1|سكان الليل.

بعد الزوال وعندما تنار الأضواء الباسقة على قوارع الطرق، تسمع وقع خطوات واهنة تضرب الأرض المرصوفة بالإسمنت.

في ليال كهذه في منتصف الأسبوع، عند ما تكون الأغلبية العظمى من الناس إما ساكنين في بيوتهم أو لا يزالون يزاولون أعمالهم، ترى الأعين الصغيرة اللاهفة في هذه الأمسيات الفرصة المثلى.

"أحقا ستقبل على هذا؟"
نبست التي تجاهد اللحاق بخطوات الذي يمخر الطريق المعتم كباخرة.
" لا طالما ظننتك أقوى عزيمة من تلك الأمور."

"أي طريق يؤدي إلى الهدف هو صالح!"
تحدث الذي يسبقها وصوته يعتلي الهواء من الخفة التي انزلق بها خارج قلبه.

"حتى وإن كان واحدًا لا منطقيًا ويبدو شبه مستحيل؟"
ضيقت من المسافة بين قبضتيها المحملة بأطراف معطفٍ صوفي.

" رأيتِ النتائج بأم عينيك!"
حلق بسبابته عالياً وكأنه بذلك يحرك الأفكار في عقلها.

"ما حدث لدانيل و سمر لم يكن إلا محض مصادفة لا أكثر. ظروف مناسبة مضافٌ إليها الرغبة الملحة في عقليهما اللا واعي، أعطانا هذه النتائج الشبه متوقعة."
زفرت تحلق بعينيها على الفراغات التي أخذت تستبين في الطريق حولهم.

"لما لا تقتنعين فقط أن بعض الأمور لا تحدث بالمنطق المطلق، وأن هناك أشياء غريبة تخلق من حين لآخر!"
التفت إليها لثوان معدودة سارداً حديثه ثم اعتدل قبل أن يرى التعبير الذي خلقت سخرية منه على وجهها.

"لننهي هذا فقط ولنعد للمنزل."
زفرت الخيبة المتروكة من فشل ردعه وأكملت الطريق لتوازيه المسيرة.

في غضون دقائق أخرى، كانا قد وصلا إلى مكانٍ أقل ما يوصف به هو الفوضى.

سورٌ حديدي داكن و طويل ممتد حتى عجزا عن رؤية خاتمته الأكيدة، وفي الواجهة المنتصفة لافتة عظيمة باسمٍ ذي أحرف مصنوعة من أضواء نيونية، ثلاثة من الأحرف ألوانها تزعق في عتمة الليل، والباقي مظلمة. البوابة ذات الخمسة أمتار مفتوحة بمقدار أشبار. دلالة غير ودودة على الترحيب.

"ما تفسيرك لهذا المكان إن كان الأمر جميعه ترهات كما تزعمين!"
أنبر جيمين بصوت جهور، لكنها كانت بتمام القدرة على استشعار زحف الارتعاش في نبرته. هي تعلم أن حتى هو كان مشككاً في معقولية جنونٍ من هذ النوع.

"ليس الأمر بالمنظر! تجد العديد من مدن الملاهي المهجورة في الأنحاء. المشكلة هي في غريبي الأطوار الذين يتفشون في داخل المكان! لا أزال أظنهم ليسوا إلا حفنة من تاجري المخدرات."
نبست قبل أن تلحق به بعد أن شق البوابة صانعًا طريقًا لكليهما.

كانت غبشة الظلام متواجدة في الأرجاء، ولكن على طول الطريق رأيا نقاط ضوءٍ تنمو كلما سقياها بتقدمهما ناحه.

كلما توجلا إلى منتصف المكان كان شعور الاختناق يتأجج مزيداً في قلبيهما. رغم أنهما لم يلمحا أي تواجد بشري حتى الأن.

عندما وصلا إلى مكان قدرته بمنتصف المنطقة، كانت هناك عجلة أحصنة بأطراف صدئة، طلاء متشقق، وأضواء منها المنكسر.

وعلى اليسار عجلة دوارة بعربات مفتوحة السقف تصدر صوت صرير مع هبوب شفيف الهواء. بدا المنظر من داخل المكان مفزعاً أكثر مما تخيلت قبلاً. كانت شاكرة أن أضواءً طائشة تجلت بضعف في الأرجاء لتثني ظهر العتمة الصلب.

."ماذا الآن؟"
عرض جيمين حروفه كهمس. دون سبب إلا أن عقله أوحى بضرورة مجاراة السكون في الأرجاء.

"تسألني أنا؟!"
صاحت به بصوت طفيف الوطأة.
"ألست أنت من جرنا إلى هنا!"

رفرفت بعينيها على كل ما كان واضحاً في الأرجاء، وجميع ما قابلها لم يكن إلا أرض قذرة ترابية بأوراق ملونة باهتة مرمية في الأرجاء، منها إعلاناتٌ قديمة. بعض الزجاج المكسر الذي تلعلع أطرافه في ضوء الليل، والعديد من الألعاب الآلية الضخمة التي بدت وكأنها توقفت عن الحراك منذ سنوات، وتركت هناك منبوذة وصدئة الأجذع.

"في ظلمةِ هذه الليلة حلَ علينا ضيوف!"
انسل صوتٌ رخيم أمامها، كان غريباً إلى الحد الذي شعرا فيه بالحروف تلتف حول عنقيهما.

ارتعدت فرائصفهما بينما قفز جيمين خطوة إلى الخلف ليعلق ظهره بجسدها.

"مرحباً بكما!"
عندما بدأ الصوت ثانية، رافق مسيرته ضعفٌ فالج في قدميها. وكأنه خوفٍ لا يُغلب.
" أهلاً إلى أوتغارد! "

بعد خواتيم الأحرف ارتفع ظلٌ في ظلام أحد مقصورات العجلة الدوارة العالية. شغر مكانً أمام عينيهما بعدما قفز من مكانه العالي بغمضة عينٍ وكأنه لم يكن موجوداً فوق حتى. جاهدت عرقلة شهقة الذعر في حلقها من المنظر.

"حيثُ نقدمُ هنا للملتاحين ما لا يجدون ولو جابوا بقاع الأرض جميعا."
اقترب المتحدث ناحهما شاقاً جسده عن الظلام, برق زوجٌ من الأعين السمواية بوهجٍ غير معهود, أقرب لكونه لا يوصف بشرياً, قبل أن تتجلى تفاصيلُ الوجه جميعاً.

شابٌ في عمرهما, ربما يسبقِ بسنواتٍ شديدة القلة, وجهٌ شاحب اللون وسيم التفاصيل, أعين حادة تنمُ عن كونه نزّ الفؤاد, وابتسامة تبرقُ في الضوءِ الواهن الذي انسكب على وجهه.

"أنا أوتولوكس, الزعيمُ هنا."
الطريقة التي كان بها وابل نظراته تقعرُهما أذعرها. الجو برمته كان مفزعاً. لم تظن أن يوماً قد يأتي تحدثُ به غريب أطوارٍ تحت ظلِ سماءِ الليل في مكانٍ مهجور بألوانٍ ذابلة.

"زوارٌ آخرون!"
نبرة عميقة أخرى, ربما أشدُ عمقاُ من محيط لا ينضب. سُمعت من فوقِ رؤوسهم, من عربة عجلة أخرى معلقة بعيداً بصورة خطيرة عن الأرض. لكنَ طيفاً انسلَ كأثير سيفٍ من المكان الشاهق إلى مطرحٍ على اليابسِ أمامهما.
" يبدو ان صيتنا ذاعَ في هذه المدينة أسرع من المعتاد!"

رغم عُمقِ الصوتِ إلا أن غزله للحروف كان رقيقاً, تركيب الكلمات أشبه بكونه خاصًا بطفل. أمسكت بذراعِ جيمين تقربُهُ إليها مزيداً عندما بدأ الوافدُ الجديد بشقِ مدارٍ دائري حولهُما. أبصرا ملامحه عندما انكسرُ الضوء على وجهه المتحرك. فلم يريا على وجهه بهيّ التفاصيل إلا حقيقة نواياه من تحركه هذا. الفضول المحض.

"عجباً ملابسُكما لطيفة!"
تمتم باندهاشٍ أخرق وهو يكمل دربه المربك.

"توقف عن هذا تايهيونغ, أنت تفزعُ الزوار."
حذر المدعو أوتولوكس بوجهٍ ذي بشاشة غير مريحة.

"أعتذر."
توقف تايهيونغ بومضة واحدة في قطرِ مترين عنهما, ولكن استمر بتحديقه وأسمالُ فضولٍ صبياني تتدلى من عينيه.

"ربما عليكم إظهارُ أنفسكم أنتم أيضاً يا رفاق."
علا صوتُ القائد وهو يحدق في الأرض باستخفاف.

المزيد من الظلال, هنا وهناك, وكأنها سجيةُ الليل في جرِ أشباحٍ دامسة. ليس من العجلة الدوارة الهائلة فقط, بل من وراء حاويات القمامة, تعلقاً بأعمدة لعبة الأحصنة التي بدت شيطانية, وحتى من الظلال البعيدة مجهولة المصدر. انقشع الغيمُ عن وجودٍ تلو آخر. حتى أصبح المكان مكتظاً بأشخاصٍ ذوي هالات تفوق الرُشد.

"ها نحنُ ذا! غريبوا الأطوار الذين ذكرتِهم."
قالَ وهو يقطعُ قدما واحدة إلى الأمام, ليس إلا ليبرق حديثه في اتجاهها

"تشه!"
قلبت بؤرتيها بضيق.

رغم كون جميعِ الذين يستنزفون مساحةً هنا بعيدين بقدرٍ لا يعكر ُ النفس ولا ينذر بالخطر, إلا أن واحداً لم يكن يلتزمُ بما يحدث. كان تايهيونغ قد اقترب منهما قبل أن تلاحظ حتى أصبح الفاصلُ بينهم خمس خطواتٍ ونزير من الأنفس المضطربة. إلا أنه لم يقم بشيء, ولم يعلو تفاصيل وجهه أي سوء. كان يحدق ناحهم بأعين مجوفة بحُفر فضولٍ وفراغ على حدٍ سواء.

"إذاً, ما هذا الذي تسعيان إليه؟"
الحذلقةَ في نبرة القائد صلبة, تُزعزع مساكن الثقة في الفؤاد.

"أنا صاحب الطلب."
فارقت الأحرف فاه جيمين شديدة الحذر.

"إذاً تقدم وليعلو صوتك بماههيته."
أفرجت شفاه أتولوكس عن ابتسامة متفاخرة. كانت بتمام المقدرة على الأحساس برجوفِ الأنفاس التي باءت تصدرُ من ثغر صديقها.

وقع سير خطوات جيمين شديد الضعف مقارنة بالطريقة التي كان قلبه ينتفض بها, وكلُ تفصيلٍ يغلفُ الوجود المعتم حولهم يدق نواقيس الخطر بعنف مضنٍ.

"أ-أريد."
انزلقت الأحرف متلعثمة من على أطراف لسانه. ازداد طول الابتسامة على شفاه أوتولكس بينما شذّب من عينيه.
"أريد أ-أن أحصل على إعجاب فتاة في مدرستي!"

"حبٌ وغرام! كم شائعٌ هو طلب أمنية بهذا المفهوم والمكنون!"
كركرة ملساء هربت من بين أسنانه قبل الخطاب.
"هذا عملٌ عائدٌ إلى إيجينا إذاً."

لوح بيمناه في في الهواء, وكأنها شارة للعبث في هوجاء الظلام, ومن وراء ذاك الستار ومن خارج أحد العربات في العجلة الدوارة, شقت فتاة طريقها إلى الأمام. وابتسامة مغترة مطبوعة على تفاصيلها.

شعرٌ طويل يرفرف مع خيوط الهواء ويكاد يبرق نوراً يخصه تحت ضوء القمر, أعيُن لوزية بأهدابٍ كثيفة, وابتسامة تشعُ غروراً وبهاء في آن.

أحست هي التي لم تبرح مكانها بنارٍ تتأجج في كيانها. كلُ هذا كان خطأً, وأياً تكن الأمور الموعودة المترتبة والنجاح فإن جميع هذا باطلٌ تام.

"فتاةُ هي زميلةٌ لكَ, ها؟"
علقت المدعوة إيجينا خُصلة حريرة بين أناملها وأخذت تتحدث.
"أمرٌ بسيط جداً!"

" لو تفضلتَ أتولوكس!"
سحبت نظرها ناحه تتودد.

قبض القائدُ على يده دون أن يهتز تفصيلٌ في وجهه, بقوة, حتى ما إذا فتحها انبعثت منها ورقة طويلة أخذت تطفو فوق كفته. لم تصدق عينيها بتاتاً. ولكن أي جنونٍ هي توقعت من مكانٍ مغلفٍ بقصص رعناء كهذا.

"وقع باسمك على هذا العقد. وسيحصلُ ما تريد."
نبست تُمرر الورقة التي أخذتها من إتولوكس إلى جيمين الذي لم يكُن ذهوله قد تلاشى بعد.

مرر أوتولكس قلماً من فوق كتف الفتاة, وتناوله جيمين بالكاد بين أنامله المتخشبة. حلق بعينه على الورقة التي كانت فارغة بجميعِ الطرق إلا من جملة واحدة تطلب منه التوقيع باسمه كاملاُ.

زفرت هي الغيض في صدرها من مكانها خلفهم. كم ودت لو تجرُ جيمين خارج هذا المكان المشؤوم. لكنها تعلم أن كثير حديثها وأقسى نبراتها لن تغير رأيه. خصوصاً عندما تكون حتى البراهين واقفةً على الجانب الأخر منها تلوحُ برايات تطالبها بالخسارة.

"إنتِ تشعين بطريقة خلابة."
تنفس أحدهم كلماته فوقها.

قفزَ خافقُها حتى رأسها, وكادت تحطم مفاصل عنقها عندما استدارت لترى المتحدث.

تفاجأت بتايهيونغ وقد اقترب حتى أصبح يشاركها الهواء. يحدق بها بذات الملامح المتجمدة والنظرة الغائرة الفضولية. كان رأسه معلقاً بزاوية مائلة بينما أجفانه لا تسدل للرمش ولو لمرة بينما يطالعها باهتمام مفرغ منه.

"ش-شكراً! على ما أعتقد؟"
لم ترغب بأن تكون فظة رغم الفزع الذي سكبه عليها. ولسبب ما لم تشعر بالسوء للرد عليه. هناك شيء ما لم يجعلها تجده مروعاً كالباقين في المكان.

"ها أنت ذا!"
علا صوت القائد عندما مررت له إيجينا العقد الذي استلمته من المرتبك أمامهم. حاوطت أنامله الورق وفي غمضة عين تبخرت إلى العدم بينها.

"مهلاً لحظة! وما المقابل؟"
رفعت بصوتها وأخيراً لترمي قصور انتباههم في وادي حضورها.
"لا أظنُ أنكم تقدمون أي طلباتٍ دون مقابل. لا يمكن لأحدٍ أن يكون بذلك الكرم."

"سؤالٌ وجيه."
ازداد عمق البشاشة في وجه أتولوكس عندما خطا مزيداً للأمام.
"من الرائع أنكم لم تغفلوا عنه."

شمخَ برأسه حتى غادرت عيناهُ الطريق الذي كان يحدق فيه عليهم, حتى اتصلت بسقف السماء.

"ما سنأخذه بسيطٌ جداً ولا يعار تلك الأهمية, لن يكون حتى من السهل ملاحظة اختفائه على الإطلاق."
أنبر بصوته الذي ينسابُ رزيناً.
"ولا تستطيع تسليمنا إياه. مجرد أمر رمزي سنأخذه بسكون بأنفسنا. صدقني لن تشعر به."

طالعت تهدج تقاسيم جيمين لكلام هذا الزعيم ذي الطلة المريبة, لكنها رأت أيضاً الطريقة التي كان يجاهد بها تنظيم أنفاسه. هو لم يقم بما هو حاصلٌ الآن إلا بعد أن كان متأكداً بالكامل. بعد أن سأل أشخاصاً يثق بهم.

"ولنتأكد من سير الأمر بطريقة صحيحة سنرسل لكم هيرميس بين الحين والآخر."
أعاد اهتمامه إليهم.

انتهى كلامه هو ليشعروا بحركةٍ من خلفهم. استدار كلاهما و الذعر الحاصل من تسلل الأشخاص من الظلام لا يزال يؤرقهم. فظهر الذي أشار له القائد أمامهم بعد أن ترك مجلسه على أحد الأحصنة التي كان متعلقاً بعامودها الفضي.

أعين كهرمانية, بُنية نحيلة, ابتسامة حتى الشدقين , وشعر مجعد وكأن كل خصلة منه قدّت من حقلِ قمحٍ ذهبي.

لوحَ تايهيونغ الذي لايزال قريباً بصورة غير اعتيادية ناح هيرميس. قبل أن يعيد نظره إليها. لم يفتك ولو للحظة عن التحديق بها. دون النبس بحرف. وستكذب إن قالت أن الأمر لم يكُن يبثُ نوعاً من الخوف فيها.

"لكن من أنتم؟"
كسرت هي الصمت بعد وهلة. لسانُها يتلوى رغبةً في السؤال بينما سحبت وعيها بعيداً عن الفضولي.
"لقد بحثت عنكم, ولم أجد الكثير."

"علمتُ أن وجودكِ لم يكُن سوى لتعكير الجو. أنتِ متطفلة كريهة!"
انمسحت الابتسامة عن وجه إيجينا. وما لبثت حتى شزرتها بكرهٍ بادٍ.

"مهلاً مهلاً! إيجينا!"
قهقه القائد وهو يربت على كتفِ الحسناء.
" لا نعاملُ الضيوف بهذهِ الطريقة. دعيها تسأل كما تشاء! فلا طائلَ من الأمرِ على أي حال!"

"كان من الواضح منذ البداية أنكِ لستِ هنا لطلبٍ ما."
تنهد أتولوكس حديثه. الطريقة التي لم يتعكر فيها برج ابتسامته كانت تثير حنقها.
"لستِ سوى صديقة فضولية, أليس كذلك؟"

"إبحثي كما شئتِ!"
أكمل بين إهنافه في ما بدا طبعاً ساخر.
"لكن المعلومات عنا ليست متوفرة في مصادركم تلك. لن تجدي إلا أموراً تثبت مصداقيتنا. لن تسمعي إلا عن خدماتنا, ولن تري إلا كل الأماني المحققة التي نُخلِفُ وراءنا! إنما أي شيءٍ آخر, هي أمور غير مهمة لا يتمكن أحد من وضعِ يديه عليها في جميع الأحوال! لذا لا تكلفي نفسكِ جهود البحثِ. حتى ولو كان الفضولُ المحض دأب البشرِ منذ الأمد."

تطلعت ناحه شاعرةً وكأنه قد قَطَفَ وجهها وانتزع جميع الفرصِ من على دربها. لكن اكتفت بإطباق الصمت على حلقها. فهو لم يكن إلا محقاً. كل ما وجدته على الانترنت و في جميع محركات البحث. لم يكُن سوى بعض القصص الواقعية لأشخاصٍ من دولٍ مختلفة كتبوا تجاربهم منذ بضعة أعوام, يصفون فيها الطريقة المبهرة التي حصلوا بها على ما تشتهي أنفسهم. أما باقي النتائج فكانت مواضيع لا يربطها بهدفها إلا كلمات متفرقة دون فائدة ترجى ولا تجدُ فيها ضالتها.

وفي ختام تلك الليلة المنذرة بالغرابة, رحلت هي وجيمين أخيراً بعد أن أنهى تلاوة شكره مراراً للذين لم ينقُص ولو منقدارُ ذرة من التعالي في تصرفاتهم. تجافيا بصمت تحت أزواجِ الأعيُن التي لا ترتدُ أطرافها.

ولّت الأدبار وعادت عبر الطريق المعتم ومن البوابة الصدئة مع جيمين. ولم تلحظ الطريقة التي أبت فيها عينا داكن الشعر المسمى بتايهيونغ ترك بنيتها. لم تبصر الفضول الذي يقطُر منها ويملأ دربها.

كانت ليلة تركتها خالية الوفاض, إلا من حبلِ العجَب الذي ارتوى حتى أصبح التشبثُ به شبه مستحيل دونَ تسلخاتٍ يخلفها على الأكفّ.


_____________________

قصة قصيرة جداً، فكرتها بدأت تحت ضوء الشموع لما انقطعت الكهرباء فجأة :)

شكراً على القراءة 💕

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top