9

وقف فهد في غرفة المستشفى ينظر إلى زوجته المستلقية على السرير، و دموع الفرح في عينيها، و ذلك الكائن الصغير النائم بجوارها، طفله .. طفله الثاني، لكنه يحس بذلك الشعور للمرة الأولى، شعور أن تنظر إلى قطعة صغيرة منك، حمله بحذر بالغ، يكاد يبلغ السماء السابعة من السعادة، كأن الحياة تمنحه فرصة أخرى ليصلح كل ما سبق أن ارتكبه من أخطاء، قطعت حبل أفكاره زوجته التي قالت و هي تنظر إلى الطفل " إنه كالملاك "، أومأ برأسه إيجابا موافقا رأيها، و نظره لم يتزحزح عن ابنه، لا يدري لكم من الوقت ظل كذلك، ربما ساعة أو اثنتين، لم يشعر بالوقت أبدا. دخلت والدته فاضطر للخروج من الغرفة، متحججا بالذهاب لإحضار الطعام، فعلاقته بوالدته متوترة منذ طلاقه من إيناس، و لا تفوت أية فرصة لتذكيره أمام زوجته بالذنب الذي اقترفه، و لو لم يكن ذلك بشكل مباشر، و علاقتها بزوجته الحالية ليست جيدة كعلاقتها بإيناس.

لمح فهد إيناس في رواق المستشفى، أمام آلة صنع القهوة، و إلى جانبها زميلها في العمل، كان يحادثها لكنها شاردة، حرك يده أمام وجهها لعلها تنتبه، لتعتذر منه على عدم انتباهها، ثم أخذت كوب قهوتها و تلتفت مغادرة و سار زميلها خلفها، متخليا عن كوب قهوته الذي لم يجهز بعد. تابع فهد النظر إليهما بغيض مكتوم إلى أن اختفيا في نهاية الممر، ليخرج بخطوات سريعة من المستشفى، تاركا كل شيء خلفه، كان عقله يحثه على الذهاب لرؤية ابنه الأول، متسائلا إن كان سيشعر بذات الشعور الذي انتابه و هو يحمله ابنه حديث الولادة، كان يعلم أن عقله يعمل سريعا و قد يقوده للمزيد من الأخطاء، فهو يكاد لا يستوعب ما يفعله، قاد طويلا، لثلاث ساعات، أو ربما أربعة، لم ينتبه، و ما أن وصل إلى المنزل المقصود حتى ترجل و ثقب إطار سيارته، ثم دنا من باب ذلك المنزل الصغير البسيط، بتردد، ينظر حوله، كانت تفاصيل ذلك المنزل دافئة بشكل جميل، حديقة جميلة، دراجة هوائية صغيرة، شجرة ليمون، رائحة الياسمين، أزهار مختلفة في كل مكان، طرق الباب بيد ترتجف، ليفتحه فورا رجل طويل القامة، بملامح هادئة بريئة، و بنية رياضية. قال له فهد بتلعثم :" المعذرة يا سيد، لقد ثقب إطار سيارتي، و علقت في هذه البلدة، هل يمكنك أن تحثني على مكان أظل فيه هنا ريثما يصل مساعدي، فهو في طريقه إلى هنا"، كان يأمل أن تنجح خطته، و يرى ابنه و لو لبضع ثوان، و بالفعل استقبله ذلك الرجل الذي اتضح فيما بعد أن اسمه ضياء، كما طلب من زوجته أن تحضر لهما الكعك و الشاي، و أخيرا خرج صبيان من باب المنزل، فبدأ قلب فهد يطرق بعنف، توتر حتى شعر بأنه قد يفقد وعيه في أية لحظة، ما أن قال السيد ضياء أن ابنه الأكبر نائم، حتى أدرك فهد أن أحد الطفلين إبنه.. و قد سموه سيف، تساقطت دمعة من عين فهد و قال بأنه اشتاق لابنه، فلم يسأله ضياء أكثر خشية أن يكون موضوعا حساسا لهذا الغريب الذي عرفه قبل قليل، كان سيف نسخة مصغرة عن إيناس، طلب نور من الطفلين أن يرحبا بفهد، فمد الطفل الأول يده ليصافح فهد، و محاولا أن يبدو كشاب كبير، و قد بدا ظريفا بذلك، أما سيف فقد عانق فهد بقوة، و بالكاد أفلته الأخير.

رن هاتف فهد، و أضاءت الشاشة باسم زوجته، رفض المكالمة، ثم بعث لها برسالة نصية

" طرأ لي عمل مهم، سأعود فور إنهائه "

أما عند إيناس فقد حظرت طبق سباغيتي للتوأم جنى و جنان، و جلست مع وليد في غرفة الجلوس، بدا لها مرهقا جدا، مدت له كوب شاي أسود بالليمون، و اعتدلت في جلستها على الأريكة، إبتسم و ارتشف من الشاي، ثم تجهم وجهه قلقا ليقول

" هل أنت بخير إيناس؟ "

حاولت التهرب من إجابته لطالما كان الكذب على وليد مهمة شاقة، فهو يرمقها بنظرات غريبة، و كأنه يخبرها أنه يعرف ما يجول في خاطرها، و لكن لا يريد إحراجها أو تكذيبها

"أعتقد أنني من يجب أن يسألك هذا السؤال "

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top