الفصل| 3

●●●

كانَ مُحيَّاهُ قاحِلًا، لا عواطِف فيه، ولا ينمُّ أنَّه يمزَح حِيالَ ما ألقاه على مسامِعها مِن تهديدَات، كذَا أنامِله الَّتي لاعَبت السَّوط بعبث، غايتُه استِنزاف خفقاتِها، وبالفِعل تكادُ تتراصّ على سُلّم الكلِم بصخب، بصعوبةٍ تُحافِظ على صمتِها لعلَّها تستفيق.

لا تذكُر أنَّها قد مارسَت نوعًا مِن السِّحر لينقلِب عليها، هِي لم ترتَد مُشعوذَة في حياتِها، كما أنَّها لا تؤمِن بهذِه الترّهات رغم أنَّها كاتبةٌ ذاتُ خيالٍ خصب، لكن على الورَق لا غير.

كُلّ ما فعلته هُو إدراجُ اسمِها في قائِمة الشَّخصيات المنتسِبة للرِّواية، لا يُعقَل لقصَّة خلقتها أن تكون قد ابتعلتها، أليسَ كذلِك؟

تيسَّر للحبلِ المفتولِ الوصول إلى ظهرِها فلا رادِع ليردعه، وأصدَر احتِكاكُه بمَلابِسها الرَّفيعَة قرعًا مسموعًا، حينئذٍ ذاقَت ألمًا رهيبًا، لم تشهَد له مثيلًا وصَرخت راجية...

" توقَّف، أنا لستُ جاسوسة. "

" ما تزالين مُصرَّة على الإنكار؟. "

أسدَلت جفنيها، ورفعتهُما بعدَ مدَّة قصيرةٍ سادَها هُدوءٌ مُربك،حاوَلت التَّحامُل ولكنَّها لم تستطِع كبتَ دموعِها الَّتي جرتَ على وجنتيها في عجلةٍ مِن أمرِها.

" ما يحدُث لي غيرُ معقولٍ على الإطلاق، لِماذا أنا؟ "

امتِناعُها عن الردِّ بقولٍ يفقَهه حرَّض سُخطَه عليها، فلعَق مُلتقى شفتيه بتلكُّؤ قبل أن يُجاهِر.

" أنتِ مَن أردتِ. "

جلَدها المرَّة تِلوى الأُخرى دونَ أن يكترِثَ لحُنجرتِها الَّتي تكادُ تتصدَّعُ لفرطِ العَويل، للحظةِ خُيِّل لها أنَّها لن تعرِف الألَم هُنا، فما تعيشُه ضربٌ مِن الوهمِ لا غير، لكنَّها تعيشُه بحذافيرِه، ما جعلَها تتيقَّن أنَّ هذا العالَم حقيقيّ، وربَّما أشخاصُه هُم الحقيقيُّون!

لقد مزَّق السَّوط دُبر الفُستان، وصارَ يهوي على لحمِها مُباشَرة، بعدَ أن صنَع فيهِ شرخًا جلِّيًا، سيُخلِّف ندبًا أبديًّا، ذرفَ الدِّماء مِدرارًا، ولم يبدُ أنَّ الملِك الأحمَر على أهبة للاستِكانَة.

توجَّب عليها إنقاذُ نفسها مِن مخالِب طُغيانِِه قبل أن يقتلِع روحَها مِن جسدِها الَّذي أدركَه الإنهاكُ بالفِعل، لو أنَّها قد ولجَت القصَّة بسببِ إضفائِها لاسمِها بالقائِمة، فهِي ستَكون خادِمة كما ينصُّ دورُها لكِن عليها إيجادُ دليل. لم تُفكِّر إلَّا بالأسرار الَّتي دسّتها في جُعبةِ شخصيَّته، أسرارٌ لا يعرِفها سواه، ثمَة الكثير أحدُهما عظيم سيُجنّ لو اكتَشف أنّ أحدهم على دِرايةٍ به، وذلِك لن يصبَّ في صالِحها، فالتجأت إلى ورقةٍ أُخرى، وبصوتٍ مضمحلّ رجَته.

" توقَّف سأُخبِرك. "

مسَح العرَق الَّذي تصبَّب على جبينِه جرَّاء ما بذلَه مِن جُهدٍ في تعذيبِها، ثُمَّ هاجَر موقِعه خلفَها.

" لا أفهَم لِم لا أحد يستجيب لي حينما أتحدَّث بلُطف، الجميعُ يضطرُّني لاستلال وجِهي البشِع ومُعاملتهم كالدَّواب لاقتِيادي إلى وجهتي، أليسَت السِّياطُ مذهلة؟ "

وثَب أمامَها.

" أخبريني، كُلِّي آذانٌ صاغِية."

أخذت نفسًا عميقا قبل أن تُناظره بعينيها المُبتلَّتين، مُقيِّدة أعقابَ شهقاتِها إلى أضلُعها.

" أنا خادِمةٌ بقصرِك سيِّدي. "

لم تتوقَّع أن يُصدِّقها، وبالفِعل لم يُصدِّقها.

" ماذا عن سول ومُدن القَمر؟. "

" أنا كثيرةُ القِراءة خيالي واسع، أحيانًا أفقِد الخيطَ الَّذي يربِطني بالواقِع، وأتصرَّف باستِهتار مع أيٍّ كان، فلتعفو عنِّي. "

" أتسخرينَ مِنِّي الآن؟ تُريدين المَوت؟ "

رفَع يدَه الحامِلة للسَّوط بُغيَة تلقينِها درسًا قاسيًا، كان ينوي خطَّ جُرح بليغ في وجهها الجميل ذاك، لكنَّها نكست برأسِها حتَّى كادَ ذقنُها يُعانِق رقبتَها، وقاطعته.

" أنتَ تُحبُّ القِصصَ العاطفيَّة إلى درجةِ أنَّك تختلي بنفسِك في مكتبةِ القصر كُلَّ ليلةٍ لتقرأها، دون عِلم أحدٍ حتَّى مُستشارُك المَوثوق، كما أنَّك تحبُّ رائِحة الورَق لاسيما المُنبعثة عن الكُتب العتيقَة، لذلِك لا تُحبِّذ نقلَها إلى غُرفتِك المَلكيَّة. "

حينَما ضجَّ الحيِّز الَّذي هِي فيه بالهُدوء أقامَت رأسَها ببطء حتَّى أحاطَت بهيئتِه المُتصلِّبة كالجمادات، بينَما لا تزالُ يدُه في وضعيَّة الهُجوم، وأضافَت برجفة.

" رأيتُكَ هُناك وأنا أنظِّف، كُنتَ تُحدِّث نفسَك بِما أطلعتُكَ عنه سلفًا، لكنِّي اختبأتُ خوفًا مِن عقابِك. "

شهقت عندَما اندَفع نحوَها بقوَّة، تاركًا السوط يسقط مِن يده التي عانَقت رقبتها، وواجهت نظراتِه المصدومة، المندهشة، والغاضبة بالوقت نفسِه، هي شعرت أن الهواء يتقطع فإلتفَّت كلتا يداها حول معصمِه تحاول إبعاده.

"إياكِ إضافة أي كلمة أخرى!"

هزَّت رأسها بسرعة، وهي تسعل بصعوبة عسى أن تأخد نفسًا، لكن جهودها ضاعَت سدًى، إذ كان يخترق نظراتها بعينيه الثاقبة وكأنه يحاول تذكر وجهها أو هويَّتها دون جدوى، فهو لا يطيل النظر إلى الخدم على أي حال، و هي تعرف سرّه الدفين الَّذي لا يمكن لأي غريب معرفته!!

كادت تغيب عن الوعي لولا أنَّه ترك يدها لتجثو على ركبتيها، بلا حولٍ لها لا ولا قوَّة، ملطِّفة أجواء صدرها، لا هي تحمَّلت ألم الجلد الذي يلسع ظهرها، ولا وشوكها على الاختناق، ولا هذا الحلم البشع الذي ما تستطيع الإستيقاظ منه.

"لِمَ لم تعترفي منذ البداية؟ كيف تريدين مني تصديقك و أنتِ اختلقتِ أعذاراً و كلمات لا محل لها من الصحة؟"

هدأت أنفاسها، وكان عليها الإجابة بسرعة قبل أن يتَّخد أي خطوة تودي بحياتها، لم يتبقَّى لها سوى هذه الفرصة للخروج ممَّا هي فيه، إذا ما حالَفها الحظّ، كما تخرج الشَّعرة من العجين.

"أخبرتُك مولاي، أنا أحيانا أفقد الخيط الذي يربِطني بالواقع وتصبح تصرُّفاتي غير طبيعيَّة، أعذرني لن يتكرر ما حصل مجددا."

لا يزال لا يصدقها، و يريد التأكد من جعل الخدم يتعرفون عليها أيضا!

تركَها مُقيَّدة تُعاني ألمًا مُبرِحا في كامِل أنحاءِ جسدِها، وبجوارِ الحارِسين المتأهِّبين سكَن.

" لا تُفارقا مكانيكما، حتّى ترِدكم أوامِري القادِمة، ولا تطآ عتبة الحُجرة حتَّى وإن سمِعتُماها وهي تحتضِر. "

بآليَّةٍ انحنى كلاهما.

" أمرُك جلالتُك. "

عبَر الممرَّ الأرضيَّ الَّذي تفوحُ فيه رائِحة الموت، وصولًا إلى درجٍ اقتَادَه نحوَ إطلالةٍ مُشرقة للقصر، تغمُرها الزَّخارِف، واللَّوحات، اتََّجه إلى قاعة العَرش الفسيحَة، المُحتلَّة مِن قِبل المُخمليّ والذَّهبيّ إذ كانت لهما يدٌ في كُلِّ حائطٍ وكُلّ قِطعة أثاثٍ تسكُن البلاط اللَّامِع، مُذ أنَّ الخادِمات يحرِصن أن تنعكِس وجوههنَّ على سطحه حتَّى يرضى الملِك.

ثمَّ أخذته قدماه إلى الغرفة المُنزويةَ في إحدى أركانِها، والَّتي لا يلِجُها سِواه، رغم أنَّها لا تضمُّ شيئًا مُهمّا، لكنَّه لا يحُبّ أن يعتدِيَ أيّ امرئ على ما هُو له، حيثُ قعَد على الكُرسيّ ذي الذَّراعين الذَّهبيَّتين، والَّذي يشغَل ظهرهُ مسندٌ مُريح.

على سطحِ المكتَب المُرتكِن كُثبه كانت ترقُد ورقةٌ كثيرةٌ التَّجاعيد، دلالةً أنَّه كوَّرها وسَط كفِّه لفرطِ ما استفزَّه مُحتواها، لقفَتها أنامِله ثانية، وهذِه المرَّة بأعصابٍ هادِئة، ربَّما لأنَّه نفَّس عن جُنونِه على جسدِ امرأةٍ ليست بندٍّ له، ومَن يكترِث؟

وصلته في وقتٍ مِن أُمسيةِ هذا اليوم، بينَما هُو في اجتِماعٍ جادٍّ مع مُستشاريه بالاسم، فهو لا يُصغي إلَّا لصوتِه الدَّاخليّ، وهتَكت بأعصابِه حتَّى أنَّ الجميعَ انفضَّ مِن حولِه خوفًا على حياتِه، أي أنَّ سيريم لم تتواجَد بالمَكانِ الخاطِئ فحسب، بل كانَ التَّوقيتُ خاطِئًا أيضًا، وهِي الَّتي رسَمت تِلك الظُّروف.

قرأَها مُجدَّدًا بصمتٍ مُطبِق.

" تناهى إلى مسامِعي أنَّك قد خَرقت الاتِّفاق، باستِيلائِك على أراضٍ جديدةٍ نسبُها إلى مملَكتي، لو أنَّك أصررتَ على التمرُّد فسأُضطرُّ لاستِئصالِك مِن جذورِك، لن أكتفيَ بنفيِك إلى مكانٍ آخر عدا الوادي كما فعَل الملِك الرَّاحِل، فحيثُما زُرٍِعت تُنبِت

بحُكم رابِطة الدمِّ الَّتي بيننا فإنِّي قد سابَقتُ الأحقادَ إلى تحذيرِك، بالمرَّة القادِمة الَّتي تفكِّر فيها بعصياني، لن تفلت مِن غضَبي، لا تكُن غبِّيًا ولا تُرغِمنا على حربٍ نهايتُها موتُك. "

أكانَ يظنُّ أنَّه سيُذعر ويتراجَع عن كامِل مخطّطاتِه؟ لقد أنجَز العَكس، إذ جعَل دمَه يحمى حدَّ الغليان، وإمساكُه عن الزَّحفِ إليه بجيشِه رغمَ نقائِصه يُعدُّ مُعجزَة.

والآن عليهِ أن يتحرَّى عن هويَّة الدَّخيلة!

طُرِقَ الباب فأعطى الإذن للوافِد بالدُّخول؛ كان رجُلًا أربعينيًّا أنيق الهندام، ذا خصلاتٍ يتخلَّلها بعض الشّيب، انحنى بإحترام لسيِّده الذي يعتبره أقرب شخص يأتمِنه على أسرار الدولة، رغم انعِدام ثقته بأحد، فحتَّى أخوه بالدم قد طعنه في ظهره!

"أنا في خدمتك مولاي."

رفع بيكهيون عينيه المتصلِّبتين عن الورقة.

"كم عدد الخادمات اللَّواتي يدخلن كل شهر، وهل لاحظت مُغادَرة إحداهنّ أو سجنها؟ "

"نحن نوظف ما يقارب العشرين خادمة كل ستَّة أشهر، لكنَّنا لم نقم بسجن أيِّهن فجميعهنّ مواظبات على أعمالِهنّ."

هزَّ رأسه بينما يمعن النَّظر إليه، ثمَّ أجاب بهدوء ضامًّا تلك الرسالة بداخل يده، حتَّى صارت كالكرة.

"أفهم من كلامِك أنَّكم لم تستقبلوا أيَّة خادمة جديدة مؤخرا؟"

"كلا مولاي!"

رمى الورقة بقوة بعيدا، ومرَّر أصابعه على ذقنه قبل أن يأمُره.

"أريد جميع الخدم بدون إستثناء في قاعة العرش، وأحضروا تلك الفتاة أيضا."

"أمرُك مولاي."

انحنى المستشار وانصَرف، فأغلق الحارسان الباب، في حين تقدَّم بيكيهون باتِّجاه النافدة الكبيرة المزيَّنة بالسَّتائر العتيقة والمُزخرفةشخَص إلى الحديقة قليلا، قبل أن يهزّ رأسه وكأنه يتوعد تلك الفتاة الدخيلة بالهلاك، وبعدَ عدَّة دقائِق خرج إلى قاعة العرش بخطوات سريعة.

من جهةٍ أُخرى أُخِذت سيريم إلى مكانٍ لا تعرف ماهيته، وصادَفت عددًا من الخَدم يهروِلون في ذاتِ المسار الذي سلكَه الحارسان وهي بينَهما.

ظنَّت أنه سيعدمها أمام الجميع حتى تكون عبرة لهم، لكنَّها لم تكن خائفة، فهذا مجرد حُلم وموتها هنا يعني استيقاظها في عالمها، صحيح؟

سمِعت الكثيرَ من الهمسات حولها، للحاشيَة وهم يثرثرون على الملابس الدَّاخليَّة الممزَّقة والملطَّخة بالدماء التي تغطي جسدها، بعد أن تمَّ جلده بكل قسوة على يدِ الملك الأحمر!

وصَلت تزامُنًا وطلوعه، وتلاقت نظراتهما، قبل أن يشيح بعينيه المميتَتين بعيدًا، ويتَّجه بوقارٍ نحو كرسيه الملكيّ، العرش.

بجلوسِه التزم الجميع الصَّمت، في حين أفلت الحارِسان ذراعيها، لتكمل طريقها وسطَ ممرٍ من الخادمات اللواتي لم يرفعن أبصارهنّ عن الأرض.

توقفت تفرك أصابِعها بتوتر، شعرُها مبعثرٌ بالكامِل وملامح البكاء مرتسِمة على وجهها، كانت فضوليَّة حول نوعية الميتَة التي ستجعلها تعود لعالمها، هل سيكون ذلك عن طريق الشنق؟ قطع الرأس؟ رجمها بالحِجارة؟ أم رميها في أعماق البحر؟ هي لا تُجيد السِّباحة حتَّى.

ساد السُّكون الأرجاء، الجميع ينتظر كلمة الملك الَّذي أطال التَّحديق بها بشرود وإلى تحرُّكاتها المتوتِّرة، لاسيما يدها التي حاوَلت ستر عريِ ذراعيها بخصلاتِها، تبدو مثيرة للشفقة، لكنَّه لن يعفو عنها والموت سيكون مصيرها بلا شكّ.

"عرِّفي عن نفسِك."

رفعت عدستيها بضياع.

"اسمي هو سيريم، جو سيريم، خادمة بقصرِك، جلالَة الملك."

وضعَت يدها على صدرِها غير واثقة بما تقوله، أشاح بنظره عنها، وسأل مُستميتًا للحفاظ على هُدوئِه.

"هل كلامُها صحيح؟ سيتمُّ معاقبة الجميع بأشدِّ أنواع التعذيب إن تجرَّأتُم على الكذِب، أو التستر حول أمرِها."

لم يُقدِم أحدٌ على الشَّهادَة، فابتسمت سيريم بقهر، ستعود إلى عالمها بعد قليل، هذا الحلم المُرعب سينتَهي، وستُحرق هذه الرِّواية الملعونة التي تسبَّبت لها بكل هذا الذُّعر والفَزع.

"تكلموا واللَّعنة!"

وقفَ بيكهيون صارِخًا، لينتفضَ الجميعُ على وقعِ صوته الحاد، بدأ قلب سيريم بالخفقان، هي مستعدة للموت متناسيةً الألم.

"فلتجهزوا المِشنقة."

وبينَما هو يستعدُّ للنُّزول، صاحَت إحدى الخادمات وهي تركع على ركبتيها.

"م..مهلا جلالتك!"

"كلا أيتها الغبية أريد الموت"

همست سيريم ثمَّ قضمت شفتيها وهي تُطالِع المرأَة الَّتي ألصقت جبينها بالأرض، تلك الخادمة تعمَل هنا مُنذ فترة طويلة، ثلاثة سنواتٍ تقريبا، وبيكهيون يراها كثيرا.

"أنا آسفة لعدم تحدُّثي بالبداية، كنت أحاول التعرُّف عليها لذلك تأخَّرت في الاستِجابة، الفتاة لم تقضِ هنا سوى أسبوعين، لقد أحضرتها بنفسي، أعذرني هي تقول الحقيقة."

جثَا بيكهيون كُثبها والتَقط ذقنها المُنطبِق بالأرض قبل أن يرفَع رأسها، ليسَ لشيء سِوى لينحَر أعصابَها.

" تعلَمين ما مصير أولئِك اللَّذين يكذبون عليّ! "

كان التحدُّث على هذا القُرب مِن صاحِب نظراتِ السَّعير عسيرًا، لكنَّها تمسَّكت بإفادتِها.

" بعض الخادِمات تعرَّفن عليها بالفِعل، لكنَّهن خشين الإدلاء بشهادتِهنَّ لصالِحها بسبب حالِها، فالواضِح أنَّها قد تعرّضت للتَعذيب حديثا. "

ذُهِلت سيريم مِن معرفتِهنَّ بِها، فقد تأكَّدت مِن شكوكِها، كأنَّها اختَلطت بالوَرق مُنذ أن خطَّت اسمَها عليه.

أحاطَ بيكهيون النِّسوة المذعورات ببصره مُستفهِما.

" أصحيحٌ ما تقوله؟"

فجأة انحَنت جميعُ الخادِمات على رُكبِهنّ آسفات على كِتمان الحقيقَة، وها قد صارَ الظَّالم للمرَّة الَّتي لا تُحصى.

لطالَما كانَ الغضب داءَه، والتسرُّع عِلَّته لكنَّه لم يُحاوِل يومًا البَحث عن حلٍّ يعقِدهما بأعماقِه لئلَّا يعيثَا الفَساد خارِجه، ربَّما لأنَّه لا يرَى في ذلِك بأسًا، فهُو الملِك والنَّاسُ مُجرَّد أحجارٍ في رُقعةِ اللَّعِب..

سُرعان ما وقَف على قدميه، مُتحاشِيًا النَّظر إليها تُصارِع النُّعاس، وأملى أوامِره بجفاءٍ دونَ أن يخزَه ضميرَه على ما ألحَقه بِها، لأنَّه مُجرَّدٌ مِن العواطِف، مُقلَّمٌ مِن النَّدم.

" خُذوها إلى غُرفتِها أيًّا كانت، واجلبوا الحكيم ليُداويَ جِراحَها. "

ظلَلن على وضعيَّاتِهنّ الذَّليلة حتَّى اختَفى كُلّ نفسٍ للملِك من قاعةِ العَرش، حينئذٍ هرعَت مينا -الخادِمة الَّتي تحدَّت الخوفَ لترفَع راية الحقيقة- إلى سيريم المُغمَى عليها مُنذ وهلات، افتَرشت الأرضيَّة بجوارِها وصَفعتها على وجنتِها بخفَّة.

" سيريم، استَفيقي، لقد ولَّى الخَطر. "

اهتزَّت أهدابُها بضعفٍ قبل أن تتناءى عن مُقلتيها قليلًا.

" أنَّى لكِ بمعرِفتي؟ "

انتَحبت مينا بقلق.

" أأفقدَك السَّوط ذاكِرتك أم ماذا؟ نحنُ نتشارَك ذاتَ الغُرفة يا فتاة. "

صمتت للحظةٍ ثُمَّ صرَخت بعتب.

" ثُمَّ ما الَّذي اقتَرفته ليضرِبك بهذِه القسوة؟. "

صحيحٌ أنَّ الرِوايةَ مِن تأليفِها، ولكنَّها ليسَت على معرِفة بكامِل شخصيَّاتِها، فالبعضُ يُشارُ إليها بالجمع مع نظائِرها، كمينا والخادِمات، وقد تمَّ إنقاذُها مِن قِبل شخصيَّة لا أهميَّة لها.

" إيلي، ساعِديني على نقلِها إلى الغُرفة فجسدُها خامِل وما لي القُدرة على أخذِها بمُفردي. "

عاضدت كُلٌّ مِن مينا وإيلي ذراعًا مِن ذراعيها وسحبتاها إلى الغُرفة الكامِنة بجناحِ الخَدم، لم تكُن غائِبة عن الوعِي كُلّ ما في الأمرِ أنَّها عاجزةٌ عن الحَراك، لا يسعُها سِوى فتح عينيها بينَ الحينِ والآخر، لذلِك استَطاعت تمييزَها؛ كانت مُتوسّطة الحَجم، بِها سريرَين مكسوَّين بمُلاءاتٍ يُفتَرضُ أنَّها بيضاء ولكنَّها فقدت عُذريَّتها ومالَت إلى الاصفِرار، مِرآةٌ بطولِ جسد عليها بعضُ الصُّدوع، استَغربت تواجُدها هُنا، وحدةٌ للملابِس، ونافِذة مُشرِفة على البُحيرة.

حينَما مدَّدتا جُثمانَ الصَّبيَة الجَريح على السَّرير أصدَر صريرًا، دلالةً على اهتِراءِ خشبِه، لكنَّه ما يزالُ صامِدًا أمامَ الحُمولَة الّتي تُلقى عليه كُلّ ليلَة.

سمِعت مينا وهِي تُناجيها.

" سآتي بالحكيم وأعود، لا تقلقِي. "

رفَعت سيريم الَّتي ما تزال مذهولةً رأسها وأومأت لمينا بسهوٍ، فسارعَت إلى الذهاب، استدارت تحدِّق بأرجاء الغرفة، التي وصفتها من خلال كتابتِها، لم تكن تعلم أنَّها ستُمنَح الفُرصة للعيشِ بين جدران رواية حكَتها بنفسها.

العديد من المشاعر المُتضارِبة تملَّكتها، فباللَّيلة الَّتي تسبِق انتقالها كانت مستاءة وحسب، من لقاءها بحبِّها الأول، وتوبيخ والدتها لها، تُرى هل سيشعرون بغيابها ويحزنون لفراقها أم أن حياتهم ستستمر، ووجودها سيكون كعدمِه؟

وبينَما هي سارحةٌ بخيالها، شعرت أنَّ آلام تلك الجروح الَّتي كانت تلسعُها منذ قليل قد خفَّت بعض الشيء، ما كادَت تُبارِح الفِراش وتتحرَّى شكلها على المِرآة حتى فُتح باب الغرفة، ودخَل رجل يرتدي ملابس بيضاء بالكامل، كشعرِه ولحيتِه، ورغم سنِّه فهو لا يزال محافظًا على بنيته الجسديَّة المُعافاة، علمت على الفورِ بأنه الحكيم.

"هذه هي، من فضلك يا حكيمنا صِف لها بعض الأدوية التي تساعدها على عدم النسيان فهي ساذجة كثيرا."

"عفوا؟"

نطَقت سيريم مقطِّبة حاجبيها بتفاجؤٍ واضح، في حين دنت مينا منها وجعلتها تجلس، فالتَزمت الصَّمت ليس خوفا بل لأن ما يحصُل ألجَم لسانَها!

بحركة سريعة وجدت نفسها تغطِّي صدرها بإحراج بسبب الخادِمة الجريئة الَّتي كشفت عن ظهرها للحكيم، هو أومأ لها بسترِها ما إن أحصى خطورة الجروح وما ستُخلِّفه من ندوب.

"اتبعيني، سأعطيك ما يلزمها حتى تُشفى جُروحها."

"حسنا أيها الحكيم."

لحقت به إلى الخارِج على عجلٍ، وتركَت البابَ مِن ورائِها مشقوقًا، بحيثُ يُطلُّ على ظهرِ سيريم، بجِوارِه المرآة الَّتي حدَّقت إليها بتعجب.

"ما الذي يحصل لي؟"

أنامَت يدها على وجهها تتلمَّس أحدَ جِراحِه الَّتي بدأت بالاختِفاء تدريجيا، إذ عادَ جلدُه إلى طبيعته الملساء الصَّافية!

سرعان ما أخذت جروح ذراعِها تلتَئم أمام عينيها كالسِّحر، يليها ظهرُها الَّذي بدا وأنَّه سيُخلِّد ذكرى هذه اللَّيلة المريعة إلى الأبد.

لم تكُن الشَّخص الوحيد المصدوم ممَّا رآه، فها هي ذا عينا الملك الأحمر تسترقان النظر من شِقِّ الباب بوقاحَة، على ظهر الخادمة الذي كان مشوها قبل عدة دقائق...

ضم قبضة يده وإزدرد ريقه في حيرةٍ من أمره، فأديمُها المحمر والدَّامي قد برأ ليصبح ناصع البياض وخاليا من الشَّوائب!

-

هاي👀
باي🏃‍♀

🎤🎤

نانا مختصرة اليوم 😂

هلا بالحلوين 😍😍😍

احنا اليوم مخلوقات نهارية 😂 بما انو الفصل صار جاهز ما حبينا نماطل اكثر

شو رأيكم بالفصل!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

بيكهيون!

سيريم!

كيف ستكون ردة فعل بيكهيون حيال ما رآه؟

أيخبرها أم يلتزم الصّمت!

لماذا شفيت جروح سيريم فجأة!

ما الذي جرى بين تشانيول وبيكهيون!

كونو بخير جميعا والتزمو بالاجراءات الوقائية الوضع لا يبشر بخير ان شاء الله كلشي يتحسن قريبا وتعدي علينا هالمرحلة الصعبة 😭💙

دمتم في رعاية اللَّه وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top