الفصل الخامس و العشرين
كان يسير بلا توقف بأرجاء مكتب والده , حدق آيكو بصغيره بينما ينطق بهدوء :" هوشي ما رأيك بتناول القليل من الطعام ؟ "
قطب حاجبيه بضيق شديد بينما يجيبه :" لا ! ليس قبل أن تُعيد أخي لي الآن "
إقترب مُعلمه منه ليوقفه عن السير هكذا بينما يتحدث بشيء من التوبيخ :" لكنك هكذا ستصبح أكثر ضُعفاً , لقد فقدت وعيك بالمدرسة أيضاً كيف ستساعد والدك على إستعادة يوشي إن فقدت وعيك مُجدداً ؟! هو قد يذهب من دونك ! "
شهق الصغير بسرعة و إعتراض بينما يحدق بوالده الذي أومأ إيجاباً من فوره ليعود العبوس يزين ملامحه بينما إرتجفت شفته السُفلية مُعلنة عن عودته للبكاء , تقدم آيكو منه ليحمله بخفة بينما يتحدث بحنان وعطف :" صغيري لا تخف أرجوك , شقيقك قوي صحيح ؟! ليس وكأننا سنتخلى عنه , أُقسم لك يا بُني لن أنام حتى يصبح يوشي بالمنزل و بأمان حسناً ؟ الآن فقط تناول طعامك و كل شيء سيكون بخير "
هو حاول مسح دموعه بخفة بينما يتحرر من قبضة والده و يبتعد عنه قليلاً , ليس وكأنه إقتنع إلا بأمر واحد و هو أنه لا يريد أن ينهار فجأة فيذهب والده من دونه !
بالنهاية إتجه هو لمعلمه ليُمسك بيده حتى يذهبا معاً لشراء الطعام وقد كان ذلك مُتزامناً مع دخول كل من تاكاشي و هارو للمكتب , صمت تام حلق بتلك الأجواء , آيكو حدق بتاكاشي أمامه بشيء من الهدوء المختلط بالذنب بينما الثاني نظر لكل شيء بالغرفة عداه هو !
هوشي و فور رؤيته لخاله تخلى عن يد مُعلمه و إنطلق إليه مما دفع تاكاشي لينخفض لمستواه بينما الصغير شد على قميص خاله وهو ينطق بعتاب :" لقد وعدتني ألم تفعل ؟! قلت أنك ستحميه من المتنمرين ! إذاً لماذا ذلك اللعين تمكن من أخذ أخي ؟! هذا ليس عدلاً , أنت لم تفي بوعدك لي ما كان علي الثقة بك "
شد خاله بإحتضانه له وقد أغمض عيناه بشيء من الألم بينما يجيبه :" آسف حقاً يا صغيري لإنني خذلتك , لكنني لم أكن موجوداً بذلك الوقت و إلا أقسم بأنني ما كنت لأسمح لأحدهم بالإقتراب منه و إن عنى ذلك قتلهم إن إضطررت ! "
هارو إنخفض أيضاً ليبعثر خُصلاته الشقراء بخفة بينما يتحدث بلطف :" تعلم يوشي حقاً لن يرغب بأن يراك تبكي هكذا ! عليك أن تكون قوياً ليصبح هو أيضاً قوي بك ! "
إبتعد الصغير عن خاله ليومأ له إيجاباً بينما يمسح دموعه ليهتف :" أنا سأصبح قوياً و للغاية ! و حينها لن يتجرأ أحد على الإقتراب من أخي مُجدداً أبداً "
ابتسم ناو له وهو يقترب منه بينما يتحدث بهدوء :" أجل عليك أن تكون كذلك و الآن يا صغيري هيا لنذهب لتناول الطعام موافق ؟ "
هو نظر ليد معلمه أولاً ثم حدق بمن بالغرفة قبل أن يمسك بها و يذهب برفقته و قد تبعهما هارو أيضاً و بهذا ما تبقى بذلك المكتب سوى كُل مِن تاكاشي و آيكو .
حدق الثاني بالأول بهدوء وهو يبحث عن كلمات مُناسبة لفتح نقاش معه إلا أن تاكاشي تقدم منه بينما يستحضر بذاكرته آخر لقاء معه عندما لكمه بالحفل !
أغمض عيناه بينما يعض على شفتيه بشيء من الضيق فما ينوي فعله الآن لا يتناسب حقاً مع ما يشعر به بأعماقه , يكره من أمامه و بشدة , وما سيفعله الآن سيدوس على كبريائه للأبد , هو ما كان يتوقع أنه سيأتي يوم ما يلقي بكبريائه بعيداً , ما ظن يوماً أنه يوجد أي أمر أكثر أهمية حقاً منه .
هذا ما كان يظنه حتى رآى تلك السكينة بيد شقيقته الصغرى , تلك التي إعتادت على إستقباله بإبتسامة لطيفة , التي لطالما كانت مأوى له و لكل العواصف التي تعصف بأعماقه مع أنه الأكبر إلا أنها كانت كالأم له , هو فقط حينها أدرك أن كبريائه و كل حياته لا شيء إستعادته لإبتسامتها المُشرقة تلك !
لذا هو انحنى قليلاً قبل أن ينطق بنبرة حاول بها كتم كل مشاعره :" أنا أعتذر و بشدة على كل ما فعلته بالقرية . "
آيكو نظر له بدهشة و ضيق فهو من يفترض به أن يعتذر و ليس العكس ، ثم بحق الإله هذا ليس الوقت المُناسب لفتح مثل هذه المواضيع مُطلقاً .
لذا هو اقترب قليلاً بينما ينطق بإنزعاج :" ماذا تفعل ؟ أيمكنك الوقوف بإعتدال ؟ "
هو تجاهل عبارة آيكو السابقة ليجمع بعض من أفكاره قليلاً قبل أن ينطق بشيء من الألم لحاله ربما :" أنا أريد منك خدمة ما ، أريد مبلغ من المال لكنه ضخم نوعاً ما ، أعدك سأعيده لك يوماً ما او سأفعل أياً كان ما تريده مقابله "
هو حدق به قليلاً بهدوء ، لو أن تاكاشي إحتاج النقود بذلك الوقت لقدم إليه و طلبه منها بشكل مباشر كما الآن !
تنفس بعمق قبل أن يتحرك ليرفعه قليلاً بينما ينطق :" تاكاشي أنا آسف ! لدينا الكثير للحديث عنه لكن الآن كما ترى ليس الوقت الملائم لذلك ، فقط أريد أن تعلم أنني أقسم لك لم أعلم بمسألة تلك القضية سوى مُنذ يوم أو اثنين ! "
قطب حاجباه بينما يحدق بعينا من أمامه ، هناك المئات من الأسئلة و التكهنات لكن الآن حقاً ليس الوقت الملائم لذلك لذا نطق ببرود :" أتوافق على طلبي أم لا ؟ "
بعثر آيكو خُصلاته بينما يعود لمكتبه مُخرجاً دفتر الشيكات له بينما يتحدث :" ضع المبلغ الذي تريده فحسب "
*****
هو بالكاد تناول الطعام بلا رغبة حقيقية منه بينما ينتظر بالحقيقة فقط الإذن ليعود لتلك الغرفة و النوم , لم يعد يرغب بالتفكير بأي شيء , هو يقسم أن هذا اليوم من أطول أيام حياته بالكامل .
لم يشعر يوماً بكل هذا الذُل و الألم بآن واحد , ربما حتى كيجي كان أفضل منهم و من البقاء هنا , لكن بالرغم من كل هذا هو كان يُمسك بذلك الهاتف المُحطم وكأنه يأمل بأن يعود للعمل بمُعجزة ما , أهذا سهل حقاً ؟!
نهض فور حصوله على الإذن بمغادرة المائدة مُنطلقاً نحو الغرفة وتحديداً إلى فراشه , إتجه إليها ليلقي بجسده المُرهق هُناك مُغمضاً عيناه بعد أن قرر إيقاف أفكاره عن التدفق و بطريقة ما هو نجح بهذا فعلاً ليغفو مُحتضناً ذاك الهاتف بين يديه الصغيرتين وكأنه يأخذ منه القوة .
*****
كُل من هارو و تاكاشي غادرا بالفعل عائدين للقرية و معهما أحد موظفي آيكو لمنع أي إعتداء عليهما لاسيما على الأول و الذي خاطر حقاً بالخروج عن أمر تاتشوا و الشرطة هُناك , وهو لو كان قد عثر على صغيره لكان ذهب معهما بنفسه , فهو الآن يمتلك دين ما عليه أن يسده لتاتشوا و يقسم أن لا يعطيه إياه إلا مُضاعفاً !
أعاد بصره لوالديه اللذين كانا يجلسان على الآرائك أمامه بينما صغيره قد غفى بمُعجزة ما بين أحضان جده , هو تنفس بعمق بينما ينظر لهاتفه بكل ثانية عل الفرج قريب منه , لقد وعده مُساعده أن لا ينام الليلة دون إحضار موقع تلك المدرسة اللعينة و التي سيتأكد من هدمها بيديه الإثنتين .
جلس على مقعده الجلدي بينما يتحدث بهدوء :" أبي أيمكنك أخذ أمي و هوشي و العودة للقصر ؟ لكن من فضلك حاول أن لا يصحوا هوشي حالياً "
أراد أن يعترض حقاً على ترك صغيره بهذا الوقت الحرج بالنسبة له , بغض النظر عن قلقه النفسي فهو لم يتناول أي وجبة سوى الإفطار بالصباح , و الآن الليل على وشك أن ينتصف بالفعل و تركه وحده يقلقه أكثر !
ومع هذا لا يمكنه مُعارضة هذا الطلب منه , يدرك تماماً أنه يريد أن يطمأن على صغيره الآخر ربما ؟! و بذات الوقت لا يستطيع أن يتحرك بحرية لو بقي أحدهم يقيد حركته , و من جهة أُخرى هوشي حقاً بحاجة لقليل من الراحة لذا وجد نفسه يومئ إيجاباً و ينهض رغم إعتراض زوجته على ذلك .
و بهذا هو عاد لقصر آيكو برفقته كُل من زوجته و الصغير الذي لم يصحوا من حسن حظهم ربما , بينما لم يغادر ناو مكتب آيكو وقد قرر البقاء برفقته قليلاً .
*****
توقف أمام باب منزل شقيقته بينما ينطق بإبتسامة مُمتنة :" شكراً لك أستاذ هارو على كل شيء "
أومأ له المعني سلباً بينما يجيبه بخفة :" لا أبداً , لا داعي لهذا ، يوشي أحد الأطفال اللذين أحببتهم بصدق و ليس لمجرد أنني معلمه ! "
ابتسم بخفة وهو يتأمل السماء بينما يردف :" و أريد أن أراه بخير ! مُنذ صغره وهو يشق طريقه بنفسه ، لذا أثق أنه سيكون شيء عظيم بالمُستقبل ، هو لديه الإمكانيات و أنا أرغب بأن أكون أحد دعائمه بهذه الحياة "
حدق تاكاشي به بابتسامة صادقة ، وجود شخص مثل هذا المعلم أمامه بات أمراً نادراً و بشدة لذا هو وجد نفسه يشكره مجدداً قبل يفترق كلاهما ، حيث اتجه من فوره لشقيقته و قد وجدها نائمة بوجه شاحب على الأريكة و بجوارها يوري .
نطق بهدوء بينما يتقدم للجلوس أرضاً بجوار الأريكة :" هل حدث أي أمر أثناء غيابي ؟ "
أومأت له سلباً بينما تجيبه بنبرة باكية :" هي لم تنهض سوى مرتين و رفضت تناول الطعام ! "
تنفس بعمق لينهض من موقعه بينما يتحدث :" فهمت , إن إستمر الأمر غداً أيضاً سأحضر لها الطبيب "
نظرت له بينما تنطق بسرعة :" إنتظر و ماذا حدث بشأن الصغير ؟ "
أجابها بينما يتجه لإحدى الغُرف :" والده يعمل على إعادته , و سينجح بذلك قريباً جداً لكن على الأغلب هانا ستفقد حقها بالوصاية عليه ! "
عادت الصغرى للبكاء بهدوء بينما هو ألقى بجسده ببساطة على الفراش مُغمضاً عيناه مُتمنياً أن يأتي الغد بأمل جديد و واقع أكثر لطفاً عليهم .
*****
أغلق تلك المكالمة من فوره وقد كان بالفعل خارج مكتبه مُتجهاً لسيارته بكل ما لديه من سُرعة هو و أخيراً حصل على ذلك العنوان , لم يفكر كثيراً حقاً بأي شيء آخر سوى أنه سيذهب لإستعادة صغيره أولاً و إن كان أحدهم قد آذاه سيفضل تحطيمه ثُم التوجه لأساس المشكلة و هو تاتشو !
مُساعده الجديد و الذي كان يراقبه بينما يغادر مكتبه بكل تلك السرعة و دون أي تدابير أمنية تنهد بتعب , لكنه سرعان ما نفض تلك الأفكار من عقله فهو والد أيضاً و يعلم إلى أي حد ما يمر به مديره حالياً مُتعب نفسياً لذا قرر أن يكمل عمله وهو يتخذ الإجراءات الازمة بمفرده , و أول ما فعله هو الإتصال بالشرطة و تبليغها عن تواجد تلك المدرسة .
****
فتح عيناه بسرعة و شيء من الرعب , لقد حدث تماماً ما كان يخشاه فقد إستسلم للنوم وهم خدعوه و أعادوه للمنزل , ألم يقل والده أنه سيأخذه معه لأي مكان يذهب له ؟! ثم أين شقيقه ؟! ألم يحضره بعد ؟
هو غادر فراشه بخطوات سريعة مُتجهاً للخارج مُتأملاً وجود توأمه هُنا برفقته بالمنزل بطريقة ما , سار بالممر المؤدي لغرفة والده و زوجته وكاد يطرق الباب لولا صوت زوجة والده و التي نطقت بنبرة هادئة حذرة :" والدك لم يعد للمنزل بعد ! "
هو حدق بها بعينان شبه مُتسعة بينما ينطق بصوت مُرتجف :" إذاً كيف عدت أنا ؟ "
ظهر شيء من الإرتباك على ملامح وجهها بسبب تلك الرجفة بصوته قبل أن يتنطق محاولة إبقاء نبرتها هادئة :" جدك أعادك لهنا وقد غادر هو وجدتك مُنذ لحظات فقط ! "
إنهار أرضاً ليعود للبكاء مُجدداً فهذا يعني أن شقيقه لم يعد أيضاً ولهذا رفض والده العودة , لكن لماذا تم خداعه ؟! هو أراد الذهاب و رؤيته بنفسه .
أرجعت بعضاً من خُصلاتها الشقراء للخلف بينما تقدمت بحذر وهي تلعن بداخلها كل من والدها و زوجته , بحق الإله من بين كل الرجال بالعالم هما فقط لم يرغبا سوى بشخص لديه أطفال لتصبح زوجته ؟! كم هذا مقيت بالنسبة لها فالآن ماذا يفترض بها أن تفعل معه مثلاً ؟!
تعلم فقط أنه لا يمكنها تجاهله يبكي أرضاً ببساطة و تذهب للنوم مثلاً , تنفست بعمق لتنطق بهدوء :" لقد إتصل والدك قبل بُرهة أيضاً للإطمئنان عليك , هو فقط قال أنه لن يعود للمنزل دون شقيقك لذا أظن لا يفترض بك البكاء ! فقط عليك أن تثق به "
رفع رأسه ليحدق بها بضيق بينما يهتف :" لن أثق به أبداً ! هو خائن لقد قال أنه سيبقيني معه لكنه لم يفعل هذا , أنا لن أسامحه هذه المرة أبداً "
أنهى كلامه لينهض من موقعه مُتجهاً لغرفته ليكمل بكائه بها بينما هي حدقت بمكان وقوفه قبل بضع ثوان لتنطق بيأس :" أنا حقاً أكره الأطفال ! "
*****
ترجل من سيارته فور وقوفه أمام ذلك المبنى المقطوع , هو حدق به بشيء من الريبة و الحقد الدفين فهل قضى صغيره يوم كامل بهذا المكان المُريب ؟
لا ينكر أن نبضات قلبه تصاعدت إلا أنه لم يكن يعلم أهذا بسبب خوفه على صغيره أم بسبب ذلك الغضب الذي بات يتأجج بأعماقه ؟! أوقف أفكاره تماماً لينطلق للداخل فحسب باحثاً عن صغيره !
لم تكن هُناك أي حراسة حول المكان عكس ما كان يظنه لذا تمكن من الولوج للداخل بسرعة , هو سار بالممرات الواسعة وقد عقد حاجباه بشيء من الضيق فلا يوجد أي صوت لأي طفل أو حركة بالمكان , هو يدرك أن الساعة تجاوزت مُنتصف الليل بالفعل لكن هم أطفال صحيح ؟!
توقف عن السير عندما ظهر له رجل ما يحدق به بحاجب مرفوع و شيء من الإستهزاء بينما ينطق :" من أنت أيها السيد و ماذا تفعل هنا ؟ "
أعاد آيكو له نظرته المُستهزئة بواحدة باردة لا مُبالية بينما يجيبه بهدوء :" أين هو هيتومي يوشي ؟! "
آمال برأسه بخفة بينما ينطق بإستهزاء :" تقصد إبن المرأة التي سيتزوجها السيد تاتشو ؟! ماذا تريد منه يا هذا ؟ "
كز على أسنانه بقوة بينما يسحب من أمامه من ياقة قميصه وهو ينطق بسخط :" لإنه إبني أنا و سأتأكد من إرسالك أنت و تاتشو وهذا المكان للجحيم قريباً "
تراجع الرجل قليلاً بينما ينطق بشيء من الريبة :" ومن أنت ؟ "
أجابه بثقة :" تداشي آيكو "
عض على شفتيه بخفة فهذا الرجل أيضاً رجل أعمال معروف بالبلاد و العاصمة بالذات إذاً ماذا عليهم فعله ؟ لم يخبرهم تاتشو أن ذلك الصغير يمتلك حقاً أب , و ليس أي والد بل رئيس أكبر الشركات السياحية بالبلاد !
نظر لنقطة ما خلف آيكو ليومئ إيجاباً , قبل أن ينطق بابتسامة مُزيفة :" سيد تداشي ! أعتذر و بشدة منك لم نكن نعلم أنه صغيرك ! ما رأيك لو إتجهنا لغرفة الإدارة أثق أننا سنكون قادرين على إيجاد حل ما "
قطب حاجباه بريبة شديدة ، صحيح أنه انطلق و بسرعة بلا أدنى تفكير بالتفاصيل لكنه لم يتخيل أن يكون الأمر بهذه السهولة !
إلتف بسرعة للخلف بسبب شعور ما لديه للخطر لتتسع عيناه فور رؤيته لأحدهم يتقدم نحوه ببطء وبيده خنجر صغير ، ذاك المشهد جعله يحاول الابتعاد عن مجاله بسرعة فالآخر أسرع فور انتباهه له ، هو بالكاد نجى مع إصابة طفيفة بساعد يده اليمنى !
عض على شفتيه فرؤيته لشخص ما يندفع بإتجاهه وبيده خنجر ما لطعنه أعادت له ذكريات مريرة لا رغبة له بإستعادتها مُطلقاً ، ذكريات أنسته حتى شعوره بالألم الذي يصدره ذاك الجرح .
شد على قبضة يده بغضب شديد , لا يعلم كيف يُمكنه السيطرة على ما يشعر به حالياً من مشاعر متفاوتة و لا يدرك أساساً كيف له أن ينجوا بوضع كهذا , لكنه فقط ما تمكن من إبعاد تلك الملامح الغاضبة عن وجهه !
لم يعد يرى ربما سوى وجه من هاجمه بالماضي البعيد و سرق منه توأمه و شقيقه الوحيد ، كاد أن يتحرك هو بشيء من التهور مهاجماً من أمامه عندما شعر بيد تحيط بكتفيه تمنعه من الحركة بينما صوت صافرات الشرطة تصدح بالأرجاء .
حدق آيكو بمن يمسك به ليجده مساعده بالعمل ، هو أخذ نفساً عميقاً عندما شاهد أن الرجل الذي قابله أولاً قد إختفى من المكان بينما الذي هاجمه ألقى خنجره على مضض فور رؤيته لتلك المسدسات تهدد حياته بينما يهتف بحقد :" ستندمون أقسم بذلك ! "
وضع مساعده يده على كتف مديره بينما ينطق بإرتياح :" سيد آيكو أنت بخير ! لقد قلقت عليك و بشدة "
ابتسم له المعني بخفة قبل أن يعيد نظراته لذاك الرجل الذي حاول سلبه حياته بشيء من الحقد , تلك الرغبة بالهجوم عليه و تحطيمه لم تزل منه بعد !
لكن صوت الأطفال المرعوب الذي ظهر فور أن بدأت الشرطة تقتحم المكان وتلقي القبض على من به أعاده للواقع هو ليس هنا للشجار و من أمامه ليس قاتل شقيقه حقاً .
عاد للتحرك بين الغرف وقد شاهد بعض الأطفال اللذين بدؤوا يظهرون من الغُرف و الخوف مُرتسم على ملامحهم , لو كان الأمر بيده حقاً لإتجه لأسرة كل طفل من هؤلاء و قاتلهم !
كيف لهم حقاً إرسالهم لمكان كهذا ؟! توقف أمام غرفة ما عندما لاحظ أن الأطفال الذين يطلون منها بمثل عُمر صغيره تقريباً ليقتحمها من فوره , هو سار بينهم بخطوات سريعة حتى توقف أمام ذاك الطفل الذي إنكمش على نفسه بالزواية , دموعه تجمعت بعيناه وهو ينخفض لرؤية صغيره النائم , مسح على شعره بحنان لينتبه للعرق المُنصب منه , قطب حاجباه بقلق فهل صغيره مرض مُجدداً ؟!
حمله بين يديه بخفة مُحاولاً عدم إيقاظه بالرغم من أن جزء منه يرغب بفعلها للإطمئنان عليه فهل من الطبيعي حقاً عدم إستيقاظه بالرغم من كل ما يحدث حوله ؟!
خلع معطفه و وضعه حول صغيره لئلا يعرضه لتلك النسمات الباردة ولاسيما بهذا الوقت , توقف للحظات يحدق بالشرطة اللذين يعتقلون كل من يروه أمامهم بينما هُنالك باصات أُخرى لنقل الصغار , شد بقبضته على صغيره مُحتضناً إياه بقوة , لا يتخيل أبداً لو تم إمساك صغيره معهم دون وجوده !
الآن مصير هؤلاء الأطفال إما أخذهم للميتم بحجة أنه أفضل لهم من أُسرهم أو القبض على من أرسلهم و إعطاء وصايتهم لشخص يفترض أنه يحبهم .
هو بالنهاية إتجه لسيارته و قد ممد المقعد بجوار السائق ليضع صغيره به ثم اتجه لمكانه ، أغمض عيناه قبل أن يحرك السيارة مُغادراً المكان ، هو بكل جهده حاول نسيان كل شيء بتلك الثانية ، اراد أن تختفي الدموع المتجمعة على أطراف عيناه بفعل تلك الذكريات .
شقيقه مات دفاعاً عنه واضعاً جسده أمامه ، بسبب مجموعة مراهقين ثمليين هاربين من الشرطة ، ذاك كان أسوء يوم يمكن أن يمر بحياته بأكملها ، الأمر كان سريعاً جداً ، عدة ثوان فقط سلبته روحه وكأنه لم يتواجد قط من قبل !
أخذ نظرة سريعة لطفله بينما إحدى يديه تحركت تستقر على جبينه المتعرق ، حرارته مرتفعة بالفعل كما توقع ، أغمض عيناه لثانية قبل أن يفتحها بحقد ، حقاُ عليه إنهاء مشاكله الشخصية مع ذلك اللعين و هي لن تنتهي بوجوده بالقرب منه او منافس له مُطلقاً .
****
الشمس كانت على وشك البزوغ بالفعل عندما وصل آيكو و أخيراً إلى منزله ، هو كان يحمل صغيره بهدوء ، وقد إتصل بالفعل على طبيب الأسرة ليأتي صباحاً و يراه ، حمله حتى وصل به إلى غرفة طفله الآخر وضعه بجواره على الفراش قبل أن يلمح تلك الدموع العالقة على وجنتيه .
تنهد بتعب و نهض ليتجه لجهة صغيره الآخر ، جلس بجواره يبعثر خُصلات شعره بهدوء وهو ينطق بهمس :" هوشي صغيري "
لم يكن واعياً حقاً لكنه أمسك بالغطاء ليلفه حوله أكثر بينما همهم بكلمات غير مفهومة , ابتسم آيكو بخفة بينما هزه برفق شديد وهو ينطق بهمس بالقرب من أُذنه :" ألا تريد رؤية شقيقك ؟ "
تلك اليد التي كانت تُحركه برفق بدأت تُعيد إليه وعيه مُخرجة إياه من ذاك العالم المُظلم الذي كان به قبل ثوان , و مع الأسف رُبما أنه لم يصله ذاك الهمس لذا فقط فتح إحدى عينيه أولاً ليكون وجه والده المُبتسم بخفة أول ما يقابله , هو عبس بحركة سريعة فور تذكره لخيانة والده و إستدار من فوره للجهة الأخرى و ما إن فعل ووقعت عيناه على شبيهه النائم حتى شهق بقوة شديدة و إعتدل بجلسته نافضاً كُل ذرة نُعاس من جسده !
نظر لوالده الذي ابتسم له بحنان بشيء من الشك قبل أن يُعيد ببصره للنائم بجانبه , عيناه ذرفتا الدموع بلا سابق إنذار بينما جسده كان قد إرتجف بخفة , مد يده الصغيرة لتستقر على خُصلات توأمه النائم بجواره بحركة طفولية بريئة للتأكد من أنه لا يحلم , هو قبض عليها بقوة بسيطة فقط ليثق أنه ليس وهم أو سراب قد يختفي و ما إن تأكد من حتى شقت إبتسامته طريقها لتُزين ملامحه الطفولية تلك و بالرغم من دموعه إلتمعت عيناه بسعادة حقيقية , نطق آيكو بسرعة :" لا توقظه هو .."
صمت تماماً عندما رأى أن الأوان قد فات بالفعل فصغيره قفز فوق شقيقه يجلس على معدته بينما يحرك جسده بشيء من القوة وهو يهتف بلهفة حقيقية :" يوشي ! إستيقظ الآن لقد إشتقت إليك "
أنهى عبارته بإنسياب دموعه مُجدداً على وجنته بينما أبعد يديه يضعهما حول وجنتي شقيقه التي إكتست باللون الأحمر بفعل إرتفاع حرارته ومع ذلك هو فتح عيناه بشيء من الذبول وقد كانت مليئة بالدموع بعد شعوره بشيء ثقيل على جسده و بالرغم من أنه كان مُرهقاً و بشدة إلا أن الفزع ظهر على ملامح وجهه .
هوشي حدق بشقيقه بإستياء و ألم بينما يوشي توضحت له الرؤية و أخيراً لتتسع عيناه بشيء من الصدمة , هو حرك كفيه الصغيرين ليفرك عيناه بقوة فهل هو الآن بُحلم ما ؟!
هوشي إبتعد من فوق شقيقه بخفة ليجلس عند رأسه بينما يمسح على شعره وهو ينطق بقلق :" ما بك هل تتألم ؟! هل عيناك تؤلمك ؟ "
هو إعتدل بجلسته ببطء شديد بينما تلاقت عيناه بوالده الذي نهض ليسير بإتجاهه , تجمعت الدموع بعيناه وهو ينطق بشيء من الخوف :" متى أتيت لأجلي ؟! "
صمت قليلاً يحاول مسح دموعه قبل أن ينطق بصوت شبه هامس خائفاً و بشدة من أن يكون ما سينطقه الآن هو الحقيقة :" أنا لا أحلم صحيح ؟ "
هوشي كانت دموعه قد إنهمرت بالفعل فور رؤيته لدموع شقيقه ليحتضنه من فوره وبكل قوة , لم يتحدث أي مُنهما فقط يوشي تشبث بتوأمه بقوة شديدة و الآخر بادله .
آيكو إحتضن كلاهما بحنان وهو ينطق بصوت مُطمأن :" لا تقلق يا صغيري أنت بأمان الآن , أعتذر لإنني تأخرت بالقدوم لأجلك "
كلاهما فقط إبتعدا قليلاً , يوشي تمكن من إيقاف دموعه ونظر للفراش بصمت بينما الآخر لم يستطع التوقف عن البكاء حقاً , هو كان خائفاً على توأمه و بشدة و شعر بالعجز لأول مرة بحياته كلها !
لذا وجد نفسه يرتمي عليه مُجدداً , يوشي حدق به قليلاً بتعجب قبل أن يمسح على شعره بخفة بينما ينطق بنبرة طفولية :" أنا من يُفترض به البُكاء أكثر ! فلماذا تبكي أنت ؟! "
شد على قميص شقيقه أكثر وهو يقربه منه ليردف يوشي بنبرة تُهدد بالبُكاء :" توقف عن البكاء أو سأعود أنا له ! "
ضحك آيكو بخفة ليمسح على شعرهما بينما ينطق بخفة :" لا داعي لذلك , عليكما العودة للنوم و الراحة جيداً الآن "
هوشي أبعد شقيقه عنه بشيء من الهدوء بينما حدق بوالده بحدة و إستياء وهو يهتف :" أنت خائن يا أبي ! وأنا أكرهك ولا أسمح لك بالحديث معي مُجدداً "
رفع آيكو أحد حاجباه بخفة وهو ينطق بيأس :" تداشي هوشي أنت تتحدث مع والدك أولاً , و ثانياً لقد غفوت بسبب تعبك من كثرة البُكاء لذا أعدتك للمنزل ! "
وقف على الفراش راغباً بالصُراخ و الإعتراض أكثر لكن تلك البُقعة ذات اللون القُرمزي و التي كانت ظاهرة جعلته يهدأ تماماً بينما يقترب منه وهو ينطق بقلق طفولي :" هل تتألم ؟! هل الجُرح خطر ؟! "
أشاح آيكو ببصره عن صغيره لينظر لذاك الجُرح , هو توقف عن النزيف بالفعل ليس وكأنه عميق حقاً لكن عليه تعقيمه فقط للتأكد من أن لا يلتهب لذا أعاد بصره بإتجاه صغيراه حيث كان الأصغر منهما يحدق بالجرح بينما يبكي بصمت لينطق بحنان شديد :" أنا بخير ! هو ليس عميقاً أبداً "
إحتضنهما بخفة بينما يكمل كلامه بهدوء :" حقاً لا داعي للقلق علي صغيراي , و الآن عودا للنوم , هوشي شقيقك مريض لذا غداً لن تذهب للمدرسة و ستبقى بجواره لتعتني به موافق ؟! "
ظهرت السعادة على وجهه من فوره بينما يتحدث :" أنا سأعتني به ؟! "
أومأ له إيجاباً وهو ينطق بابتسامة واسعة :" أجل أنت ستفعل فأنت أخاه الأكبر ! والآن هيا عودا للنوم و سأذهب أنا أيضاً للنوم "
أنهى عبارته ليُقبل كُل منهما على رأسه و ينسحب من الغرفة بهدوء , بينما عاد يوشي للإستلقاء على الفراش وقد أغمض عيناه مُحاولاً عدم البكاء مُجدداً , فوالده أصيب و بسببه و هديته الأولى تحطمت لذا يشعر بأن لا حق لديه للحديث معه مُجدداً أو حتى إطلاق ذاك الأسئلة التي بداخله أهو سيبقى بهذا المنزل للأبد ؟ وماذا عن أُمه هل ستبقى بمفردها ؟! وهل هي بخير ؟!
لكن كل تلك الأفكار تبخرت تماماً فور شعوره بيدا شقيقه تحيط به بينما ينطق بسعادة :" نم الآن و أنا أعدك سأعتني بك غداً و أجعلك تستمتع بشدة ! "
لا يعلم حقاً كيف يُمكن لتوأمه أن يبدل مزاجه بلحظات قليلة إلا أنه بالفعل أغلق عيناه ليعود للنوم و هذه المرة بسلام دون الخوف من الإستيقاظ على وجوه أولائك الأشخاص .
*****
فور مُغادرته لغُرفة صغاره تنهد بتعب و إرهاق , عليه التواجد غداً لدى الشرطة أيضاً لتسجيل الإفادات ثُم عليه التوجه للمحكمة فهانا فقدت بالفعل حق الوصاية على يوشي , لكن كيف يمكنه إخبار الصغير بأمر كهذا ؟! يُدرك تعلقه بوالدته لذا سيتألم حقاً !
كاد أن يتوجه للغرفته للنوم عندما سمع صوت زوجته تنطق بهدوء :" هل عقمت هذا الجُرح ؟"
أومأ سلباً قبل أن ينطق بشيء من التساؤل :" ألم تنامي بعد ؟! "
تنفست بعمق بينما أشارت له بيدها ليتبعها وهو فعل حقاً لتُجيبه بذات هدوء :" ليس حقاً , نمت قليلاً لكنني كنت أستيقظ بكل فترة "
إتجهت بسيرها للمطبخ بالطابق السُفلي لتخرج عُلبة الإسعافات الأولية و تعقم له جرحه بينما تحدث هو بهدوء أيضاً :" لماذا ؟ لا أظن أنك تقلقين علي أو على الصغير حقاً "
ابتسمت بشيء من السخرية بينما تجيبه :" أرى أن نفسيتك بخير ! حتى شخصيتك تعود تدريجياً لآيكو الهادئ و الذي تحول لفترة ما لإعصار هائج ! لكن مُحق ليس وكأنني قلقة عليك أو عليه بسبب أمر خاص مثلاً , أظنه فقط قلق من رؤية شخص ما تعرفه وقد إنتهى به المطاف بموت فظيع أو ما شابه ذلك "
أغمض عيناه بينما يجيب :" أنا هادئ ؟! أنتي مخطأة تماماً بذلك , ليس بعد لكنني سأكتم كل ذلك الغضب لأفجره بوجه من يستحقه فقط , أظنني تعلمت درس أو إثنين من آخر مرة أطلقت بها غضبي على صغيري لأكتشف أنه ليس من يعرفني جيداً ! "
أردف بعدها بحيرة :" وفقط إن لم تقلقي بسبب شيء خاص لماذا قمتي ووالدك بتلك اللعبة ؟ أهي بسبب المال فحسب ؟ "
أنهت ما كانت تفعله لتجلس على مقعد مقابل له بينما تتحدث :" بحقك لو كان الأمر يعود لي لما إخترتك أنت ! لستُ بحاجة لرجل لديه أطفال ! أنا حقاً أمقت التعامل معهم , هم فقط ضُعفاء للغاية وكل ما بهم يتوسلك للرحمة ! أكره ذلك الضعف بشدة هذا مقيت "
قطب حاجباه بحيرة شديدة وهو يجيبها :" لكن أليس بسبب هذا يتوجب علينا حمايتهم و العناية بهم ؟! "
نفت سريعاً بينما تتحدث :" إفترض أن هانا ماتت و أنك وجدت فتاة تُحبها حقاً وهي كرهتهم ! أتعلم ماذا ستفعل حينها ؟! سيقل إهتمامك بهم تدريجياً و إن لم تقصد ذلك , رأيت بنفسك ما فعله خطيب والدتهم بصغيرك بوقت أنت ما كنت متواجد به ! ماذا سيحدث لهم حينها ؟! "
أنهت عبارتها لتشيح بأنظارها عنه بينما نطق هو بحذر :" صححي لي إن أخطأت الفهم لكن سوكي هل أنتي خائفة من محاولتك للتعامل مع صغيراي حتى لا يتعلقا بك ثم تكسرين ذلك إن صدر منك تصرف ما يؤذيهما ؟! "
نهضت بينما تعيد خُصلاتها الشقراء للخلف وهي تنطق بسرعة :" ربما , شيء كهذا ! لستً مُستعدة لتحمل أي مسؤولية إتجاههما بل و أرفض ذلك قطعاً , أردت من البداية أن أوضح هذا لهما , و الآن دورك لتوضيح أنني باللحظة التي أعثر بها على شخص أحبه حقاً سأهرب ! "
لم يستطع منع ضحكة هادئة من الإفلات منه بينما يتحدث :" تهربين ؟! وتبلغينني بذلك من الآن ؟! بحقك إن تم إجبارك على هذا الزواج لما لا ننفصل فحسب !؟ ما الداعي للهرب ؟ "
نظرت له بشيء من الهدوء :" أجل بالطبع إن كُنت ستعطيني غرفة ما بقصرك أو تُعيدني للعمل مع شقة ما على حسابك لأول عام على الأقل ! فأنت لا تظن حقاً أن أبي سيقبل بهذا ! "
ضيق عيناه بشيء من الإنزعاج وهو ينطق :" لما يفعل هذا بإبنته الوحيدة ؟! "
أجابته بينما تسير للخارج :" بل لديه إبن وهو ابن زوجته ! سيكون من المذهل حقاً أن أهرب مع شخص أقل ثراء منك لأطرد ! لكن سيأتيان هو لي بنفسه إن كان الرجل الذي إخترته أعلى منك مكانة "
تنفس بعمق ليسند ظهره على الكرسي خلفه , هو الآن يشعر براحة حقيقية أي يمكنه بأي لحظة تأمين عمل لسوكي و منزل ثم الإنفصال و كلاهما سيكون سعيداً و لن يظلمها حقاً !
بمعنى آخر لازال هُناك أما بأن يستعيد كل أفراد أسرته مُجدداً , وهذا بحد ذاته يُشعره براحة شديدة !
****
مُنذ الصباح الباكر غادر تاكاشي المنزل على عجل وبيده الحقيبة التي وضع بها النقود التي طلبها من آيكو بالأمس , مهما يحدث فهو و أخيراً يمكنه إعطاء ذاك اللعين النقود التي وضعها قيد على شقيقته لتصبح حُرة منه تماماً .
مع ذلك ملامحه كانت شاحبة قليلاً , خُصله ذات اللون البُني و التي تتمازج مع اللون الأشقر كانت مُبعثرة تماماً , عيناه ذات اللون الأخضر بدتا ذابلتين وبشدة , وجهه تجمعت به الهالات السوداء صارخة بأنها ما حظيت بالنوم مُطلقاً , بل العكس تماماً كانت ليلة فظيعة عليه .
فكر خلالها بكل ما حدث معه , إستحضر كلمات آيكو حول أنه ما كان له أي علاقة بسجنه و إتهامه علها تخفف القليل على روحه التي يشعر بأنها تتمزق لأشلاء , أن يمد يده طالباً العون ممن يكرهه تؤلمه و بشدة , وفكرة أنه عليه الخضوع لكل كلامه الآن و تصديق أياً كان فقط بسبب هذا الدين تخنقه تماماً .
لطالما فضل أن يعيش حياته بلا قيود و بلا أي رغبة منه بأن يشعر بالإمتنان لأحد , ذاك الإمتنان الذي يُجبرك لإخفاض رأسك لمن أمامك !
تنفس بعمق فهذا ليس ما عليه التفكير به مُجدداً بل الآن عليه فقط التصرف بطبيعته الوقحة و إلقاء هذه النقود بوجه ذاك اللعين و تخليص شقيقته منه للأبد ثم و لو قطع نفسه لعدة أشلاء سيقوم بسد ذاك الدين .
ما إن وصل للفرع إتجه بشكل مُباشر لمكتبه دون أن يأبه بأي من الموظفين الذين حاولوا إيقافه , و من سيجرأ حقاً على ذلك ؟ هو فقط أشبه بحصان بري غير مروض مُستعد لرفس كُل من يقترب منه و يزعجه دون أدنى إهتمام لأي أمر , لطالما كان كذلك و فقط تجربة السجن أعطته المزيد من تلك التصرفات الهائجة !
إقتحم المكتب بالنهاية و خلفه إثنان من الحرس بينما نهض صاحب الشركة من موقعه مُحدقاً بهم بشيء من الدهشة , عدة ثوان ثم أشار للحرس بالخروج و قد إستعاد تلك الإبتسامة الساخرة و التهكمية بينما يتحدث بهدوء :" تاكاشي ! هل نسيت بعض الأداب العامة أثناء تواجدك بالسجن ؟ ما فعلته تواً يُسمى إقتحام للمكان ! "
تجاهله تماماً بينما إقترب منه مُعطياً إياه تلك الحقيبة , هو أخذ الحقيبة من بين يديه بريبة شديدة فحقاً قد توقع منه أن يهاجمه أو يلكمه لما فعله بإبن شقيقته فيجد بذلك عُذر جديد لإعادته للحبس مرة أخرى !
قام بفتحها و أول ما عثر عليه كانت ورقة من المحكمة كُتب عليها بالأعلى بالخط العريض " نموذج الإنفصال " و أسفلها صُفت تلك النقود بجوار بعضها البعض , هو صفر بشيء من المرح قبل أن ينطق :" مُذهل أقمت بسرقتها أم ماذا ؟ "
وقبل أن يتمكن تاكاشي من إظهار أي ردة فعل هو تابع بإستفزاز شديد :" لا تُخبرني أنك طلبتها ممن تسبب بخسارتك لإحترامك لنفسك و عملك ! "
عض على شفتيه بقوة شديدة يريد الهجوم عليه و بشدة لكن ليس الآن , عليه أن يتأكد من إيصال تلك الورقة لشقيقته أولاً لذا نطق ببرود شديد :" وقعها الآن ! "
تنفس بعمق فإهتمام تاكاشي بهذا ووصله لآيكو لأخذ المال يعني أمراً واحداً وهو أن الصغير أصبح برفقة والده وقد يتم إصدار شكوى ضده إن قام أحد الحمقى العاملين بتلك المدرسة من ذِكر إسمه لذا لديه مُشكلة ما أكبر من مُجرد الفوز على آيكو !
و مع ذلك هو إتسعت ابتسامته بينما يخرج قلماً ما و يوقع على تلك الورقة بهدوء , هو سيتصرف بشأن من بالسجن الآن , سيقتلهم جميعاً إذاً عليه فقط جعل آيكو يعيش تجربة فقده لشخص مميز للغاية مُجدداً , و من أغلى من صغاره عليه بالوقت الحالي ؟!
*****
فتح الصغير عيناه بخفة بينما يفركهما بهدوء لعدة ثوان قبل أن تمر عليه أحداث الأمس بالكامل مما دفعه للنهوض من فوره و النظر لجواره للتأكد من أنه لا يحلم حقاً !
شهق برعب عندما وجد أن شقيقه ليس بجواره , هو نهض من موقعه بسرعة وكاد يُغادر الغرفة عندما سمع صوت شهقة ما تصدر من دورة المياه المُرفقة بغرفته , هو سار بخطوات سريعة ليطرق على الباب بشيء من الهدوء بينما ينطق بقلق :" يوشي هل أنت بالداخل ؟! هل تتألم ؟ أيمكنني الدخول ؟ "
عدة ثوان فقط وظهر شقيقه أمامه و قد كانت عيناه مُنتفخة من البُكاء لينطق الأكبر بتوتر وقلق :" ما بك ؟ أمازلت تتألم ؟ "
أومأ له سلباً بينما رفع يده أمامه شقيقه و التي إحتوت على هاتفه المُحطم , رمش هوشي عدة مرات قبل أن يُمسك بيد شقيقه و يجعله يجلس على الفراش بينما ينطق :" أتبكي لإنك حطمته ؟! أبي لن يغضب أُقسم لك ! و إن كنت خائفاً سأخبره أنني من كسره له ! "
عبس قليلاً وهو يجيب توأمه نبرة حزينة :" تاتشوا قم بدهسه ! هو حطمه لي مع أنه هدية أبي الأولى "
آمال برأسه بشيء من عدم الفهم بينما ينطق بتهديد أولاً :" ذلك اللعين إن رأيته يوماً سأجعله يندم أُقسم لك ! "
صمت قليلاً ليُردف :" يمكن لأبي أن يشتري لك واحداً آخر وحتى ذلك الوقت يمكنك إستخدام الهاتف الذي إعتدت عليه بفترة وجودك هنا ! "
أومأ سلباً بقوة شديدة وهو ينطق بضيق :" أخبرتك هو هديته الأولى ! أردت الإحتفاظ به دائماً , يفترض أنه مميز "
كتف ذراعيه فهو حقاً لا يفهم ما يؤلم شقيقه بهذا الأمر ؟! مع ذلك لا يريد أن يرى تلك الدموع تنهمرمن عيناه لذا تحدث بحيرة تعكس ما يشعر به بكل صدق :" لكن أخي ! هو لن يكون حديثاً بعد عدة سنوات أي أنك كنت ستستبدله بالفعل ! ثم حتى إن إشترى أبي لك هاتف ثاني ألن يكون هدية منه أيضاً فما هو الفرق بهذا ؟! "
عبس قليلاً بُلطف بينما يُردف :" أساساً هذا واجبه كأب ! نحن نفسد وهو يشتري لنا غيرها "
توقفت دموعه عن الإنهمار بالفعل بينما حدق بتوأمه بشيء من الجمود أولاً قبل أن تهرب ضحكة ما منه بينما ينطق بتوبيخ بصوت مُتعب :" بل هذه أنانية يفترض أن نشعر به و نقدر ما يحضره لنا ! ثُم أنا مختلف , لم أقابله سوى مؤخراً لذا أحقاً يفترض به إحضار شيء آخر لي ؟ "
أعاد تكتيف يديه لصدره وهو ينطق بجدية لم تُلائم مُطلقاً ملامحه الطفولية اللطيفة :"ماذا تعني بذلك ؟! بالطبع سيفعل هذا لإنه والدك ! إن إعترض فأنا سأتأكد من القيام له بمقلب مُذهل ! "
شهق كلاهما بشيء من الرُعب فور سماعهما لصوت المعني و الذي نطق :" من هو هذا الذي تُريد أن تقوم بمقلب ما له ؟ أتنسى أنك تتحدث عن والدك ! أنت بحق بحاجة لإعادة تربية يا صغيري ! ثُم عن ماذا تتحدثان ؟ ما هو الذي سأفعله لإنني والدكما ؟! "
وقف هوشي بإعتراض بينما ينطق :" لستُ كذلك ! أنا مُهذب حقاً , لكن أُنظر هو يبكي و أنت طلبت مني الإعتناء به لذا من واجبي كشقيق أكبر إيقافه عن البكاء و مُعاقبة المُتسبب بذلك "
ابتسم له بحنان شديد وهو يربت على شعره بينما ينطق بنبرة فخورة :" أجل صحيح , أنت شقيق مُذهل ! "
ابتسم هوشي بسعادة شديدة قبل أن يشهق بسرعة وهو يهتف لنفسه :" كان علي الإستيقاظ مُبكراً لإحضار الإفطار له ! لا مشكلة سأذهب الآن "
أوقفه بصوت ضعيف :" لستُ جائعاً "
عاد إلى توأمه ينقر بأصبعه على جبهته بينما يجيب :" لم يكن هذا سؤالاً ! ستتناوله فحسب حتى تتحسن ! و أعدك بالمساء سنلهو معاً "
آمال برأسه قليلاً وهو يتحدث :" ألن تدرس ؟! أعني لقد تغيبت اليوم بسببي "
ضيق عيناه بينما ضرب إحدى كفيه برأسه بيأس وهو ينطق :" بحقك ! لقد تغيبت أي لا فروض مدرسية لما علي الدراسة من يقضي يوم إجازته بعمل فظيع كهذا ؟! علي تعليمك الكثير حقاً "
آيكو جلس يحدق بهما بصمت دون أن يتدخل بنقاشهما الطفولي ذاك , يشعر بشيء من السعادة ترفرف بقلبه وهو يراهما هكذا , أعاد ببصره لصغيره الذي إمتلك نصف صفاته إن لم تكن كلها ما إن غادر هوشي الغُرفة لينطق بحنان وهدوء :" إذاً لماذا صغيري يبكي ؟ "
هو أخفض رأٍه يشيح ببصره بكل أرجاء الغُرفة , وقد أخفى ذاك الهاتف من فوره تحت وسادته , ما كان ليتحدث بهذه السهولة حقاً بل ربما الآن عقله يحيك له مئات الخطط لجمع المال و إصلاحه بنفسه !
تنفس آيكو بعمق بينما يبعثر خُصلاته وهو يتحدث بلطف :" بأي وقت تظن أنه يمكنك الحديث سأكون هُنا لأجلك حسناً ؟ و الآن إبقى بفراشك فلا أظن أن رأسك بخير حقاً بعد كل ذاك البُكاء , تناول الطعام و عُد للنوم قليلاً موافق ؟ "
أومأ له إيجاباً دون أن ينطق أيضاً لينظر له بحيرة قبل أن يُغادر الغرفة , هل صغيره غاضب منه لسبب ما ؟! هو حقاً لا يعلم أم أنه يشعر بالخجل منه ؟ لكن لماذا ؟ أهي بسبب ذلك الجرح أم ماذا ؟!
بعثر خُصلاته قليلاً فبالنهاية هو سيكتشف ذلك و إن إضطر لسؤال هوشي عن ذلك , الآن عليه أولاً الذهاب للمحكمة فالأوراق ستكون جاهزة بالفعل و من ثم العودة لمكتبه لإكمال ما سيفعله بأسرة كيجي ثم تحين فرصة مُناسبة للإنقضاض على تاتشوا .
~ نهاية الفصل ~
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top