{ألحُلم الملعون رقم«2»}


و أبتسمت بعفوية على فكرة أن يجب عليها التجربة لتسحب حزام الورد من فستانها و تعقده بأطرافِ شعرها، أدخلت تلك العقدة في الماء و هي تتمتم بالكلمات ليقاطعها صوت من لم تتوقع وجوده هنا و هو يقول:

"بأي كتابٍ فاشل قرأت الاسطورة هذه؟!" لتنظر له بعيون متسعةٍ مندهشة باحثةً عن تبريرٍ له.....

_______________

"منذ متى و أنت هنا؟!"

سألت و التوتر بان في صوتها المرتعش و هي تناظرهُ بأرتباكٍ لتسمع صوت همهمته مدعياً التذكر

"لنقل منذ أن كذبتِ على السيد شيرازد و أخبرتِه أنكِ أضعتِ وشاحكِ مع أنكِ كنتِ متعمدةً على إلقاءه في منتصف الدرب لتقومي بتجربة هذه الترهات!"

و عقد ذراعيه أمام صدره منتظراً تبريراً "إذن؟!" رفع حاجبه بشكلٍ زاد من توترها على الرغم من رابطة الصداقة الجميلة التي تجمعهم لكن هذا الرجل له جانبٌ حاد بارد في معظم الأوقات و الذي حاول جاهداً إخفاءه عنها من أجل كسبها كرفيقة أو من أجل مساعدة تلك التي تجهل كل شيء بدافع الشفقة عليها


"هارولد أنا..." قالت و أثناء محاولتها لإيجاد عذر لما فعلته

(كون الخرافات و الإيمان بها و تجربتها أمرٌ محرم عندهم)

فهي مخطئةٌ بذلك، و أثناء هذا النقاش كان هناك من يراقبهم من خلف إحدى الأشجار ليصدح صوته و أخيراً قائلاً "حُبها أعماها عن الذنب الذي اقترفته"

أدار الإثنين رؤوسهم نحو صاحب الشعر الأشيب نادبين تفكيرهم اللعين الذي أنساهم أنه سيعود قريباً و أبتسم شيرازد ليضيف مكملاً كلامه:

"فكما تعلم هارولد...إبنة آل باترسون معجبةٌ بشخصٍ ما...و حسب أعتقادي أنه أحدُ أصدقائها كونها لم تلاقي غيرهم!" و أنهى جملته بشبك يديه خلف ظهره مخفياً ضحكته و هو يناظر تلك الصغيرة كيف تغير كل شيء بها عندما خجلت إبتداءً من وجنتيها التي تلونت بالزهري و شفتيها التي قضمتها وهي تلعن نفسها داخلياً...

و ذلك الفتى الذي لم يكن متوقعاً لما سمعه للتو...لوهلةٍ ظن أنها أُعجبت به هو كونه صديقها الأقرب و لكن تذكره لويليام بعثر أفكاره، و استجمع قواه وهو يحاول النطق بعد ذلك الصمت المُربك ليسحب نفساً مستعداً لقول :

"يستوجب علي الذهاب لترككم مستمتعين بهذه النزهة الجميلة" تهرب!! نعم إنه تهربٌ من مواجهةِ عينيها مرة أخرى كما هي أرادت رحيله بشدة و لكن...

"لا يجب عليك.. تعال و شاركنا لنستغل هذه الفرصة الجميلة" عقب شيرازد مبتسماً ليرفع هارولد كتفيه بقلة حيلة فذلك العرض الذي تفوه به شيرازد أمرٌ بصيغةِ طلب

و جلس قريبا منهم متحاشياً النظر لوجهها تماما حيث كانت تخبئ نفسها خلف جسد شيرازد الذي كان جالساً بينهما...

و أستجمعت قواها عند تذكرها بأنها إبنة آل باترسون فهي ليست بفتاةٍ عادية، بإستطاعتها حل مشاكلها بنفسها

"للتو لاحظت بأنهم قاموا بإصلاح السد!" توجهت أنظار الإثنين لها

"إنه الحلم الأول...بإنتظاري رحلةٌ طويلةٌ على ما أعتقد" أردفت ليتحنحن هارولد و يقول:

"الكل بجانبك..أنا، ويليام، اريانا، و حتى السيد شيرازد"

"نعم فهل تعتقدين...." عقبه شيرازد بسؤال لكنها قاطعته

"نعم هارولد...أنا اعلم بأنكم معي، في الواقع أنا أعلم بكل شيء ... بالذي يحبني و الذي يكرهني و الذي يحاول الإيقاع بي في المشاكل!!" كأنه فهم قصدها...نعم شيرازد قد فهمه بكل تأكيد

"أنهيتِ تناول طعامك؟!" سألها متجاهلاً تلك الإهانة

"نعم انتهيت!" أجابت وهي تمسح يديها بمنديل....

وقف مستعداً للعودة حيث القصر ليستقيم هارولد واقفاً معه "لنذهب إذن!" أمرها شيرازد ببرود و بملامح لا تحمل أي تعابير واضحة

"أنا سوف أذهب من ناحية أخرى فأحتاج لبعض الأشياء من الغابة" قال هارولد مبتعداً عنهم لتبدأ الجينيفر الحديث بسؤال "ماذا الآن؟!" كانت تسأله بنبرةِ صوتٍ حادة بعض الشيء

"ماذا؟!" قالها ساخراً لتحتد أكثر

"أتعلم ما فعلت للتو؟! كيف تكذب عليه و تقول أنني معجبةٌ بصديقٍ لي؟!" لاحظ احتجاجها و طريقتها بالكلام معه فرفع سبابته محذراً إياها
"لا تتخطِ حدودكِ بالكلام معي يا فتاة هل نسيتِ من أنا؟!"

"لم انسى!!" صرخت بوجهه لتشتعل بنيران غضبها بسبب بروده ثم تردف

" أنت مسؤول قصر جلالة الملكة فيكتوريا الذي مثّلَ على فتاة بلهاء غبية أنه طيب القلب و عطوف لتصدقه و يوقعها بأكبر موقف محرج لها مع صديقها، هل هذه طيبتك يا سيد؟! إنها تهمة!"

كانت تصرخ بوجهه و تحرك يديها نحو كل الجهات ليمسك رسغها بقوة و ينظر لعينيها نظرة سخطٍ جعلت أوصالها تتجمد رهبةً منه "إن كنتِ ناسيةً من أكون أستطيع تذكيركِ بطريقةٍ أخرى" قالها هامساً متجاهلاً أنينها من ألم قبضته، و أفلت يدها بقوةٍ مستديراً ليمشي بسرعةٍ نحو القصر و تلحقه هي...

______________________________

(في غرفة ويليام)

"للمرة الألف و خمسمئة، انا..لست..موافق!!" قال ويليام الكلمات كلٌ على حدة لتصفع صاحبة العيون السماوية جبهتها بغضب

"لم أطلب منك الكثير ويل" فرفع حاجبه و عقب بسخرية على كلامها

"أجل عزيزتي اريانا لم تطلبِ الكثير...لحظة لحظة..أوه أنتِ لم تطلبِ سوى أن تجربِ أحد عقاقيركِ الفاشلة علّي...بربكِ اريانا هل أنا فأر تجارب لديكِ؟!"

"إنه لن يؤذيك على ما أعتقد" و اختتمت جملتها بقهقهة ليقلب عينيه بملل

"على ما تعتقدين؟! تخيلي أنه سيقوم بشل جسدي أو حرقه، هل ستسامحين نفسك؟!"

"أرجوك ويلي أرجوك أنا متأكدة بأنه لن يؤذي من يشربه لكنني نسيت ما الفائدة منه واللعنة!" و صفعت جبهتها ضاحكةً على مظهره و هو يصغر عينيه بأمتعاض أثناء النظر إليها...

"إذن؟!" أردفت بسؤال ليصمت قليلاً ثم يجيب

"موافق" و بعثر شعره بضجرٍ سببه كان عناد تلك الطفلة التي قرصت خده بمزاحٍ ثم أحضرت ذلك العقار من فوق السرير حيث أنها تركته هناك كونها لم تظن بإنه سيوافق حتما...

"إشربه الآن و ثق بي" أمرته مبتسمةً ليسحب العقار من يدها

"إن حصل لي شيء ستتحملين مسؤولية ذلك يا مجنونة!" رمى آخر كلمات في فمه ليشرب العقار بعدها و يُجعد ملامح وجهه بقرفٍ من مذاقه أراد القول بإنه اسوء طعمٍ تذوقه في حياته و لكنه....لا يستطيع النطق!!،

أشار إلى حنجرته راغباً بإعلامها بإنه لا يستطيع الكلام مطلقاً

"أوه ويل أنا آسفة جداً، لقد تذكرت ما هذا المحلول!" و حرك رأسه للجهتين بمعنى (ما هو؟!)

" إنه يفقدك القدرة على الكلام ربما ليومين أو ثلاثة أو....اكثر" قالت كلمتها الأخيرة و هي تخفض رأسها بحرج ...

وضغط ذلك الصامت على أسنانه بغضب وهو مغمضٌ عَينيه ليتمالك أعصابه واللعنة لقد رفض طلبها كثيرا لكنها من لجّت!! ثم أشار بأصبعه نحو الباب قاصداً طردها لتقترب منه ناويةً الإعتذار لكنه دفعها بحدة نحو الباب، نظرت له عابسةً بأسى لتخرج بعدها من الغرفة و تغلق الباب...

و شد ذا العيون العسلية شعره البني بقوة ثم رمى بنفسه على السرير وهو مغمضٌ عينيه بكفه و أعصابه تشتعل بسبب غباءها...ويليام الهادئ اللطيف طردها بشكلٍ قاسي فعلا صدق من قال [ إتق شر الحليم اذا غضب ]

___________________________

ثلاث طرقات خفيفة على باب غرفة شيرازد جعلته يرفع رأسه و يضع يده على عينيه بتعب رافق بصره أثناء النظر المطول على الأوراق التي تملئ مكتبه، دخلت تلك الخادمة الشقراء بعد أن سمح لها وهي تنحني بأحترامٍ له ليأذن لها بالنهوض بعدها

"سيدي كنت أريد إخبارك بأن الآنسة جينيفر منذ أن عادت إلى القصر مع سيادتك و حتى الآن حابسة نفسها في غرفتها و عندما أرسلنا لها وجبة العشاء رفضتها...أعني إن كان الأمر يهمك سيدي"

فهمهم و هو يزم شفتيه بتفهم "هي نائمة الآن؟!"

"لا أعلم حقا سيدي"

"لا بأس..يمكنكِ الذهاب الآن...شكرا"

شكرها!! نعم هو المسؤول عن قصر جلالة الملكة فيكتوريا الثالثة العظيمة و هي مجرد خادمة و شكرها !!

هو يفعل الشيء نفسه من كافة العاملين في القصر من عبيد و جواري و خياطين و طباخين و الكل... هناك سر كبير وراء ذلك الرجل!

و خرج من غرفته سائراً نحو غرفتها و هو يرد السلام على كل من ألقاه عليه أثناء سيره

"سيد شيرازد!" نادته إحدى العاملات في القصر و هي خافضةٌ رأسها بخجل

"ميلا! أليس كذلك؟!" سأل عن إسمها مصغراً عينيه لتجيب بإبتسامةٍ باهتة "أجل سيدي...ما زلت لا تفرق بيني و بين توأمي"

"أوه..ملاحظة الفرق بينكما ليست بالشيء السهل...على العموم، ماذا هناك؟!"

"في الواقع سيدي أنت تعلم بأنك الأكثر حناناً و عطفاً تجاهنا نحن الخدم...أنت دائماً تسمع..."

قاطعها برفع كفه أمام وجهها قائلاً "بدون مقدمات إبنتي...أخبريني ما بكِ؟!"

"أنا واقعةٌ في مشكلةٍ كبيرة سيدي..هل نستطيع التحدث في مكان آخر لأشرح لك الأمر؟!"

فأدار وجهه نحو الجهة الأخرى من الرواق ثم عقد يديه خلف ظهره "بالتأكيد..! لكن أفضل أن نؤجله ليوم غد، فكما تعلمين أنا متعب اليوم حقا بالإضافة إلى أنني أملك بعض الأشغال فعلّي إنهائها اليوم!"

"لطفٌ منك الموافقة سيدي...أنا حقاً ممتنة لجنابك" أومئ لها ليكمل سيره و تعود هي إلى عملها...قدميه أخذته إلى غرفة إبنته و طرقاته على بابها لم تعقبها إجابة منها ففتح الباب ليدخل و يجدها نائمة على سريرها...أو أنها تمثل ذلك!!

فإتكأ بجسده على جدار غرفتها و ناظر الأرضية بشرود فتكلم بعدها قائلاً "ليس كل من أخطأ كُتب على جبهته مذنب...! فهنالك بعضٌ من الأخطاء نرتكبها لسبب ربما يكون لصالحنا...ربما يغير حياتنا، لا بأس بخطأ واحد يجعل البعض نافراً عنا لكن على الأقل يبث الطمأنينة في أفئدتنا...من يدري!! عل الكل سيعلم غداً لمَ فعلنا ذلك!"

و أنهى كلامه بتنهيدةٍ فرغ بها ما كتمه في طيات صدره و ألهم العالق بقلبه...لم يسمع أي رد، أي تعليق، أي شيء منها هي فقط كانت تستمع له بينما تخبئ رأسها تحت الغطاء..

و من صفات شيرازد أنه يكره طول الإنتظار لكنه قد ضيع تلك السبع دقائق بالنظر لها و التأمل بأنها سوف تستيقظ، لقد سخر من نفسه حقا..! يجب عليه أن يكون أقوى "أصبحت عالقاً في متاهة" تمتم بآخر كلمات له قبل أن يخرج و يغلق الباب خلفه راحلاً حيث غرفته...

أصبحت الساعة الثانية عشر الآن هو نام و غيره نام و معظم من في القصر غرق ذلك السبات الليلي المؤقت...بعضهم من نام على أفرشةٍ من حرير و البعض الآخر على الارض الباردة...

أما صاحبة لعنة آل باترسون لم تنم و هي تفكر في كلمات شيرازد بعيون دامعة...فسحقاً لقد كان هناك شيء مدفون بكلماته كلغزٍ لكنها لم تفهمه...هي لا تفهم كل شيء أساساً لا بأصلٍ أو بماضٍ أو بحاضر أو بكل شيء فيالها من تائهة!! و قد غفت بعد ساعات من الأنين المجاري لدموعها التي جفت على خديها و هي تدخل إلى عالمٍ آخر

____________________

"أشعر بأنني أصبحت مجنوناً" قالها هارولد الواقف بجانب فتى لا يعرف إسمه حتى بعد أن وجده مستيقظاً في الساعة الثانية صباحاً و هو واقف أمام الشرفة عند أطول رواق في القصر ليقف هارولد بجانبه و بدون مقدمات يبدأ بالكلام معه

"مجنوناً؟! ماذا بك؟" سأل الفتى و عدستيه تراقب هارولد بأستغراب

"هل تعرف الشعور عندما ترغب بمساعدة شخص ما و لكن أحد الحواجز يعيقك؟ و أن تكون تعلم بأنك الوحيد القادر على المساعدة" سلم له إجابته و هو ساند يديه على الشرفة مبتسماً بألم ليقطب الفتى حاجبيه بعدم فهم لما يتفوه به الشاب الذي بجانبه

"أخاف عليها يا أخي انا لا أحبذ مذاق خسارتها و لا أريد تجربته حتى!" همس مردفاً و حاول السيطرة على دموعه التي حبسها تحت جفنيه بصعوبة

"حبيبتك؟!" سأله الواقف بجواره و وضع يده على كتفه مواسياً إياه

"لا...لا أعلم حقا اذ كانت مجرد صديقة أم إنها تعني لي الكثير" و أدار هارولد وجهه نحو الفتى فخفض الآخر رأسه حائراً بأمره فكيف يستطيع إعانته؟

"هل أقدر على مساعدتك؟!"

"ما زال هناك أناس طيبون في القصر..مثير للتعجب بحق...!" قال هارولد بعد أن أغمض عينيه مبتسماً لما سمعه للتو من الفتى...

"لا تستطيع فالمسألة أنها قصة طويلة لا يمكن أن تختتم بسهولة" أردف هارولد رافعاً كتفيه بقلة حيلة لينظر له الفتى بأسى

"أنا حزين لأجلك!"

"شكرا لك حقا، و آسف لقطع صفوتك..أنا حقا كنت أحتاج لإلقاء سموم الكلام المكتوم في قعر روحي" و أبتسم له الفتى بلطف و قد أحب هارولد بسرعة لا يعلم سببها

"لا بأس يمكنك المجيء في أي وقت أنا بخدمتك" و مد يده ليصافحه و يقول "أنطونيو أندراوس"

أومئ له هارولد ببهجة و هو يصافحه ليعرف نفسه أيضاً "هارولد ستيفان"

"ماذا؟!....هل أنت حقاً السيد هارولد؟...أفضل متدرب لدى السيد رونالد؟...أنا معجب بك شخصياً"  قالها بحماس ليقهقه هارولد بعفوية عليه

"نعم إنه أنا... بالمناسبة، ما عملك أنت في القصر أخي؟!"

و رفع أنطونيو كتفيه بلا مبالاة ليجيبه "مجرد مزارع أو...مساعد مزارع فقط"

"لا بأس بعملك...لابد من أنك تحب النباتات أليس كذلك؟!" سأل هارولد و هو يسير في الرواق مبتعداً عن الشرفة ليجاريه أنطونيو بالسير و هو يعقد ذراعيه أمام صدره

"نعم...في الواقع إنها تبعث الأسترخاء لدواخلي" فرفع هارولد حاجبيه بتفهم ليتثائب بعدها و يعتذر من أنطونيو قائلاً "سأذهب الآن...تأخر الوقت و لم أشعر به مطلقاً"

"أوه نعم يجب علّي الذهاب أنا ايضاً" حك أنطونيو شعره ضاحكاً

"حسناً...عمت مساءً أخي..و مرة أخرى شكرا لك"

"لا يجب أن تشكرني يا صاح لم أفعل شيئاً بحق...ثم إنني اتواجد هنا دوماً، يمكنك المجيء في أي وقت تشاء" فإبتسم له هارولد مربتاً على كتفه

"لطفٌ منك أخي...وداعاً الآن" و لوح له قبل أن يدير ظهره مبتعداً عنه لينعم بنومٍ عميق...

_____________________

تمشي في الرواق حافية القدمين بملابس النوم و شعرها كان مبعثراً بشكلٍ فوضوي جدا...!

أقتربت من باب مجلس فيكتوريا و هي تنصت للحديث الذي بالداخل و تنظر من فتحة الباب الصغيرة حيث ذلك الجالس أمام الملكة على الطاولة ليناولها ورقةً كُتبت فيها الشروط التي يريدها هو بصفته ملك المملكة الأخرى...

"ما هذا الهراء؟! هل تمازحني جلالتك؟ أنا لست موافقةً مطلقاً على هذه الترهات التي كتبتها!"

أعترضت الملكة صارخةً بغضب و هي تحرك يديها نحو كل الجهات "أتدركين ما تقولين؟! سوف أعلن الحرب إن رفضتِ" أستند بظهره على الكرسي براحة و هو يرمي كلماته بهدوءٍ سامٍ لإستفزازها و بالفعل استفزها لتصر على أسنانها قائلةً بحدة:

"جرب أن تعلن لعنتك أيها الفاشل و سترى ما سأفعل حينها" رغم برود ذلك الرجل إلا أنها ضايقته بشده فهمس بحدة مغمضاً عينيه "لقد تجاوزتِ حدودكِ فيكتوريا"

و لم يجد ردة فعل أفضل من إخراج سكينه من طيات ثيابه و طعنها بلا رحمة جاعلاً الشهقة تخرج من فاه جينيفر بصدمةٍ أثناء مراقبتها لهم...

صوت شهقتها العالية إخترق مسامعه ليقترب منها بخطواته مبتعداً عن جثة فيكتوريا الهامدة و عادت إلى الوراء برهبة منه و عرق قد بدأ بالتقطر من جبينها فأبتسم بخبث ليقهقه بعدها رامياً سكينه نحوها فأصاب كتفها الأيمن جاعلاً صرختها تصدح في أرجاء القصر...

دماؤها بدأت تنزف بشكل كبير حتى شعرت بأنها كالنيران التي تحرق جلدها الناعم...صيحات ألم أنطلقت من ثغرها و قطرات العرق انتشرت على وجهها لتفتح عينيها مكملةً صراخها تزامناً مع دخول كل من شيرازد و أصدقاؤها و بعض من الخدم الذين جاءوا فازعين بسبب صوت الصراخ المرتفع...

"أحضروا طبيب القصر بسرعة!!" أمر شيرازد بنبرة صوت مرتفعة و هو يتقدم نحوها مع هارولد محاولين إكتشاف سبب الجرح أما اريانا فأكتفت بأغماض عينيها بكفيها و هي تنوح بضعف لما رأته من حالة جينيفر ليسحبها ويليام و يضمها لصدره مواسياً إياها...

و لم تمر سوى دقائق مرت على إبنة آل باترسون كسنينٍ لا تسري بيسر ليصل الطبيب إليها مسرعاً و يبتعد كل من شيرازد و هارولد عنها "يجب أن يُعقم جرحها قبل أن يتلوث" قال الطبيب أثناء تمزيقه لأحد أكمام ثوبها ليبدأ بتنظيف الجرح متجاهلاً آهاتها و دموعها بسبب الوجع

و أقترب منها هارولد بعد أن أحضر قطعة قماش صغيرة واضعاً إياها في فمها لتضغط عليها كلما أحست بازدياد ألمها "حلمٌ ملعون؟!" سألها هامساً لتومئ له قبل أن تغمض عَينيها داخلةً في حالة إغماء أثارت شفقة الجميع عليها

ثم أبتعد الطبيب و هو يمسح جبينه بإرهاق ليخبرهم بأنه إنتهى من عمله مستأذناً منهم ليخرج من الغرفة....

"سيد شيرازد تفضل بالجلوس تبدو متعباً" قالتها اريانا مشيرةً إلى الأريكة في غرفة جينيفر فأومئ لها ليجلس مسترخياً و هو يضع ظهر كفه على عينيه بخمول....

و مسحت اريانا عنقها أثناء تجميعها لكلماتها التي تنوي قولها "حسنا لا أعتقد بأنها سوف تستيقظ لكن من الجيد أنها بحال أفضل الآن..."

فأتجهت الأنظار نحوها لترجع خصلة من شعرها خلف أذنها و تكمل "و بما أنني مطمئنةٌ نوعاً ما عليها سوف أذهب الآن و أعود في الصباح...عمتم مساءً" و لوحت لهم في نهاية كلامها ليرد الكل عليها بنفس العبارة (تصبحين على خير) سوى ذلك الصامت الذي لحق بها بعد خروجها من الغرفة لتشعر بخطواته و تتوقف عن السير و هي تستنشق عطره الذي ملئ الرواق مغمضةً عينيها...

و أقترب منها أكثر لينقر على ظهرها و تدير هي وجهها له بحاجب مرفوع دل على غيظها فأبتسم ويليام بحرج و هو يبعثر شعره بعفوية ثم دس كفه في جيبه ليخرج ورقة صغيرة و قلمٌ سحبه من شعرها حيث أعتادت تلك الفتاة على رفع شعرها بالقلم....

فتناثرت خصلاتها الشقراء منسدلةً على كتفيها و نفخت خديها بضجر سببه كان فعلته ليشعر و للمرة الثانية أن تلك الفتاة تشبه الأطفال في تصرفاتها...تجاهل أفكاره و كتب لها على الورقة (آسف لما فعلته البارحة) قرأتها و وضعت يديها على خصرها و هي تدحرج عينيها بملل

"لا بأس...سامحتك" فأبتسم إبتسامة جانبية بسخرية ليضرب ذراعها بمزاح و يكتب (صدقتك..!) قرات و لم ترد عليه ليكتب لها (سامحيني بشكلٍ أفضل) فرفعت حاجبيها بإستنكار لتحتج قائلةً: "أعتذر أنت بشكلٍ أفضل أولاً فأنت من طردتني مرتين مع أن ذنبي ليس كبيراً لهذه الدرجة"

و عقدت ذراعيها أمام صدرها مديرةً وجهها للجهة الأخرى منتظرةً إعتذاره ليبتسم إبتسامةً صغيرة بعد أن لمعت في عقله فكرة...! و بحركةٍ سريعة حملها راكضاً نحو غرفته و هي تضرب ظهره بكفها و تحتج بنبرة حاولت خفضها "ويل يا أحمق أنزلني هل جننت؟! سوف أقع..!" و تجاهلها ضاحكاً بصمت عليها "ويل أخبرتك مسبقاً أنني لا أحبذ أن يحملني أحد...أنزلني هل فقدت عقلك؟"

فوصل أخيراً إلى غرفته و أنزلها مقفلاً الباب لتنظر له باستغراب ...فوضع يده على جبينه و تمتم ببعض الألفاظ من دون أن يُخرج صوت ليتحول بعدها إلى طائرٍ ضخم يقف أمام اريانا التي أغمضت عَينيها مما رأته من هذا التحول البشع الذي كان مرعباً بالنسبة لها

و خفض الطائر رأسه لها لتفهم هي مقصده و تصعد راكبةً عليه متمسكةً به بقوة...و حلق خارجاً من الشرفة لينعم الإثنين بهواء طلق سبب تطاير خصلات شعر صاحبة العيون النهرية...داعبت نسمات الهواء بشرتها ألتي اقشعرت بسرعة لتبتسم لهذا الشعور الرائع...

نعم ، إنها الحرية عندما تشعر بأنك غير مقيد ، عندما تنسى دنياك و ما فيها و لا تفكر سوى بذلك النعيم الذي أنت فيه الآن...و أقتربت منه لتقبل رأسه و تقول "سامحتك أيها الطائر.."

فسمع ما نطقت به ليزيد من سرعته محلقاً للأعلى هابطاً بأقصى سرعة متجاهلاً صراخها المرتعب فالكل يعلم بأنها تخاف من المرتفعات و بعد ساعات من النعيم الذي كان مسلياً لكليهما هبط الطائر أو ويليام بالأحرى حيث شرفة غرفته ليعود إلى شكله البشري الطبيعي

"لقد أستمتعنا بوقتنا كثيرا...شكرا لك حقاً" قالت و هي تعدل فستانها و تلملم خصلاتها بالقلم كما أعتادت على ذلك...

و مشى ويليام نحو الأدراج ألتي بجانب سريره ليخرج ورقة صغيرة و يكتب بها (تأخر الوقت الآن...يجب أن تنامِ) قرأتها و اتجهت نحو الباب خارجةً بعد أن أجابته "عمت مساءً ويلي" و قبل أن ترحل أضافت "سأصنع لك عقار يشفيك غدا أعتبره هدية شكر لأنك اعتذرت بشكلٍ مميز" و غمزت ليصفع جبهته ساخراً منها و من عقاقيرها الفاشلة كما أعتاد على تسميتها و لوحت له ذاهبةً إلى الفراش طالبةً لبضع ساعاتٍ من الخلود في النوم...

___________________________

همهمة إزعاج أنطلقت من ثغر تلك المصابة منذ ليلة البارحة بسبب سماعها لأصوات الطيور في الخارج و نقرها على زجاج النافذة فاستيقظ النائم على الأريكة ليسرع متجهاً لسريرها بقلق أوضحته معالم وجهه "إبنتي الجميلة كيف حال ذراعكِ اليوم؟!" سألها شيرازد و يده تمسد شعرها بحنو لتجيبه بإبتسامةٍ باهتة و صوتٍ متقطع :

"لا أعلم ما زلت أشعر بنغزاتٍ بها لكن أفضل من ليلةِ البارحة"

"ممتاز" قالها رافعاً حاجبيه ليضيف مفتخراً "أثق بالطبيب ستولماز إنه صديق طفولتي، منذ أيام صغره و حتى الآن هو يحب الطب أكثر من أي شيء"

و اتجه نحو الباب راغباً في طلب الإفطار لها من إحدى الخادمات ليتفاجئ بوجود واحدة قبل أن يناديها واقفةً أمام الباب حيث إنحنت له بأحترامٍ و قالت "سيدي لقد أرسلتني مرافقة جلالة الملكة لأطلب الآنسة جينيفر في مجلس جلالتها بعد سماعها لحادثة أمس...كما تعلم سيدي.."

"فالتكمل الإفطار و تذهب" قاطعها ببرود كالجليد و نبرة صوتٍ هادئة

"لكني لا أشتهي شيئاً" أعترضت ليخضع لها شيرازد بعد ملاحظته لأصرارها

"أدخلي و ساعديها بتغيير ملابسها" قال بهدوء ليخرج من الغرفة و تدخل الخادمة....سار في الرواق ببطء متأملاً كل لوحة، كل حرف على الجدار يذكره بذكرى من أيام الطفولة، هل حقاً سينتهي كل شيء عند على يد تلك الفتاة؟!...

سيكون الأمر جيداً لكن مؤلماً في الوقت ذاته...

"سيدي شيرازد!" قطعت تلك الخادمة حبل أفكاره ليدير وجهه نحوها "نعم"

"أخبرتني بأننا سنتكلم في مشكلتي اليوم" قالتها بخجل و هي تعبث بأناملها

" أوه أنتِ ميلا الآن..سنتكلم عن مشكلتكِ الليلة" و أدار ظهره مبتعداً عنها و هو يسمع عبارات الشكر و الامتنان له مبتسماً....

____________________________

"يافا انا متوترة..." همست جينيفر ليافا التي تسير معها و الخادمة التي لا تستطيع رؤيتها كجينيفر

"لا داعي للقلق يا جميلة فقط اهدئي الأمر طبيعي" لقد كانت محاولةً فاشلة في بث الطمأنينة لفؤادها من قبل يافا

"تمازحينني يا فتاة؟!...كيف أقول لأعظم ملكة إني رأيتكِ مقتولة في منامي؟!"

"ها قد وصلنا" قالتها الخادمة لجينيفر التي شعرت بأن قلبها أصبح عبارة عن قرع طبول لا يمكن إيقافها...






~يُتبَع~

______________________

Vote+comment please ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #خيالي