٠٣|مُحاولة تَقرّب.
٠٣|محاولة تقرّب.
كوريا الجنوبيّة.
سيول.
لكلّ منّا مخاوفُه الخاصّة في الحياة، كأن يخاف المرء من شبح الموت، الخسران، الضعف والخيَانة، لأن الحياة ليست سوَى مضمارًا صعب التّخطِي، نصف ساعة جحيميّة خاضَتها لانا رفقة حارسها بينمَا يحاولان فقدان أثر السيّارتان اللتان ما تهاونتَا في متتبعتهمَا، كانت تخفض رأسَها تدعو أن ينتهي هذا الكابوس في القريب العاجل.
كان جسدها يقشّعر عند كلّ طلقة تُلامس زجاج السيّارة أو لصوت مسدّس بيكهيون الذّي كان يقود ويُطلق النار في نفس الوقت، زمّت شفتيها عندمَا اِلتفّت بهما السيّارة لليسار بزاوية حادَّة جعلتها تندفع نحوه لولا شدّة حزام الأمان لكانت بين أحضانه دون أدنَى شك ثمّ دخل بهما إلى زقاق جانبيّ أفقده أثر الحمقى الذّين كانوا يلحقون بهم.
«سحقًا إن لم نمت من قبل هؤلاء سنموت بسبب قيادتك المجنونة.»
قلب بيكهيون جفنيه متابعًا قيادته السّريعة، نظر إليها بطرف عينه ثمّ أشار لها قائلاً.
«يمكنك الجلوس بشكل طبيعي أنت بأمان الآن.»
«نحن.»
نبست من بين شفتيها قبل أن تجلس بإعتدال لكنَّها ظلّت توجه نظراتٍ مشككة للخلف كلّ ثانية وذلك ازعج الجحيم منه.
«توقفي عن النّظر إلى الخلف كل ثانية لقد أضعناهم.»
زمّت شفتَيها لتعود إلى وضعيّتِها السّابقة آملة العودة إلى منزلهَا بأمان بينما بيكهيون تجاهل ملامحها الطفولية المنزعجة وركز على الطّريق قبالته بصمت إلى أن وصلا لوجهتهما، غادرت لانا السيّارة بسرعة بينمَا يلحق بها ثمّ دلفت إلى الدّاخل، هناك وحيث غرفة الجلوس الشاسعة وجدت والدَتها ووالدها، حالمَا وقع نظرهما على ابنتهما سارعت الأم في التّقدم نحو ابنتها لتحتظِنها وتقابلها لانا بإبتسامة متكلّفَة.
«أنت بخير عزيزتي أليس كذلك؟»
هذا ما نبست به والدتهما بينما تُطالعها، أومأت لانا ثمّ خاطبت والدها بإنزعاج للوضع الذّي ما توقف عن المضي نحو ما هو أسوء.
«تعرّضت لهجوم آخر وكدت أفقد حياتي لولا تدخل بـ..»
كانت على وشك النطق بإسمه لكنّه قاطعهَا قبل أن تفعل ذلك.
«خلال مغادرتنا المقابر تعرّضنا إلى هجوم مسلّح ثمّ طوردنَا من قبل سيارتان إلى أن فقدت أثرهما.»
أومىء والدها بإيجاب لما قاله حارسُها لكنّه نظر إليها بشيء من الإنزعاج وقد فهِمت لما وحديثه القادم ما كان مُحببا لها.
«ألم أخبرك ألاّ تذهبي إلى هناك مرّة أخرى؟»
تفادت نظراته قبل أن تنبس بإقتِضاب.
«وأنا أيضًا قلتُ أنّي لن أتوقف عن الذهاب إلى هُناك أعتقد أنّ كلامِي مفهوم.»
حاولت والدتها التّدخل خصوصًا بوجود بيكهيون الذّي يعتبر دخيلاً عنهم لكن الأب وإبنته كانا ذوي رأي آخر.
«سأصعد إلى غرفتي.»
تجاهلت نظرة والدها الحادّة ثمّ غادَرت نحو غُرفتها للأعلى، قبل أن تبلغ الطّابق المعهود استدارت للخلف نحو بيكهيون ثمّ ابتسمت بهدوء قائلة.
«شكرا لإنقاذي.»
______
طوَى الزّمن خمس عشرة يومٍ من عِدّته، فترة كُنيَّة بالجافّة والروتينيّة بالنّسبة إلى لانَا، لم تعتب حدود المنزِل وما خمنَّت في الإختلاطِ بالناس خارج أسوارِه، أمضت أيّامها السابقة بين المُكوث في المكتبة تقرأ كتابًا أو تكتبُ كلّمَا طرق الإلهام أبواب وجدانِها، خلال تلك المُدّة حاولت التّقرب من بيكهيون لكنَّها لم تُحرز تقدمًا ملحُوظًا، كان وجوده مؤنسًا رغامة صمتِه وبرودة أعصابه ودواخِله.
جليدُه المُحيط به بدأ في الذّوبان قليلا فقط، بعد مكوثه بالقرب منها طوال هذه الفترة أيقن أنّها شابَّة رقيقة ذات مبادىء، ليست كأقرانِها من الأغنياء أو ذوي الحسَب البَيّن، رأى فيهَا البساطَة والوِد وهذا مالم تألفه نفسه بين بني الملعقة الذهبيّة، اهتماماتُها ما كانت كالأخريات.
ما لاحظه فيهَا هو حبّها للهدوء والسلام، محاولاتُها في جعل الفجوة بينهما تتقلّص رآها لطيفَة لكنّه ليس على أتم الإستعداد للتعامل مع أناس آخرين خارج نطاق العمل، عبوسها حينما يتجاهلها ثمّ تقطيبة حاجبيها عندمَا يرفضُ الرّد أو مجاراتِها في الحديث، جعله يجلس ويشاركها قهوتها المسائية كل يوم حتّى بعد رفضه لهذا في كثير من المرّات إلاّ أنّها لا تستسلم إطلاقًا وهذا ما جعلها تبدُو مختلفة في نظرِه.
«بيكهيون في رأيك ما الذّي سيحدث الأيّام القادمة.»
نظر نحوهَا حيث كانت تجلس فوق الأريكة بالمكتبة بينمَا هو يقف أمام النافذة ينظر من خلالها، طالعها لبعض الوقت قبل أن يجيبها على مضض.
«الأيّام هي من ستخبرنا فيما بعد.»
“إجابته غامضة مثله تمامًا.”
وصله صوت همسها بين قريرة نفسِها لكنَّه لم يُعلّق عن ذلك إنَّما أعاد نظره إلى الخارج، تنهدّت بخفّة قبل أن ترتشِف من فنجانها وتعود للكِتابة مرّت أخرى، كانت لحظات صامتة بين الشابّة وحارسها كالعادة إلى أن تحرّك بيكهيون بشكل مفاجىء مخبرًا إيَّاها ألاّ تغادِر المكتبة حتّى يعود، أومأت له بإيجاب ثمّ بقت تُخمن في السبب الذّي جعله يغادر بشكل مُفاجىء تتمنى ألاّ يكون أمرًا غير حميد ثمّ هما بأمان بين أسوار المنزل المحاط بالحرّاس.
مرّت نصف ساعة مذ غادر بيكهيون ما عاد حتّى الآن تأخره في الرّجوع جعلها تتوتر، تركت ما كانت تفعله ثمّ استقامت تُطلّ على النّافذَة الأوضاع في الخارج تبدو عاديّة لكنّها تشعر بالقلق المُفاجىء، ظلت تسير يمينا ثمّ شمالا تحاول تهدأة نفسهَا، فُتح باب المكتبة ثمّ ظهر بيكهيون من خلاله ماجعلها تشهق هو الدمَاء التّي لطخت قميصه ووجهه.
«م..ماذا حدث؟ لما أنت مغطى بالدّماء؟»
تقدم نحوها متجهم الملامِح ثمّ أخذ معصمها متحدّثا بسرعة ونبرة جادّة.
«سنغادر إلى كانغ وون الآن، المنزل يتعرض إلى هجوم من جماعة مسلّحة والآن أريد منك أن تلحقي بي وأن نغادر بأسرع وقت من هنا.»
لم تستطع قول شيء غير أن تلحق به قبل ذلك مرا بغرفتها أخذت معطفها وحذاءً ترتديه، نزلوا إلى الطابق السفلي وقد تفاجأت لانا للمنظر المرعب الذّي رأته أمامها، الاجساد الميتة مرميّة بين كلّ زاوية ذلك جعلها تقبض على يده كرد فعل لا إرادي.
تجاهلت تلك الاجساد وأرادت المغادرة من هنا بأسرع وقت ممكن، غادرا من الباب الخلفي للمنزل ثمّ شقا طريقهما نحو مرآب السيّارات ليختارا أقرب سيّارة إليهم، لم ينتظر بيكهيون لحظة أخرى ليقود بعيدًا عن هذا المكان.
«والداي أين هما؟»
صمتت تنظر نحوه تنتظر إجابة لسؤالها وقد فعل بعد حين.
«من المؤكد أن والدك له علم بما كان سيحدث هما في مكان آمن لذا لا تقلقي.»
زمّت شفتيها لرده وعظم اكتراث والدها لأمرها إطلاقا قبل أن تطلق نفسًا عميقا تُداري توترها، فتحت صندوق السيّارة تبحث عن مناديل كي تمسَح آثار الدّماء التّي تغطي نصف وجهه الأيمن، وجدت ما تحتاجه ثمّ أخرج منديلا ثمّ نظرت نحوه من كان يركز في القيادة، ترددت في بداية الأمر قبل أن تمديدها نحو وجهه، نظر إليها بطرف عينه سائلا.
«ما الذّي تفعلينه؟»
ظلّت كفها معلّقة في الهواء شعرت بخدّيها يشتعلان فجأة لكنها أجابته في نهاية المطاف.
«وجهك ملطخ بالدّماء لذا أردت مسحه.»
لم يقل شيئا غير نظره للأمام بصمت، اخذت هذه الإشارة لسماحه لها بذلك لذا قرّبت المنديل وبدأت تمسح آثار الدّماء عن وجهه تزمّ شفتيها وتمنع ابتسامتها الخرقاء من الظّهور لأن موقفها لايسمح بذلك على الإطلاق، بعد انتهاءها رمت المناديل التّي استخدمتها ثمّ نظرت إليه قبل أن تسأل بصوت خفيض.
«أنت بخير أليس كذلك؟»
«نعم.»
أومأت ثمّ نظرت للنافذة بجانبِها إلى أن شردت بالكامل، ظلّت حدقتيها تطالع منظر غروب الشّمس في الأفق بينمَا تُفكر في حل لحالتِها الآنية وكيف سينتهي بها المطَاف خلال كلّ هذَا، الشيء الذّي لم تشعر به هو كيف كان بيكهيون يطالعها بين الحين والآخر، هو فقط بارع في اختيار الأوقات التّي يقرر فيها مراقبته لها وتحرّكاتها الباهتة عن كثب كالآن.
لم تشعر لانا بالوقت كيف مرَّ وكيف غدَت عينيها تحرقها وثقل جفنيها زاد عن اللزوم هي فقط ظَلّت تطالع الأفق والشّمس الواهنة في آخر سويعَات يومِها، بينمَا كان اليوم يلفظُ أنفاسه الأخيرة كذلك وعيهَا كان يُصارع من أجل البقاء أطول لكنَّها في نهاية المطاف استسلمَت وقدّمت نفسَها للنوم آملة الجيّد فيما ينتظرهم.
______
الفصل الثالث تم.✅
آرائكم حيال الفصل.
الشخصيّات.
لانا.
بيكهيون.
توقعاتكم.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top