الفصل الرابع و العشرين
بتلك الليلة فتح الصغير عيناه بخوف فور شعوره بتوقف الحافلة ، هو نظر من النافذة ليحاول معرفة مكانه دون فائدة فالليل يمنعه من تمييز أي معلم مميز ، ثُم الحافلة لم تتوقف عن السير مُنذ الصباح لذا هو بات واثقاً أنه بعيد و بشدة عن والدته بل وحتى والده وشقيقه !
صوت أحد الرجال ممن كانوا معهم صدح بقسوة :" هيا لتتحركوا جميعاً ! "
هو أغمض عيناه برعب شديد قبل أن يجبر نفسه على النهوض من موقعه إلا أن أصوات الأطفال الآخرين ممن كانوا يبكون حوله لم يساعده مُطلقاً , هو شعر بدموعه تكاد تفيض من مُقلتيه , شهق بفزع عندما شعر بيد تُمسك به بينما ذلك الصوت الغليظ ينطق :" هيا تحرك ! من الأفضل لكم معرفة أن هذه المدرسة لها قوانين شديدة ! إن تمت مخالفة أحدها بطريقة أو أخرى فالعقاب سيكون قاسياً حقاً ! المُهمة لنا هي أن تتخرجوا منها و أنتم أطفال مهذبون و تطيعون الجميع دائماً "
أخفض يوشي عيناه و رأسه وقد جفت دموعه , هو شعر بالإستياء أكثر من الخوف بتلك اللحظة ! ألا يعني بكلماته أن الهدف هو تحويلهم لألعاب بيد شخص آخر ؟! وهذا ما لن يسمح لنفسه بالوصول له , لن يخضع لأمثال تاتشو حقاً .
سار بعدها بالصف برفقة بقية الأطفال , أغلبهم كانوا أكبر منه سناً ! أي هو تقريباً الأصغر , حدق حوله بالمباني جميعها قديمة للغاية و الشارع الضيق الذي يسيرون به مهجور تماماً ومُظلم وهذا أعاد الخوف إليه , هو رغب بهذه اللحظة بالتشبث بأحدهم عله يجد بعض الأمان ولكن من ؟!
توقفوا بالنهاية أمام مبنى قديم بشدة بعيد عن بقية البنايات القديمة و المُهترئة , لم يكن هُنالك أي مصباح حتى يريهم الخطوات أمامهم و الكثير منهم تعثر أكثر من مرة , هو بالكاد تمكن من موازنة نفسه عدة مرات , و بالرغم من أن هذا المبنى يفترض أن يكون مدرسة و مسكن للطلاب و المعلمين إلا أن الأصوات الصادرة منه هي فقط أصوات ضحكات لبعض البالغين دون أي وجود لأي صوت من الأطفال !
بالنهاية تم إيقافهم جميعاً بممر ما أمام غرفة المدير و الذي كان يسير أمامهم وهو يحدق بهم بتمعن قبل أن ينطق موجهاً كلماته لمُساعد له ربما :" ظننت أن عددهم أكبر من ذلك ! "
أجابه الرجل بجواره :" أجل , كان يفترض أن يتم إحضار شقيقان من أسرة مرموقة لكن أفرادها تراجعوا بآخر لحظة خوفاً على سمعتهم إن كشفوا "
حرك كتفيه بلا مُبالاة ليتوقف أمام يوشي وقد رفع له رأسه بالعصا التي بيده وهو ينطق بصرامة :" إسمك و عمرك أيها الطفل ! "
أجابه بصوت مهتز :" هيتومي يوشي , بالثامنة من العُمر "
رفع أحد حاجباه بتفكير :" هيتومي ؟! أوه إبن زوجة السيدة تاتشو صحيح ؟! لا بأس أنت بالمرحلة الإبتدائية و تبدوا جيداً لكن مع الأسف هناك الكثير من التوصيات عليك , و هذا يعني أنك ستعاقب على أقل غلطة تصدر منك مفهوم ؟ "
لم يتمكن من منع تلك الرجفة من السير بجسده وهو يومئ إيجاباً لكنه ما إن فعل حتى شهق بألم بسبب العصى التي ضربت كتفه بقوة بسيطة :" عليك أن تجيب بالكلمات لا بالإشارات ! أتفهم ذلك !؟ "
عادت دموعه للتجمع وهو ينطق بصوت مُرتجف :" أمرك سيدي "
ابتسم له برضا وهو يتحدث :" لا بأس , أنت تُعجبني أيها الصغير للآن لم تبكي حقاً هذا يُعطيني الرغبة بإزعاجك حتى تنهار و تستسلم للبكاء بكل ضعف و إنكسار , والآن هيا خذوه لغرفة من هم بعمره "
تلك الجملة التي سبقت الأخيرة جعلته يشعر برعب حقيقي , كل ما حوله يخيفه بشدة هو للآن يحاول فقط أن لا يبكي و أن لا ينهار لكن الجميع مُخيف و الآن هو يدرك أنهم هنا لن يحبوا طبعه بإخفاء ألمه مهما كان بل سيجعله هذا معرض للألم أكثر ! .
إتجه لتلك الغرفة مع رجل آخر سار أمامه حتى أوصله هو وجدها مليئة بالأطفال و الذين يغطون بالنوم , نطق من معه :" جد لنفسك مكاناً ما ونم به ! "
أنهى عبارته بينما يسلمه إحدى أكياس النوم و التي تستخدم بالعادة بالمخيمات , هو أخذها منه بهدوء و سار حتى وجد لنفسه مكاناً ما بزاوية ليستتلقي هناك من فوره محاولاً تمالك نفسه و الصمود مُعطياً إياها بعض عبارات التشجيع عله يجد الأمل من خلالها إلا أنه بالنهاية وجد دموعه تتسابق بصمت كما عادته , يريد والده الآن و حالاً لكن كيف يمكنه الوصول له ؟
أمسك بهاتفه المُحطم ليضمه إلى صدره بقوة شديدة , هديته الأولى من أبيه و الوسيلة الوحيدة لسماع صوته و صوت توأمه تم تحطيمها أمامه بقسوة شديدة ! و الآن كيف له أن يخبرهم بأنه خائف ووحيد ؟ أنى له سماع أصواتهم لبث القليل من الأمل لقلبه ؟!
أيمكنه حتى التفكير بأنهم سينجحون بالوصول إليه ؟! وكيف ذلك ؟ هل يشعر هوشي به الآن ؟ هو رآى ببعض الكتب و الأفلام أنهما يفترض أن يكونا مُتصلين معاً إذاً أيمكن له الشعور به و القدوم له ؟!
تمتم بنبرة باكية بها الكثير من الرجاء الطفولي :" أرجوك هوشي أخبره أنني لست بخير ! "
عاد بعدها لبكائه الصامت قبل أن يسقط بالنوم دون وعي منه و الدموع لا تزال تغطي وجنتيه الصغيرة بكل قسوة .
*****
فتح عيناه برعب شديد بينما دقات قلبه الصغيرة كانت عنيفة , هو شعر بدموعه تسيل دون أن يدرك حتى , أغمض عيناه ضاماً قدميه لصدره عدة ثوان حتى فتحهما مُجدداً باحثاً عن هاتفه بجواره , و ما إن وجده حتى إلتقطه بسرعة هو حدق بالساعة التي تُشير لما بعد مُنتصف الليل بكثير لينطق بتوتر :" أهو نائم ؟! هل سأقوم بإيقاظه ؟! و من أجل حُلم ما ؟! "
بعثر خُصلاته الشقراء قليلاً ليغادر فراشه و يسير بالغرفة , يشعر بأنه يريد البكاء بشدة ذلك الكابوس أزعجه بشدة فهو شعر بأنه واقعي و بشدة !
أكان توأمه يبكي و يطلبه حقاً ؟! أم أن مزاجه السيء هذا اليوم هو السبب ؟! لكن ماذا لو كان حزيناً من الصباح لإن توأمه ليس بخير ؟! لكن خاله تاكاشي وعده بأنه سيحميه من المُتنمرين صحيح ؟! إذاً ماذا يحدث ؟ لما جسده بالكامل يرفض أن يهدأ ؟! قلبه يؤنبه بشدة و هو فقط لا علم ماذا يجدر به أن يفعل !
عاد لفراشه ليستلقي عليه بينما يهمس بصوت حائر :"يوشي أنا لا أعلم ! هل أنت حقاً تبكي ؟ ماذا علي أن أفعل ؟ّ! "
هو لم يدرك حقاً كيف تمكن من النوم وسط عاصفة الأفكار التي هاجمته إلا أنه حقاً شعر بالإنزعاج الشديد عندما شعر بيد ما تحاول إيقاظه لكن صورة شقيقه الباكي التي رآها بالأمس جعلته يشهق بفزع ناهضاً من فراشه بقوة , بينما عيناه تجولان بكل مكان بالغرفة , أمسك آيكو بصغيره لينطق بقلق :" صغيري هل أنت بخير ؟ "
نظر لوالده ليجيبه بضيق :" لدي شعور سيء ! "
جلس بجوار صغيره وهو يمسح على خُصله الناعمة بخفة بينما يتحدث :" ما هو هذا الشعور يا صغيري ؟ هل شاهدت كابوس ما ؟ "
نظر لوالده بنظرات تائهة أجبرت الوالد على الشعور بقلق أشد بينما أجابه صغيره :" أنا خائف ! "
عيناه ما كانت كاذبة , يمكن لآيكو التأكد من أن صغيره قلق و خائف بالفعل هو أمسك به يحتضنه بلطف بينما ينطق :" أهناك شيء مُحدد يخيف صغيري ؟ "
أومأ سلباً برأسه ليتنهد آيكو بضيق قبل أن يحمل صغيره وهو يتحدث بمرح عله يبعد هذا الشعور السيء عن صغيره :" حسناً , هيا إنهض و إغتسل سأكون هنا بإنتظارك لنتناول الإفطار معاً ثم تُخبرني أنت بما تشعر به تحديداً ! "
وقعت عينا الصغير على هاتفه ليمسك به بشيء من القوة , لديه رغبة بالإتصال بتوأمه و الآن لكن لو كان كل شيء بخير فهو الآن بطريقه للمدرسة , عادت الدموع لتتجمع بعيناه , هو يريده الآن !
بالنهاية نهض ليغتسل ويرتدي ثيابه المدرسية , إن جلس بإنتظار موعد عودة يوشي من المدرسة لشعر بالضياع الشديد لذا ربما أن يشغل نفسه بأمر آخر أفضل حتى ذلك الوقت ؟!
عندما إنتهى من ذلك هو وجد والده يحدق به بقلق شديد , إتجه له بنية أن يتحدث بمرح ويريه أنه بخير لكنه بدلاً من ذلك شعر برجفة تسري بجسده جعلته يتشبث بوالده القلق أساساً .
*****
فتح عيناه برعب شديد بينما أصدر شهقة مُتفاجئة عندما لامست جسده قطرات المياه الباردة كالثلج , هو نهض من مكانه بسرعة ليجد نفسه أمام ذات الرجل من الأمس بينما يحدق به بشيء من السخرية :" مُذهل أنت مُعاقب منذ يومك الأول هُنا ! "
توقف عن محاولة إبعاد المياه الباردة عن عيناه لينظر لمن أمامه بقلق , هو كان يعتقد أنه قد يصحوا و يجد أن الأمر كابوس فقط , لكن يبدوا أنه لم ينتهي بعد !
أغمض عيناه وهو يرى تلك اليد تمتد له و كم الأمر فظيع إذ أن إغلاقه لعيناه بتلك الطريقة ما منعه من الشعور بالألم الذي أحدثته يد ذاك الضخم و الذي ألقى به للحائط بجوار بعض من الأطفال الآخرين , فتح عيناه بعد أن تأوه بألم ليقف بهدوء ظاهر فقط بينما عيناه تحدقان بما يحدث أمامه برعب , ماذا فعل ليعاقب ؟! هُم حتى لم يعطوه أي قوانين بالأمس إذاً بأي حق ستتم مُعاقبته ؟!
وقوفه بجوار الحائط و بتلك الثياب المُبتلة كان يجبر جسده على الإرتعاش و خوفه لم يساعد مُطلقاً , هو راقب الأطفال الذين على ما يبدوا غير مُعاقبين وهم يغادرون الغرفة الواحد تلو الآخر , بينما هو و ثلاثة آخرين منعوا من الحراك , من معه بدؤوا بالبكاء فور أن فرغت الغرفة بينما نطق أحدهم :" أرجوك سيدي , آسف لم أقصد التأخر بالنوم أنا ... "
صمت عندما وجهت نظرة قاتلة له من الواقف أمامهم بينما عقد يوشي حاجباه فهل يُفترض بهم الإستيقاظ بمفردهم ؟! أم أنه نام بعمق بعد بكائه بالأمس مما جعله يغفل عن أمر ما ؟!
بينما إتجه المسؤول عنهم ليوشي الصامت ويقف أمامه وهو ينطق :" يبدوا لي أن حظك فظيع ! مُدير المدرسة يضع عيناه عليك بشكل خاص بينما أنت تتأخر بنومك مُتجاهلاً الجرس ! "
أخفض رأسه بتفكير فهو حقاً لم يسمع صوتها و لكن أحقاً سيفيد الإعتراض بهذا الشأن ؟ أعاد إنتباهه لمن أمامه عندما أردف :" بأي حال الجو بارد صحيح ؟ أظن لا بأس بحضوركم اليوم بهذا المظهر ! هيا تحركوا لفصولكم "
حدق يوشي بثيابه لعدة ثوان مُتناسياً البرد وكل ما يشغل فكره هو مظهره ! أحقاً طالب مُجتهد مثله سيلطخ سجله بهذه الطريقة ؟ هذا قطعاً سيُعطي الجميع إشارة بأنه شخص مُهمل وهو ليس كذلك , عض على شفتيه عندما سمع أمر التحرك للفصل و قد طالبه من أمامه بأن يتبع من معه من الأطفال , وهو وجد نفسه ينفذ الأمر بصمت تجنباً لأي تأخير أو مشكلة إضافية مُبتلعاً تلك المشاعر التي باتت تتزايد بأعماقه من ألم و ضيق !
****
نظر آيكو لصغيره بقلق شديد , فهو لم يمس الطعام الذي أمامه وإستمر بالتحديق بالفراغ بلا أي كلمة , شد على فبضته وهو ينهض من مقعده مُتجهاً له جلس أرضاً بجواره بينما يضع يده على جبهته مما أجبر الصغير على النظر له , آمال هوشي برأسه قليلاً قبل أن ينطق بصوت حائر :" أبي , أنت بالماضي هل كنت تشعر أحياناً أن عمي بحاجة لك و بشدة ؟ أكانت تراه يبكي بحلمك ؟ أم تشعر بأنك ستفقد عقلك إن لم تره الآن ؟"
قطب آيكو حاجباه بقلق وهو يتحدث :" أتعني أنك تشعر بأن يوشي يريدك ؟ أكان يبكي ؟"
أومأ إيجاباً لنطق والده مجدداً :" أنا و أخي كنا معاً بذات المنزل ! لذا كنت معه دائماً , لكن بكل حال نحن سنتصل به فور عودته من المدرسة حسناً ؟"
هو حدق بوالده بينما ينطق بقلق :" و ماذا إن لم يجب على هاتفه ؟"
بعثر خُصلات صغيره وهو يجيبه :" حينها سنتصل على والدتك "
تحدث مجدداً :" وإن لم تُجبنا هي أيضاً ؟"
أجابه بثقة :" ننطلق لزيارتهم على الفور لنطمأن عليهم "
شعر بقليل من الراحة يتسلل لأعماقه وهو ينطق بإبتسامة :" أتعد ؟"
أومأ له والده بينما يتحدث :" أجل أعدك يا بُني ! والآن يمكنك التغيب عن المدرسة إن كنت متعبا "
نهض من مقعده على الفور و هو يتحدث :" لا أبداً ! إن بقيت بالمنزل حتى ذلك الوقت فأنا لا أعلم ما قد يحدث ! "
*****
جلس بجوار شقيقته بينما يعبث بخصل شعرها بهدوء علها تسترخي و تغفو فحسب , ذلك اللعين حقق وعده بالكامل فحقاً لا أحد وافق على مُساعدتهم مُطلقاً ولا حتى سمح لهم بمُغادرة القرية , وهو كاد يذهب لفرع تاتشو الموجود هنا ويفرغ كل ما بداخله عليه و يجبره ولو بالقوة على فتح الطريق أو إعادة الصغير و فوراً مُتناسياً أنه لن يجده بتلك السهولة وليس دون حراسة و ربما ليس دون تأييد الشرطة الفاسدة له !
لكن ما أنقذه ربما هو إنهيار شقيقته بالكامل بعد أن بقيت مُستيقظة طوال الليل تحاول الوصول للمدينة بأي طريقة كانت , هي حتى توسلت لأصحاب الحافلات و المركبات لكن بلا فائدة فمن هو الذي سيجرأ على مُخالفة أوامر من يتحكم بالشرطة هُنا ؟!
أغمض عيناه بضيق من تذكر كل ذلك , لا أحد منهم ذاق طعم النوم بالأمس وكل منهم بذل ما يمكنه لمحاولة الوصول له لكن بلا فائدة مع أنه حرفياً ما كان مُقتنع بطلب من المُساعدة من آيكو مُطلقاً , ومع ذلك ما تمكن من مُخالفة شقيقته الرأي و بوقت حساس كهذا !
أغمض عيناه مُتذكراً الوقت القصير الذي قضاه مع الصغير , هو خائف عليه حقاً فلطالما بدى له هش و سهل الكسر , لكنه أيضاً بذات الوقت يدرك أن مظهره الخارجي لا يعكس حقيقة كونه يُخفي بأعماقه الكثير من العزم و القوة ومع هذا يبقى طفلاً بحاجة لهم وللأمان مهما حدث .
******
تحرك ليسير بين الطلاب برأس مُنخفض ووجنتين مُحمرتان بفعل الخجل , لم يتخيل حقاً أنه سيكون يوماً ما بموقف مُشابه لهذا , شفتيه صُبغتا باللون الأزرق بفعل البرد و الذي لم يكن يشعر به بتلك اللحظة حقاً , هو شعر بالخوف من نظرات المعلم الساخرة و الموجهة نحوه وما كانت نظرات الطلاب أفضل حقاً , كان يشعر بأنهم ينظرون له جميعاً كما كان كيجي يفعل !
وكأنه دمية جديدة أتت ليتسلوا بها لا أكثر , إنتهى به الأمر بالجلوس بزاوية بآخر الفصل و قد شعر بشيء من الإرتياح كونه بعيد عن الجميع , رفع رأسه قليلاً يحدق بالمُعلم الذي كان ضخم هو الآخر لينطق لنفسه :" لماذا جميع من هُنا ضخام الجثة ؟! ومُخيفين ؟"
أعاد بصره للمقعد أمامه وتلك الكُتب التي تم إعطائها له تواً مُتمنياً أن لا يضطر لرفع رأسه و رؤية أي منهم , لا يدرك إلى متى يمكنه أن يتصرف وكأنه بخير ؟! هو يريد البكاء الآن و فوراً ! لماذا لا أحد أتى لإنقاذه حقاً ؟!
بالسابق هو ما كان لينتظر من أي أحد المُساعدة فهو يعلم أن ما يحدث معه يعني أن أمه ليست بخير و إن أظهر ضعفه سيزيد من حجم الألم بقلبها لكن الآن هو يفترض أنه لديه و الده و شقيقه ! الكثير من التغيرات يشعر بأنها طرأت عليه , لم يكن يمزح عندما إعترض أن بقائه مع والده يشعره بأنه طفل !
هو لم يقصد الأمر بالطريقة التي فهمها بها والده بل قصد أنه يشعر بأن إعتماده على نفسه يقل و يتجه تلقائياً لطلب المُساعدة منه ! أو حتى بطريقة غير عقلانية ربما لتوأمه الذي هو بنفس عمره و لا حيلة له , كلاهما ربما أيقظا بقلبه أن هناك سند قادر على الإمساك بيده دائماً , و الآن يطالبهما بالقدوم لإنقاذه قبل أن يبدأ هو بالإعتياد على أن لا أحد سيأتي لأجله بالنهاية كما كان يفعل دائماً .
****
مضت ثلاث ساعات على بداية اليوم الدراسي و بكل حصة كان ناو يُلاحظ إزدياد الشحوب الذي يطغى على هوشي , لذا هو فقط إتجه له بعد إستراحة الغداء حيث لاحظ أنه لم يتناول طعامه حتى ليتحدث بشيء من اللطف :" هوشي هل أنت بخير ؟ "
أومأ له هوشي بسرعة ليعقد معلمه حاجبيه بشيء من الضيق :" هل أنت واثق ؟ وجهك لا يبدوا بخير لذا أخبرني هل تتألم ؟ "
تحركت شفته السُفلية مُعلنة عن إرتجافها بدافع البكاء الذي لا يدرك سببه حتى , هو فقط بات واثقاً بأنه يريد شقيقه والآن ولكن كيف يمكنه الوصول له ؟!
حدق ناو بتلك الدموع لينطق بخفة :" تعال معي سنذهب للمدير حتى يستدعي السيد تداشي إلى هُنا !"
مسح دموعه بسرعة وهو ينطق :" لا ! أنا بخير حقاً , فقط لا أريد العودة للمنزل الآن ! "
حدق به بشيء من الحيرة قبل أن يقف بهدوء وهو يجيبه :" حسنا لا بأس لكن إن شعرت بأنك لا تتحسن سأتصل والدك مفهوم ؟! "
أومأ له إيجاباً وعاد للفصل بسرعة داعياً بأعماقه أن يمر هذا اليوم بشكل أسرع ليعود لمنزله و يتمكن من الإتصال بشقيقه و سماع صوته يتحدث بطريقة طبيعية لربما حينها يشعر بأن قلبه عاد للعمل بشكل سليم ؟!
*****
ضرب على الطاولة أمامه بشيء من الغضب وهو يحدق بمن يجلس أمامه قبل أن ينطق :" و كيف لم أعلم بذلك ؟ لماذا تصرفتم دون العودة لي ؟ "
أتاه الرد سريعاً من رجل بدى بعقده الرابع :" سيدي أنت هو المدير الأعلى هنا ! مهمتنا نحن مساعدتك و القيام بكل الأعمال و أنا كرئيس لدائرة الشؤون القانونية بالشركة فمتابعة مثل تلك القضايا تقع على عاتقي "
كز على أسنانه بقوة شديدة وهو يجيبه بحده :" أجل و لكن ألا تظن أنه عندما يكون المتهم بإفساد المشروع و الاختلاس هو شخص من أُسرتي عليك إعادة الأمر لي أنا و ليس التصرف من تلقاء نفسك ! "
صحح له بشيء من التوتر :" كان جزء منها ! "
ضرب الطاولة بقوة وهو ينطق بغيظ :" تماماً كما كنتم أنتم جزء من هذه الشركة ! أمامكم شهر واحد للبحث عن عمل "
شهق أغلب المتواجدين باعتراض بينما غادر آيكو قاعة الإجتماعات فقد أنهى ما لديه حقاً ، عاد لمقعده بينما ينطق بإستياء :" و الآن ماذا ؟! ليس وكأنه بإمكاني تعويضه عن ذلك ! و هو قطعاً لن يقبل بالعمل هنا مجدداً "
صمت بتعب شديد قبل أن يردف :" وفقط ما بال تلك القضية !؟ هنالك سارق ما لم تتم معاقبته ، لكن لم تتكرر مثل هذه الحادثة حسب التقارير بعد رحيله ، أكانت لعبة ؟ "
أغمض عيناه مُفكراً أن تاكاشي لطالما عُرف بصدقه مع نفسه أولاً و قبل كل شيء ، لطالما عرف مقدرة نفسه جيداً و صارح بها الجميع ، لم يخجل أن يأتي و يقول أنه غير قادر على النجاح بل يرى أن العار هو الفشل بعد أن تعد بالنجاح !
و لو أنه إحتاج للنقود لطلبها منه دون السرقة ، إذاً أمر واحد تبقى بعقله هي مجرد لعبة لكن ما كانت الغاية منها ؟ إفساد العلاقة بينهما ؟ أم مجرد شخص أراد المشروع بدلاً منه ؟
تنفس بعمق شديد مُحاولاً طرد هذه الأفكار من عقله و قد ساعده على ذلك تواجد مساعده الذي تحدث بهدوء :" هل قرار طردهم نهائي ؟ "
حدق آيكو به بهدوء و هو يجيبه :" ما حدث كان لعبة ! هذا واضح و بما أنني غير واثق من نواياهم أو أسباب ما حدث فطردهم أفضل أو يمكنهم التحقيق جيداً بما حدث مع أدلة مقنعة هذه المرة بلا ثغرات "
أومأ له إيجاباً وهو يعطيه بعض الأوراق بينما يتحدث :" هذه تحتاج لتوقيعك "
استلمها منه بهدوء وقد بدأ بالاطلاع عليها بخفة بينما نطق مساعده بهدوء :" صحيح هل رأيت الأخبار اليوم سيدي ؟ لقد تم قطع خطوط الإتصالات بقرية شيزوكا بالكامل "
رفع رأسه محدقاً به باهتمام شديد ليتابع :" ذُكر أن هناك صيانة ما قد تستمر لأسبوع "
قطب حاجباه وهو يشعر بعدم الراحة بسبب هذه الأخبار و ما زاد الأمر سوءاً هو تذكره لكلمات صغيره صباحاً :" أنا خائف ، أكان يمكنك الشعور أن عمي يريدك ؟ ، لدي شعور سيء "
نطق مُحرراً جزء من قلقه :" أتظن أن هذا سبب وهمي فحسب ؟ "
نظر مساعده له بينما بجيب :" الحقيقة أجل ، لما القرية بالذات ؟ ثم بالعادة هم يعلنون عن ذلك قبل يومين على الأقل لا بعد قطع الإتصالات ! الأمر أشبه بعزل و كأن هناك شيء ما لا يريدونه أن يصل ؟ "
نهض آيكو من موقعه وهو ينطق بسرعة :" تولى الأمر اليوم هنا و أترك ما يحتاج لتوقيعي على المكتب فحسب "
أنهى جملته مُغادراً المكتب بسرعة ، القلق نمى بداخله بشدة ، فهو لديه اسرة هناك و إن كان هنالك خطر يحدق بهم سيعمل على إخراجهم جميعاً منها !
*****
وجه أنظاره الحادة ليوشي الذي كان يسجل الملاحظات بصمت و يدين مُرتجفة بسبب البرد الذي بدأ يتخلل لجسده ، هو كان عليه الجلوس بمكان ما يسمح لأشعة الشمس بملامسته عل ثيابه المُبتلة تجف إلا أن حظه السيء ربما و خوفه من المعلم لم يجعله يفكر بهذا !
وجه الصغير نظراته لمعلمه الجديد و الذي نطق بشيء من الاستخفاف :" أيها المُستجد أيمكنك الإجابة على هذه المسألة ؟ "
حدق يوشي بمن أمامه و قلبه ينبض بقوة ، هو خائف حتى من المحاولة و إن كان يعلم أنه قادر على حلها !
ثوان حتى نطق بتردد :" أجل "
رفع حاجباه بتهكم بينما يجيبه :" إذاً الصغير المُهمل من أول يوم يمتلك نوعاً ما من الذكاء ، هذا قد يخفف عنك القليل من المُعاناة هنا ! هيا انهض "
نهض من مقعده بسرعة و أغلق عيناه يسترد القليل من قواه التي فقدها ، و ما إن فعل حتى رآى صورة هوشي المُبتسم بشقاوة لينطق لنفسه :" هوشي ، أريدك حقاً "
أعاد فتح عيناه و ركز بكل ذهنه بالمسألة أمامه فهو لن يبكي هنا ، لن يعطي ذلك المدير المجنون ما يريده ، مهما كان يشعر بالخوف أو الألم و الوحدة لن ينهار امامهم أو على الأقل هذا ما كان يتمناه هو بشدة .
تنفس بعمق ما إن انتهى من الحل و أراد العودة لمقعده الخاص إلا أنه و مع رنين الجرس وقف جميع الطلبة بينما نطق المعلم بحزم :" إلى غرفة تبديل الثياب ثم اتجهوا للساحة ، أمامكم ربع ساعة إن لم يرغب أحدكم بختم اليوم الدراسي بعقوبة !"
أنهى عبارته موجهاً حديثه ليوشي و من أتاه مُتأخراً معه صباحاً ، سار يوشي خلف الطلاب بهدوء و هو يفكر أيوجد له زي رسمي ؟ أو ثياب للرياضة ؟ هو جديد هنا فهل حقاً تم توفير هذا له ؟ ثم على الأقل لو كان هذا صحيحاً عليه أن يسعد لإنه و أخيراً سيبدل ثيابه التي يرتديها مُنذ الأمس !
و بالفعل هو وجد خزانة باسمه و ثياب تلائمه ، لا يعلم لما إجتاحه شعور بأن تاتشو خطط لتواجده هنا منذ البداية ، حرك رأسه نافضاً أفكاره منه فهو بحاجة للسرعة ، لا يريد أن يتم عقابه ليس مُجدداً على الأقل !
إتجه بعدها مع الطلاب الذين انتهوا للخارج و هو يتطلع المكان حوله بشيء من الفضول ، لكن ذلك الفضول بدأ يخبو تدريجياً فور رؤيته لتلك الأسوار المُرتفعة و التي تمنعه من رؤية ما خلفها !
أيقظه من خيبته تلك صوت المعلم الذي نطق ببرود :" قوموا بالركض هنا عشرين دورة ! يمنع الراحة أو التوقف و التخاذل مفهوم ؟ "
هو أنهى عبارته بتحريكه لعصاه الكبيرة بين يديه وكأنه يخبرهم ' خالفوا الأوامر و ستشعرون بها وهي ترسم على أجسادكم الكثير من اللوحات ! '
و تلك الحركة أجبرتهم على الحركة من فورهم دون أي اعتراض ليفعل يوشي الأمر ذاته و يبدأ بالركض بسرعة .
مضت نصف ساعة تقريباً و خلالها كان يوشي قد قطع نصف عدد الدورات بينما يتصبب العرق منه بشدة ، خطواته باتت أكثر بُطئاً و أنفاسه أصبحت أثقل ، أجفل عندما شعر بمعلمه يركض بجواره بينما ينطق بتهديد :" استعد سرعتك خلال عشر ثوان أو أخرج من المضمار لتتلقى عقابك "
شهق الصغير برعب عندما لوح من بجانبه بعصاه بفخر ، هو لن يستطيع فعلها ! لقد وصل حده بالفعل ، ليس مُعتاداً على هذا الأمر المُتعب بالنسبة و بشدة ، أغمض عيناه مُحاولاً تحسين أدائه فهو قطعاً لا يريد الخضوع لذلك العقاب مُطلقاً !
ازدادت سرعته بشكل لا إرادي عندما سمع صراخ أحد الطلبة الذين أخرجهم المعلم تواً و قد تزايدت نبضاته أكثر حتى بات يشعر بأن قلبه سينفجر ، أحقاً هو سيستخدم العصا لضربهم ؟ حاول كتم تلك الدموع التي بدأت تتجمع بعيناه وهو يشعر بأقدامه ترتجف من التعب و الخوف .
شهق بألم ممزوج بالخوف عندما تعثر ليسقط أرضاً ، هو كاد أن ينهض مُجدداً لولا العصا التي وضعت على ظهره مُباشرة و التي جعلته يجفل بقوة لاسيما عندما نطق صاحبها :" لقد خسرت ! لا أصدق أنك ضعيف لهذه الدرجة "
عض على شفتيه بينما يغمض عيناه بكل ما يملكه من قوة مُستعد للألم أياً كان وهو يهمس :" النجدة ! أرجوكم "
*****
توقف ناو عن شرح ما بيده وهو ينظر لهوشي الذي وقف فجأة بجسد مُرتجف ، ترك ما بيده و اتجه للصغير و ما إن كاد يفعل حتى سقط بين يديه فاقداً للوعي ، قطب المعلم حاجباه وهو يستشعر تلك الحرارة المُنبعثة من جسده ، نطق بصوت حازم :" قوموا بالدراسة الذاتية حتى نهاية الدوام ، لا اريد أي ضجيج مفهوم ! "
أنهى عبارته ليحمل هوشي بين يديه و يتجه به لغرفة التمريض و بعدها للمدير ، هو طلب منه استدعاء والده حالاً بعد أن شرح له حالة الطفل .
و لكنه لم يكد ينهي حديثه حتى طُرق الباب ليطل عليهم آيكو ، حدق به ناو قليلاً ليتحدث بهدوء :" سيد تداشي تفضل بالجلوس "
قطب المعني حاجباه باستنكار فهو هُنا فقط ليرى إن كانت حالة صغيره النفسية جيدة أم لا ليقرر أهناك حاجة لتوجهه للقرية بنفسه أم إرسال بعض من الحرس الذين يعملون لديه لتفقدهم و إحضارهم للمدينة إن لزم الأمر ؟
أعاد ناو جملته السابقة طالباً من آيكو الجلوس لينفذ الثاني وهو يتحدث بخفة :" أتيت فقط لرؤية هوشي و الذهاب فأنا بعجلة من أمري "
رفع ناو أحد حاجباه قليلاً وهو يجيبه :" أتعني أن تواجدك هنا بمحض الصدفة ؟ و لماذا تأتي لرؤيته إن كنت تعلم أنه بخير ؟ "
تلك الكلمات بما فيها شيء من الإتهام المُبطن أجبرت آيكو على النظر له بشيء من الانزعاج بينما ينطق :" كلامك يعني أنه ليس بخير صحيح ؟ بأي حال سأذهب لرؤيته "
هو قرر تجاهل ناو حرفياً و نهض ليغادر غرفة الإدارة عندما نطق المدير و أخيراً بنبرة شبه متوترة :" سيد تداشي مهلاً ، لقد فهمت الأمر بطريقة خاطئة ! هو لم يقصد إتهامك لكن أنت متزوج حديثاً و ربما الصغير يتعرض للأذى منها و تحديداً أذى نفسي ؟ "
أعاد بصره لمن أمامه وهو يتنفس بعمق قبل أن يجيبه :" أنت تتحدث عن هوشي ! هو للآن على الأقل قام بما يقارب العشرين مقلب بها وكلها مقالب تجعلها هي تُصاب بمرض ما ! و لو أن ما تقوله صحيح لإشتكى صغيري لي مُباشرة حتى يتخلص منها و يختبرني ، الأمر فقط أنه منذ الصباح يطالبني برؤية يوشي و حالاً ثم يبكي قائلاً أنه لديه شعور سيء "
رمش ناو عدة مرات وهو يجيبه :" يوشي ؟ أتعني أن الصغير قد يكون بمشكلة ؟ "
أجاب بقلق :" لا أعلم لكنني سمعت أيضاً عن إنقطاع شبكة الإتصالات الأرضية هناك ! و هاتف يوشي الخاص مغلق لذا أتيت لأرى إن كانت نفسية هوشي سيئة للآن سيكون علي الذهاب و تفقده حالاً ! "
أومأ ناو له بتفهم قبل أن يهتف :" إنتظر تقول ان شبكة إتصالات الهواتف الأرضية فقط هي من قطع صحيح ؟ "
هز رأسه إيجاباً ليُخرج ناو هاتفه من جيبه و يتصل على هاتف هارو الجوال عدة ثوان ليجيبه الآخر ، و إنتهت المكالمة بطلب من ناو لهارو أن يتفقد منزل أسرة هيتومي و ما يحدث به لاسيما انه أخبره أن يوشي لم يحضر للمدرسة اليوم !
بعثر آيكو خُصلاته و القلق بداخله يزداد أكثر فأكثر ليعود للجلوس مُنتظراً رد هارو عليهم .
و قبل ان يتحدث أي منهم مرة أخرى دخل هوشي للغرفة و إتجه ليجلس بجوار والده بينما ينطق بتعب :" هل اتصلت بأمي ؟"
عبث بشعر صغيره وهو يحتضنه بخفة بينما يجيبه :" الأستاذ هارو الآن سيذهب للمنزل لديهم "
أومأ إيجاباً بهدوء وهو يلتصق بوالده ، و قد أدرك الأول أن صغيره لن يتركه الآن حتى يرى شقيقه !
*****
إتسعت عيناه بصدمة بينما يحدق بشقيقته الصغرى ، هو نطق بتوتر و خوف واضح :" هانا ! بحقك ماذا تفعلين ؟ "
هي لم ترفع رأسها لتراه بل أخفضته أكثر فلم ترغب حقاً بأن يكتشف أمرها الآن !
نطق مُجدداً بحنان :" توقفي عن التصرف بحماقة ! أتظنين أن صغيرك سيسعد حقاً بمعرفة أن والدته قد أجرمت بحق نفسها ؟ "
صمت لثوان قبل أن يُردف بنبرة حاول جعلها هادئة قدر المُستطاع :" و لا حتى طفلك الآخر ! و لأجل ماذا ؟ أتظنين أنه يمكن إخفاء حقيقة ما حدث للأبد ؟ كأكثر تقدير خلال أسبوع واحد سيكتشف آيكو الأمر "
أنهى عبارته وهو بداخله لا يعلم أيصدق ما يتفوه به أم لا ؟ لكن أياً يكن آيكو أب بالنهاية و صغيره تم إهانته على يد عدو له ! لذا إما أن تحركه غريزته كأب أو كمنافس و بكلا الحالتين هذا يعني إنقاذ الصغير !
خرج من أفكاره بسبب تلك الشهقة المرعوبة التي صدرت من شقيقته الأخرى ، عبس بخفة فهو لم يرد تواجدها الآن حقاً ليس بحاجة لشخص آخر يثير الرُعب بداخله أكثر ، لا يدرك كيف له أن يتماسك حتى الآن !
أعاد بصره لشقيقته أمامه و التي لم تتحرك أو ترفع رأسها حتى ، هو ما عاد يعلم حقاً بماذا تفكر ؟ يدرك أن الأمر صعب و بشدة بالنسبة لها , لقد تكرر الأمر أمامها مراراً و تكراراً وهي عاجزة عن التدخل بكل مرة , بالنسبة له يرى شقيقته قوية للغاية , هي لطالما كانت كذلك , لكن يبدوا أن تلك الفترة التي غابها عنها كانت كفيلة بكسرها و إضعافها , هو للآن لا يعلم ما هي الظروف التي واجهتها حقاً حتى تتحطم لهذه الدرجة لكنه يُدرك أن عدم وجوده بذلك الوقت يجعله مُذنب بأياً كان ما حدث لها , هو شقيقها الأكبر و هذه مسؤوليته هو !
أغمض عيناه بينما إقترب ممن أمامه بينما عيناه عكستا عن ألم فظيع يعصف بأركان روحه وهو ينطق بنبرة مُنكسرة :" هانا لا أعلم من أين علي البدأ بالإعتذار منكِ , لكن سأتوسل لك أعطي شقيقك هذا فرصة واحدة ! "
صمت قليلاً عندما رفعت شقيقته عيناها تحدق به ليكمل بذات حالته السابقة :" أعدك لن أُخفق مُجدداً بحمايتك لذا أيمكنك الإعتماد علي مرة أُخرى ؟! أقسم لك بأنني سأصل اليوم لآيكو و أخبره عن إبنكما كما أُقسم لك أنه و بنهاية الأسبوع ستكون خطبتك من ذلك اللعين ملغية , مهما كلف الأمر سأفعل ذلك ! "
هو تقدم منها يبسط يده لها لتضع تلك السكين التي بيدها بها , إقتربت يوري منهما لتنطق بينما دموعها تنهمر بالفعل :" أرجوكِ هانا , لا تكسري شقيقنا أكثر من هذا ! لا يمكنك أن تنهي حياتك بهذه الطريقة البائسة , أنتِ أقوى من ذلك حقاً "
هي نظرت لهما قبل أن تضع السكين بيد شقيقها الذي تنفس بعمق و إقترب منها يحتضنها بقوة مُتمتماً بأنه قطعاً سيفعلها و يحقق وعده لها مهما كلفه الأمر .
******
عيناه إتسعتا بشدة بينما يُمسك بياقة قميص شقيقه الأكبر بقوة وهو ينطق بحده :" كرر الأمر مُجدداً ! و أنت قبلت بذلك حقاً ؟! "
أبعده الأكبر عنه بينما يتحدث بهدوء :" لقد قدمت إستقالتي من الشرطة فحسب , أنا لا يمكنني فعل المزيد هارو ! هذا ضرب من الخيال يا أخي , لقد إستقلت الآن فهل ستتحسن الأمور ؟! إن إعترضت بكل بساطة سيأتي القائد الجديد للشرطة هنا و يعتدي عليك بوسط منزلك , نحن قرية بعيدة تماماً عن وسائل الإعلام , الفقر مُنتشر ماذا تظن سيحدث بحقك ؟ الجميع سيتبع من يمتلك المال و السلطة إما طمعاً أو خوفاً , أعتذر لكن تقديم إستقالتي كان أكثر ما يمكنني فعله "
عض على شفتيه بقهر , ليس وكأنه لا يعرف هذه المعلومة بالفعل على الأقل هو إستقال و أخيراً من عمله هذا و لو لواحد بالمئة يُعيد له ثقته بشقيقه , لكن الآن ليس هذا ما عليه التفكير به حقاً !
هو بعثر خُصلاته الداكنة بينما ينطق بشيء من الضيق :" لا بأس , لنرى من سيمنعني من التوجه للمدينة بأحد أفراد أسرة هيتومي "
شهق شقيقه بينما ينهض لينطق :" إياك هارو , هذا جنون "
نظر له قليلاً بحاجبين معقودان فهو حقاً يمكنه أن يكون مجنوناً مهما بدى هادئاً بالمدرسة و بحدود عمله كمعلم لكن إن حدث وواجهته أمواج الحياة فهو من الأشخاص الذين سيجهزون أنفسهم لركوبها ببساطة , لذا أول ما فعله كان إعادة الإتصال بناو بينما يسير بإتجاه سيارته للتوجه لمنزل أسرة هيتومي , علَ والد الصغير يعثر على مكان تلك المدرسة تحديداً قبل وصولهم حتى !
هو صعد بسيارته عندما شعر بالباب بجواره يفتح ليصعد الأكبر بينما ينطق بضيق :" إثنان أفضل من واحد بمهام إنتحارية كهذه ! "
ابتسامته الدافئة عادت للظهور مُجدداً مُحدقاً بشقيقه بشيء من الفخر , فهو بدأ يستعيد نفسه التي كادت تغرق بالفعل بوحل المحسوبية و المال , وهذا بحد ذاته يدفعه للشعور بالأمل , فمهما كانت الحياة قاسية و صعبة لابد من وجود فئة تبذل كل ما بإمكانها لتُحافظ على إنسانيتها , و يوماً ما لابد أن تنجح هذه الفئة بالصعود للقمة بعملها و جهودها , لابد أن يحدث هذا يوماً !.
*****
إتسعت عيناه وهو يستمع لتلك المُكالمة التي جرت تواً أمامه , هو يقسم لو أن الإنسان من الممكن أن ينفجر من الغضب لكان هو الآن مُجرد أشلاء مُتناثرة بالأرجاء , ضم قبضة يده بقوة بينما عكست مُقلتيه قلقه الشديد , هو عجزت أحرفه حتى عن التعبير و خانته كلماته , ذلك اللعين تجاوز كل الحدود التي يمكنه أن يصمت عنها , بالكاد تجاوز أنه تجرأ و تقدم ممن أحبها بصدق و الآن تطال يده صغيره ؟!
كز على أسنانه بقوة فهو يستحق هذا ! كان عليه قطع يده مُنذ البداية , من تلك اللحظات التي شعر بها أن من أمامه لا ينوي اللعب بعدل , و لكن الآن صغيره يدفعه ثمن شجار سخيف بينه وبين مُختل ما !
أغمض عيناه مُحاولاً تدارك تلك المشاعر عندما تشبثت تلك اليد الصغيرة بقميصه , هو حتى لم يستطع النظر لوجه صغيره الآخر ليس و هو يدرك أي نوع من التعابير ستكون مرسومة على وجهه الآن , بل دون أن يعلم ما هي التعابير المرسومة على وجه توأمه الآن وحده , تسللت شهقة ما من فم صغيره الذي كان يبكي بالفعل بينما يده تشتد على قميص والده بكل وهن , وهذا أجبر آيكو على الإلتفات و إحتضان صغيره مُحاولاً أن لا يبكي هو و الآن , هذا يؤلمه و بشدة لكن عليه أن يجد صغيره أولاً ثم سيتأكد هو بنفسه من إقتلاع ذلك اللعين من جذوره و لو كان آخر عمل سيقوم به بحياته كلها .
إنخفض لمستوى صغيره وهو يهمس بهدوء :" لا تقلق يا صغيري نحن سنعثر عليه و نُعيده للمنزل , و أنت ستعتني به بنفسك موافق ؟ "
إزداد تشبثه بوالده بينما إنهمرت دموعه بكثافة أكبر , فهذا يعني أن يوشي حقاً كان يبكي بالأمس , هو طلب مساعدته لكنه لم يكن بجواره , وخاله لم يحميه كما وعده , و الآن هو لا يعلم أين هو تماماً وهذا يؤلمه و بشدة , نطق بألم :" أريده الآن ! أبي دعنا نذهب له حالاً أرجوك , أنت وعدتني أن نذهب إن لم يجب أحد صحيح أو إن لم يكن أخي بخير ! "
تنفس بعمق ليُبعثر له خُصلات شعره بينما ينطق بهدوء :" أرجوا المعذرة نحن سنغادر الآن "
نطق ناو من فوره بإهتمام :" ماذا ستفعل ؟! أرغب بالقدوم برفقتك و البقاء مع هوشي ريثما تجد موقع تلك المدرسة تماماً "
ابتسم له آيكو بإمتنان بينما يتحدث :" شكراً لك , كنت سأطلب من أبي فعلها ! "
هتف الصغير بإعتراض من فوره :" لن أذهب لأي مكان , لن تجرأ و تذهب من دوني لأي مكان ! سأعثر على أخي معك و هذا نهائي "
هو أجابه بخفة :" ليس وكأنني أنوي جعلك تغيب عن ناظري بهذه الظروف لذا ستأتيان معي للشركة "
شهق بإستياء بينما يتحدث بنبرة باكية :" لما الشركة ؟! علينا الذهاب لإحضار أخي الآن "
تقدم ناو منه لينطق بشيء من الهدوء و الحزن :" لكننا لا نعرف أين هو تماماً , لذا والدك يريد أن يطلب من أحدهم بعض الملعومات حتى نجده ! "
إتسعت عيناه بينما عاد للبكاء بشدة , إن كانوا لا يعرفون مكانه ألا يعني هذا أنهم سيتأخرون أكثر بإنقاذه ؟! هل سيبقى شقيقه بمفرده طوال هذه المدة حقاً ؟ هو يشعر بأن هنالك عام كامل قد مضى على تواجده هناك و ليس أقل من أربعة و عشرون ساعة !
*****
أغلق عيناه فور تأكده من أن شقيقته قد نامت حقاً ليسند ظهره للخلف , هو قطع عليها وعود و أقسم على تنفيذها مهما كانت النتيجة و قطعاً لن يتخاذل بها , لاسيما أنه يرى إلى أي إنحدار قد تصل له أفكارها الآن , يدرك أنها متوترة و ربما أعصابها قد إنهارت تماماً لذا عليه على الأقل أن يبعد ما يؤرقها عنها , كشقيق أكبر ربما ؟!
عاد بذكرياته لماضٍ بعيد كان يراه بذاك الوقت فظيعاً لكنه الآن مُستعد لإستبدال كل حياته للعودة و العيش بظل حُكم والده , يذكر كيف كانا يتشاجران دائماً , والدتهم توفيت مُنذ كانوا أطفالاً وهو قرر العناية بهم بنفسه خوفاً عليهم من أي إنسانة قد تؤذيهم و بالرغم من هذا هو لم يفهم حجم تلك الخدمة التي قدمها لهم , التضحيات التي لم تكن ظاهرة بالبداية , و المسؤولية الشديدة التي ألقى بها نفسه من أجلهم فحسب .
هو كان يتأخر دائماً بالعودة للمنزل بعد يوم كامل من العبث و اللعب بالأرجاء , و لطالما إعتاد على النوم خارج المنزل كعقاب , حتى بدأت هانا تتدخل و تجعله يتسلل من نافذة غرفتها بكل ليلة لتتظاهر بأنه كان يجلس معها طوال الوقت , هي حتى كانت تجهز له بعض الثياب المنزلية و تخفي حذائه و ثيابه الأخرى , كان يظن أنهما بهذا الفعل البسيط تمكنا من خداعه لكنه الآن بات يدرك أنهما من خُدع فقط , هو علم و قبل بذلك بإرادته .
يذكر تلك الليلة التي أخبرهم والدهم بها عن صعوبة العناية بهم وحده , قال أنه لا يتمنى أن يعيش أي منهم مثل هذه الظروف , لإنها حقاً صعبة ومثيرة للأعصاب بشدة , بتلك الليلة هو طلب منه أن يتحمل القليل من المسؤولية كونه الشاب الوحيد و الشخص الذي سيعتمد عليه إن هو حدث له مكروه !
لم يأبه حقاً بتلك الكلمات حتى أتى اليوم الذي كشف به عن مرض خطير يهدد حياة من كان لهم كل شيء , بذلك الوقت فقط هو بدأ يتعلم و يفهم حجم تلك المسؤولية و الألم الذي ينبثق منها , علم أنه بذل حتى جسده و نفسه لأجلهم الثلاثة وحتى لا يشعرهم بالنقص حقاً , أقسم له بأن يحمل هذه المسؤولية هو الآخر و يساعده و أن يجعله فخوراً به , و ربما كان لينجح لولا ذلك الحادث الذي وقع , الآن حاجته بيد من تسبب بدمار مستقله و ربما مستقبل شقيقته لكنه و بأعماق قلبه يدرك أنه لن ينجح بتحقيق أي وعد دون أن يكسر نفسه له !
و يعلم أكثر بأن كونه المسؤول عنها يعني أن عليه تحمل أي شيء بسبيل ذلك , مهما كانت مشاعره و أياً كان كبرياؤه ! .
إستيقظ من أفكاره على يد إمتدت لتحط على كتفه , هو إلتفت للخلف وقد قطب حاجباه بحيرة قبل أن ينطق من يقف خلفه :" أعتذر على ذلك لكنك كنت شارد الذهن و لم تنتبه لي حتى , أنا مُعلم يوشي بالمدرسة و بطريقي لوالده بالمدينة فهل ترغب بالقدوم ؟! "
رمش عدة مرات بغير تصديق فهو بالفعل لم يكن يعلم كيف عليه الوصول لآيكو لذا نهض من فوره طارداً تلك الأفكار من عقله تماماً , فالآن لم يعد هناك مجال للتراجع , توقف أمام المرآة عندما إنتهى من تبديل ثايبه ليصدم حقاً من عيناه المُحمرة , أكان على وشك البكاء حقاً ؟!
تنفس بعمق و إتجه لغسلهما بالمياه الباردة , فبأي حال كل ما يحدث حوله من سيء لأسوء فقط و هذا حقاً يُزعجه و بشدة !.
~ نهاية الفصل ~
قراءة ممتعة .. 😍
أي توقعات للقادم ..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top