15

عادت للفندق مرهقة جدا و قد وجدت بفضل عاملة النظافة بالفندق شقة للإيجار، رغم أن حالة تلك الشقة يرثى لها و يبدو أنها مهجورة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، لكنها ستفي بالغرض، كانت قد عزمت على الانتقال للسكن فيها في اليوم التالي، و ذلك ما فعلته.

بعد انتهاء مناوبتها بالمستشفى، تناولت وجبة خفيفة في مطعم بسيط، و اتجهت إلى شقتها الجديدة لتنظيفها، و بينما تنظف فكرت بأن عليها أن تذهب لزيارة معالج نفسي في أقرب فرصة، لكنها لا تملك المال الكافي لجلسات العلاج، نفضت الفكرة من رأسها و راحت تنهي عملها.
و بعد بضعة أيام، حين شعرت بأن الوقت مناسبا لتعرف الحقيقة، اتجهت إلى مكتبه، و قد كان بانتظارها، حتى أنه أوصى حارس بوابة الشركة بأن يقودها إليه، و حين قابلته و دون مقدمات قالت
-" لا أريد الجلوس حتى .. هات ما عندك !"
ليجيب
-" ذلك الكاتب قد تبرع بالمبلغ الذي أخذه من زوجتي لبناء دار للأيتام و المتشردين ثم اختفى عن الأنظار، و آخر ما سمعته زوجتي عنه أنه كان ما يزال ينبش في قصتنا "
صمت قليلا ليظيف
-" سمعت من أحد المصادر أنه أصيب في حادث سير لكن أؤكد لك بأن لا علاقة لزوجتط بالأمر "
قاطعته قائلة
-" إختصر، لا أريد سماع دفاعك السخيف عن زوجتك "
ليظيف بعد أن مد لها بورقتي ملاحظات صغيرتين
-" في إحدى الورقتين عنوان المستشفى الذي يرقد فيه ذلك الكاتب، و في الأخرى عنوان العائلة التي تبنت إبننا "
همت بالمغادرة بعد أن أخذت الورقتين، لكنها التفتت قبل ذلك لتقول
-" حتى لو غفرت لك لن تستطيع أن تغفر لنفسك لأنك لم تستطع أن تكون أبا لأحد أبنائك، و أنا أيضا لست بريئة، غير أن عقلي كاف لمعاقبتي، فقد انقلب ضدي منذ وقت طويل "
إبتسمت بمرارة جعلت قلب أمير ينقبض و هو يفحص كل كلمة قالتها في عقله، ثم رحلت تاركة إياه يتخبط في ظلام حاضره، لم يرها أبدا بعد ذلك اليوم، و تابع حياته محاولا تجاهل الماضي رغم أنه يعرف أن ذلك مستحيل.
ذهبت نور أخيرا لمقابلة شهاب، كان قد تم تسجيله كشخص مجهول الهوية، و كان في قسم الإنعاش، و لم يعرفوا هويته إلى أن استفاق. لم تكن تعرف ما عليها أن تسأله، أو ما ستقوله، و لم تكلف نفسها عناء التفكير في ذلك. حين دخلت غرفته بالمستشفى رفع حاجبه مستغربا، لم يتوقع أن تكون هي أول من تأتي لزيارته، و لا أول من تجده. و أول ما لاحظته نور هو أنه أفضل حالا مما اعتقدت، حين لاحظ ارتباكها قال بهدوء:
- وجدتِ تلك الرواية
أومأت إيجابا، ليعتدل في جلسته و يقول :
- لقد كنت متجها ذلك اليوم إلى إحدى دور النشر لكنني أصبت في حادث سير

سكت قليلا قبل أن يضيف
- " يبدو أن القدر لا يريد أن تظهر تلك القصة للعلن "
جلست على الكرسي إلى جانبه لتقول :
- كيف عرفت كل تلك التفاصيل ؟!
بلع ريقه ليجيب :

- " في ذلك اليوم الذي طلبت مني المساعدة فيه بالبحث عن إبنك، أدركت بدخول منزلك أن شيئا غريبا يحدث، لم أعر الأمر اهتماما في البداية، لكن تصرفاتك كانت تزداد غرابة يوما بعد آخر، حين سألت جيرانك أخبروني بأنك تعيشين بمفردك في ذلك المنزل، و أن لا أقرباء لك لا من قريب أو بعيد. شعرت حينها بالفضول لمعرفة ما تخفينه، و قادني البحث إلى زوجك الأول، و هو الذي مدّني بتفاصيل ما حدث "
صمت قليلا ليستأنف كلامه

- " أعتذر لأنني استغللت قصتك .. لن أنشرها "
كان الصمت سيد الموقف إلى أن كسرته نور قائلة بصوت أشبه بالهمس:
- " ما زالت علبة الحبوب المنومة التي أعطيتها لك كما هي، لابد أنك اعتقدت بأنني مجنونة و قد أقوم بتسميمك "
ليقاطعها قائلا
- " لم أفكر يوما بك سوى كامرأة قوية، ما تزال واقفة على رجليها حتى بعد كل ما واجهته في حياتها "

كان ذلك آخر يوم تقابل فيه نور شهاب، منحته الإذن بنشر الرواية قبل أن تغادر غرفته، لتغادر بعد ذلك تلك المدينة، و ترحل بعيدا إلى حيث يتواجد ابنها، قريبة منه و بعيدة عنه في الوقت ذاته، كانت قد توصلت إلى قرار مع والديه بالتبني بأن يخبروه بالحقيقة بعد أن تنهي نور حصص علاجها النفسي، و بناءا على ردة فعل الطفل سيقررون من سيحتفظ بحضانته. أما شهاب فقد وجد سعادته في السفر حول العالم و البحث عن قصص جديدة لكتابتها، بعد أن حققت روايته " أضغاث أحلام " نجاحا ساحقا. أدرك الإثنان بأن لا مهرب من الواقع و أن التغلب على العقبات لا يتم إلا بمجابهتها .

18/06/2023

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top