الفصل الخامس عشر
أومأ إيجاباً بخفة لينطلق لدورة المياه بينما يفكر بجدته وهل ستسمح له بالذهاب ؟ لكنه أزاح الأمر من فكره فجده سيتولاه بالطبع , والآن هو يشعر بإنقباضة ما بقلبه هي كذلك الحدس الذي يخبره بأن هذا اليوم لن ينتهي بسعادة كما بدأ !
*****
جلس على سرير الفحص وهو يحدق بالسقف بشرود مُحاولاً شغل نفسه عن التفكير بالطبيب الذي يقوم بمُعاينته ، هو رفض إظهار خوفه له و لجده بما أنه غير معتاد عليهم للآن .
دقائق قليلة و إبتعد الطبيب عنه ليتحدث بهدوء و إبتسامة لطيفة :" لا داعي للقلق عليه ، صحيح أنه لم يشفى بعد لكن هذا طبيعي فهو يمتلك مناعة ضعيفة نوعاً ما لذا قد يمتد لأسبوع ثالث فقط أو أقل "
تحدث سوزوكا بقلق :" إذاً لا خطر عليه ! "
أومئ سلباً ليبعثر خصلات شعر الصغير الذي يحدق بهما بهدوء وصمت بينما تعمل يداه على إغلاق أزرار قميصه بصعوبة :" لا ، سيكون هذا الظريف بخير قريباً "
توردت وجنتاه بسبب المديح وهو يحدق بالطبيب بخجل طفولي ليضحك بخفة بينما يقرص وجنتيه :" لطيف للغاية ! أحسدكم عليه حقاً "
نهض يوشي من موقعه ليختبئ خلف جده ويطل برأسه فقط لرؤية الطبيب الذي ضحك بشدة على ردة فعل الصغير .
بالنهاية هو سار ليخرج له علبة دواء جديدة ثم تحدث موجهاً كلماته للجد :" تفضل عليه أن يتناولها بإنتظام شديد ، و أيضاً إن لم تختفي الأعراض مع نهاية الأسبوع أعده لي لنتأكد من صحته و إن كنت واثق أنه لن يحتاج لذلك "
شعر سوزوكا بالراحة الشديدة فقلبه كان مُحملاً بالقلق على صحة حفيده لاسيما وهو لا يعرف ما هي الظروف التي قاسها حقاً !
نطق يوشي بصوت خافت :" أنعود للمنزل إذاً ؟ "
عبس الطبيب قليلاً وهو يتحدث :" إذاً أيها اللطيف أنت لم تحبني ! "
عاد للإختباء خلف جده وهو يتحدث بتوتر :" أنت قلت أنه يمكنني الذهاب صحيح ؟ "
إبتسم بخفة وهو يشعر بخوف الطفل ليتحدث بلطف :" أجل و أتمنى لك الشفاء العاجل "
شكره سوزوكا بشدة ليغادر كلاهُما العيادة بهدوء ، و ما إن ركبا بالسيارة حتى نطق الجد بتذمر :" يا له من حظ سيء ! أردت أخذك للمتنزه قليلاً لأعلمك القليل من المقالب لكن أنظر للجو هو ينبأ بعاصفة قريبة "
نظر يوشي للسماء الغائمة وبداخله هو شعر بإمتنان عظيم لكون الجو سيء دون أن يضطر لإختلاق عذر ما فهو حقاً يستحيل له أن يصبح كشقيقه مُطلقاً !
*****
سقطت سماعة الهاتف من بين يديه لينطق بغضب مكتوم :" سيندم هو وأبنته على ذلك أُقسم ! "
نهض من خلف مكتبه وهو يبعثر خُصلات شعره الشقراء ليسير مُسرعاً لقسم التوظيف ، هو فتح باب المكتب بقوة مما أثار إرتباك الموظف الذي نهض من مكانه بقلق و خوف بينما نطق آيكو بحده :" أريد مساعد جديد لي وبوقت قصير و إحرص على عدم توظيف فتاة و إلا فقدت وظيفتك هنا مفهوم ! "
أنهى كلماته ليغادر الشركة بالكامل ، ببساطة تم سحب الشراكة مع والد سوكي الذي وضع شرط لإتمام الصفقة بزواجه من إبنته !
كيف له إلقاء إبنته بهذه الطريقة ؟ هو لا يريدها و لا يحبها ! لم يتخيلها يوماً أكثر من مجرد صديقة يخبرها بما يزعجه ، إذا لما خانت هي ذلك ؟
عاد للمنزل و الغضب يشع من عينيه ، نهض كِلا والداه وصغيره بقلق بينما هو ضرب على الطاولة بإستياء لينطق :" لقد سحب ذلك اللعين دعمه ! نحن على وشك الإفلاس "
عقد والده حاجباه بحيرة وهو يجيبه :" أيمكنه سحبه فقط ؟ "
عض على شفتيه بخفة وهو ينطق :" هو وضع شرط أن لا تتم الصفقة دون إرتباطي بإبنته "
هنا نهضت والدته لتتحدث ببهجة :" و لماذا لا ؟ ألست و الآنسة سوكي صديقان ؟ وأنت بالفعل بحاجة لزوجة ! "
حدق بها بإستياء وهو يجيب :" لا ! أنا سوف أجد مستثمر آخر و لتذهب هي ووالدها للجحيم "
شهقت بفزع لتنطق بحده :" توقف عن التصرف كطفل صغير حالاً ! تبقى أمامك فقط أسبوع ونصف على موعد بدأ المشروع اين ستجد مستثمر بهذا الوقت القصير ؟ أتنوي أن تشردني أنا ووالدك بكبرنا ؟"
جلس على الكرسي أمامه بشيء من الإنهيار وهو ينطق بصوت متعب :" أُمي أرجوكي كفى ! لما لا تفهمين أنني لا أريد ذلك "
نظرت له بغضب وهي تنطق بضيق :" أنت لماذا لا تفهم أن تلك المتشردة لا تليق بمكانتك !؟ عليك نسيانها و إحضار طفلك .. "
لم تكد تنهي عبارتها لولا نهوض آيكو الذي هتف بحده :" كفى ! أولاً لا تذكريها بسوء و ثانياً لا تنسي أن هوشي هنا "
صمت كلاهما وحدقا بيوشي الذي كان يحدق بهما برعب ، هو بذل كل ما بوسعه حتى لا يبكي أمامهما ، غضب والده أخافه لكن تلك النظرة المنكسرة بعيناه آلمته !
وحديث جدته عن والدته أغضبه وللغاية وربما هذا ما ساعده على عدم البكاء لكن تلك العبارة التي بترها والده أكانت تخصه ؟ أهي تريد إنتشاله من منزل والدته ؟ أتظن أنه سيقبل بالتخلي عن أمه و تركها وحيدة ؟ هو لن يفعل ولو على جثته !
تراجع للخلف عندما أراد آيكو الإقتراب منه ليختبئ خلف جده ، نظر سوزوكا لهم بضيق شديد ، هو يشعر بأن زوجته السبب بطريقة ما فهي حدثته عن سوكي وكم أنها فتاة مذهلة وتتمناها لصغيرها ، لكن أحقاً قد تُقدم على خطوة كهذه !
نظر بعدها لحفيده المُختبئ خلفه ، هو يعلم بأنه مُختلف عن توأمه ويحلل الأمور بمنطقية ، لذا لابد أنه علم أنها تحدثت عنه !
أول من قاطع الصمت الذي أطبق لعدة ثوان كانت شيزوكا التي تحدثت بحده :" لماذا ما تزال هنا ؟ إصعد لغرفتك حالاً "
شهق بفزع وتراجع للخلف عدة خطوات عندما أمسك جده بيداه وهو يتحدث بحده :" شيزوكا ! سيتوقف النقاش هنا "
أجابته بصوت حاد هي الأخرى :" يتوقف ومن ثُم ماذا !؟ إبنك هذا سيجعلنا بالشارع فقط لأجلها ! "
أجابها بهدوء :" هي حياته وحده ! نحن كوالداه يحق لنا أن نقترح عليه و هو من سيقرر طريقه و علينا أن ندعمه فحسب "
تنفست بعمق قبل أن تتحدث بشيء من الهدوء :" حتى لو كان هذا يعني تحطيمه لنفسه ! "
أومئ إيجاباً وهو يتحدث :" أجل و دورنا لو تحطم أن نجعله يقف مرة أخرى و هو سيكون تعلم من خطأه ! ومن ثُم هو ما عاد طفلاً بل رجل لديه أسرة بالفعل "
توقف آيكو وهو يراقب كِلا والداه ونقاشهما بصمت ، قبض على يديه فهو لطالما كره هذه النقاشات حوله ، لما لا يعطونه القليل من الثقة ؟ أجل والده بصفه ومع هذا يشعر بخيبة شديدة لاسيما وصغيره حاضر لكل هذه المُناقشات .
أما يوشي فقد كان يشعر بالكثير حقاً من المشاعر ، والده لم يتخلى عنه وعن أمه بإرادته ، هو سعيد لذلك و مُتألم لحال والده ، يشعر بأنه يفهمه تماماً ، يعلم كيف تكون حالة الشخص الذي يخفي ألمه دائماً لأجل الآخرين ، ومع هذا نظر لنظرات والده التي تهدد بإنفجار قريب بقلق وخوف .
شيزوكا كانت قد تحدثت بإنزعاج :" حتى لو كبر فهو لازال طفلاً بنظري ! و من ثم هو لا يعتمد علينا حتى بل كان مُعتاداً على هوشي فقط و بعد رحيله .. "
وهذه العِبارة كانت ما فجرت كل الصبر الذي بأعماق قلبه ليصرخ مُقاطعاً لها :" كفى ! حقاً يكفي يا أُمي ، أتظنين أنك تفهمين أي شيء مما أشعر به ؟ لا أحد منكما يفعل بالواقع لذا لا تتحدثي وكأنك تعلمين كل شيء عني "
أغمض يوشي عيناه برعب من الموقف ككل بينما نهضت شيزوكا لتصرخ بالمقابل :" أجل لا أفهم أي شيء عنك سوى أنك بحاجة للمزيد من الحماية "
أجابها بحده :" لست بطفل ! يمكنني تدبير أموري جيداً دون مُساعدتك لذا من فضلك أُمي لا تقلقي علي فأنا سأجد مُستثمر آخر بطريقة ما سواء وثقتي بذلك أم لا "
نهض سوزوكا وهو يتحدث :" لا بأس ، إن وجد مُستثمر ستحل المُشكلة صحيح ؟ "
هي شعرت بالغضب الشديد أهو ينوي إفساد كل شيء حقاً ؟ أم يُفضل البقاء بلا زواج للأبد , ليس وكأنها ستسمح بهذا حقاً لذا نطقت من فورها وبإستياء شديد :" لن أسمح لك حقاً بتنفيذ ما يدور برأسك ! أنت عليك الزواج منها آيكو إن لم ترغب بأن أغضب أكثر ! "
عض على شفتيه بقوة بينما يجيب :" لا ! لن أفعل و أتوسل إليك أنهي النقاش فوراً "
قررت أخيراً الكشف عن ما سرته بداخلها بحيث نطقت ببرود شديد :" تلك الفتاة أنا من إختارها لك ! وأنا من أوحيت لوالدها بتلك الفكرة لإخضاعك بالزواج منها ولهذا أنت ستنفذ ذلك أو أن علاقتي بك ستنقطع تماماً "
شهق يوشي بصدمة شديدة بينما نطق زوجها من فوره بصراخ :" أأنتي مجنونة ! لقد تعديتي كل حدودك , أي أُم هي من توقع صغيرها بالمتاعب ؟ ألا تريدين له الخير أم الشر لإنني ما عدت أفهم ! "
حدقت بزوجها لتجيبه بكل إنزعاج :" وهل إبنك الذي تشجعه دوماً لعنادي أكثر سيستمع لي دون كل ما فعلته ؟! هو من أجبرني على ذلك ! "
آيكو كان بعالم آخر تماماً , هو لم يتخيل أن تصل والدته يوماً لهذه المرحلة ! لماذا هي عنيدة لهذه الدرجة ؟ هو يعترف لقد أخطئ عندما خدع كل من والدته وهانا ! صحيح أنه ما أخبر الأولى عن قرار زواجه بالثانية و أخبر الثانية بأن والدته مريضة فقط لذا لم تحضر حفل زفافهم لكنه فعلها فقط لإنه ظن أن كلتاهما ستتقبل الواقع لاحقاً !
لكن والدته لم تفعل ,هي ما تقبلت من إختارها هو لتشاركه درب حياته بل قلبت حياته وحياتها لجحيم مُطلق حتى إنتهى الأمر بهانا بالإنسحاب من المكان , هي ما أرادت لطفليها أن يكبرا بمثل هذه الأجواء المشحونة , وما كانت راضية على أن تتم إهانتها مراراً وتكراراً ونفسها لم تسمح لها برد الإهانة , وبالنهاية هي مُنذ أن علمت بأنها لم توافق عليها منذ البداية أرادت المغادرة !
كم مرة إعتذر منهما ؟! وكم مرة توسل منهما أن تحاول أياً منهما فهم الأخرى ولو لأجله هو , لكن ما كانت هناك فائدة من النقاش و فوالدته أخذت الأمر شخصياً و إنتهى الأمر وما كانت ستهدأ إلا برحيلها من منزله , هي حتى بالكاد تواجدت بيوم ولادة صغيراه ؟! ليس وكأنها كانت لتوافق عليها حتى لو لم يلجأ لتلك الطريقة , هانا صديقته منذ الطفولة وبكل يوم مضى بينهما كان من الواضح للجميع كم هما متعلقين ببعضهما البعض ولطالما كررت والدته عليه إياك أن تفكر بها فأنا لن أقبل ! وكم من مرة أخبره توأمه بأن لا يهتم لإنه سيساعده للزواج بها و إقناع والدتهما مهما كلف الثمن !
إبتسم بإنكسار فهو رحل قبل ذلك بكثير , لم يقف بجواره و إنما فقط غرس به الأمل و أعطاه الضوء الأخضر ليسمح لمشاعره بالإزدياد و من ثم رحل تاركاً إياه خلفه , لا يعلم كيف فعلها إلا أنه أمسك بحقيبة والدته وأعطاها لها لينطق ببرود مُخفياً خلفه ذلك الجرح النازف بأعماقه :" إذاً إرحلي فما عاد بيني و بينك أي علاقة ! "
إتسعت أعينها بصدمة شديدة , بينما نطق والده بهدوء :" آيكو إهدء الآن ! "
أغمض عيناه قبل أن يصرخ بحده :" قلت لك أخرجي من هنا الآن ! إنسي أنني إبنك حتى فقط غادري و إلا أخرجتك بنفسي أتفهمين ذلك ؟ "
تقدم الصغير من والده ليتحدث بينما دموعه إنهمرت بالفعل :" أبي أرجوك , لا تفعل إعتذر منها الآن ! "
وجه نظرة حارقة لصغيره قبل أن يهتف :" إن لم يعجبك الأمر فغادر معها الآن ! "
إرتعد جسد الصغير ليتقدم سوزوكا وهو يمسك بيد حفيده بينما يتحدث :" لقد قلبت الطاولة ! لقد كانت المخطأة لكنك تعديت حدودك وأصبحت أنت المُخطئ "
أشاح بوجهه عن والده ليتنفس بعمق قبل أن يردف :" لا بأس , سأغادر أنا ووالدتك الآن ولكن حتى أنت وقبل أن تصلح ما أفسدته يمنع عليك دخول منزلنا "
لم يُظهر أي تعبير على ملامح وجهه بينما نظر يوشي لجده وكأنه يتوسله أن لا يفعل ذلك حقاً , وبالرغم من أن الجد فهم ما أراده حفيده منه إلا أنه أمسك بيده وأكمل :" بما أنك حالياً مُستعد لإرتكاب جريمة فسآخذ الصغير معي , عندما تشعر بأنك هدأت أطلب من أحد الخدم إعادته لك "
قاوم يوشي السير برفقة جده وهو ينطق ببكاء :" لا مهلاً , أرجوك لا تتركه بمفرده ! جدي أرجوك "
بالنهاية و مع مغادرتهم رفع آيكو عيناه وهو يحدق بالغرفة التي حتى الخدم لم يجرأ أي منهم على دخولها و التي أصبحت خالية تماماً سوى منه هو , نظر حوله مُقاوماً رغبته بالبكاء أو تحطيم أي شيء , و بالنهاية هو أمسك بمعطفه ليغادر المنزل مُتجهاً للشركة , لن يعود للمنزل دون مستثمر ومساعد جديد فكل شيء فسد ولا شيء أسوء قد يحدث !
****
بعد مضي عدة ساعات كان يوشي يجلس بالحديقة رافضاً الدخول للقصر قائلاً بأن المكان الذي طُرد والده منه لن يدخله هو أيضاً !
خرج جده إليه وهو ينطق بتعب :" صغيري يوشي ! "
مسح دموعه بسرعة وأشاح بوجهه عنه بينما ينطق بصوت خافت :" ماذا ؟ "
أجابه بحنان وهو يجلس بجواره :" سيكون كل شيء بخير "
نظر له بشيء من الإستياء :" كيف سيحدث هذا ؟"
بعثر له خصلات شعره الشقراء :" هي مُجرد يومان فقط ويهدأ والدك , تركه وشأنه الآن أفضل ! "
قبض على يديه بينما يهتف بضيق :" لا ! و من سيرغب بالبقاء بمفرده بينما هو محطم من الداخل ؟ هذا مؤلم لماذا أنتما تكرهانه لهذه الدرجة ؟ "
حدق بالصغير أمامه بدهشة :" نكرهه ؟ صغيري لا يوجد والدان يكرهان صغيرهما ! ربما بعض الأباء يستخدمون أساليب خاطئة و طرق غير صحيحة بمعالجة الأمور ظناً منهم أنهم يساعدونه دون أن يقصدوا التسبب بالأذى لطفلهم "
أومئ سلباً غير مُقتنع بينما يتحدث بهمس مُتألم :" أنتما والداه ! لماذا لا يمكنكما رؤية الألم المُستقر بعيناه ! كيف سيكون بخير وهو إن أراد إصلاح الأمر مع جدتي عليه الخضوع لأمرها ؟! هو لن يجد السعادة مع من أُجبر على البقاء معه ! لن يحبها بل سيمقتها بكل مرة يذكر بها الشجار ! لماذا أنتما تريدان سرقة أبي منا ؟ ما ذنبي و هوشي بكل ما يحدث ؟ "
أخفض رأسه عاجزاً عن الرد فهو حقاً لا يرى ما رآه الصغير بوالده خلال أيام قليلة فقط ! بالنسبة له آيكو لغز يصعب التعامل معه , ذلك الصغير الهادئ و الذي لا يشكوا إلا نادراً , بل ربما هُما لم يحاولا فعلها , فلطالما كان توأمه صوته , فعلى عكسه لم يكن يخشى أن يعبر عن رأيه بحرية ومنذ رحيله إختفى صوت آيكو تماماً وما عاد له رأي , سوى بهانا !
و بالتفكير بالأمر هو بدأ يشعر بكم صغيره متعلق بها , لم يعترض يوماً على أي أمر أو قرار منهما ولكنه يقف الآن أمامهما وبكل قدرته مُجبراً نفسه على فعل ما ليس من طباعه للحصول على موافقتهما .
إستيقظ من شروده على صوت شهقات الصغير لينخفض لمستواه ويحتضنه وهو يتحدث بحزن :" دع الأمر للأيام يا صغيري , من يعلم ربما والدك لن يحاول الإعتذار مُطلقاً ! "
أجابه بإنفعال بينما يبتعد :" بالطبع سيفعل ! هو ليس سيئاً "
تنهد وهو يحدق بالغيوم التي إتخذت من اللون الأسود لباساً لها مُنذرة بذلك بأنها هي الأخرى على وشك الإنفجار بما تحتويه بداخلها , نطق بعد عدة دقائق :" ليس سيئاً واثق من ذلك , لكنه يحب والدتك أكثر مما تتصور و نتصور نحن على ما يبدوا لذا لن يتخذ هذا القرار بسهولة "
أراد أن يتحدث مرة أخرى , أن يسأله بعتاب شديد " وأنت تركته بمفرده ؟! بالرغم من معرفتك بذلك تخليتم عنه وحيداً "
هو يعلم ما معنى أن تتألم دون أن تجد أي شخص بجوارك !؟ وبالرغم من ذلك فعلى الأقل هو والدته كانت تشعر به دائماً , ليس وكأنه لم يصحوا أكثر من مرة وهي تبعثر شعره وتتحدث معه , بل وتطلب منه أن يشاركها ألمه ! هي كانت تعلم أنه يتألم ! ولكن والده لي هناك من يشعر بألمه .
تنفس سيزوكا بإستياء وهو لا يجد أي تفاعل من حفيده , ربما لو كان هوشي هنا لكان التعامل معه أكثر سهولة , لكن هذا الصغير بالفعل يشبه والده , و تفكيره أكبر من عمره الصغير !
نهض من مكانه ليتحدث بصوت هادئ :" يوشي تعال للداخل عندما تشعر بالبرد و لا تنسى أنك مريض للآن "
هو دخل للداخل دون أن يرى تلك النظرة الحازمة بعينا الصغير ! هو لن يترك والده بمفرده لو مهما حدث , يمكنه الوصول له صحيح ؟
*****
حدق آيكو بالملف أمامه بشرود , هو كان يشعر بالفراغ الشديد وتمنى لو أنه لم يعد للمنزل ولم يخبرهم بما حدث ! ربما حينها كان ليتصرف قبل أن يكتشف كل ما كشفه !
أغمض عيناه تزامناً مع طرق على باب مكتبه ودخول رجل بدى بأنه ببداية عقده الثالث , يمتلك شعر باللون البُني الغامق و عينان عسلية , هو إبتسم بلطف طفيف بينما ينحني ليتحدث جاذباً إنتباه من أمامه بخفة :" سيدي أنا هو مُساعدك الجديد هُنا ! "
فتح آيكو عيناه أخيراً مُحدقاً بمن أمامه بهدوء , ألقى بالملف على المكتب لينطق بهدوء :" إذاً أأنت من الأسر النبيلة أو فاحشة الثراء ! "
آمال برأسه بتوتر بينما ينطق :" لا ! الواقع أنا من أسرة متوسطة الدخل ولست .."
لم يكمل لإن آيكو قاطعه ببرود :" جيد لإنك لو كنت منهم لطردتك من فورك "
رمش الشاب عدة مرات ليلقي آيكو الملف الذي كان يتصفحه له وهو يتحدث بجد :" أسبوع ويومان فقط وعلى المشروع أن يبدأ ! أحتاج لمُستثمر ألديك أي أفكار ؟! "
أمسك الشاب بالملف بهدوء وهو يعاينه بكل تركيز و إهتمام و ما إن أغلقه كان هنالك إبتسامة واثقة مُرتسمة على شفتيه بينما يتحدث :" الواقع هناك شخص ما أفكر به ويمكنني تدبير موعد معه الليلة فهو أيضاً خسر مشروع ما ويريد تعويض ! لكنه ليس ياباني الأصل أهناك أي إعتراض على هذا ؟"
أومئ آيكو سلباً ليبتسم مساعده له ويغادر بسرعة للإتصال بمن يعرفه وهو يشعر بالسعادة لإنه بهذا سيثبت جدارته من يومه الأول ! .
******
تساقطت قطرات المطر و أخيراً مُتحررة من أسرها بعد أن ضاقت بها الحال بالأعلى , ما كان يهمها أنها ما إن تغادر المكان الذي تكونت ونمت به ستتلاشى تماماً بل فقط أرادت الحرية و إن كانت مُجرد دقائق ترى من خلالها العالم من الأعلى بينما تهبط مواسية للبعض , و مصدر تسلية لآخر !
و تحت كثافة تلك الأمطار ركض ذلك الصغير بين الشوارع محاولاً إستذكار الطريق الذي أخذها منه جده للعودة للمنزل , و كحبيبات المطر هو ما أهتم بالعواقب الناتجة بقدر ما رغب بالتواجد مع والده و مواساته !
توقف بعد مضي نصف ساعة من الركض وهو يلهث بتعب شديد بينما إحدى يديه الصغيرة وضعت فوق صدره محاولاً إبعاد الألم الذي إشتعل به , سعل عدة مرات بقوة شديدة آلمته أكثر فأكثر , ولكنه ما إهتم بألمه بل عاد للسير ما إن غادره السُعال , خطواته كانت بطيئة تارة و سرية تارة أخرى بحسب مستوى الألم الذي يحيط بجسده .
وبعد فترة أطول هو إنهار بالقرب من شجرة ما , صدره كان يؤلمه كالجحيم وهو يشعر بعجز تام عن التنفس , و الأسوء هو أنه ما عاد يعلم أين أصبح , لقد فقد تمييزه للإتجاهات بسبب الألم والآن هو تائه تماماً !
عض على شفتيه بقلق و هو يلتفت حوله عله يجد من يسأله عن المكان الذي يريده ولكن أنى له أن يجد شخصاً عاقلاً يسير تحت زخات المطر الكثيفة ؟!
ومن جهة أُخرى كان سوزوكا قد خرج لإجباره على الدخول ما إن بدأت الأمطار بالهطول , و ما إن إكتشف إختفائه حتى فزع بشدة ليبدأ بالبحث عنه بسرعة , ولكن وبعد مضي ساعتان منذ إختفائه هو ما عاد يعلم ما عليه فعله , و كل ما خطر بباله هو الإتصال بهوشي و سؤاله فقد يعلم أين يمكنه إيجاد توأمه !
بينما رفض عقله إطلاع آيكو على ما يحدث حتى لا يسبب له قلق أكبر ! .
مضى ربع ساعة منذ جلوسه تحت الشجرة محاولاً الإحتماء بها من الأمطار وكأنها قد تشكل أي عائق أمام تلك القطرات التي إنهمرت بقوة شديدة , كاد يغمض عيناه الزُمردية عندما فزع بسبب صوت الهاتف و الذي نسي تماماً وجوده معه !
هو إبتسم بشيء من الإمتنان لتوأمه الذي تذكره الآن ليجيب من فوره وما إن فتح الخط حتى وصله صوت شقيقه القلق :" أين أنت يا مغفل ؟! وهل حقاً هربت من منزل جدي ؟ ولماذا ؟ وجدي يقول أن الجو عاصف لديكم ! عد حالاً "
عبس بشدة بينما يجيب :" لا أريد , لن أعود ! هوشي أنا أريد الوصول لأبي و المنزل ! "
ضرب الآخر جبهته وهو ينطق :" أخي صوتك يرتجف من البرد أأنت مجنون ؟ أرجوك أين أنت ؟"
حدق يوشي بما أمامه ليعطي توأمه القلق إسم إحدى المحلات التجارية التي يقف بقربها قبل أن يردف بتهديد :" لن أذهب مع جدي ! هو طرد أبي من منزله وتركه بمفرده ! "
بالرغم من الفضول و القلق الذي إعتراه و الرغبة بمعرفة ما يحدث هناك إلا صوت شقيقه و أنفاسه المُنقطعة أرعبته أكثر ليتحدث بسرعة :" ناقش ذلك مع جدي بهدوء وهو سيعيدك أثق بذلك , والآن سأعود للحديث معك لاحقاً "
تنهد يوشي بملل وهو يغلق الخط , لا يريد أن يفشل بالوصول لوالده , لا يريد أن يتركه يعاني بمفرده ! أهذا صعب و مستحيل عليه أيضاً ؟
******
جهز نفسه لعقد الإجتماع الجديد و الذي سيفعل به ما يريده بكل عناد للمرة الثانية بحياته كلها ! لا شيء كان ليمنعه أو على الأقل هذا ما إعتقده هو عندما أتاه إتصال من والده , هو تردد بالإجابة بما أنه لا يعلم حتى لما قد يتصل به بعد ما حدث ولكن وربما من حسن حظ الصغير هو ما كان ليتجاهل إتصاله !
علم من خلال والده أن صغيره هرب من منزله محاولاً الوصول له وأخبره بأنه بمكان ما قريب من الشركة وأنه ما أبلغه بهذا إلا بسبب أزمة السير و قرب آيكو منه !
لم يكن آيكو بحاجة للمزيد ليغادر الشركة مُتجاهلاً من وصل للتوه لعقد صفقة معه , هو لم يخطر بباله حتى أن يجعل أحد موظفيه يحضره بينما هو يعقد إجتماعه , بل كل أفكاره إنصبت على أن صغيره لن يكون بخير فهو منذ ساعتين بالخارج وعليه الوصول له حالاً !
لم يفكر حقاً بكيف حصل والده على مكانه ورجح أنه ربما إتصل به و أخبره عندما أضاع طريقه , وصل أخيراً إلى تلك الشجرة ليجد صغيره يحتضن نفسه عله يبث القليل من الدفئ بأنحاء جسده , ركض بإتجاهه لإحتضانه بقلق و ألم شديد , تشبث الصغير بوالده وهو يظن أنه بحلم فقط , حمله آيكو و عاد به للسيارة ليشغل التدفئة بينما ينزع معطفه ويضعه على صغيره , هو عاد به للشركة بحيث أنها الأقرب و من ثم وضعه بمكتبه و توجه لشراء ثياب دافئة له بينما أعدت له إحدى الموظفات الحليب الساخن و أخرى جففت له شعره بسرعة .
بعد مدة من الزمن إستلقى يوشي على الأريكة بالمكتب بينما والده شارد الذهن يحدق به قليلاً ثم يعود للملفات بين يديه , هو بسبب تصرفه خسر من كان يفترض أن يستثمر معه , ليس وكأنه نادم فهو لازال أمامه بعض الوقت !
فتح عيناه بدهشة عندما وجد صغيره أمامه بينما يجلس أولاً على قدميه ثُم يضع رأسه على كتفه بينما يكمش نفسه أكثر ليصبح مُستلقياً بين أحضان والده !
إستيقظ من دهشته ليلف طفله بمعطفه الدافئ ويضمه له بخفة , كلاهما لم يتحدث مُطلقاً منذ أن وجده , و الآن يشعر بألم فظيع , ترك مقعده و الشركة ليسير بصغيره الذي غفى بين أحضانه وضعه برفق على الكرسي بالخلف , نظر له من المرآة وهو يشعر بالندم , مُجدداً ما شأن طفله ليعيش هذه الحياة ؟ لماذا عليه التعرض لمثل هذه المواقف المؤلمة ؟ لماذا لا يستطيع السيطرة على نفسه أكثر لأجله على الأقل ؟ ألا يكفي أنه حرمه من والدته وشقيقه التوأم ؟
ومن يعرف عن التوأم أكثر منه ؟! هو أوقف السيارة فجأة أمام منتزه ما ليترك صغيره نائماً بالدفئ ويغادر هو , ما كان يشعر بالبرد الناتج عن الهواء الذي يضرب بجسده بين كل فِنية و أخرى , فما بداخله كان أكثر من كافِ لشغله عن كل شيء آخر !
جلس على إحدى المقاعد المُبتلة كحال وجنتيه التي بللتها الدموع التي ما عادت قادرة على الإحتباس داخل عيناه وكم مضى منذ آخر مرة سمح لها بالتمرد و مُغادرة مُقلتيه !
أخرج قلادة ما لطالما إرتداها إلا أنه لم يظهرها يوماً أمام أي مخلوق سواه , حدق بالصورة التي إحتوتها , تلك الصورة التي كان هو بها بخير تماماً وبرفقته توأمه وشقيقه الوحيد !
إزدادت دموعه كثافة وذاكرته تعرض عليه ذلك اليوم المشؤوم الذي إضطر به لتوديعه للأبد , صدمته وعدم تصديقه ! رفضه للذهاب للكنيسة مع أسرته لإكمال مراسم دفنه إلا إجباراً , بكائه ومحاولة منعهم من دفنه بعيداً عنه , وكم يتمنى يومياً لو أنه من تم دفنه بذلك اليوم , لطالما كرر عبارات مثل " ليتني قادر على الموت بدلاً منك ! "
حرك يده بين أنامله فلماذا لا يوجد من يفهم مشاعره الآن ؟! فقط على الأقل شخص واحد يواسيه و يفهمه , شخص لا يفهم تصرفاته بطريقة خاطئة , إنسان قادر على معرفة ذلك الألم الذي يحاول إخفائه يومياً .
نظر للصورة التي إبتلت بدموعه ليتحدث بإبتسامة منكسرة :" آسف حقاً , لكنني أعدك سأكون أب جيد و إبن بار "
أغمض عيناه مُحاولاً بلع كمية الألم من العبارة التي ينوي أن ينطقها تالياً :" و زوج جيد ! فكما ترى لا أحد يهتم حقاً بحالتي ومشاعري , لذا سأفعل أنا ذلك , سأخفي ألمي جيداً أعدك , لذا فقط هذه المرة ! سأبكي فقط هذه المرة "
هو وضع كلتا يديه على وجهه دون أن يلاحظ حتى ذلك الصغير الذي يقف خلف المقعد و الدموع تشق وجنتيه بقسوة شديدة , ولم يدرك كم تمنى صغيره أن يأخذ أحزانه بأكمالها لنفسه !
إحتاج عدة دقائق لينطق بصوته الطفولي الباكي :" أبي ؟! "
إنتفض آيكو من مكانه وهو يمسح دموعه بسرعة ليرسم إبتسامة مُغتصبة على شفتيه وهو يحمل طفله بينما يتحدث بخفة :" آسف يا صغيري ! حقاً والدك آسف , أعدك سأصبح والداً أفضل ! ولكن لهذه المرة فقط أعرني قوتك أرجوك "
لف الصغير يديه حول رأسه والده وبدأ بالمسح على شعره وهو ينطق بهمس :" دائماً , يمكنني دائماً أن أُعيرك قواي ! فقط كُن بخير أرجوك يا أبي "
هو أراد أن يخبره بأنه سمعه , وأنه ليس بحاجة للقلق عليه فهو يدرك أنه أب جيد بالفعل , ولكن أهذا من حقه ؟ ليس هو من يعيش مع والده بل توأمه ! كيف ستكون ردة فعل شقيقه إن علم بزواج والده ؟! سيتألم بالتأكيد وربما لو كان شاهداً على ما يحدث لكان الألم مُضاعفاً !
*****
إستلقى كلاهما على ذات الفراش بعد أن أخذا حماماً دافئاً لينطق آيكو بأسف حقيقي :" هوشي أنا آسف حقاً يا صغيري "
نظر له صغيره بقلق هو يتحدث :" لماذا يا أبي ؟ "
أجابه بصوت مخنوق تماماً :" لقد وافقت على الشرط لأعتذر لأمي بالغد لذا آسف حقاً "
ومع أنها النتيجة التي توقعها إلا أن دموعه قد خانته بالنهاية , مُتألم لحال والده وشقيقه , يتمنى لو أنه قادر على المُساعدة لكن ماذا سيفعل هو ؟ و خائف ماذا لو تخلى والده عنهما لاحقاً ؟ هذا سيؤلمه بالتأكيد و يؤلم شقيقه أضعاف ما سيشعر هو به !
تحدث بنفسه :"لا تعتذر لي فأنا لست بمنزلي ! ولكن هوشي سيتألم , و أمي ستتألم و أنت أيضاً تتألم بل وظلمت نفسك بهذا ! "
عاد الألم ليحتل صدره ليس وكأنه إختفى حقاً لكن الألم كان يتراوح بقوته والآن هو بأوجه , سعل بقوة لينهض آيكو بسرعة ويحضر له كوب من الماء ولكنه ما عاد إلا ليجد صغيره فاقد للوعي تقريباً بينما نفسه مُضطرب , هو تقدم منه برعب وإزداد رعبه بحرارة صغيره المُرتفعة !
حمل الصغير من مكانه وأسرع لدورة المياه حتى يحممه بماء بارد علها تساعد بتخفيض حرارة جسده الذي ينتفض من الحُمى , وما إن إنتهى حتى أعاده للفراش وبدل له ثيابه , شعر بقليل من الراحة بإنخفاض درجة حرارته قليلاً , هو يذكر أن والده أخبره أن صحته بخير إذا ما به الآن ؟
بدأ بالعناية به بينما يظن أنه تعب فجأة بسبب وقوفه تحت المطر لعدة ساعات لهذا اليوم إضافة للصدمة التي تلقاها قبل قليل و كم غلفه الندم لإخباره بطريقة مباشرة بدلا من إيجاد طريقة ألطف لا تؤذيه ! .
~ نهاية الفصل ~
اعتذر على التأخر حقاً لكن الظروف خارجة عن يدي حقاً !
الفصل ٤٠٠٠ كلمة كتعويض و اعدكم بعد مرور الأسبوع القادم سيعود التحديث لسرعته بإذن الله 😍
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top