بارت 22

منزل واسع تحيطه أجواء  هادئة بالخارج إلا أن الداخل كان كخلية نحل صاخبة من شدة الحركة والنشاط فيها إضافة لما يتم تناقله  من أحاديث  واشاعات تباينت  بين الصحة والخطأ وكل شخص يضيف سطراً من عنده حتى صار الأمر أشبه لحكاية  ما فاختلط الكذب بالحقيقة وما عاد يمكن تميزها

كل ذلك كان عن ذلك الشاب الذي حل ضيفا على ذلك المنزل نائما فيه بسلام بعد أن تولى الطبيب اعطائه دواءاً مهدئاً ليضمن حصوله على ليلة هادئة خالية من الكوابيس تجلس بقربه أمه التي تمسح على شعره بحنان وحزن شديد ويدها الآخرى امسكت بيده تضمها قرب قلبها

جلس بذات الغرفة شقيقه على تلك الأريكة يراقب ذلك المنظر وهو محتار بين ان يكون سعيداً مؤقتا أو أن يفكر بما سيفعله عند استيقاظ ريكا والذي دون شك لن يرضى بما جرى !

ناوتو والذي فور عودته عقد اجتماع اضطر لحظوره بمفرده بعد أن امتنع ابنه عن حظوره رافضاً أي إلحاح بالأمر

ناقش ذلك الاجتماع هجوم كيرا ذاك والخسائر التي تكبدتها الجيوش والخطط المستقبلية لهم

فور انتهائه توجه ناوتو نحو منزله لا يعلم كيف سيحاول التصرف بالأمر وان كان  عليه التدخل ومنع ريكا من الذهاب بالقوة بعد أن أدرك أن ابقائه بارداته مستحيل

سمع صوت هاتفه يرن فأخرجه ليتفقد المتصل ، ذلك الاسم الذي كان يتوهج  مع توهج الشاشة  جعله يقطب حاجبيه  ويتوقف لثواني متردداً قبل ان يضع الهاتف على اذنه ليرد بنبرة هادئة
(مرحباً ابي )
..........

~~~~
غرفته الواسعة بدت له ضيقة وهو يتحرك بأنزعاج ذهاباً واياباً فيها راغباً بالمغادرة إلا أن أوامر والديه طلبت عدم ذهابه لأي مكان خصوصاً بعد ما حدث  أمام والدته والتي أصيبت برعب فظيع فصارت فكرة رحيل صغيرها لأي مكان ولقاء كيرا شيء لن تسمح به  ولو تطلب أن يكرهها ابنها !

تنهد للمرة المليون وهو يحاول تهدئة أعصابه ، توجه للجلوس على كرسيه واغمض عينيه مفكراً بكل المفاجآت التي حدثت وما مصير رفيقيه

تسائل بنفسه متى بدأ يثق بهما لهذا الحد لدرجة ان يعطي لريكا المجال ليفعل ما يريد دون اعتراض  ؟!

والأهم  كيف حالهما ؟!الكراهية كانت واضحة وضوح الشمس وبمعرفته لريكا لن يصمت وحسب ويبقى مع مجموعة وهو من كان يعيش بمكان معزول ولا يزال يذكر كم مرة كان يكرر على مسامعه كلمة غادر

البقاء  مع شخص بالنسبة له كارثة فكيف إذا كان شخصاَ يكرهه؟!

أمر اندرو وتلك الساحرة وعلاقته بها لم تقل غموضاً فهو لم يتوقع أن لاندرو أسرة أو على الأقل ليس أسرة من السحرة

في خضم تلك الأفكار سمع صوت باب غرفته يصدر ضجيجاً فالتفت اوليفر ونظر نحو القادم ليرى أمه مقبلة عليه بابتسامة لطيفة ، أغلقت الباب خلفها واقتربت من ابنها
(اوليفر ، جئت لاطمئن عليك )

تحدث بشيء من الاستياء الطفولي مقطباً حاجبيه
(لست طفلاً امي ، عليك التوقف عن القلق الذي لا مبرر له ! )

اقتربت منه لتحتظنه بخفة وعلامات الشحوب الذي أصابها لم تفارقها
(صغيري كيف تتوقع مني ان لا أخاف عليك بعد كل ما سمعته عن قسوة ذلك الشخص ! لا أريد له أن يقترب منك لذا تحمل قليلاً وأبقى هنا !)

بادلها العناق  لتبتسم هي أكثر ثم ابتعدت عنه قليلاً لتنظر نحو وجهه فبادر بسؤالها بشيء من الفضول
(امي ، لما هناك هدوء غريب اليوم ؟ اهناك شيئ يحدث ؟)

صمتت قليلاً ثم تحدثت بنبرة قلقة والحزن خيم على ملامحها
(هم يقومون باجتماع لكي يحددوا الخطوة التالية )

اردفت بعدها وراسها انخفض للأسفل
(شقيقاك ووالدك في الاجتماع الآن )

لم تستمع لرده فرفعت راسها لتنظر اليه بشيء من القلق ، خصلات شعره انسدلت واشاح بوجهه نحو الجانب الآخر وصوته صار بارد فجأءة
(امي ، أريد البقاء بمفردي )

شعرت بخوف شديد عليه وتسائلت عن سبب   انزعاجه ، انتبهت فجأءة أن ابنها يمكن أن يكون أساء فهم كون والده لم يشركه فاتسعت عيناه  ثم أفعل بينما تحاول توضيح سوء الفهم قبل ان يجرح ابنها
(صغيري ، الأمر ليس كما تظن! فقط ..)

قاطعها صوته المرتفع الذي صدح  بالإرجاء
(يكفي !)

صمتت بشيء من الخوف وتراجعت خطوة للخلف ، رفع يده وأشار باصبعه للباب ، ارادت الحديث مجدداً لكن صوت ابنها الذي بدا الرجاء  فيه واضحاً
(من فضلك ، اتركيني وحدي)

تماسكت وهي تحاول أن تهدئه قبل مغاردتها
( سانتظر لتهدأ واوضح لك ، فقط اعطني فرصة )

لم يعلق بينما هي غادرت الغرفة ، كان متاكداً أن أمه أما ستبقى قرب غرفته أو ترسل من يراقبه لتطمئن فكبح رغبته بتحطيم  كل شيء ، ذهب للشرفة من  فوره وبدأ يحاول اخذ شهيق وزفير عميق   ليهدا نفسه ، مد يديه لتتخلل  خصلات شعره الداكنة وتبعثرها رغم أن الأمر بدا كما لو انه يخرج غضبه به

جلس ارضاً مسنداً ظهره للسور وهو يحدق بالسماء بضيق ، اغمض عينيه وكز على أسنانه

تسائل بنفسه أن كان هو السبب حقاً أم أن والده يميز إخوته ظلماً وحسب

#أوليفر
كالعادة ، مشاعري يتم رميها للقمامة ،  لا يهمه  ما سافكر به وهو قد استثناني دون غيري !
دوماً الأمور هكذا ! سواء فعلت شيئاً سيئاً أم جيداً ينتهي الأمر بوعضي وتركي جانباً كما لو كنت بضاعة قديمة !  لما لا يرى مشاعري وجهدي ولو  لمرة واحدة ؟!اعلم اني لست بالشخص المثالي لكن كلمة مدح لن تضره ولو لمرة واحدة دون افسادها!

#الراوية

تلك الأفكار كانت تزداد سوءاً بكل لحظة حتى وصل لمرحلة ما عاد راغباً بالتحمل والجلوس بل نهض ليغير ثيابه بشيء من العصبية وأخرج ملابس بسيطة خبأها بين ملابسه ، توجه بخطوات متسارعة تضرب الأرض بعصبية نحو الشرفة  ليفرد جناحيه ويقف على السور ليبدأ جناحاه اللذان ينافسان الليل سواداً يرفرفان ليتحرك الهواء حولهما

نفذ صبره وما عاد يهمه ايصبح مجرماً أو يصبح ملاكاً أو عامي أو أي يكن ، كل ما رغب به وقتها هو ترك المكان  بلا عودة ربما  ، قلق أمه اشعره ببعض الذنب فكان كل ما فعله هذا الشعور هو دفعه للتوجه نحو مكتبه وضع ورقة ما كتب فيه باختصار
(امي سأكون بالخارج لمدة ، لا تبحثي عني من فضلك )

رغم علمه أنهم سيقلقون لكن مشاعره تخبره أنه حان وقت مغادرته خصوصا بعد أن شعر بأستياء شديد لاشراك اخويه بالاجتماع واستثنائه غير مدرك أن سبب هذا ما هو إلا لأن والده يريده أن يبتعد عن الموضوع بعد أن رأى أن كيرا يستهدفه بشكل خاص  إلا أن تميز والده لاخويه وتوبيخه الدائم له  جعله يأخذ الجانب الخطأ من الموضوع

اوليفر والذي اعتاد  مقارنة والده له بشقيقه اخذ الأمر على أنه لا يعتمد عليه او لا يعتبره منهم فقرر التمرد كالسابق لإبعاد استيائه وربما عدم العودة مجدداً  لو لزم

حلق خارجاً بسرعة نحو السماء لكي لا يلاحظ الحراس خروجه حتى اخترق الغيوم التي شابهت قطع حلوى محلقة ، حدق بالقصر لمرة أخيرة بمشاعر مختلطة  قبل ان يتابع طريقه مبتعداً  بعد أن وضع قلنسوة سترته  لتخفي وجهه واختفى القصر عن مرأى نظره

~~~
فتح عينيه بذلك المكان المجهول ، يشعر بجسده مسترخياً فلم يحرك ساكناً ، عيناه جالتا بالمكان بصمت في محاولة لتذكر ما حدث ، حرك جسده ببطئ شديد واعتدل بجلسته، تذكر جزء من ما حصل فوضع يده على رأسه فانتبه للمغذي الموصول بها

ادار وجهه بعدة اتجاهات ينظر حوله ولم يصل لنتيجة

مد قدميه من السرير ووقف على قدميه ليبدأ السير نحو النافذة ليحدق بالخارج ازداد استغرباً حين رأى حديقة واسعة يلعب بها عدة اطفال  حول نافورة على شكل دولفين

وضع يده على رأسه ظناً أنه يهلوس مرة أخرى إلى أن سمع ضجة خلفه فالتفت بسرعة ليرى أمامه سيدة بفستان ابيض قصير وشعرها البني ينسدل على كتفيها حتى منتصف ظهرها ، مظهرها حفز صورة ما بعقله جعلته يجفل مكانه لكنه أزال تلك الفكرة بعد أن حدق بها لثواني وبادلته النظرات ، كسرت الصمت بعد وقت قصير
(كيف تشعر؟)

رمشت عيناه عدة مرات ثم سرعان ما أشار باصبعه نحوها بنبرة متفاجئة
(انتِ تلك الساحرة صحيح ؟!   )

ضحكت على ردة فعله التي بدت لها ظريفة فقطب حاجبيه بأنزعاج أخفى بهذا خجله ، عم الصمت مجدداً لتتقدم منه   وتسأله
(كيف تشعر؟)

ابتسم لها بعبث وحرك يديه بغير مبالاة
(بخير ، بخير ، لم يحدث لي شيء ! مررت بالاسوء)

اخفضت راسها  للأسفل بحزن فور وقوع ذلك على مسامعها فحدق بها بشيء من الحيرة على هذا فكان أول ما فكر فيه هو حدوث أمر سيء ربما
(هل حصل شيء بغيابي ؟)

رفعت راسها واومأت  سلباً ثم ذهبت لتجلس على السرير واشارت له بالجلوس ، اندرو الذي لم يعتد التعامل مع أحد  بهذه الطريقة تسمر بمكانه لبعض الوقت حتى حثته هي على التقدم
(لدي موضوع معك ، من فضلك استمع لي حتى النهاية !)

تقدم بتردد وجلس على بعد مسافة منها لسبب يجهله
(هل يمكنك أن تستمع لي دون مقاطعة ديفيد ؟)
نظر اليها من فوره وسرعان ما تحولت نظراته للانزعاج
(لا تنادني ديفيد لدي اسم وهو اندرو  وكيف عرفتي باسمي؟!)

صمتت لوقت قصير بينما تحاول انتقاء الكلمات المناسبة ، توترت  بشكل واضح
(اخبرتني كايو  أن اسمك ديفيد ولن يتغير بالنسبة لي فهو الاسم المفضل لاختي )

اردفت بتردد بينما ترفع راسها نحوه
(وقد اعطته لطفلها الأول الصغير الذي اوصتني  على رعايته باي ثمن )

ملامحه لحظتها كانت أقل ما يمكن أن يصفها هي أنه يبدو كمن رأى شبحاً أو رأى جثته ربما !

أكملت هي مستغلة لحظات صمته
(لقد بحثت عنك طويلاً منذ سنوات ولكن كل ما سمعته كان سيئاً ، سالت عنك منذ خروجك من السجن ولكن لا أحد أعطاني إجابة شافية،
حتى بالصدفة مرة رأيت اسمك بين أشخاص مطلوبين للمنظمة حين طلبوا مساعدتي بشأن التعامل مع المنظمة  )

تابعت التحديق به قبل ان تقول بشيء من الصعوبة
(بدأت بعدها بالبحث عنك من خلال المشاركة  بالنشاطات ضدهم ، ما رأيك ديفيد ؟ لما انت صامت ؟)

رفع يده بحركة فهمت من خلالها أنه يطالبها بالصمت
ارادت قول الكثير لكن احترام رغبته كان مهماً ايضاً ، انزل يده ونهض قاصداً المغادرة إلا أن يدها امتدت لتجره بقوة وتعيده ليفقد توازنه ويستقر جسده على السرير مجدداً

حث نفسه على النظر إليها ونظر اليها باستنكار شديد
لتبرر له من فورها بشيء من الحزم
(لقد بذلت جهدي لايجادك ! اعطني فرصة على الأقل ! أبقى هنا إلى أن تتقبل الأمر وبعدها .... )

صوته خرج عميقاً وبارداً بعد أن اشاح بوجهه من فوره
(لقد قتلت من كان يفترض أن يكونوا اسرتي ، لست سوى خريج سجون رفضه العالم بأسره)

ازدادت نبرته حزناً وعمقاً وعيناه ترقرقتا بفعل الدموع التي حبسها
(واختك التي تقولين  انها اوصتك بي  لكانت اول من شعر بالخيبة ! لستي ملزمة بايواء مجرم سأكون بخير وحدي !)

سحب يده لينهض ويغادر فتم سحب يده بقوة أكبر هذه المرة فنظر اليها بصورة  لا ارادية معترضاً لتنهض هي وتقف أمامه بحزم وهي تهتف بأستياء وحزن
(وهل تعتقد اني لا اعلم ؟! لاختي قدرة على التواصل معي ولكنها كانت ضعيفة بسبب حبسهم لها ! حين كانت على وشك الموت تواصلت معي باخر ما تبقى من طاقتها مخاطرة بحياتها)

تركت يده بينما تبكي وهي تلاحظ عينيه المتسعة ، زادت من ارتفاع صوتها وهي تهتف
(قالت اختي أنها خائفة عليك من أن تتهور بسبب الحقد وطلبت الي انقاذك مهما كان ما ستفعله وان لا اتركك وحدك !)

رفعت يدها تبعد تلك الدموع والتي لم تعتد على تركها  تتحرر قبلاً وهي تشير نحو اندرو بيدها
(انت ستبقى هنا ولا أريد سماع كلمة أخرى بشأن كونك مجرماً أو ما شابه ! أخذت عقوبتك وانتهى ! )

حدق بها مصدوماً   فهو يصارع أفكاره منذ أيام بشأن رفض والديه لتصرفه فكيف بخالته التي لم يرها قبلاً ؟

تابعت هي لتصدمه أكثر بنبرة  متذمرة وحاقدة
(في الواقع لقد تمنيت لو كنت أنا من قتلهم ! لقد عذبوا اختي وابنها متناسين حب ابنهم لهما ! هم استحقوا أن يتم تعذيبهم اولاً ثم قتلهم !)

حدق بها بحيرة محاولاً معرفة أن كانت جادة أم تحاول فقط أن تشعره بالتحسن رغم أنه يدرك أنها  بكلتا الحالتين الأمر إيجابي فهي أما توافقه الرأي
أو تهتم لامره وتحاول التخفيف  عنه لكنه قرر ان لا يعقد الأمل بشدة فقد سبق ووثق بمن لا يستحق فكانت النتيجة رحيله للأبد

نهضت هي من فورها قائلة بعد أن اشاحت بوجهها
(لا تفكر بالرحيل لاني ساجدك أينما  كنت واعيدك، اعطني فرصة لاثبت اني  أهل للثقة أو سأجبرك على أن تبقى بنفسي ولا تلمني على ما سأفعله حينها    )

غادرت وتركته بينما جلس هو بملامحه تلك والتي كانت تجعل من يراه يظن أنه يحمل هموم الدنيا بما فيها، رمى جسده للخلف ليستلقي واغمض عينيه ليهمس بألم
(ماذا يفترض ان أصدق )

رفع يده لتغطي عينيه
(تباً )

~~~~~~~~~
بدأ جسده يتحرك بصورة تلقائية لتفزع أمه قليلاً واقتربت منه بقلق خشية أن يكون يتألم ، خشيت ان يستيقظ ويغادر ولن تستطيع منعه لو كانت وحدها فطلبت من الخادمة من فورها أن تذهب لتنادي على  شقيقه والذي كان قد خرج قبل بعض الوقت حين اضطر لهذا

اسرعت الخادمة وبدأت بالركض نحو مكانه بينما بقيت كاوري تمسك بريكا( نيكولا ) بين يديها والذي بدأ يفتح عينيه بصعوبة  ليكون أول ما يشعر به هو يد أمه التي تمسح على وجهه برقة وتمتد لتعبث بشعره

عيناه الزرقاء حدقت بها بأرهاق بفعل الدواء وجسده ثقيل جداً

حاول الاستناد ورفع جسده بالاستناد بيده  إلا أن جسده كان أثقل من حمله فتحدثت والدته من فورها
(دعني اساعدك)

اسندته حتى اعتدل بجلسته رغم أنه للان لم يتحدث بشيء مطلقاً وهذا ما اقلقها كثيرا ، حدقت به وهي تحاول معرفة ما يفكر أو يشعر به أو أن كان يتألم لكن لا شيء صدر منه

حدق بالفراغ بعينين ساكنتين بينما امه جالسة بقربه تراقبه بقلق  ، اقبل شقيقه خلال هذا ليتفقده بقلق وحذر ، اقترب منهما ليلاحظ تحديقه  ، تقدم ببطئ ووقف قرب السرير منتظراً ردة فعل شقيقه

تحدث ريكا بصوت خافت مرهق لم يخلو من نبرة غضب خافتة ولولا تأثير الدواء لكان قد تشاجر بالفعل
(لما احظرتني إلى هنا ؟!)

صمت دون رد في محاولة لإيجاد ما يقوله ولا فائدة ، حلقت الحروف بعيداً عنه وصار يشعر بنفسه طفلاً لم يتعلم الحديث بعد !

ردت والدته عليه بعد أن شعرت بحزن شديد جعلها تنطق دون شعور بنبرة باكية
(لاني لا أريدك أن تبتعد مجدداً ! أريد أن أعتني بك بنفسي ! أريد مداواة قلبك بنفسي ! ساسكت من يزعجك أي كان ! فقط لن أدعك وحدك ! )

بدأت دموعها تنزل بالفعل وتابعت
(لم أعلم انك كنت تعاني ولو علمت لما ترددت بالبحث عنك باخر بقعة بالعالم !  اخبرني بكل شيء ! سأفعل أي شيء لاجلك !)

ابتسم بسخرية رغم إرهاقه لينظر اليها بنظرة تحدي ربما بعد أن رفع يده بصعوبة ليبعد يدها
(أي شيء ؟)

شعرت بالريبة بداخلها  لكنها اومأت بارتباك فإن كان هناك أمل بعودته كانت مستعدة لفعله غير مدركة أن ما ستسمعه  سيخرسها تماماً حيث قال بصوت حاقد ونظرات غاضبة ظهرت حين تذكر ما جرى
(اقتلي زوجك  ذاك الذي دمر ما تبقى مني حين كنت بأمس  الحاجة إليه !)

اتسعت عيناها وشعرت أن لسانها شل ، تجمدت بمكانها  وهو يحدق بها بنظرة وكأنها يخبرها
(الم تقولي أي شيء ؟إذا ما ردة الفعل هذه ؟)

ولم يكن بحاجة لقولها حقاً فملامحه الساخرة كانت كافية  ليفهم أي أحد هذا ولم يدم الأمر حتى أبعد يدها تماماً وسحب جسده بصعوبة خارج السرير وأخذ سلاحه الذي وضع  على الطاولة قربه وسار بخطوات بطيئة نحو النافذة

إلا أنه وقبل أن يقطع بضع خطوات حتى شعر بيد تمتد لتمسك بيده بقوة شديدة فالتفت من فوره
لينظر بأعتراض إلا أن ملامحه سرعان ما تغيرت لغضب شديد فور رؤيته والده والذي كان يمسك بيده بقوة ويرافقه جده  ورجاله والذي وقف بهيبة طاغية لم ينجح كبر سنه بسلبها منه  شعره الأشقر الذي امتزج معه خصل رمادية مائلة للابيض وعيناه العسلية   مرتكزة على حفيده وقبعة سوداء  تغطي رأسه تعطيه مظهر النبيل

ازدادت قبضة ريكا بضغطها على مسدسه بينما سحب الآخرى بقسوة شديدة من  والده ، عيناه الحاقدين جعلت الأمر واضحاً وعكست رغبته بالقتل بشكل واضح كوضوح ضوء  الشمس منتصف النهار

تراجع للخلف قليلاً واجبر نفسه بصعوبة بالغة على تجاهل ذلك فهو يدرك بأعماقه أن التعامل مع والده وجده ومعه رجاله مستحيل بمفرده والتصرف بأي طريقة أخرى سينقلب ضده فلم يكن له خيار غير الانسحاب والدوس على  رغبته بالصراخ بمن امامه وقتلهما لو امكن

سارع بخطواته نحو الشرفة لمحاولة الخروج من طريق مختصر وهذا لم يزد الأمر إلا سوءاً فقد ذكره بهربه السابق

قبل ان يتحرك أكثر سمع صوت جده الذي تحدث بكل وقار وهدوء وكانه متأكد ان ما يريده سيحدث
(توقف مكانك ، علينا الحديث )

ريكا فكر بنفسه بالكثير أفكاره كانت ساخرة ممزوجة بغضب ولوم فكانت أفكاره وقتها
"صار وقت الحديث   الآن بعد أن دمرتني بكل ما تملكه وسابقاً حين توسلتك للحديث ادرت ظهرك ولم تكتفي بهذا بل كنت تتفرج حين كان يتم ايلامي والتنمر علي بلا رحمة ! أي انعدام إحساس وانانية يملك ! "

رفض الحديث معه أو التوقف  وقرر التحرك مبتعداً قبل ان تصبح مشاعره أوضح من أن يتم اخفائها ويوقع نفسه بورطة

قبل ان يخطو أي خطوة أخرى قطع الطريق امامه برصاصة جعلته يتوقف بينما احاطه رجال  جده قبل ان يصل للخارج ، لم يدرك كيف استطاع أن ينطق بذلك حقاً رغم ادراكه للوضع لكن لسانه تحرك قبل عقله ربما تابعاً مشاعره المتأججة
(ستبعدهم أم ستشهد موتهم امامك؟)

لم يرف له جفن  ولم يبدي أي اعتراض على ما سمعه سوى ببضع كلمات هادئة
(لستَ غبياً أو أحمق لكي لا تدرك الوضع إلا لو كان ابتعادك تلك المدة جعلك لا تدرك ما حولك ولا ترى انك هنا الطرف الأضعف )

تابع بهدوء
(ليس فقط لكثرة العدد بل لأنك حتى لو تغلبت عليهم جميعا تبقى لديك والدك وشقيقك وانا كذلك ويستحيل لك هزيمة أي منا منفرداً  )

رفع مسدسه من فوره دون أدنى تردد ليوجهه نحو جده بنظرات باردة كالصقيع
(لا مانع لدي للموت بينما احاول الانتقام لما فعلته انت وابنك بي ! سيكون الأمر أشبه بحلم تحقق أن تقتلا على يدي !)

اردف بحقد أكبر
(ولا أسرة لدي لذا لا تقل والدك فلو كان لدي لما فعل ما فعله بي !)

ابتسم بسخرية شديدة بينما يردف بنفس النبرة 
(صحيح نسيت ... كان والده يشجعه على فعلها وقتها والذي صادف أنه انت ! )

نظراتهم نحوه ازعجته بشدة  فهو لم يرغب بشفقة أمه أو شقيقه كما سماها ولا نظرات والده الهادئة التي تستفزه بشدة وان كان بعض الندم يظهر بها أما جده والذي لم يبدي أي ردة فعل بل تابع تحديقه فقط كان يجعل دمه يغلي ويرغب بقتله أكثر من ماثيو ربما !

احكمت يده على سلاحه بينما يغمض عينيه دون قصد في محاولة لإزالة الأفكار من عقله ومحاولة دفع أي كلمة أو ذكرى قد   تحاول التمرد الا ان جده استغل ذلك ليقوم من فوره بمهاجمته بنفسه ، تحرك برشاقة ليوجه  ركله للسلاح ليطير من يده وهذا جعله يخرج من شروده

وقبل أن يستطيع التحرك أمسك جده بذراعه  ليرجعها للخلف  ليكون ذلك سببا في شل حركته ، لم يتأخر كثيرا بذلك فقد دفعه بقوة شديدة ليقع على السرير ، التفت بسرعة ليحدق بجده والذي أشار للرجال ليغادرو برسالة مفادها أنه قادر على التعامل معه بمفرده دون أحد

نظراته التي حملت تعالي وغرور توجهت  نحو ريكا إلا أنه تمت مقاطعتها لوالدته التي جاءت قرب ولدها لتقف بقربه وهي تقول بألم شديد
(عمي من فضلك لا تقسو عليه هكذا ! هو مصاب للان )

تنهد وبرر بهدوء
(ليس وكأني سعيد بالقسوة عليه كل ما بالأمر هو أني اريده أن يكف عن التصرف بتلك الطريقة العدائية ويلقي بكل اللوم علينا !عليه أن يستمع لما يجب أن يقال بدل التمسك بعناد وغباء بشيء ما !)

يدا ريكا قبضت على السرير بقسوة حتى كادت تصاب يده من شدة ضغطه وهو يشعر بشعور فظيع لضعفه واعطاء من اذاه فرصة مجدداً ليذله وقسوته تلك وان كانت لا تقارن بالماضي لكنها كانت كافية لكي تزيد المه اضعافاً

لم تكن لديه أي نية لا بالبقاء ولا بالاستماع لشيء فلا شيء سيغير رأيه فما عاشه بالماضي حصل حقاً ولن يتغير

بعد صمت طال قرر جده المغادرة لوقت قصير تاركاً الأمر لأمه
(اقنعيه بهدوء أو ساتصرف بطريقتي ! ما اريده سيحدث مهما كان رأيه !)

اكمل بنبرة مهددة
( وأن لم يكف عن اتباع مشاعره وحسب وتعطيل عقله وتجنب المنطق سيكون لدي تصرف آخر يعيد له التفكير السليم !)

وقت الصمت قد انتهى لديه فإن كان سيذله بأي حال وان كان يريد فقط فرض رأيه فما الذي قد يخسره؟!
فكر بهذا لينهض من فوره ونبرة صوته كانت أقرب للصراخ على من أمامه متجاهلاً كون هذا الرجل هو رئيس العائلة وله مكانة مميزة  واغضابه لن يصب بصالحه لكن بدل التريث والهدوء قرر قول ما فكر به كما هو
(مشاعر ؟ منطق ؟ هل تعلم عن أي هراء تتحدث حتى ؟!)

ارتفعت نبرة صوته أكثر وهو يردف
(بعد كل ما فعلته انت واسرتك اللعينة بي ، بعد أن كنت تعاقبني على أشياء لم افعلها أمام الجميع فقط لترضي نفسك وابنك المريض !)

أكمل وهو يشعر برغبة عارمة بالبكاء
(بعد أن عذبتني فوق عذابي دون أن تعطيني  مجال لابرر فقط  لأنك اقتنعت بما يقولوه الآخرون ! بأي حق تطالبني باي شيء وانت دمرتني بكل السبل المتاحة؟! )
نبرته والده ارتفعت حين استشعر الخطر من تصرف ريكا ليقول محذراً
(لا ترفع صوتك ! هل نسيت مع من تتحدث ؟!)

عيناه توجهتا نحو من يأمره بكل غضب ولكن لم يتح له المجال لاسكاته فقد اقترب  منه  جده بسرعة شديدة ليوقع جسده على السرير تماماً  ويده امتدت على عنق ريكا ليغمض عينيه بألم ويرفع يده بمحاولة لإبعاد يد جده ورئتاه تناضلان لأخذ الهواء  حتى بدأ وعيه  يحاول التسلل هرباً منه

يتبع
ارجو ان يعجبكم ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top