صديق جديد، و حقيقة المرض
كان يسير في خطى واثقة مع أنه لا يعلم وجهته أو مستقره اللاحق؛ فجأة بدأت الرياح تعصف، حينا تداعب شعره المجعد، ثم حينا أخرى تجره بقوة.
لكن هذا لم يوقظه من غفوته، بل زاده حزما وثباتا، فأكمل سيره إلى أن أجهز في السعال، وعندما إستخدم المنديل ليغطي فمه، راح يبصق دماءا، وقد أشعره ذلك بالتوتر والإضطراب الشديد.
توقف أمام بائع فواكه جافة، ثم تقدم وهذه المرة بخطى خاذلة، لا يكاد يقوى على التحكم فيها، كانت يداه ترتجفان، والسعال لا يكاد يتوقف، وهو يمسك بالمنديل بقوة، سأل البائع المتجول.
عبد الله:
- عفوا، أين أجد طبيبا عاما يا سيدي...؟
عمر:
- أي نوع من الأطباء تريد... ثم إنفجر ضاحكا : طبيب محترف أم مبتدء....
عبد الله:
- لماذا،...؟ما الفرق...؟
عمر:
- ياا صديقي يبدو أنك جديد هنا.... أليس كذلك...؟!
عبد الله:
- بلى، أنا جديد على هذه المدينة ....
سحبه الرجل من يده في إتجاه الجدار، ثم أخرج كرسيين من تحت عربته الصغيرة، وطلب من عبد الله أن يتفضل بالجلوس.
عمر:
- أخبرني ما اسمك يا صديقي.....؟
عبد الله:
- أنا عبد الله، وأنت.....؟
عمر:
- أدعى عمر.... تبدو لي رجلا صادقا وطيبا .... فانتبه من اللصوص والنصابين....
عبد الله:
- حسنا...! لكن ما علاقة هذا بسؤالي....؟
عمر:
- استمع إلي جيدا يا عبد الله.... يبدو إلي أنك لا تعرف الكثير عن الحياة، ولم تجتز بعد اختباراتها القاسية، لذلك سأرسلك لدى طبيب ممتاز، ومختص في جميع الأمراض.....
استغرب عبد الله من موقف عمر، لكنه تفهم أن الناس ليست متشابهة فمايزال منهم أشخاصا يحبون الخير لغيرهم.
عبد الله:
- أشكرك مسبقا ... أشكرك جزيلا...! لكن أين سأجده....؟
عمر:
- سأكتب لك العنوان في ورقة.... مهلا لحظة، هل تجيد القراءة....؟
عبد الله:
- بالتأكيد وإلا فكيب لي أن أتأمل كتابه سبحانه وتعالى....؟
عمر:
- هكذا إذا.... - وعاد إلى الضحك مجددا -
قام عمر بتقديم ورقة صغيرة عليها بعض الخربشات من الخلف، وقد كتب الخط بخط بارز، بحيث يبدو واضحا من بعيد، وكأنه لوحة إعلانات....!
استلم عبد الله الورقة، واتجه حيي أشار إليه عمر، وذلك بعد أن إتفقا على أن يكونا صديقين من اليوم فصاعدا؛ وقد حددا موعدا ليلتقيا فيه بعد يومين.
انطلق باحثا عن الطبيب وفي طريقه لم يصادف أشخاصا كثيرين، فذلك الرواق كان شبه فارغ، طلب المساعدة من أحدهم وسأله عن عنوان الطبيب عماد، وقد حدد له المكان بدقة، يبدو أن الحظ قد بدأ يلقى بشارته على عبد الله، كما أن الله قد اختبره بما فيه الكفاية، وكانت نتائج هذا الاختبار جيدة جدا، فكيف سيتفاعل مع خبر مرضه يا ترى ؟ كانت عيادة الطبيب شبيهة بفندق مهجور، راح يتسلق السلالم الشديدة الارتفاع، فبين كل درجة ما يقارب المتر ....!
قرع الباب ثلاث مرات وقال : - الله أكبر....
تماما كما طلب إليه عمر قبل قليل، ففتح الطبيب الباب.
الطبيب عماد:
- أهلا، أهلا...بصديق صديقي ....!
استغرب عبد الله من كلام الطبيب، لكنه مع ذلك يبدو شخصا محترما، ومرحا أيضا؛ كان مسنا نوعا ما، وكان ذو بنية هائلة، تمتد لحيته على طول ذقنه، استقبل عماد، عبد الله، واصطحبه إلى غرفة الفحص، وكان أول سؤال .
الطبيب عماد:
- من ماذا تعاني يا بني....؟
عبد الله:
- لقد كنت أسعل بشدة هذه الأيام ...
الطبيب عماد:
- أجل، أكمل....
عبد الله:
- ثم اليوم بصقت دما بغرارة ...بالإضافة إلى ذلك شعوري بالإرهاق الشديد دونما سبب ...فما هو مرضي إذن...؟
الطبيب عماد:
- دعني أولا أجري لك فحوصات هامة...
طلب إليه الطبيب الإستلقاء على السرير الصغير وسط الغرفة ثم جرده من قميصه، وبدأ يقيس ضغطه ودقات قلبه وغير ذلك، وبعد لحظات تغيرت ملامح الطبيب المرحة إلى عبوس تام، فانتاب عبد الله قليل من القلق تجاه حالته الصحية....!
ومن تمى شرع الطبيب في طرح جملة من الأسئلة الشخصية أو المهنية....وقد كان عبد الله صريحا معه في كل إجاباته، ففي المقابل أخبره الطبيب بحقيقة مرضه .
الطبيب عماد:
- أنت تعاني من ...السرطان....
نزلت هذه الكلمة كالصاعقة على عبد الله الذي ظن أنه وأخيرا ابتسم له الحظ بعد أن عانى العديد من الابتلائات...
وهكذا ومن دون مقدمات، قالها ببساطة تامة وكأن هذا المرض عادي كغيره من الأمراض التي لا ترك إلا آثارا جانبية طفيفة. إنه السرطان يا ناس، السرطان، تردد عبد الله مرارا قبل أن ينطق ولو بحرف، فقد كان مايزاى تحت تأثير الصدمة القوية، وبعد برهة عم الصمت، اخترق عماد ذلك الهدوء القاتم بأن عاد عبوسه.
الطبيب عماد:
- لا تخف ياعزيزي،.... فقد تطور الطب عما كان عليه سابقا وبات في إمكاننا علاجك....
عبد الله:
- حسنا....وما المطلوب مني ؟... - قاطعه الطبيب -
الطبيب عماد:
- ألا تتغيب عن العلاج يوما واحدا، ولا تأخذ ببالك أمر تكلفة العلاج فهي على حسابي....!
عبد الله:
- ماذا....؟ ولكن.... - قاطعه ثانية ليقول -
الطبيب عماد:
- من دون لكن، لقد قلت لك لا عليك، فأنت من طرف صديقي، إدن أنت صديقي....وكما تعلم واجب الأصدقاء مساعدتهم في وقت الشدة...أليس كذلك....؟
تنهد عبد الله بعمق.
عبد الله:
- كم قل أمثالك في هذا الزمن ...!
ثم اقتحم طفل صغير المكان وعمت أرجائها بصخبه، فتدخل رجل من خلفه طالبا إليه أن يهدأ .
الرجل:
- إهدأ يا بني فهذه عيادة ويوجد بها المرضى....!
الطفل:
- حسنا، لكنني متحمس للغاية فهذه آخر مرة سآتي فيها للعالاج....
فأضاف عماد بحسه الفكاهي.
الطبيب عماد:
- إدن فقد مللت مني، وما عدت تريد رؤيتي ...؟
الطفل:
- ليس الأمر كما تعتقد ... أعدك أني سآتي لزيارتك يا عم ....
كان المكان مليئا بأجواء المرح بالرغم من قلة الاشخاص ،قام الطبيب من على كرسيه وحدد موعدا لعبد الله في الغد لكي يبدأ العلاج في أسرع ما يمكن قبل أن تتأزم حاله أكثر.
خرج من العيادة في اتجاه غرفته الصغيرة، وبمجرد أن وصل، استلقى على سريره، وتكور على نفسه، تماما كما يفعل القنفذ عندما يشعر بالخطر يقترب، ما عدى عبد الله الذي هو مجرد من أشواكه تماما، ومن أسلحته، ومن أي شيئ قد يحميه من التعرض للخطر، فحتى المرض بدأ يلتهم خلاياه ويقتلها شيئا فشيئا. فكما يقول المثل القديم "رب محنة تحمل في طياتها منحة "، وهكذا هي حال عبد الله، فلابد أن يفرج الله عليه كربته يوما، ظل يحدق عبد الله بالجدران المشققة التي تكاد تنقض عليه.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top