الفصل الثامن و العشرين

بنهاية اليوم الدراسي نبضات قلب يوشي تصاعدت بتوتر , هو يقف أمام البوابة المدرسية بإنتظار السيارة التي ستقله لحيث شركة والده , لا يريد أن يخذله بل يرغب بأن يبذل كل ما بوسعه لئلا يخيب ظن والده به .

هوشي وقف بجواره بينما تحدث بمرح :" ألم تتراجع عن قرارك بالعمل ؟! "

قطب حاجبيه بسرعة وهو ينطق بجد :" أخي عليك أن تشجعني بما أنني قررت هذا بنفسي صحيح ؟ "

نظر إلى توأمه قليلاً قبل أن يضع كلا يديه على كتفي شقيقه بينما ينطق بجد طفولي :" أجل , هذا هو واجبي كشقيق أكبر ! أبذل ما بوسعك و إياك و التراجع و إن أزعجك أحدهم فأخبرني لأبتكر له مقلب مميز يناسبه "

ابتسامة صادقة رُسمت على ثغر الآخر فهو حقاً كان خائفاً من شعور توأمه بالوحدة أو الحزن بسبب قراره ذاك لكن الآن يمكنه أن يسعد بهذا , لذا هو نطق بشيء من الحماس النادر بالنسبة له :" أعدك عند عودتي سنقوم بما خططنا له تماماً "

اتسعت ابتسامة الأكبر أيضاً بينما ينطق من فوره :" إنسى وعدك لي أو أخبرني أنك متعب و لا تريد ذلك و ستنضم للقائمة الخاصة بي "

ضحك بخفة شديدة بينما يُجيبه :" لن أفعل ! لا داعي لأن تقلق "

ما إن أنهى عبارته حتى وصلت سيارتين تابعتين للشركة لتقل أحدهما للمنزل و الآخر للعمل ، عبس الأكبر بقوة بينما ينطق بإعتراض :" يوشي أخبر أبي أنه و من الغد عليه أن يرسل واحدة تقلك للشركة و أنا معك ثم توصلني للمنزل ! "

نظر يوشي له ليومأ إيجاباً بسرعة فهو حقا يرغب بهذا ، أن يبقى شقيقه معه حتى يصل للشركة ، ستكون فرصة لطيفة للتحدث معاً ، هو حقاً يرغب بتعويضه عن الفترة التي سيكون بها بالشركة مع والده !

و بهذا تفرق كلاهما ليتجه كُل منهما لوجهته .

*****

جلست بينما تضع إحدى أقدامها فوق الأخرى بينما يدها اليُمنى تعبث بخصلات شعرها الشقراء بشيء من الغرور المُتعمد بينما تنطق :" إذاً ما سر هذه الزيارة , بالطبع لم تشتاقي لي صحيح ؟ هل أرسلك أبي ؟ "

أجابتها من أمامها و التي إمتلكت عينان زُمريدتان و خُصلات شابهت العسل بصفائه :" بل أتيت بسبب قلق عزيزي منك ! ألم تتعلمي أي أمر مني من قبل سوكي ؟! هيا أنا زوجة والدك منذ أن كنتي طفلة يستحيل أنه لا يمكنك تطبيق أمر أو إثنين مني "

ضيقت عيناها بضيق وهي تنطق :" مؤسف أنني لا أفضل التعلم من الأفاعي ! لستُ أفضل منك كثيراً لكن على عكسك أنا مستعدة للصراخ بأنني أرفض أن أتظاهر بأنني أحب أن أكون والدة لطفلين ليسا لي ! "

تنفست بعمق بينما تتحدث بنوع من الإستياء :" هل أنتي جادة ؟ و من طلب منك أن تكوني أم لهما ؟! هل كنت أماً لك ؟ كل ما نريده هو نطمأن بأنك جعلتي زوجك لا يرى سواكِ حتى إبنيه ! "

قلبت عيناها وهي تجيب بسخرية :" و هل تظنين جميع الرجال مجرد أوغاد كزوجك ؟! دعيني أخبرك أن تداشي يضع صغيراه أولاً و الأهم أن قلبه بالفعل مُعلق بزوجته السابقة ! لذا هي منافسة غير عادلة , أعلمي زوجك بهذا أنا فقط لن أبقى هنا طويلاً "

نهضت من مكانها لتُنهي حديثها مع أكثر إنسانة تمقتها بالعالم , هي حقاً تكره تلك الذكريات التي تُجبر على تذكرها بكل مرة تراها بها , لم يكن كرهها للأطفال مبنياً إلا على كرهها لذاتها القديمة بذاك الوقت , تلك البرائة التي تناثرت بسبب الخدوش التي تركها الزمن بأعماق الروح التي كانت تطالب بالمساعدة بكل عجز !

توفيت أمها عنها و ما كانت سوى طفلة صغيرة غير قادرة حتى على الذهاب للمدرسة وحدها , و والدها أقسم لها بأنه سيكون معها بكل خطوة تخطوها , و هي ببرائة وثقت به أليس والدها ؟ يفترض بأن هذا واجبه على الأقل , هو حقق وعده حتى ظهرت هي بحياتهما , قلبت حياتها تماماً , بالبداية و أمام والدها كانت الأم المثالية , و هي وقعت بحبال تلك الكذبة القصيرة حتى بدأ والدها يعود للعمل , إكتشفت أنها خدعت و الأسوء أن ذاك الرجل قد سقط هو الآخر بوجهها التي تظهره , لم يصدق سواها و أصبحت هي الكاذبة .

لذا هي كرهت الأطفال , ضعفهم و حاجتهم الدائمة للدفئ و الحنان , تلك الحاجة التي تجعلهم يقبلون أن تتم إهانتهم ثم يبتسمون لذات الشخص إن إحتضنهم مُعتذراً دون رؤية ما بأعماقه , يثقون بأي أحد بصورة سريعة , و يتألمون أكثر من البالغين , لذا هي أبعدت كل مشاعرها و دفنتها بأعماق قلبها , و أصبحت ما هي عليه , لم تعد تبالي بوالدها و إن أحبها أم لا !

عندما أخبرها أن كونها وريثته سيعتمد على مدى نجاحها بالزواج من رجل أعمال ناجح هي لم تُبالي بما أنها ما كانت من الفتيات الاتي يحلمن بفارس أحلامهن بأي حال , لكن وقوع إختيار والدها لآيكو و الذي لديه طفلين أمر أزعجها , من قال أنها راغبة بأن تصبح زوجة أب ؟! أو أن ترى تلك الأعين الضعيفة التي تعكس نفسها القديمة أمامها ؟!

أقنعت نفسها لاحقاً أنها سترسل صغيره الذي يعيش معه إما لوالدته أو لمدرسة داخلية و لن تهتم حقاً إن بقي يعتني بهما و بصروفهما المهم أن لا يقترب أي منهما إليها ! أن لا ينظرا إليها ببرائة أو رجاء بعينان دامعة , لا تريد أن تلامس يدها يد أي منهما إن مدت لها طالبة النجدة .

و بما إكتشفت أن كل هذا مُستحيل قررت الإنسحاب فقط , توقفت عن السير عندما شعرت بيد تمسك بها بقوة و يديرها بينما نطقت ضيفتها الغير مرغوب بها :" سوكي , أنتي أترغبين بأن تجعلي والدك يغضب ؟ هل ستقومين بإحراجنا أمام الجميع ؟! سيتم طردك ! لن تجدي منزل يقبل بك ! ستتحولين لمتشردة و كم يلائمك هذا "

أنهت حديثها بينما تكز على أسنانها بقوة بسبب إبتسامة من أمامها الساخرة لتلتف و تغادر و قبل أن تفعل هي نظرت للصغير الذي كان يقف خلفهم بحدة ثم غادرت , آمال هوشي رأسه قليلاً و ابتسامة شقية رُسمت على وجهه بينما يلوح لها ببرائة مُصطنعة , نظرة جلعت سوكي تتقدم منه بسرعة بينما تنطق ": أنت هل فعلت شيء ما ؟ ثم منذ متى و أنت هنا ؟! "

وضع يده على فمها ليجعلها تصمت ثم سحبها خلفه للخارج عندما ظهر صوت صراخها بقوة شديدة ممزوج بأصوات نباح كلاب الحراسة التي تركض خلفها , شهقت سوكي بصدمة بينما كان المسؤول عن تلك الكلاب يجري خلفهم برعب شديد قبل أن يحضر الخدم بعض اللحم و الطعام الخاص بالكلاب ليبعدوهم عنها و بالفعل كان لهم ما أرادوا ليعبس هوشي وهو ينطق :" كان يمكنهم الإنتظار أكثر حتى تسقط صحيح ؟! "

ليس و كأن الخدم تحركوا من تلقاء أنفسهم بل الصغير أخبرهم عندما ترون أن هناك أمر خاطئ بالحديقة أخرجوا الطعام لإطعام الكلاب الجائعة بسرعة , و ضحيته جلست بوسط الحديقة بينما توبخ المسؤول عن تلك الكائنات الهمجية على حد قولها قبل أن تنهض تعدل شعرها و مكياجها بشكل سريع ثم تعود للسير بكل عجرفة !

إتسعت ابتسامة الأصغر و هو ينطق :" أتسائل إن نشر هذا المقطع أيمكنها السير بهذه الطريقة بعد اليوم ؟! "

نظرت سوكي له وهي تتحدث :" أنت أجب حالاً لما فعلت ذلك ؟ "

حدق بها بإنزعاج وهو يجيبها :" هل يجب أن تفسدي علي فرحة نجاح مقلبي حقاً ؟ خالة ألا تعلمين أنني أعددته لك ؟ لكنني رأيتها و فقط كم كانت أكثر من مناسبة لتكون بديلتك بهذا المقلب ! "

أنهى عبارته بتفكير قبل أن يكمل بإستياء :" مع أن المقلب قديم فقد طبقته على كيجي مرة بالمخيم ! الفرق أن كلاب المخيم ما كانت جائعة حقاً "

هي حدقت بالصغير أمامها , هو لم ينظر يوماً إليها بتلك النظرة التي تمقتها إلا عندما حدثت مشكلة شقيقه تلك , و حقاً لم تدرك كيف لكنها وجدت نفسها تضحك بشدة لاسيما و هي تذكر ملامح وجه زوجة والدها و هوشي حدق بها بشيء من الدهشة قبل أن يبتسم بخفة , لا يعلم لماذا لكنه لم يعد يشعر بتواجد هالة سيئة تنبعث منها !.

******

وقف أمام والده بهدوء شديد بينمت لمعت عيناه بترقب شديد لما سيطلبه والده منه , تردده و قلقه تحول بالكامل لحماس لاسيما عندما رآى والده يبتسم له بخفة , يشعر بشيء من السعادة فهو سيحقق ما يرغب به و بذات الوقت لن يغضب منه لإنه بإذنه !

آيكو نظر لمساعده بابتسامة خافتة بينما ينطق :" أيمكنك تعليمه إستخدام معدات المكتب بشكل عام ؟! "

ابتسم المعني و هو يومأ إيجاباً ليمد يده للصغير بينما يتحدث :" إذاً أنت يوشي صحيح ؟ دعنا نتعاون معاً حسناً ؟"

رغب بأن يتراجع و لو لخطوة للخلف لكنه منع نفسه من ذلك بينما يمد بيده إليه بشيء من الخجل و هو يجيبه :" أجل , سأفعل و أبذل كل ما بوسعي "

مسح على شعره وهو ينطق :" أنت حقاً طفل مذهل و لطيف "

أخفض رأسه بخجل أكبر بينما ابتسم آيكو قليلاً قبل أن ينطق :" بما أنك بالمدرسة فأنت لن تعمل هنا سوى ثلاث ساعات ! بالعطلة إن رغبت بالإستمرار سيزداد عدد الساعات موافق ؟! أجرتك سيتم إحتسابها بعدد ساعات عملك يومياً "

دب الحماس بقلبه مُجدداً بشيء من السعادة لينطلق خلف مساعد والده حيث مكتب الأخير , و أيكو أسند جسده للمقعد بينما توجد إبتسامة واسعة على ثغره , هو حقاً كان سيحضره ليجلس فقط لكنه يدرك أن صغيره لن يقبل لذا فكر بأنه لا بأس بتعليمه كيف يمكنه طباعة الأوراق و تصويرها أو إتلافها !

بالطبع الأوراق الهامة سيقف مساعده بجواره ليتأكد منها , و بهذا فقط يجعل صغيره فخور بما ينجزه و يتأكد هو أنه بخير و لم يرهق كثيراً , و بناحية أخرى هي وسيلة مُناسبة لتقوية شخصيته فبتواجده هنا سيرى الكثير من الأشخاص , و بأي حال هو كان ليجبر كلاهما على القدوم للشركة من أجل تعليمهما عندما يكبران قليلاً , فأحدهما سيكون مديرها يوماً ما .

*****

كلاهما جلس خلف المكتب المخصص للدراسة حيث كات الأصغر يساعد توأمه بحل واجباته و شرح بعض الدروس له بطريقة سهلة و مُختصرة , و بالرغم من أن هوشي بالعادة يشعر بالملل من الدراسة و لو أنه بظروف أخرى لإعترض و بدأ يتذمر من الدراسة لكن الوعد الذي أطلقه توأمه بأن سينهض للعب معه فور إنتهائهما يجعله مُتحمس حقاً .

كما أنه يرغب بمعرفة ما حدث معه بأول يوم له بالشركة و توأمه قال أنه سيخبره عندما ينتهون من الدراسة أولاً , ما إن إنتهيا و أخيراً نهض هوشي من فوره عن المقعد بسرعة شديدة بينما يهتف :" و أخيراً إنتهى العذاب و الآن دور المرح ! "

نظر يوشي له بشيء من الصدمة فهل هو كان يشعر بالملل لهذه الدرجة ؟! مع أنه حقاً كان مستمتع بالشرح له ! و مع ذلك وجد نفسه يبتسم بخفة قبل أن يمسك بيد الأكبر التي مُدت إليه تطالبه بالنهوض , و ما غادرا غرفتهما حتى وجدا والدهما أمامهما وقد نطق بابتسامة :" جيد كنت قادم لرؤيتكما , تعاليا معي للمكتب هناك أمر منكما "

آمال هوشي رأسه بينما ينطق بشيء من الإستياء الطفولي :" جيد أنك تذكرت أن تطلبني أيضاً لمكتبك ! "

رفع آيكو أحد حاجبيه قليلاً قبل أن يتقدم ليحمل هوشي للأعلى بينما يتحدث :" أبعد الفضول عنك فهي عادة سيئة ! إن لم يكن الموضوع يخصك لا تحاول إكتشافه "

أجابه بسرعة :" إن كان الموضوع يخص نسختي اللطيفة فهو يخصني أيضاً "

كرر من خلفه بشيء من الحيرة :" نسختك اللطيفة !؟ "

يوشي شهق بخجل بينما هتف بحده :" لست نسخة لأحد ! توقف عن تكرار هذا "

أخفض آيكو صغيره ليضحك بخفة مما دفع يوشي للخجل أكثر و قد توردت وجنتاه و وقف خلف شقيقه بينما يهمس :" كل هذا بسببك ! ألا تجيد الصمت ؟ "

أوقف والدهما نفسه عن الضحك ليتحدث :" هيا تحركا الآن "

تبعه كلاهما للمكتب و ما إن وصلوا لداخله هو أغلق الباب قبل أن تتبدل نظراته لأخرى جادة وهو ينظر ليوشي قبل أن ينطق بينما يمسك بالهاتف :" صغيري يوشي , أريد منك وعداً إياك و الإعتذار عن أي أمر , صغيري الوالدان عندما يخفقان بحماية أو تحقيق أمر يرغب به أبنائهم يشعرون بأن الحياة ما عادت تتسع لهم على أرضها ! "

صمت قليلاً يراقب وجه صغيره الذي إستقرت عيناه بشيء من التردد و الخوف المزوج بالشوق الشديد للهاتف ليبتسم قليلاً قبل أن يردف :" و إن حدث و إعتذر الصغير فهذه ستعتبر طعنة جديدة فهم فوق فشلهم جعلوا صغيرهم يحمل مسؤولية الأمر ! لذا أطلب منك أن تحاول التعلم من أنانية توأمك "

نفخ هوشي من فوره وجنتيه بينما ينطق بإعتراض طفولي :" مهلاً لحظة ماذا تعني بالأنانية ؟ أنا أطالبك بحقوقي فقط ! هي واجباتك كأب ليس بها أي أنانية , أترغب بمقلب ما حتى ... "

شهق بألم عندما يد والده إمتدت تقرص أُذنه بشيء من القوة بينما يتحدث :" لا تنسى أنك تقف أمام والدك لا صديق لك ! أظهر بعض الإحترام أيها الطفل "

أجابه وهو يبتعد عنه ليضمن عدم وصول يده لأذنه المُحمرة مجدداً :" و من قال لي مرة إعتبرني صديق لك و لا تخف مني أو تخفي عني أي أمر ! "

بعثر آيكو خُصلاته بينما يرفع يده كعلامة على الإستسلام بينما بدأ بالعبث بالهاتف ووضعه على أذنه و ما إن تأكد أن الهاتف يرن سلمه ليوشي وهو يتحدث :" تذكر ما قلته لك موافق ؟ "

أمسك الهاتف و مشاعر القلق إزدادت أكثر فماذا يجدر به أن يخبرها ؟! هو ما تحدث معها منذ تلك الحادثة , و ماذا إن كانت تبكي ؟! كيف يمكنه أن يمسح دموعها و بينهما مئات الأميال ربما ؟!

و قبل أن يدرك كان الهاتف قد أصبح بيد هوشي الذي حدق به بفضول بينما يتحدث :" من هو الشخث الذي ستجعل أخي يتحدث معه ... "

صمت مع شهقة متفاجئة عندما وصله صوت والدته التي نطقت بهدوء :" مرحباً , أيمكنني أن أعلم من المتصل ؟ "

هو هتف بمرح :" أمي ! هل أنتي بخير ؟ إشتقي إلي ؟ أنا إشتقت لك بشدة ! سأقلب المنزل فوق أبي ليأخذنا للقرية بنهاية الأسبوع القادم ! "

لا تنكر أنها صُدمت من سماع صوت صغيرها لكن سرعان ما ابتسمت بشيء من السعادة فحقاً هي بحاجة لجرعة من التفاؤل و ما هي أفضل طريقة للحصول عليها سوى من سماع صوت صغيراها ؟!

أجابت بنبرة سعيدة :" أهلاً بك صغيري , بالطبع فعلت و من لن يشتاق للمشاكس الصغير ؟! يمكنك طلب هذا بلطف و إن كان متفرغاً لن يرفض صحيح ؟ "

نطق بسرعة :" لقد عرفتني ! كيف هذا ؟ أليس صوتي و أخي متماثل ؟! و أمي لأجل التأكد من أن لا يرفض "

آيكو كان قد جلس على مكتبه بينما يراقب صغيره بشيء من اليأس و محادثته تلك مع والدته , قبل أن ينقل بصره للآخر الذي كان مُتردداً من التقدم و أخذ الهاتف من يد توأمه و إن كان يشعر بأنه يحترق من شوقه للحديث معها .

هو ابتسم له ما إن تلاقت عيناهما و أومأ له إيجاباً , تزامن ذلك مع مد هوشي الهاتف له بينما ينطق بمرح :" تفضل , إنه دورك "

تناوله منه ببطء شديد بينما يضعه على أذنه بصمت , لا يعلم لماذا لكنه فقط لا يفكر سوى بالإعتذار لإنه لم يتمكن من العودة لها و مع هذا يذكر كلمات والده حول أنه سيؤلمها أكثر , لذا و بطريقة غير متوقعة ما صدر منه سوى شهقة ما و قد بدأت دموعه بالإنهمار !

و هذا حقاً كان آخر ما يرغب به لكنه ما تمكن من منع نفسه من ذلك , لذا أخفض رأسه بينما بالطرف الآخر هي نطقت بصوت يعلمه بأنها على وشك البكاء أيضاً :" صغيري يوشي , أدرك أن طفلي قوي دائماً فلماذا البكاء الآن ؟"

مسح دموعه بيده بينما ينطق بشيء من الصعوبة :" أنا أحبك "

لم يكن الإعتراف بشيء كهذا أمر من عادته لكن أهو على طبيعته أساساً ؟ سماع صوتها بعد كل هذه المدة يجعله يدرك كم أنه إشتاق لها و بشدة !

و هي إنهمرت دموعها بالفعل و مع ذلك ما أظهر صوتها ذلك بينما تجيبه :" و أنا أفعل , أحبك أكثر مما تخيل صغيري , أنت و شقيقك أفضل ما حصل لي بهذا العالم لذا إعتني بنفسك و به و دعنا نلتقي بالعطل موافق ؟! لا تقلق من أي أمر والدتك ليست طفلة حسناً ؟ "

هي أنهت جملتها و قد ابتسمت بشيء من السخرية على نفسها , كيف كانت لتواجه صغيراها لو أنها آذت نفسها حقاً بذلك اليوم ؟! هي حقاً مُمتنة لشقيقها الذي أنقذها من إرتكاب حماقة !

الصغير ابتسم بخفة عندما أخبرته أنهم سيلتقون بالعطل , لسبب ما هذا أدخل بقلبه شيء من الطمأنينة بأنها ستنتظره دائماً , لذا أجابها بالموافقة قبل أن يغلق المكالمة و يعيد لوالده الهاتف بينما إحمرت وجنتاه عندما تذكر أنه بكى أمام توأمه ووالده !

الأول كان مسح على شعر شقيقه بشيء من الحزن بينما إحتضنهما آيكو وهو يتحدث :" لا داعي للقلق يمكننا أن نفاجئها بنهاية الأسبوع القادم ما رأيكما ؟ "

ابتسم يوشي بسعادة وهو يومأ بينما أومأ الآخر بعده بمدة و نظراته مُركزة بإتجاه توأمه و الذي ما إن لاحظها حتى نطق بضيق و خجل :" أنا أحبك أيضاً ! ولا أريد الابتعاد عنك فقط إشتقت إليها لذا لا تفكر بحماقة ! "

أنهى عبارته ليهرب من المكتب لتعود إبتسامة الأكبر و يتبعه بينما يهتف :" نسختي اللطيفة لن تهرب مني ! لازال علينا الذهاب للعب "

*****
عدة أيام مضت بشيء من الهدوء النسبي المشكلات كانت قد هدأت تماماً حيث أن الشركة قد استقر وضعها بل هو بتحسن مُستمر .

حالياً كان آيكو يجلس بمكتبه بهدوء و حوله عدد من المُستشارين و من ضمنهم أولائك الذين رفعوا القضية ضد تاكاشي بالماضي !

هو طلب منهم كفرصة أخيرة إحضار السبب الحقيقي لرفع تلك القضية و اتهامه دون غيره ، يوشي كان قد أنهى توزيع بعض من أكواب القهوة لهم و وقف بزاوية ما يحدق بالأجواء بشيء من التوتر .

هو ما كان يعلم أن شركة والده هي السبب بما حدث لخاله ، لكنه الآن بات يفهم سبب كرهه لوالده و هذا حقاً أشعره بالحزن ، وجد أن له حق ليفعل و بما أنه رأى الحزن العميق بعينا خاله بسبب ذاك الموضوع لا يمكنه لومه لكن مع هذا لا يرغب بأن يظن أي شخص أن والده و بطله شخص سيء !

شهق بشيء من الخوف عندما ضرب والده على الطاولة أمامه بينما ينطق بغضب شديد :" و كيف تمكن ذاك اللعين من إصدار أوامر لأحد موظفين شركتي ؟ "

ابتلع مدير قسم القانون للشركة رمقه بينما يتحدث بتوتر :" لقد قام برشوته فقط "

صك على أسنانه بقوة قبل أن ينطق :" لا تراجع بقرار الطرد ! لو كنت غير مشارك بهذا لأعلمتني بالأمر و لا تحاول إقناعي بالعكس ، غادر "

شهق المعني بإعتراض إلا أن عينا آيكو كانتا تحذرانه من أي رد بل أردف بحدة باردة :" سيتم فتح ملف القضية ! ان لم يكن يد بها سآتي لمنزلك و أعتذر شخصياً مع اي تعويض ترغب به ، و ان كان لك يد بها يمكنك الذهاب للجحيم مع من هم معك "

أنهى عبارته ليقف بينما نطق الآخر بشيء من التوسل :" سيد تداشي هذه القضية وقعت منذ سنوات ، انت يمكنك تعويض السيد هيتومي صحيح ؟ "

لم يجب و ما كان ينوي ذلك هو تركه يتحدث بينما تجاهله ، ليس لإنه لا ينوي القيام بمشكلة او شجار بل على العكس تماماً ، يريد الاحتفاظ بطاقته لشجار لكن مع الرأس المدبر لكل هذا .

مساعده أجبر المتواجدين ليغادروا المكتب قبل أن ينطق :" سيدي هناك أمر آخر ، مدير تلك المدرسة الداخلية و كل العاملين بها وجدوا قتلى اليوم صباحاً بساحة السجن ! "

اتسعت عينا آيكو بشدة من الصدمة بينما شهق يوشي برعب شديد .

رفع آيكو رأسه ليرى صغيره الشاحب هو تقدم منه ليمسح على شعره بخفة بينما ينطق :" سيكون كل شيء على ما يرام ! يمكننا تجاوز كل هذا "

أنهى عبارته ليقف بينما يتحدث :" إذاً يوشي مهما حدث أكمل أنت و شقيقك روتين حياتكما بالذهاب للمدرسة و قدومك للعمل موافق ؟ "

دق قلب يوشي بشيء من العنف فماذا يفترض بهذا أن يعنيه ؟! هو أراد الركض و التشبث بوالده الذي غادر مكتبه تاركاً خلفه صغيره بوجه شاحب إلا أن مساعده أمسك به بينما ينطق برفق :" سأوصلك للمنزل يا صغيري فقد انتهى وقت عملك ! و لا تقلق لا أظن السيد تداشي قد يتهور حقاً "

هو سار برفقته بلا اعتراض لكنه قطعاً ما إقتنع بعبارته تلك ، فما قاله والده له قبل قليل يعطيه شعور سيء للغاية .

هو غاضب ، يدرك أن تصرفاته التي ستبنى على الغضب سيئة ، و مع ذلك من سيوقفه حقاً ؟

عدوه يعمل جاهداً لحرمانه من أسرته منذ سنوات طويلة ، و هو كان غافلاً عنه مُنشغلاً بمشاكله بالمنزل !

و من دفع الثمن كان شخصاً لا ذنب له بكل هذا ، هل إكتفى بهذا ؟

أبداً بل اتجه لأسرته صديقة طفولته و والدة أبنائه ثم صغيره ، كيف يفترض به السيطرة على غضب كهذا ؟!

لذا طريقه كان معروفاً بالنسبة إليه هو قطعه دون أن يفكر بالعواقب ، فقط أراد التواجد هناك و إفراغ غضبه عليه مُباشرة .

و بتلك الأثناء وقف تاتشو بالساحة الأمامية لمبنى شركته الأم حيث كانت الصحافة متواجدة تتساءل حول انفصاله عن خطيبته ، و عمله و ربما كل شيء لا علاقة لهم به !

و مع ذلك هو ما كان ليمانع ذلك ، لسانه كان ماهراً بخط روايات و قصص لم تقع قط ، إلا أنه صمت بصدمة عندما شعر بألم حارق يعصف بوجنته اليُمنى ، هو لم يدرك ما حدث حقاً .

رؤيته لآيكو المتجه نحوه و عيناه تحملان الكثير من الحقد ، ثم لكمة ؟! أهو لكمه حقاً أمام الكاميرات ؟ و أعين الصحافة ؟ هذا وحده جعله يتناسى ألم الصفعة بينما ينطق بنوع من السخرية :" سيد تداشي ! أيمكنك أن تفسر لي ما بال هذا التصرف الذي لا يمت للحضارة بصلة ؟ "

كز على أسنانه بسخط ، هو لم يبدأ حتى و مع ذلك أجابه بينما تمسك يداه بقميص من أمامه بقوة :" و ماذا عنك ؟ أتصرفاتك هي ما تمت لها ؟ إرسال طفل مريض لمدرسة غير قانونية ، إلصاق تهمة اختلاس لشخص بريء ، تهديد إحدى الموظفات لديك بالزواج منك أو رفع قضية ما بسبب شرط منع الاستقالة و عقوبته ! ماذا تُسمي هذه الأفعال ؟ "

أجابه محاولاً إبعاده عنه :" لا تتهم الآخرين بلا أدلة من فضلك "

نطق بغضب بينما يشد على قبضتيه أكثر :" صغيري دائماً ما يحضر المرتبة الأولى بمدرسته ، لم يتلقى أي شكاوي عليه من قبل ، إذاً فسر لي كيف يذهب لمدرسة كتلك ؟ بل دون موافقة أي من والديه ؟ "

حاول إثنان من الحرس التدخل و إبعاد آيكو عنه إلا أن تاتشو منعهم ليتحدث بشيء من الهدوء مُخفياً مقدار ما يشعر به من غيظ لاسيما مع علو صوت الصحافة المطالبة بمعرفة الحقيقة الآن :" دعنا نتحدث عن الأمر بالداخل "

أجابه بحدة :" نتحدث بشأن ماذا !؟ أساساً الحديث مع من هم مثلك لا نفع له ! "

رد بطريقة منزعجة بينما أعطى الإذن لحرسه بالتدخل أخيراً ما إن أنهوا طرد الصحافة من المكان :" آيكو أتعلم أن تصرفك هذا متهور !؟ أن تندفع كالأحمق فحسب ألا يعد هذا دليلاً على عدم قدرتك لمُجاراتي "

ألقاه أرضاً بقوة بينما حدق بالحرس من حوله ، يدرك أن من أمامه لن يمكنه إيذائه حقاً ليس و الصحافة سجلت بداية ذاك الشجار و ربما هم من دفعه لاقتحام المكان ببساطة .

بالنهاية هو أجابه :" لا أعلم إلى أين تهدف بالوصول لكن لن أسمح لك بالتقدم أكثر "

أنهى عبارته ليلتف و يغادر إلا أن الشرطة تواجدت بالمكان ، نظر كلاهما لها فأي منهما لم يستدعها حقاً ، ترجل شخص ما منها بدى و كأنه يمتلك موقعاً جيداً لينطق بهدوء :" إستمعا لي رجاءاً , لا أعلم ما يحدث بينكما حقاً لكن الشجار أمام الصحافة ليس بالأمر الذي يمكن للشرطة تجاهله مهما كان موقعكما لذا أيمكنكما مرافقتي بهدوء ؟ "

همس آيكو لنفسه وهو يعيد خُصلاته للخلف :" مُذهل ! "

تاتشو نطق بإعتراض :" أأنت جاد ؟ هو من تهجم على شركتي أولاً , يفترض بك إعتقاله وحده "

أجاب بذات هدوئه :" لكنه وجه إليك بعض التهم التي يفترض بنا التحقيق بشأنها ! لذا مُجدداً رافقاني فحسب ؟ "

سار آيكو برفقته بهدوء بينما الآخر سار على مضض و إن كان كُل منهما يدرك بأعماقهما أن فترة مكوثهما هناك لن تطول بأي حال من الأحوال !.

******

مضت عدة ساعات و قد إنتشر خبر ذاك الشجار بسرعة كبيرة بما أنه يخص إثنان من أكبر رجال الأعمال بالبلد , و الإشاعات كذلك بدأت بالإنتشار أكثر !

التوأم جلسوا بغرفة الجلوس بقلق شديد , يوشي كان يضع يده على صدره و الشعور بالخوف لم يبتعد عنه و لو لثانية واحدة منذ الموقف الذي تعرض له بالشركة و الأكبر كان يخفض رأسه مانعاً نفسه من البكاء بالكاد , هو ما رغب بأن يبكي , أراد أن يؤمن بأن والده سيدخل من الباب بطريقة ما .

شيزوكا كانت تبكي بالفعل و هي تتحدث :" لماذا كان عليه الذهاب بنفسه ؟ كان بإمكانه الطلب من الشرطة لتحقق بالأمر ! "

وقفت سوكي بالمنتصف بينما أجابتها بشيء من الهدوء :" تعلمين أن آيكو لديه معارف بذات مقدار الآخر , لذا سيكون بخير "

هي كانت هادئة , تدرك أنه لولا الصحافة لما تحركت الشرطة حتى !

و بالمركز جلس آيكو بإسترخاء شديد على السرير الخشن بينما من أمامه كان على وشك الإنفجار بينما ينطق :" تداشي ماذا تريد !؟ وقع على تلك الورقة لننهي الأمر و نغادر هذا المكان اللعين "

أجابه بهدوء مُستفز :" يعجبني هذا المكان و لا رغبة لي بمغادرته , لما علي التنازل عن حق صغيري ؟ يمكننا البقاء معاً هنا لن أهتم "

فور وصولهم للمركز أخبرهم قائده أنه تلقى الكثير من الإتصالات لأجل كليهما , لذا كل ما عليهما فعله هو التوقيع على ورقة تنازل من جهة تاتشو و ورقة تسقط التهم التي قالها آيكو على الآخر و بهذا يغادر كلاهما و يعقدان مؤتمر يوضحان به أنه سوء فهم و تغلق المشكلة للأبد .

أو هذا ما يفترض حدوثه لولا أن آيكو ما كان مستعد للتنازل و خاصة أنه بحالة كتلك لن يحق له توجيه هذه الإتهمات له مُجدداً , لكن أيمكنه حقاً القبول بحريته مقابل إسقاط حق طفله ؟ لن يفعلها بأي حال لذا ليجدوا له حل آخر .!

سيزوكا و الذي يأس من إقناع صغيره بالأمر عاد للمنزل بخطى خائبة بالبداية إلا أنها سرعان ما تحولت لأخرى مؤيدة , فقطعاً ذلك الرجل لن يتوقف عن محاولة إيذائه لذا ربما وجوده بالسجن أفضل ؟! حتى تحقق الشرطة بشكل أوسع بتلك الإتهامات .!

*****

و كعادة الأيام تمر بشكل خاطف , تجري حاملة معها الكثير من المفاجآت المختلفة , تتراوح ما بين إدخال السرور للقلوب أو تحطيمها و ربما إجبارها لتصبح أكثر قوة , و أحياناً يفقد الالشحص قدرته على إحصاء ما مر به حقاً , و هكذا كان آيكو عندما أكمل الأسبوع بتلك الزنزانة , هو تم فصله عن تاتشو عندما كاد شجار آخر أن يندلع بينهما , الضغوطات على الشرطة للإفراج عنهما أو إيجاد الحقيقة تزداد بكل ثانية !

و بهذا جمعهما مدير المركز مجدداً ليتحدث بشيء من الرجاء :" حسناً بما أن السيد تداشي مصمم على عدم التنازل إذاً لنحل الأمر بطريقة أُخرى , سيد تداشي أنت ستدفع غرامة على تعديك الذي قمت به , و بالمقابل ستحقق الشرطة بشأن تلك التهم التي وجهت للسيد تاتشو , لكن إن كان ما قلته خاطئاً سيحق له أن يقاضيك مُجدداً , و الآن يمكنكما الإتصال بقريب ما لإخراجكما , السيد تداشي لإحضار المال و السيد تاتشو ليكفلك ! "

شد تاتشو على قبضة يده بقوة وهو يحدق بغريمه بحقد شديد , لن يصمت على ما حدث هنا , سيجعله يتمنى الموت بل ربما سيوصله إليه , لن يقتله لكنه سيجعله يسعى إليه بمفرده , حتى ينتهي بالنهاية مُنتحراً و إن كان هو سيقع بعدها لن يهتم !.

بعد القليل من الوقت هو شرد ببصره للخارج و الشوارع , لم يكن مُهتماً برؤية تلك التفاصيل حقاً بقدر أفكاره التي أجبرته على الشك بأن الشرطة حقاً ستبحث بالأمر , هو لديه الكثير من السياسين الذي يقفون بصفه , و شخص تمكن من قتل مجموعة تتجاوز العشرة رجال بالسجن لن يصعب عليه حقاً إيقاف البحث .

أي هو بنفسه عليه البحث عن دليل ما لأي غلطة قانونية قام بها ليتم الإمساك به فحسب , لكن أيضاً ليس دون تدخل الصحافة لئلا يتمكن أحد من مساندته , لن يفضح أحد نفسه فإن ثبتت تهمة ما عليه من كانوا يساندونه سيبتعدون للبحث عن أي دليل أو عمل مشترك بينهم لإبعاده ثم إنكاره تماماً !.

و بما أنه يمتلك ذات المقدار من المعارف أيضاً لن تكون المهمة بهذه الصعوبة مهما حدث , خرج من أفكاره عندما يد والده إمتدت تمسك بيده بخفة , هو ابتسم بود لينطق :" لا تقلق يا بُني نحن سنكون إلى جانبك دائماً "

بادله الابتسامة بهدوء قبل أن ينطق :" هل الصغيرين بخير ؟ أمي و سوكي ؟ "

تنهد بخفة بينما يجيبه :" الصغيران بذلا الكثير حقاً بالصمود , هما كانا يجلسان أمام الباب بكل يوم لفترة بإنتظار عودتك , هوشي فلب المنزل مئات المرات لكي أحضره إليك ! و يوشي طلب ذلك بخجل و حزن لكنني فقط كنت أرفض "

ابتسم قليلاً قبل أن ينطق بحزن :" هوشي لم يتمكن من نسيان صورتي بالمشفى لليوم ! لذا حقاً من الجيد أنك ما أحضرتهما فهذا كان آخر ما أرغب أن يشاهداه حقاً "

أومأ له إيجاباً :" أعلم ذلك جيداً صغيري , بأي حال والدتك تصرفت كالأطفال أكثر منهما حتى ! هي لم تتوقف عن البكاء و امتنعت عن تناول الطعام ! تخيل أن يوشي هو من أطعمها باليوم الثالث , و هوشي حاول إعطائها بعض النصائح حول أنه عليهم أن يكونوا بخير ليقفزوا فوقك فور عودتك للمنزل ! "

ضحكة هربت من جوفه ربما ما كانت بمحلها حقاً , لكن بصدق أيمكنه أن يكون أكثر حظاً من إمتلاكه لهما ؟! ثوان فقط و إختفت ابتسامته ليتحدث :" القفز فوقي ! لما أشعر أن الأمر به أكثر من مجرد قفز بريء يعبر عن الإشتياق و حسب ؟! "

أجابه بشيء من التهكم :" ربما لإنه بدل البكاء إنشغل بالتخطيط لمقلب ما ؟! "

تنفس بعمق و شيء من اليأس قبل أن يبتسم مجدداً , هو فخور بهما و بشدة كونهما تمكنا من الصمود و سعيد ربما بثقتهما به , و إن كان يعلم أن الأطفال دائماً ما يميلون للتفاؤل بفطرتهم .

أعاد بصره لوالده عندما نطق :" سوكي بخير أيضاً , هي كانت تدرك أنك ستخرج فحسب , بأي حال أتعلم تاكاشي إتصل أكثر من مرة للإطمئنان على هاتف منزلك , لذا كانت تجيبه هي وفقط متى تحسنت العلاقة بينكما ؟ "

ابتسامة رُسمت على ثغره بينما أعاد ببصره للنافذة , يدرك بأن تاكاشي لم يفعلها لإنه راغب بذلك بل لإن إتصاله هو أكثر منطقية من إتصالها هي و هذا فحسب يجعله يشعر بالسعادة .

******

مُنذ أن تلقى سيزوكا ذاك الإتصال من صغيره حتى عمَّ القصر جو من السعادة , والدته حرصت على إعداد جميع الأصناف التي يُحبها إبنها و قد صممت على أن تكون هي من يفعلها بالرغم من أنها لم تصل للمطبخ منذ سنين ربما ؟!

الصغيران الذين كانا بغرفتهما ينهيان الفروض المدرسية تركا مكانهما بسرعة فور سماعهم للضجيج بالأسفل و ما إن علما بالأمر حتى دب النشاط بهما بالفعل , بحيث تحرك كل منهما للإستعداد لإستقباله ! .

تلك السعادة الغامرة التي أحاطتهم إكتملت و أخيراً , شعور بالإنتعاش ساد الأجواء ما إن أطل الغائب و أخيراً عائداً لمنزله و مكانه , والدته كانت أول من تحرك تحتضنه بقوة شديدة بينما عادت عيناها تذرفان المزيد و الكثير من مياهها , هو أحاطها بيديه سريعاً بينما يتحدث بهدوء :" أمي , إشتقت لك أيضاً !"

عبارته تلك ما ساعدتها على كتم دموعها حقاً بقدر ما سكبت المزيد منها , هي كانت خائفة بشدة ماذا لو فقدته كما فقدت صغيرها الأول ؟! لن تحتمل الأمر مُطلقاً !

تدخل زوجها لإبعادها عنه قليلاً بينما ينطق :" ستقومين بخنقه بالفعل , هو بالمنزل الآن يمكنك الإطمئنان عليه متى ما رغبتي "

حدقت بزوجها سريعاً و الذي نطق عبارته الأولى بنوع من السخرية بينما الأخرى بنوع من الدفئ و مع ذلك أجابته بحاجب مرفوع :" ماذا يفترض بجملتك الأولى أن تعني ؟ هل إزداد وزني مثلاً ؟ أأنا أزعجه ؟! "

و كعادته أجابها بنوع من التهكم ليعود كلاهما للجدال بلا فائدة , حدق آيكو بصغيره الذي يقف أمامه دون أن يتقدم ليخطوا هو بإتجاهه قبل أن ينحفض لمستواه بينما ينطق و هو يعبث بشعره :" آسف على إخافتك بالشركة بذلك الوقت ! و شكراً لك أعلم أن صغيري نفذ ما طلبته منه "

رفع رأسه لتظهر لآيكو عيناه الدامعة مما دفعه لإحتضانه بشيء من القوة و هو يكرر إعتذاره له , دقائق قصيرة و إبتعد عنه بينما يهمس بأذنه :" أين ذلك شقيقك ؟ "

أجابه بينما يمسح دموعه بشيء من العبوس :" لا أعلم ! هو قال أنه يمتلك طريقة ترحيب مميزة و لم يخبرني بها حتى "

ضحك بخفة بينما يجيبه :" ثق بي لا ترغب بمعرفتها على الأغلب ! "

ثم أردف بتفكير :" مع ذلك هو سيسعد أن يحاول إقناع أحد ما بالمشاركة معه إلا إن كان ما ينوي فعله أمر خطير أو سيء "

مسح على شعره فهو قرر أن ينطلق للبحث عنه بما أن القلق تمكن منه , إلا أنه ما كاد أن يخطوا خطوة واحدة للداخل حتى هتف الصغير من أعلى السلالم :" مهلاً لا تتحرك , أنا من سيأتي ! "

نبرته الأخيرة كانت عابثة تماماً و هذا دفع الأكبر لينطق :" إياك و أن تفعل أمراً لا ... "

ما كادت كلماته أن تكتمل حتى شهق برعب عندما قفز هوشي من مكانه , هو يمكنه رؤية الخيط الملتف حوله لكن أحقاً يحميه من السقوط ؟!

ركض من موقعه ليفتح ذراعاه مُستقبلاً صغيره المشاكس بهما و حقاً لم تهدأ نبضات قلبه إلا عندما أصبح بينهما , و ذات الأمر ليوشي الذي شحب وجهه برعب و إنطلق للوقوف بجوارهم .

آيكو حدق به بإستياء بينما ينطق :" أنت تتجاوز حدودك هوشي ! هناك حد لموافقتي على قيامك بالمقالب , متى ما بدأت بهذه الأفعال الخطرة سأحرمك حتى من الخروج من غرفتك ! "

كتف يديه الصغيرة لصدره و هو يجيبه :" لكن أنت كنت ستمسك بي بأي حال ! لن أقوم بأمور كهذه عند عدم تواجد من أثق أنه سيمسك بي , ثم أبي أأنت قلقت ؟ هكذا شعرنا خلال تلك الفترة و جدي لم يسمح لي برؤيتك , كيف كان يفترض بي معرفة أنك كنت بخير حقاً ؟ "

وضعه أرضاً بينما إنخفض وهو يتحدث بنبرة حازمة :" لا شيء مما تقوله أي الطفل مسوغ لما فعلته ! ماذا لو لم أكن قادراً على الوصول إليك !؟ ترغب بالقيام ببعض المقالب من حين لآخر لم أمنعك لكن إن بدأت تعرض حياتك للخطر فهنا سيتوجب علي التدخل ! "

تنفس بعمق قبل أن يردف بهدوء :" و أيضاً لقد كنت بخير حقاً , فقط إشتقت إليكم موافق ؟ "

دموعه إنهمرت بسبب آخر جملة فحسب , أخيراً والده أمامه , هو كان يشعر بالكثير من العجز , لم يستمع له أحد و ما قبل أي منهم أخذه للإطمئنان على والده مع أنه من حقه فعل ذلك , أليس هو من يحميه دائماً , كانا معاً منذ البداية لذا حقاً بالرغم من كل شيء ومع سائر محاولاته للثبات هو إشتاق إليه بشدة , أراد الوصول إليه بلا فائدة لذا فقط رغب بإيصال ما شعر به لوالده بطريقته تلك .!

إحتضنه والده من فوره وهو يهمس ببعض الكلمات المُطمأنة له , و بعودته للمنزل بدأت الأيام بالعودة تدريجياً لما كانت عليه ظاهرياً على الأقل .

******

الأيام كانت تتوالى بهدوء شديد و بروتين شبه موحد , الفصل الدراسي كان على وشك الإنتهاء لذا الإمتحانات على الأبواب , و فصل الشتاء بأوجه , إحتفالات رأس السنة بنهاية الأسبوع القادم , لذا الصغيران متحمسان بالفعل , آيكو أعطاهم وعداً بأنهم بعد عشية الميلاد سيذهبون للقرية , ليروا أمهم من جهة و كنزهة أخيرة قبل الإمتحانات و هو ما إعترض عليه الأكبر بالفعل !

هو أراد إقناع والده بأن هناك شيء يسمى الراحة بفترة الإمتحانات , و يوشي كان متحمساً لتلك الرحلة و رؤية والدته , هو سيتوقف بفترة الإمتحانات عن العمل برفقة والده لئلا تؤثر على درجاته , و والده أعطاه عمل آخر و هو إقناع توأمه بالدراسة و مساعدته بها لينجح على الأقل !

و بإحدى الأيام جلس كلاهما بغرفتهما الخاصة بينما كان هوشي منهمك بكتابة أمر ما و الآخر كان يقوم بقراءة كتاب يفضله إلا أنه أبعده عنه لينطق بشيء من الفضول :" أخي ماذا تفعل ؟ "

آمال هوشي برأسه بالكامل بينما ينطق :" أقوم بتسجيل قائمة للهدايا "

رمش عدة مرات و هو يتسائل بأعماقه عن السبب الذي يدفعه لفعل هذا قبل أن يتحدث بدهشة :" أنت لا تقل لي أنك تؤمن بأنك ستحصل على هدية من سانتا صحيح ؟ "

عبس من فوره وهو يجيب :" و لماذا لا ؟ لقد كنت طفلاً جيداً و لم أقم بالمقالب سوى لمن يستحق "

صمت قليلاً قبل أن يردف :" و أنت !؟ لماذا لا تكتب واحدة ؟ "

تراجع يوشي عدة خطوات للخلف قبل أن ينطق بتوتر :" تعلم أنه مجرد خرافة صحيح ؟ لا وجود له لذا هذا يعد إضاعة للوقت ! "

شهق بينما يتحدث :" إن كان خرافة كما تدعي فكيف تختفي هذه الرسالة كل عام ثم تأتيني الهدايا التي طلبتها ؟ حسنا يصلني ثلاثة من أصل ما أطلبه لكن بكل هي تصل "

أجابه بإرتباك :" كل الكتب تشير أنه لا وجود له ! ثم على الأغلب قد يكون أبي من يفعلها أو جدي "

كتف يديه إلى صدره و قد عبست ملامحه ليستدير و يعود لرسالته :" لهذا السبب أنت ممل ! "

اتسعت عينا الآخر بسرعة قبل أن ينطق بصوت منخفض :" آسف أخي "

هو أنهى عبارته ليغادر الغرفة بخطوات هادئة بينما يرغب بالبكاء !؟ سار حتى إتجه للحديقة الخارجية بينما ينطق بإستياء :" لماذا أرغب بالبكاء ؟ هو لم يقل سوى الحقيقة صحيح ؟ أعني أنا أعلم أنني كذلك منذ زمن بعيد "

أنهى عبارته ليجلس أمام الزهور بينما يراقب طبقة الثلج التي بدأت بتغطية الأرضية , هل هو أزعجه الآن ؟ كان عليه إغلاق فمه فحسب , هو حقاً ممل , جميع من بعمره مهما كانت طبقته يتحرق شوقاً لمثل هذه الأمور لكنه فقط يفسد الأمر على نفسه فهل كان عليه إفساد متعة توأمه ؟

أيعتبر ما حدث شجار ؟ أهما متخصمان الآن ؟ هل عليه الإعتذار منه ؟ ربما أولاً عليه التوقف عن التصرف بهذه الطريقة لئلا يمل منه هو الآخر , هل سيكر...

شهق برعب عندما إمتدت يد كبيرة تمسح دموعه تلك بينما ينظر صاحبها إليه بقلق و هو يتحدث :" ما الأمر صغيري ؟ لما أنت بالخارج بمثل هذا الجو البارد و بهذه الثياب ؟ و لماذا تبكي ؟ هل أزعجك أحد ؟ "

مسح دموعه سريعاً قبل أن ينهض و هو يجيب بهدوء :" أبي أيمكنني الحصول على غرفة خاصة بي ؟ "

رمش عدة مرات بينما يضع معطفه الكبير حوله وهو يجيبه بعد جلوسه و إجباره على الجلوس مجدداً :" هل حدث شجار بينكما ؟ "

أومأ سلباً وهو ينطق :" لا "

تأمله بعمق قبل أن يتحدث :" يوشي تعلم أنني لا أمانع ذلك , و سعيد بأنك تحاول طلب مني ما تريده لكن بذات الوقت لا تعجبني محاولة إنفصالك عن توأم..."

قاطعه بإستياء و هو ينهض بينما وجنتيه مُحمرتين من الخجل :" آسف , إنسى الأمر فحسب أنا سأنام بالعلية أو بإحدى غرف ضيوف , لا أمتعة لي بأي حال لذا ... "

أمسك به من يده لينهض هو الآخر و يحتضنه بقوة قبل أن يجره معه للداخل هو جعله يصعد لحيث غرفة الأكبر و الذي كان يستلقي على فراشه بعد إنهائه لرسالته , هو إلتفت إليهم قبل أن يقطب حاجبيه بسرعة و هو ينهض :" لماذا تمسك بيده هكذا ؟ ماذا لو تألم ؟ ثم لماذا نسختي اللطيفة تبكي ؟! "

نظر يوشي له و عيناه تهدد بذرف الدموع مُجدداً , هو يتحدث كالمعتاد لكنه بدأ يمل منه لذا يريد وضع حد للوقت الذي يقضيانه معه , لا رغبة له بأن يتجاهله توأمه بطريقة مؤلمة لقلبه !

نطق آيكو بحاجب مرفوع :" هو يريد الحصول على غرفة منفصلة و ثياب خاصة به , حتى لو كان بالعلية بالأعلى "

أنهى عبارته ليترك يد يوشي الذي نظر إليه بأعين مُتسعة بينما و بثانية كان توأمه أمامه و هو يمسك بكتفه بينما يهتف بضيق :" لما تريد الهرب ؟ ألا يعجبك بقائك معي ؟ لا بأس بالثياب الخاصة بك يمكننا التبادل لاحقاً و ستصبح لي أيضاً لكن لماذا غرفة بمفردك ؟ "

الأصغر لم يجبه و قد أخفض رأسه ليحل الصمت بينهما , هوشي لم يرغب حقاً بأن يبتعد عنه خطوة فكيف يذهب لغرفة خاصة به ؟ ثم لماذا عليه الذهاب لواحدة ؟ قليلاً فقط و نطق بتردد :" أهذا بسبب ما قلته قبل قليل ؟ "

دموع الآخر سالت على وجنتيه ليزداد إرتباك هوشي و ينظر لوالده الذي رفع يده يخبره أنه لن يتدخل حقاً , توعده بعقله بمقلب ما قبل أن يعيد بصره لشقيقه ليربت على شعره بينما نطق بنبرة طفولية :" أخي أنا آسف , لم أقصد أن أزعجك , أسحب ما قلته أنت لست مملاً فقط لم أقصد ذلك , لم أعلم أن الأمر سيؤلمك لذا لن أكررها مجدداً حسنا ً ؟ لا تبكي ! "

الآخر أومأ سلباً و أراد الإبتعاد لينطق هوشي و هو يوشك على البكاء :" لا تذهب ! إن جعلت أبي يعد غرفة لك وحدك سأبكي , و أيضاً سأضع بها الكثير من الحشرات لتأتي و تنام هنا مجدداً , أرجوك ؟ قلت أنني آسف "

مسج دموعه بينما يتحدث و هو يحدق بجهة أخرى :" أنت أتعدني أنك لن تمل مني يوماً ما و تطلب مني الرحيل بإرادتك ؟ أنا سيء باللعب أخبرتك بذلك منذ تقابلنا بالمخيم , لا يمكنني الإستمتاع كبقية الأطفال لست طفلاً طبيعياً و بالعادة كل من هو بعمري يعتبرني مزعج , يقتربون مني بالبداية ثم يملون سريعاً و يرحلون , لذا أأنت ستفعل أيضاً ؟ لا يمكنني أن أتغير ليس بسهولة و مهما حاولت لذا .."

قاطعه عندما هتف بغضب :" من تخلى عن نسختي ؟ أعطني أسمائهم جميعاً و أقسم أنني سأهديهم مقالب من النوع الفاخر كهدية للميلاد ! سنذهب للقرية قريباً صحيح ؟ "

صمت قليلاً قبل يعبث بخصلات شعر توأمه :" و من سيتخلى عن نسخته ؟ ثم ألم أخبرك أنني معلمك ؟ لن أيأس مُطلقاً سيأتي يوم ما تشاركني به تنفيذ المقالب أعدك ! و حتى إن لم يأتي لن أترك يدك مطلقاً , لا تقلق ثم من قال أنك لست طفلاً طبيعياً ؟ عليه مقابلتي ليرى كم هو شخص طبيعي مذهل ! "

جملته الأخيرة جعلت يوشي يتراجع للخلف بتوتر فهو نطقها بنبرة شبه مخيفة لكن ثوان فقط و تحولت توتره ذاك لضحكة خافته بينما يحتضن شقيقه بهدوء و إمتنان و الآخر بالرغم من أنه عبس لإنه لم يحصل على تلك الأسماء إلا أنه بادله العناق و هو يعده بأن أي شخص سيقترب منه أو يزعجه ستكون نهايته , ثم أخبره أن يعلمه إن هو آذاه بكلماته بلا قصد مُجدداً .

و آيكو نظر لهما ليبتسم بخفة و حنان , كان بإمكانه حل الأمر مع صغيره بالأسفل لكن هذا سيجعل هناك فجوة بينهما , يريد من يوشي أن يطلق لنفسه حرية التعبير و الحديث حتى لو كان مع توأمه فقط , لذا لسد تلك الفجوة و بهدف تقريبهما أكثر أرادهما أن يتفاهما بمفردهما , لاسيما و أن هذا يعتبر أن أول سوء فهم بينهما , إذاً هو فرصة جيدة ليعطيهم الطريقة التي عليهم إتباعها بكل مرة يحدث هذا , أن لا يحتفظ أي منهما بشيء يؤلمه سببه الآخر بل أن يواجهه لتضح له الأسباب .

بالنهاية هو مسح على خُصلات شعره و غادر الغرفة بينما يهمس لنفسه :" ليتك هنا برفقتي للآن , حينها لم يكن أي عبء بحياتي مؤلماً لهذه الدرجة ! "

أنهى عبارته يبتسم بحزن قبل أن يسير بإتجاه مكتبه يعود لأعماله التي يوجدها لنفسه حتى لا يغرق ببحر من الحنين الذي لن يمكنه ملئه مهما حدث .

ما إن إختفى بداخل المكتب حتى ظهرت سوكي بينما تتأمل مسار خطواته قبل أن تنطق بخفوت :" هذا انتحار أيها الأبله "

*****

تجمعت الأسرة على مائدة على عشاء بأجواء تبعث على البهجة و الطمأنينة , و ما إن أنهو تناول عشائهم حتى نطق الجد بمرح :" و الآن وقت الهدايا ! يمكنكما فتحها الآن بما أنكم ستذهبان من فجر الغد مع والدكما للقرية "

قطب هوشي حاجباه و هو ينطق :" لا هدايا لي هذا العام ألم أكتب هذا بالرسالة ؟! "

ابتسم والده بخفة بينما يمسح على شعره وهو يجيب :" لست من يقرر هذا صحيح ؟ لقد كنت طفلاً مُذهلاً لهذا العام أيضاً "

عبس بينما أدار بوجهه لجهة أخرى , الآخر إقترب منه بسرعة و هو ينطق بقلق :" لماذا لا ؟ أنت كنت متحمس بشدة بشأنها صحيح ؟ أهذا لإنني أخبرتك أن سانتا ليس حقيقي ؟ "

كتف يديه لصدره و هو يجيبه بعبوس :" ليس وكأنني لا أعلم أن أبي هو من يتسلل للغرفة لأخذ الرسالة ! لقد قمت بتركيب كاميرا ما بالغرفة لتصيد سانتا ثم إكتشفت أنه أبي لذا قمت بزيادة الطلبات "

شهق آيكو بصدمة بينما ضمه جده من فوره :" هذا هو حفيدي الذي أفخر به دائماً "

تدخلت شيزوكا تبعد زوجها عن هوشي بينما تتحدث :" توقف عن إفساده أكثر حقاً "

هو تذمر منها بينما يبتعد أما يوشي فقد أمسك بيد شقيقه لينطق بقلق :" إذاً لماذا ؟ "

أخرج آيكو تلك الرسالة من جيبه و مدها ليوشي بخفة هو كتب السبب هنا , أمسك المعني بها بسرعة و فضول ليشهق هوشي بينما ينطق :" أبي لست عادلاً ! "

إستقام بوقفته و هو يجيبه :" أخبرتك أن أخاك يريد ترك الغرفة صحيح ؟ إذاً الأمر عادل "

قطب حاجبيه بينما يعيد بصره لتوأمه الذي كان يقرأ تلك الكلمات المكتوبة على الغلاف من الخارج و مع كل كلمة كان يراها كانت عيناه تصبحان أكثر ضيقاً و يزداد عبوسه ' هذا العام أنا لم أكن طفلاً مُهذباً حقاً لإنني جعلت أخي يبكي بسبب حماقتي , هو لم يفعل أي أمر خاطئ لكنني جرحته دون قصد مع ذلك هذا يعتبر عمل سيء , خاصة و أنا أعلم الحقيقة التي قالها , فقط أردت أن أنهي الرسالة بسرعة لذا لم أخبره أنني أعلم أو أنه عليه الإستمتاع ! كان علي تشجيعه على كتابة واحدة أيضاً بدلاً من إزعاجه , لذا أنا أيضاً شقيق أكبر سيء و هذا يعني لا أستحق الهدايا "

هو كتف يديه بينما ينطق بإنزعاج :" أولاً بضع دقائق لا تجعلك بالضرورة الأكبر ,هي يمكن تجاهلها و ثانياً أنت وضحت لي الأمر لاحقاً صحيح ؟ و أنا لم أترك الغرفة و وثقت بك لذا لا يسمح لك بمعاقبة نفسك ! "

ابتسم بمرح أولاً :" كلام لطيف تحاول به نسختي أن تتهرب من كونها الأصغر "

أردف بعدها بشيء من الإرتباك :" إذاً تظن أنني أستحق ؟ "

أراد الإعتراض أولاً ثم قرر تجاهل النقاش معه حول تلك النقطة , ليس لإنه سيسمح له بمناداته بنسخته طوال الوقت و إنما هو فقط سيتجاوز الأمر هذه المرة فقط لذا تحدث بهدوء و ابتسامة لطيفة :" بالطبع تستحق ! أنت أنقذتني أيضاً كثيراً هذا العام , من حادثة الغرق و عندما حاول كيجي التنمر علي بالمخيم , إنتقم لي منهم , جعلتني أتعرف على أبي أيضاً لذا أنا مدين لك "

ابتسامة واسعة و فخورة إرتسمت على ثغر هوشي الذي قفز من فوره يحتضن جسد توأمه بينما ينطق بسعادة شديدة :" أخي ! شكراً لك ثم أنت تتحسن , أنظر لم تخجل من الإعتراف بمشاعرك , مذهل قريباً ستصبح مستعداً لتنفيذ المقالب "

تلك العبارة جعلته يشهق بخجل و قد تراجع للخلف سريعاً بينما هذا لم يؤثر حقاً على سعادة هوشي , سيزوكا أمسك بثلاث هدايا و قدمها للصغير الخجول بينما يتحدث :" و هذه لك , لم نعلم ماذا تفضل لكن أتمنى أن تعجبك "

اتسعت عيناه بصدمة , لا يدرك لماذا لم يتوقع أن يحظى بهدية ما مُطلقاً منهم , آيكو بعثر شعره له و هو يتحدث :" يبدوا أن أحدهم كان يفكر بنا بسوء "

اتسعت عيناه ليحاول نفي ذلك تماماً إلا أن آيكو ضحك بخفة وهو يكمل :" لا تخف أعلم , فقط تذكر أنت طفلي أيضاً موافق ؟ "

أومأ له الصغير من فوره ليعود الجميع للجلوس على مقاعدهم , نظر آيكو لسوكي بنظرة خاطفة و هي أومأت له إيجاباً لتتبدل ملامحه للجد و هو يتحدث :" هناك موضوع مهم علينا الحديث بشأنه ! أعلم أنه ربما ليس الوقت الملائم لكن أرغب بأن تعلموا بالأمر قبل أن يحدث "

حدق الأربعة به بقلق و ترقب فحتى الصغيران شعرا بالتوتر من نبرة والدهما تلك و الذي أكمل :" مع إنتهاء عطلة المدارس هذه سيتم تنفيذ قراران لا رجعة بهما لذا أي نقاش أعتذر مُسبقاً سيكون بلا جدوى , الأول و هو ما سأعلنه هنا الآن أنني و سوكي سننفصل مع بداية الفصل الجديد , لن نستمر معاً لذا أرجو أن تدركوا هذا و تتقبلوه منذ الآن "

شهقت والدته بقوة و ما إن كادت تعترض نهضت سوكي لتتحدث بهدوء لكن بحزم :" لن أقضي حياتي برفقة رجل لديه إبنان و قلبه معلق بأخرى ! أرجو أن تتفهمي هذا جيداً , لا يوجد فتاة عاقلة ستقبل بمثل هذه الحياة ! "

هي نظرت لمن أمامها بإنزعاج بينما تهتف :" لقد كنتي تعلمين بهذا منذ أن وافقتي على الزواج منه فماذا حدث الآن ؟ "

أرادت أن تجيبها فهي ليست بعاجزة عن هذا إلا أن آيكو نطق :" أمي هو ليس قراري و حدي و لا قرارها بمفردها , هذا يعني أن إستمرارية هذه الحياة مُستحيلة ! أنتي من طلب مني المحاولة مُجدداً , فعلت و فشلت بهذا لذا فقط دعينا نستسلم , لدي صغيران مذهلان سأكتفي بهما فحسب "

جملته الأخيرة حملت الكثير من الألم , يوشي رآه جيداً لكنه فشل بتحديد سببه , قلبه آلمه و هو ينطق بخوف لا يدرك مصدره :" و الآخر أبي ؟ "

نظر لصغيره و لنبرته تلك من فوره بينما يجيبه بابتسامة حانية مُتألمة :" سأخبركم به لاحقاً , يكفي خبر واحد لليوم , غداً ستعلمان الآخر و الآن هيا للنوم علينا الإستيقاظ منذ الفجر صحيح ؟ "

نظر التوأمين لبعضهما البعض بشيء من الإعتراض إلا أن هوشي همس بأذن شقيقه بضع كلمات جعلته يتبعه للأعلى , عاد آيكو للجلوس على مقعده و قد نهضت سوكي لتتحدث :" فقط لتعلم قرارك الآخر أكثر حماقة من أي قرار آخر إتخذته بحياتك "

ابتسم بخفة لتصعد هي للأعلى بينما حدق سيزوكا بإبنه و لديه شعور بأنه علم بما يخطط له صغيره , لذا هو نظراته كانت قلقة بشدة لكن كيف يمكنه الحديث معه ؟ هذه المُشكلة التي تشكل عقدة منذ أن كان آيكو طفلاً خجولاً يخفي ألمه بصدره فقط أو ينفث بعضه لتوأمه ليحمل عنه القليل إن تعب بشدة .!

شيزوكا كانت تفكر بأن قرار الإنفصال هو الأسوء بحيث أنه سيعود للبقاء وحيداً يبذل كل جهده للتوفيق بين عمله و إبنيه , ثم هي لا تفهم فحتى علاقة سوكي بالطفلين تحسنت بالآونة الأخيرة إذاً لماذا ؟

*****
رياح باردة هي ما كانت تهب عليهم بفجر ذاك الصباح الشتوي المتجمد ، الطرق اتخذت البياض لوناً ، تستقبل به عامها الجديد الحافل ، بياضاً ما دنسته قلوب البشر للآن ، بدت تلك الطرقات و الأسطح كأنها بحلتها الجديدة توصل رسالة ما ، و كأنها تصرخ مع كل بداية جديدة قم بمحو ما مضى من أمور سيئة لتستمر بالحياة ، لحظاتك المظلمة قم بمحوها برقة كالثلج المنهمر ، دعها تختفي و إبدأ مُجدداً فبكل يوم فرصة جديدة ، و كل عام يمضي تزداد خبرتك الضعف ، لا تقل أخفقت به بل انهض صارخاً ، واثقاً بأنك جمعت كل ما يمكنك التعثر به و بعامك الجديد ستحول تلك العثرات لنجاح ساحق ، ثق بنفسك و انهض !

توقف الصغيران بحديقة المنزل حيث كان الأكبر يصنع بعض من الكرات الثلجية بينما ينطق بحماس :" يوشي أترغب بأن نقوم بمعركة ؟ "

نظر المعني له بحاجبين معقودين بينما يتحدث بهدوء :" لكن أخي إن فعلنا هذا سيغضب أبي ! هو فقط يحضر بعض الحاجيات من الأعلى ثم سننطلق "

أطرق برأسه قليلاً قبل أن يترك الكرات بيده بعناية ثم ينهض لحتضن توأمه بينما ينطق بمرح :" حسناً لا بأس , عندما نصل للقرية يمكننا فعل ذلك , و صنع رجل ثلجي أيضاً "

آمال يوشي برأسه قليلاً قبل أن يبتسم بخفة , هو يرغب بتجربة هذا حقاً بما أنه لم يفعلها قط , و مع ذلك هو لم يعلم أن من يقف بجواره مُحتضناً إياه لم يجرب أيضاً اللعب مع شخص آخر به , لم يكن ليثق بأحد بعد ما حدث مع تيد ذاك لذا أغلق على نفسه بقوقعته الخاصة إذ إستغنى عن كل ما يحتاج شخص آخر لمشاركته , لكن الآن الأمر مختلف فكلاهما معاً لذا يمكن لهما تجربة ما يرغبان به .

عدة ثوان و إنضم آيكو لهما لينطق بابتسامة هادئة :" إذاً هل أنتما مُستعدان للإنطلاق ؟! "

ابتسم كلاهما له ليهتف هوشي بحماس :" أجل , هيا لننطلق أبي ! أمامنا طريق طويل للغاية "

قام بفتح قفل السيارة بينما يجيبه :" يمكنك تمضيته بالنوم صغيري فالوقت لازال مُبكراً و بفضل النشاط الذي تشعر به أكاد أجزم أنك لم تنم حتى ليلاً "

عبس من فوره و هو يجيب :" لن أنام و لو لثانية واحدة ! اليوم يجدر بي إستغلاله بالكامل "

أراد توأمه أن يعترض إلا أن والده نطق :" حسناً كما ترغب ! "

أنهى عبارته عندما إستقر كل منهم بمقعده لينظر الصغير لوجه والده من المرآة , لماذا هو وافق على ذلك ؟ إن لم يحصل توأمه على القليل من النوم على الأقل لن يتمكن من الإستمتاع و سرعان ما سيتعب من هذا , آيكو شعر بمراقبة إبنه له ليبتسم بخفة بينما يحرك السيارة , هو يعرف صغيره العنيد لذا حقاً أن يدخل معه بنقاش لن يعني سوى أن هوشي سيصمم على عدم النوم لكن إعطائه حرية الإختيار ستجعله يغفو ما إن يشعر بأنه حقاً عليه فعلها .

يوشي بالنهاية أسند جسده للمقعد يحدق بالخارج بهدوء , هو سيعود للقرية بعد هذا الغياب الطويل عنها , يمكنه رؤية والدته مجدداً وأخيراً , و مع ذلك قلبه ينبض بشيء من العُنف مُنذ نقاش الأمس , لا يُدرك لما كل هذه المشاعر السلبية التي تُحيط بقلبه ؟ ربما تلك الملامح التي رسمها على وجهه ؟!

هوشي نظر لتوأمه قليلاً قبل أن يلقي بجسده بإتجاهه يضع رأسه على كتفه و يغمض عيناه بخفة بينما يتحدث :" لن أنام حقاً , فقط لعدة دقائق "

نظر الآخر له بابتسامة لطيفة قبل أن يضع إحدى يديه على خُصلاته تعبث بها حتى سقط الأكبر بالنوم بالفعل , و ما إن شعر بأنفاسه تنتظم حتى أطلق ضحكة خافتة وهو ينطق بهمس :" ليس عليك أن تكابر حقاً "

ابتسم آيكو لهما بهدوء ليكمل رحلته تلك , هو يرغب بأن يقضي نهاية الأسبوع بالقرية , سيُتاح للصغيران قضاء بعض الوقت مع والدتهما و هو يمكنه ربما الإسترخاء قليلاً ؟!

تنفس بعمق بينما يشد على المقود مُتسائلاً بأعماقه أيمكنه حقاً الشعور بالإسترخاء و نسيان كل ما يجري بأعماقه و لو لعدة دقائق ؟ يرغب حقاً بأن يستمتع هو الآخر بهذه العطلة , و بشدة !

*****

إستلقى على الأريكة بينما يقوم بالبحث عن قناة ما تسليه قليلاً خاصة و أنه إستيقظ بوقت مُبكر بعض الشيء , اليوم لا عمل لديه لذا يرى أن إستيقاظه مُبكراً يعد سوء حظ بالفعل , و من خلفه كانت شقيقته الصغرى تُعد نفسها للخروج من المنزل إذ قررت إستقبال صغيريها و آيكو بالحديقة العامة !

هو رفع أحد حاجبيه بينما يحدق بها , تبدوا شخصاً مُختلفاً تماماً و هو لا يدرك هل رؤية إبنيها هو السبب فقط ؟ أم أنها راغبة برؤية ذاك البغيظ أيضاً ؟

حرك كتفيه بلا مُبالاة و أعاد عيناه للشاشة أمامه , هو قرر بالفعل أن لا يتدخل بأي مما تفعله بما أنها بخير , خاصة وهو قد تأكد تقريباً أن آيكو لا علاقة له بحادثة سجنه و إلا لما قد يتلقى ورقة رسمية من المحكمة تُعيد فتح القضية و تطعن بالحكم السابق و من أعاد التحقيق مُجدداً كان هو ؟!

بالرغم من هذا هو لا يفهم حقاً من الذي خطط لكل هذا من البداية , لكنه يدرك أنه راغب بإبعاد شقيقته عنه و لو هذه الفترة على الأقل , لديه شعور بأنه يخوض حرباً ما و لا يريد لها التورط بها و لا حتى الصغيران , لكن يفترض أنه يدرك هذا أفضل منه صحيح ؟

إن كانت تلك الإشاعات صحيحة فقريباً إما أن يبقى آيكو بالسطح أو يختفي فجأة و كأنه لم يوجد قط .

تنفس بعمق عندما نطقت هانا بهدوء :" طعام الإفطار مُعد , تأكد من تناوله أخي ! يوري ستحضر لك طعام الغداء أيضاً , إن إحتجت لشيء ما ف ..."

صمتت عندما نهض من موقعه بيعثر شعرها مُفسداً إياه بإبتسامة عابثة و هو ينطق :" حسناً , لستُ طفلاً لتقومي بكل هذا ! يمكنني تدبر أمري لذا فقط إستمتعي "

أبعدت يده مع شهقة مُستاءة بينما تعيد إعادة ترتيب خُصلاتها ذات لون البُن وهي تتحدث :" حسناً فهمت ! لم يكن هناك من داعٍ لإفساد شعري كما تعلم فأنا تأخرت أساساً "

ضحك بخفة بينما يجيب :" أجل عليك الذهاب قبل أن يأتي صغيرك إلينا بمقلب جديد لجعله ينتظر "

إتسعت ابتسامتها لتومأ إيجاباً و تنطلق من فورها , هي بالفعل إشتاقت إليهما , لا تدرك حقاً كيف تمكنت من العيش من دون تواجدهما أو أحدهما حولها , و بالرغم من هذا تعلم أن صمودها كان لأجلهما أيضاً فقط .

وصلت أخيراً للمكان المنشود لتقف أمام البوابة تتنفس بسرعة و ضيق , هي حرفياً ركضت من المنزل لهذا المكان و مع برودة الجو شعرت بأن صدرها سينفجر من الألم !

زجاجة مياه مُدت إليها فجأة بينما نطق صاحبها بشيء من القلق :" لهذا قلت دعيني آتي لإصطحابك , ماذا علي أن أفعل بعنادك ؟ "

رفعت رأسها لتراه أمامها يحدق بها بشيء من اليأس و القلق , ابتسمت بخفة بينما أخذت منه المياه لتجيب :" ليس بالأمر المهم , يمكن عد الأمر كرياضة صباحية "

و بهذا إنتهى الحوار قبل أن يبدأ , بالرغم من أن كلاهما يمتلك المئات من الأحاديث بجوفه للآخر , لكن أي منهما لم يجرؤ على قولها حقاً , لذا لغة الأعين كانت السبيل الوحيد للتنفيس قليلاً عن كلاهما .

تشتت نظراتهما عندما صدر صوت شهقة من صغيرهما الخجول ليستدير كلاهما حيث الصوت , هوشي كان قد أنهى بناء رجله الثلجي تواً إلا أنه لم يعجبه منظره و لا حتى طوله القصير لذا قام بهدمه مما دفع الأصغر ليشهق بإستنكار فهما يعملان عليه منذ وصولهما !

تقدم آيكو لهما بينما يتحدق بهدوء :" لماذا قمت بتحطيمه ؟ "

أجابه بإستياء :" أريد سُلماً لجعله أكثر طولاً ! عليه أن يكون كبيراً لئلا يذوب بسرعة ص..."

صمت تماماً عندما وجه نظرة لوالده , لم تكن ابتسامة والده الحنونة هي ما أوقفه عن الكلام حقاً بقدر ما كانت سعادته برؤيتها تقف خلف والده تنظر لهما بلطف , لذا هو تناسى إكمال جملته ليهتف بسعادة ": أمي ! منذ متى و أنتي هنا ؟ لماذا لم تخبرينا بوصولك ؟ "

أنهى عبارته ليركض بإتجاهها بسرعة و هي إنحنت تلتقطه بين يديها بكل قوة تملكها , ضمته و كأنه قد يختفي إن تركته , أرادت البكاء لكن منعت نفسها بالكاد , و الصغير تشبث بها بكل قوة مُمكنة هو حقاً إشتاق إليها و بشدة !

يوشي وقف خلف والده يراقب من بُعد , وجنتيه مُحمرتان تماماً بينما عيناه توشكان على البكاء , يرغب بالركض هو الآخر إليها بأن يدخل نفسه بين أحضانها ليهدأ قلبه , لكن بذات الوقت يشعر بأن قدماه ترفضان الحركة , لذا هو حرك شفتيه لينطق بصوت خافت :" أمي "

لم يكن لينطق أكثر من هذه الكلمة حقاً , هو عاجز عن السير لكنه يريدها أن تقترب هي و مع هذا لن يطلب الأمر مهما حدث , و رسالته وصلت بالفعل للثلاثة , إذ ابتعد هوشي عن والدته ليبتسم بخفة بينما أزاح آيكو قليلاً ليجعل صغيره مُقابلاً لوالدته و التي نهضت لتقترب منه , تقتل المسافة التي تفصلهما بخطواتها السريعة حتى إنخفضت لمستواه ما إن أصبحت أمامه , عبثت بشعره أولاً و هو سقطت دموعه بالفعل .

إحتضنته بقوة حينها بينما تنطق بحنان :" لا تبكي صغيري , تعلم أنني أُحبك صحيح ؟ "

أومأ إيجاباً بينما يُمسك بها بيديه الصغيرتين بشيء من القوة , هو يشعر براحة الآن هي بخير على الأقل لقد رآها حقاً , بذلك الوقت عندما أخبره والده أن سيعيش معه لم يتمكن حقاً من تخيل أن تكون هي وحدها , هو تذوق شعور الوحدة كثيراً لذا ما رغب حقاً بأن تبقى والدته بمفردها , لكن الآن هي تبدوا له بخير حقاً !

ابتعدت عنه قليلاً لتبتسم لصغيرها بخفة و هو بادلها الابتسام بهدوء , و بالنهاية إنشغل أربعتهم بإعادة بناء الرجل الثلجي الضخم الذي رغب به هوشي , الصغيران كانا يثبتان قاعدته بينما قام كل من آيكو و هانا بجعله أكثر طولاً ثم إعطاء وجهه بعض الملامح , و ما إن أنتهى صنعه حتى قام الصغير بتصويره من كل الإتجاهات بحماس ثم تصور برفقته و أجبر يوشي على ذلك أيضاً , هما وقفا بجواره ليلتقط آيكو لهما صورة ما معاً .

و ما إن فعل حتى هتف هوشي :" هذه أول صورة لنا معاً ! علينا إلتقاط المئات من الصور اليوم "

نظر يوشي للصورة بابتسامة سعيدة ليومأ إيجاباً بسرعة , بعدها بدأ هوشي بصنع الكرات الثلجية الصغيرة لإفتتاح معركة بينهم بها , ثم إنتقل الأربعة لإحدى المطاعم لتناول الغداء , الوقت كان يمضي بسرعة حقاً إلا أنه كان يحمل الكثير من السعادة بطياته !

و قُبيل الغروب بقليل إتجهوا لساحة التزلج , هانا أمسكت بيد هوشي لتعلمه بينما ساعد آيكو صغيره الآخر , للزوار بذاك المكان أولائك الأربعة ظهروا و كأنهم أسرة مثالية تعيش بسعادة و هدوء , لا أحد أدرك حقاً أنهم أبعد ما يكون عن ذلك , لم يعلم أحد أن هذا اليوم الذي قضوه كأسرة حقيقية كاملة كان حُلم يراودهم مُنذ زمن , حُلم بدأ يشعر كُل منهم أنه مُستحيل و أن كل ما يمكنهم فعله هو إستراق هذه اللحظات السعيدة بين فترة و أخرى فقط !

بموعد العشاء إجتمع الأربعة على ذات المائدة , آيكو نظر لأسرته بشيء من الهدوء قبل أن يتحدث بلطف :" هناك أمر ما قررت فعله , بالأمس أخبرتكما أنني إتخذا قرارين صحيح ؟ "

القلق عاد يرتسم بكل تفاصيله على وجه يوشي الذي نظر لوالده بسرعة بينما حدقت هانا به بحيرة , هوشي وجه بصره لوالده بإهتمام و فضول ليردف :" بعد الإمتحانات توجد عطلة أسبوعين تقريباً صحيح ؟! هذه العطلة لن تنتهي إلا بإنتهاء أكبر أعداء لي لذا , ما إن يحدث ذلك سيصبح كل شيء بخير و حينها هانا سأرسل الصغيران للعيش هنا بالقرية معك "

شهقت هي بصدمة بينما إتسعت عينا الصغيران بقوة ليكمل بابتسامة أخفت خلفها الكثير حقاً :" سيكون العيش بالقرية أكثر صحة لهما , لكن هذه المرة هانا سأكون المسؤول حقاً عن مصروفهما الشهري و كل شيء آخر , سآتي للزيارة بالعطل أو عندما تتاح لي الفرصة أو يأتي الصغيران للمنزل , أظن أن هذا أفضل للجميع "

للمرة الأولى بحياته ربما نهض من مقعده ليضرب على الطاولة بينما يهتف بنبرة باكية :" ما هو الأفضل بالنسبة لك ببقائك وحدك ؟ "

وقف هوشي هو الآخر بينما إلتمعت عيناه بالدموع :" لا أريد , أنا أريد أن نكون معاً , لماذا على شخص ما البقاء لوحده ؟ "

هانا حدقت بآيكو الذي كان ينظر لصغيراه بشيء من الإمتنان و الألم , هي رغبت بمعرفة ما يفكر به حقاً و هذا ما كان صعباً عليها , هو فقط إستسلم , يدرك أن والدته لن تبدل رأيها و يعلم أنها هي لن تعود لذاك المنزل بذات الظروف لذا فقط أراد إنقاذ شيء ما من بقايا أسرته الصغيرة هذه !

أشاحت بوجهها بعيداً عنه , تدرك أن هذا القرار سيقوده هو للهاوية , أرادت الإعتراض عندما نطق هو بحزم :" قلت أن القرار غير قابل للنقاش ! لن أتمكن من العناية بكما بينما أنا علي العمل أيضاً , و لا أظن أي منكما سيرغب برؤيتي غاضباً كتلك الفترة التي مضت بسبب العمل و ضغوطاته "

أردف بداخله لنفسه :" أو أمي و عودة شجارتنا معاً "

هو مسح على شعره بينما ينظر للثلاثة لينطق بخفة :" آسف لإنني أفسدت يومكم لكن رغبت بأن تعلموا بهذا , خلال أقل من شهر ستعودان للعيش هنا , و هذه المرة بشكل دائم لذا لنقضي ما تبقى بلا شجار حسناً ؟"

أنهى عبارته ليغادر قليلاً بينما جلس الثلاثة بهدوء شديد , لم يخطط أي منهم لمثل هذه النهاية اليوم لكن آيكو عند عودته رفض إعادة فتح الموضوع أو النقاش به حتى ! الأمر بالنسبة إليه إنتهى بالفعل و قراره إتخذه فحسب .

تلك الزيارة التي مرت سريعاً إنتهت , لتبدأ ربما مرحلة أخرى تقلب حال تلك الأسرة مُجدداً ...

يتبع ....

حسناً ما جعلني أتأخر بنشر الفصل هو أنني إكتشفت بأنني بحاجة لفصلين لا واحد لختم الرواية ... لذا ما إن أنهيت كتابة نصف الفصل الأخير قمت بنشر هذا الجزء ... اليوم مساءاً سيتم نشر آخر ما تبقى من هذه الرواية ... لذا قراءة ممتعة ,,,

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top