الفصل الثلاثين و الأخير

مُحافظة ساغا كانت و تحديداً المنطقة التي تواجد بها الصغيران كانت عبارة عن ساحل يكتظ بالعديد من السكان و الأسواق و الأراضي الزراعية إلا أن البقعة التي تواجد عليها الصغيران ما كانت سوى أراضٍ جبلية غير مأهولة , و للإتجاه للمدينة سيكون عليهم النزول من الجبل إلا أنه كيف يمكن لهما إدراك ذلك حقاً ؟!

كلاهما كان يركض بأقصى سرعته دون المعرفة بأنهما بمحافظة مختلفة عن تلك التي كانا بها مع والدهما , و للحق هذا لم يشغل و لو حيز صغير من أفكارهما التي كانت مُنحصرة بالإبتعاد لمسافة بعيدة قبل أن يستقرا , تنفس كلاهما أصبح أكثر صعوبة فالمسافة التي إضطرا لقطعها ما كانت بتلك السهولة حقاً ! .

لذا أمسك الأكبر بيد شقيقه يجبره على التوقف قليلاً بينما ينطق من بين أنفاسه :" لقد فقد ذاك الرجل وعيه , و الآخر قال أن لديه عمل ما عليه القيام به لذا لنبحث الليلة فقط عن مكان نرتاح به و بالصباح نبتعد لنجد المدينة ؟ "

نظر يوشي له بقليل من التوتر , هو يدرك أنه لن يتمكن من الإستمرار بالركض أيضاً مع ذلك مازال يشعر بالخوف , الليل قد حل و والدهما تأخر إذا حدث و إضطرا لمواجهة تاتشو و من معه مُجدداً ماذا يفترض بهما فعله ؟!

هو نظر لشقيقه و عيناه عكستا تلك الحيرة التي تجمعت بقلبه ، هوشي بادله النظرات بأُخرى مُتشابهة ، هما هربا من ذاك المختل لكن هل الغابة أكثر أماناً لهما ؟!

بالنهاية هو أجبر نفسه للخروج من تلك الأفكار فلا حل أمامهما سوى المُتابعة حتى يعثرا على مكان آمن فقط !

لذا أمسك بيد توأمه مُجدداً ليبدأ بالسير لكن بخطوات هادئة لا راكضة بينما ينطق بخفة :" أخي نحن سنقاتل حتى النهاية ، بأي حال لنبحث عن مكان ما جيد أو من يعلم قد نصل لقرية أو مدينة إن تابعنا السير "

الآخر سار بصمت بجواره و هو غير قادر على إبعاد تلك الأفكار عنه ، هما طفلين و لو أراد تاتشو أن يتصرف بشكل جدي أكثر مما يفعله الآن لما وجد أي منهما فرصة للهرب بل التفكير حتى !

هو يدرك حقاً ما يمكنه فعله فهو ذاته من أدخل خاله السجن و جعل الأمر يبدوا كما لو أن والده من فعلها .

هوشي لم يعجبه ذاك الصمت مُطلقاً ، هو يوتره أكثر بالرغم من أنه يحاول إقناع نفسه بأنهما سيكونان بخير ، شد على يد توأمه يفرغ جزء من الضيق و الخوف الذي بدأ يعود إليه بينما يهمس لنفسه :" ماذا علي أن أفعل الآن ! لو كان أبي هنا ماذا كان ليفعل ؟ "

ما إن أنهى تساؤله ذاك حتى عبرت ذكرى ما على عقله ، بذلك اليوم قطعت الكهرباء بالقصر و فوق ذلك كان هنالك عاصفة قوية تضرب المنطقة ، الأصوات بالخارج إضافة للرعد أرعبته حقاً !

النوم هرب من عيناه بينما كان أكثر جُبناً من النهوض و الهرب لغرفة والده ، هو غطى جسده الصغير بالكامل بعدة أغطية و حاول إجبار نفسه على النوم دون جدوى .

شهق برعب شديد عندما شعر بضوء خافت بالغرفة و حركات ما ، قلبه كاد يتوقف حقاً عندما يد ما إمتدت لتُبعد الأغطية عنه إلا أن صوت والده الذي نطق بسرعة و شيء من القلق :" هذا أنا فقط اهدأ "

بتلك اللحظة هو أبعد الأغطية بالكامل و ألقى بجسده بين يديه ، و والده بالكاد تمكن من منع نفسه عن الضحك بينما يستلقي بجواره و هو يتحدث بخفة :" لا تخف أنت بخير ، من الجيد أنني استيقظت بفعل الرياح إذاً و إلا كنت ستبدوا كالأموات بالصباح "

تلك الكلمات التي رآها الصغير ساخرة جعلته يغضب بينما ينهض من مكانه مُكتفاً يديه لصدره و هو يجيب :" لست خائفاً ! لكنك من تسلل لغرفتي كاللصوص ، كن شاكراً أنه لا يمكنني رؤية أدواتي الخاصة بالمقالب بهذا الظلام ! "

تلك العبارة و هيئة صغيره ككل أجبرته على الضحك بقوة بينما يحتضن طفله إليه و هو ينطق :" حسناً أعتذر صغيري ! و الآن ما رأيك بأن نتحدث حتى تنام ؟ "

آمال برأسه قليلاً و هو يجيبه بحيرة طفولية :" نتحدث ؟ ألم يتأخر الوقت ؟ "

بعثر خصلات شعر الصغير بينما يجيب بلطف :" هذا سيطرد أي خوف نشعر به صحيح ؟ سنتحدث معاً حتى نغفو "

إستلقى و أخيراً بجوار والده بينما ينطق بتحذير :" لا بأس لكن لا تنم أولاً و إلا ستنضم للقائمة "

ابتسم الصغير فور انتهاء تلك الذكرى ، كلاهما خائفان إذاً ربما فتح مواضيع مختلفة للحديث عنها تجعلهما أفضل حالاً ؟

هو أدار وجهه سريعاً لتوأمه بينما ينطق بفضول :" يوشي لما طلبت من أبي بذلك اليوم أن يعطيك غرفة مستقلة ؟ "

قطب الأصغر حاجبيه سريعاً فهو لا يفهم لما تذكر توأمه هذا الآن إلا أنه أجاب بضيق :" أنت قلت أنني ممل ! "

نظر له هوشي بحاجب مرفوع بينما يتحدث بعدم اقتناع :" أهذا سبب كافٍ حقاً ؟ "

تنفس بعمق شديد مُفكراً قليلاً قبل أن يتحدث بتردد :" أنا اعتدت على سماع كلمة ممل دائماً من الجميع و بالعادة ما إن يقولها شخص ما فهو يبتعد عني "

قطب الأكبر حاجباه سريعاً و هو يهتف :" من هو فاقد العقل الذي قد يفلت يدك ؟! و أنا شقيقك الأكبر لست كأي شخص "

رمش قليلاً قبل أن ينفخ وجنتيه كنوع من الاعتراض بينما يجيب :" لا يمكنك ابعاد جملة شقيقك الأكبر مهما كان الموضوع صحيح ؟! بأي حال أعتذر ليس و كأنني أعلم أن الشقيق مختلف بما أنني لم أحظى بواحد او لم اكن اعلم بوجوده "

لم يرق للآخر حقاً الأمر لذا نطق بإستياء :" لكن هذا لا يبرر ذهابك لأبي و إخباره بالأمر ! يفترض بك الحديث معي أنا فأنت هي نسختي اللطيفة لا يجوز أن ندخل أحد بيننا , كان بإمكانك حتى أن تضربني بالوسادة إن عجزت عن الإعتراض "

حدق يوشي به بخفة قبل أم يجيب بصوت خافت يخفي خلفه خجله :" لم أذهب لأبي هو رآني أبكي بالحديقة "

لم تكن هذه الإجابة كافية لإبعاد العبوس عن وجه هوشي الذي تحدث بعزم :" و لا يسمح لك بالبكاء بمكان ما وحدك أيضاً ! قلت لك ذلك من قبل ! بأي حال حقاً كيف بدأت تتعلق بالكتب ؟ "

لم يكن هوشي حقاً غير مُدرك للإجابة , هو رآها مُسبقاً بدفتر مُذكرات شقيقه الذي وجده بغرفته , لكن لديه تلك الرغبة بالتأكد من أن يوشي سيخبره بها حقاً بلا أي تردد , أو خجل يريد أن يكون الأقرب إليه دائماً , حتى عندما رفض تعرف طلاب فصله لشقيقه لم يقصد أنه يريد إحتكاره لنفسه لكن فقط هو كان خائفاً ماذا لو تواجد بعض الحمقى كتيد ؟ يصادقونه لأجل والدهما فقط ؟ و بما أنه عجز عن الوثوق بهم لم يرغب بأن يقترب توأمه منه .

وجه بصره لتوأمه الذي كان يحدق بالأمام بشرود و هو ينطق بينما خُصلاته أخفت عيناه تماماً :" لقد كانت الأنسب لوضعنا ! أعني أنا و أُمي , الألعاب ثمنها مرتفع خاصة تلك الإلكترونية منها , و هي التي كانت مُنتشرة "

صمت قليلاً قبل أن يردف بشيء من الحُزن :" أعلم أن أُمي كانت لتشتريها لي مهما كلف الأمر لكن لم أرغب قط بأن تتأخر عن العودة كثيراً فقط لأجل لُعبة ! بالطبع لم يكن جميع الأطفال بالمدرسة قادرين على شرائها بل كيجي و عدد من الطلاب بشكل محدود "

تنفس بعمق قبل أن تظهر حدقتيه و قد بان بهما الكثير من العزم و الثقة التي إنعكست على صوته بينما يتابع :" و هم كانوا يجعلون البقية يؤدون مهامهم لأجل دعوة لمنازلهم للعب ! لم أكن يوماً موافقاً على فعل ذلك ! ما لا أمتلك نقوده لا أريده , ثم لقد وجدت أن الكُتب مُسلية حقاً إن بدأت بالإبحار بها و إن كنت حقاً بالبداية أكرهها ! "

هو توقف و ابتسامة خافتة على وجهه أمام شقيقه و نسخته كما يدعوها لقد أخبره بالحقيقة , بالرغم من قلة التفاصيل لكنه يثق أن هذا ربما أكثر ما آلمه , و يوشي دهس على قدمه بقوة وهو يهتف بحدة عله يُبعد إحمرار وجنتيه :" و أنت بالفعل رأيت ذلك بدفتر مُذكراتي صحيح ؟! "

بالرغم من أنه شهق بألم أولاً إلا أنه ضحك بخفة بينما يحتضنه , هو نجح بإبعاد الخوف عن كلاهما بهذه المُحادثة و فوق هذا تأكد من أن شقيقه يعتبره صديق و شقيق جيد لإنه أخبره !

*****

بمشفى العاصمة جلست شيزوكا بجوار سوكي التي كانت نائمة بينما تنطق بقلق و دموعها تنهمر :" آيكو لم يتصل بعد ! ألا يعني هذا أنه لم يعثر على الصغيران بعد ؟ كيف قد تتحول رحلة عائلية لكارثة كهذه ؟! "

لم يجبها زوجها الذي إستمر بالنظر للسماء بنظرات ذابلة , لا يرغب بتخيل عودة آيكو دونهما أو بأحدهما , أو بعودتهما دونه , يدرك ربما أنه إن لم يعد الثلاثة فصغيره سيذبل و يرحل بعيداً عنهم , لن يحتمل صدمة كهذه مُجدداً فإن كان لازال يلوم نفسه على ما حدث لتوأمه وهي لم ما كانت غلطته حتى إذاً كيف إن خُدش صغيراه بسبب عدو له ؟

لم يكن تلقي خبر خطف الصغيران بالأمر الهين عليهم مُطلقاً , هو يرغب بالسفر و البقاء بجانب آيكو لكن ماذا يمكن لشخص بعمره أن يفعل سوى إعاقة طريقته و زيادة قلقه ؟ لا يمكنه سوى أن يدعو عودة صغيره و حفيداه بخير .

ليس وكأن أفكاره منحصرة على إبنه و عودته دون أحدهما أو كلاهما بل إن قلبه ينبض برعب و ألم بكل لحظة تمر عليه فكرة ما بإختفاء صغيراه , هما كنز هذه الأسرة ! عند ولادتهما و لو للحظات نسي الجميع خلافاتهم و تحديداً زوجته و هانا , لقد بدى له بذلك الوقت أنهما من سيحضران السلام لهذه الأسرة المشتتة فهما من أدخل البهجة على قلوبهم جميعاً بحضورهما لهذه الحياة .

لا يمكنه أن لا يذكر أول مرة حملهما بها و داعبهما , ألمه عند رحيل يوشي مع والدته , كل تلك المشاعر كانت تراوده عندما شعر بدمعة تسيل من عينه ليمسجها سريعاً و يعود لإغلاق عيناه داعياً بإعادتهما سالمين مع ابنه و عدم تحقق أي من أفكاره المأساوية تلك .

*****

تشبثت يده بيد توأمه و هو ينطق بإعتراض :" لا , أخي ما أدراك أن هذا الكوخ غير مأهول ؟! قد يُعدنا أصحابه سارقين , ثم ماذا لو كان الأعداء به ؟! "

نظر هوشي إليه بملامح مُتعبة ليتحدث :" لقد تعبت من السير و هذا أفضل من النوم بالخارج ! أرجوك يوشي إن كان هنالك أسرة ما بالداخل قد تساعدنا صباحاً بالوصول للمدينة صحيح ؟ "

نظر يوشي إليه بنظرة مُترددة , فهو أيضاً مُتعب و بشدة , هذا اليوم كان أطول بكثير مما يمكنه إحتماله و حدثت عدة مواقف لا يدرك كيف تماسك بها لذا حدق بالكوخ للحظات بضعف , هو خائف من قضاء الليل بالخارج و حقاً يتمنى أن لا يندم و شقيقه على مثل هذا القرار !

و بهذا دخل كلاهما للكوخ الذي لم يكن مُغلقاً ليجلسا على الأرضية بالممر دون التوغل للداخل قبل أن يغفو كلاهما دون أي تفكير , لم يكن كل ما خاضه كلاهما أمراً سهلاً بل صعباً وبشدة , لا يعلمان حقاً إن كان هذا الكوخ قد ظهر لهما كنوع من الإنقاذ أم للدخول بجحيم مختلف لكن كلاهما قبل بالمُراهنة فالتعب الذي ألم بجسديهما كان أكثر من كافٍ , أكثر حتى من قدرتهما على ملاحظة ذلك الشخص الذي وقف بنهاية الممر الذي ينامان به .

*****

لحظات الفجر الأولى دائماً ما تكون بالعادة مليئة بالتفاؤل و الأمل ، إلا أنها هذه المرة و بالنسبة لآيكو ما حملت تلك المعاني بطياته ، بل بدى له أنه كئيباً بشدة لا فرق بينه و بين الغروب !

هو وصل تواً لمحافظة ساغا و تحديداً لمركز الشرطة الخاص بهم ، كان يستمع للضابط أمامه بملامح شاحبة ، هم تمكنوا من تحديد مكان هبوط الطائرة تماماً و سيبدؤون بتعقبها ما إن تبزغ الشمس ، لكن أيمكنه إنتظار ساعة أو اثنتين حقاً ؟

لذا هو وجد نفسه يعض على شفتيه بينما يُغادر المركز بصمت ما إن وصلته معلومة ذاك الموقع ، سينطلق قبلهم دون أن ينتظرهم فصغيراه هناك و هذا أكثر من كافٍ له !

ردة فعله الصامتة تلك و تحركاته المُريبة كما وصفها المسؤول عن المركز أوحت له بما ينوي هذا الأب فعله لذا تنفس بعمق قبل أن يهتف :" الوحدات التي أوكلت لها مهمة البحث عن الصغيرين لتتحرك الآن برفقة والدهما "

حدق به المعنيون لبرهة من الزمن بإعتراض و البعض أسرع فحسب لتجهيز ما يحتاجونه لدخول الجبل الآن .

*****
الصدمة ، الغضب ، الحقن ، و الاستياء كلها تجمعت بتلك العينان التي تحدق بالكوخ الفارغ إلا من الأحمق الذي قام بدفع نقود له لأجل الحفاظ على تواجد الطفلين هنا !

هو كز على أسنانه يذكر ما حدث معه منذ لحظة إستيقاظه الأولى ، تلك الرسالة التي عثر عليها من مُساعد كازو توكا رئيس المافيا الأولى باليابان و الذي كان قد إستعان به لضمان نجاح خطته بقتله للصغيرين !

تلك الرسالة كانت توضح ببساطة و برود أنه ينسحب من المهمة لإنه شاهد أن المتعة الحقيقية هي برؤية ذلك الصغير يكبر أكثر لذا أعاد المال المدفوع لهم و فوق هذا هدد أنه إن قُتل الطفلين فقاتلهما سيصبح عدو رسمي لهم .

هذا حقاً كان آخر ما توقعه تاتشوا ، و بفعل ذاك الغضب هو ركل المُستلقي أرضاً بمكانه منذ الأمس بكل قسوة و قوة مما دفعه للنهوض سريعاً !

عيناه إتسعتا عندما شاهد أشعة الشمس تنبثق من النافذة فعل هو بقي فاقد للوعي طوال الليل ؟

حدق بسيده الذي يشتعل من الغضب بتوتر شديد ، هو حتى لا يعلم كيف سمح لهما بفعلها به ! لم يكن يعلم أنهما قادران على صعقه هكذا حقاً ، هو إستخف بهما و كثيراً .

لذا هتف سريعاً بينما ينهض :" سأعثر عليهما و أقتلهما أقسم لك بهذا ! "

أنهى عبارته ليغادر المكان دون أن يستمع لرد تاتشوا الذي كان يعض على شفتيه حتى سالت دمائهما ، الآن و مع وقوف شخص من عضو من أكبر أعضاء ياكوزا في اليابان كيف يمكنه الانتصار ؟ فقط ماذا شاهد ذلك النائب بالصغيرين !؟

و مع ذلك هذا ما منعه بالنهاية من شق ابتسامة ساخرة ، فحتى لو لم يهزم آيكو فهو سيفقدهما أو أحدهما بالتأكيد ، ليس و كأنهم سيتدخلون لإنقاذهما الآن دون ثمن بالمستقبل صحيح ؟

*****
فتح عيناه بشيء من الصعوبة غير مدرك للمكان الذي هو به ، لثوان هو حتى كان فاقداً للذاكرة ، مد كف يده الصغيرة لفرك إحدى عيناه علَّ الكتلة الضبابية التي تسيطر على مقلتيه تنقشع ، و ما إن حدث ذلك حتى وصلته صورة توأمه النائم بجواره بينما هناك غطاء على كلاهما .

هو رمش عدة مرات مُستعيداً ذكرياته عن الليلة الماضية ، و ما إن فعل حتى حدق بأرجاء المكان الغريب بريبة ، لا يشعر بأنهما بخطر لكن لسبب ما يدرك أيضاً أنهما ليسا برفقة والدهما و إلا لما فارقهما للحظة !

أفكاره كلها إختفت تماماً عندما ظهر من آخر الرواق المؤدي لغرفة الجلوس هذه طفل بدى له أنه يكبرهما بعدة أعوام حيث قدر يوشي عمره بالثانية او الحادية عشرة ، عيناه الزرقاوتين كانتا تحدقان به بكل حدة و تقاطيع وجهه ككل ما كانت أقل من نظراته !

خُصلات شعره الداكنة إنسابت بكل خفة و هدوء حنى نهاية عنقه ، هو وقف أمام يوشي تماماً بينما ينطق بصوت هادئ لم يخلوا من التهديد :" إذاً أتظن أنت و شقيقك أنه يمكن لكما اقتحام منازل الآخرين هكذا ؟ "

و الأصغر نهض من فوره ينحني سريعاً بأسف بينما يُجيبه :" أنا آسف حقاً ، نحن كنا تائهين بالغابة و فقط حل الليل و أصبحت الغابة مخيفة أكثر "

هوشي كان قد فتح عيناه قبل لحظات و كتوأمه إحتاج لبرهة قبل معرفته لما يحدث ، إلا أن رؤية توأمه ينحني مُعتذراً جعلته ينطق بإستياء و نبرة خاملة بفعل تأثير النعاس عليها بينما يفرك إحدى عيناه :" ما بك أنت ؟ ليس و كأننا سرقنا أي شيء ! "
الأكبر سناً حدق به بإستنكار شديد ، هو وقح بالفعل و مختلف عن توأمه الذي شهق بإعتراض تواً على تصرفات شقيقه .

بالنهاية نطق بشيء من البرود :" إذاً هيا إلى الخارج ! الصباح قد حل بالفعل "

تراجع يوشي عدة خطوات ليقف بالقرب من توأمه و قد أخفض رأسه ، ماذا لو كان من يتبعهما قد وصل إلى هذه المنطقة ؟! لكن حتى لو لم يُغادرا ليس من المُستبعد أن تتم مهاجمتهم هنا و يتورط كل الموجودين !

هوشي أمسك بيد توأمه يحدق بمن أمامه بشيء من الحقد ، هو حتى لم يعرض عليهما المُساعدة ! حتى لو كانا تائهين فقط يفترض به مساعدتهما للوصل لأسرتهما أليس هذا هو التصرف الصحيح ؟

و ما إن سار كلاهما بنية الخروج حتى إعترض الفتى طريقهما مُجدداً بينما يتنهد بضيق :" أنتما تمتلكان الكثير من الكبرياء صحيح ؟ أشك بأنكما تائهان فقط مع الكدمات على جسديكما ، سأخبركما بأمر هذا منزل مؤقت أستخدمه و أبي أحياناً إن تأخرنا بالغابة لجمع الأعشاب الطبية ، سننتقل من هذه المحافظة قريباً لذا لا أهمية لهذا المنزل ! "

نظر التوأم له بحيرة بينما أردف الأكبر :" ما يوجد بحقيبة كل منكما تعني أن واحد منكما أو كلاكما قادر على إبتداع بعض الأفخاخ السريعة يُمكنني السماح لكما بإستخدام هذا المكان و كل ما به كحصن ! "

أجابه هوشي بحاجب مرفوع و نبرة طفولية عدائية :" لا أثق بك "

آمال المعني برأسه بينما يُخفي إبتسامته سريعاً :" ليس و كأنني سأفعل ذلك مجاناً ، ثيابكما تدل أنكما من أسرة ثرية إن ساعدتكما على العودة لأسرتكما أريد المال مقابل ذلك من والدكما ! أيمكن لكما ضمان هذا لي ؟ "

حدق يوشي بتوأمه سريعاً ، لا فكرة لديه عما إن كان يمكنه الوثوق به أو لا ، هو لا يستشعر أي أمر سيء من ناحيته فعلى ما يبدوا هو من قام بنقلهما للأرائك و هو من وضع الغطاء فوقهما !

هوشي أومأ سريعاً بينما يهتف بضيق :" أبي سيفعل ! لكن إن لم يكن لك او لهذا المنزل عون كبير لنا فلا تحلم بالأمر "

ابتسامة مليئة بالرضا رُسمت على وجه الأكبر بينما يمد يده لمصافحته :" جيد اتفقنا ! أنا إسمي هيروشي بالحادية عشرة من العمر "

مد هوشي يده إليه و هو يجيب :" اسمي هو هوشي تداشي في الثامنة من العمر و هو أخي التوأم يوشي "

حدق بهما بقليل من الهدوء بينما تمتم لنفسه :" صغيران بالفعل ! "

و بما أن كلا الصغيران لم يستمعا لهذا فقد بدأ الثلاثة بإعداد بعض الخطط لإيقاف من سيأتي للمنزل لأجلهما قبل النزول من الجبل !

*****

ضرب الحائط بقوة شديدة عندما أغلق آيكو الهاتف مُجدداً دون إجابة !

يدرك أنه والدهم و قلق لكن عليه أن لا ينسى أنهما يمتلكان والدة أيضاً و لها الحق بمعرفة كل ما يحدث !

الآن ربما هو وثق بأن آيكو كان بريئاً من قصة سجنه تلك ، فمن يخطف طفلين بالثامنة يمكنه بسهولة تلفيق تهمة كتلك عليه ، لكن لماذا ؟ ماذا أفاده هذا ؟

أرغب بإفساد علاقته بشقيقته ؟ لكنه لم يخبر هانا بالأمر حتى عندما كانت خطيبته ! إذاً بعد سجنه بقليل انفصل كلاهما حينها هل أصبح هو بلا أهمية ؟

لقد أضاع من حياته ما يقارب الثمانية أعوام بالسجن فقط لإنه أراد أن يفرق بين آيكو و زوجته ؟!

هذا يدفعه للتحرك إن لم يكن لأجل صغيرته و إبنيها فهو عليه التواجد لذاته !

بالنهاية غادر المنزل من فوره لوجهة غير مُحددة بالنسبة للبقية بينما أغمض هارو عيناه بينما يستأذن للعودة لمنزله ، ما عاد يمكنه فعل أي شيء ، مثل هذه الحوادث شائعة بين الأسر الثرية خاصة إن تواجد عدو لهم على وشك السقوط تماماً كتاتشو !

كل ما يمكنه فعله الآن هو فقط الدعاء لهما بأن يكونا بخير بطريقة ما !

هانا كانت تجلس تحدق بالنافذة بملامح شاردة ، هي بدت و كأن دموعها ترفض الإنهمار حتى ، تشعر برغبة بالتوجه و الذهاب بنفسها لذاك المكان ، تريد حقاً أن تدمر من تسبب بكل هذا و بداخلها تتسائل حقاً لما على صغيراها أن يُعانيا إلى هذه الدرجة .

هي حياتها ما كانت سهلة حقاً للآن ، تجرعت اليتم منذ طفولتها ، اضطرت لتصبح هي الوالدة بمنزل لا أم به ، ثم فقدت والدها ، و لم تتمكن من الحفاظ على زواجها و لا حماية صغيرها !

شقيقها الأكبر اختفى دون ان تعلم مكانه حتى ، و غيرها الكثير و الآن هذا ، تشعر بأن طاقتها على وشك الإنتهاء حقاً بينما بأعماقها تتسائل حول اين كان خطئها من البداية لتعاني من كل هذه الظروف القاهرة .

و من خلفها جلست يوري تراقبها بحذر شديد ، لم تكن تجرأ على الحديث أو الابتعاد حتى ، دموعها كانت تنهمر بصمت على حالة شقيقتها و الصغيران .

*****

ذلك الكوخ كان من طابقين و أصغرهم سناً كان يجلس على الدرج بالمُنتصف بينما يحدق بالباب بتوتر يستذكر المهمة التي عليه القيام بها !

شهق بشيء من التوتر عندما بدأ صوت ما من الخارج بالصراخ بحدة :" إن كنتما هنا فمن الأفضل لكما الخروج و قبول الموت برصاصة واحدة أو أقسم لن أكتفي بتشريح جثتيكما ! "

وقف الصغير من موقعه سريعاً يتأكد من أن عدوهما تمكن من لمحه لينطلق بشكل آلي إلى المطبخ بينما هتف داستين بحقد :" انت أيها الفأر الصغير أقسم سأضعك ببئر مليء بالمياه و ألقي بعض من أسلاك الكهرباء بها لتتعفن ! "

هو ما كاد ينهي عبارته تلك حتى شهق سريعاً و اتسعت عيناه برعب ما إن شعر بتلك الأفعى الضخمة تسير على جسده و من خلفه ظهر هيروشي بينما ينطق بابتسامة مُتشفية :" إن كُنت عاقلاً فأنت لن تتحرك ! لن تؤذيك إن لم تخف منك لذا أفضل أن تقف بمكانك بكل هدوء و هي ستبتعد عنك بمفردها "

أنهى عبارته بينما يسير بخطوات بطيئة مُتمهلة و إستفزازية ربما لينضم للتوأم بالمطبخ و كلاهما تراجعا للخلف بينما هتف هوشي :" أنت مجنون ! من يعبث مع أفعى بهذا الحجم بالعادة لا أقحم سوى فراخها بمقالبي ! "

شهق يوشي بصدمة يحدق بتوأمه بإستنكار تام فمن قال أن الفراخ أقل خطورة منها ؟! ليس و كأنه لم يجرب سم إحداها مرة !

حدق هوشي بتوأمه سريعاً ليمسك بيده بينما ينطق بابتسامة :" لا تقلق كنت أتأكد من إحضار النوع الغير سام ! لذا لن تلدغ مجدداً من واحدة بسببي "

قطب حاجبيه بشيء من الحيرة قبل يبعد يد توأمه عنه بينما يهتف بخجل :" أأنت قرأت كل دفتر مذكراتي حقاً ؟ هذا تعدٍ واضح على خصوصيتي "

تجهمت ملامحه سريعاً و هو يجيب :" ألم أقل أن لا خصوصية بيني و بين نسختي اللطيفة !؟ "

صوت تلك الضحكة الخافتة و التي صدرت من مُرافقهما جعلت الأصغر يشعر بأن حرارته ارتفعت بالكامل من الخجل بينما توأمه نظر له بضيق ، هو لم يقل شيء ما يثير الضحك !

هيروشي أعاد نظره لردة فعل كلاهما و تعجب حقاً بداخله عن كيفية كونهما توأم بطباع مختلفة كهذه بينما من الخارج هما متشابهين تماماً .

تلك اللحظات المُسالمة إنتهت باللحظة التي ابتعدت الأفعى بها عن مطاردهما بمقدار كافي ليطلق عليها عدة رصاصات جعلت الثلاثة يتأهبون سريعاً !

هيروشي من رفض ان يهربوا فور وضعهم للأفعى عليه ، هو يدرك أنه ربما يتواجد أشخاص او شخص اخر يبحث عنهما لذا دون تدبر أمر الأول بطريقة يثق أنه لن يتبعهم لا فائدة من الهرب لتتم مُحاصرتهم .

المسدس بيده فوهته كانت لا تزال ساخنة و ربما جسده كان يتنافس معها بسخونته إثر ذاك الغضب الذي سكنه ، هو حقاً ملَّ من كل هذه الألاعيب الطفولية !

أفكاره كلها كانت مُنصبة على كيف سيتخلص من ثلاثتهم مُرتكباً ذات الغلطة و هو الاستخفاف بهم !

لذا ما إن وصل للمطبخ حتى تحطمت أفكاره بالكامل فور تحطم شيء ما فوق رأسه ليسيل منه مادة لزجة بينما إلتصق به و بثيابه القشر !

صك على أسنانه بقوة يرفع مسدسه بإتجاه التوأم الأكبر و الذي قذف بيضة أخرى على يده التي تحمل المسدس لتصبح لزجة .

و هنا كان يوشي من خطط لذلك عندما توقع أن إشهار المسدس ستكون ردة فعل الرجل الغاضب أمامهما ، و بذات لحظة إختلاله بالإمساك بسلاحه كان هيروشي قد ركله بمعدته بقوة يخطفه منه و يتراجع للخلف .

هو نظر ليوشي الذي أحضر الحبال ليقوم بربطه بها بمساعدة من توأمه بينما وقف الأكبر سناً مُتأهباً لإطلاق النار إن حاول النهوض !

و ما ان انتهوا من ذلك فتح هيروشي باباً سرياً يؤدي للقبو ليلقي به للأسفل و يغلقه .

حدق التوأم به بدهشة ، هو أولاً يجيد القتال بشكل جيد و يمكنه حمل السلاح بلا خوف و الآن هذا !

نطق يوشي بشيء من التردد :" لماذا يوجد مدخل كهذا هنا ؟ "

حدق هيروشي به للحظات قبل أن يجيب ببرود :" لا أظن هذا ضمن إتفاقنا صحيح ؟ أنا أوصلكم لأسرتكم و والدكم يدفع لي المال ! و فقط نفترق دون أن نرى بعضنا البعض مُجدداً "

عبس الأكبر من ذلك البرود الذي أجاب به توأمه ، لما عليه أن يكون بهذا الإزعاج ؟!

لكن كل ذلك إختفى عندما ظهر صوت آخر غير مألوف لهما ينطق بحدة و خيبة أمل :" نقود من والدهما لأجل إنقاذهما ؟ ماذا يحدث هنا هيروشي ؟ "

و المعني ألجمته الصدمة تماماً فآخر ما توقعه هو تواجد والده هنا ، رجل كبير بالعمر نوعاً ما ، خُصلات شعره غزاها الشيب بالكامل و ربما مع القليل من التدقيق سيدرك المرء أنه ليس بذاك الكِبر حقاً لولا أن الحياة أنهكته و استهلكت شبابه بالكامل !

أراد الصغير الدفاع عن نفسه أمام والده لكنه أردف :" أهكذا ترغب بأن يعاملك الآخرون إن احتجت لمُساعدة ؟ كيف تحول شقيقك للشخص الذي هو عليه الآن لو أنه لم يسلك طرق مُشابهة ؟ "

شهق هيروشي بصدمة شديدة ، لا يريد أن يتم تشبيهه بذلك الشقيق و لو بالشيء القليل ، هو يمقته بل لا يُطيق رؤيته حتى ! و ربما يتمنى أن يختفي من وجه الحياة بالكامل ، ما كانت هذه نيته حقاً لكنه أراد فقط حل للمشكلة التي هم بها لا أكثر .

والده تجاوزه ليعبث بُخصلات الصغيرين بينما ينطق بلطف :" أعتذر على تصرفاته المُتعالية "

أعاد بصره لإبنه بينما يكمل :" قلت أنك ستعود للمنزل بالأسفل عند الفجر ، لذا قلقت عليك و أتيت بنفسي ، و الآن ستكمل إتفاقك معهما لكن عليك نسيان المال مفهوم ؟ "

عض على شفتيه يومأ إيجاباً بقلة حيلة فهو لا يمكنه كسر كلمة والده ، لذا نطق بصوت خافت بجملة مختصرة :" لننطلق ! "

سار التوأم خلفه بصمت دون أي حرف حقاً فالأجواء متوترة بالفعل لذا كبح كلاهما فضوله حول ما يحدث مع هذه الأسرة و ماذا سيفعل والده بالغابة و الكوخ الذي به ذلك المختل !.

*****

ضرب ذلك الجدار الرث بيديه بقوة شديدة ، كل الدلائل تشير إلى أن الطائرة هبطت بهذا المكان !

لكن لا أحد به ، هم متأخرون و لا يعلم منذ متى غادره صغيراه أو إلى أين أو كيف كانت حالتهما حتى ، تنفس بعمق يحاول إبعاد السلبية التي تبتلعه بالكامل .

هو جلس بالزاوية بينما يبحث أفراد الشرطة عن أي دليل قد يُعتبر كخيط ما لإيصاله لوجهتهم المنشودة .

ثوان و شهق أحد أفراد الشرطة بألم بينما صدر صوت ضجيج صادر عن سقوط جهاز الصعق ذاك و الذي ما إن لمحه آيكو حتى اتسعت عيناه بصدمة ، هو يخص صغيره !

شد على قبضة يده بينما إحمرت عيناه بقوة ، قلبه نبض بعنف مُخبراً إياه أنه ما سقط هنا منهما دون قصد ، بل صغيراك يقاومان بطريقتهما الخاصة و أنت تقف هنا توشك على البكاء عليهما و مصيرهما لن يحدد للآن .

هو أخفض رأسه سريعاً بينما ينطق بنبرة شبه منهارة :" على الأغلب لقد هربا من هنا و هما مُطاردان "

لما يؤمن بهذا ؟ لا يعلم سوى أنه يثق بأنهما أكثر قوة منه ربما ، كلاهما ليقاوما كل شيء مهما كانت الظروف بالرغم من صغر سنهما ، او ربما صغر سنهما هو نقطة قوتهما ؟

لا يدركان حقيقة هذا العالم و ما يحدث به لذا قلبهما مليء بالأمل دائماً على خلاف من يعلم وضعه جيداً فيستسلم قبل أن يحاول حتى .

تلك الخواطر جعلته يغادر المنزل أولاً ليركض بشكل عشوائي للأمام ، أليس هذا ما قد يفعله طفل يحاول الهرب ؟ الركض فقط حتى يجد شيئاً ما يعتقد أنه مفيد له ؟!

إذاً عليه تتبع خطواتهما جيداً و بحذر و ربما يحاول إيجاد ما قد يجذب إنتباههما بوسط هذه الغابة ، و كم يتمنى لو أنه يُكتب له مقابلة غريمه أولاً !

*****

توقف الثلاثة أمام المدينة و أخيراً بينما كان التوأم يتنفسان بصعوبة إثر تلك المسافة التي اضطر كلاهما لقطعها .

حدق الأصغر بهيروشي الذي كان ينظر للمدينة قبل أن ينطق :" مركز الشرطة على بُعد مسيرة نصف ساعة أيمكن لكما تحمل هذا ؟ "

أومأ هوشي له إيجاباً بينما هتف يوشي يشيء من التوتر :" أخي هذه المدينة و الساحل لا تُشبه المكان الذي تواجدنا به مع أبي ! "

التفت مُقلتا هوشي حوله سريعاً تلتقطان صوراً للمكان بينما يقارنها مع الصور بذاكرته ليشد على يده و هو ينطق :" لا بأس ! حتى إن لم نكن بذات المكان أخي الشرطة يمكنهم إعادتنا لأبي ! ثم أظن أنه بالفعل هنا لأجلنا صحيح ؟ "

بادله شقيقه النظرات بتردد لكن أهناك حقاً خيار آخر أمامهما سوى تصديق هذا الأمر ؟!

و طوال تلك المدة لم يلاحظ الثلاثة ذاك الذي يسير خلفهم بإستمتاع !

هو ربما بدى كمُختل ما حيث كان يُمسك بدفتر صغير يكتب عليه كل ثانية و أُخرى ، مُتأهب للتدخل و إنقاذهم بأي لحظة إن دعت الضرورة و كم كانت ابتسامته تتسع عندما ينجحون بتخطي مشكلة ما بمفردهم دون الحاجة إليه !

تراجع خطوات هوشي و الذي وقف أمام توأمه سريعاً أيقظه و هيروشي من شرودهما ، بينما تحدث تاتشو بابتسامة :" توقعت هذه النتيجة بالفعل ! ذلك المغفل يظن نفسه الأقوى فقط لإنه ينتمي لعصابة رديئة بالكاد يمكنهم النجاة من الشرطة و لولا سعره المنخفض لما قبلت به ! "

عينا يوشي إحتدت مُجدداً كما بكل مرة يرى بها هذا الرجل أمامه ، و هيروشي تقدم ليقف أمامهما بينما ينطق بهدوء :" تحركا من هنا الآن ! "

اتسعت عينا الصغيران ليُردف بنصف ابتسامة ساخرة :" لا أظن أننا سنلتقي مُجدداً ليس لأنني سأموت هنا بالطبع لكن إن حدث و فعلنا أتمنى أن نتعرف على بعضنا بشكل أفضل ، أنتما تبدوان لي مُثيران للاهتمام ! "

أمسك هوشي يد توأمه قبل أن ينطق سريعاً مُستعداً للإبتعاد :" و من سيرغب بالتعرف عليك بوقتها ! تجاهلنا من فضلك "

و من خلفه ذات الرجل الذي ساعد بخطفهما و انسحب من المهمة نطق بنبرة تهكمية :" أنت تقلل من نفسك عزيزي ! لست أقل إثارة للاهتمام هيروشي ! "

تنهد بخيبة أمل مُصطنعة لينطلق خلف الصغيران و هو يردف :" ليس و كأن قتلك ممكن ! فلا أحد يريد موت شقيق جيرو الصغير صحيح ؟ "

و هوشي أنهى عبارته الأخيرة ليأخذ بيد شقيقه و يسحبه معه و الآخر اعترض على ذلك بفزع :" مهلاً هوشي ، هو لا شأن له بكل هذا ! ماذا لو حدث له مكروه ؟ هو و والده ساعدانا ، ثم علينا رد الدين لهما حتى لو رفضا يبدوان بحاجة للمال "

ابتسم هوشي له بخفة و هو يجيبه :" أخي لا أظنه سيكون بخطر ! هو من النوع المزعج و لذا لا يمكن قتله بسهولة فلا تقلق ! ثم سنجعل أبي يبحث عنهما لإعطائهما المال ما رأيك ؟ "

عض على شفتيه بقوة ، أيمكنه إيجاد خيار أفضل ؟ لم يستطع سوى النظر للخلف حيث كان هيروشي و تاتشو يقفان بمكانهما مُتسائلاً حول بماذا يتحدثان و هل حقاً سيكون ذلك الفتى بخير ؟

كان آخر ما شاهده قبل أن يختفي كلاهما عن مرمى بصره هو حركة تاتشو لإخراج مسدسه من جيب معطفه و سخرية هيروشي !

*****
إقتاد بعض رجال الشرطة داستين و الذي تم تقييده بينما وقف آيكو مع صاحب المنزل يخبره أن صغيراه يفترض بهما أنهما وصلا للمدينة الآن !

ركضه من قبل أفاده حقاً بالوصول لهذا المكان ، يشعر الآن بأنه قادر على التنفس بشكل أكبر و أكثر راحة ، لم يخب ظنه عند معرفته أنهما يقاومان بمكان ما .

و قبل أن يتحرك خطوة واحدة للذهاب للمدينة مُجدداً أتاه صوت يعرف صاحبه جيداً و هو ينطق بهدوء :" على الأقل بالمدينة ذاتها يسهل السؤال عنهما و عن تحركاتهما لذا يصبح الأمر أسرع ! "

هو التف سريعاً ليحدق بتاكاشي بصدمة حقيقية بينما بادله المعني بنظرات باردة و هو يُردف :" لا وقت الآن لديك للنظر لي و تأمل ملامحي صحيح ؟ الصغيران بانتظارك "

كبح المعني ابتسامة واسعة كادت تظهر بينما ينطلق مع الشرطة و تاكاشي للمدينة ، قد لا يتمكن الأخير من تقديم الكثير من المُساعدة إلا أن تواجده بحق أراح آيكو أكثر .

*****

هو حدق بتوأمه باستنكار شديد بينما ينطق بتردد :" أخي أنت تعلم أنا يستحيل لي محاولة السباحة حتى لو كان المكان عبارة عن حوض سباحة "

أمسك هوشي بيده بينما يُجيبه بثقة :" لكن أنا سأكون برفقتك ! لم أسمح لك بالغرق بالمخيم و قطعاً لن تغرق هنا ، ثق بي نحن فقط علينا أن نُقيد حركته بمكان لا يتوقعه أليس هذا إقتراحك أنت ؟ "

أجابه بينما يُشيح بوجهه :" تدرك أنني لم أقصد الماء ! لكن بأي حال كما ترغب "

هو استسلم شاعراً أن لا شيء سيغير رأي توأمه أولاً و ثانياً لا وقت لديهما حقاً للهرب لمكان آخر ، فقبل وصولهما هنا كان تاتشوا قد ظهر خلفهما ، كلاهما لا يعلم ما كان مصير هيروشي حقاً و لا يدركان حتى كيف انهارت الفواكه و ما يسندها لتعرقل طريق مطاردهما و تأخره لذا لا يُمكنهما الاطمئنان فحسب !

و بالفعل ما كانت سوى عدة دقائق بسيطة اعتبرها الأصغر ثوان معدودة بفعل ذاك الخوف الذي عاد يسيطر على جسده بالكامل حتى ظهر صوت تاتشو بينما ينطق بحدة :" و الآن المواجهة الأخيرة ! كلاكما مذهلين للوصول لهذه المرحلة لكن إنتهى هنا كل شيء لنا جميعاً "

رفع هوشي أحد حاجبيه سريعاً يُجيبه :" إن رغبت أن تختفي أنت فافعل ذلك رجاءاً لا احد قد يهتم ! "

أنهى عبارته ليمسك بيد يوشي الذي أغمض عيناه بقوة لئلا يرى جسده بينما يقفز باتجاه المياه و يده بل جسده التصق بتوأمه بالكامل !

إقترب تاتشو سريعا من البركة إلا أنه عقد حاجبيه عندما لم يرى أي أثر لهما ، يفترض أنها مجرد بركة ستعكس صورتهما بها بأي حال فهي ليست بذاك العُمق حقاً !

بالرغم من ذلك فهو قرر التراجع ، أياً كان الأمر و ما يُخططان له لن يسمح بحدوثه حقاً هذا ما فكر به قبل أن يشعر بيد ما تدفعه للماء بينما يهمس صاحبها بابتسامة مُخيفة :" ثق بي تاتشو منذ اللحظة التي خالفت بها أوامري بالابتعاد عنهما كان عليك انهاء حياتك وحدك ! و الآن كُن مطيعاً و دعني أرى ماذا يخططان له "

تلك العبارات كان ينطقها بصوت منخفض هادئ يثير القشعريرة بأعماق من يستمع له و الذي حقاً لا يدرك كيف له أن يتورط مع أمثاله و لو لأجل تحطيم آيكو !

هذه كانت أفكاره عندما سقط جسده مُرتطماً بالمياه ، و باللحظة التي تمكن بها من فتح عيناه هو شاهد الصغيران يقفان تحت المنصة الخشبية مُفكراً أن هذا كان سبب اختفائهما ، لكن أكثر ما أثار حنقه هي ما يستخدمه الغواصين بالعادة للتنفس !

هذا يعني انهما رغبا بأن يتبعهما و الآن بما أنه فعل و هو بالفعل قادر على كتم أنفاسه إذاً لا ضير ربما بمحاولة أخيرة ؟!

أعاد نظره للسطح بنظرة ساخطة دون أن يعثر على من دفعه ، أعاد بصره سريعاً لما يحدث حوله عندما شعر بحبل يلتف حول قدميه لتتسع عيناه فهو إنشغل بمن بالأعلى و خوفه منه !

هوشي أظهر ابتسامة ماكرة بينما يظهر له متانة الحبل و كونه لا يمكنه الوصول للأعلى حتى ، إلا أنه كز على أسنانه بقوة عندما أبعد الصغير قناع الأوكسجين عن نففسه ليضعه له و ذات ابتسامته الكريهة بالنسبة لتاتشو لا تزال مُرتسمة على وجهه .

هما ما خططا لقتله و إنما لتقييد حركته حتى يتمكنا من الوصول لوالدهما بسلام على الأقل !

عاد الأكبر لتوأمه يمسك بيده ليخرجا للسطح حيث أخذ هوشي نفساً عميقاً ينظر لشقيقه الذي كان ينزع القناع عن نفسه يتنفس بعمق ، فهما راقبا تاتشو يبحث عن مسدسه ربما بجيبه إلا أنه ما عثر عليه و مجدداً لم تكن طريقة إختفائه أمر قد يهم كلاهما !

و بما أن الأمر انتهى بالنسبة لهما نطق هوشي بضحكة خافتة :" أخي ألا ترى أنك الآن قادر على الوقوف بالبركة دون أن تغرق ؟ "

و المعني ما إن لاحظ ذلك حتى شهق برعب شديد يضم شقيقه مُجدداً بينما يهتف :" أخرجني من هنا الآن "

*****
نطق تاكاشي بينما يتأمل الرجل الواقف أمامه بهدوء :" ماذا يوجد بتلك الطريق التي سلكها الصغيران ؟ "

أجابه المعني بتفكير :" شيء قد يجذبهما ؟ أعني هنالك تتمة لهذا السوق الشعبي إضافة ربما لمسبح خاص بالعائلات لكنه مُغلق بهذا الوقت حيث يكون صاحبه بإستراحة "

قطب آيكو حاجبيه بينما ينطق :" لكن يوشي لا يمكنه السباحة حتى ! "

عض على شفتيه بينما عاد القلق يتسلل للأعماقه عندما وصل لمسامعه صوت صغيره الأكبر :" أبي ! لقد أتيت بالفعل "

و ربما لو كان هو هنا وحده لما صدق سمعه و بصره إلا أن ردة فعل كل من تاكاشي و عناصر الشرطة برفقته جعلته ينطلق بإتجاههما يحتضنهما بقوة شديدة بينما ينطق بصوت ما تمكن الصغيران من تمييز إن كان سعيداً أو مُتألماً :" هل أنتما بخير ؟ "

دموعه كانت قد إنهمرت قبل تمكنه من إتمام سيل أسئلته تلك ، شعر بيد صغيره توضع على وجنتيه و هو ينطق بابتسامة :" أبي أنا و هوشي كنا نثق بأنك ستأتي لذا فقط حاولنا المقاومة حتى تصل لنا "

أنهى يوشي عبارته لينطق توأمه بفخر :" انت لا تظن أن بعض الحمقى يمكنهم قتلنا ! ثم نحن بخير لكن تاتشو ليس كذلك هو عالق بحوض السباحة أسفل منصة الغطس "

تقدم تاكاشي يبعثر خُصلات شعرهما بينما يجلس أرضاً أمامهما و هو يتحدث :" فخور حقاً بكما ، أحسنتما صغيراي "

اتسعت ابتسامة هوشي و هو يهتف :" خالي تاكاشي هنا أيضاً ؟! أكنت قلقاً علينا ؟ "

أجابه بشيء من الحنان الذي يندر إظهاره حقاً :" بالطبع كنت كذلك ! "

نهض آيكو من مكانه ما إن إستدعاه أحد أفراد الشرطة ممن اتجهوا إلى المسبح لإلقاء القبض على تاتشو و ما إن بدأ بحديثه حتى شحب وجه آيكو قليلاً قبل أن ينحني للمعني و يعود لصغاره و تاكاشي بينما ينطق بابتسامة بالكاد تمكن من إظهارها :" إذا دعونا نعد للمنزل فحسب ما رأيكما ؟ "

أومأ الصغيران له بينما هو حضنهما مجدداً يفكر بكل ما حدث ، أكانت نجاة صغيراه صدفة ؟!

مهما كان الأمل بقلبيهما و أياً كان ما حدث فهما طفلين ، إذاً كيف حدث هذا ؟ أيعقل أن تاتشو ما استعان سوى بفرد واحد من العصابة ؟

تلك الأحداث مضى يومان على وقوعها و التساؤلات كانت قد أصبحت الضعف بعقل آيكو ، ذلك الرجل الذي قابله بالكوخ الجبلي و ابنه الذي ساعد صغيراه لم يعثر عليهما مُجدداً قط ، كل ما عرفه من أهل المدينة أنهما كانا يبيعان الأعشاب الطبية بعد جمعها من الغابة ، و أن تلك الأسرة بشكل عام ما كانت محبوبة حقاً بسبب ابن آخر لها !

لكن كلاهما اختفى بعد تلك الحادثة كما لو لم يتواجدا بالرغم من رغبته بتقديم ما طلبه هيروشي مقابل مساعدته لطفليه ، و إن تجاهل هذا حقاً فلا يمكنه تجاهل إيجاد أفراد الشرطة لتاتشو منتحراً .

كل الأدلة أكدت أنه قام بإطلاق النار على نفسه إلا أن هناك شهود صمموا أن هناك شخص آخر كان بالمسبح بل و تواجد خلف صغيراه و هيروشي ذاك منذ نزولهم من الجبل !

لكن و بمرور الأيام بدأت تلك التساؤلات تقل تدريجياً فما عاد هناك فائدة من التفكير بها حقاً لاسيما بإغلاق سجل تلك الحادثة !

و الآن كان كلا الصغيرين بغرفتهما بالقصر حيث كانا مُنهمكين بترتيب أغراضهما لأجل الانتقال لمنزل والدتهما ، هوشي كانت ملامحه مُتجهمة و قد رفض الحديث مع والده منذ الأمس ، بينما يوشي كان مُحتاراً بما عليه أن يشعر ، هو يُحب والدته و تلك القرية التي عاش بها منذ البداية ، و بالمقابل خائف على والده ، أن يبقى بمفرده أمر مؤلم بالتأكيد !

أخذ نظرة سريعة لتوأمه ليتنهد بضيق فحتى هوشي سيفتقد منزله و كل شيء إعتاد عليه و هذا مؤلم أيضاً .

رفع هوشي بصره عندما شعر بعينا شقيقه مُثبتتان نحوه لينطق بمرح :" ماذا ؟ هل نسختي اللطيفة قلقة علي ؟ لا تقلق أنا فقط هادئ لإنني أبحث عن قائمة مقالب جديدة "

ضيق يوشي عيناه بينما هتف بإستياء :" توقف عن الكذب حالاً ! لماذا تظن أنني أحمق ؟ "

أخفض هوشي رأسه لثوان قبل أن يرفعه و هو ينطق بشيء من الحدة :" و ماذا أفعل ؟ هل تريد أن أبكي مثلاً ؟ هو يريد البقاء لوحده إذاً ليفعل لا أهتم بعد الآن "

اختتم جُملته تلك بنوع من الضعف ، ليس صادقاً بكلماته هذه قطعاً ، هو خائف من نتائج قرار كهذا ، ماذا إن تعب والده و هو وحده ؟ من سيساعده ؟ مع من سيتناول طعامه ؟ مع من عليه التحدث ؟!

أخفض يوشي رأسه بالمقابل و هو يشد على قبضة يده ، لماذا عليهما أن يفقدا أحدهما ؟! لما لا يمكن لهم العيش معاً كبقية الأُسر ؟

صوت تلك الطرقات الهادئة على باب غرفتهما أيقظهما من أفكارهما الخاصة ، وقف هوشي سريعاً بينما يهتف بمرح :" أهلا بالطبيب اللطيف "

ضحك المعني بخفة ليبعثر خُصلات شعر هوشي و هو ينخفض :" كيف حالك صغيري اليوم ؟ أتشعر بالألم من الكدمات ؟ "

أومأ سلباً بشكل سريع و هو يجيب :" لا ! أنا بخير تماماً و يمكنني إستئناف رحلة المقالب خاصتي "

عاد الطبيب للضحك مرة أخرى بينما حدق بالأصغر الذي وقف لينحني بتهذيب و هو ينطق :" أهلاً بك سيدي "

رسم المعني ابتسامة لطيفة أولاً قبل أن يُجيب بإستياء مصطنع :" ستعود للقرية اليوم و أنا لم انجح بكسب ثقتك حتى ! "

و كعادته شهق سريعاً بخجل و هو يتحدث بسرعة :" لا ! أعني أنت الطبيب الوحيد ربما الذي يمكنني تقبله "
اتسعت عيناه قليلاً قبل أن يعبث بوجنتيه و هو ينطق :" هذا فخر لي إذاً ! كتلة اللطف هنا تعترف بي فقط "

أخفض يوشي رأسه أكثر ليقف هوشي أمامه بعبوس و هو يجيب :" طبيب يوري أترغب بأن تحظى بأحد مقالبي ؟ "

تراجع الطبيب للخلف سريعاً و هو ينطق :" لا مطلقاً ، شكراً للعرض "

بتلك اللحظة هتف يوشي بجد و كأنه تذكر أمر ما :" تلك الفتاة ! أأنت شقيقها أو قريبها ؟ "

حدق الطبيب به بهدوء قبل أن يقترب يوشي منه يمسك بيده و هو يردف :" هي تتعرض للتنمر ! قال البعض أنها وريثة أسرة يوري لكن بسبب وزنها تتعرض للتنمر "

أخفض الطبيب رأسه قليلاً بشيء من الصدمة قبل أن ينطق بابتسامة ممتنة :" شكراً لك على إخباري بهذا ، تلك العنيدة رفضت أن تطلب مُساعدتي بحجة أنني غادرت المنزل "

آمال الصغير رأسه و هو ينطق :" هل ستعتني بها ؟ التعرض للتنمر أمر مؤذٍ فكيف لفتاة ؟ "

لم يتمكن من كبح نفسه بإحتضان الصغير بينما يجيب :" أنت حقاً طفل مميز لذا إعتني بنفسك موافق ؟ "

نظر للأكبر و هو يردف :" و أنت أثق بأنك ستكون أخ أكبر مذهل ! "

أومأ هوشي له إيجاباً لينهض الطبيب بينما ينطق :" إذاً خالكما بالأسفل ستذهبان برفقته للقرية و أنا أنهيت مهمتي هنا لذا علي العودة للمشفى ! بالرغم من أنني سأشتاق لكما لكن لا اتمنى أن أضطر لزيارتكما بالقرية لأنني طبيب هذه الأسرة "

هو أنهى عبارته تزامناً مع وصوله للباب ليغادر ، حمل يوشي حقيبته بهدوء و هو يحدق بأرجاء الغرفة بخفة ، لم يعش الكثير هنا مع ذلك لا يمكنه حقاً أن يقول بأنه لم يتعلق بهذا المكان و كل ما به و بالأخص والده !

هوشي أخفض بصره دون تأمل أي شيء و تحرك سريعاً للخارج لا رغبة لديه مُطلقاً بالتفكير حتى ، فقط إن كان عليه مغادرة هذا المكان هكذا و دون سبب مقنع لا يرغب حتى برؤية والده أو توديعه و لا زيارته .

لذا هو سار نحو الأسفل سريعاً و تجاوز غرفة الجلوس مُتجهاً للخارج فقط و يوشي توقف بالمنتصف ينظر لوالده الذي تنفس بعمق و بتوأمه الذي جلس عند المدخل بإنتظار السيارة التي ستُقلهما .

آيكو أمسك بيد يوشي بخفة ثم سار برفقته للخارج حيث صغيره الآخر و من خلفهم تبعهم تاكاشي بخطوات بطيئة ، شيزوكا رفضت القدوم بحجة رفضها لما يفعله إبنها و بطريقة ما وافقها زوجها للمرة الأولى !

هو انحنى أمام الصغيران بينما ينطق بصوت هادئ :" أدرك أنكما طفلان مميزان حقاً ، و أثق بأن صغيراي أينما كانا سيكونان بخير ، بحق أظن أنني أكثر أب فخور بهذا العالم "

يوشي ألقى بجسده بين يديه بينما أبقى الأكبر أنظاره بعيداً عنه مُحتفظاً بموقفه إتجاه والده !

آيكو احتضن جسد طفله إليه بينما همس :" تعلم أنني أحبك ، و والدتك تفعل لا تحاول حمل همومك و همومنا و نحن هنا يا صغيري "

هو أومأ سلباً بينما ينطق بنبرة باكية :" لكن أنا أريد أن أبقى مُساعداً لك ، حتى عندما أكبر أريد مساعدتك بالشركة لتعود للمنزل و ترتاح ! "

اتسعت عيناه قليلاً قبل أن يعض على شفتيه و هو يجيبه :" سأكون فخور بذلك صغيري يُمكنك القدوم بكل عطلة صيفية و سأعلمك بكل عام أمر جديد للقيام به ما رأيك ؟ "

أبعد نفسه قليلاً عن والده يمسح دموعه و هو ينطق بألم :" إذاً لن تأتي لزيارتنا مطلقاً ؟ "

أجابه بخفة و ابتسامة بالكاد كان قادراً على إظهارها :" سأفعل بالطبع إن وجدت وقتاً لذلك ثم عيد ميلاد صغيراي بعد شهرين صحيح ؟ علي التواجد بالطبع "

أومأ يوشي له إيجاباً بينما يعود للخلف عدة خطوات مُعطياً المجال لوالده ليتقدم من ذاك العابس ، تنفس آيكو بعمق بينما يجلس بجوار طفله الأول و هو ينطق بلطف :" هل ستغادر جوهرتي الثمينة بينما لاتزال غاضبة مني ؟ "

لم يجبه بل أشاح برأسه بالكامل لجهة أخرى ليردف والده بشيء من الحنان :" أنت تعلم أنني حقاً أُحبك ، أنا و أنت خضنا الكثير معاً صحيح ؟ لقد كنا فريقاً جيداً بالرغم من أنني كنت أغضب سريعاً بكثير من الأوقات ! "

قطب الصغير حاجبيه بينما إرتجفت شفتاه و كأنه يوشك على البكاء و هو ينطق بهمس :" إذاً لماذا تريد إبعادي ؟ أترغب بأن أتوقف عن المقالب ؟ ماذا تريد ؟ "

بعثر آيكو خصلات شعره بهدوء و هو يجيب بألم :" أنت مخطئ بالطبع ، أنا لا أبعد صغيري عني لإنه سيء ! أنا حتى أتألم بسبب ذلك، لكن أخبرني ألا ترغب بالبقاء مع توأمك بمكان واحد ؟ ألست من قال أنه يريد البقاء معه ؟ لا يمكننا ترك والدتك وحدها أيضاً ! انت جوهرتي الثمينة و التي ستقوم بحماية ذلك المنزل "

إنهمرت دموعه بشدة ليقفز بأحضان والده و هو يهتف بنبرة باكية :" لماذا ؟ لما لا يمكننا البقاء معاً ؟ نحن الأربعة ؟! لا أريد أن أختار بينك او بين أمي و أخي أنا أريدكم جميعاً أليس هذا حقي أيضاً ؟ "

أغمض آيكو عيناه بقوة عله يخفي ذلك الاحمرار الذي انتشر بهما ، أجل حقهما قطعاً و لكنه أخفق ببداية طريقه و لم يجد وسيلة لتصحيح ذاك الخطأ ، لا أمه و لا زوجته ترغبان بالتنازل حقاً لذا عليه التعايش مع غلطته بمفرده !

هو احتضن صغيره الآخر بينما يهمس لكلاهما بأنه حقاً يُحبهما و بشدة .

*****
الأيام هي من تُهدينا الجروح و هي ذاتها التي تشفيها بدورانها السريع ، لا يوجد جرح تخلفه إلا و ستكون قادراً على تجاوزه ، لا شيء سيوقف حياتك حقاً سوى نفسك فقط و بقية الأمور ستصبح بطي النسيان بغرفة مغلقة بالقلب لا يتم فتحها إلا عندما ترغب بالحصول على القوة أو الدافع للنهوض مُجدداً أو على الأقل هذا الدرب ما يختار سلوكه سوى من يريد أن يصل لغايته و يتجنبه كل من أراد الإنسحاب و لوم الظروف !

شهر كامل مضى مُذ إنتقال التوأم للقرية ، اعتاد كلاهما على الروتين هناك بسرعة قياسية فالأصغر عاش بها أساساً و الأكبر كان يستغل كل يوم لاكتشاف ما حوله حيث شعر أن العيش هنا يمنحه وقت اكبر للخروج و التجول بحرية و إن لم تكن هانا حقاً مُتساهلة !

و بإحدى الأُمسيات الباردة كان كلاهما يفترش أرض غرفة الجلوس و كتبهما أمامهما ليهتف الأكبر بضيق و ملل :" لما علي حقاً البحث عن الإجابة لهذا السؤال ؟ غداً سيقوم المعلم هارو بإجابته و إن وبخني سأُعيده للقائمة ! "

رفعت هانا أحد حاجبيها و هي تجيبه :" لم أسمع رأيك هوشي ! أُفضل أن تنشغل بالعودة لإكماله "

نفخ وجنتيه بينما يجيب :" أمي عيد مولدي الشهر القادم ألا يمكنك اعتبار تجاهلي لفروض هذا الشهر هدية مسبقة ! "

رفع يوشي بصره عن كتبه ليُحدق بتوأمه بإستنكار فهل هو جاد حقاً ؟!

و والدتهما نطقت بابتسامة عابثة :" لا ! لكن يمكنك ان تتجاهل أوامري لتُصبح أول طفل يعاقب يوم ميلاده بالحجز بالمنزل ! "

هو شهق سريعاً و نظر لوالدته بصدمة قبل أن يهتف :" أمي بالنهاية قد تضافين للقائمة ! "

أشاح بوجهه سريعاً ما إن حدقت والدته به بتهديد ليرى توأمه يقوم بحل الفروض بسهولة ، هو اقترب منه بينما ينطق بمرح :" نسختي اللطيفة و مُنقذي ! "

قطب الأصغر حاجباه سريعاً و هو يجيب :" تحلم ! لن يحدث ما تريده "

اجابه بإستياء :" هذا تصرف لئيم لماذا ترفض مساعدتي ؟ "

حدق به لثوان بينما يجيب بملل :" أليس لإنك تريد أن أجيب السؤال بدلاً منك لا مساعدتك على الفهم ؟ "

أجاب بذات نبرة توأمه :" ألا يعتبر هذا خدمة عظيمة لشقيقك الأكبر ؟ "

صمت كلاهما عن النقاش عندما شعرا بتحديق والدتهما بهما ليهمس الأكبر :" جدي كان يحل بعض الفروض عني لنخرج و نعبث "

لم يعلق أي منهم بالرغم من أن ذاك الهمس قد وصل للجميع ، ليس تجاهلاً له و إنما رأت هانا أن صغيرها بحاجة حقاً للمُساعدة بالدراسة فهو كثيراً ما يتهرب منها أو يجعل توأمه يقوم بها بدلاً منه لذا باتت تجلس برفقتهما عند موعد مُحدد يومياً تراقبهما و للحق هذا الوقت يعتبر مميزاً لها و حتى للصغيران و ان تذمر أحدهما !

و يوشي نظر إليه قليلاً بقلق ، هو لا يعلم أكانت عبارته تلك تدل على إشتياقه لحياته السابقة ، يعلم أن هوشي يبذل ما بوسعه للتأقلم لكنه فقط خائف من أنه يتألم وحده ، لا سيما و أن هناك شعور كبير بالقلق يجري بقلبه على والدهما الذي كان بالكاد يجد الوقت للحديث معهما !

خالهما عاد للعمل بشركة والدهما بالفرع هنا بالقرية الذي تديره سوكي زوجة والدهما السابقة ، الأوضاع بينهم مستقرة حيث لم يحدث قط ان اشتكى أي منهما على الآخر و إن كانت سوكي بالبداية معترضة على تواجده معها ، و كلاهما على اتصال مُباشر مع آيكو .

يوشي بكثير من الأحيان كان يذهب برفقة خاله او سوكي للشركة لتمضية الوقت و تقديم المساعدة عله يكون أفضل مما كان عليه عندما يذهب لوالده بالعطلة !

هانا توقفت عن العمل بأمر من شقيقها الأكبر الذي أخبرها أن من واجبه هو الإنفاق على شقيقته إضافة إلى أن آيكو و مع بداية كل شهر يرسل مبلغ من المال كمصروف لصغيراه إذ كان شرطه أنه من سينفق عليهما و اي مشكلة مع أحدهما أو كلاهما عليها إعلامه بها أولاً .

و قطعاً بقي أمر دخول تاكاشي السجن سراً عن شقيقتيه !

تنفس الصغير بعمق مُخرجاً نفسه من دوامة الأفكار التي تعصف بعقله قبل أن ينطق :" هوشي ماذا تتمنى أن تُصبح بالمستقبل ؟ "

رفع الأكبر رأسه مُحدقاً بتوأمه بشيء من الحيرة قبل أن ينطق بتفكير :" لا أريد أن يتم تقييدي بمكتب ممل ! هذه وظيفة تلائمك أنت ! أريد أمر حماسي أكثر ربما ألتحق بجامعة عسكرية بالنهاية و أصبح واحد من المُحققين المشهورين بالعالم ! "

حدق يوشي به سريعاً بتمعن ليجده ينظر له بجد بينما نطقت والدته بهدوء :" و لماذا ترغب بمهنة خطرة كهذه ؟ "

كتف يديه لصدره و هو يجيب :" سوف أستخدم مقالبي للإمساك باللصوص ! ثم مرة قال المعلم هارو أن الشرطة فاسدة بسبب سيطرة الأثرياء عليهم ! إذاً إن أصبحت محققاً و نجح أخي بإيصال شركتنا للقمة لم يتمكن أحد من التأثير علي ! "

بغض النظر عن جملته الأولى فتتمة حديثه جعل هانا تصدم أولاً قبل أن تبتسم بخفة و حنان :" أجل ، أثق بأنه يمكنك فعلها ! "

ابتسم يوشي أيضاً بينما يمد إصبعه لتوأمه :" إذاً هو وعد ؟ أنت ستصبح محقق بارع و أنا سأساعد أبي لتصل الشركة للقمة ! "

أومأ هوشي له سريعاً ليعده بذلك ، بينما راقبتهما هانا بابتسامة لطيفة تتمنى من قلبها أن يكبرا ليحقق كل منهما حلمه .

*****
سار بخطوات شبه مُتعجلة ما إن وصل للمنزل شاقاً طريقه لغرفته دون أن يُبدي أدنى إهتمام بكل ما حوله بداية من تحية الخدم له و نهاية بتفقد قصره و منزله ، هو ما عاد للجلوس أو البقاء حقاً و إنما كل ما أراده هو الاستحمام و تبديل ثيابه بأخرى من أجل إجتماع مهم و قطعاً لم يكن ليقابلهم بذات الثياب التي خرج بها الأمس فجراً للشركة !

تلك الخطوات السريعة ، و النظرات الغير مُهتمة إضافة لشحوب وجهه و ضعف جسده كلها أمور إلتقطتها نظرات والديه القلقة و التي تتبعته منذ أةل خطوة خطاها للمنزل ، و هو لم يشعر بتواجدهما حتى .

تنهد سيزوكا بقلق شديد و هو ينطق :" لا يمكنه الإستمرار هكذا ! قد ينهار بأي ثانية "

حدثت زوجته به قليلاً دون أن تتفوه بحرف ، لديها إحساس يخبرها بالأمر ذاته ، صغيرها و مُنذ شهر كامل لم ينم إلا بضع دقائق قد تمتد لنصف ساعة بالمكتب ، الطعام يذكره فقط عندما يشعر بجسده غير قابل على الإستمرار بالعمل دونه !

مراقبته و هو يصعد تلك السلالم تشعرهما بأنه فقط يوشك على السقوط بأي لحظة و لا استجابة منه لأي من طلباتهما له للراحة .

عادت شيزوكا للجلوس على المقعد بينما تحدق للأمام بشرود شديد و كلمات سوكي التي أخبرتها بها قبل تلك الرحلة الكارثية عادت لتدق مسامعها و بقوة شديدة !

- :" ستفقدينه ! بعد عودتنا من هذه الرحلة إن لم تتخلِ عن عنادك فالثمن سيكون آيكو ، حينها لن ينفع الندم ! و ثقي كل ما تحتاجه هانا للعودة هي كلمة واحدة منك لن تكسر كبريائك لكنها ستنقذ ابنك الوحيد "

شدت على قبضة يدها بقوة ما قالته يتحقق تماماً ، آيكو متعب و لا تدرك إلى متى يمكنه الصمود و مع ذلك تجد صعوبة بإعادة أسرته إليه ، هي حاولت مع آيكو ان يعيد الصغيرين لكنه رفض تماماً و أنهى النقاش سريعاً ، بل هو حتى أخبرها عن علامات هوشي الشهرية و التي كانت مرتفعة نسبياً !

غادرت أفكارها بالكامل عندما شعرت بتواجد صغيرها بالمكان ، حدقت به و بزوجها لتقف و تنضم إليهما حيث نطق هو بابتسامة شاحبة :" أعتذر حقاً لم أشعر بتواجدكما ! "

أجابه والده بإستياء :" كيف ستفعل و أنت بهذه الحال آيكو ؟ فقط أخبرني ما هو العمل المهم لديك ؟ يمكنني مساعدتك فإن لم تكن تذكر أنا من افتتح هذه الشركة "

ضحك آيكو بخفة و هو يجيبه :" بلى أعلم أبي لكنك من قال لي عندما إستلمتها هي لك و من فضلك لا تدعني أعد لها صحيح ؟ "

أجابه سريعاً باعتراض :" كان هذا مُنذ سنوات آيكو ! و الوضع مختلف أنظر لنفسك ! أتحاول أن تنتحر ؟ ما فائدة كل العمل الذي تقوم به ؟ يزيد نسبة الأرباح للضِعف ثم ماذا ؟ أتظن أن هوشي و يوشي قد يشكراك بالمستقبل على هدر صحتك مقابل المال ؟ "

أخفض المعني رأسه يشد على قبضة يده بقوة ، لن يفعل أي منهما لكن بحق ما فائدة وجوده ؟ هو فقط من ينفق عليهما المال ! لا حاجة له بأمر آخر بما أنهما بعيداً عنه ، هانا أكثر من كافية للعناية بهما ، تاكاشي يساعد بذلك !

إذاً أين هو دوره بين أفراد أسرته ؟ أليس فقط الشخص الذي يوفر لهم المال إذاً فقط عليه مُضاعفة الربح و المال المُرسل لهم و ما سيتركه لأجلهم إن حدث له مكروه .

سيؤدي ذلك الدور جيداً علّ صغيراه يذكرانه و لو بهذا !.

أغمض عيناه يتنفس بعمق لعل تلك الأفكار تختفي من عقله فهي باتت تتشكل له حتى على هيئة كوابيس بغفواته القليلة ، لا يمكنه احتمال الحديث حتى معهما على الهاتف طويلاً دون شعوره برغبة عارمة بترك كل شيء و الإتجاه لهما ، العيش بينهم هناك و لن يهتم بالثمن .

وضع سيزوكا يده على كتف صغيره الذي ما إن رغب بفتح عيناه حتى شعر بدوار شديد هو رفع إحدى يداه يفرك بها ما بين عينيه بينما الأخرى أمسكت بجسد والده يتكئ عليه مانعاً جسده من السقوط !

والدته شهقت برعب شديد و هي ترى وجهه يتحول للون الأصفر بالكامل بما في ذلك شفتيه و كأن الدماء سُحبت منه تماماً قبل أن يغلق عيناه مُجدداً و بتلك اللحظة انهار جسده فاقداً للوعي ، هو ما عاد قادراً على الصمود مُطلقاً !

سيزوكا اتسعت عيناه بقلق شديد بينما فتح ذراعيه يمسك به قبل سقوطه أرضاً بينما هتف سريعاً :" ليتصل أحدكم بالإسعاف حالاً !"

اسرع أحد الخدم لتلبية الأمر بينما جلس كلا الوالدين بجوار صغيرهما يتشبثان به بقوة .

******

يومان كاملان قضاهما آيكو حبيس الظلام بينما جسده يصارع الحُمى ، و والده ما فارقه و لو لثانية واحدة مُنذ أن تم إدخاله للمشفى بينما شيزوكا غادرت المشفى صباحاً فقط .

هو ما كان يشعر بما يحدث حوله حقاً ، غارق بظلام هادئ و مُسالم أو هكذا كان حتى اللحظة التي بدأ الضوء يخترق المكان ، هو التف حوله باحثاً عن المصدر عندما تجمدت نظراته لمكان واحد و قد أرخى سمعه لذلك الصوت الذي لطالما تمنى تواجد صاحبه معه :" مُهمل لصحتك كما هي العادة ! أأنت طفل آيكو ؟ "

قطب المعني حاجباه بشيء من الاستنكار بينما بدأ المكان يتحول لغرفته بالقصر و هو مُستلقٍ على فراشه بينما مُحدثه جلس بجواره يمرر أصابعه على خُصلات شعره مُردفاً :" أنظر لنفسك ! أتنوي اللحاق بي بهذه السرعة ؟ أدرك أنك مُشتاق لي لكن لازال لديك هنا الكثير من المسؤوليات صحيح ؟ "

كز آيكو على أسنانه بقوة قبل أن يحمل وسادة ما من خلف ظهره و ينهال بها على جسد من أمامه ، سواء كان حُلماً أم لا كل ما أراده هو تحقيق ما رغب بفعله منذ ذلك اليوم الذي فارق به توأمه الحياة !

و الآخر اكتفى بوضع يديه أمام وجهه مُنتظراً ربما هدوء المريض أمامه دون أن يعلم أو ربما تجاهل فقط أنه لن يفعل و ليس قريباً ، كم عام اضطر لعيشه بمفرده من دونه ؟ هو رحل سريعاً كأنه لم يوجد قط ! تركه بعد كل تلك الوعود بأقل دقيقة .

هتف الأصغر بينهما بحنق :" أنت بالذات لا يحق لك الحديث عن ذلك ! شخص لم يستطع الحفاظ على وعوده ، كالأحمق فقط وضعت جسدك أمامي دون أي تفكير و لو لثانية واحدة كان عليك أن تفكر بي "

ألقى بالوسادة بعيداً و أشاح بوجهه بعيداً ، يدرك أنه ليس أكثر من حُلم و لكن على الأقل يمكنه تفريغ شيء من ألمه به مهما كان بسيطاً ، فحتى لو كان من أمامه نسخة ابتدعها عقله لتوأمه هي ستكون أكثر من كافية له !

هوشي ابتسم بخفة يمد يده يمسح تلك الدموع التي كانت تنهمر دون إرادة منه بينما تحدث بنبرة هادئة ما خلت من شعور دفين بالحزن :" ربما هي أنانية آيكو لكن من كان ليعلم أن الأمر سينتهي سريعاً ! ثم أنت بالفعل تجاوزت أمر رحيلي فتوقف عن هذا ، أدرك فقط أنك خائف من أن تفقد أسرتك أيضاً "

صمت قليلاً يعيد ترتيب خُصلات توأمه بينما يتابع :" أنت تعرضت للكثير من الضغوطات بالفعل لكن تدرك أن الاستسلام ليس بالحل المُناسب ! و أمر أكثر أهمية يا أخي أنت لست وحيداً كما تظن ، افتح عيناك لترى الأمر بهما ، و أنا مهما حدث سأكون دائماً بقربك و لو على شكل ذكريات "

عقد آيكو حاجبيه أكثر فأكثر بينما بدأت صورة شقيقه و الغرفة تختفي ، هو تمكن من الشعور بيدين ما تعبثان بخُصلات شعره بينما يده اليُمنى تنهمر عليها الدموع !؟

وعيه بدأ يعود تدريجياً لتصبح الأمور أكثر وضوحاً ، صغيره هوشي يجلس قرب رأسه تماماً يُحرك يديه الصغيرتين بين خُصلاته و هو يبكي ، و يوشي جلس هو الآخر بجواره يُمسك بيده بينما يغرقها بدموعه !

نظر حوله قليلاً لتهتف شيزوكا بشيء من السعادة :" إستيقظت و أخيراً ! "

ما إن نطقت بجملتها حتى نهض هوشي واقفاً يحدق بعينا والده التي نظرتا له بهدوء قبل أن يهتف بنبرة طفولية باكية :" أنت ستعود للقائمة ! لقد وعدتني بأنك ستكون بخير و إلا لما كنت قد غادرت ! كيف تفعل هذا بنا "

لم يكن قادراً على الرد حقاً لذا اكتفى بابتسامة مُتعبة بينما إحتضنه صغيره الآخر :" عندما أتت جدتي و أخبرتنا بأنك مريض قلقنا حقاً ، أبي أنت وعدتني صحيح ؟ بأنك ستعلمني الكثير ، ستسمح لي بمساعدتك و تخفيف الحمل عنك إذاً لماذا أهملت نفسك ؟ "

و آيكو توقف عقله عن التفكير عند عبارة " أتت جدتي " ، هل والدته ذهبت للقرية لإحضارهما ؟!

ثوان فقط و إخترق صوت هانا مسامعه مؤنبة للصغيران :" هوشي و يوشي ألا تريان أنه متعب ؟ سيقوم الأطباء بطردكما هكذا ! إتركاه قليلاً "

رضخ الأصغر لأوامر والدته ليقف و يطبع قبلة على جبين والده بينما يتحدث بنبرة مليئة بالذنب :" آسف لإزعاجك فور إستيقاظك أبي ، سعيد أنك بخير "

أعاد آيكو بنظره إليه ليُبعثر خُصلات شعره بخفة بينما نهض الأكبر أيضاً يمسك بيد توأمه بينما يهتف :" أبي لم ينتهي الأمر لكنني سأنتظر خروجك من المشفى "

ضحكة غير مقصودة صدرت من المعني ليسعل سريعاً و بقوة ، بينما تقدم تاكاشي ليمسك بيد الصغيرين و هو ينطق :" إذاً حمداً لله على سلامتك ، سآخذ الصغيران قليلاً للخارج ، قد تكون أفضل عند عودتنا "

أومأ له آيكو بامتنان بينما يبعد كوب الماء الذي ناولته إياه والدته ، سيزوكا ساعده على الاعتدال بجلسته لينطق بابتسامة خافتة :" عليك أن تتحسن قريباً آيكو لا أظن أنه عليك جعل هانا و الصغيران ينتظرون كثيراً حتى تُعيدهم صحيح ؟ "

نظر آيكو لوالده بعدم فهم ثم حدق بهانا التي كانت تجلس بجوار والدته و قد ابتسمت له بخفة ، هو نطق بصوت بالكاد ظهر بفعل التعب :" ماذا يحدث هنا ؟ "

لا يعلم كم بقي فاقداً للوعي لكنه يظن أنها ليست بالمُدة الكافية لإحداث المعجزات صحيح ؟

و شيزوكا تأملت الجالسة بجوارها بهدوء تستذكر ما حدث صباح اليوم ما إن غادرت المشفى ، هي لم يكن لديها سوى وجهة واحدة ' القرية ' !

و أخيراً أدركت أنها إما أن تفقد عِنادها أو تخسر صغيرها المُتبقي لها ، و قطعاً الخيار كان واضحاً هي ما أرادت له سوى السعادة و أن يتجنب العديد من الأمور التي رأت أنها خاطئة لكن الآن باتت تشعر أنها من أخطأت لا هو و إلا أكان حقاً سيُعاند هكذا ؟

ترددت قليلاً قبل طرقها لباب ذاك المنزل ، هي حقاً لم تقم بترتيب كلماتها و لا اعتذارها أو أي أمر آخر كل ما رغبت به هو فقط إعادة إحياء صغيرها باستعادتها لأسرته لذا بذلت الكثير حقاً من الجهد قبل أن تطرق الباب فعلياً و ربما اللحظات التي سبقت فتحه كانت من أطول اللحظات التي اضطرت لتجرعها .

ثوان قليلة هي ما فصلتها عن إطلال حفيدها المشاكس من خلف الباب قبل أن يرمش بحيرة و هو ينطق :" جدتي ! هل أتيتي بمفردك ؟ "

تلك العبارة جذبت إنتباه كل من توأمه و أمه التي نهضت تفتح الباب بالكامل و تدعوها للدخول بريبة ، قطعاً ما كانت زيارة كهذه متوقعة و لو بنسبة ضئيلة بعقلها .

شيزوكا و فور أن خطت أقدامها للداخل توقفت بالمّمر ثم إنحنت كما لم تفعل من قبل قط و هذا زاد من الشعور المُتراكم بأعماق هانا بالقلق حيث تقدمت منها تحاول الحديث إلا أن ضيفتها نطقت أولاً و بشكل سريع :" أنا آسفة لإنني وقفت بطريق زواجك منه ، و لإن هذا الأسرة تفرقت بسببي لقد فهمت الآن و ربما علمت بالأمر بطريقة قاسية لكن لم يفت الأوان بعد صحيح ؟ يمكنني تنفيذ كل شروطك حقاً لذا فقط أرجوكم رافقوني للمدينة "

الكلمات فرت من جوف الأُخرى فالموقف أكثر من صادم بينما حدق التوأم ببعضهما البعض أولاً قبل أن ينظرا لوالدتهما التي كانت تحدق بمن أمامها بصدمة و حيرة بالنهاية هي تقدمت من الأكبر سناً ترفعها قليلاً بينما تنطق بشيء من القلق :" هل آيكو بخير عمتي ؟! "

الأخرى دموعها تناثرت سريعاً بينما تجيب :" بخير لكن ليس لوقت طويل ! الطبيب قال بأن مشكلته الأولى نفسية و إن لم يتم حلها سينهار مُجدداً "

و هنا تعلق هوشي بجدته بعينان مُتسعة برعب :" هل أبي بالمشفى ؟ هل بقي بمفرده ؟ أهو غضب من أمر ما ؟ لما لم تكونا برفقته دائماً ؟ "

يوشي أمسك بيد توأمه الذي كان يلقي بسيل من الأسئلة و اللوم على من أمامه بينما تقدمت هانا لتُبعدهما قليلاً و هي تحدق بمن أمامها بابتسامة خافتة :" آيكو شيء ثمين بالنسبة لي أيضاً ، إن لم يكن لديك مانع حقاً فأنا أيضاً لن أمانع العودة ، فقط شجارنا سيؤثر على صحته و نفسيته و الصغيران أكثر لذا من جهتي أنا حقاً أتفهم رغبتك بإختيار الأفضل لإبنك "

أجابتها شيزوكا بابتسامة :" من الآن أقسم سأعتبرك كآيكو بالنسبة لي أيضاً "

حدق هوشي بأمه و هو ينطق بقلق :" هل سنذهب لأبي الآن ؟ "

إحتضنته قليلاً علها تُبعد القليل من الخوف عن قلبه بينما تُجيب :" أجل سنفعل و هو سيكون بخير موافق ؟ "

تشبث بها بخفة و هو يحاول إقناع نفسه بأن والده أفضل من ذلك اليوم الذي رآه به بصغره !

يوشي مسح على شعر توأمه بخفة و ابتسامة ما كانت تختلط بدموعه ، هو سعيد فالآن يُمكنهم أن يعيشوا الأربعة معاً كما تمنيا و خائف حقاً على والده و بأعماقه يدرك أنه كان يشعر بوحدة شديدة بذلك الشهر الذي مضى و كعادته ربما هو شعر بالذنب على عدم نجاحه بالبقاء معه و إشعاره أنه بخير .

بالنهاية كل هذه الذكريات ما كانت مُهمة حقاً فأكثر ما يُهمها هي أن صغيرها كان ينظر لها بإمتنان حقيقي و سعادة شديدة !

بعد أسبوع تقريباً غادر آيكو المشفى ، هو و هانا رفضا القيام بحفل زفاف ثانِ لهما إلا أن تاكاشي ، يوري ، سوكي إضافة إلى شيزوكا و سيزوكا أقاموا حفل بسيط للغاية لهما .

*****

الحركة بالقصر كانت تسير بوتيرة سريعة لكنها مُنتظمة من قِبل الخدم الذين يخدمون الضيوف الحاضرين .

الصالة الرئيسية كانت قد تحولت لمكان للإحتفال مزينة بالكثير من البالونات و لافتة كبيرة لتهنئة الصغيرين بعيد مولدهما ، لم يكن العدد هائلاً فكلاهما يكره تواجد الأشخاص بكثرة خاصة من لا يعنيه أمرهما حقاً !

هما كانا يقفان بمنتصف الغرفة و الكعكة الكبيرة ذات الطبقتين أمامهما ، نفخ كلاهما على الشموع لإطفائها وسط التصفيق من الحاضرين ، ثم حدق كل منهما بالآخر بسعادة !

هُما أكملا التاسعة من العُمر تواً ، مضى على لقائهما عام كامل حدث به الكثير حقاً لكنه خُتم بطريقة مُذهلة ، الآن كلاهما معاً تحت سقف واحد و كلا والديهما هنا يحتفلون بعيد ميلادهما الذي اعتبره كلاهما بشكل ضمني الأفضل على الأطلاق .

تقدم ناو منهما أولاً ينخفض قليلاً ليبعثر خُصلاتهما بينما ينطق :" إذاً مُنذ العام القادم لن أكون مُعلم لكما ، و مع ذلك هذا لا يعني أنني لن أكون هنا لأجلكما ! ان لم تجدا مُرشد بالمدرسة يمكنكما القدوم لي دائماً ، و الآن كل عام و أنتما بخير "

هو أخرج من جيبه هديتان قدمها لهما لينطق الأكبر بمرح :" أنت حقاً معلم مذهل ! و فقط سأشتاق حقاً للقيام بالمقالب لك "

رفع أحد حاجبيه بينما امسك به من أذنه :" المقالب لي ها ؟ لن تنجوا من غرفة الحجز على ما يبدوا حتى لو لم أكن معلمك أيها الطفل ! "

ضحك هوشي بخفة بينما يحاول إبعاده قليلاً ، و يوشي ضحك بخفة قبل أن ينحني و هو ينطق :" شكراً جزيلاً لك معلمي على كل شيء قدمته لنا "

ترك ناو هوشي و ربت على شعر توأمه الأصغر يجيبه بحنان :" بل الشكر لتواجدك معنا هذا العام صغيري "

أنهى عبارته لينهض و يتيح المجال لهارو للتقدم حيث انخفض هو الآخر يقدم لهما الهدايا و هو يتحدث :" اتمنى لكما حياة سعيدة ، قد لا أكون بالقرب منكما من الآن فصاعداً لكن سأتأكد من معرفة أخباركما من خالكما ، يوشي اجعلني فخور بك كما دائماً ! "

تقدم يوشي منه سريعاً يحتضنه بينما توردت وجنتيه و هو ينطق :" شكراً لك مُعلمي على كل شيء ! "

هو ابتسم له بخفة ليبتعد ، حيث تقدم مُساعد والدهما و إبنتيه الصغيرتين تالياً ثم الطبيب يوري و أحضر برفقته شقيقته الصغرى و من بعدهم ظهر تاماكي الذي احتضن كلاهما بسرعة و هو يهتف :" تعلمان أبي قرر العودة لليابان أخيراً ، نحن سنستقر هنا لذا قد أكون معكما بذات المدرسة العام القادم "

ابتسم التوأم له بخفة فمنذ أن قابلاه أول مرة و هما على اتصال معه ، حتى بعد الإعلان عن خطفهما أحضره والده لرؤيتهما و قضى أسبوع معهما بالقرية !

معاملة أبيه اختلفت معه تماماً و هذا عكس الكثير على شخصيته التي تصبح أكثر قوة بمرور الوقت .

و من خلفه تقدمت سوكي للتهنئة بينما تنطق :" اتمنى لكما عاماً سعيداً خالٍ من المغامرات ! "

و هوشي عبس سريعاً يتوعدها بإدخالها للقائمة بإعتبار أن هذه الأمنية تعني عام ممل و هو ما لا يريده بينما ضحك توأمه بخفة و شكرها ، هي أخبرتهما ذات مرة بأنه مادامت ليست المسؤولة عنهما لا شيء حقاً يجعلها تكرههما و دائما ما كان هوشي يكرر أنه يشفق على أبنائها من الآن !

و خلفها تقدم خالُهما برفقة خالتِهما يتمنون لهم حياة سعيدة ، بعدهما تقدم سيزوكا يغمز لحفيده المشاكس بينما يقدم له هديته :" أحدث عدة يمكنك إنشاء المقالب بها ! لنذهب للتنزه صباح الغد لتجربتها ! "

تذمر آيكو سريعاً :" أبي بحقك كفى ! "

تجاهله والده تماماً خاصة عندما نطق حفيده بسعادة :" مُذهل موافق بالطبع ، و ثم أبي لا يفترض بك الاعتراض نحن بعطلة بالفعل "

قلب آيكو عيناه بينما ضحكت هانا بخفة فحقاً لا فائدة من محاولة الحديث مع الجد الفخور بتلك الإنجازات !

ناو قطب حاجباه قليلاً قبل أن يبتسم بخفة و هو يرى أخيراً سبب فساد الصغير ربما ؟

بالنهاية مد الجد هدية أخرى لحفيده الآخر و هو ينطق :" وددت لو أحضر لك مثل توأمك لكن الوقت مُبكر لذا فقط لا بأس بإحدى الألعاب الإلكترونية كبداية "

ضحكة مكتومة صدرت من الصغير بينما يذكر وعد جده له بإفساده كما يقول قبل أن يشكره بلطف .

أبعدته زوجته عنهما تؤنبه قليلاً بينما تمد للصغيران الهدايا خاصتها !

و بعدها انتشر الصغار للعب بالمكان و تناول الحلوى بينما جلس الأكبر معاً يتحدثون بأمور مختلفة ، حتى تفرق الجميع و ما تبقى سوى الأسرة الصغيرة بالمكان .

فتح الصغيران الهدايا بالكامل بجناحهما الخاص حيث قام والدهما بالتعديل على الغرفة و جعلها أكبر قليلاً ثم أُضيف لغرفة النوم غرفة جلوس و دورة مياه !

بأي حال هتف هوشي بعد بُرهة :" لدي عدة المقالب من جدي و هاتف جديد من جدتي ، أشرطة للعبة جديدة من تاماكي ، ساعة من المعلم هارو ، ثياب فخمة من الطبيب و علبة حلوى من شقيقته ، و طقم عطر من التوأم "

عبس لثوان و هو ينطق :" و المعلم ناو سيتم إدخاله للقائمة تخيل أنه أهداني كتاب حول كيفية التفوق ! "

ضحكة سريعة صدرت من توأمه و هو يحدق بالكتاب الذي بيد شقيقه ! بدى و كأن المعلم أراد الانتقام من هوشي على كل تلك المقالب لذا نهض توأمه يفتح له الكتاب ليظهر ظرف ما به مبلغ من النقود !

اتسعت عينا الصغير قبل ان يهتف باستياء :" أهو مقلب ؟ هل أخفى هديتي الحقيقية داخل كتاب يدرك أنني لن أمسه حتى ! "

سرعان ما حول بصره لشقيقه و هو ينطق بشر :" أكنت تعلم ؟ هل ساعدته ؟ أتريد دخول القائمة أنت أيضاً ؟"

أجابه يوشي و ابتسامة واسعة لاتزال مرسومة على شفتيه :" لقد أهداني كتاب لرواية اردت قرائتها دائماً و عندما تفقدتها وجدت ظرف كهذا "

آمال هوشي برأسه قليلاً قبل أن يتحدث :" الرواية أفضل من كتاب بهذا العنوان ! لن يغادر القائمة ! بأي حال خالي تاكاشي منحني عدة الصيد و التسلق و كأنه يؤكد على وعده لنا بتعليمنا ذلك بالعطلة القادمة ! "

أومأ يوشي له و هو يجيب :" أجل أهداني ذات الأمر ! تعلم أساساً أغلب الهدايا متشابهة ! فقط بدلا من الهاتف لدي جهاز حاسوب محمول من جدتي و بدلا من عدة المقالب اللعبة ! "

اقترب توأمه منه ليتحدث :" و ما حاجتك لجهاز محمول و نحن لدينا حاسوب بالغرفة ؟ "

أجابه يوشي بخفة :" أظن أنه أسهل لإعداد التقارير و تحميل الكتب ! فالمكتبة التي بغرفتنا لن تتسع حقاً "

أراد أن يجيبه بنوع من التهكم عندما طُرق باب غرفتهما ليطل والدهما منها هما جلسا معاً أمامهما بينما نطق آيكو بابتسامة لطيفة :" نحن لم نقدم لكما الهدايا بعد صحيح ؟ و أظن أننا لم نرغب بتقديم هدية تقليدية فهذا العام مميز لنا جميعاً لذا ما رأيكما أن تكون هديتكما هذا العام مني و من هانا هي السفر لأوروبا طوال الثلاثة أشهر القادمة بما أنها عطلة ! "

هتف هوشي بحماس :" نحن الأربعة ؟! "

أومأ آيكو له سريعاً لينطق يوشي بابتسامة سعيدة :" شكراً لكما حقاً "

نهض كلاهما لاحتضان والديهما بقوة قبل أن تنطق هانا بخفة :" إذاً هيا قوما بتنظيف الغرفة و إتجها للنوم فغداً سيكون يوماً طويلاً بالفعل ! "

لم يعترض أي منهما على ذلك حقاً بل نهضا من فورهما ينفذان الأمر ليغادر والدهما الغرفة مجدداً ، و قطعاً الترتيب لدى الأكبر عنى أن يحمل كل الهدايا يضعها بخزانته و يقفل عليها سريعاً قبل أن تنهار تحت انظار توأمه المُستنكرة !

هو نطق بشيء من العبث :" إفعل ذات الأمر فحسب ! سنقوم بترتيبهم عندما نستخدمهم بطريقة تلقائية صحيح ؟ "

تجاهل يوشي الأمر و أكمل ترتيب ما بيده سريعاً خشية أن يغفوا توأمه فجأة ، هذا ربما جعله غير قادر على مُلاحظة توأمه الذي كان يقف خلفه و بيده هدية صغيرة مغلفة بعناية .

لذا عندما قام بمد يده يضعها أمام أنظاره شهق الأصغر بخفة و شيء من الصدمة قبل أن يستدير ليواجه توأمه و الذي كان يبتسم بسرور :" عيد ميلاد سعيد أخي "

أمسك يوشي بالهدية و هو يشعر بسعادة مُضاعفة و إن كان يعلم من البداية أنه سيحصل على واحدة منه ، لذا نهض هو الآخر سريعاً يحضر الهدية التي جهزها مُسبقاً يمدها للأكبر الذي صدم حقاً بها !

نطق يوشي لإخراجه من صدمته بسعادة :" عيد ميلاد سعيد لك أيضاً "

لم يتحدث هوشي بعدها بل بدأ بفتح هديته على فراشه ليفعل يوشي الأمر ذاته حيث جلس على سريره يبعد الغلاف بهدوء و حرص ، ثوان فقط و اتسعت عيناهما كلاهما !

كلاهما حمل بيده ميدالية طُبعت صورة للأسرة بالكامل على وجهها مُحاطة بإطار ذهبي اللون بل ذات الصورة بكلتا الميداليتين مع فرقين بسيطين  ، حيث كُتب على قميص هوشي بالصورة بخاصته ' لصديقي الأول '

و عد قلبها للخلف ستجد ظهرها ذو اللزن الذهبي أيضاً و قد نُقش عليها :" شكراً لك ، لإنك ظهرت بحياتي و أصبحت أول صديق لي قبل أن أعلم أنك توأمي ، سعيد بذلك حقاً أخي الأكبر "

و خاصة يوشي وضع على قميصه بها عبارة ' لنسختي اللطيفة '

و من الخلف نُقشت الكلمات التالية :" أنت كنت أول صديق حقيقي لي بالرغم من أنني أدخلتك لقائمتي فور أن رأيتك بالمُخيم ، أخي يوشي و نسختي اللطيفة أريد أن أكون دائماً بقربك ، سأحميك للأبد أيضاً "

لم ينطق أي منهما بعدها لفترة بل ربما لم يكن الأمر بحاجة لكلمات حقاً ، فقد نهض هوشي من مكانه يحتضن توأمه إليه بقوة شديدة و الآخر بادله ذلك و بالنهاية غفى كلاهما بجوار بعضهما البعض مُختتمين بذلك يومهما اللطيف .

*****

من أكثر الأمور رُعباً بهذه الحياة هي سرعة عقارب الساعة بالتحرك , كيف يمكن للسنوات أن تسير دون أي شعور منا ؟ , أن نصحوا يوماً لنجد أن الأعوام مرت و نحن نظن أن هناك أحداث عشناها بالأمس فقط ثم نصحوا على ذلك الواقع الذي يخبرنا بأن ما تتحدثون عنه بات بطيات ماضٍ بعيد عنكم و أن لا أحد منكم ما عاد كما كان به !

بل إن تبعات ذاك الماضي هي فقط من تلاحقكم لرد الديون أحياناً أو لإجبارك على دفع ثمن كنت قد نسيت دفعه أو ما إهتممت به بوقتها و سواء كان ذلك الدين ليس سوى ظُلم أم لا ستدفعه مُرغماً و بطرق ربما لا يمكن تصورها .

نهض من مكتبه بينما يحرك جسده الذي شعر أنه تيبس بالكامل بسبب جلوسه الطويل هنا ، فهو ما إن أنهى دراسته حتى بدأ بواجباته بالشركة ، والده أعطاه العديد من المسؤوليات من ضمنها إعادة مراجعة الحسابات مع أنه لم يكمل الخامسة عشرة من عمره بعد !

اتجه لمكتب والده الفارغ يضع الأوراق عليه قبل أن يبتسم بخفة و يتجه لغرفته و توأمه المُشتركة ، اليوم دوره بشراء بعض الحاجيات التي يحتاجونها إذ أن كل منهم يمتلك دوراً محدداً بما في ذلك والداه ، أخذ معطفه ثم حدق بتوأمه الذي يستلقي على فراشه يحاول النوم ناطقاً بهدوء :" هوشي أعلم أنك لم تنم بعد لذا انهض و تعال معي للتسوق "

الآخر قطب حاجبيه سريعاً بينما يُجيبه بخمول :" اليوم دورك أنت صحيح ؟ "

كتف يديه لصدره و هو يقف أمام السرير تماماً مُجيباً بإستياء :" لكنني ذهبت معك بدورك و انت وعدت بأن تأتي معي بالمقابل ! "

رفع رأسه قليلاً يحدق بتوأمه بينما يفرك عيناه :" نسختي اللطيفة هل انتي خائفة من الذهاب وحدك ؟ "

ضيق يوشي عيناه يمسك الوسادة من خلف شقيقه يضربه بها بقوة متوسطة ثم يلقيها عليه و هو يجيب :" حسناً عُد للنوم أيها الكسول ! عند عودتي سأجعلك تدفع الثمن "

أنهى عبارته ليسيير نحو الخارج قبل أن يتوقف عند بوابة الجناح الخاص بهما يحدق به و بالغرفة قليلاً هذا جعل الأكبر ينطق بنوع من الريبة :" يوشي هل ... "

لم يكمل كلماته فشقيقه قاطعه بإستياء :" عُد للنوم لكسب الطاقة للغد حتى تملئ المدرسة بالمقالب ثم تعود و تاماكي للعب حتى المساء و بعدها تعود للنوم "

رمش هوشي عدة مرات قبل أن يعبس مُلقياً الوسادة على الباب الذي أغلق تواً ، فلماذا يوشي غضب منه هكذا ؟!

هو أعاد رأسه لوسادته مُفكراً بأنه سينتظر عودته ليرى ما مشكلته حقاً ، و لثوان فقط ظهرت ابتسامة على وجهه بينما ينطق :" مهلاً أهو يشعر بالغيرة ؟ لكنه من يمضي وقته بمساعدة أبي و الشركة ! "

و بالأسفل اتجه يوشي لوالدته بينما ينطق بابتسامة لطيفة :" إذاً أُمي أهناك أمر آخر ناقص باللائحة ؟ "

أجابته هانا بينما تمسح على شعره بحنان :" لا يا صغيري فقط إعتني بنفسك و عُد سريعاً موافق ؟ "

ضحك بخفة بينما يقبل يديها :" لا تقلقي كثيراً أُمي سأكون بخير "

هو أراد التحرك للخارج عندما شعر بيد صغيرة تقبض على بنطاله لينخفض و يحمل الصغيرة بين يديه و هو ينطق :" أتريد أميرتي الصغيرة القدوم معي ؟! "

حدقت هانا به قليلا لتنطق :" ألن يذهب هوشي معك ؟ "

هو تقلصت ابتسامته قليلاً بينما يُجيب :" يريد النوم ! بأي حال هذا يعني لا يُمكنني أخذ إيزومي معي أيضاً ، أعتذر صغيرتي لا يمكنني العناية بك و بما سأشتريه لكن سأحضر لك الحلوى كتعويض ! "

هو حدق بها و بملامحها بدقة بينما تتبدل ما بين رغبة بالبكاء و أخرى بالتفكير بعرضه حتى هتفت أخيراً بكلمات بالكاد يمكنه فهمها :" موافقة و لكن الكثير منها ! "

ضحك بخفة يقبلها على جبينها قبل أن يعطيها لوالدتهما و يده استقرت فوق رأسها تُبعثر خُصلاتها ذات اللون البُني كوالدتهم .

هو بالنهاية استأذن من والدته مُجدداً لينطلق لخارج المنزل بعد أن تأمل السلالم المؤدية لغرفته حيث توأمه لثوان معدودة .

و الحياة تستمر دائماً بحلوها و مُرها هي ستعبر ، برغبتنا أو من دونها سنحياها كما قُدر لنا ذلك ، و إرادتنا هي ما ستصنع الفرق ، إما أن نُزين أيامنا بها نتجاوزها أو نقف عند مرحلة ما أو حادثة ما و تتجاوزنا الحياة !

~ النهاية ~

أولاً شكراً لكم جميعاً لتواجدكم هنا و صبركم معي حتى وصلنا للنهاية معاً 😍😶

ثانياً كما قلت بالمقدمة أن هذه الرواية لها جزء ثانِ سينشر بعنوان غُربة روح ...

متى قد يحدث ؟ هذا لا أريد إعطاء وعد حقاً لكن أظن بمدة أقصى بعد العيد و مدة أدنى بعد اسبوع من اليوم !

كما ترون النهاية ما كانت مغلقة بالكامل إلا أنها غير مفتوحة أيضاً ...

البعض منكم ربما قد يمتلك بعض التكهنات للجزء الثاني و حقاً أرغب بسماع أرائكم و توقعاتكم 😶 ...

و مجدداً شكرا جزيلا مني و من الصغار على دعمكم لي حتى اللحظة و بالرغم من التأخير المُستمر !

و بما أنه دائما بآخر فصل المشاعر لدي تكون مختلطة للحق لذا كالعادة لا يوجد الكثير لقوله حقاً ...

استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top