الفصل السابع عشر



الفصل السابع عشر



عدت حينها بنظري عليها مصدومة , إذا هذه هي وسن وهذا

هوا سر تلك النظرة , لم أتوقع أن تكون قريبته هي نفسها وسن

غادرتْ حينها من أمامنا واختفت في طرفة عين وقالت عمتي

" آسفون يا ابنتي وسن تتحسس كثيرا من هذه المسألة "

قلت بابتسامة " لا عليك يا عمة أنا أعذرها "

تحرك حينها نواس وخرج من الغرفة ويبدوا من المنزل بأكمله

تلك إذا وسنك يا نواس تبدوا الأمور بينهما سيئة جدا ومطربة

أعادني من أفكاري صوت والدته قائلة

" اجلسي يا مي لما أنتي واقفة "

جلست وانخرطنا في بعض المواضيع وتعارفنا وبالي كله كان

مع نواس وابنة خالته كما فهمت من والدته , أنا لا ألومها على

موقفها مني فلو كنت مكانها لفعلت نفس الشيء بل لن أقبل بزوجة

الرجل الذي أحب أن تكون معه أمامي , كانت عمتي متوترة طوال

الوقت وتتصل بأحدهم ولا يجيب عليها ثم قالت لي

" مي هلا أسديتِ لي معروفا "

قلت من فوري " بكل سرور "

قالت " المطبخ في نهاية الممر على يسار باب الصالة

نادي لي على فتحية من هناك "

وقفت من فوري وذهبت حيث قالت توجد المسماة فتحية

وتبدوا الخادمة , وصلت معها للغرفة فقالت لها عمتي

" اذهبي لوسن في غرفتها "

أشارت لها برأسها بحسننا دون حتى أن تخبرها لما تريد منها

الذهاب لها , غابت للحظات ثم عادت وقالت " لم تفتح لي "

تنهدت بضيق وقالت " شكرا لك يا فتحية يمكنك المغادرة "

أجرت بعدها مكالمة وقالت " مرحبا فرح يا ابنتي "

" بخير اتصلي بوسن هي لا تجيب علي وكما تعلمي لا

يمكنني الذهاب لها والممرضة خرجت للصيدلية منذ وقت

ولم ترجع وفتحية لم تفتح لها الباب "

سكتت لوقت ثم قالت

" تحدثي معها أخاف أن تمرض ولا نعلم عنها "

غريب ما بها وما الذي يتعبها دائما !! مهلا هي مرضت ليلة

أحضرني نواس إلى المزرعة والرسالة التي وصلته وتوتره

حينها كله كان من أجلها والآن يخافون أن تعود لها ذات الحالة

عجيب ما الذي جعلهما يفترقان وهما يحبان بعضهما هكذا !!

كم أشعر بأن وضعي سخيف , تماما كالشوكة في حلقوم الجميع

ليتك لم تتزوجني يا نواس , ليتك تركتني للسب والمهانة

والضرب عند إخوتي ولم تجعلني جدارا بينكما

أنهت عمتي مكالمتها ولم أسالها عن شيء فوعدي لنواس تلك

الليلة أن لا أتحدث عما حدث يمنعني , رن حينها هاتفي

ونظرت للمتصل فكان نواس , أجبت فقال من فوره

" أنتظرك في السيارة "

قلت بهدوء " سأخرج حالا "

سلمت على والدته وخرجت بعدما انتهت الزيارة القصيرة المملوءة

بالشحنات السالبة والأجواء المتوترة , ركبت السيارة ولم ينطق أي

منا بحرف طوال الطريق ولم أرغب في أن أفتح معه الموضوع

وعند منتصف الطريق أجاب نواس على هاتفه الذي كان يرن

طوال الوقت ولا يجيب عليه , وضع السماعة في أذنه وفتح

الخط قائلا " نعم يا أمي "

سكت قليلا ثم قال بحدة " لا .... وأفهمي ابنة شقيقتك ذلك

جيدا وما قلته سيحدث رغما عن أنفها "

تأفف بعدها وقال بضيق " أمي يكفي تدليلا لها لتكف عن

هذا الجنون يكفي ما قالته لمي وهي لا ذنب لها "

سكت يستمع لوقت طويل ثم قال بغضب " أقسم يا أمي وها قد أقسمت

وأنتي تعرفينني ولن يحدث إلا ما قلت فلتترك الجامعة هي الخاسرة

لكن تلك المهزلة لن تستمر وموضوع سليمان لي حديث معها فيه "

قال بعدها بضيق " انتهى يا أمي وداعا "

ثم استل السماعة من أذنه بغيض ورماها بعيدا عنه وتابعنا

الطريق يتأفف بغضب كل حين , وبالنسبة لي لم أجد غير

الصمت فأخاف أن أتحدث فأزيد الأمور سوءا خصوصا أني

لاحظت على نواس أنه لا يحب التكلم ولا حتى إجابة الأسئلة

حين يكون متضايقا , عجيب أمره من يراه لا يصدق أنه يحبها

كل ذاك الحب ! صدقت جدتي رحمها الله حين كانت تقول

( لا تصدقوا من كلام العشاق شيئا وهم غاضبون )

وكانت ترددها كلما تشاجر أحد أبنائها مع زوجته وأصبح

يزمجر ويتوعد فيها وفي النهاية كما قالت يعودان لبعض وكأن

شيء لم يكن , ساد الصمت بعدها حتى وصلنا للمزرعة وأنزلني

أمام باب المنزل وغادر من فوره ولم يرجع إلا المساء

*

*
سجنت وسن نفسها في غرفتها ولم تخرج منها طوال نهار أمس

حتى اتصلت بنواس فهوا حلي الوحيد ليرى إن كانت حية أم ميتة

فأنا لم أنسى بعد تلك الليلة حين أحضر مي للمزرعة وخفت الآن

أن تموت ولا نعلم عنها ونلوم أنفسنا حينها , جاء نواس وكسر

عليها الباب ولم أسمع سوى صراخهما وبكائها ولم أعلم أو أسمع ما

حدث بينهما سوى صوته الغاضب خارجا من عندها وهوا يقول

" متشردة ومتسولة وعالة افهميها كما تشائي وسليمان ذاك

لن تتزوجيه ولا غيره إلا حين أقرر أنا "

ثم سمعت ضربته القوية للباب التي كادت تحطم الجدران

هذا الباب المسكين لن يعيش طويلا بسببهما , يبدوا من كلام

نواس أنه لن يزوجها بسليمان يعني أنه اختار الخيار الثاني وهوا

تزويجها لنفسه , هوا حلهما الوحيد لأنهما بعيدان عن بعض لن

يرتاحا ولن يعيشا حياة طبيعية مهما طالت بهم السنين فيكونان

معا حتى تعيسان أفضل بكثير من أي حل آخر

صحيح أننا سنظلم مي بهذا والله أعلم متى سيقرر نواس الزواج

بوسن وهي لازالت عروس لكن لا حل آخر ولو كان هناك غيره

لأسرعت له , ثم أنا أعرف نواس جيدا قادر على العدل بينهما

ولو في المعاملة فقط أما الحب فمستحيل وهذا ما

سيتعبه هوا وليس هما

بقيت وسن بعدها ليومين سجينة غرفتها ولم تخرج ولا حتى

للجامعة ولم يؤثر كسر نواس للباب شيئا سوا زيادة الأمر سوءا

*
*
بقيت داخل الغرفة بقلب مكسور كبابها وحلم أسود كجدرانها

الغامقة وروح فارغة كفراغها المميت ونصب عيناي كلماته الغاضبة

وهوا يقول " لا دخل لمي فيما بيننا يا وسن فلا تسيئي لها رجاءا "

كانت كلماته كالسم على أحشائي وكالنار على قلبي , نعم لا يتحمل

جرح مشاعرها أما أنا فبلى ولا يهم إن مت من قهري وحزني

طرقت الممرضة الباب ودخلت قائلة " خالتك تسأل عنك وتريد

مغادرة السرير , صحتها لا تعجبني هذه الأيام فاخرجي لها يا وسن "

غادرت السرير قائلة بهمس " حسنا "

رتبت شعري ولبست حجابي تحسبا لقدوم ابنها وخرجت

توجهت لغرفتها من فوري وما أن دخلت حتى مدت لي

بيدها قائلة " تعالي يا ابنتي لما تحبين أن تشغلي بالي عليك "

وصلت عندها وجلست أمامها وقلت بابتسامة حزينة

" من لا يموت يعيش في كل الأحوال والضربة التي

لا تقتل تقوي يا خالتي "

تنهدت بتعب فقلت وعيناي على ملامحها

" تبدوا صحتك ليست بخير "

قالت بابتسامة متعبة " تعب معتاد وسيغادر بعد أيام , ماذا

عن جامعتك يا وسن , إن كان لي رجاء لديك لا تتركيها "

نظرت للأسفل وقلت " لا تخافي يا خالتي لن أتركها فلن يكون

لي مستقبلا غيرها ولن أعيش عالة على ابنك طوال العمر "

قالت بعتب " ما هذا الذي تقولينه يا وسن كيف

تكونين عالة عليه فهوا ابن خالتك "

نظرت لها وقلت بقهر " ليس شقيقي ولا والدي لا عمي

ولا خالي ولا حتى زوجي فبأي صفة أقبل ماله , أجل

عالة ومتسولة يتصدق عليها وسيأتي اليوم الذي أسدد له

كل هذا ولن أرتاح قبل أن يحدث ذلك "

تنهدت وقالت " يستحيل أن يكون كل أولائك سوى

الزوج فهل تقبلي ماله حينها "

قلت بضيق " لا ..... لن يكون زوجي ولن أكون له "

نزلت دمعة من عيني فمسحتها وتابعت بألم

" كما تعلمي يا خالتي فطوال سنين خطوبتنا لم يتحدث معي

نواس سوى بكلمات عادية ورسمية جدا والجملة الوحيدة

التي قالها لي وعاشت في قلبي طوال تلك السنوات وفي

كل مرة أتذكرها تكون وكأنها اليوم "

ضممت يدي لحضني وقلت بدمعة حسرة " قال لن تسكن هذا

الحضن غيرك يا وسن أقسم لن يعرف أن يحتضن غيرك , وأخلف

يا خالتي ... أخلف بوعده وسكنته غيري , إذا لا مكان لي فيه "

اتكأت للخلف وقالت

" المهم الآن عودي لجامعتك ولنترك الباقي لوقته "

*
*
عليا أن أضحي وللنهاية ومن أجلها فقط فيكفيها ما

أتاها مني , عليك أن تستحمل نارك التي كويت بها نفسك يا

وليد وأنت تستحقها , لكن ما يحيرني كيف لم يخبرها نواس بأني

من يعيش معه ! ألا يتحدثان أبدا ! كم تنتابني من شكوك حيال

الأمر وأخشى أن يظلمها فوق ما رأته من ظلم

" النشارة جاهزة أستاذ وليد هل نبدأ "

نظرت له وقلت " نعم فبالكاد يكفينا النهار "

أحسست بيد أحدهم على كتفي فنظرت جانبا فكان معتصم

نظرت لملامحه مطولا وهوا ينظر للعمال وقلت

" ما بك عابس هكذا منذ أتيت "

نظر لي ثم عاد بنظره عليهم وقال ببرود " لا شيء مهم "

ضحكت وقلت " أقسم أنها الزوجة العزيزة وراء هذا "

قال بذات بروده " وليد لست بمزاج لك تفهم "

قلت بابتسامة " لا أحد ليس لديه هموم يا صديقي "

تأفف وقال " النساء .... لا أعلم أي نقمة ابتلينا بها "

قلت بعد ضحكة صغيرة

" نحن جلبناه لأنفسنا هم لم يجرّونا من شعورنا "

قال بضيق " أنت لم تجرب فلا تتحدث "

نظرت للبعيد مبتسما بألم ثم قلت " الخطأ عليك لما تزوجتها "

قال بتذمر " نفس الجملة تكررونها لي كلما تكلمت , لما

تزوجتها ولما ولما , أحبها يا رجل بأي لغة أشرحها لكم "

ضربته على كتفه وقلت مغادرا

" تحمل إذا أو جد لك أسلوب آخر معها فثمة حل بالتأكيد "

توجهت للمنزل ودخلت لغرفتي أخرجت الحاسبة وبعض

الأوراق وخرجت على دخول نواس دون أن ينتبه لي

ما به هذا الرجل حتى منزله لم يعد يبقى فيه وكأنه ليس متزوج

ومزاجه مشتعل كالنار , لابد تشاجر مع ابنة خالته ككل مرة

وكالعادة , توجهت للمطبخ بدلا من أن أخرج ووقفت عند الباب

وقلت " راضية هل لي بسؤال تجيبي عليه وليس ككل مرة "

نظرت لي ثم عادت بنظرها لما في يديها وقالت ببرود

" ابتعد عن نواس وزوجته واسأل "

تأففت وقلت " وما في الأمر إن سألت هوا صديقي وهي

ابنة خالتي وأراه طوال الوقت خارج المزرعة أو في

مكتبه وهي مسجونة في الأعلى "

لم تجب طبعا فقلت بضيق " أجيبي أو أشعلت النار في ثيابك "

ضحكت بضحكة غلبتها ثم قالت

" ستعيش في تأنيب الضمير طوال حياتك "

قلت ببرود " لا أضن "

نظرت لي وقالت " أخبرني لما كل هذا الإصرار والاهتمام

بل والتدخل وسأخبرك بأكثر مما تريد "

نظرت لها بحيرة وقلت " ما قصدك بأكثر مما تريد "

رفعت كتفها بلامبالاة وقالت " أجب أولا "

قلت بعد صمت " أخبرتك لأنه صــ .... "

قاطعتني قائلة وقد عادت تشغل نفسها بما تفعل

" صديقي وابنة خالتي حفظتها ولم تقنعني بها "

قلت بصدمة " ما قصدك بهذا "

قالت " لا شيء "

خرجت وتركتها فكم أبدوا أحمقا والفت الانتباه لي كثيرا

بتصرفاتي فما علاقتي بهما مادامت مي لم تطلب مني

مساعدتها فأنا ابن خالتها وإن كان لديها مشكلة لقالت

لي إن كانت تريد القول

*
*
قربت رأسي من رأسها وقلت بهمس " وسن أنظري لذاك الشاب

هناك ينظر جهتنا من مدة , لم أره سابقا في الجامعة "

نظرت جهته ثم قالت " وما علاقتنا به قد يكون معجبا بالأشجار خلفنا "

ضحكت كثيرا ثم قلت " ألم يجد غير هذه الأشجار ليعجب بها

ما رأيك أن نجلس مبتعدتان عن بعض لنعلم لمن ينظر فينا "

نظرت لي بضيق وقالت " ملاك هل تعلمي أنك فقدتِ

عقلك بسبب برنامجك السخيف ذاك "

قلت ببرود " سخيفة أنتي "

ثم قلت بسعادة ويدي تلعب في الهواء

" أهدى الأغنية في الحلقة الماضية لي وكان عنوانها أنتي ملاكي "

ثم أمسكت قميصها جهة ذراعها وهززتها وقلت

" قال الأغنية القادمة أهديها لملاك ياااي كدت أموت من الفرح "

هزت رأسها بيأس ثم قالت " لو يراك هكذا مجنونة سيغير رأيه

في تفاهاتك التي تقولينها في ذاك البرنامج "

ضربتها بخفة وقلت باستياء

" صديقتي وتقولين هكذا ماذا تركتي للذين يكرهونني "

نظرت لي وقالت " بربك ملاك كم مرة تستمعي

لذاك البرنامج أسبوعيا "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " البرنامج يعرض ثلاث أيام

أسبوعيا والإعادة مرتين أي تسع مرات كل حلقة مع إعادتين "

فتحت عيناها من الصدمة وقالت " تستمعين للإعادتين أيضا "

هززت رأسي بنعم فقالت بدهشة " وكل حلقة ساعتين متواصلتين

أي ثماني عشرة ساعة تضيع منك أسبوعيا هباءً منثورا "

وقفت وقلت ويداي وسط جسدي " ليس هباء ولا منثورا

دعيني أجرب حضي في الحب مرة "

دخل علينا حينها صوت رجولي قائلا

" من هذا التعيس الذي ستجربين فيه الحب "

نظرنا له فكان طلال قالها ومر متابعا طريقه فتجاهلته

ونظرت لوسن وقلت " حلقة الليلة سيسأل كل متصل سؤالا

يجيب عليه الآخر الذي يتصل بعده , لن تفوتني حلقة اليوم

إلا ميتة وكل ما أخشاه أن لا يتصل أحزان السنين "

وقفت وقالت " لا أحزان سنين غيرك أنتي وأنا قبلك طبعا

بسرعة ها هوا الدكتور عادل جاء "

مر حينها بجوارنا قائلا دون أن ينظر إلينا

" ملاك تأخير هذه المرة طرد لأول مرة في تاريخي "

تأففت وقلت " ليخبرني أحدهم لما يكرهني هذا الرجل "

سحبتني وسن معها دون كلام حتى وصلنا القاعة ودخلنا

جلسنا ودخل دكتور المادة وبدأ بشرحه الطويل وسافرت أنا

بنظري جهة النافذة أشاهد أشياء لا يمكنني رؤيتها بوضوح

بسبب نوع الزجاج وبالي مع حلقة الليلة من البرنامج

لا أعلم لما يسيطر على أفكاري كل حين , كم أتمنى أن أراه

فقط مرة ولو من بعيد بل أتمنى أن أعلم بمشاعره نحوي أم

أني كما قالت وسن أخدع نفسي فقط بالأوهام , سافرت بي

الأفكار في كل ما يخصه حتى أيقضني من شرودي صوت

الدكتور عادل قائلا بصوت مرتفع " الذي يرى المحاضرة مملة

ولا تعجبه ليس مجبرا على الحضور , من الأفضل له أن

يخرج ليشاهد السماء مباشرة دون عوائق "

نظرت له بصدمة فكان ينظر لي , لما أنا من بين الجميع !

ألا يوجد أحد غيري يسرح والجميع في دفعتنا يقولون أن مادته

مملة ولا يمضونها سوى بالسرحان عما يقول كي لا يموتوا قهرا

لا أعلم كيف يكون شابا بهذا الأسلوب أعان الله زوجته عليه

علمت الآن لما هي في المستشفى منذ أسبوعان ولن تخرج أبدا

أنهيت محاضراتي وعملنا على رسالة تخرجنا لأنها ستكون

عملية ونظرية ولم أرجع للمنزل إلا بعد العصر , فتحت الباب

ودخلت ثم قلت بمفاجأة " إيمان متى رجعتِ !! "

قالت بابتسامة " يبدوا لا مفر لي منكم "

أغلقت الباب ودخلت قائلة " لا تقولي أنك عدتِ لوحدك "

قالت بابتسامة " أبدا هوا من ذهب لإرضائي وإحضاري "

ضحكت وقلت " وكان يتبجح وينفخ رؤوسنا أنه لن يعيدك "

" عمتي ملاك تعالي وانظري في التلفاز "

نظرت جهته وقلت بضيق

" أنا لست عمتك , والدتك أكبر مني وتناديها إيمان "

ضحكت إيمان وقالت " لم يتوقف عن التحدث عنك طيلة

الأيام الماضية أنتما عدوان هنا فقط "

ضحكت ونظرت جهة باب المطبخ وقلت

" يوجد طعام هناك أليس كذلك "

قالت مبتسمة " غدائك في المطبخ ينتظرك "

توجهت نحوه قائلة " آه يا إيمان لا أحد هنا يعرف قيمتك غيري "

دخلت المطبخ فتحت القدر واستنشقت الرائحة , آه وأخيرا وجبة

دسمة فطيلة الأيام الماضية كنت أعد وجبات خفيفة بسبب جامعتي

توجهت لغرفتي استحممت وتناولت غدائي صليت المغرب

ونمت كعادتي حتى صلاة العشاء ثم قمت وصليت وتعشيت

ودرست حتى وقت برنامجي الذي بت مدمنة عليه فقفزت على

سريري ووضعت السماعات في أذناي وشغلت الراديو انتظر

حتى ابتدأ البرنامج وفي حلقة اليوم طبعا سيتحدث كل واحد عن

السؤال الذي وجهه له المتصل الذي قبله حتى كانت مداخلة أحزان

السنين وخان توقعاتي ولم يهرب من الحلقة لكن السؤال كان

سخيفا ولم أتمنى أن يكون كذلك , تكلم بصوته الهادئ قائلا

" إذا لم يكن السؤال ورطة كما قال البعض في حلقة اليوم عن

أسئلتهم التي وجهت لهم , بالنسبة لأصعب موقف مررت به

في حياتي كان وفاة والدي فموت السند أمر متعب للرجل

أكثر حتى من المرأة , كنت مراهقا ووالدتي رفعت الحمل

بادئ الأمر حتى صرت يعتمد علي واهتممت بشقيقتاي حتى

تزوجتا , لا أنكر أني كنت أحتاجه في كل وقت ليس لعجزي

عن تأدية واجبي ناحية والدتي وشقيقتاي لكنه كان والدا رائعا

وخسارته ليست سهلة على جميعنا وخصوصا والدتي "

قاطعه المذيع كعادته وقال " بالفعل الأبناء يتزوجوا

ويسعدوا والأم وحدها تبقى الخاسر في النهاية "

قال بصوت مبتسم " هي تحب برنامجك وتتابعه

فأحييها على تضحيتها لأجلنا "

قال المذيع " ونحييها جميعنا وها قد حضينا بمعرفة أشياء عنك "

قال " سررت جدا بالتحدث إليكم خصوصا هذه الحلقة وتبقى العقبات

طوال ما عاش الإنسان ولا أحزن كلما سرقت أفراحي السنين "

قال المذيع " السؤال أخي لا تنسى "

قال ضاحكا " كدت أنسى , أسأل المتصل بعدي لمن

تهدي كلمة أشتاق إليك "

تنهدت بحسرة وقلت " لو كنت أنا لقلت أنت طبعا "

بعد قليل اتصلت كي لا أكون أنا من هربت من الحلقة وكانت

المداخلة قبلي لم تنتهي فسألت الفتاة قبل أن تنهي مكالمتها قائلة

" أسأل المتصل بعدي كيف تصف ترابطك الأسري "

ففتحت عيناي عل اتساعهما من الصدمة , قطع الله لسانك يا

حمقاء , كنت سأوقف الاتصال لكن المذيع ذكر اسمي وقال أن

المداخلة الجديدة لي ولم يكن أمامي من مفر فقلت بعدما فتحوا لي

الخط " مساء الخير جميعكم حلقة اليوم مميزة جدا ولا تفوت

مشكلتي لم أعرف سؤالي إلا وأنا في الانتظار "

ضحك المذيع وقال " إذا كنتي تنوين الهرب منه "

قلت بعد ضحكة " أكذب لو أنكرت ذلك , بالنسبة لي لم أنعم بشيء

اسمه ترابط أسري فوالداي انفصلا وأنا صغيرة وتزوج والدي

بأخرى ووالدتي كذلك وعشت مع والدي لأنه صارم قليلا ويرفض

فكرة أن أعيش مع زوج والدتي وعندما أكملت المرحلة الإعدادية

وافق والدي أن أعيش مع جدتي والدة أمي وابنها وأدرس الثانوية

والجامعة في العاصمة لأن حياتي مع والدي كانت ستجعل مني

ابنة فاشلة فحتى دراستي تراجعت فيها كثيرا بسبب زوجته

لم أحب التحدث عن كل هذا لكني احترم برنامجكم وصراحة

كل المتصلين فلست بأفضل منهم ولن أكذب عليكم فمن ينعم

بنعمة الأبوين والاستقرار معهما أو حتى مع أحدهما فلا

يحزن أبدا لأنه اكتسب كل شيء وعمتم مساء "

*
*


كنت أمسح على وجه الوسن وألعب بشعرها وهي تستنشق


ثيابي ووجهي وهذا طبعها كلما غبت عنها لأيام فيبدوا تشتاق لي

وتفتقدني عكس سميتها التي تكره رؤيتي , قربت شفتاي من أذنيها

فتبثثْ مكانها فابتسمت لأنها اعتادت على هذه الحركة مني وباتت تفهم

أن معناها حديث خاص بيننا , حضنت وجهها بذراعي وهمست لها

" والدتي تقول لي تزوجها , صدقي يا الوسن أتزوجها وأنا مجروح

منها حد الألم وهي تكره حتى رؤيتي وتكره مي والمزرعة , هل

تريدي رؤيتها يا الوسن ؟ هل تريدي رؤية فارستك , هل توافقي أنتي "

بقيت ثابتة على حالها رغم أن كلامي انتهى وأني أبعدت رأسي

عنها وكأنها تنتظر المزيد فابتسمت وقلت بصوت منخفض

وأنا أمسح على شعرها الأسود " يبدوا أنك موافقة لكن لعلمك

ستكرهك أنتي أيضا لأنك تخصينني "

رن حينها هاتفي في جيبي فأنزلت الوسن رأسها له وبدأت

تحرك سترتي بفمها جهة الجيب الذي فيه الهاتف في حركة

لأول مرة تفعلها فابتعدت عنها وأخرجت الهاتف لأصدم بالاسم

في الشاشة ... وسن تتصل بي أنا نواس وفي وقت جامعتها !!


************************************************** **

خرج نزار وترك دمارا خلفه ليس على الأرض فقط بل وفي

عينا سما الدمعتان ونظراتها المصدومة على المجسم الذي تحول

لقطع على الأرض ثم سرعان ما بدأت دموعها تتساقط عليه

الواحدة بعد الأخرى فقلت بهدوء

" سما لا تغضبي منه فهوا فهم الأمر بشكل خاطئ "

قالت ونظرها لازال حيث هديتها المتحطمة " انكسر يا خالتي

رفض هديتي وكسرها وصرخ بي أيضا , أقسم لم أشتريه

بنقودي وكنت عند وعدي له "

تنهدت وقلت " أعلم يا ابنتي ونزار الأحمق سيعلم بخطئه "

غادرت من فورها مسرعة ولم أسمع سوى خطواتها الراكضة

تصعد السلالم , أمسكت بهاتفي واتصلت به كثيرا ولا يجيب

اتصلت بسما أيضا وبالتأكيد لن تجيب علي ولم يرجع نزار

حتى وقت متأخر والحال هنا كما هوا عليه الزجاج وقطع

المجسم في كل مكان والكعك والحلويات مكانها لم يقربها

أحد , بعد منتصف الليل سمعت صوت باب المنزل انفتح

وخطواته تتوجه جهة السلالم فقلت " نزار تعال لا تصعد "

وقف عند الباب ونظر للأرض حيث حطام المجسم ثم نظر

لي فقلت بضيق " ما هذا الذي فعلته يا نزار "

أشاح بوجهه للجانب الآخر متضايقا ولم يتحدث فقلت بحدة

" هل هذا ما تستحقه منك وهي التي تعبت لتحصل على الهدية

ووقفت طوال اليوم تعمل في المطبخ لأجل حفل بسيط لك ولم

يتذكرك غيرها أحد , هل هذا جزائها لأنها جمعت مصروفها

وحرمت نفسها منه واستلفت من صديقتها لتشتري لك

الهدية دون أن تخلف بوعدها لك "

نظر لي وقال بضيق مشيرا بإصبعه على حطام المجسم

" هل تعلمي كم ثمن هذا يا أمي أي صديقة ستستلف منها ثمنه "

قلت بجدية " نزار سما لا تكذب وأنت تعلم ذلك جيدا "

فتح فمه ليتحدث فقلت بضيق " مالا تعلمه يا حضرة

المهندس أن هذا المجسم تقليد عن الأصل وثمنه لم يتجاوز

المئة ثم هي أموالها ومن المفترض أن لا يحاسبها عليها

أحد ورغم ذلك احترمت وعدها لك "

غادر متضايقا فقلت منادية " انتظر "

التفت لي فقلت " لا تتحدث معها الآن "

قال " لن أتحدث معها أبدا فمهما كان ما كان عليها

أن لا تمد يدها لأحد "

قلت بضيق " نزار ما بك وكأنك تبحث لها عن الزلة , ثم لا

تنسى أنها تمد يدها لك أيضا رغم أنها تملك أموالا تكفيها لباقي

حياتها ويزيد فلما أنت لا بأس وغيرك لا وبأي صفة وهل

بضنك وحدك لديك كرامة وعزة نفس "

قال بضيق أكبر " أمي لاحظي أنك بتِ تنتقدينني في كل

شيء أفعله أو أقوله يخص سما "

قلت ببرود " لا تتهرب من خطأك في حقها واعترف

ولو بينك وبين نفسك "

غادر دون كلام فقلت بصوت مرتفع ليسمعني

" نزار لا تتحدث معها عن أي شيء وأي كان "

ثم اتكأت على السرير بعدما انتهى الحفل الذي لم يكن مخططا

له هكذا أبدا ولم يطفئ أحد حتى النور , بعد وقت غلبني النعاس

واستيقظت على صوت حركة في الغرفة ففتحت عيناي فكان نزار

يجمع قطع المجسم من الأرض ويضعها على القاعدة الخشبية

المخصصة له فقلت بهدوء " أتعلم كم مرة سألتني سما بالأمس

قائلة : ترى هل ستعجب هديتي نزار "

وقف ينظر لي بصمت فقلت " لقد جرحتها بما فعلت , لا

وصرخت بها واتهمتها بالكذب وإخلاف الوعد وبأنها تتصدق

بأموالها علينا , لو كنت مكانها لما سكت لك وقتها ولقلت

لك بصحة وجه : ولما تتصدق عليا أنت بمالك "

عاد منحنيا للأرض يجمع باقي القطع وقال ببرود

" أخطأت يا أمي وإن كنت مخطأ في حقها فهي أخطأت أيضا "

قلت بضيق " نعم أخطأت في أن تذكرتك في عيد ميلادك "

حمل حطام المجسم خارجا به بصمت فقلت

" خذ الكعكة للثلاجة فلا أحد سيأكلها وأطفأ النور "

غادر به ثم عاد وحمل الكعك والحلويات والكؤوس وكل ما كان

على الطاولة وأطفأ النور وغادر دون حتى أن يقول لي تصبحين

على خير , ثمة أمر ما يضايق نزار هذه الأيام وها هوا نفث كل

ضيقه في المسكينة سما , كل ما أخشاه أن تصدق ظنوني حيالها

فهوا لا يكن لها أكثر من شعور المسئول عنها

*
*
سجنت نفسي في غرفتي ولا شيء سوى البكاء ولست أعلم

أبكي هديتي التي تحطمت أم تعبي من أجل الحصول عليها أم

جرحه لي بما فعل , لما لا أتقبل هذا منه ! لما حين كان يصرخ

بي مدير المدرسة أو حتى جابر ذاك اليوم لم أشعر بهذا الكم من

الحزن والألم ! هل صحيح ما قالت خالتي وأن من يحب شخصا

لا يحتمل منه الجرح وسيكون مختلفا عن غيره في كل شيء !

لا أعلم كم ساعة بكيت الليلة , كل ما أعرفه أني بكيت لوقت

طويل جدا كبكائي ليلة نمت في منزلنا وحيدة , بكيت بحرقة أدس

وجهي في الوسادة حتى نمت ولا أعرف كيف ولا متى واستيقظت

وقت الفجر ورأسي يؤلمني بشدة من كثرة بكائي وأشعر بمعدتي

تؤلمني أيضا , صليت بصعوبة ثم عدت للسرير ولم أنم بعدها

أبدا وفات وقت المدرسة ولم أغادر سريري , إنه موعد دورتي

الشهرية وحين أكون منزعجة أتألم منها كثيرا , غادرت السرير

دخلت الحمام وعدت له من جديد وعند العاشرة سمعت طرقا

على الباب فاختبأت تحت اللحاف ولم أجب , تكرر الطرق عدة

مرات ثم انفتح الباب وبعد لحظة وصلني صوت نزار قائلا

" سما المدرسة لا ذنب لها "

نزلت دمعتي ولم أتكلم فقال

" والدتي منشغلة عليك , على الأقل انزلي لتطمئن "

قلت من تحت اللحاف " متعبة قليلا "

لاذ بالصمت لوقت ثم قال " هل آخذك للمستشفى "

قلت بهمس " لا "

لم اسمع بعدها سوى الباب يغلق وعدت لبكائي من جديد

يبدوا مستاء مني من نبرة صوته فما ذنبي أنا وما الذي فعلته

أستحق عليه كل هذا , كنت أتألم كثيرا ولم أستطع مغادرة

السرير لأعد الطعام كي لا يعتقد أحد منهما أني أتعمد ذلك فقط

لأني غاضبة وكأني أمن عليهم بخدمتي لهم , بعد وقت سمعت

الباب ينفتح من جديد ثم صوت عجلات كرسي خالتي المتحرك

يقترب مني وصوتها الحنون يقول " سما هل أنتي مستيقظة "

أبعدت اللحاف وجلست وجمعت شعري المفتوح جانبا , كانت

أمام سريري بكرسيها المتحرك ونزار يقف خلفه , نظرت ليدي

في حجري وقلت " آسفة خالتي كنت متعبة ولم أستطع النزول لك "

أمسكت يدي وقالت " وجهك متعب جدا ما الذي تشعرين به "

نظرت لها ونزلت دموعي من فورها ودون شعور

فمسحتها وقلت " معدتي تؤلمني كثيرا "

مسحت بظهر أصابعها على خدي وقالت

" ومن معدته تؤلمه يبكي هكذا !! "

خرج حينها نزار وتركنا لتنزل دموعي مجددا وأمسحها

بسرعة فتنهدت وقالت " متعبة أم غاضبة منه "

نظرت لها ثم نظرت للأسفل وقلت بصوت منخفض

" هذا موعد دورتي الشهرية وتؤلمني كثيرا ونزار

يبدوا هوا الغاضب وليس أنا "

قالت بضيق " ليس غاضبا هوا فقط لا يريد أن يعترف بخطئه "

عدت بنظري لها وقلت " هل أخطأت حقا يا خالتي , قولي أنتي "

قالت بهدوء " لو فعلتِ كما ضن تكونين مخطأة "

نظرت لها بعينان دامعتان وقلت " لكني لم أفعل ذلك أقسم لك "

هزت رأسها بنعم وقالت " أعلم وأخبرته أيضا فتحول لومه

على أن تطلبي النقود من صديقتك "

قلت بحزن " لكني لم أطلب منها بل هي من عرضت علي

مساعدتها وأخبرتها أني سأعيدهم لها من مصروفي "

تنهدت وقالت " نزار يبدوا مستاء ويتضايق من كل شيء

لا تغضبي منه سيعود لطبيعته ويدرك خطأه "

رفعت شعري خلف أذني وقلت " لست غاضبة منه "

قالت مبتسمة " اتصلت بدعاء ستأتي لتراك هي ممرضة لكنها جيدة "

هززت رأسي بلا وقلت " لا أريد خالتي لا أريدها "

قالت باستغراب " ولما يا سما ! ستكتب لك اسم علاج يفيدك "

قلت بتذمر " لا أريد لا , ثم هي ممرضة ما سيفهمها في الأدوية "

مسحت على يدي وقالت " حسنا لن تأتي مادمت لا تريدين سأسألها

عن شيء ينفع وأوصي نزار يحضره من الصيدلية "

عدت للإضجاع عل السرير وغطيت رأسي باللحاف أبكي فسمعتها

تقول " سما يكفي بكاء هل تريدي أن تقلقيني عليك "

جاء حينها صوت نزار قائلا " هيا يا أمي سأنزلك لغرفتك

وسما تجهز نفسها لآخذها للمستشفى "

قلت من تحت اللحاف " لا أريد سأكون بخير "

قال بضيق " لست غاضبا منك يا سما سنذهب أو سأغضب حقا "

ثم لم أسمع سوى صوت عجلات الكرسي خارجا به

إذا كان هنا ويستمع لكل ما نقول , جيد أني لم أخبر خالتي

عما كان يزعجه لسمعني ووجد شيئا جديدا يلومني عليه

وأكون أستحق حينها فتلك أمور تخصه لا يحق لي قولها

غادرت السرير غيرت ثيابي ولبست حجابي الأبيض ونزلت

للأسفل فوجدته ينتظرني أمام غرفة والدته عند أول السلالم

فأرخيت نظري ونزلت دون أن أنظر إليه وسار هوا قبلي

جهة الباب وخرج وأنا أتبعه , ركبنا السيارة وأنطلق ونحن

في صمتنا سوى من الأوجاع التي تزداد علي , لاحظت

بعدها أنه زاد السرعة فيبدوا لاحظ أني أتألم كثيرا

وصلنا المستشفى ونزلنا ودخل وأنا أتبعه ودخلت لحجرة

الطبيب وحدي , وصف لي علاجا وحقنني بالمسكن فشعرت

بعدها بالراحة كثيرا ومن ثم خرجت فكان نزار يقف بعيدا

ودعاء معه , كان يتحدث بضيق فاقتربت وهما لا يشعران

بي لكني لم أستمع سوى لبعض الكلمات وهوا يقول لها

" لا أريد أن أراها ولا أسمع صوتها فأخبريها أنتي أن كل

ما بيننا انتهى فيبدوا لا تريد أن تفهم مني "

نظرت حينها دعاء ناحيتي فالتفت لي نزار وقال

" هل نغادر "

هززت رأسي بنعم دون كلام فتحرك قائلا

" وداعا يا دعاء وشكرا لك "

سار معطيا ظهره لنا فنظرت لها فكانت تنظر لي نظرة

غريبة لم أفهمها ثم ابتسمت بسخرية وغادرت في صمت

لحقت بنزار مسرعة لأدركه وتركت ترجمة تصرفات المدعوة

دعاء فلازلت مؤمنة بكلام والدتي حين كانت تقول لي دائما أن

الأخيار يدافع الله عنهم وأن الأشرار هم من يخسرون في النهاية

ومهما طال الزمن , أجل الآن فقط فهمت ما كانت تقصده من

كلامها معي سابقا , هي تخاف أن يحبني نزار وتبدوا تحبه

لكن ترى ما علاقتها بخطيبته السابقة فيبدوا كانا يتحدثان عنها

وصلنا السيارة ركب وركبت بعده وانطلقنا عائدين وبعد

مسافة قليلة نزل للصيدلية وأخذ لي العلاج ثم عاد للسيارة

ركب ووضع الكيس في حجري ثم انطلقنا وقال بعد قليل

ونظره على الطريق " كان يفترض بك أن تخبريني أنا

أنك تريدين نقودا يا سما "

أنزلت رأسي وقلت بحزن " كنت سآخذها منك على أية حال

فأنا كنت سأرجعها لها من مصروفي الذي تعطيه أنت لي "

سكت قليلا ثم قال " أنا آسف كنت منزعج من بعض

الأمور وأزعجتِني كثيرا بما فعلتِه "

نظرت جهة النافذة وقلت " لم يكن أمامي وقت أجمع فيه

المال وأردت أن أشعر أني أنا من اشترها لك وليس من مالك

أردت شكرك ولو مرة واحدة على ما تفعله من أجلي "

قال بانزعاج " مالا تعلميه يا سما أني أنا من يلزمه شكرك

على كل ما تفعليه من أجلي ووالدتي "

نظرت له وقلت " هذا يجرحني أيضا كما يجرحك أن

أدفع من مالي عليك "

أوقف السيارة أمام المنزل ونظر لي وقال بابتسامة صغيرة

" إذا لنتفق أن لا يجرح أحد منا الآخر في هذان الأمران "

هززت رأسي بحسنا مبتسمة ونزلت من السيارة ودخلنا

المنزل معا , ترى هل من علامات الحب أيضا أنك لا تستطيع

أن تغضب ممن تحب وتسامحه بسهولة ما أن يعتذر منك !!

دخلت وتوجهت لغرفة خالتي فورا فمدت يدها لي مبتسمة

فاقتربت منها وجلست بجوارها فاحتضنت كتفي وقالت

" كيف تشعرين الآن "

قلت بهمس " جيدة "

وقف نزار عند الباب وقال " سأخرج من العاصمة لأزور الشركة

التي يعمل فيها حسام لآخذ لهم الخرائط التي رسمتها "

قالت خالتي مبتسمة " وفقك الله بني "

قال مغادرا " لا تفتحي الباب لغير جابر يا سما وكان من يكون "

نظرت لي خالتي وقالت " يبدوا تصافت الأمور "

هززت رأسي بنعم ثم قلت " ما قصة الخرائط "

قالت " حسام تحدث مع صاحب الشركة فهوا والد صديقه

وسيتعاملون مع نزار ليرسم لهم لو أعجبهم أدائه لذلك

هوا يعمل عليها منذ أيام "

قلت بهدوء " لكنه ذهب دون أن يتناول غدائه وأنا لم أعد شيئا "

قالت مبتسمة " لا تقلقي عليه سيأكل في الخارج "

وقفت وقلت " إذا سأعد الطعام لنا وأنظف المنزل "

أمسكت يدي وقالت

" اذهبي لغرفتك لتنامي وترتاحي فلازلت متعبة "

قلت مبتسمة " لم أعد متعبة سأطهو الطعام حالا "

خرجت من عندها أعددت الغداء ثم بدأت بتنظيف المنزل

نظفت الصالة والحمام ثم صعدت للأعلى رتبت غرفتي ثم دخلت

لغرفة نزار وفوجئت بالمجسم قد أعاد تركيبه كما كان فقط بدون

الزجاج فوقه , اقتربت منه ولمسته فكان تابتا تماما فيبدوا أنه

ألصقه بالغراء , لفت انتباهي صندوق بجانبه فتحته فكان فيه

ساعة رجالية , قلّبت الصندوق كثيرا ولم يكن مكتوبا عليه

شيء وحين أعدته مكانه لاحظت البطاقة المقلوبة في

مكانه على الطاولة فرفعتها فكان مكتوبا فيها

( كل عام وأنت بخير يا نزار ...... دعاء )

شعرت برغبة كبيرة في تحطيمها ورميها في القمامة لكنه

سيعلم أنها أنا لكنت فعلتها دون تردد , نظفت بعدها الغرفة

وكويت له ثيابه ورتبتها في الخزانة وجمعت الأوراق من

الأرض لأضعها في سلة المهملات ففوجئت بهدية مغلفة

لم يفتحها مرمية بداخلها فرفعتها أنظر لها باستغراب

ترى من أهداها له ولما يرميها دون حتى أن يفتحها !

فتشت في السلة فوجدت بطاقة صغيرة ممزقة لأربع أجزاء

أخرجتها وتوجهت بها للطاولة جمعتها فكان مكتوبا فيها

( كل عام وأنت بخير يا نزار ومن أجلي وحدي فقط )

جمعتهم من جديد ورميتها في السلة وقلت بضيق

" غبية , من أجلك أنتي فقط يكون بخير يا وقحة "

خرجت من الغرفة ونزلت لخالتي تناولنا الغداء معا ثم

قلت " لما لا نقرأ قليلا في الرواية أنا متحمسة لها كثيرا "

قالت بعد ضحكة " هذا سيكون جزء الليل ولن نقرأ الليلة "

قلت بابتسامة " ندعه لليل إذا "

رن حينها هاتفي فكانت بتول فأجبت عليها فقالت من

فورها " مرحبا سما أين أنتي لم تأتي اليوم "

قلت " كنت متعبة قليلا وأنا الآن أفضل "

قالت بصوت مبتسم " حمدا لله على سلامتك إذا

ظننت صاحب الهدية قتلك "

قلت بابتسامة صغيرة " من أين تأتين بهذه الأفكار "

قالت ضاحكة " اعتني بها جيدا وأوصيه عليها

فلست تعلمي ما عانيته بسببها "

قلت بإحراج " أنا آسفة حقا يا بتول إن سببت لك مشكلات "

قال مباشرة " أبدا لا تفكري في الأمر ووداعا الآن ونلتقي بعد غد "

قلت بهمس " وداعا "

*
*
" ماذا تعني بهذا يا دعاء "

غيرت الهاتف لأذني الأخرى وقلت " أعني ما فهمته جيدا

قال ما بيننا انتهى منذ سنوات ولا أريد تجريحها أكثر

فلتبتعد بصمت كما في المرة الأولى "

قالت بضيق " هل أحبها لهذا الحد وأفقدته عقله تلك الطفلة "

قلت بتذمر " رهام لما لا تتوقفي عن ذكرها دائما , هوا كان

بين يديك ويحبك بصدق لكنك أضعته "

قالت ببرود " أنتي صديقتي لما تقولين هذا ثم كان يفترض

بك مساعدتي كما وعدتني "

قلت بابتسامة جانبية " فعلت ما في وسعي ولم يبقى سوى الترجي لم

أترجاه لكنه بالفعل طوى صفحة الماضي يا رهام "

قالت بضيق " لن تأخذه تلك ولا غيرها نزار لي وسيعود لي كما كان "

لذت بالصمت وما يصبرني أنها لن تستطيع إرجاعه لها مهما

حاولت , قد تتمكن فقط من إبعاد سما عنه لكن أن يعود لها

ويحبها كما كان فمن سابع المستحيلات , قالت بهدوء

" أحمد شقيقي سألني عنك بالأمس وقال أن لديه ما يود قوله لك "

قلت من فوري " مشغولة هذه الفترة ولا وقت لدي وداعا

الآن هذه أمي تناديني "

ثم أنهيت الاتصال معها وخرجت من المنزل وتوجهت لمنزل

نزار طرقت الباب وقرعت الجرس عدة مرات ولم يفتح لي أحد

سيارة نزار ليست في الخارج يعني أنه ليس هنا وتلك الطفلة

مؤكد رأتني من عين الباب ولم تفتح لي والمفتاح لم يعد موجودا

تحت الدواسة ومؤكد بمخطط منها , أخرجت هاتفي واتصلت

بوالدته وهاتفها مقفل , تبدوا تلعبها جيدا سما تلك وأخطر مما توقعت

*
*

عند المساء عاد نزار ودخل عليا وخالتي الغرفة وفي

يده أكياس كثيرة وقال مبتسما " أعجبتهم جميع رسوماتي

وأعطوني فيها ثمنا جيدا وسأتعامل معهم بوقت وعدد

محددين وسأجني منه قدرا لا بأس به من المال "

ابتسمت أنا له وقالت خالتي بسعادة

" حمدا لله بني , الله لا يضيع تعب من اجتهد "

مد لي بالأكياس التي في يده اليمنى وقال " خديها للمطبخ يا

سما فبعضها أغراض من أجل المطبخ والباقي أحضريه

لنا مع كعكتك التي في الثلاجة "

وقفت وأخذت منه الأكياس وقلت بحزن

" الكعكة لم تعد صالحة للأكل "

قال باستغراب " ولما !! "

نظرت لخالتي ثم للأرض وقلت " لأن بها قطع كثيرة من

الفواكه ومر عليها أغلب الليل خارج الثلاجة ففسد طعمها "

ثم خرجت من فوري وتوجهت للمطبخ رتبت الحاجيات التي

أحضرها ووضعت الحلويات في طبق وأخذتها معي للغرفة

كانت خالتي تقلب فستانا جميلا بين يديها أحضره لها فدخلت

ووضعت الصينية وقلت بابتسامة " كم هوا جميل "

نظرت لي وقالت مبتسمة " نعم ويبدوا ثمنه مرتفع "

فتح نزار الكيس الآخر وهوا يقول

" لا تفكري في شيء سوى أن يكون على مقاسك "

أخرج من الكيس صندوقا جلديا فتحه وقال

" أتمنى أن تعجبك يا سما "

مده لي فكان به عدة كاملة من الأمشاط الخشبية

المزينة بالفصوص , أخذته منه وقلت

" هذا كثير , لدي ذاك الذي جلبته لي "

وضع باقي الكيس بجانبي وقال

" هذا فيه ثياب لك أتمنى أن أكون أصبت في مقاسك "

ثم قال مغادرا " سأصعد لأصلي العشاء وأنام اشعر

بالتعب في كل جسمي "

ثم غادر من فوره دون أن ينتظر حتى أن أشكره

نظرت لخالتي من فوري فقالت بابتسامة

" يبدوا خشي أن تردي عليه هديته كما فعل معك "

نظرت للصندوق في يدي وقلت بحيرة

" وجدته جمع أجزاء المجسم وأعاده كما كان "

وصلني صوتها قائلة " أخبرتك أنه كان متضايقا قليلا فقط ثم

الرجال يا سما والكرماء منهم خصوصا لا يحبون أن يظهروا

بمظهر العاجزين عن دفع المال للمرأة ولا أن تصرف عليهم

من مالها , الله خلقهم هكذا يا ابنتي والمرأة الغبية فقط من تقتل

في الرجل هذه الخصلة التي جبله الله عليها فيتحول الرجل

لوحش يأكل مالها ولحمها وتكون هي السبب "

نظرت لها بحيرة فضحكت وقالت " ستفهمين ما أقول يوما

هيا أرني ما جلب لك من ثياب وهرب كي لا نراهم أمامه "

فتحت الكيس وأخرجت ما به , كانت بيجامة نوم بيضاء برسوم

صغيرة تملأها وبنطلون من الجينز وقميص , كانت كلها جميلة

وألوانها رائعة ثم نظرت لآخر ما في الكيس وبعدها نظرت

لخالتي فقالت " ماذا هناك غيرهم ؟ لما لم تخرجيه "

أغلقت الكيس وقلت بحياء " ملابس داخلية , كم هذا محرج "

ضحكت وقالت " محرج له أكثر منك لكنه يعلم جيدا انك

ستحتاجينها ولا امرأة غيري هنا وحالي تعلمين به "

ثم مدت لي باقي الثياب وقالت

" ضعيهم في الكيس وخذيهم لغرفتك وتعالي لنقرأ روايتنا "

ابتسمت لها وأخذت الأغراض فقالت بضحكة " أحضر لي فستانا

فقط ولك كيسا مليئا , يبدوا هذه طريقته في الاعتذار "

قلت مبتسمة " قد يكون لأنك لن تحتاجي إلا الفستان "

قالت بابتسامة مماثلة " ممكن "

أعدت الأغراض للكيس وصندوق الأمشاط وصعدت به

لغرفتي , دخلت ووضعتهم في الخزانة ثم لفت انتباهي ورقة

على الطاولة فتوجهت نحوها وفتحتها فكان فيها نقودا , قرأت

ما في الورقة فكان ( أعيدي لصديقتك نقودها يا سما وآسف

مرة أخرى ولا تغضبي مني فقط لا أريدك أن تعتمدي على

غيري وأنا موجود ولا حتى أموالك أنتي , حتى أعيدك

لأهل والدك فكوني متفهمة لموقفي حتى أعيد لهم

أمانتهم التي وضعت في عنقي )

حضنت الورقة ونزلت دمعتي فرحا بكلماته واعتذاره وحزنا

على نظرته لي كمسئولية وأمانة سيعيدها لأصحابها ثم مسحت

دموعي ونزلت لغرفة خالتي , عليا أن أحاول إبعاد هذه الأفكار

من رأسي وألتفت لدراستي , وصلت الغرفة أخذت الرواية

وجلست وقلت " سنرى اليوم ما سيفعل لها فراس "

قالت ضاحكة " قد تحبه هوا في النهاية ويحبها "

قلت بصدمة " هل تحبه وهوا يعاملها هكذا !! "

قالت بابتسامة " الحب لا يسأل يا سما فكم من بشر

أحبوا أبغض أعدائهم "

قلت بهدوء حزين " ولما لا يسأل ! ألا يحق لنا أن نختار من نحب "

قالت " بلى يكون باختيار قلبك ولن يحب قلبك عبثا لأنه مثلك "

قلت بعد صمت " هل أخبرك إن أحببت شخصا يوما ما "

قالت مبتسمة " إن أردتِ ذلك يا ابنتي سأكون سعيدة به "

قلت باستغراب " ولن يزعجك أبدا "

هزت رأسها بلا ثم قالت بضحكة

" إلا إن كان مجرما أو خريج سجون فلن أكون سعيدة "

ضحكت وقلت " ولما أحب مجرما "

قالت مباشرة " لندع الأمر لوقته وهيا إقرائي بتركيز

هذه المرة وليس كسابقتها "

ضحكت ثم فتحتها حيث وصلنا وقرأت

(( تلعثمت ولم أعرف ما أقول فابتسمت له وقلت

" لم أقصد ما فهمت "

قال ببرود " ما قصدتِ إذا يا حية "

سكت بعدها ونظر لأحدهم خلفي فالتفت له فكان ويالا

سعادة حظي عمي رياض , نظر لي وقال

" ماذا حدث معك يا رُدين كيف كان مشوار السوق "

نظرت لأشرف خلفه عند سيارته ثم نظرت له وقلت

" كان رائعا ولن أخرج للسوق مع غيره "

ثم نظرت له فكان يتوعدني ويمرر يده على عنقه بمعنى سأقتلك

فسمعت ضحكة من خلفي فالتفت مصدومة بفراس يضحك

ودخل عمي رياض قائلا " المهم أن تكوني اشتريت ما تريدين "

التفت جهة أشرف ونظرت له بشماتة فقال " سأريك يا حية يا رقطاء "

أخرجت له لساني ودخلت لأشعر بيد تسحبني جهة المجلس

وكانت لفراس طبعا , دخل بي هناك وأغلق الباب وأجلسني

مرغمة على الأريكة ووقف أمامي واضعا يديه وسط جسده

وقال ونظره في عيناي " ألن تقولي الحقيقة "

أزلت حجابي ورميته بعيدا وقلت " أي حقيقة "

قال ببرود " صبري سيكون معك أطول مما تتصوري يا رُدين "

وضعت ساق على الأخرى وقلت " وأنا ليس ورائي غيرك أنت

فاجلس نمضي الوقت نتسامر قليلا يا ابن زوجي "

أمسك خصلة من شعري وقال وهوا يبرمها بين أصابعه

" كيف عرفك والدي ومن أين أتيتِ "

استللت الخصلة من بين أصابعه بقوة وقلت

" ابنة صديقه كما أخبركم ووالدي توفي وعمري سبعة أعوام

ووضعني عمي رياض في مدرسة داخلية سنوية حتى وقت

العطلات لا أخرج منها وبعدما أنهيت المرحلة الثانوية

أخرجني وها قد جلبني هنا وانتهى يا حضرة المحقق "

سند قدمه على حافة الأريكة بجانبي تماما واستند بمرفقه على

ركبته وقرب وجهه من وجهي وقال " وكيف وافقته على

هذه اللعبة السخيفة يتزوجك ليزوجك لغيره "

رفعت كتفي بلامبالاة وقلت ونظري في نظره " لا يهم عندي

فلن يفعل عمي رياض شيئا ليس فيه مصلحتي , ثم هوا تزوجني

ولا تحترمونني ولا تتقبلونني وأنا فتاة يتيمة لا أحد لها غيركم

فكيف إن جلبني دون أن يتزوج بي "

قال بنظرة ثابتة على عيناي لم تتغير

" ولما لم يختصر الطريق ويزوجك بأحد أبنائه "

نظرت بعيدا عن عينيه وقلت

" لا يحق لي أن أسأله وكل ما يريده سأفعله ولن أناقشه "

أمسك ذقني بأصابعه وأعاد وجهي أمام وجهه ونظري

لنظره وقال ولا يزال ممسكا بذقني " الحقيقة يا رُدين "

أبعدت يده ووقفت وقلت بضيق " لا تمارس عمل المحققين علي

وأخبرتك مرارا إن كان لديك شيء قله لوالدك واسأله عنه "

أبعد قدمه عن الأريكة منزلا لها للأرض واستقام في وقفته

وقال واضعا يديه في جيوبه " لم أقتنع بكلامه ولا جوابه "

قلت مغادرة جهة الباب " ليست مشكلتي "

أمسك ذراعي مجددا وأعادني ناحيته قائلا

" ولكنها مشكلتي فأحضري لي عقد الزواج أراه بعيني لأقتنع "

أبعدت يده عني بالقوة وقلت

" لديه هوا فاطلبه منه بنفسك ألا لسان لديك "

قال مغادرا الغرفة " حسنا إذا "

خرجت من الغرفة وتذكرت أن أحد الأكياس وبه الثوب بقيي في

سيارة أشرف فخرجت للخارج فلم أجده , قيس النساء ذاك فعلها

وأخذ الثوب ولن يعيده لي بالتأكيد حتى يمر اليوم , دخلت للداخل

وبحثت عن عمي رياض حتى وجدته وطلبت منه أن يتصل به

ليحضر أغراضي فلن يقدر عليهم إلا والدهم وبالفعل بعد قليل دخلت

الخادمة وقد أحضرته وقالت أنه تركه عند الباب وقال لها تأخذه

لي فأخذت الكيس وخرجت من عنده على صوت رسالة وصلت لهاتفي

فكانت من رقم مجهول وفيها ( سأنتقم منك بغيرها يا حية يا رقطاء )

الرسالة منه إذا , أرسلت له ( لا حية سوى جوجو خاصتك

عمود النور تلك يا قيس النساء )

ثم أغلقت هاتفي نهائيا وصعدت لغرفتي وعند مقربة المساء

كنت جاهزة لأغادر مع عمتي سعاد لحفل الزواج , لبست عباءتي

فوق الفستان وحدائي وأخذت حقيبتي وخرجت أركض على

صوت منبه السيارة في الخارج يملأ الدنيا بضجيجه , مؤكد ليس

عمي رياض أبدا , وصلت للخارج وأنا ألف حجابي فكان فراس

واقفا خارج السيارة ويده داخلها ووالدته جالسة في المقعد الأمامي

اقتربت منه بخطوات عادية , لو كنت اعلم انه هوا ما نزلت الآن

فتح بابه وقال بضيق " ساعة لتخرجي يا سيدة الحسن "

فتحت باب السيارة وقلت وأنا أركبها " ألا يعجبك حسني "

انطلقنا قائلا " أمي أخبري هذه التي جلبتها معك أن

تحفظ لسانها خيرا لها "

قلت ويداي وسط جسدي " ومن بدأ أليس أنت "

قالت والدته بضيق " يكفي وأنتم كالأطفال , وارحموا الفتاة كلكم عليها "

تجاهلها وفتح مسجل السيارة على أغنية غربية يردد كلماتها مع

المغنية , جميل ظننته لا يعرف حتى أنه توجد أغاني في الحياة

أخرجت عدة الماكياج من حقيبتي والمرآة وبدأت أعدل

زينتي فأطفأ عليا الإنارة في سقف السيارة فتأففت وشغلته

فأمسك السرعة فجأة لتسقط جميع القطع من حجري في مكان

القدمين في الأسفل وبدأت أتلمس في الظلام لأجدها وقلت بضيق

" انظري ما يفعله ابنك بي عمتي سعاد , يكرهني دون سبب "

قالت بهدوء " أمرك لله يا ابنتي اصبري قليلا حتى

يزوجك عمك رياض وترتاحي منهم "

قال بسخرية " قد تعجبه يا أمي وترميك خارج منزلك غير مبالية بك "

لم استطع احتمال تلك الكلمات منه رغم أني ضد الإهانات

وأتحمل كل شيء لكن كلامه هذا كان جارحا جدا فبدأت

بالبكاء دون شعور وقلت بعبرة " أعدني للمنزل حالا

ولن أبقى فيه بعد اليوم "

قال بسخرية " نعم ستطلبين منزلا لك وحدك "

قالت والدته بحدة " فراس أسكت حالا وتوقف عن إهانتها تفهم "

تأفف ولاذ بالصمت فوصلنا حينها ونزلت قبل حتى أن تتوقف

السيارة جيدا وسبقت عمتي للداخل رغم أني لا أعرف المكان

ولم أزره قبلا , كان الحفل في منزل العائلة لكنه كان واسعا

جدا , جلست بجوار عمتي طوال الوقت ومزاجي سيء جدا

لقد أفسد عليا ذاك المعتوه سليط اللسان , كانت العروس جميلة

أو من تأثير المساحيق لا أعلم وكانت تبدوا سعيدة ومعها حق

تسعد فهي تتزوج بمن تحب كما فهمت من الجالسة بجواري

ما به حضي أنا هكذا عليا أن أتزوج واحد من أولئك الثلاثة

الذين يكرهونني حد الموت ولن أستطيع خذل عمي رياض

في أن أتركهم ثلاثتهم أمامي وأتزوج من غيرهم رغم أنه

لن يمانع , لكن لن تطاوعني نفسي وهوا من اهتم بي كل

حياتي وكان يتمنى أن أكون زوجة لأحد أبنائه

بعد قليل دخل عريسها وجلس بجوارها ووجهه في

وجهها يضحكان طوال الوقت ويتهامسان

أما أنا فكنت كبطاقة التعريف فالجميع يأتي ويسأل عمتي

من هذه التي معك ؟ هل زوجت أحد أبنائك ولا نعلم ؟

وكل واحدة تقول وجدتِ عروسا لأحدهم وكادت تقتلني تلك

التي قالت ( كم هي جميلة ابنة صديق زوجك وتليق بفراس

وكأنها له ) حتى أني كدت أقفز عليها وأخنقها وأفقأ عينيها

وبعدما انتهى الحفل ورقص جميع الفتيات عداي رغم أني كنت

قد قررت أن أرقص الليلة حتى تتعب قدماي لكني عفت هذا

كنت واقفة بتململ وعمتي تقول " استهدي بالله يا رُدين

وعودي معه وأعدك لن يتكرر ما قاله "

قلت بضيق " قلت لا يعني لا وليأتي عمي رياض أو أشرف

أو حتى وائل لأخذي ولن أركب معه أبد الدهر ما حييت "

استغفرت بهمس ثم قالت " سيغضب عمك إن علم بذلك "

نظرت لها وقلت بعبرة " أهانني يا عمتي وجرح كرامتي

استحملت منهم كل شيء إلا هذه "

ربتت على كتفي ولاذت بالصمت وما هي إلا لحظات ورن

هاتفها فقالت " هذا فراس قد جاء ألن تخرجي لنغادر "

قلت بإصرار " لا "

قالت وهي تفتح الباب لتخرج " أخبرته أن لا يأتي هوا

ولكنه أصر على غير عادته , ما أحبكم للمشاكل "

ثم خرجت هي للخارج تاركة الباب مفتوحا ولم أتحرك

أنا من مكاني في الممر الذي يوجد به الباب منعزلا عن

باقي المنزل وبعد لحظات انفتح الباب فكان هوا أمامي

تراجعت لأدخل للداخل لكنه أمسك بيدي وسحبني للخارج

حتى وصلنا السيارة فاستللت يدي من يده وقلت بغضب

" أتركني , قلت لا أريد الركوب معك ألا تفهم "

قال بغيض " اركبي ولا تفضحينا أمام الناس "

بقيت أنظر له فتأفف وقال ببعض الهدوء

" اركبي يا رُدين "

قلت بحزن " إلا على موتي "

هز رأسه بيأس ثم فتح لي الباب وقال بهدوء

" أنا آسف على كل ما قلته لك " ))

أغلقت الرواية وقلت " جيد أنه اعتذر منها لقد أهانها كثيرا بما قال "

قالت بابتسامة " ألا تري أنه اكتشف لعبتهم "

قلت بحيرة " كيف علمتِ "

قالت بذات ابتسامتها " كلامه الآن تغير كثيرا حتى إصراره

على المجيء بنفسه رغم أن والدته طلبت منه أن لا يأتي

ولكنه على غير عادته أصر على المجيء "

قلت بحيرة اكبر " وكيف علم ! هل حكا له والده أم اكتشف

ذلك من تهربهم من حكاية عقد الزواج "

رفعت كتفيها وقالت بهدوء

" لا أعلم وستكشف لنا باقي الرواية حقيقة ما حدث "

وقفت وقلت " كل مرة أزيد تشويقا أكثر لمعرفة ما سيجري "

قالت بعد ضحكة صغيرة " وهذه هي المتعة فيها , هيا

تصبحين على خير فورائك مدرسة غدا "

ابتسمت لها وقبلت خدها وقلت

" تصبحين عل خير وغدا يوم الجمعة إن نسيتي "

ضحكت وقالت " بالفعل نسيت إذا هوا يوم إجازة "

هززت رأسي بنعم ثم أطفأت نور غرفتها وصعدت لغرفتي

وعند الصباح استيقظت ونزلت للأسفل فكان نزار غير موجود

وقالت خالتي أنه خرج مبكرا , أعددت الإفطار لنا ثم سمعت قرعا

لجرس الباب فخرجت له ونظرت من عينه فكانت فتاة لا أعرفها

وأراها للمرة الأولى , عادت لقرع الجرس مجددا ففتحت لها

وقلت " مرحبا بما أخدمك يا آنسة "

نظرت لي نظرة غريبة ثم تجمدت نظرتها على السلسال

في عنقي وكان السلسال الذي أهداه لي نزار سابقا


************************************************** **


خرج جابر من عندي ولم اشعر بخيبة الأمل لأنه لم يقل سأتحدث


معها عما تقوله عنك , فعليا أن أكون صبورة فلن أحصل على كل

شيء مرة واحدة فيكفي أنه على الأقل سألني عما يزعجني منها

شغلت نفسي باقي النهار مع الأولاد ثم اتصلت بمصففة شعر

وخبيرة ماكياج للمجيء فمن حقي أن أظهر بأحسن مظهر

مادامت إحدى بطاقات جابر تحت يدي وتصرفي

وعند أول الليل نزلت رغم أني أعلم أن والدته ستعدها

انتصارا علي لاعتقادها أنه جابر من أرغمني على هذا

توجهت نحو الضيوف وسلم الجميع علي وكنت أتجنبها

طوال الوقت كي لا تتعمد إهانتي بما تقول , وقفت مع اثنتين

لوقت كانتا لبقتين وأعجبني حديثهما كثيرا فاقتربت عمتي

وكأنها تتعمد هذا ووقفت معنا فقالت لها إحداهما " لقد أحسن

جابر الاختيار , أين كنتي تخفين زوجة ابنك الجميلة عنا "

قالت ببرود " البركة في مساحيق التجميل والنقود والمزينين "

لذت بالصمت ولم أجب عليها وكنت سأغادر حين قالت

" مبارك زواج ابنك يا عائشة , عرف بمن يتزوج وعافاه الله

من بنات المجرمين خريجين السجون خطاف البشر "

كنت سأرد على كلماتها ولكني تذكرت كلام جابر حين قال

انزلي من أجلي فتركتهم وصعدت للأعلى لأن هذا كان فوق

احتمالي , توجهت لغرفة الفتاتين وفتحتها فنظرتا لي باستغراب

فاقتربت منهم وجثوت أرضا أبكي بمرارة فاقتربتا مني

وقالتا معا " ما بك ماما "

فتحت ذراعاي لهما فأسرعتا لحظني وحضنتهما بقوة

كل ما كنت أريده أن أذكّر نفسي أني هنا من أجلهم وأني

أحتمل كل هذا وأكتر من أجلهم هم , كنت أحضنهما بقوة

وابكي وهما تبكيان معي ثم أبعدتهما عني ومسحت دموعي

فقالت بيسان بشهقة " ما بك ماما هل بابا مات "

حضنتها وقلت " لا حبيبتي لا قدر الله ذلك هوا بخير "

قالت ترف " ما الذي يبكيك إذا "

وقفت وقلت " لا شيء فقط كنت متضايقة قليلا ثم

أليس هذا وقت نومكم بسرعة لأسرتكم "

توجهتا لسريريهما وقالت ترف " ماما نامي معي "

مددت يداي لهما وقلت " تعاليا لتناما معي كليكما "

قفزتا من سريرهما فرحتان وتوجهنا لجناحي ونمت وهما

في حضني وقد نامتا سريعا وبقيت أبكي طوال الليل وقد

فارق النوم عيني , غادرت بعدها السرير وغطيت الفتاتين

جيدا وغادرت الجناح ولا أعلم أين ولا لما فقط كنت أريد أن

أخرج من كل هذا المكان , نزلت للأسفل فسمعت موسيقى

تأتي من مكان ما يبدوا بعيدا وخلف باب مغلق أو شبه مغلق

بحثت قليلا عن مصدرها فكانت من غرفة عند آخر أحد الممرات

فاقتربت ونظرت لمن في الداخل لأفاجئ بفتاة بشعر أشقر تجلس

على بيانو وتعزف بحركة انسيابية لأناملها ورأسها كان للأسفل

ولم أتبين ملامحها , كانت الموسيقى حزينة جدا وكأني سمعتها

قبلا ثم فجأة رفعتْ رأسها للأعلى لتبتعد خصلات شعرها

الذهبية عن وجهها ففتحت عيناي من الصدمة , ما أجملها من

امرأة والأعجب تشبه بيسان نعم وكأنها ابنتها , علمت الآن

من أين اكتسبت بيسان ذاك الحسن أكثر حتى من شقيقيها

هوا من عمتها إذا التي هي هذه بالتأكيد , توقعت أن شقيقة

جابر ومعتصم لن تقل جمالا عنهما لكني لم أتخيلها هكذا

هذه هي زهور إذا , اسمها مثلها هي زهرة حقا لكنها زهرة

حزينة فملامحها تحمل كل معاني الحزن مجتمعة , كنت سأغادر

قبل أن تراني فوقفت مكاني حين بدأت بالغناء بصوت عذب

لا أجمل منه سوى وجهها الفاتن , كانت عيناها مغمضتان وتغني

مع الموسيقى بحزن , نعم إنها أغنية أحزان الشتاء المشهورة

في العشر سنوات الماضية أذكر جيدا حين صدرت كنت تقريبا

في الرابعة عشرة أو يزيد قليلا , بقيت مكاني استمتع بالحسن

والصوت , غبي هذا الذي طلقك يا زهور لو كنت مكانه لتمسكت

بك ولو من اجل جمالك وصوتك , توقفت بعدها عن العزف

وأنزلت رأسها للأسفل لتصعقني بمفاجأة جديدة حين بدأت بالبكاء

جمدت مكاني وأنا أراها تحضن وجهها بكفيها ناصعتان البياض

وتبكي بحرقة وكأنه مات لها أحد وسمعت خبره للتو , تراجعت

حينها عائدة للأعلى بل ولجناحي , ما قصتها يا ترى وما سبب

كل هذا الحزن والدموع , ما فهمته من كلام جابر ووالدته حين

دخلت عليهم المجلس أنه خطبها أحدهم وهي وافقت عليه فلما

البكاء والحزن إذا , يبدوا لست وحدي من بكت هنا الليلة فثمة

من شاركني في حزني وبكائي وإن كان لأسباب مختلفة

*

*

جلست على السرير ونظري للسقف متكأ للخلف ونظرة

الحزن والخذلان في عينيها اليوم لم تفارق خيالي أبدا

تطلبين كل ما أملك ثمنا لك يا زهور أقسم أن روحي لا تغلا

عليك , أعلم فيما تفكرين تريدين الانتقام مني لا بأس فما أن

تصيري لي سأرجعك حبيبتي السابقة كما كنا وإن لم أنجح

في ذلك أكون أستحق أن ترميني للشارع بلا مسكن ولا

سيارة ولا مال لأني أستحق أن أدفع ثمن ما حدث لك

أغمضت عيناي بشدة وأنا أتذكر ذاك المشهد وهي واقفة

تبكي وتتألم والدم ملأ فستانها وأنا أحاول فقط طمأنتها أن كل

شيء سيكون على ما يرام وأن لا تخف , اعتقدت أنها تفهم الأمر

وتعلم بما حدث , كنت سأتزوجها ويموت ذاك الحادث معنا ولم

أتخيل أن تتزوج بغيري وهي تعلم أنها لم تعد عذراء

كان حادثا أقسم لم أقصده وما كنت لأؤذيها بشيء وهي عيناي

التي أرى بهما , سمعت طرقات خفيفة على الباب أعادتني

من شرودي فنظرت له وقلت " تفضل "

انفتح الباب فكانت بتول , نظرت لي بابتسامة وقالت

" مرحبا بخالي الحبيب "

عدلت جلستي وقلت

" تعالي يا مشاغبة حتى الليل لتسلمي علي "

دخلت واقتربت مني وقبلت خدي وجلست بجواري وقالت

" ظننتك ستغادر سريعا ككل مرة وأنا كنت أدرس في غرفتي "

قلت بابتسامة " كيف هي الدراسة معك "

قالت بضيق " سيئة لا أعلم متى ستنتهي "

ثم قابلتني وقالت بحماس " لكن لي صديقة جديدة ذكية

جدا وباتت تساعدني كثيرا وسأجتاز هذا العام "

ابتسمت لها وهززت رأسي بحسنا فقالت

" أمي تقول بأنك ستتزوج وأراها مستاءة فلما "

نظرت للفراغ وقلت " لأن العروس تكون زهور "

قالت بدهشة " زهور ابنة عمي "

هززت رأسي بنعم دون كلام فوصلني صوتها قائلة

" يا عيني لهذا لم تتزوج حتى الآن "

نظرت لها بصدمة وقلت

" وقحة أنا خالك فاحترميني وأخجلي قليلا "

ضحكت وقالت " أخبرني منذ متى تحبها "

ضربتها بالوسادة فوقفت وقالت بغنج " ويلكم منا أنتم الرجال نلعب

بكم بسهولة وتشيخون لأجلنا ولا تتزوجوا بسبب واحدة فقط "

عدت متكأ على ظهر السرير وقلت ببرود " أنا لم أشيخ وأنتي

سيأتي اليوم الذي أشمت فيك به يا طويلة اللسان "

قالت مغادرة " هذا إن تزوجت من أساسه ومبارك لك يا

خالي الحبيب ولا تكترث لوالدتي "

ثم وقفت عند الباب وقالت بخبث قبل أن تخرج

" معك حق تنتظرها كل هذا العمر "

ثم هربت ضاحكة لترتسم الابتسامة على شفتاي بسببها

ككل مرة , لو تعلمي ما يخبئونه لك يا بتول يا من لا

تريدين الزواج وستري ما سأفعله بك حينها , عدت

بنظري للسقف ليسافر بي الليل الطويل مكاني وعلى

حالي , لا صبر لدي حتى يأتي جابر وتكون زوجتي

لن أرتاح حتى يحدث ذلك

*

*
ضرب بيده على الطاولة وقال بغيض " سحقا نطارده طوال

الليل ويموت في النهاية , كيف حدث ذلك يا جابر "

قلت ورأسي بين يداي مستندا على الطاولة

" كان يحاول التسلل خارج البلاد ولم نمسكه سوا في ساعة متأخرة

وكأن يدا قوية تدعمه وكاد أن يفلت من قبضتنا وأمضينا باقي

الليل في التحقيق معه لثلاث ساعات خر بعدها ميتا مباشرة

لنكتشف أنه محقون بمادة سامة قبل قبضنا عليه بدقائق "

قال بغيض " إذا هذه هي سياستهم نهربك أو نقتلك "

رفعت رأسي وقلت بهدوء " لم أخرج منه بالكثير كان

خيطا مهما في القضية وفقدناه "

قال بهدوء مماثل " وما أخبار زوجته المدعوة عفراء "

وقفت وقلت " ما تزال في المستشفى , عليا العودة للمنزل الآن

فلم يعد لبقائنا جدوى سأصلي الفجر وأغادر , أنام قليلا ثم نلتقي "

ضربني بكفه على كتفي وقال " نعم فعليك أن ترتاح قليلا "

فتحت الباب وخرجت دون كلام , مررت بالمسجد وصليت

الفجر ثم خرجت وأخرجت هاتفي واتصلت بأرجوان فلا

أريد أن أجدها نائمة وأفقد أعصابي لتكون متنفسا لغضبي

دون سبب , اتصلت كثيرا فانفتح الخط وجاءني

صوت طفولي قائلا " من أنت "

عقدت حاجباي وقلت وأنا اركب السيارة

" أنتي بيسان أم ترف "

قالت من فورها " أنا بيسان "

قلت " أين والدتك "

قالت " في الحمام هل أنت بابا "

قلت وأنا أنطلق بالسيارة

" نعم وما أخذك أنتي لغرفتها هذا الوقت "

قالت " ماما تركتنا ننام معها كانت تبكي كثيرا

وبكت البارحة في السرير أيضا "

قلت باستغراب " وما الذي أبكاها !! "

قالت من فورها " لم نغضبها بابا أقسم لك "

تنهدت بضيق وحركت المقود يسارا لألف بالسيارة وقلت

" هل نزلت للأسفل للضيوف "

قالت " نعم "

قلت " حين تخرج من الحمام أخبريها تتصل

بي ولا تخبريها عما قلته لي حسننا "

قالت " حاضر "

أغلقت الهاتف ورميته بعيدا , إذا سأجد أمامي سيلا من

الدموع والشكاوي وأنا لست بمزاج له فلو تنام يكون أفضل

بعد قليل رن هاتفي وكانت هي فأجبت عليها قائلا

" أنا في الطريق "

قال مباشرة وبقلق " هل أنت بخير صوتك ليس طبيعيا "

قلت " بخير متعب فقط , أعيدي الفتاتان لغرفتيهما وجهزي

لي الحمام وثياب النوم سأنام قليلا وأغادر "

قالت من فورها " حسنا في الحال "

أنهيت المكالمة ووصلت القصر بعد قليل , دخلت وصعدت

من فوري وصلت الجناح فتحته ودخلت الغرفة , كانت أرجوان

تغلق الستائر فالتفتت لي وقالت " حمدا لله على سلامتك "

دخلت وقلت وأنا انزع السترة " سلمك الله "

نزعتها مني ففتحتُ أزرار القميص ونزعته وأعطيته لها

أيضا مع ربطة العنق وأخذت المنشفة ودخلت الحمام في صمت

جيد لم تنفجر القنبلة الموقوتة بعد لكن الغريب أن الفتاتان لم

تذكرا أنها بكت سابقا رغم أن هذه ليست الأولى , استحممت

سريعا وخرجت بالمنشفة وجلست على السرير أحرك كتفاي

بتعب وأحضرت أرجوان تسط صغير ووضعته عند قدماي

وسكبت فيه ماء من الإبريق وملح ثم قالت

" ضع قدميك فيه ستشعر بالراحة "

انصعت لها فورا فبدأت بتدليكهما بالماء وقالت ونظرها عليهما

" تبدوا متعبا جدا , انظر لأصابعك كيف متورمة , حتى رحلتك

تلك للجنوب لم ترجع منها بهذه الحالة , ارحم نفسك يا جابر

فمثلما الوطن يحتاجك أنت تحتاج صحتك ونحن نحتاج إليك "

اضطجعت على السرير مرتميا عليه للخلف وقدماي لازالا

مكانهما ينعمان بنعومة يديها وإحساس رائع بالراحة فيهما

ولم تزد هي حرفا على ما قالت ولم أتكلم أنا حتى غلبني

النعاس وأنا على حالتي , بعد وقت استيقظت فوجدت

نفسي نائما كما كنت والأريكة عند طرف السرير وساقاي

عليها فيبدوا سحبتها لترفعهما لها , كانت تنام بجانبي ويدها

على صدري العاري فأمسكتها وقبلتها ثم أعدتها عليه ووضعت

يدي فوقها وشعوري بالنوم لازال قويا فاستسلمت له فورا

استيقظت بعدها على صوت رنين الهاتف فجلست ورفعته

وفتحت الخط على جلوس أرجوان وقلت

" نعم يا أسعد هل من جديد "

قال من فوره " إنها عفراء "

قلت بصدمة " لا تقل قتلوها أيضا "

قال " لا ... كادوا يفعلونها "

قلت بضيق " وما تفعلون أنتم لقد اعتمدت على رجالك

كثفوا الحراسة عليها أكثر نريدها حية فقد نحصل منها

على شيء ولو بسيط "

قال " لا تقلق سأقوم بالمطلوب "

قلت " أنا قادم بعد قليل وداعا "

وقفت خارج السرير فأمسكت أرجوان يدي ونظرها لي للأعلى

وقالت " أنت لم تنم سوى ثلاث ساعات فقط "

نظرت لها بضيق وقلت بتذمر " ارجوااان "

وقفت وأحاطت خصري بذراعيها وكأنها تمسكني مكاني واتكأت

برأسها على صدري وقالت " لست أرجوان من قال لك أنني هي "

قلت بابتسامة جانبية " اتركي عنك مشاغبتك المعتادة فليس وقتها "

نظرت لي بعبوس فنظرت بعيدا عنها وتنفست بضيق فصعدت

على قدماي ووقفت على رؤوس أصابعها وقبلت ذقني وابتعدت

في صمت وتوجهت للخزانة فوضعت يداي وسط

جسدي وقلت " وما افهمه من هذه القبلة "

التفتت لي ومدت لي ملابسي الداخلية وقالت

" معناها حسنا فقط لا تغضب مني "

تركتني حتى لبستهم ثم اقتربت مني وقالت وهي تلبسني القميص

" هل ثمة أمل أن يصبح يوما ما لديك وقت فراغ نراك فيه "

قلت وأنا أغلق أزرار القميص " نعم "

ربطت لي ربطة العنق وقالت " حسنا علينا بالصبر إذا "

ثم مدت لي البنطلون فأخذته منها وقلت وأنا ألبسه

" هل تعلمي ما سبب دمار زواجي السابق "

هزت رأسها بنعم وقالت " كثرة الشكوى "

قلت بابتسامة " إذا تجنبي ذلك "

رفعت كتفيها وقالت وهي تلبسني السترة

" فرق كبير بين الشكوى والسؤال وأنا قلت لك

سأصبر مادام الجواب نعم "

ثم وقفت أمامي وقالت

" وهل تعلم أنت سبب ترك حسناء البلاد بأكملها "

دسست مسدسي في الحزام وقلت

" غبية ولم تعرف كيف تفكر "

هزت رأسها بلا , إن كان جوابها عيبا بي أنا تكون جنت على

نفسها وخانها ذكائها الدائم , رفعت نظرها لي وحضنت وجهي

بكفيها وقالت بابتسامة " لأنها لم تعرف قيمة ما لديها

وخسرته منذ البداية "

ابتسمت لها رغما عني أحببت إظهار ذلك أم لا ثم أمسكت

بوجهها أيضا وقلت " ويبقى الجواب واحدا .... غبية "

وضعت كفيها على يداي وقالت وعيناها في عيناي

" بل لم تعرف قيمة ما لديها "

قربت وجهي منها وحضنت شفتيها بشفتاي في قبلة طويلة

ثم خرجت من عندها ككل مرة وأنا أتعمد الصمت

تبدوا على اتفاقنا حقا ولم تتكلم ولا مجرد تلميح عما حدث

البارحة معها رغم أن والدتي لا تترك شيء في نفسها

ولا تخبرني عنه رغم علمها أنني لن أتدخل بينهم أبدا

تتّبعين سياسة غريبة يا أرجوان لا أعلم احتراما لاتفاقنا

أم لغرض ما تصبوا إليه والمهم أنها تصرفت بحكمة

وصلت العاصمة وتوجهت لمكتب أسعد دخلت من

فوري وقلت " إن قتلوها قتلتك "

ضحك وقال " وقتلوا زوجها وهوا بين يديك

فمن حاسبك أو قتلك "

وضعت يداي على طاولة مكتبه وقربت وجهي منه

وقلت بجدية " ذاك كان ميت قبل أن يصلنا , هذه إن

ماتت لدينا نكون فاشلين بالضعفين "

وقف وقال " لا تخف الحراسة عليها مشددة ونراقب

حتى الأطباء الذين يدخلون لها ونخضعهم للتفتيش أيضا "

عدلت وقفتي ونظرت جهته وقلت " وكيف هي حالتها الآن "

قال " أوقفوا النزيف لكن ما تزال في حالة سيئة ولا يمكنك

استجوابها قبل وقت يا جابر "

قلت مغادرا مكتبه " المهم أن تبقى على قيد الحياة "

*

*

أمضيت وقت الظهيرة وما قبلها في غرفة أمجد أدرسه لأن

لديه اختباران غدا ولم أترك حتى بيسان وترف يدخلان معنا

وعند وقت الغداء طلبت من الخادمات إحضاره لنا في الغرفة

لأن عيني لم تغب عليه لحظة وأتابع دراسته بالدرس كي لا

يقول أنه درس كل شيء ثم أكتشف العكس وبقينا على حالنا

حتى مقربة العصر حتى تأكدت انه درس جيدا ثم فتحت الباب

وخرجت لأجد ترف تجلس عند الجدار المقابل ونائمة فابتسمت

على شكلها وتوجهت نحوها من فوري وحملتها بين ذراعاي

فاستيقظت فمسحت على وجهها وقلت

" ترف ماذا تفعلين نائمة هنا "

اتكأت برأسها على كتفي وقالت بعينان مغمضتان

" كنت أنتظر أن تخرجا "

ضحكت وقبلتها وقلت " لم تغيري عاداتك أبدا تموتين

فضولا لو أغلقوا الباب وأنتي لستِ معهم "

تعلقت بعنقي تخبئ وجهها فيه فقلت وأنا أسير بها

لغرفتيهما " وأين بيسان "

قالت " مع مصعب وعمر وسيلا في الشرفة "

خرجت بها حيث البقية وقلت

" عمر يمكنك اللعب مع أمجد بعدما انتهت دروسه "

نزل من فوره مسرعا وقال مصعب الذي تمسكه الخادمة

" ثرف سغيرة ثبثي "

قالت ترف بغيض " بل أنت الصغير أنا كبيرة ولا أبكي "

أنزلتها وقلت " عيب لا تتشاجرا "

نظرت لي للأعلى وقالت " رأيته كيف يقول "

ثم بدأت تقلد طريقته في الكلام فقال وهوا يحرك ساقيه

" انذليني أنذليني "

أنزلته سيلا فأمسك ترف من شعرها لتقلب الدنيا بصراخها

ولم نخرج أصابعه من شعرها إلا بصعوبة لتلطمه على وجهه

فقلت بحدة ممسكة يدها ومبعدة لها " ترف ما هذا الذي تفعلينه "

قالت ببكاء " ضربني ماما ألم تريه "

جمعت لها شعرها المبعثر وقلت بضيق

" هوا أصغر منك وأنتي سخرتِ منه "

قالت من بين شهقاتها " وهوا سخر مني أولا , أنا لم أكلمه "

حملت مصعب من الأرض باكيا وقلت وأنا أمسح دموعه

" يكفي بني أنت رجل والرجال لا يبكون سأطلب من والدك

أن لا يتركك تأتي هنا ولن تجد ترف مع من تلعب "

قال بعبرة " بل أليد المذيء "

ضحكت وقلت " علينا أن نعاقبها لأنها ضربتك "

شعرت بشي شد فستاني فنظرت جانبا فكانت سيلا تشير لي

على الداخل فنظرت هناك فكانت ترف متكورة أمام السرير

تلك الأنانية الغيورة , قلت لمصعب " ولما تشد لها شعرها

هكذا وتقول عنها تبكي , لن أتركك تلعب معها بعد اليوم "

هز رأسه بلا فقلت مبتسمة " إذا نذهب لها وتعتذر منها "

هز رأسه بلا بقوة فضحكت وأنزلته على الأرض وقلت

" هيا يا بيسان سندخل .... بسرعة للداخل "

نزلت ودخلنا جميعنا وأغلقت باب الشرفة وقلت

" يمنك الذهاب لترتاحي يا سيلا شكرا لك "

غادرت من فورها وانتقلا بيسان ومصعب للعب بالمكعبات

وترف على حالها متكورة على الأرض , توجهت نحوها

وجلست على السرير فوقها وقلت " ترف انظري إلي "

لكنها لم تتحرك طبعا فقلت

" ترف أنا أكلمك هل تريدي أن أغضب منك "

ولا فائدة ترجى من كل هذا وتبدوا غاضبة حقا أو أنها

نامت من جديد , انفتح الباب حينها فكان جابر واقفا أمامه

ألقى السلام فرددت عليه ووقفت ترف من فورها متوجهة

نحوه وحضنت ساقيه وبدأت بالبكاء فحملها وقال

" مابك تبكي من ضربك "

تعلقت بعنقه وقالت بعبرة " ماما تحب مصعب أكثر

مني لقد ضربني وأسكتته ووبختني "

نظر لي وقال " وما نفعل لها لنعاقبها "

نظرت له بضيق وقالت ترف " لا اعلم "

قال بابتسامة جانبية ونظره لازال علي

" سنتركها تنام في الحديقة وحدها الليلة "

وقفت واضعة يداي وسط جسدي , ما هذا الذي يعلمه للأطفال

اقترب مني مصعب وقال " أنا أباث معت لن تخافي "

نظرت له ترف وقالت بحدة " لن تبات مع ماما لديك والدتك "

قلت بضيق " بل أنا من ستذهب مع مصعب وأعيش

معه وتبقيا أنتما هنا "

نظر لي مصعب وقال " ليث لدينا ثرير لك "

ضحك حينها جابر فنظرت للجانب الآخر متضايقة

فأنزل ترف وقال " لا سرير لها إلا هنا "

ثم قال مغادرا " تعالي يا أرجوان "

غادر الغرفة ونظرت أنا لترف فقالت بشفتان

ممدودتان " أنا غاضبة منك ماما "

لم استطع إمساك ضحكتي فبدأت بالبكاء فاقتربت منها

ونزلت عندها وحضنتها وهمست لها " أنتي أكثر من أحب أنتي

ابنتي ومصعب لا , هوا فقط صغير وكان يبكي وعلينا

أن نسكت الأطفال الصغار كما علمتكم "

حضنتني بيداها وقالت بحزن " لا تحبيه أكثر مني ماما لا أريد "

أبعدتها عن حضني ونظرت لوجهها وقلت " ترف لا أريد أن

أغضب منك وتعرفينني حين أغضب فلا أريد ما يحدث مع

أمجد أن يتكرر مع مصعب , أنا أحبك أنتي بنيتي حسنا "

قبلت خدي وقالت " نعم ماما سألعب معه "

ثم وقفت ونظرت لبيسان فكانت منشغلة بالمكعبات ومن

الجيد أنها لم تركز على حديثنا لصرنا في مشكلة جديدة

خرجت من غرفتهم وتوجهت لجناحي , دخلته ودخلت لغرفة

النوم فكانت ثيابه مرمية على الأرض وهوا يبدوا يستحم

جمعت ثيابه ووضعتها في سلة الغسيل في غرفة الملابس وأخذت

لي فستانا قصيرا ولبسته على عجل , مؤكد سيغادر فورا فلا

حاجة لأكثر من هذا , خرجت بعدها للغرفة فتحت شعري

ووضعت كحلا في عيناي , هذا الرجل لا يعطيك وقتا حتى

لتتزيني له فيه , دائما غير موجود وإن جاء يكون في وقت

لا تتوقعينه , حتى في الليل يرجع متأخرا ويتصل بي وهوا

بالمقربة من هنا وأكون حينها نائمة ومتعبة , جمعت شعري

كله للأمام على غير العادة وانفتح حينها باب الحمام وخرج

منه بمنشفته وكالعادة شعره يقطر بالماء وتوجه لغرفة الملابس

فأطفأت التكييف , خرج بعد قليل لأصدم به مرتدي بنطلون

رياضي وقميص قطني أسود بكتابة فضية عند الصدر وتوجه

من فوره للخزانة دون أن ينظر لي وأنا أتبعه بنظري

عجيب لابد وأن جنيا سكنه , هذه المرة الأولى أراه بهذا

اللباس فقد اعتدت على رؤيته إما بالبذلة الرسمية السوداء أو

بذلة الشرطة أو بيجامة النوم , توجه نحو السرير وأنا أسير

معه بعيناي حتى جلس عليه ونظر ناحيتي فوقفت وقلت بمكر

" لقد أخطأت في الغرفة يا سيد زوجي أعرفه أين يكون الآن "

قال بنصف عين " أرجوان أخبرتك أن لا تلعبي معي هذه اللعبة "

رميت شعري للخلف وقلت بغنج

" أنا حرة أقول ما أريد ومتى أريد "

أشار لي بإصبعه على المكان بجانبه دون كلام فهززت كتفي

ولم أتحرك من مكاني فقال " أرجوان لا تلعبي معي فستكونين الخاسرة "

توجهت للأريكة ووقفت فوقها حافية وقلت " أنا لا ألعب معك "

قال بابتسامة " وما سر الوقوف هناك "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت وأنا أحرك شعري بيدي

" وما أدراني أنك زوجي دعني أتأكد أولا "

غادر السرير وتوجه نحوي وأمسكني من خصري

وأنزلني للأرض ثم أمسك وجهي بيديه وقربه من وجهه

وقال بهمس " ليس من مصلحتك أن أتبث لك أني هوا "

تركته وتوجهت للسرير جلست حيث أشار سابقا وقلت

" لقد تأكدت الآن تعال هيا "

هز رأسه مبتسما ثم اقترب وجلس بجانبي شبه مضجع

ومستندا بمرفقه على الوسادة ومقابلا لي فاختبأت في حضنه

وقلت بهمس " ما سر هذا التغيير الرائع حضرة المحقق "

قال بهدوء شبه هامس " تصمتي أو غادرت الآن "

مررت يدي على عضلات صدره البارزة وقلت ونظري

عليها " توبة لن أعيدها "

أمسك بيدي من على صدره ورفعها له وقبلها وقال ونظره

عليها " هل نزلتِ للضيوف البارحة "

كنت أنظر له باستغراب كانت المرة الأولى التي يُقبل يدي

ويسألني عن أمر أقوم به أو فعلته فلم يكن يهتم بشيء , لا

كثرة حديث ولا كثرة استماع , قلت بهدوء " نعم ومن أجلك "

نظر لعيناي وقال " فقط "

اتكأت على صدره وقلت " أقسم على ذلك "

رفع وجهي له من ذقني وقال " إذا انتهينا من هذه المشكلة "

هززت رأسي بلا وقلت " لن أنزل مجددا ولا تربط

الأمر بمكانتك لدي يا جابر كي لا أجبر نفسي "

مسح بإبهامه على خدي وقال

" إذاً تكرر ما يحدث في السابق "

دسست وجهي في صدره مجددا ولم أتكلم فقال

" ماذا قالت عنك "

أحطت خصره بذراعي وغمرت وجهي في صدره أكثر

ونزلت دموعي دون شعور فمسح على ظهري وقال

" أرجوان هل أفهم من صمتك التزامك بشرط زواجنا

أم لأنك لا ترين أني سأكون منصفا لك "

قلت وأنا لازلت أتمسك به بقوة " أنت تنصف كل المظلومين

فلن تعجز عن إنصافي ولأجل الاثنين أنا أصمت "

قال بهدوء " أريد إجابة واضحة والآن "

رفعت رأسي ونظرت له وقلت " أجبني أنت عن سؤالي أولا "

تنقل بنظره بين عيناي ثم قال " أي سؤال "

عدت للاتكاء على صدره وقلت

" أنت وضعت لنفسك حدا بيننا فلما تسألني الآن "

دسني هوا في حضنه هذه المرة وقال

" لما كنتي تبكي طوال الليل "

ابتعدت عنه وجلست ونظرت لعينيه وقلت

" لا تقل أنك تراقب الغرفة لأنها كانت مظلمة "

مد يده وأشار لي دون كلام أن أعود لحضنه فقلت

" كيف علمت يا جابر "

أعاد الإشارة مرة أخرى في صمت فاقتربت منه مجددا

فقال وهوا يمسح على شعري " علمت وانتهى ولا يهم

كيف وسأتحدث مع والدتي في الأمر ولن يتكرر مجددا "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت بدهشة " أَقسم على ذلك "

نظر لي بضيق وقال " أرجواااان "

ابتسمت وقبلت خده وعدت لحضنه فوصلني صوته مبتسما

" هل أفهم من هذه القبلة أيضا أنك آسفة وأن لا اغضب "

قلت بهمس " نعم "

*

*

" بتول توقفي عن كثرة الأسئلة "

وقفت ووضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق

" بلى أريد أن أفهم لما أحضرت لي السلسال ولم تقل

أن معتصم من اشتراه ولما تسكتون عن تصرفاته معي

حتى أنه يراني بالبيجامة القصيرة وبدون حجاب وكأن شيء

لم يكن بالنسبة لكم , يومها دخل عليا لغرفتي ولم يستحي

على نفسه ولم يمنعه أحد ولما يرفض الآن وما علاقته بي "

تأفف وقال " اذهبي واسأليه بنفسك "

ضربت بقدمي الأرض وقلت بتذمر " لما تتركوه يهينني دائما

والأسوأ يراني هكذا وكأني شيء يخصه , لا هوا شقيقي ولا

زوجي لا خالي ولا عمي , أنا لم أعد صغيرة لما أصبح

هكذا وقحا فجأة "

وقف وقال " هوا أمامك في قصرهم فاسأليه لما هوا وقح معك

ولما يرفض تغيير دراستك فإن كان لديه جواب سيقوله لك

ثم هوا ابن عمك ويفكر في مصلحتك "

ثم غادر وتركني أنظر له بضيق , لا يتصرفون بشكل طبيعي أبدا

من المفترض به أن يغضب لمعرفته بكل هذا لا أن يتصرف ببرود

لبست عباءتي وحجابي وخرجت من المنزل قاصدة قصر عائلة عمي

*

*

دخلت القصر منذ قليل بعدما تقابلت وعمي منصور في الخارج

ليخبرني أن بتول تريد الذهاب مع خالها رضا لتدرس هناك

وتغير كل سير دراستها , ما هذا الهراء والتسيب والعقل الصغير

وعمي يدللها زيادة عن اللزوم ولا يرفض لها طلبا , دخلت غرفتي

متضايقا وكل مناي أن أغادر قبل أن أراها لأني لا اعلم ما

سأفعل لها , فتحت الخزانة وأخرجت عدة الرسم الجديدة

ووضعتها في كيس وجمعت بعض مذكراتي على

صوت طرق على الباب فقلت " تفضل "

انفتح الباب ولم يتحدث من فتحه فالتفت له فإذا بها بتول تقف

أمامه ويدها وسط جسدها ومتضايقة أيضا فعدت لما كنت أفعل

وقلت ببرود " اشتري سلامتك مني يا بتول واختفي من أمامي "

قالت بضيق " بل تقول الآن بأي صفة تتحكم بي "

نظرت للأعلى وقلت بنفاذ صبر " إن لم تغادري الآن يا

بتول ستسمعين مني كلاما لن يعجبك "

قالت بحدة " قله وأرحني "

التفت لها وقلت بغضب " لن تغيري دراستك ولن تغادري

من هنا رغما عن أنفك وأحب من أحب وكره من كره "

قالت بغضب أكبر " بأي حق أخبرني حتى جابر لا يتحكم بي مثلك

وهوا أكبر منك ثم أنا والدي على قيد الحياة وبعده خالي ثم أنتما "

اقتربت منها وأمسكت ذراعاها وقت من بين أسناني

" لا تضعيني بعدهما تفهمي "

قالت بضيق " ولما وبأي صفة "

هززتها وقلت بحدة " لأنك زوجتي تفهمي ... زوجتي "

نهاية الفصل


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top