أتمنى..


آه يا حلوتي..أتمنى لو نجلسُ على الطاولة الصغيرة في ذلك المقهى الذي جمعنا لمرّة واحدة فقط واحتجزنا عليه بعدها بنفس الوضعية إلى الأبد..

لمْ أسألك في ذلك اللقاء عن لونِ شعرك المُخبّأ أسفل حجابك الأزرق، كُنت راغباً في سُؤالك عن لوْنه، وتمنّيت لو تنشقّ أرضية المقهى لتبتلع كُلّ شيء.. أو لا تفعل..

المهم أن تبتلعني وتعجز يداك النحيلتان عن شدّي.. تعجزين عن إنقاذي فترمين لي بحجابك لتسحبيني به كما قد يحصُل في مشهدٍ ما من فيلم لمْ يُشاهدْه أحد، وأظلّ مُعلّقا أمام انعكاس الضوء المتسلّل من المدخل الزّجاجي إلى طاولتنا، وهُو يتمايل ومضاً على خُصلات شعرك الناعـ.. أقصد الذي لمْ أعرف حتّى الآن إن كان ناعماً أو مُموّجا أو أشعثاً خشناً..

لكنّ ذلك لم يحصل، ولم أكُن لأجرؤ على طرح مثل هذا السّؤال عليكِ في أوّل لقاءٍ حقيقي لنا.. كُنتِ سترتبكين إن سألتُك اياه، وقد تنسحبين من أمامي كأنَني استرقتُ منكِ قُبلة لا استفساراً فضولياً ينتابُ أيّ غريبٍ يراكي.. فكيف لا ينتابُني..

نعم كُنتِ ستفعلين ذلك لا محال، أعرفُك وهذا ليس الشيء الوحيد الذي يُؤكد لي خوفي من هروبك خجلاً إن فعلت، فقد كُنتِ مُرتبكةً بلا أيّة أسئلة، أربكَك صمتُنا المتبادلُ الطويل، ونظراتي التي ما انفكّت عن القفز على خدّيك وأصابع يديْك اللتان لمْ أعرف ملمسهُما لأنّني رجلٌ خجولٌ تُبعثرني اللقاءات..

أُفضّل البوح بما أشعرُ به على الورق، أظنّني جذابا وأكثر حنكة من أي رجلٍ وسيمٍ آخرٍ في هذا الكوكب المُكتظ بالمُحتالين من أبناء آدم والجذابين المُنمّقين حتى بالحب.. لكن على الورق، لم أكن رشيقاً أبداً وما استطعت ادعاء الرشاقة حينها، وهذا ما منعني عن مداهمتك بحركة سريعة أُطبق بها كفيّ الكبيرين على عصفورِ يدك الحر، لأحبسكِ في جسدي، وأُلوّن الشفّاف من لونِك بالقاتم الأسمر من بشرتي

لكنّي اكتفيتُ بقياس مدى نعومتهما من انعكاس لون المناكير القاتم على صفاء لونهما، وواصلت بعدها توبيخ نفسي وأنا أَقول لي: ليتك أجرأ مما أنت عليه.. ليتكَ يا جبانُ تطالُ كفّها برُمح يديْك بدلا منْ ضياعك بين تناوب نظاراتك بالفشلِ المُتتالي من اصطياد عينيك لهما.

كانت رغبتي جامحة في معرفة لون شعرك وملمسه، مدى نعومة كفّيك، حقيقة طول أظافرك، ودرجة اللون الخمري الذي غطيتي به طولهم، نُمرة حذائك الهادئ البسيط، طول أصابع قدميك المُختبئة داخل الحذاء.. هل كُنتِ تضعين من طلاء الأظافر الخمري على أصابع قدميك؟

وددت لو أسألك عن هذا أيضا، وعن قياس بنطالك.. كُنت سأقيسُ خاصرتك بحلقة من طول يدي، أُضيّقها بما يتناسك مع قياسها وأنظر ليدي كخياط يتفقد "متره" قبل أن أقول متنحنحاً: إن البنطال بمقياس رقم 1 يتناسب معك، سيأتِ رائعا.. يظهر تناسق جسدك.. لذلك أريدك أن ترتدي "نمرة 2" كي يكون فضفاضا عليك بحكم غيرةٍ تتملكني رغم ادعائي بميولي لشيء من العقلية الأوروبية كنوع من الحداثة الواهية..

وددت لو أسألك عن عدد المرات التي تقومين بها بتنظيف أسنانك الصغيرة البيضاء التي أطبقت الخناق على حديثٍ طويلٍ امتنعت عنه امرأة ثرثارة مثلك.. مع الجميع لطالما كنت ثرثارة.. مع الجميع يا شقيّة إلاي..

كُنتُ كُلما تَلاقتْ يَدانا و لَو عَلى سَبيلٍ الصُدفَةِ و يا طِيبَ هَذي الصُدَفْ أُحس أَن هَذا القَلبَ يُريدُ أَن يَخرُجَ مِن مَكَانِهِ كَي يُلامِسَ يَديكِ ، حتى أَنْ أَورِدَتي البَلهاءُ التي لَمْ تَسري فيها مَاءُ الحَياةِ وتَعودَ إليها نَضَارَتُها إلا بَعدَ مَجيئِكِ لِقَلبي ، حتى تِلكَ الأَورِدَةُ كَانَتْ تَودُ أَنْ تُعانِقَ أَورِدةَ يَديكِ كَطفلٍ يُمسِكُ أَمَه بِغَمرَةِ حَنانٍ نَرجسيٍ مَع تَعلقٍ بريءٍ خشيةَ أَن يَضيعَ فِي سوقِ الحَياةِ المُزدَحِمْ

كنت أريد وأريد.. وتمنيت ورغبت واشتهيت.. والآن لم أعد أريد شيئا..بعد خلافنا الأخير الذي تركتني بعده و لم أعد أراكي إلا صدفة في المشفى الذي تعملين به..

من المفترض أنني كذلك أعمل به و من المفترض أن يرسم القدر طريقاً لجعلنا نتلقي كل يوم .. حاولت و حاولت كثيراً جعلك تغفرين لي خيانتي لك التي لم تكن خيانة حتى! .. لكنك أبيت إلا ان تذيقيني عذاب رؤيتك دون القدرة على الوصول لطرف حجابك حتى..

بعد شجارنا ببضعة شهور و استمرارك بالعمل.. تركتِ المشفى ليبدأ جرح قلبي بالنزيف أكثر.. كان عزائي الوحيد أنني أرى ابتسامتك مع الغرباء من المرضى و المعروفين من الأطباء فتهدأ روحي و أتوهم أنك تبتسمين لي في محاولة لجعل يومي أفضل.. لكن الان و قد رحلتِ لا شيء يعوض جمال ابتسامتك و لا روحك و لا طفولتك..

المشفى أصبح خانقاً و مكاناَ لا يطاق أكثر..أنا غريب الأطوار الذي التحق بكلية التمريض و مع هذا يكره المشفى أكثر من كرهه لأي شيء في الحياة.. كنت أحبه لأنك موجوده به..فقط..

خلافنا كان بسبب فتاة ظهرت في حياتي.. لم يكن سببا تتركينني لأجله فقد كانت تحاول العودة لي لكنني رفضت هذا و صددتها.. إلا أنك بقيتي تصرخين بأنني كاذب لأنني لم أخبرك بوجود فتاة سابقة في حياتي و الحقيقة أنني لا أجد مبررا لغضبك...فقد كانت من الماضي.. لقد طويت صفحتها قبل دخولك لحياتي ف لما الغضب يا صغيرتي؟!

أود لو نلتقي.. وأقول لك: "أحبك" وأرمي بكل رغباتي أسفل قدميك.. أخلع عني حيائي.. خوفي من ارتعاش كرامتي.. من الرفض.. من عدم قدرتي على تحمل مسؤولية حبك وأفرد أكتافي للحمل الثقيل الذي ينتظر رجلا نحيلا مثلي، وهو مُنتظر في محطة ظلك أن تجيبيه بالقبول..

كان هذا ما يجول في داخلي حين مر أمام عيناي سرير متحرك يحمل جسدك الصغير و الدم يتدرج من أسفل الغطاء الأبيض الرقيق الذي غطى جسدك الأكثر رقةً.. طلبوا ممرضاً.. لكن ساقاي لم تحملاني على التحرك..كنت مشدوداً بصدمتي..إنك أمامي اليوم.. بعد خمسة أشهر من الهجر..لكن مدرجة بالدماء و لا حيلة لدي و لا فكرة إن كنت حية أم لا...

وقفت خارج غرفة العمليات التي أولجوكِ لها..لا أفعل أكثر من الصلاة أن تكوني بخير..لا يهم أن تحبيني و لا اي شعور في الكوكب الآن.. أريدك تتنفسين فقط و بعافيتك كاملة..

مرت الساعة كأنها دهر علي أنا سريع الغضب و الذي لم يكن  يتميز بالصبر أبداً..كيف شكلتني من جديد و جعلتي مني هذا الرجل الهادئ و الصبور..ثم رحلتي!

أخرجوا جسدك من غرفة العمليات لألاحقك بعيني و أطلب من صديقي الممرض أن أتولى أمر متابعتك و مراقبتك من الآن و لقوة الرابطة بيننا وافق دون أسئلة مزعجة..

يومان مرا قبل أن تفتحي عيناك.. و يا الله كم اشتقت لبريقهما حين تتحدثين معي.. من الأشياء التي أنعم الله بها العسل أنه قد خلد له في عينيك يا طفلتي بؤرتان..

لم أكن أعي أنني أتشبث بكف يدك الصغير بين كفاي الكبيران إلا حين حركتها.. تركتك و أنا أنتظر أن تصرخي أو تحدقي بي باحتقار لتجلدي روحي كما تفعل نظراتك بي.. لكنك بكيت..
بكيت كما لم أرك تفعلين الا قبيل موت أبيكِ..و دون شعور مني احتضنتك..و لكم اشتقت لجسدك بين أضلعي..

ذراعاي إن لم تحتضناكِ فما فائدتهما؟ هدأت أنفاسك و ارتخى جسدك لدرجة ظننت معها أنك نمتِ.. ابتعدت قليلاَ لأنظر لوجهك الملائكي المفضل لدي.. بقيت هكذا لدقائق قبل أن تبادليني النظر و تبتسمي..هل ابتسمتِ للتو لي؟!

بصوت هادئ و منخفض قلتِ "حاولت اعتزال حبك..لكنه كالسم يجري في شراييني..حبك يلفني من كل جهة و أنا رغم كبريائي اعترف انني لازلت أحبك.."و هذه الكلمة كانت كل ما أحتاج منك.. لأحملك إلى ما تبقى من عمرنا من محطات..

ابتسمت و أنا الذي لم يبتسم لأحد منذ قرافنا :"أحببتك اليوم أكثر من رغبتي في معرفة لون شعرك وملمسه على الطاولة الصغيرة في أول لقاء لنا يا حلوتي.."

تمت♡


رأيكم؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #عاطفي