الفصل الرابع عشر

الفصل طويل، استعدوا☺️
—————

٢٧ - سبتمبر - ٢٠٢٥، السبت

- هل أخبرت والديك؟

- لا أحد يعلم بالموضوع سواك.

- ألم تخبر جونغكوك حتى؟

- إنه مشغول هذه الفترة، سأخبره لاحقًا.

تنهد تايهيونغ بقلة حيلة «ماذا عن جيسونغ؟ أين هو؟»

«ما يزال ببيت والديّ... لا أستطيع التفكير جيدًا لذا لم أعده معي.» أجابه جيمين بشرود.

رفع تايهيونغ مفاتيح سيارته وأشار ناحية باب الشقة ثم خرج وتلاه جيمين قاصدين أحد المقاهي القريبة والذي عادةً ما يكون فارغًا بالصباح.

«لقد قالت أنها ستقابلنا الساعة الثامنة بالمقهى... لكن أين هي؟» تساءل تايهيونغ فور دخولهما للمقهى وعدم ملاحظتهما لأي أحد، لكنهما جلسا عند طاولةٍ لينتظرا.

- ما كان اسمها؟

- تشوي بورا، قالت الممرضة كانغ أنها هي من كانت المسؤولة عن إيلر منذ البداية.

همهم جيمين ثم عاود النظر عبر النافذة حتى سمع وقع خطوات تقترب من طاولتهما «عفوًا، هل يدعى أحدكما بارك جيمين؟»

استدار جيمين ناحية الصوت ورأى امرأة تبدو بمنتصف الثلاثينات، ذات شعر كستنائي اللون، وبشرة تميل للسمرة. أومأ لها فجلست أمامهما ثم عاودت الحديث بعد أن وضع تايهيونغ هاتفه الذي كان يعبث به على الطاولة «مرحبًا، أنا تشوي بورا. كنتُ المسؤولة عن إيلر قبل أن أُنقل لمشفى سونغدو.» أخذت نفسًا عميقًا «سأخبركما بكل ما أعرفه، لكنني أود أن أعتذر من السيد بارك أولًا.»

«لمَ الاعتذار تحديدًا؟» سأل جيمين ساخطًا «لأنكم أخبرتموني أن زوجتي قد توفيت أم لأنكم لم تخبروني أنها بغيبوبة؟ أو ربما لسبب آخر لا أعرفه؟»

شدت الممرضة على قبضتها قليلًا «كل هذا، ولأنني لم أخبرك بما عرفت مسبقًا.» أشار لها جيمين أن تكمل حديثها فأكملت «زوجتك  لم تكن بعهدة الطبيب جونغ مينسوك حتى حان وقت ولادتها بسبب عدم وجود الطبيب المسؤول عنها في ذلك الوقت. إن الطبيب جونغ... ليس طبيبًا نزيهًا.»

«ما الذي تقصدينه؟» سأل تاهيهيونغ عاقدًا حاجبيه.

«لم أصبح مسؤولة عن حالة إيلر إلا بعد أن دخلت بالغيبوبة، لذا لم أكن أعلم حتى أن اسم عائلتها الحقيقي ليس كيم.» بدأت تتحدث برسل «في البداية كنتُ أقوم بمهماتي المعتادة كممرضة تعتني بمريضة بغيبوبة، لكنني بدأت ألاحظ زيارات الطبيب الكثيرة وتدوينه لملاحظاتٍ أكثر من المعتاد، كما أنه كان دائمًا ما يتعذر بشيءٍ ما ليطردني خارج الغرفة، أو يأتي عندما لا أكون موجودة. بعدها لاحظت أنه كان يحقن إيلر بأدويةٍ أجهلها، واكتشفت آنذاك أنه كان يجري التجارب عليها.»

«ماذا؟!» صرخ بها جيمين ضاربًا قبضته بالطاولة «كان يجري التجارب على جسد امرأة بغيبوبة ولم تفكري أن عليك أن تخبري أحدًا ما؟!»

ابتعلت المرأة ريقها وعاودت إكمال حديثها على عجل «لم أكن أعرف حالتها بالضبط، ولست إلا ممرضة، لا أعرف كل ما يعرفه الطبيب الذي ظننته المسؤول عن حالتها! عندما بحثت في السجلات عن كيم إيلر لم أجد أي شيء عنها وظننت ذلك عطلًا في النظام فحسب، وعندما سألته عمَّا كان يفعله هددني بالطرد إن تدخلت ثانيةً بما لا يعنيني.» أخذت نفسًا مرتعشًا لتكمل حديثها بعد أن رأت تايهيونغ يحاول التخفيف عن جيمين بوضعه لكفه على كتفه «عندما تعمقت بالبحث اكتشفت أن إيلر ليست أول من كان جونغ ينفذ التجارب عليه، قبلها كانت امرأة صينية مشردةً تدعى شاولينغ، كانت أيضًا بغيبوبة عندما وجدها وكان يجري التجارب عليها بسرية لكنها توفيت أيضًا...أعتقد أن جثتها هي التي أُعطيت لكم على أنها جثة إيلر.»

صُعق الشابان مما سمعاه، فأولًا يعيش جيمين باكتئاب تامٍ لسنة كاملة يظن بها نفسه يهلوس عندما يرى امرأة تشبه زوجته، ثم يكتشف أنها ما زالت على قيد الحياة، والآن يعرف أن التجارب قد نُفذت على جسدها دون أن يدري أي أحد.

ودَّ جيمين البكاء، كم أراد أن يدفن وجهه بين يديه ويبكي حتى ينتهي اليوم ويستنتج أن هذه السنة ليست إلا كابوسًا ما، أو أنها خدعةٌ ما، أو ربما فصل من رواية قرر كاتبها أنه ليس جيدًا بما فيه الكفاية فمزق صفحاته، لكنها كانت الحقيقة التي جعلت الدموع تتحجر في مدمعيه.

«لقد شككت في سبب عدم زيارةِ أحد لإيلر حتى لو كانت في غيبوبة، فبحثت مجددًا عن ملفها في سجلات المشفى ولم أجد شيئًا، لكنني وجدت ملفًا باسم لي إيلر وتتطابق مواصفات صاحبته مع مواصفات كيم إيلر التي كنتُ أعتني بها.» تكلمت الممرضة مرة ثانية بعد مدة من الصمت، ووجهت حديثها لجيمين خصوصًا «كنتُ أفكر كيف سأخبرك بما أعرفه، في البداية كنتُ قلقةً إن لم تكن كيم إيلر هي لي إيلر وكنتُ أنا من يُضخم الأمور، وبعدها فكرت ما لو لم تكن هذه الإيلر هي تلك الإيلر فسأكون قد أفصحت بمعلوماتٍ سرية بين الطبيب والمريض لشخص ثالث مما سيغرقني بالمتاعب، وأيضًا فكرت ما لو كانت عائلة إيلر على علم بما يجري... وكانت لا تهتم فحسب.»

صرَّ جيمين على أسنانه غضبًا وكاد يتحدث لولا أن بورا تحدثت ثانيةً بأسف «عرف جونغ أنني اكتشفت ما فعلَ ويفعل، وعرف أنني أردت التواصل مع السيد بارك لإخباره بما يجري لأنني لا أملك ما يكفي من أدلة لأخبر الشرطة، لذا عمل على نقلي إلى مشفى آخر لا أستطيع الوصول له منه.»

«اللعنة!» صرخ جيمين بعصبية جاذبًا أنظار من وُجد من زبائن قبل أن يغادر المقهى غاضبًا.

تنهد تايهيونغ بانزعاج «أنتِ لا تعلمين ما مر به هذا الرجل من آلام بعد أن أُخبر أن زوجته قد توفيت.» نهض من مكانه وأخذ هاتفه «لكن شكرًأ على تعاونك.» غادر تايهيونغ المقهى تاركًا الممرضة تعض شفتيها ندمًا، فلو أنها استجمعت شجاعتها لتجري مكالمةً واحدةً فقط تخبر جيمين فيها أن زوجته على قيد الحياة لما حصل كل هذا.

فتح تايهيونغ سيارته بعد أن رأى جيمين متكئًا عليها، مخبئًا وجهه بين ذراعه ونافذتها «ادخل جيمين، سآخذك للمشفى.»

«جيد.» ردّ جيمين بحنق «سأحطم رأس ذلك الطبيب.»

«لن تحطم رأس أحد، سآخذك لترى زوجتك وتحاول مساعدتها على استرجاع ذاكرتها التي فقدتها.» أراه تايهيونغ هاتفه مبتسمًا ابتسامةً متعجرفة «ثم أنني قد سجلت صوتيًا كل ما قالته تلك الممرضة بالداخل، لذا سنذهب للنيابة العامة بعدها لمقاضاته.»

«واو...» تمتم جيمين بإعجاب «لم أتوقع ذلك منك.»

«ما هذه الإهانات من اللامكان؟» ضحك تايهيونغ بصخب علّه يُعدي جيمين بضحكه «سيلقى ذلك الخسيس عقابه من القانون، لذا لا تفكر به الآن وفكر بما ستفعله عندما ترى زوجتك مجددًا. ألست سعيدًا لأنها على قيد الحياة؟!»

«بلى...» همس جيمين وتوقف.

«لكن؟» تساءل تايهيونغ.

«كيف عرفت بوجود لكن؟» ضحك جيمين باستغراب.

ضحك تايهيونغ هو الآخر «أخبرني رابطنا الروحي. المهم: بلى، لكن؟»

«لكنني ما زلت أشعر ببعضٍ من عدم التصديق.» فسّر جيمين بروية «مرت سنة منذ آخر مرةٍ رأيتها بها! وظللت أقنع نفسي بأنني أتوهمها! وذهبت لطبيب نفسي لأنني ظننت نفسي مجنونًا!»

«لكن؟» سأل تايهيونغ مجددًا.

«لكن...» ابتسم جيمين «لكنني أكاد أختنق سعادةً لعلمي بوجودها الآن.» سقطت دمعة من عينه ومسحها سريعًا، واكتفى تايهيونغ ورضى بتلك الابتسامة التي رُسمت على محيا صديقه.

عندما وصلا للمشفى وركن تايهيونغ السيارة، شعر جيمين بالقلق «ما الذي عليّ أن أقوله لها؟ لقد خرجت مسرعًا بالأمس دون أن ألقي التحية عليها حتى، وهي لا تتذكرني، ولا أعتقد أنه من الجيد أن أخبرها بأنني لم أزرها لأنني ظننتها ميتة!»

خرج تايهيونغ من السيارة وتلاه جيمين متجهين نحو مدخل المبنى «أعتقد أنك ستعرف ما يجب عليك أن تقوله لها عندما تجلس وتراها بأم عينيك لما يزيد عن الثانيتين.»

بغمضة عين أصبح الشابان أمام غرفة إيلر، طرق جيمين الباب بتردد وسمع صوت إيلر يسمح له بالدخول، ربت تايهيونغ على كتفه «ادخل وحدك، أنا سأنتظرك حتى تنتهي وقد أرى إن كانت تلك الممرضة متفرغة لأسمع ما تعرفه هي أيضًا.» أومأ جيمين بتردد فابتسم تايهيونغ له تشجيعًا «ابتسم ولا تكن عابسًا هكذا، حظًا موفقًا!»

ابتسم جيمين ابتسامةً غريبة ثم فتح الباب ودخل لداخل الغرفة ليرى إيلر جالسة على سريرها تنظر للتلفاز بملل. أدارت رأسها عندما رأت جيمين يدخل وابتسمت له ابتسامة ترحيبية خفيفة.

ابتلع جيمين ريقه وابتسم لها أيضًا «مرحبًا إيلر... هل يمكنني الجلوس؟»

أشارت له ناحية الكرسي إلى جانب سريرها ليجلس عليه «تفضل.»

حل الصمت لبرهة بينما جيمين يحدق بإيلر يستذكر تفاصيلها حتى لاحظ عدم ارتياحها «هل تتذكرينني؟» كان ذلك أول ما خرج من فمه وشعر بالندم ينتشر بجسده على الفور.

كيف له أن يسأل من تعاني فقدان الذاكرة إن كانت تتذكره أو لا؟ لن يشعرها هذا إلا بالسوء لأنها لا تتذكره!

«أجل.» أجابت بهدوء وتوسعت عيناه، فكيف من الممكن ان تتذكره وقد قالت تلك الممرضة أنها مصابة بفقدان الذاكرة؟ «أنت الرجل الذي أتى بالأمس بباقة من الورود وهرب.»

أوه... لقد نسي جيمين ذلك للحظة، ضحك لها «هذا صحيح.»

«لمَ أتيت البارحة؟» سألته بفضول «هل تعرفني من قبل أن أدخل بالغيبوبة؟»

«أتيت البارحة لأعتذر إن كنا سببنا إزعاجًا أمام غرفتك قبل بضعة أيام.» احتار جيمين بخصوص إجابته لسؤالها الثاني، فهل يخبرها بالحقيقة أم يكذب كي لا تُصدم من سوء هذا الزوج الذي لم يزر زوجته طوال فترة بقائها في المشفى؟ إن أخبرها الحقيقة، كيف سيُقنعها بأنه لم يزرها قط لأنه ظنها متوفاة؟ «وأجل أنا أعرفك من قبل أن تدخلي بغيبوبة، لكنني لم أعرف أنكِ بالمستشفى.»

«أوه.» لعبت إيلر بأصابعها قليلًا ثم طرحت سؤالًا آخر «هل نحن صديقان؟»

«نحن...» عض جيمين شفتيه، ظن أنه قد تفادى ذلك السؤال بإجابته السابقة، لكن ذلك ليس صحيحًا «لا أريد أن أقول شيئًا قد يؤثر سلبًا على استرجاعك لذاكرتك بمعدل سليم.»

رفعت إيلر حاجبها «لن تخبرني إلا بعلاقتنا، ما الذي سيؤثر ذلك به؟»

«ما سأقوله سيفتح عدةَ أبوابٍ للمزيد من الأسئلة.» أجابها «لا أعتقد أنه من الجيد أن نذكرك بالكثير من الأمور عنوةً ودفعةً واحدة، خصوصًا أنكِ لم تستفيقي من الغيبوبة منذ وقت طويل.»

«لقد استفقت من الغيبوبة قبل شهرين، وهذه ليست مدةً قصيرة.» كتَّفت إيلر ذراعيها «كما أنني سألتك سؤالًا وعليك أن تجيبه.»

هل كانت إيلر هكذا قبل غيبوبتها؟ «لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة...»

«اُخرج إذًا.» قاطعته بنفاذ صبر «لم يزُرني أي أحد خلال شهرين، طوال هذين الشهرين كنت أعاني وحدي أحاول أن أتذكر أي شيء عن هويتي لكنني لم أنجح قط، وعندما يأتي أحد يعرفني لزيارتي أخيرًا يرفض إخباري بشيء بسيط كالعلاقة التي جمعتنا قبل أن أدخل بتلك الغيبوبة اللعينة!» لمعت عينا إيلر دلالة على تجمع الدموع بها «أنت لا تعرف كيف يكون شعورك عندما تكون غارقًا بالظلام دون أن تعرف أي شيءٍ مما يجري، لا تعرف كم هو مخيف أنك قد خسرت ذاتك، ولهذا السبب ترفض مساعدتي. اخرج من غرفتي لو سمحت.» أشاحت إيلر برأسها بعيدًا عن جيمين شادةً قبضتها على الملاءة تحاول ألّا تبكي أمام هذا الرجل الغريب والذي ليس بغريب، لكن أنّى لها أن تعلم وهي لم تعرف اسمها إلا بسبب ما هو مكتوب على ما رأته من ورق؟

«أرجوكِ لا تبكي.» جاء صوت جيمين منكسرًا أشبه بالهمس، كيف يجرؤ على أن يبكي زوجته وقد استعادها بعد أن فقدها لسنةٍ كاملة؟ وضع كفه فوق كفها محاولًا تهدئتها «أعدكِ أنني سأساعدك على تذكر كل شيء، لكن علينا أن نفعل ذلك بالتدريج لأنني لا أريد منكِ أن تتأذي أكثر حسنًا؟» نظرت إيلر له عابسةً والدموع تكاد تتدفق من محجريها، ولم يشعر جيمين إلا وبيده قد ارتفعت لتمسح على شعرها بعطف كما كان يفعل عندما كانت تبكي قبلًا «أعدكِ أنني أكثر من سعد لرؤيتك مجددًا، لذا ثقي بي.»

ربما تكون إيلر قد استشعرت الأمان بهذا الرجل، وربما يكون قلبها قد تذكر صوت زوجها ولمسته ولهذا وثقت به، لذا أجابته هامسة «حسنًا.»

ابتسم جيمين وأخفض يده ليعيدها إلى حجره «ما الذي تتذكرينه حتى الآن؟»

عبثت إيلر بخيوط الملاءة التي وُضعت عليها لتحاول إخفاء إحراجها من قلِّ ما تعرف من معلومات عن نفسها «أعرف اسمي وعمري فقط...»

«هل يمكنكِ إخباري ما هما؟» سأل جيمين قاصدًا التأكد مما إذا كانت تعرف اسمها الحقيقي أم لا، ومما إذا كان ذلك الطبيب قد غير عمرها أيضًا أم لا.

«اسمي إيلر، عمري ستٌ وعشرون سنة.» أجابته «كُتب على السوار الذي كان على معصمي (كيم إيلر) لكن... لا أعلم، لم يكن نطقه مألوفًا على لساني.»

شعر جيمين بقلبه ينقبض بقسوة لكنه تجاهل ذلك وتحدث مبتسمًا «لا شك أنه كان خطأً مطبعيًا، اسمكِ هو لي إيلر.»

«لي إيلر...» تلفَّظت الشابة بهدوء «كنت أعلم أن اسم عائلتي ليس كيم! كنت أشعر بذلك في أطراف أصابعي!»

شعر جيمين بالدموع تتجمع في مقلتيه بسرعة فأدار وجهه كي يبعدها؛ فقد كانت إيلر تردد عبارة (شعرت بذلك في أطراف أصابعي) كثيرًا بفترة حملها بجيسونغ «أنا اسمي بارك جيمين.» عاود رسم ابتسامته على شفتيه «أكبرك بسنتين، لكن يوم ميلادي لم يحن بعد لذا ما زلت بالسابعة والعشرين.»

أومأت إيلر بتفهم ثم استدارت وتربعت في جلستها لتقابل جيمين «ماذا أيضًا؟» سألته مبتسمة.

«أليس من الخطر أن تجلسي هكذا؟ أمازلت تأخذين جلساتٍ للعلاج الطبيعي؟» سأل جيمين قلقًا على عجل فور رؤيته لها غير مستندة على السرير.

«لم أعد أحتاج جلسات العلاج الطبيعي!» ابتسمت إيلر ونهضت لتلامس قدماها الأرض وتأخذ خطواتٍ مرةً قصيرةً وأخرى طويلة حول تلك الغرفة «جسدي بخير، لقد قالت الممرضة أنني أول شخصٍ تراه يستعيد قوته الجسدية بعد غيبوبة طويلة هكذا!» أخبرته مبتسمة، لكن جيمين لم يتوقف عن القلق فنهض بسرعة وحاوط خصرها بيده ليعيدها كي تجلس على حافة السرير ثانيةً.

«هذا رائع لكنني مازلت قلقًا لذا اجلسي لو سمحتِ.» ضحك وأجلسها وهي عابسة تتمتم بأنه يعاملها كطفلة «ماذا أيضًا؟» قرّب كرسيه من السرير حتى تلاصقت ركبتاهما «ما رأيك أن أحدثك عنك أولًا؟ ربما يكون تذكر معلوماتٍ عنكِ أسهل لك.»

وافقت إيلر على ذلك وهزت رأسها تومئ بسرعة قصوى «هاتِ ما عندك!»

«حسنًا دعيني أفكر.» ضحك جيمين قليلًا وهمهم باستذكار «عندما رأيتك أول مرة كنتِ تحتسين كوب قهوة موكا في مقهى يُدعى جنية الملاك. كنتُ أعمل نادلًا هناك، ولم تطلبي شيئًا عدا تلك القهوة لفترة طويلة للغاية!»

قاطعته إيلر «هل طعم تلك القهوة لذيذ لهذا الحد؟ أريد تذوقها مجددًا!»

«سأشتري لك كوبًا لتتذوقيها إذًا.» ضحك جيمين لحماسها ثم عاود حديثه «كنتِ تدرسين إدارة الأعمال في الجامعة، لكن كلما أتيتِ للمقهى لم تفعلي شيئًا عدا شربك لقهوتك وتحديقك بالمارة.» أراد جيمين أن يخبرها بأن ابنها يشبهها تمامًا بهذه الصفة، لكنه ارتأى أن الوقت المناسب لم يحن بعد لإخبارها بشأنه.

«أخبرني بشيء آخر، هل لدي الكثير من الأصدقاء؟» سألت بسرعة.

«لستِ من النوع الاجتماعي، لكن لديك ثلاثة أصدقاءٍ أشبه بالعائلة.» ابتسم جيمين «أحدهم هنا في المشفى، هو من أوصلني.»

«حقًا؟!» سألت إيلر بصدمة «لمَ لم يدخل معك إذًا؟ هل تشاجرنا قبل أن أدخل بالغيبوبة؟»

«لا لم تتشاجري مع أي أحد.» ضحك وأرخى رأسه بكفه «لكنه فضّل أن آتي وحدي هذه المرة كي لا نزعجك كثيرًا بكلامنا.»

نظرت إيلر له قليلًا ثم رفعت ساقيها لتخبئهما أسفل الملاءة التي حُطت فوق السرير «لمَ لم يزرني أحدٌ إن لم أتشاجر معهم إذًا؟» سألته بحزن «هل كان وجودي مزعجًا للحد الذي جعل منكم ترتاحون لوجودي هنا دون أن تحتاجوا لرؤيتي مجددًا؟»

لم يتوقع جيمين أبدًا أن مزاج إيلر سينقلب بهذه السرعة، لقد كانت مبتهجةً للتو تستمع لما يقوله لها! «عدم زيارةِ أحدٍ لك موضوع طويلٌ ومعقد للغاية، والآن ليس الوقت المناسب لأخبرك به.» ربت على شعرها بكفه مجددًا «لكنني أقسم لك أن لك عائلةً وأصدقاء لن يوجد أسعد منهم عندما يعرفون أنك هنا.» تراجع جيمين عن كلامه فجأة وضحك «بالطبع لن يوجد أسعد منهم غيري أنا، أنا أكثر الناس سعادةً الآن.»

لم يزُل عبوس إيلر إلا قليلًا «ألن تطلب من صديقك ذاك أن يأتي؟»

همهم جيمين يفكر قليلًا ثم أخرج هاتفه «أعلي أن أطلب منه أن يأتي؟» أومأت إيلر فقهقه رافعًا هاتفه عند أذنه ليحادث صديقه «مرحبًا تايهيونغ، إيلر تريد لقاءك... أوه حسنًا أمهلني بضعة دقائق فحسب.»

«ما الخطب؟ ألن يأتي؟» سألت إيلر وخاب أملها عندما هز جيمين رأسه نفيًا بأسف.

«لقد قال أن علينا المغادرة بعد قليل.» أجابها معتذرًا.

«هل ستأتي غدًا؟» سألت مجددًا والأمل بادٍ بعينيها آملة ألّا يخيب هذه المرة.

أومأ جيمين لها مبتسمًا «سآتي غدًا، والذي بعده، والذي بعده، سآتي لك كل يوم حتى تخرجي من هذا المشفى.»

ابتسمت إيلر بخجل «ألن تخبرني من تكون.»

تردد جيمين، إنه يرى كم هي حزينة لأن لا أحد قد زارها طوال هذه الفترة، وبالتأكيد لن تصدقه إن أخبرها بسبب عدم زيارته لها «أنا أود ذلك حقًا، لكنني قلق مما ستكون ردةُ فعلك عليه بعد ذلك.»

«أخبرني وسنرى ما ستكون ردة فعلي.» أجابته وانتظرت جوابه بصبر.

أخذ نفسًا عميقًا، وآخر، وآخر، ثم شعر بالدموع تتجمع بعينيه مجددًا «سأخبرك فقط لأننا قطعنا وعدًا بأن أحدنا لن يخفي شيئًا عن الآخر، لكنني أخشى أن أخسرك ثانيةً.»

«أنا هنا.» أشارت إيلر لنفسها جالسةً على السرير «لم أخرج من هذه الغرفة إلا مرتين ومنعني الطبيب من الخروج بعدها كي لا تتأثر صحتي. لذا لا تقلق، لن تفقدني.»

شعر جيمين بالغضب والغِلِّ ينهشان قلبه فور تذكره لذلك الطبيب الخسيس «ذلك الطبيب هو السبب في عدم زيارةِ أحدٍ لك طوال هذه السنة.»

لم يعِ جيمين كونه قال ذلك بصوتٍ عالٍ إلا عندما سمع إيلر «ماذا؟»

مرر أصابعه بين خصلات شعره شادًا عليها قليلًا «سأشرح لك كل شيء بعد أن تستعيدي المزيد من ذاكرتك، لكن ثقي بما سأقوله لك؛ فلن أكذب عليك ولو بحرف واحد.» أومأت إيلر له فابتلع ريقه بتوتر ثم قال «أنا... أنا وأنت متزوجان.»

«هاه؟» ضحكت إيلر قليلًا، من المستحيل أن يكون هذا الرجل زوجها «أنت تمزح... صحيح؟»

«لقد وعدتكِ أنني لن أخبرك إلا بالحقيقة.» رد جيمين ثم أضاف «نحن متزوجان، وقد دخلت بالغيبوبة بعد أن أنجبتِ طفلنا الأول.»

«أنت تقول...» تنفست نفسًا مرتعشًا «أنني متزوجة ولي ابن لا أعلم عنه شيئًا؟ وأنك زوجي الذي لم يعلم حتى أنني كنت هنا بالمستشفى؟»

«سأشرح لك كل شيء بالتفصيل عندما يحين الوقت المناسب.» قال بنبرة مترجية «لقد ظننت أني فقدتك للأبد؛ لذلك صدمت عندما عرفت بوجودك هنا.»

«لم تتحدث عني وكأني قد مُتُّ؟» سألته باستغراب به قليل من الغضب.

أجابها بأسف «لأن ذلك هو ما أخبروني إياه...» أجابها جيمين بحزن «لا تثقي بذلك الطبيب، ولا تخبريه بأنني أتيت لزيارتك حسنًا؟ يمكنكِ أن تثقي بالممرضة، لكن لا تثقي بالطبيب أبدًا.»

حدقت إيلر بعيني جيمين المتوسلتين، ولربما يكون قلبها هو الذي دفعها لتثق به ثانيةً «حسنًا أنا أصدقك.»

تنهد جيمين وابتسم بارتياح ثم نهض من مكانه «عليّ الذهاب الآن، سأعمل على نقلك لغرفةٍ أفضل من هذه، وسآتيك غدًا وسأحضر معي بعض الكتب التي تحبينها كي تعيدي قراءتها عندما تشعرين بالملل.» أومأت إيلر له وكاد جيمين أن يستدير ليخرج لكنه تجمد في مكانه بضع لحظات، إن زوجته التي فقدها منذ سنة أمامه هنا، إنها عشيقته وحبيبته، إنها الفتاة التي لم يستطع العيش براحة دونها. «هل يمكنني أن أطلب شيئًا منك؟»

- ما هو؟

- هل تسمحين لي أن أعانقك ولو لمرة واحدة فقط؟ فقلبي يتقطع من فرط اشتياقي لك.

شعرت إيلر بذراعيها تُمد لتفتح المجال لجيمين ليعانقها كردة فعل تلقائيةٍ لما قاله، وفور أن رأى جيمين ذلك حاوط خصرها بذراعيه ودفن وجهه برقبتها. شعرت إيلر بقطرات دموع تبلل عنقها، وشعر جيمين لأول مرة بعد دهرٍ بقلبه ينبض بعنف مجددًا. لقد حققت النجوم له أمنيته أخيرًا.

—————
😢💙💙
احس بصيح، من الي قاعد يقصص بصل؟💔💔

المهم توقعتوا ان هذي هي السالفة؟ شنو كنتوا متوقعين؟

+ لاحظتوا تكرار في كلام إيلر ولا للحين😏؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top