الفصل السابع والأربعون
لاتنسوا التصويت والتعليق بين الفقرات💙✨
هذا آخر فصل (مُرقم) من فصول الرواية، أعطوه الكثير من الحب💙
—————
كان الهواء البارد يلاعب شعره ويصطدم بوجهه دون أن يغير تعابيره الهادئة، كان ينظر للمياه أسفل جسر المشاة الذي يقف فوقه، كانت تبدو باردةً موحشةً ومؤلمة في حلكة الليل هذا.
رفع ذراعه يلقي نظرة على الساعة التي شُدت على معصمه، كان قد تبقى عن منتصف الليل خمس دقائق فحسب، بعد تلك الدقائق الخمس سيحُل يوم جديد، يومٌ ينقله من السادسة والعشرين للسابعة والعشرين من عمره، هذا إن لم يقفِز وينهِ حياته بلحظة.
«تايهيونغ!» كان صوتها كافيًا لينتزعه من دوامةِ أفكاره، كان الجزع باديًا به، وعندما أدار وجهه لينظر لها رأى الجزع باديًا على وجهها أيضًا «لا تقفز!»
كانت تقف ببداية الجسر، وكان يقف بوسطه، إن قفز فلن تستطيع الوصول بالوقت المناسب لإنقاذه وهذا ما كانت تخشاه. كان يقف على الحافة الخارجية لذلك الجسر الخشبي، يحيط ذراعه اليمنى حول السور ليُثبت نفسه عليه. خطوةٌ واحدةٌ ستكون كفيلة بإنهاء كل شيء، كل النور وكل الظلام، كل البهجة وكل البؤس، كل الضحكات وكل البكاء.
لكن ما به يقف هنا ليلة ميلاده؟ وكيف عرِفت هي أنه سيكون هنا؟
الأحد، الخامس والعشرين من ديسمبر - يوم الميلاد.
كان يومُ الميلاد كعادته مليئًا بالبهجة، كانت الزينة الحمراء والخضراء تملأ الطرقات، وكانت الابتسامات تزين وجوه الجميع. كان يوم الميلاد يومًا حافلًا بالنسبة لتايهيونغ؛ ففي الصباح ذهب مع ويليام لبيت جديه ليتناول جميعهم الإفطار معًا، تحدثوا كثيرًا وضحكوا سويًا وأخيرًا تبادلوا الهدايا ظهرًا ليغادر تايهيونغ بعدها ويقضي بعض الوقت رفقة أصدقائه.
كان الأصدقاء مجتمعين بشقة زايا وجيمين، لم تكن زايا أو أحلام تحتفلان بيوم الميلاد لكنهما أرتأتا أن قضاء الوقت مع أصدقائهما الذين يحتفلون بهذا اليوم لن يشكل أي ضرر على الإطلاق. كان تايهيونغ آخر من يصل للشقة، وفور دخوله لمح بطرف عينه امرأة شعرها مموج وترتدي فستانًا أحمر، تمالك تايهيونغ أعصابه وذكّر نفسه بأن يونجين مسجونة ومن المستحيل أن تكون هنا بشقة صديقيه، تمالك نفسه واستدار ليكتشف أن تلك لم تكن إلا أحلام، فارتاح باله واطمأنَّ قلبه.
كان الوقت الذي قضاه رفقة أصدقائه وقتًا ممتعًا، تحدثوا عن بعض ما جرى لهم بمكان عملهم، قصّوا قصصًا من ماضيهم، ألقوا النكات وسخروا بلطفٍ من بعضهم البعض، وكما تجري العادة بيوم الميلاد تبادلوا الهدايا اللطيفة والصغيرة ليتذكروا أول يوم ميلاد لهم سويًا.
غادر الأصدقاء الشقة بعد حلول المساء، وحان وقت موعد تايهيونغ مع حبيبته أحلام، كانا قد اتفقا على أن يتجولا فحسب بأنحاء لندن ويفعلا ما يبدو ممتعًا حينها، وذلك كان كافيًا لأحلام؛ لأن تايهيونغ كان يتصرف كطبيعته التي بدأ يعود لها شيئًا فشيئًا. كان تايهيونغ يبذل ما بوسعه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كي يتحسن لأجله ولأجل غيره.
لم يكُن يتفاعل بشكلٍ كامل مع من حوله في البداية، وكأن هناك شيءٌ يشغل عقله على الدوام، كان هادئًا أكثر كما كان قبل أن يُصادف أحلام لأول مرة في الشركة. كان يُصاب بالكوابيس حيث يتعرض للتعذيب على يد يونجين، ليلةً يكون بها طفلًا لا يقوى على ردعها وأخرى يكون شابًا مقيدًا ممنوعًا عن ردعها، وبالحالتين كان تايهيونغ يستيقظ من نومه خائفًا مفزوعًا لا يقوى على الحراك.
كان تايهيونغ خجلًا من أن يُخبر أحلام بهذه الأمور، كان يشعر بأنه قد شكل عبئًا كبيرًا عليها بسبب مشاكله النفسية، لكنه بالآن ذاته كان يعلم أن عليه طلب المساعدة من أحدٍ ما، وكان ويليام هو خياره الأول. أخبر ويليام عن الكوابيس التي باتت تؤرقه، فخفف عنه ويليام ضيقه وأخبره بأنه لن يرى يونجين ثانيةً أبدًا وأن تلك الكوابيس ليست إلا أوهامًا. حديثه مع ويليام عاد عليه بالنفع بعض الشيء حيث قلّ عدد الكوابيس التي تراوده بشكل ملحوظ حتى زالت تمامًا، ولم يعرف أحدٌ غيرهما بشأنها.
غير تلك الكوابيس كان تايهيونغ يتوهم يونجين أحيانًا بالمكان الذي يتواجد فيه، وقد أصيب أكثر من مرةٍ بنوبات ذعر بأماكن متفرقة لرؤيته إياها بمنتصف الشارع أو أمام الشركة أو حتى خلف نافذته، لكنه أيضًا تمكن من السيطرة على نوبات الذعر هذه ولم يعُد يتوهم شبحها أينما كان.
لم تكن أحلام تعلم بشأن الكوابيس، ولم تكن تعلم أنه توهم يونجين أو أنه ظن أنها هي بشقة زايا، لم تكن أحلام تعلم بأن تايهيونغ لا يخبرها بكل شيء.
خلال ذلك الموعد ذهب الشابان لمقهى حديث الافتتاح كان يروجُ لعرضٍ للثنائيات بمناسبة يوم الميلاد، فابتاع كلاهما كوب شوكولاة ساخنة ليبعث بهما الدفء أثناء تجوالهم بالخارج. لم يكن الثلج يتساقط تلك الليلة، لكن الجو كان باردًا للغاية. كان كفاهما متعانقين، وكفاهما الآخران يحملان كوبي الشوكولاة الساخنة بينما يتأملان أضواء يوم الميلاد متجهين لمكانٍ أراد تايهيونغ أن يريها إياه.
كان المكان الذي تحدث عنه تايهيونغ جسر مشاة خشبي يصل بين تلَّتين يفصلهما نهرٌ جارٍ، كان المكان شبه خالٍ من الناس فصار يشكل مهربًا للشاب.
«خرجت لأتجول قبل أسبوعين تقريبًا ووجدت هذا المكان، صرت آتي له بكلِّ مرة أريد أن أفكر أو أسترخي لأنني وجدتُ حركة المياه مهدِئة.» صعد معها على الجسر ووقفا بوسطه ينظران لأضواء المدينة الآسرة «أعلم أننا اتفقنا على ألّا نهدي بعضنا شيئًا بمناسبة يوم الميلاد، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي عن شراء هذه القلادة عندما رأيتها.»
أخرج صندوقًا أزرق اللون من جيب معطفه وفتحه، كان به سلسلة علق نهايتها عصفور يفرد جناحيه «أخذتها لأنك تمثلين الحرية والسلام بالنسبة لي.»
ابتسمت أحلام لرؤيتها الطائر الذهبي «هل تعرف ما هو الأوبسيديان الأسود؟»
فكر تايهيونغ قليلًا «لا، ما هذا؟»
«إنه حجر كريم يحمي من القلق والخوف والمشاعر السلبية.» ضحكت وهي تمد يدها لجيب معطفها وتخرج منه علبة سوداء «لم أستطع أن أمنع نفسي عن شراء هذا السوار عندما رأيته.» أعطته العلبة وفتحها ليرى سوارًا من الكرات السوداء التي يتوسطها حجرٌ أسود، أخرجه على الفور وارتداه ثم استدار ضاحكًا يعانقها.
أنهى الشابان مشروبيهما ثم أعاد تايهيونغ الفتاة لشقتها ليعود هو بعدها لمنزل ويليام كي لا يقتله. كانت حالة تايهيونغ بتحسنٍ مستمر، لم يكن حزينًا لدرجة الاكتئاب، ولم يكن سعيدًا لدرجةٍ مريبة مثيرة للشك، ولذا فوجوده الآن على حافة الجسر الخشبي شيءٌ غير منطقي بالنسبة لأحلام.
كان أصدقاؤه يخططون لمفاجأته فور أن تدق الساعة عقاربها معلنةً منتصف الليل وحلول يوم ميلاده، وبينما هم يجهزون المكان ويزينون الصالة -معتقدين أنه نائم بغرفته- أوقع أحدهم شيئًا أصدر صوتًا عاليًا وجعل تيما تهرول للأعلى لتتأكد من كونه ما يزال نائمًا، عندها اكتشفوا أن تايهيونغ ليس بغرفته، وهاتفه ليس معه أيضًا.
لم تكن أحلام تعرف ما يجب عليها فعله، هل تتصل لأحد ما وتخبره بالأمر؟ أم تذهب له وتسحبه من معطفه؟ أم تقف ساكنةً بلا حراك هكذا؟ «لنعُد للمنزل تايهيونغ...»
رفع تايهيونغ ذراعه مجددًا، مضت الدقائق الخمس وحطّت العقارب الثلاثة على الإثنا عشر، رفع نظره لأحلام وابتسم لها بخفة عندما رأى أنها تبدو كمن ستموت من الرعب «لن أقفز.»
أمسك بالسور ووضع كل ثقله عليه كي يقفز فوقه ويصير خلفه ببر الأمان، رفع ذراعيه عن جسده قليلًا ليريها أن لا مكروه قد حلّ به ثم أخفضهما «انظري، أنا بخير.»
«لم كنتَ تقف هناك؟! كان من الممكن أن تقع!» كانت أحلام مصدومة، فمن الذي يقف على الجزء الخارجي من جسر فوق مياه باردة إن لم يكُن انتحاريًا؟
أخذ تايهيونغ نفسًا عميقًا، نظر للسماء للحظة ثم أعاد نظره للفتاة أمامه «لأنني أشعر وكأنني حصلت على حياة جديدة الآن...» لم يبدُ على أحلام أنها فهمت ما يقصده فتحدث مجددًا بعد أن اقترب لها دافنًا كفيه بجيبيّ معطفه «لن تفهمي قصدي، ما هو سبب خروجك بهذا الوقت المتأخر من الليل؟»
تنهدت أحلام بانفعال «اكتشفنا أنك لست بالمنزل فرِحنا نبحث عنك، لمَ لمْ تأخذ هاتفك معك؟!»
همهم تايهيونغ «لا يوجد هاتف بالحياة الجديدة.»
«ماذا؟» تمتمت الفتاة متسائلة «سيجلدك جيمين.»
ابتسم لها ببراءة «ليس من اللازم أن يعرف أنني كنتُ بالخارج.»
«تايهيونغ، يعلم الجميع أنك كنت بالخارج.» أخبرته الفتاة بنفاذ صبر «كلنا كنا نبحث عنك.»
«أوه..؟» ابتسم تايهيونغ مجددًا «أخبريهم أنكِ وجدتِني إذًا كي لا أُدفن حيًا لاحقًا.»
أخرجت أحلام هاتفها وأرسلت بمحادثتهم الجماعية أنها وجدت تايهيونغ عند جسرٍ ما، أخبرتهم أنه لم يكن يفكر بالانتحار لكنه كان يقول شيئًا لم تفهمه عن حياةٍ جديدة «جيمين يقول أنك ستُصفع.»
- آه ياللأسف.
- سِر للأمام فحسب، لقد توقف قلبي لشدة الخوف، ألم تستطع أن تقف خلف السور؟ أكان من اللازم أن تقف أمامه بوجه الخطر؟!
- كان ذلك ضروريًا كي أشعر أنني بين الحياة والموت، وأن الحياة تنتهي بسهولة فعليّ أن أعيشها بكل ما فيها لأقصى حدٍ ممكن.
- لا تكرر هذا مجددًا لو سمحت، متى خرجت؟ كيف لم ينتبه ويليام لك؟
- أعتقد أنني خرجت الساعة العاشرة والنصف تقريبًا، ربما كان نائمًا وقتها.
لم يكن تايهيونغ يعلم أن ويليام كان يعمل بمكتبه وقتها كي يجهز بعض الأمور لحفلته المفاجئة، وبينما كان يسير مع أحلام عائدين لمنزل ويليام لم ينتبه أنها كانت تنظر لهاتفها كل دقيقة لتتأكد إن كان البقية قد عادوا لبيت ويليام أولًا أم لا، كما أنه لم يفهم سبب طلبها لرؤيته يدخل للمنزل بعينيها.
وصلا لباب المنزل واستدارت أحلام لتايهيونغ «أوه صحيح، كلُ عامٍ وأنتَ بخير.» وقفت على أطراف أصابعها وعانقت عنقه بذراعيها لتقبل شفتيه بلطف.
حاوط خصرها بذراعيه وابتسم «هذه أفضل هدية ميلاد حصلتُ عليها بحياتي كلها.»
- لكنها ليست هدية يوم ميلادك.
- سأعتبرها كذلك.
فتح تايهيونغ الباب وحالما وطأت قدمه أرض المنزل سمع صراخ أصدقائه يصمُّ أذنيه «كل عام وأنتَ بخير!»
تراجع الشاب خطوتين للوراء صدمةً ثم ابتسم ابتسامته الصندوقية ودخل خلفهُ احلام، لم يخطُ خطوتين حتى شعر بيد جيمين تضربه على ظهره بقوة جعلته يتقدم ثلاث خطوات للأمام «خذ هاتفك معك المرة القادمة، كدتَ تصيب ويليام بسكتة قلبية.»
ضحك تايهيونغ متصنعًا البراءة «آسف، سامحوني.» كانت ملامح تايهيونغ السعيدة الآن أكثر أهمية بالنسبة لهم من خروجه بمنتصف الليل، فقرروا أن يتناسوا فعلته هذه الآن ليحتفلوا بيوم ميلاده.
كانت ليلة سعيدةً تعكس ما يصبو له الجميع، كانت ليلةً قُضيت بالقهقهات استعدادًا ليوم حافلٍ آخر، ولسنةٍ أكثر سعادة من سابقتها.
لكل بداية نهاية، يبدأ الكتاب بغلاف وينتهي بغلاف، تبدأ الدراسة بصفٍ وتنتهي بتخرج، وبطبيعة الحال تبدأ حياة الإنسان بالولادة وتنتهي بالوفاة، لكن على الرغم من أن الصفحة ستطوى على حكايتنا، إلا أن تايهيونغ كان يشعر أن حياته لم تبدأ سوى الآن.
—————
كملوا عشان تقرون فصل ما بعد النهاية💙
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top