الفصل السادس
بقلم نهال عبد الواحد
مرّ عليها اليوم وتبعه أيامًا أخرى لم تختلف كثيرًا عنه، تصارع نفسها طيلة يومها فيزداد بطأً، بين حاضرها البائس وذكرياتها الشّرسة الّتي تهاجمها بكلّ ما أوتيت من قوة، فتارة تنال منها وتارةً أخرى تقدر عليها، فكلّ يومٍ يجلب معه نفس الصّراع والأوجاع، نفس الخواء، ونفس الرّغبة، بين النّسيان وعدم النّسيان، فروحها تجبرها أن تسترجع ذكرياتها ومشاعرها وضميرها يردعها ألّا تفعل.
فأصبحت تبكي وتمسي تنتحب، تبحث وتشاهد أخبار وحكايات كلّ مَن عانت الجفاء العاطفي فسقطت بسهولة في براثن الخطيئة والخيانة زعمًا أنّها تروي ظمأ هذا الجفاف... لكن هيهات، فجميعهن تخسرن الكثير في النّهاية... فها هي تعيدها وتكرّرها على مسامعها أن لن تفتح إحداهن هذا الباب حتى تخسر كلّ شيءٍ.
لكن حتى هذا العماد لا يساعدها أبدًا، لا زال على نفس سوءه معها، يدفعها دفعًا إلى السّقوط في الهاوية، لم ينتبه أبدًا كم تجاهد نفسها كي تطلّ بهيئة أنثوية متميّزة، أن تظلّ مبتسمةً في وجهه، وأن تستطيع فعل ما هو أكثر من ذلك وتفعل كلّ ما بوسعها لأقصى درجة.
هي تحارب في جبهتَين، جبهة ردع مشاعر تم إحيائها وجبهة استرضاء زوجها لعلّه يتغيّر إلى الأحسن فتتقوّى بالجبهة الثّانية على الأولى وتجهز عليها فلا تعد لها قائمة.
لكنّها في نهاية المطاف لا تحقق سوى آلام تجاهله وإهاناته إضافة لآلام قربه الّتي صارت كالأشواك، فأقوى جيوش الفرد منّا في صراعاته هي الحب والحلم... فماذا لو تدهوّر حال كليهما؟!
إنّه خليط الوهن والحزن، ورغم كلّ شيء لم تتوقّف عن مناجاتها لربّها ودعاءه، فلم تعد تملك فعل أي شيء سوى هذا منتظرةً الفرج الحقيقي مهمّا بلغ ألمها واستنزافها.
أمّا فريد لم يكن أحسن حالًا منها في معاناته وصراعه لنفسه ومشاعره، لكن كان لديه فرصة أفضل منها للانشغال فالنّفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فغمس نفسه في أعماله كطبيب نساء وتوليد ولم يكتفِ بمهامه وراح يضاعفها بانضمامه للفرق الطّبية المواجهة لطاعون هذا الزّمان، المسمّى بالكوفيد مدّعيًّا لزوجته أنّه تكليف لا مفر منه.
متمنّيًّا من داخله أن تنتهي مشاكل عماد ويذهب بزوجته عائدَين من حيث أتيا بلا رجعة، مع تودّده المستمر لزوجته هيام الفاتنة، والّتي ظنّ أنّه هام بها وفتنته حين رآها في حفل زفاف أحد أصدقائه فلم يلبث أن تقدّم لخطبتها، وكشابٍ ثلاثينيّ مثله في خُلُقه ووسامته ومهنته لا يُرفض.
ظنّ أنّه قد فاز بالعوض الجميل والأفضل من الأولى، لكن بدأ في الآونة الأخيرة ظهور بعض العيوب الّتي طفت على سطح حياتهما معًا وقد زادت بعد عمله المتواصل وتطوّعه مع الفرق الطّبية، لكنّه قرّر أن يصبر عليها ريثما ينتهي من مصيبة مشاعره بعد رحيل نور من العقار، وسيلتفت إلى زوجته بعد ذلك.
أو ربما الأرجح هو تغطية شعوره بالذّنب جرّاء مشاعره لامرأةٍ غيرها حتى ولو كان لا زال يقاوم ويجاهد، فهو يرى نفسه مذنبًا على أية حال وعليه دفع ضريبة هذا الذّنب.
وكلّما تباطأت الأيام عليهما قال لسان حالهما للآخر في نفسه: ارحل بكلّ حواسك عنّي وكفاك احتلالًا لحواسي وجوارحي! ببساطة وجودك سبب حزني وآلامي.
ثمّ لم يلبثا أن يلجأ كلاهما إلى صاحب الأمر والملكوت «اللهم قوّني بك إذا انفلت صبري وضاقت نفسي»
ومهمّا حاولا تفسير ما يحدث لهما لم يجدا أي تفسير يقنع فهمهما البشري المحدود.
وكان فريد قد ابتعد تمامًا عن عماد وفترت علاقتهما معًا ومهمّا اتصل به عماد أو راسله لم يجد منه أي رد، ممّا دفعه إلى زيارته في بيته.
وبالفعل صعد إلى شقّة فريد وطرق الباب عدّة مرّاتٍ حتى فتحت له هيام بطلّتها الفاتنة، واضعةً وشاحًا عشوائيًّا لم يخفي خصلات شعرها الأسود وخصلات جانبية على غرّتها البيضاء، إضافة إلى هيئتها الّتي لا ينبغي لها أن تظهر بها أمام أي غريب!
فجحظ عماد بعينَيه مفتونًا حين رآها فبدأت: أيوة، أي خدمة؟
فابتسم عماد وسألها بلطف: مش دي شقة دكتور فريد!
فأومأت بتثاقل توافقه قائلة: أي خدمة!
-على مهلك أمال يا ست البنات.
-أنا مدام الدّكتور، هتقول عايز ايه ولا ارزع الباب في وشك!
-حاضر حاضر! أنا عماد صاحب فريد وكان مختفي من فترة فقلت أسأل عليه، بس لما شفتك عرفت السّبب.
قوّست شفتَيها بعدم رضا عاقدةً ذراعَيها أمام صدرها وأجابته: لا، عقلك ما يروحش لبعيد، ده عنده نبطشيات في الشغل.
فتمتم: غبي!
لكنّها سمعته فضحكت فبدت غمازتَيها لتكتمل معزوفة حسنها الفتّان، فأسرع عماد مكملًا: حيث كده باه فاعتبريني تحت أمرك من هنا ورايح، أي حاجة عايزاها اطلبيها من العبد للّه وحمامة على طول.
فأجابت بنفس ضحكتها: لا شكرًا البوّاب موجود.
-أنا مكان البوّاب، وافقي باه يا شيخة.
فضحكت قائلة: أفكّر...
ثمّ أغلقت الباب فظلّ واقفًا لفترةٍ يستنشق بقايا عطرها بانتشاءٍ شديد...
Noonazad 💕❣️💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top