمطار ولا تصدق شيء مما أقول

فتأففت ودخلت الغرفة وأغلقتها بالمفتاح ولم آبه لبكائها وطرقها

على الباب وذهبت لسرير أرجوان فورا وأزلت اللحاف من عليها

يبدوا تنزف لكن لماذا !! أبعدت كل تلك الأفكار ولففت جسدها جيدا

بالأغطية النظيفة بصعوبة كي أخفي أي أثر للدماء ثم خرجت من

الغرفة ومن الجناح راكضة ونزلت السلالم وتوجهت لغرفة معتصم

وفتحت الباب ودخلت فكان نائما يحضن الوسادة ويغط في سبات عميق

فأمسكتها واستللتها منه وقلت " نعم تحلم بالنساء وتحضن الوسائد "

فقفز جالسا فنوم معتصم خفيف رغم كل التعب وقال بخوف " ما بكم "

سحبته من يده وقلت " بسرعة أرجوان متعبة وعلينا أخذها للمستشفى "

غادر السرير ثم جلس عليه مجددا وقال " بشكلي هذا اتركيني أستحم

وأغير ثيابي "

شددته من قميصه القطني وقلت " بسرعة لا وقت لدينا

ستموت من كثرة ما تنزف "

وقف وبدأ يدور حول نفسه ويبدوا أني أربكته ولم يعد يعرف كيف

يتصرف فتأففت وأخذت مفاتيحه ومحفظته وأعطيتهم له ثم نظرت

لشعره ولحست كفاي بلساني ( حركة كم كنا نفعلها ونحن صغار )

ثم مسحت له بهما شعره وقلت " هكذا أنت جاهز بسرعة هيا "

قال بقرف " ماذا فعلت لشعري يا مقززة "

أمسكت يده وسحبته منها قائلة " لا وقت لنا وشعرك الكثيف

كان واقفا كالمغنيين وأنا عدلته لك "

خرجت وهوا يركض معي حتى ولم ينسى حدائه مثلي

وصلنا غرفة أرجوان وكانت بيسان تمسح على شعرها وتبكي

وقلت ما أن دخلنا " أحملها واهتم لتغطية شعرها سألبس

عباءتي وحجابي وأعود فورا لأذهب معكما "

نظر لها باستغراب وقال " وما بها هكذا وكأنها مومياء محنطة "

دفعته وقلت " هذا ليس وقته أنا لففتها بالأغطية جسدها كله دماء

وثيابها أيضا تحرك بسرعة "

حملها من على السرير وقال " لا وقت لأنتظرك ابقي هنا "

فتحت خزانتها قائلة " في أحلامك لن أكون إلا معها "

وأخرجت عباءة أرجوان وحجابا من عندها ولبستهم ولبست

حدائها أيضا وركضت خلفه خارجا بها حتى ركبنا السيارة وكنت

معها في الخلف تنام في حضني أحاول إيقاظها بأي طريقة ثم نظرت

لمعتصم في الأمام وقلت " بسرعة هي غائبة عن الوعي تماما

واتصل بشقيقك ما بك عقلك وقف فجأة "

دخلنا سور المستشفى قائلا " لا يجيب واتصلت بأحد رجاله وقال

أنه في اجتماع وحتى هواتفه ليست معه ها قد وصلنا "

ثم نزل وأنزلها وأنا أركض خلفه واستقبلتنا الممرضات بسرير

وضعها عليه وركضن بها بسرعة ونحن نتبعهم حتى أدخلوها

إحدى الغرف وتركونا في الخارج ورغم أن الوقت مازال مبكرا

إلا أن الحركة كانت كثيرة في المستشفى , نظرت لنفسي وعباءة

أرجوان الكبيرة علي امسكها من الأمام كي أرفعها عن الأرض

وحدائها ليس على مقاسي أيضا ثم نظرت لمعتصم فكان ببنطلونه

القصير فوق نصف الساق وقميصه القطني بكتابه عند الصدر

وشعره المبعثر رغم نعومته فنظر لي وقال ببرود

" ما بك تنظرين لي هكذا "

قلت وأنا أمسك ضحكتي " لا شيء "

نظر لي بضيق ثم لثيابي لتنطلق ضحكته فقلت بضيق

" أضحك على نفسك أولا وانظر لثيابك وشعرك "

مرر أصابعه في شعره وقال " وما بي هذه الملابس تجدب

الفتيات أنظري كيف ينظرن لي "

ضيقت عيناي وقلت " كاذب ولن تنال مني "

قال بمكر " ستري بعينك "

وضع يده في جيبه وأما وقفته ونظر للجانب الآخر حيث تقف

فتاتين فابتسمتا له في الفور فأمسكت ذراعه وسحبته ووقفت أنا

في الجانب الآخر بينه وبينهما وقلت " لا وخبير في هذا الفن أيضا "

حضن كتفاي بذراعه وقال " ها ولتعلما أنك وحدك من يعنيني "

فمرتا حينها من أمامنا وقالت أحداهما " ما هذا الحظ الذي لديها "

وقالت الأخرى ضاحكة " هذا فوق أنها متشردة "

وضحكتا مبتعدتين وبدأت أنا بالبكاء فضحك وقبل رأسي وقال

" ما بك يا غبية فكل غرضهما إغاظتك لأنك أجمل منهما "

دفعته عني وقلت " لا وحفظت شكلهما درجة أنك بدأت تقارن "

سحبني جهة كرسي الانتظار وأجلسني وجلس بجانبي وقال

" الفرق واضح رغم مساحيق التجميل أنتي بطبيعتك أجمل

منهما بل من جميع نساء الأرض يا غيورة "

سحبت يدي منه وقلت " لست غيورة "

فانفتح باب الغرفة وخرجت منه إحدى الممرضات فتوجهنا

نحوها مسرعين فقالت " أين زوجها "

قال معتصم " ليس هنا ولا يستطيع المجيء الآن فما بها "

قالت " لابد من حضوره من أجل الإجراءات "

قال من فوره " هل ستجرون لها عملية ليوقع لكم أم ماذا "

نظرت لساعتها وقالت " شيء من هذا القبيل بسرعة أرجوكم

لن نستطيع فعل شيء من دونه فهذا المستشفى خاص كما

ترون والقوانين قوانين "

تأفف وقال " وهل نشق الأرض ونخرجه منها , الموجودة في

الداخل زوجة اللواء جابر حلمي وأنا شقيقه "

ثم أخرج بطاقته قائلا " وها هي بطاقتي لدينا نفس الاسم وهوا

مشغول الآن فأسرعوا أو تعرفون ما سيكون مصيركم منه "

أعطته بطاقته ودخلت للغرفة مسرعة وأغلقتها خلفها , بشر

يخافون ولا يقدرون , قال قوانين قال وهي تموت أمامهم

*

*

خرجت من مكتبي ليوقفني أحد رجالي قائلا " سيدي اتـ ... "

فقلت متوجها جهة السلالم " ليس وقته الآن ليستعد الجميع فقط

وما أن أخرج من عند الوزير سنبدأ التحرك أعلموا جميع

الوحدات التي تراقب الأهداف "

ثم صعدت للأعلى أقفز الدرجات قفزا ودخلت جناحي وكانت

كما توقعتها مستيقظة وجالسة على سجادتها منذ وقت فوقفتْ

وقالت ما أن رأتني " هل سافرا "

قلت بهدوء " قبل الفجر بقليل "

نظرت للأرض في صمت فتوجهت ناحيتها ووضعت يدي

على كتفها وقلت " سما أنتي من اختار له هذا وأعرف جيدا

فتاة بذكائك فيما تفكر , إن كنتي تحبينه فانتظريه أو التفتي

لحياتك وهناك الكثير يتمنونك "

لم تعلق بشيء ولم ترفع رأسها فقلت " سما "

نظرت لي وعيناها محمرتان من سجنها لدموعها فشددت كتفيها

بيداي وقلت " وجدنا دليل والدك بل نزار من وجده ليلة البارحة "

قالت بصدمة " وجدتموه "

هززت رأسي بنعم وقلت " وسيتلقون عقابهم قريبا وسترجعين

لعائلتك وحياتك الطبيعية فاستعدي ما أن أخرج من عند الوزير

ستبدأ مرحلة القبض عليهم جميعهم وستكون الليلة ساعة الحسم

وستكونين معي فلا مأمن منهم فقد يعلموا شيئا قبل حلول الليل "

قالت بتوجس " ولما تتركونهم حتى الليل "

تنهدت وقلت " هناك ترتيبات كثيرة علينا القيام بها فالأمر ليس

لعبا يا سما , العقيد سالم سيكون هنا حتى أرجع اتفقنا "

هزت رأسها بحسنا دون كلام ثم قالت بهمس " أعتني بنفسك جيدا "

ابتسمت لها وربتت على كتفها ثم خرجت من عندها وتوجهت

لغرفة زهور طرقت الباب ودخلت فوقفت من فورها وكانت

بعباءتها وحجابها فقلت " هل أنتي جاهزة "

هزت رأسها بنعم وقالت " ومن قبل الفجر "

قلت مغادرا " اتبعيني فالطبيب ينتظرنا "

خرجت بها من هناك وأوصلتها المستشفى أولا ورجالي يتبعونني

واطمأننت أنها دخلت غرفة العمليات ثم خرجت للوزارة فورا

ومعي الأدلة الجديدة وجميع الأسماء التي ظهرت حديثا وأهمها

رئيس شرطة الجمارك والرأس المدبر لكل شيء فآخر ما توقعته

أن يكون هوا وبما أن الوزير وعد أن الحق سيتم أخذه من المجرمين

مهما كانوا فسأقدم لهم كل شيء , رفعت هاتفي وقلت

" ماذا حدث معكم "

قال في الطرف الآخر " عممنا الأسماء في جميع المطارات

والمداخل والمخارج البرية والبحرية والرجال يقفون في كل

مكان منها والمجموعة مراقبة وكل الأمور تسير على ما يرام "

دخلت مبنى الوزارة وأوقفت سيارتي وقلت

" استعدوا إذا حتى تأتيكم إشارتي "

قال من فوره " حاضر سيدي "

نزلت من سيارتي وتوجهت على الفور لمكتب الوزير حيث

الجميع في انتظاري فهذا اليوم سيكتب لنا في التاريخ وسنخلص

البلاد من كابوس جرائم المصانع قبل أن يقطعوا عنقي , خطة

محبوكة لن يتمكنوا من اختراقها فهي نتاج عملي لأسابيع دون

نوم ولا راحة ولم أترك فيها ولا ثغرة بسيطة يخترقونها وإن

سرنا حسب مخططي لن يفر من قبضتنا أحد منهم وسنطهر

جهازي الجمارك والبحرية من مستغلي هذه المناصب لخدمة

أغراضهم الشخصية وإرعاب المواطن بدلا من حمايتهم

وقفت وقلت " أطلعتكم على كل شيء والتحرك سيكون بعد

ساعات أريد ما قلته أن ينفذ وساعة الصفر ستكون أول الليل "

وقف الوزير ليقف الجميع معه وقال وزير العدل " جميع الملفات

وصلت لي والمحاكمة ستكون عادلة ومنصفة للجميع فلا

ثغرة يخرج منها أحد "

قال نائب وزير الخارجية لأنه خارج البلاد " بلّغنا الوزارة في

الهند وستكون جميع الأسماء التي أرسلناها تحت قبضتهم ما أن

تصلهم الإشارة منا بعدما نتلقاها منك "

قال وزير الداخلية " اعتمادنا عليك يا رجل المهمات الصعبة

وجميع الأجهزة الأمنية تحت إمرتك فكن أنت حذرا يا جابر "

هززت رأسي بحسنا وجمعت أوراقي وخرجت من عندهم بعد

هذه الساعات الطويلة التي قضيتها معهم أُعلمهم بكل شيء ونناقش

كل ما سأفعل كي لا أُلام فيما بعد إن حدث أي اختراق في الأمر

نظرت لساعتي ثم ركبت سيارتي وتوجهت للمسجد صليت العصر

ثم خرجت وركبت سيارتي وفتحت هاتفي واتصلت بالجميع لأطمئن

على الأوضاع وكان كل شيء يسير على ما يرام ثم اتصلت بطبيب

زهور واطمأننت على حالتها وقال أن العملية ناجحة وخرجت منذ

ساعتين ولازالت تحت تأثير المخدر ثم اتصل معتصم لحظة وقوفي

بالسيارة أمام مكتبي وتحرك ناحيتي من كانوا ينتظرونني هناك

ففصلت عليه الخط وأرسلت له ( مشغول يا معتصم إن كان ثمة

أمر مهم فأرسله في رسالة )

ثم دسست الهاتف في جيبي وتوجهت نحوهم ودخلنا ندرس باقي

تحركاتنا ليسرقنا الوقت حتى مقربة مغيب الشمس ثم خرجنا ووقفنا

خارجا عند سيارتي وقلت " استعدوا سنعطي الإشارة للجميع سأذهب

لمنزلي وأحضر الفتاة من هناك وسأنظم للوحدة الأولى والأهم

وأكون معهم "

قال أسعد " هل ستأخذها معك !! "

قلت بجدية " نعم فلن تغيب عن ناظري وقت العملية والوحدة

الأولى تحتاجني لأن مهمتها الأخطر والأهم "

قال خليل " ماذا إن عرضتها للخطر بهذا "

ركبت سيارتي وقلت " لن أطمئن إلا وهي معي إما أن أموت

معها أو نعيش معا "

ثم أغلقت الباب وأنزلت الزجاج وقلت " استعدوا ما أن تأتيكم إشارتي "

ثم غادرت من عندهم وما أن وصلت المنزل حتى وردني اتصال

من أحد رجالي فأخرجت هاتفي وأجبت عليه فقال " تحركاتهم

باتت مريبة يبدوا أنهم اكتشفوا شيء ما سيدي "

نزلت من السيارة وفصلت عليه الخط ثم أعطيت الإشارة

لجميع الفصائل بالتحرك ودخلت المنزل وصعدت للأعلى قائلا

" عقيد سالم اسبقني حيث البقية وقادم معكم حالا "

قال بصوت مرتفع لأسمعه " هل قدمت وقت التحرك "

قلت وأنا أصعد آخر العتبات " نعم لقد اكتشفونا "

ثم صعدت للجناح وفتحت بابه وناديت " سما "

فخرجت لي من غرفتها فمددت يدي لها وقلت " تعالي معي

الليلة أنا وأنتي إما أن نعيش في مستقبل آمن أو نموت قبل النهار "

اقتربت مني راكضة وأمسكت يدي وخرجت بها لا بكاء لا

خوف لا كثرة أسئلة , امرأة أنتي يا سما وبمليون امرأة وأسأل

الله أن يقدرني على حمايتك أو لا أبقى بعدك حيا أجيب على

أسئلة من سيسألني لما قتلوها وهي في حمايتك "

خرجت بها وركبنا السيارة وانطلقنا واتصلت بالفصيلة الرابعة

التي بدأت مهمتها للتو فأجاب عليا وبالكاد أسمع صوته بسبب

الرصاص عندهم وما فهته منه أن مهمتهم تسير على ما يرام

ووصلتني حينها رسالة فتحتها فكانت من ذات ذاك الرقم وفيها

( الموت لك يا جابر حلمي )

فضغطت على أسناني بقوة لحظة اتصال العقيد سالم فأجبت عليه

وقال مباشرة " نحن مستعدون ونحاصرهم حاليا وننتظر أوامرك "

قلت " قادم حالا لا تتحركوا إلا بأوامري "

قال مباشرة " شقيقك يتصل بي طوال النهار "

تذكرت حينها فقط اتصاله ورسالته , نعم معتصم حتى أني لم

أفتح الرسالة , أنهيت الاتصال منه ووجدت رسالتين منه فتحت

الرسالة الأولى فكان فيها ( زوجتك في المستشفى تعالى بسرعة )

نظرت لها مطولا باستغراب , ما بها البارحة خرجتُ من عندها

وكانت بخير هل كل هذا من تأثير خبر زواجي فقط , لو كنت أعلم

أننا سنجد الدليل وتنتهي المشكلة ما أخبرتها ها قد سمعت نصائحهم

وجاءت النتائج , فتحت الرسالة الثانية وكانت منذ أكثر من ساعتين

ولابد وأنها رد على رسالتي وكان فيها ( أنت لست كفئ لتكون لك

زوجة وأبناء يا رجل الشعب فقط وإن كان يعنيك الأمر فابنتك

استفاقت اليوم وزوجتك حامل وجنينها في خطر )

وقفت حينها مكاني بالسيارة ونظرت لي سما وقالت

" لما توقفت هل هناك شيء "

بقيت واقفا أنظر للطريقين أمامي ... المهمة ورجالي أم زوجتي

وابنتي بل وابني الذي لم تكتب له الحياة بعد , أي جرم ارتكبته

بإخبارها ذاك الخبر وهي بهذه الحالة الصحية السيئة ولم أترك

لها ولا المجال لإخباري وكنت مستعجلا لأزف لها الخبر وأغادر

اتكأت على المقود بجبيني ووقف عقلي عند تلك النقطة عائلتي

ورسالة التهديد خالتي وأبنائي أرجوان وابنها سما والكثير غيرها

يعتمدون علي , ولم يخرجني من كل ذلك سوا ملمس يد سما

على كتفي وصوتها الهادئ قائلة " جابر هل أنت بخير "

رفعت رأسي وشغلت سيارتي واتخذت قراري ولففت جهة

اليسار في الطريق الدائري أمامي وقلت " بخير يا سما

ولا تبتعدي عني مهما حدث اتفقنا "

قالت بهمس " حسنا "

*

*
شعرت بخدر كبير في أطرافي وألم قوي في النصف السفلي من

جسدي وخرج أنيني متقطعا فشعرت بيد على كتفي وصوت

أحدهم قال " زهور هل تشعرين بشيء "

قلت بصعوبة " ماء "

فشعرت بيده ترفع رأسي قليلا ثم بشيء يلامس شفتاي ودخلت

المياه الباردة لجوفي ثم أعادتني تلك اليد حيث كنت ومسحت

على وجهي وشفاه قبلت جبيني وعاد الصوت مجددا ليقول

" حمدا لله على سلامتك يا قلب رضا وعيناه "

فنزلت دمعتي من طرف عيني لتمسحها أصابعه وفتحت عيناي

بصعوبة ووجدته جالس بجانبي ويدي في يده وقال مباشرة

" هل تشعرين بشيء هل أنادي الطبيب "

هززت رأسي بنعم فوقف من فوره وغادر الغرفة وعاد بعد

لحظات والطبيب معه واقترب مني وقال " حمدا لله على

سلامتك سيدة زهور هل تشعرين بشيء "

قلت بصعوبة " ألم قوي لم اعد أحتمل "

ربت على كتفي وقال " هذا طبيعي سنزيد لك جرعة المسكن

حالا , العملية ناجحة ولن تحتاجي لأخرى أبدا وجلسات

الأشعة سننهيها قريبا حسنا "

هززت رأسي بحسنا ونظرت للسقف وبدأ أنيني يخرج تباعا

فلم أعد أحتمل ذلك فقال رضا بقلق " بسرعة ألا تسمعها تتألم "

حقن المسكن في ذراعي وغبت عن الوعي سريعا والاسم الوحيد

الذي كان يتكرر على شفتاي هوا ( جابر ) فكلامه لي ونحن قادمان

لم يرحني أبدا وأشعر أنه في خطر خصوصا وهوا يختار أن

يكون رضا معي اليوم في العملية

*

*

دخلت المستشفى ركضا ويد سما في يدي بعدما أعطيت رجالي

الإشارة للتحرك فها قد اختار الله أن لا أكون معهم ولن أستطيع

ولن يطاوعني قلبي أن أذهب هناك وأترك اثنتين هنا لا أعلم

عن حالتهما شيئا , وصلنا حيث غرفتها ووجدنا بتول هناك

بعباءة أرجوان تلمها على جسدها واتجهتْ نحوي ما أن رأتنا

ونظرت لسما وقالت باستغراب " سما هذه أنتي ماذا

تفعلين هنا ومع جابر !! "

نظرت لي ولم تتحدث فقلت " اتركينا من كل هذا

وأخبريني ما بها أرجوان "

قالت في الفور " كادت تفقد جنينها وأنقذوه بصعوبة , لو لم

تأتيني بيسان وتخبرني لماتت من كثرة ما نزفت , هي الآن

أفضل بقليل والأطباء نصحوا بإبقائها لأن حالتها لا تسمح

بالخروج وهي تصر على أن تغادر , ماذا حدث لها البارحة

جعلها تنزف هكذا الطبيبة قالت أنها زارتها سابقا وأخبرتها

أن ترتاح فحالة جنينها صعبة "

مررت أصابعي في شعري ولم أعرف ما أقول ولا بما أعلق

كانت تعلم كما توقعت ومنذ أصيبت ترف وإن مات ابني سأكون

السبب , انفتح حينها باب الغرفة وخرج منه عمي منصور يساندها

لتسير وهي تخطوا الخطوات بصعوبة والمغذي ما يزال في يدها

ومعتصم يمسك القارورة ويدها الأخرى من ذراعها وأول ما وقع

نظره علي كان معتصم الذي أشاح بوجهه جانبا وتنفس بضيق وكأنه

يقول لي أين أنت من كل هذا شقيقك وعمك من يخرجانها وهما لا

يحلان لها فتجاهلته ونظرت لأرجوان بسرعة وكان نظرها مثبتا

على يدي التي تمسك يد سما بقوة ثم نظرت لعيناي بعينان متعبة

ودامعة نظرة ملئها حزن وخيبة أمل ثم أبعدت نظرها عني

وقالت بصوت ضعيف " أخرجاني بسرعة "

فتحركا بها وأنا جامد مكاني حتى ابتعدوا عنا بخطوات وكنت

سألحق بهم لحظة سقوط أرجوان من بين أيديهم على الأرض

فركضت نحوهم مسرعا وحملتها بين ذراعاي وعدت بها للغرفة

ووضعتها على السرير والجميع من حولي يتحدث حتى وتروني

فوق الضجيج الذي في رأسي فقلت بضيق " يكفي وأخرجوا "

فسكت الجميع لكنهم لم يتحركوا فقلت بغضب " أخرجوا جميعكم "

فخرجوا على صوت تذمر وتأفف معتصم ليخرج الصوت الذي

لم أسمعه معهم وهوا صوت سما قائلة بهدوء " هل أخرج "

كنت جالسا على قدماي أمام سريرها فالتفت لها وقلت

" لا ... قلت لا تبتعدي عني يا سما مهما حدث "

هزت رأسها بحسنا وابتعدت خلف الستار الموجود طرف الغرفة

لتبتعد عنا فعدت بنظري للجسد النائم على السرير وقد أنهك وجهه

التعب والمرض , فمسحت بيدي على شعرها وتنهدت بأسى

خسرت الكثير في حياتي يا أرجوان بسبب التضحيات فلا تكوني

من ضمن كل ما خسرت وعودي أرجوان التي أعرف وأردت أن

تكون لي من أول مرة رأيتها فيها تقف في وجهي وتقول لي ( لا )

بإصرار رغم علمها بمن يقف أمامها , جميعنا لازلنا نحتاجك أبنائي

وأبنك وحتى الواقف أمامك , مسحت بكف يدي على أسفل بطنها

أتحسس الشيء الذي جعلها تؤكد لي أنها لن تطلب الطلاق ولو

من أجله , ثم صعدت بها حتى يدها وأمسكتها بقوة وقبلتها وقبلت

عينها وقلت بهمس " سامحيني يا أرجوان "

ثم وقفت لحظة وصول رسالة لهاتفي فكانت من ذات الرقم

ونفس الكلام والتهديد فتوجهت جهة سما أمسكت يدها وخرجت

بها من هناك ومن المستشفى برمته لأني بث خطرا على جميع

المحيطين بي إن نفذوا تهديدهم , ركبنا السيارة واتصلت بالعقيد

سالم لكنه لم يجب , أتمنى أن لا يكون لقي حتفه مع البقية , نظرت

جهة سما الجالسة في صمت , لا أستطيع ترك هذه الفتاة ولا أخذها

معي هناك مصيرك من مصيري يا سما وأتمنى أن يكون خيرا من

أجلك قبلي , توجهت لمنزلي ونزلنا هناك ودخلنا فقالت من

فورها " لما أتينا هنا "

توجهت بها جهة الأريكة في الصالة وقلت " العملية بدأت من

أكثر من نصف ساعة ولا شيء لدينا سوا الانتظار إما رجالي

بانتصارهم أو أحد المجرمين ليقضي علينا "

ثم جلست وأجلستها بجانبي ننتظر مصيرنا المجهول في صمت

وهي متشبثة في ذراعي وكأني بصيص النور الوحيد في حياتها

أنا بث خطرا على الجميع إلا عليك يا سما فوحدك من عليه أن

يعيش معي أو يموت معي فلن أتركك لعصابة قد تنتهك شرفك

ولا يقتلوك أو عائلة والدك ليأكلوك حية , ويبدوا أنها تدرك ذلك

جيدا وتسلم نفسها للموت بنفسها , قلت بهدوء

" ألا تخافين من الموت يا سما "

قالت بهمس وهي لا تزار متشبثة بذراعي " لا "

نظرت لها وقلت " ولما فمن لا يخاف منه "

نظرت للأرض وقالت بحزن " لأنه لم يبقى لي شيء أتمسك

بالحياة من أجله , كل من أحبهم ضاعوا وآخرهم نزار وخالتي

أما أنت فمصيرك ومصري واحد "

مسحت بيدي على وجهها لحظة انفتح باب المنزل بقوة على

مصراعيه بسبب ضربة وجهت له


*

*

عدت للقصر وهي برفقتي مرغمة وتتأفف وتتذمر طوال الطرق

حتى وصلنا ودخلت وهي تتبعني قائلة " هل ارتحت بعدما

أحضرتني , أخبرتك أني لا أريد العودة ألا ترى حالتها "

التفتت لها وصرخت بكل صوتي " بتول أقسم أنها واصلة

معي حد الجنون فابتعدي عن طريقي "

فنظرت لي بخوف وصدمة فتأففت وصعدت وتركتها ودخلت

غرفتي وضربت بابها بقوة , يتزوج وممن من فتاة أصغر من

بتول ويحضرها معه للمستشفى وكأنه يريد أن يقضي عليها , لو

أفهم سبب جنونه المفاجئ حتى أنه لم يزر ابنته التي تسأل عنه

وعن والدتها منذ استفاقت رغم تألمها وصعوبة تنفسها , ويقول

بأن تصرفاتي طائشة فليرى نفسه وما يفعل

بقيت في الغرفة لوقت طويل أفرغ جل غضبي في الرسم أرسم

أشياء بلا معنى ولا أعلم لما والتلفاز خلفي ولا أسمع حتى ما

يقولون فيه لأنه بدون صوت ليخرجني من أفكاري صوت الطرق

القوي على باب الغرفة لأني أغلقتها خلفي بالمفتاح فتجاهلته

تماما لكن الطرق ازداد أكثر وسمعت صوت بتول الباكي

قائلة " افتح الباب يا معتصم بسرعة "

فرميت الريشة من يدي وفتحت لها الباب فدخلت بوجه محتقن

بالدماء ودموعها تنزل بغزارة وبدأت تتلعثم في الحديث ثم

ضربت خداها بيديها تبكي بحرقة وتقول

" مصيبة يا معتصم مصيبة "

فأمسكتها وهززتها بقوة وقلت " تكلمي ما بك يا

بتول ماذا حدث "

أشارت بإصبعها برجفة للتلفاز خلفي فالتفت من فوري لتقع

عيناي على الخبر المكتوب أسفل شاشته

( مقتل اللواء جابر حلمي في منزله في العاصمة )

لتجف جميع عروقي وتيبست مفاصلي وعيناي وكأني أحاول

رؤية شيء غير ما قرأت لأسمع حينها الصرخة المدوية من

بعيد وكان صوت والدتي لتصرخ بكل صوتها " لاااااااا ليس ابني "


نهاية الفصل


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top