اتضح أنها أحنبية
أخيرا استطاع عبد الله إيقاظ الفتاة الصغيرة لتنهض و تستقيم على السرير، بينما قدماها تتدلى عليه و هي تحدق ناحية عبد الله بإشراق و ابتسامة عذبة تذيب القلوب، فكيف لمثل هذا الملاك أن يسير أموره أثناء نشوب الحرب..؟ و لن ننسى لون عينيها الأزرق البراق بلون السماء الصافية عكس التي بالخارج.
بعد كل هذا التحديق المتبادل و الذي يعمه الصمت بالكامل، تتحدث الفتاة بقليل من الخجل الذي أضفى على ملامح وجهها احمرارا ظريفا يبعدك بمجرد النظر إليها عن كل مساوئ و قساوة الحياة.
الفتاة:
_ You're my hero...!
لم يفهم عبد الله ما قالته لدى و كردة فعل رفع يده و بدأ يفرك رأسه من الخلف.
عبد الله:
_حقيقة لم أفهم ما قلته... لكن أظنني أعرف من سيفهم...!
أمالت الفتاة برأسها علامة عدم الفهم و هي تردف بينما تلعب برجليها و تحركهما ذهابا و إيابا.
الفتاة:
_What...? I do'nt know what to you say now...!
مجددا لم يفهم عبد الله ما قالته، لكنها حقا أثارت استغرابه فلماذا سيؤذي الأجانب أشخاصا من نفس جنسيتهم و بل مجرد طفلة صغيرة لا يدي حتى سبب تواجدها في مثل هذا المكان.
اتجه عبد الله نحو الركن القصي بالغرفة و أخرج منه كيسا صغيرا يحتوي بعض الخبز، فقدمه لهذه الفتاة و إذا بها تتناوله بنهم فيبدوا أنها جائعة جدا و لم تتناول شيئا لسنوات، و يا للأسف فهو لا يمتلك غير هذا الخبز مع العلم أنه يحاول التقليل من مؤنه كي يوفر المال ليرسله لعائلته في بلدته.
بدأ عبد الله يداعب خصلات شعرها و هو يفرك رأسها بيده بطريقة لطيفة، لتبادله الفتاة الإبتسامة بالمثل، مما جعل قلبه ينفطر من رؤيته لها في تلك الحالة التي يرثى لها؛ فجأة بدأت تسعل بخفة و هي تصارع لابتلاع لقمة الخبز في فمها.
عندما انتهت من إفطارها مع أنه مجرد خبز جاف، خرج عبد الله معها و أحكم إغلاق باب الغرفة التي يقطن بها، و اتجه صوب عيادة الطبيب عماد.
كان عماد ما يزال يفتح الباب معلنا عن افتتاح العيادة الصغيرة، ليقاطعه عبد الله بعجلة مدعيا أن الأمر هام جدا، ليقول و هو يسحب عماد للداخل.
عبد الله:
_إنها حالة طارئة..! هيا للداخل...!
و بالفعل لحق به عماد ليبدأ بفحصها بعد أن طلب إليه عبد الله ذلك و أخبره أنها تسعل، عندما انتهى عماد من عمله التطبيبي قدم لها دواءا لخفض الحرارة و التخلص من السعال، و قد طمأن قلب عبد الله اتجاهها فقد اتضح أنه مجرد زكام بسبب برودة الجو التي تناقض نوع الثياب الصيفية التي ترتديها الفتاة.
اضطر عبد الله إلى الذهاب للعمل فقد تأخر بما فيه الكفاية و هو في سباق حاسم مع الوقت، و لا ثانية ليضيعها، لذلك حاول التملص من استجوابات عماد له.
عبد الله:
_آسف يا صديقي لكنني تأخرت بالفعل...! و أعدك أن أشرح كل شيء عند عودتي...!
كل شيء في أوانه، و لابد أن يشرح كل شيء له في نهاية المطاف كي يساعده في محنته، عندما أراد عبد الله عبور المخرج التصقت به الفتاة من الخلف و هي تعانق قدمه بدراعيها الصغيرتين، و تحدق فيه بأعين تكاد تدمع و نظرتها تلك تحمل بين طياتها الكثير من الحزن و الأسى، مما أشعر عبد الله بالشفقة اتجاهها.
لكنه مجبر على الذهاب للعمل و إلا فمن سيدفع عنه الإيجار؟ و من سيتولى نفقة عائلته؟ لذلك قام بتهدئتها و تركها مع عبد الله ريتما يعود.
و كما هو الحال مع عبد الله دائما في الميناء، شقاء طوال اليوم و أحيانا تسلط بعض المتباهين ببضع دنانين يملكونها، على أي لم يكن ما يقتضيه عبد الله من عمله هذا بالقليل لكنه أيضا لا يكفي.
أذنت الظهيرة بالحلول ليتجه عبد الله صوب بوابة المبناء بعد أن انتهى من آخر توصيلة، و هو يسير في خطى متسارعة مر على صديقه عمر ذا عربة الفواكه الجافة، كان عمر منغمسا بالتحدث إلى الزبائن و إقناعهم باقتناء بضاعته، فبشاشته و عذوبة طريقته في الحديث تقيدك للإستماع رغما عنك.
ذهب إليه عبد الله و ألقى التحية و تبادلا بعض أطراف الحديث لبضع دقائق، قبل أن يستودع عبد الله عمر متجها إلى العيادة، و في أثناء سيره عندما كان على مقربة من بلوغ المكان المنشود لوجهته، أحس بضيق شديد يعتصر صدره، ليلقي بضلاله على كل ما يوجد حوله، فإذا بها غمامة سوداء تغشي عينيه لتمنع عنه الرؤية، فتوقف بجانب الطريق يلتقط أنفاسه لتبدأ نوبة السعال المتواصلة، و ما هذا بالتأكيد إلا نذير بسوء و تدهور حالته الصحية.
لم يستغرق سوى برهة حتى أتاه رجل ليقف أمام عبد الله و هو يقطب جبينه و يضم دراعيه نحوه بنوع من الإنزعاج، ليخاطب الرجل عبد الله بغضب مكبوت ليس و كأن عبد الله ارتكب جريمة للتو أو ما شابه.
_اغرب من هنا فأنت تعيق الزبائن...!
حينها انتبه عبد الله إلى مكانه فهو حاليا يجثوا على ركبتيه إلى الجدار بجانب باب المقهى، و قف بمشقة ليعتذر و هو يكمل مسيره.
_أعتذر إذا ما سببت لك المتاعب يا سيدي...!
ها هو ذي عبد الله يطرق باب العيادة ليستأذن الدخول، عازما على تلقي العلاج و ليطمئن أيضا على الفتاة الصغيرة، و فور أن دخل حتى نهضت الفتاة من على الكرسي مسرعة و هي تركض لتنهال على عبد الله بالعناق و هي تتحدث بنفس اللغة التي لا يفهمها بعد عبد الله.
الفتاة:
-Dady, Dady...!
بادلها عبد الله العناق و هو يضحك على الرغم من أنه لم يفهم مغزى كلامها بينما عناد ينظر لكليهما دون تصديق لما قالته الفتاة لذلك بادر بالحديث.
الطبيب عماد:
_لقد أمضيت الصبيحة بطولها أحاول محادثتها دون رد يذكر...! و بمجرد أن أتيت أنت اتضح أنها...!
لم ينهي عماد جملته لأن عبد الله أجهز في السعال، لذلك تقدم إليه بسرعة ليطمئن عليه و يرى ما الخطب الذي يؤدي به، و سرعان ما ابتعدت الفتاة عن عبد الله بقلق و هي وتترقبه بقلق و خوف ظاهر على ملامحها البريئة.
اصطحب عماد عبد الله إلى غرفة الفحص من أجل تلقي العلاج اليومي فقد تأخر عنه بما فيه الكفاية، و قد قدم للفتاة الصغيرة بعض الحلوى و تركاها جالسة تنتظر بغرفة الإنتظار و هي تجلس على نفس الكرسي الذي كانت فيه من قبل قدوم عبد الله.
استغرق الأمر حوالي ثلاثة أرباع الساعة، ليفتح عماد الباب و هو رافع رأسه بفخر لما عملت يداه، و خلفه يسير عبد الله منهكا و الإرهاق قد بلغ أشده بالفعل، و على غرار ذلك ما يزال واقفا على قدميه و صامدا في وجه للحياة القاسية، فكما هو المثل لن تحلق الطيور في السماء ما لم تطر عكس اتجاه الريح.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top