الفصل الثامن والثلاثون

استيقظ جونغكوك من نومه صباح يوم السبت متأخرًا بعض الشيء، كان الشاب لا يزال مرهقًا من عمله، ولم يكن يود أن يفتح عينيه ويستيقظ لحلول يوم جديد. خرج من غرفته ذاهبًا للحمام ليجبر نفسه على الاستيقاظ حين يرش وجهه بالماء البارد، وعندما خرج سمع صوت عبث قادم من غرفة المعيشة كان قد أُصدر بسبب شريكه بالسكن.

«أوه صباح الخير جونغكوك.» قال الشاب الطويل قبل أن يحمل مفاتيح سيارته ويتجه ناحية الباب «سأخرج الآن، لقد تركت لك الإفطار في المطبخ، أراك لاحقًا.»

أومأ جونغكوك بنعاس مجددًا ثم ذهب لغرفته، أخذ هاتفه، وخرج ثانيةً من الغرفة وعيناه ما تزالان شبه مغمضتين. أخذ الصحن الذي كان به بعض الطعام ووضعه على الطاولة، جلس على الأرض، ثم وضع رأسه بجانب الصحن وأغلق عينيه لينام مجددًا.

بعد فترة مجهولة لجونغكوك سمع صوت هاتفه يزعجه لوصول بعض الإشعارات، فأمسك به وبدأ يعبث بتطبيقاته ورسائله دون أن يرفع رأسه عن تلك الطاولة الباردة، وبعينٍ مغمضة وأخرى مفتوحة.

كانت الرسائل التي وصلته توًا من جيمين، وكان يخبره فيها عمّا حصل خلال اليومين الماضيين منذ ذهاب يونجين للشركة وحتى بقاء جيمين مع تايهيونغ ليسليه. كما أنه قال له أن يأخذ حذره أكثر حتى مع وجود حارسه الشخصي لأنه لا يعلم ما الذي قد يحصل.

تنهد جونغكوك بعد أن أرسل 'حسنًا' لصديقه، لقد كان مشغولًا للغاية يوم الجمعة، ولم يلحظ غياب تايهيونغ أبدًا «أشعر أنني صديق سيء..»

على الرغم من أن جونغكوك لم يستفق تمامًا بعد إلا أنه بدأ يتناول إفطاره أخيرًا. عقله نائم، لكن معدته مستيقظة ولن تقبل الانتظار. وبينما كان يتناول طعامه بهدوء وبعينين مغمضتين -منفذًا قانون حفظ الطاقة برأيه- سمع صوت هاتفه يرن مجددًا مشيرًا لورود مكالمة هاتفية.

«مرحبًا، هل هذا رقم هاتف جيون جونغكوك؟» سمع صوت الرجل الذي يتحدث الكورية، فأبعد هاتفه عن أذنه لينظر للشاشة ويجد رقمًا مجهولًا جعله يعيد الهاتف لأذنه.

«أجل، من المتحدث؟» أجابه بالكورية بعد أن أعاد إغلاق عينيه، لم يكن جونغكوك يملك طاقة كافيةً ليستخدم حواسه الخمس في الآن ذاته صباح يوم سبت.

«هل تعرف امرأة تُدعى جيون جونغسوك؟» سأل الرجل بتوتر ليجيبه جونغكوك «لا.»

«هل وُلدت بالأول من شهر سبتمبر في بوسان وصرت بعهدة دار للأيتام عندما كنت بالرابعة من عمرك؟» سأل الرجل مجددًا وكان ذلك كافيًا ليجعل من جونغكوك يفتح عينيه على مصراعيهما مستيقظًا تمامًا.

هذا الرجل يحدثه بالكورية، يسأله عن فتاةٍ تحمل اسم عائلته وتملك اسمًا مشابهًا لاسمه إلى حد كبير، كما أن هذا الرجل يعرف تاريخ ومكان ميلاده بالإضافة لعمره عندما أُخذ للميتم. كان قلب جونغكوك قلقًا، ومن الأرجح أنه كان خائفًا أيضًا. ابتلع ريقه وسأل بصرامة زائفة «من أنت؟»

تنهد الرجل، لكنه أجابه على أية حال «إنني مساعد السيد نام جيوون، رئيس سلسلة فنادق نام.» قال بهدوء «إنني موكل من زوجته السيدة جيون جونغسوك لأن أبحث عنك... إنها أختك الكبيرة، وإنها تود مقابلتك.»

أخرج جونغكوك نفسًا كان قد أمسكه «سأنهي المكالمة.»

«انتظر أرجوك!» هتف الرجل راجيًا «إنني لأقول الصدق، أرجوك قابلها مرةً واحدة على الأقل، لقد أصرت على أن تأتي من كوريا لإنجلترا لتقابلك.»

«هذه ليست مشكلتي.» قال جونغكوك بجفاء «كانت تستطيع أن تتأكد إن كنت أخاها أم لا دون أن تتعب نفسها وتأتي لإنجلترا بلا أي داعٍ.»

«لن تخسر أي شيء إن قابلتها.» حاول الرجل إقناعه «ألا تريد أن تعرف أي شيء عن عائلتك؟»

صمت جونغكوك قليلًا، هل لديه عائلة حقيقية فعلًا؟ أم أن عائلته تتكون من جيمين وتايهيونغ فقط؟ مرت بضعة لحظات من الصمت حتى أجاب «حسنًا أنا موافق بشرط أن تتم المقابلة اليوم وبمكان عام.»

انفرجت أسارير الرجل «حسنًا بالتأكيد! شكرًا لك! سأرسل لك الوقت والمكان بعد قليل سيد جونغكوك.» قبل أن يتمكن الرجل من إضافة شيء آخر أغلق جونغكوك المكالمة بوجهه ووضع رأسه بيده المتكئة على الطاولة.

ما هي المشاعر التي من المفترض أن تجتاحه الآن؟ هل يجب عليه أن يكون سعيدًا لأنه قد يجد عائلته أخيرًا؟ أم عليه أن يغضب لأنهم هم من تخلوا عنه ولم يفكروا به إلا بعد مرور خمسٍ وعشرين سنة؟ هل عليه أن لا يبالي بالأمر لأنه قد يكون مقلبًا تافهًا من شخص تافه؟ أم ربما عليه أن يخاف لأن هذا قد يكون مخططًا من والدة تايهيونغ؟ من الجيد أنه اشترط كون اللقاء بمكان عام، لن يستطيعوا قتله على الأقل.

بعد ساعات من التفكير والقلق، قرر جونغكوك أن ينهض ليرتدي قميصًا أسود بكمين طويلين، وبنطالًا أسود أيضًا. «بالطبع كان عليهم أن يختاروا مطعمًا يتطلب ارتداء نوع محدد من الملابس، وكأنني أملك ثلاثين جنيهًا إسترلينيًا لصرفها على كوب من العصير لأنهم وضعوا به نعناعة سويسرية.» من الواضح أن جونغكوك كان منزعجًا «وليس هذا فقط! بل الكوب أصغر من يدي أيضًا!»

أكمل جونغكوك تذمره بعد أن أغلق باب شقته وخرج متجهًا ناحية محطة الحافلات شاعرًا بالأنظار ثابتةً عليه. بالطبع سينظر الجميع له، إنه يرتدي ملابس أنيقة ونظارة شمسية، لكنه سيستقل حافلة.. ياله من ملفتٍ للأنظار.

لحسن الحظ لم يتأخر جونغكوك كثيرًا على موعد لقائه مع تلك المرأة، فتوجه مباشرة لمكتب الاستقبال «مساء الخير، أيوجد حجز باسم جيون جونغسوك؟»

أومأ الموظف له «لقد وصلت السيدة وهي تنتظرك.» أشار الموظف لإحدى النادلات التي أخذت جونغكوك لمنطقة بها غرف خاصة، وبالطبع بدأ جونغكوك يتذمر بخفوت عن كون شرط المكان العام قد أُخل بجدارة.

أشارت النادلة لأحد الأبواب ثم غادرت تاركة جونغكوك يقف وحده بتلك الردهة، أخذ نفسًا عميقًا ثم وضع يده على المقبض ليفتح الباب، لكن صوت المرأة بالداخل قد استوقفه.

«هل تعتقد أنه سيعرفني؟ بالطبع لن يعرفني.. آخر مرة رآني بها كان في الرابعة من عمره..» قالت المرأة بحزن لتتلقى ردًا من رجل معها بالداخل «أرجو أن لا تكون آمالك عالية سيدتي، قد يكون هذا جونغكوك آخر..»

اكتفى جونغكوك من التنصت وفتح الباب ليرى رجلًا يرتدي بزة سوداء يقف على يسار امرأة قد أسدل شعرها البني الطويل على كتفيها وعلى ثوبها الأبيض الذي زينه حزام بني، وقد كانت أصابعها تلاعب بعضها لتوترها.

سمعت المرأة صوت الباب يُفتح فنهضت من كرسيها وتجمدت هي والواقف عند الباب عندما نظرا لبعضيهما، كيف من الممكن أن يتشابه شخصان لهذه الدرجة؟ بينما كانت ملامح جونغكوك تميل للحدة، كانت ملامح جونغسوك أكثر نعومة. لكن العينين والشفتين كن طبق الأصل، ولو رآهما شخصٌ لا يعرفهما لظنهما توأمًا.

اقتربت جونغسوك من جونغكوك بهدوء ووضعت يدها على خده رافعةً نظرها لتتأمل وجهه، كان يفوقها طولًا على الرغم من ارتدائها لكعبٍ عالٍ. عدت بإبهامها خمس نقاط سوداء صغيرة بخده الأيمن وأنفه، ورأت الندبة التي تموضعت على الجانب الأيسر من وجهه.

شعرت بعدم ارتياح جونغكوك لهذه المرأة التي يراها لأول مرة وبدأت تلمس وجهه، فأبعدت يدها ونفسها عنه، شعرت بدموعها تملأ عينيها لكنها تماسكت واستدارت للرجل الذي كان معها «سانغووك... أعطني الصورة.»

أخرج المدعو سانغووك صورة من ملف كان بيده وأعطاها لها، وهي بدورها وجهت الصورة لجونغكوك بيدين مرتعشتين، كانت الصورة له عندما كان صغيرًا، كان يضحك مميلًا رقبته للجانب مبرزًا علامة جمال سوداء أخرى على رقبته وقد أشارت جونغسوك لها «هل تملك واحدة هنا؟» سألته بتوتر.

نظر جونغكوك لصورته، كان يعلم أنه هو هذا الذي بالصورة، وكان يعلم علم اليقين أنه يملك هذه العلامة بالجانب الأيسر من رقبته، ولهذا فقد أمسك بياقة قميصه وأخفضها قليلًا ليري جونغسوك تلك العلامة، ولم تتمكن جونغسوك من أن تتمالك مشاعرها وألقت بنفسها على جونغكوك تحتضنه.

بينما كان قلبها ينبض بعنف وبغير تصديق لحقيقة عثورها على أخيها الذي فقدته، كان جونغكوك غير عارف بما يجب عليه أن يشعر، لكن قلبه أرغمه في النهاية على مبادلة أخته العناق والتربيت على ظهرها حتى تهدأ، وأما سانغووك فقد خرج من الغرفة مغلقًا الباب وراءه ليترك للشقيقين بعض الخصوصية.

جلس الشقيقان قبالة بعضهما عند طاولة الطعام، ومدت جونغسوك قائمة الطعام لأخيها الصغير «أعلم أن الوضع أصبح غريبًا لأنني بكيت، لكن عليك أن تأكل... وأنا من سيدفع بما أنني أنا من اختارت هذا المطعم، لذا اختر ما شئت.»

كانت مشاعر جونغكوك مختلطة للغاية الآن، لذا لم يستطع إلا أن يبتسم لها ابتسامة متكلفة قبل أن يخبر النادلة التتي أتت مجددًا بما يريد.

فور خروج النادلة تحدثت جونغسوك مجددًا وهي تنحني لتجلب كيسًا وورقيًا أخرجت منه ألبومي صور «كنت متيقنة من كونك أخي، لذا أحضرت شيئًا معي من كوريا.» مدتهما لجونغكوك مبتسمة «هذه طفولتنا.»

أخذ جونغكوك يُطالع الصور التي تحكي مواقفًا وأحداثًا لا يتذكر حصولها. كان يرى صورًا له ولأخته وأمه، لكن والدهما كان موجودًا ببضعة صور أيضًا. هذه واحدة يقف جونغكوك بها ممسكًا بيد أخته الكبيرة وهما مبتسمين، وأخرى لأخته وهي ترتدي ثوبًا ورديًا، وغيرها واحدة وهما يجلسان بحجر والدتهما.

عندما رفع جونغكوك رأسه ليسأل أخته عن شيء ما رآها تنظر له مبتسمة بينما الطعام قد وضع على الطاولة بالفعل «متى أُحضر الطعام؟» سألها مستغربًا فأجابته بابتسامة «أُحضر توًا.»

أغلق جونغكوك الألبوم الذي كان بيده بسرعة ومده لجونغسوك التي لم تأخذه «لدي نسخة من هذين الألبومين في كوريا، يمكنك الاحتفاظ بهما.» أومأ لها جونغكوك وهو ينظر للألبوم الذي صار بحجره وابتلع غصته كي لا تتدفق الدموع بعينيه «هيا كُل.»

«كم عمركِ؟» سأل جونغكوك قبل أن يتذكر أنه من غير اللائق سؤال الفتاة عن عمرها، لكن لم يبدُ أن أخته كانت تمانع هذا السؤال فأجابته برحابة صدر وهي تتناول طعامها «أنا في الرابعة والثلاثين من عمري، أكبرك بتسع سنين.»

أومأ جونغكوك وأكل لقمة ثم سأل مجددًا «إذًا... كيف افترقنا؟» كان هذا السؤال يؤرقه منذ علم بأن له أختًا تبحث عنه، ولم يستطع أن ينتظر أكثر ليسأله.

«أكمل طعامك أولًا ثم سأخبرك.» أجابته دون أن ترفع نظرها عن صحنها.

حاول جونغكوك أن يأكل، لكن التوتر كان يقطعه من الداخل ولم يتمكن من أن يبتلع لقمة إضافية، فجلس بهدوء ينتظر جونغسوك لتنهي طعامها وتخبره بالقصة.

«يبدو أن الفضول يأكلك.» علّقت عندما رأته يحدق بها دون أن يمس طعامه، فأنزل رأسه زامًا شفتيه جاعلًا إياها تضحك على تصرفاته «عائلتنا كانت عائلة فقيرة..» بدأت، وصار جونغكوك ينصت لما تقوله بانتباه.

«والدنا هو من كان يصورنا، لهذا لا تراه إلا في بعض الصور.. كنا نواجه بعض المشاكل ماديًا، لذا اضطر لأن يعمل أكثر ليؤمن المزيد من المال، وعندما لم ينجح ذلك اضطر للتدين من شخص ما.» بدأت القصة بقلب مثقل ومقهور «توفي والدنا لأسباب طبيعية، لكنه توفي قبل أن يؤدي الدين كله للرجل، ويبدو أن ذلك الرجل الذي يكون رئيس سلسلة فنادق نام آنذاك لم يكن يستطيع أن يعطي والدتنا مزيدًا من الوقت لتتمكن من جني المال لأداء الدين، وكأن المال الذي أقرضه والدي قد أثر بحساباته البنكية.»

عقدت حاجبيها وأغمضت عينيها قليلًا لتهدأ ثم أكملت كلامها «كانت أمنا تعمل منذ الفجر حتى المساء مختلف الأعمال الشاقة، كانت توقظني لأذهب للمدرسة ثم تتركك عند أحد الجيران ليعتني بك، كانت تأخذك معها  لعملها الصباحي أحيانًا إن سُمح لها بذلك، لكن الجشع نام لم يفكر بتمديد وقت رد الدين أبدًا.» سكتت قليلًا ونظرت لوجه جونغكوك الذي كان ينظر لها صارًا على أسنانه شادًا عضلة فكه، ولوهلة فكرت بكم يشبه والدهما بنظرته هذه «في يومٍ ما أتى نام للمنزل وهدد والدتنا بأنه سيأخذنا منها إن لم تؤدي الدين، لا أعلم ما كانت حاجته لأخذنا، لكنها بسبب ذلك التهديد عملت وعملت حتى سقطت متعبة في أحد الأيام بينما تعمل، ولم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول لها بالوقت المناسب.»

«باليوم ذاته أخذني السيد نام لبيته في سيؤول ورُميت أنت بأحد دور الأيتام. كنتُ بالثالثة عشر، وكنتَ بالرابعة.» ابتلعت جونغسوك غصتها «كنت أرجوه كل يوم أن يسمح لي بزيارتك غير عالمة بأنك كنت موجودًا بسيؤول أيضًا، لكنه لم يسمح بذلك ولم يتوانَ عن ضربي بكل مرة كنت أسأل عنك بها.»

«كان جيوون -ابن السيد نام الأكبر- يواسيني دومًا ويحاول إقناع والده ليسمح لي بالذهاب لرؤيتك، لكنه لم يُفلح بذلك أبدًا.» تدحرجت دمعة على خدها ومسحتها بسرعة قبل أن تكمل «تزوجت من جيوون عندما صرت بالثانية والعشرين وصار هو بالرابعة والعشرين، وكنا نبحث عنك في دور الأيتام ببوسان لأننا لم نكن نعلم بعد أنك كنت في سيؤول، لكن بعد سنتين أتى السيد نام وقال لي أن أتوقف عن البحث لأنهم قد وجدوا جثتك هامدة بلا حراك قبل أسبوع.»

«بنهاية شهر أكتوبر اتصل لي أحد معارفي الذي قد أتى للندن برحلة عمل، قال لي أنه رأى نادلًا يشبهني لدرجة مخيفة وقد كان اسمه جونغكوك...» ابتسمت جونغسوك «طلبت من جيوون أن يتأكد إن كنت حقًا جونغكوك أخي، وتمكنا من الحصول على سيرتك الذاتية، لكن كان علينا أن نتأكد أكثر. أردت أن آتي وأقابلك فورًا، لكن المساعد الذي اتصل بك قد أصر على أن يحادثك أولًا ليتأكد إن كنتَ جونغكوك أخي أم لا.» رفعت رأسها مبتسمة والدموع قد تدفقت لعينيها مجددًا «لكنني في النهاية وجدتك.»

«كوكي؟» نادت عندما رأت جونغكوك مطأطئًا رأسه، لكنها استقامت من مكانها وذهبت له عندما سمعت الارتعاش في تنفسه «كوك لا تبكِ... ألست سعيدًا لأنك وجدتَ عائلتك؟» سألته بقلق فأومأ لكنه لم يتوقف عن البكاء. احتضنت جونغسوك أخاها وربتت على ظهره كما ربت على ظهرها قبل قليل.

«كنت وحيدًا بذلك الميتم.» بكى جونغكوك «الصديقان اللذان اعتبرتهما عائلتي قد اختفا عندما صرت في العاشرة من عمري وبقيت بعدها وحدي، كل عائلة فكرت في تبنيّ قد أعادتني للميتم مجددًا، لم يكن هناك أي شيء يربطني بكوريا.»

كان جونغكوك يبكي بحرقة، كل هذا الرفض الذي تعرض له منذ صغره وحتى كبره قد حطمه تمامًا «حصلت على شهادة بإدارة الأعمال لكنني لم أُوظف إلا كنادل بمطعم.» رفع رأسه لينظر لأخته بعينين دامعتين «ظننتُ أن لا أحد يرغب بي، لكنكِ كنتِ موجودة طوال الوقت والآن بدأ كل شيء يتحول للأفضل.»

ابتسمت جونغسوك بحنان لأخيها الصغير «بالطبع كنتُ موجودة، وسأكون دائمًا موجودة.» مسحت دموعه بإبهامها «ما رأيك أن تكمل طعامك الآن كي نذهب بعدها لشراء المثلجات ونتعرف على بعضنا أكثر؟ علينا أن نبدأ بالتعويض عن السنين التي فاتتنا.»

ابتسم جونغكوك ابتسامته الأرنبية وهو يومئ ويمسح ماتبقى من دموع على خديه، وابتسمت جونغسوك الابتسامة الأرنبية ذاتها قبل أن تعود لمقعدها.. إنهما شقيقان بالفعل.

بينما كان جونغكوك وجونغسوك يعيدان تجديد علاقتِهما كأخوين، كان جدا تايهيونغ يتعرفان على أحلام لأول مرة، وكان هذا اللقاء أشبه بالتحقيق معظم الوقت.

«إذًا أحلام...» بدأ الجد «من أين أنتِ؟ اسمك ليس إنجليزيًا أو كوريًا.»

«أنا عربية الأصل.» أجابته باحترام «انتقلت لإنجلترا قبل بضعة أشهر.»

«وكم يكون عمرك؟» سألت الجدة.

«صرت بالحادية والعشرين في شهر يوليو...» أجابت، وفكرت أنها لو أحضرت سيرتها الذاتية لكان ذلك أسهل.

أومأ الجدان بهدوء ثم أكملت الجدة التحقيق «منذ متى وأنتما معًا؟»

تايهيونغ أجاب هذه المرة «بدأنا نتواعد منذ أسبوعين، لكننا معجبان ببعضنا منذ أن حطت قدمها الشركة بشهر أغسطس.» أجاب بقليل من الفخر والغطرسة.

«كيف تعرفتما على بعضيكما؟» سألت الجدة بفضول.

«رأيت ملاكًا يسير على الأرض-» بدأ تايهيونغ لكن أحلام وكزته بخاصرته.

«إنه يبالغ.» قالت الفتاة بحرج.

«لقد كانت فائقة الجمال حقًا!» اعترف تايهيونغ بحماس ثم أكمل «المهم أنني دللتها على مكتب ويليام واتضح أن مكتبها يقابل مكتبي، ثم سألتها إن أرادت الذهاب معي للكفتيريا وهكذا...» أنهى كلامه بضحكة مُحرجة.

«أنت من حادثها أولًا؟» سألت الجدة مصدومة ولاقت إيماءة من تايهيونغ.

«لقد كنت مسحورًا بجمالها.» قال مبتسمًا بينما يمسك بكف أحلام المحرجة.

«ما قصة الخاتمين اللذان ترتديانهما؟» سأل الجد بعد أن صمت لفترة.

«إنه خاتمٌ مؤقت حتى أتقدم لخطبتها رسميًا.» أجاب ببساطة ملجمًا الجدين.

بعد لحظات من الصدمة تحمحمت الجدة «ألا تعتقدان أن بذلك قليلٌ من العجلة؟ أنتما تتواعدان منذ أسبوعين فحسب.»

«ومن الذي قال أنني سأتزوجها نهاية الأسبوع؟» سأل تايهيونغ رافعًا حاجبه «هذا الخاتم علامة ملكية كي لا يحاول أحدٌ مغازلتها والاحتكاك بها.» قال ثم أضاف بسخرية «لا تقلقا فنحن لن نتزوج قبل أن يتزوج ويليام.»

قبل أن ينبس ويليام بشيء سخر والده منه «أوه هذا يعني أنكما ستموتان قبل أن تتزوجا.»

ضحك الجميع عدا ويليام الذي تذمر واحتج أنه يتعرض للتنمر، ثم أعلن الجد «سنقيم حفلة بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس الشركة.» هدأ الثلاثة العازبون ليسمعوا ما يقوله الرجل «سنقيمها بفرعكم لأننا نقيم بعض التعديلات بالفرع الرئيسي، لذا جهزوا كل شيء.»

أومأ ويليام وأخرج هاتفه مستعدًا لإتمام بعض المكالمات لأجل التجهيزات «ستُقام يوم الجمعة إذًا... سأبدأ التجهيزات على الفور.»

سأل تايهيونغ قبل أن يغادر ويليام غرفة الجلوس «هل يمكننا أن ندعو جيمين وزايا؟»

«بالطبع، يمكن لأي شخص أن يحضر معه أحدًا من خارج الشركة، لكنني أستطيع أن أعطيهما بطاقات دخول خاصة.» أجابه ويليام.

«لا داعي لذلك، سأُدخل زايا وسيُدخل تايهيونغ جيمين.» اقترحت أحلام لتتلقى إيماءة من ويليام قبل أن يغادر غرفة الجلوس ليجري بعض المكالمات.

بعد نصف ساعة أخرى من الحديث والتحقيق مع أحلام وتايهيونغ عن علاقتهما نهضت الفتاة مستأذنة ومبتسمة بأدب «عليّ أن أعود للمنزل قبل أن يتأخر الوقت، سررتُ بمعرفتكما.»

فور خروجها من غرفة المعيشة صادفت ويليام «ألن تتناولي العشاء معنا؟»

«لا، علي أن أعود.» أجابته ثم ودعته.

كادت أن تكمل خطواتها لكن تايهيونغ استوقفها رافعًا مفاتيح سيارته «انتظري، سأوصلك لشقتك.»

ضحكت أحلام هازةً رأسها رفضًا «أولًا: يدك ما تزال مصابة. ثانيًا: لم ترَ جديك منذ فترة طويلة، لا شك أنك تريد الحديث معهما عن الكثير.»

«حسنًا إذًا سأطلب من ديفيد أن يوصلك..» مسح على رأسها بيده اليسرى ثم قبل جبينها «راسليني عندما تصلين، حسنًا؟»

«حسنًا» أومأت مبتسمة ثم خرجت من المنزل الواسع لتعود لشقتها.

أوصلها ديفيد وصعدت حتى الشقة، أرسلت رسالةً تايهيونغ تخبره بها أنها قد وصلت، ثم غيرت ملابسها وخرجت مجددًا متجهةً للسوق المركزي لتشتري بعض الأشياء.

كانت تسير بينما يداها بجيوب سترتها تفكر بما قاله تايهيونغ عن زواجهما. إنهما يتواعدان منذ أسبوعين فقط ويعرفان بعضهما منذ ما يقارب أربعة الأشهر، هي تحبه فعلًا، لكن هذه ليست فترة كافية لتقرر رغبتها بالزواج من شخص ما، هذا شيء بعيد المدى للغاية. لكنها لا تريد أن تخبر تايهيونغ بهذا لأنها تعلم أنه سيتضايق، وقد يشعر أيضًا بأنها لا تحبه، لم تكن تريده أن يفكر بهذه الأمور ويثقل قلبه بينما لديه الكثير من المشاكل وبينما هو يشعر بالضيق أصلًا بسببب والدته التي يبدو أنها تريد القضاء عليه لسبب ما.

تنهدت وهي تدخل للسوق وتحمل ما تحط عينها عليه من مواد غذائية وأطعمة ومشروبات مضرة للصحة بينما تفكر بالحفلة «علي أن أخبر تيما وزايا كي نذهب للسوق...»

خرجت مؤرجحةً كيس مشترياتها بيدٍ بينما اليد الأخرى بجيب سترتها حتى وصلت لشقتها مجددًا ورمت بنفسها على الأريكة «لا أريد أن أطهو العشاء.. سأطلب البيتزا.»

مرت لحظات لحقت طلبها لتلك البيتزا بينما تعبث هي بهاتفها بعد أن أخبرت تيما وزايا بشأن الحفلة. وصلت البيتزا وبدأت تأكلها ثم وصلتها رسالة من تايهيونغ.

- قالت جدتي أن ابتسامتك جميلة
وأنا أوافقها الرأي

- توقف عن التحدث معي وتحدث معهما يا فتى
أنت تراني كل يوم، لكنك لم ترَهما منذ فترة طويلة

- لكنني اشتقت لكِ :(

- أنا سأذهب لأنام، تحدث مع جديك وكُل جيدًا
تصبح على خير

- تصبحين على خير
أحبك.

حدق تايهيونغ بهاتفه للحظات وكاد أن يبدأ بالتذمر لولا أن أحلام أرسلت له 'أحبك أيضًا' فانفرجت أساريره وابتسم باكتفاء، لكن تلك الابتسامة سرعان ما تبدلت لعبوس عندما وصلته رسالةٌ من رقم مجهول.

فتح الرسالة ورأى أمامه صورةً لأحلام تسير في الشارع بينما تحمل بيدها كيسًا، وأخرى لها وهي تدخل المبنى السكني الذي تعيش به.

- لا تنسَ الاتفاق.

أراد تايهيونغ أن يجادل صاحب الرقم ويمتنع عن تنفيذ أي مهمة كانت تلك التي أرادت منه يونجين تنفيذها، لكنه لا يستطيع فعل ذلك الآن، ليس وعندما هُدد بشكل غير مباشر بحبيبته.

----
الرواية بتتوقف مؤقتًا -مع الأسف- بسبب الجامعة☺️💔
لكن قاعدة اشتغل على التخطيط للفصول الجاية من الحين، المفروض بقى للرواية ١٢ فصل تقريبًا، فلما أرجع بكون كاتبتنهم كلهم إن شاء الله وبيستمر النشر لين تكتمل الرواية.

مع الأسف مو متأكدة متى بقدر أواصل النشر مرة ثانية بس الدوام يكمل شهر ٦ فإن شاء الله أقدر أكمل وقتها😅

أتمنى خلال الفترة الي ما انشر فيها شي ماتسحبون على الرواية :') تسوون خير لو تنشرونها بعد عشان تحمسوني وتشجعوني وهيك ترى استاهل 👈🏻👉🏻

حاليًا القراءات ٤ الاف، وصلوها الى ٧ الاف☺️

اول فصل للرواية انكتب تاريخ ٨ - أبريل - ٢٠١٩ ونشرته تاريخ ٩ - أبريل - ٢٠١٩، مرت سنة بالضبط على نشري للرواية وكل يوم أحس بالفخر أكثر من اليوم الي قبله فيعني تقدرون تنشرون الرواية كهدية🥰

خلال هالفترة -الي اتمنى ان اوحشكم فيها شوي- اقروا رواياتي الثانية واقروا أحلام مرة ثانية مافي مشكلة بعد😂😂 بس الأهم ان تهتمون بصحتكم وتلبسون كمامات وماتختلطون بالناس عشان تحمون نفسكم من فيروس كورونا (كوفيد-١٩)

إن شاء الله يكون هالفيروس مختفي لما أرجع انشر الرواية لأنه مللنا صراحة.

المهم كل عام وانتوا بخير -مادري شدخل- وأتمنى ان هالفصل عجبكم وان الرواية ككل عاجبتنكم🥰

اذا عندكم اي اقتراحات او انتقادات كلموني في الخاص، وشكرًا.

-هازو المكروفة
ملاحظة: يمكن في خطط لرواية ثانية بعد ما تكمل أحلام الله أعلم🌚

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top