بارت 30

بتلك الغابة حيث اتخذها مكان للرقود اقبل ذلك الشاب بخطوات بطيئة حذرة مطلاً من بين الأشجار المتشابكة يبعدها عن طريقه بيديه بحذر ، يضع قلنسوة فوق رأسه ليظهر أمامه ذلك المستلقي ارضاً والتعب بادي على ملامحه

استغرق ثواني يتأكد مما يشاهده ليسرع حينها نحوه ليدنو منه بحذر ، لم يكن ممكناً معرفة ملامحه وهو يغطيها بالكامل وكل ما كان ممكناً رؤيته هو خصله الداكنة التي اندمجت مع الليل والتي تظهر من تحت قلنسوته بكل خجل لتسارع بالاختفاء بعدها

وضع يده على عنق من أمامه يتأكد من أنه حي وتفقد حرارته سريعاً وقبل أن يكمل ما يفعله انتبه لحركة ريكا وهو يفتح عينيه بعدائية ظاهرة بعد أن تحرك جسده قليلاً في محاولة لايقاظه

عيناه الحمراء القاتمة ظهرت اسفل اجفانه لتقع على ذلك الشاب امامه ، انيابه البارزة مع مخالب قوية تخالف مظهره المرهق الذي يظهر الضعف ظهرت بشكل مفاجئ بعد أن نبهته ما بقي من حواسه النشطة أن هناك مصدر لما يحتاجه بشدة الآن

نظراته العدائية جعلت الشاب يتراجع للخلف بحذر وهو يحدق به ، حاول تحليل الوضع ليهمس بخفة وهو يراقبه
"لما كلما التقينا أراك بأسوء حالاتك؟!"

من أمامه بدأ يحاول النهوض بصعوبة لكنه فشل بعدة مرات حتى افلحت محاولته الأخيرة لينهض اخيراً بوضعية هجومية ، جسده يتحرك وحده محاولاً توفير احتياجه من الدماء لذا قطعاً هو لم يفهم أي كلمة قيلت أمامه أو يحلل حركات خصمه حتى أو يفكر أن كان من أمامه قد يقتله

أخذ الشاب نفساً عميقاً ليرى ريكا وقد وثب قاصداً شرب دمه بملامح وحشية إلا أنه تفاداها بسرعة وقفز للخلف ليستقبل ريكا الارض بيده واسرع بالقفز بأتجاهه مجدداً ليتلقى ركلة منه بقوة جعلته يقع ارضاً بقوة ويتاوه بعد اصطدامه بالشجرة خلفه حاول النهوض بصعوبة إلا أن جسده لم يكن يستجيب من شدة الألم ، كانت انفاسه مضطربة وهو يحاول إجبار نفسه وملامح الألم لم تغادر مطلقاً

اقترب الشاب منه بتلك اللحظة ليقف أمامه وهو يرى حالته تلك دنى منه سريعاً بعد أن جرح يده واضعاً الدماء بفمه ، سكن جسد ريكا المستند للشجرة وهو يشرب تلك الدماء دون توقف إلا أن وعيه الوهمي ذاك والذي تكون بسبب حاجته فقط بدأ يزول ومعه الجراح التي كانت تغطي جسده أو البسيطة منها فقط ، بدأت جفونه تنزل ببطئ وسكنت حركته نهائياً ، ابتسم ذلك الشخص بخفة ونهض مغطياً معصمه وبصره لم يغادر ريكا مطلقاً وهو يتفقده ليطمأن على حالته
~~~~~~~~~~~~
لم يغادر غرفته منذ ثلاث أيام منذ ما جرى ، توسلات والدته لم تكن مهمة وكلمات شقيقه الأصغر تم تجاهلها وبالطبع لم يكن ليقبل أي كلمة من جده أو والده فما كان منهم سوى الإطمئنان عليه من حين لآخر ووضع الطعام له املاً أن يكف عن عناده

كان يرفض أن يجيب على ندائاتهم حتى وإن رغب بطمأنتهم سيهمس بعبارة انا بخير لوالدته ويكتفي بهذا

بعد اليوم الرابع كان استيقاظه نتيجة لكابوس مرعب جعله ينهض مفزوعاً مبعداً الغطاء بقوة وهو يتنفس بسرعة محاولاً التقاط انفاسه ، ملامحه المرعوبة المرهقة كانت دليلاً كافياً على مدى انهياره

وضع يده على جبهته واغمض عينيه بضيق ليمد يديه لأخذ كوب ماء من الطاولة ، شربه دفعه واحدة وتحرك خارج السرير لينطلق بشيء من الضيق وفتح خزانته ليخرج منها الملابس مبدلاً ثيابه وخرج بأول ساعات الفجر خارج غرفته ، لم يرغب بلقاء أحد مطلقاً فانطلق بالطريق الفارغ متوجهاً نحو الخارج إلا أنه و بوسط الطريق سمع صوت شهقة من أحدى خادمات القصر وهي تقبل نحوه بقلق
" سيدي الصغير انت بخير ؟ السيدة كانت قلقة عليك بشدة ، الجميع قلق بشدة ! هل ترغب ببعض الطعام ؟انت لم تاكل شيئاً"

اكتفى ايجيروا بالتحديق بها بصمت ثم ابعدها للخلف برفق وتحرك متابعاً طريقه للخارج بصمت تام لتسرع الخادمة نحو غرفة سيدتها بسرعة تخبرها بما جرى

اما ايجيروا فقد خرج من المنزل بالنهاية متوجهاً لمكانه الذي كان يقضي به معظم ساعات النهار سابقاً، ظن أنه ما عاد بحاجة إليه لكنه أدرك بعد كل ما جرى أن لا غنى عنه على ما يبدو !

توجه نحو المكان الذي بعقله دون أن يترك اي أثر يذكر !

~~~~~~~

نائم في سبات عميق بمنظر صار يتكرر عدة مرات منذ وصوله إلى هنا وكأن هذا النوع من الحياة المليئة بالمخاطر ما عادت تناسبه

كما لو كان الكبر اخذ منه ماخذه فتركه راغباً بالسكينة والهدوء لا غير ولكن أمواج الحياة ابعدته عن بر الأمان لتجعله يخوض غمارها وتحاول سحبه نحو الأعماق وكلما قاوم أكثر كلما وجد شيء أعمق يسحبه للظلمات

كان يغرق في سباته غير مدرك لما حوله لكن شعور بالراحة كان جسده يتوق له منذ مدة قد تسرب إليه وهذا كان أحد أهم أسباب رغبته بالبقاء دون نهوض مجدداً

لكن لم يكن ذلك ممكناً فقد خالفه الواقع ليكون أول ما يحدث بعد اربع ايام من نومه هو فتحه لعينيه ببطئ شديد وهو ينتظر أن تتوضح الرؤيا

رفع يده وغطى زرقاوتيه بيده بعد أن شعر أنهما تتذمران من الضوء الذي يزعجهما حتى استطاع اخيراً أن يفتحها دون عناء ، نظر حوله بنظرة سريعة ثم وضع ذراعه على السرير لتسنده على النهوض والاعتدال بجلسته ، حدق بالغرفة الواسعة ذات الجدران البنية والأرضية المفروشة بسجاد أحمر ، هناك مرآة تتوسط الحائط طويلة كانت مواجهه له تماماً

النافذة كانت مفتوحة والستائر على جانبيها بذات لون السجاد تتحرك بفعل الهواء المنعش

جال ببصره بالمكان وملامحه كانت هادئة وحائرة بشكل كبير التفت بالنهاية للسرير الذي كان عليه والذي كان يسع شخصين بلحاف ابيض ناعم ، شاهد انعكاسه في المرآة لينتبه أن ثيابه مختلفة وملامحه كانت أكثر اشراقاً وقبل أن يتابع الجولة التفحصية وصله صوت شخص يقول بحماس جعله يلتفت ناحيته بتفاجأ
"استيقظت اخيراً ! كيف تشعر ؟ انتظر هنا سأذهب لاحظر ابي !"

وملامحه بتلك اللحظة ظلت تحمل علامات الاستغراب وقبل أن يقول أي شيء لاحظ أن ذلك الفتى ذو الشعر الداكن والذي بدا من شكله أنه بالعاشرة ربما بعمر البشر عيناه الخضراء التي تبعث على النشاط وملامحه الطفولية اللطيفة ذكرته بنفسه سابقاً وبأمر آخر أهم ، ذلك الفتى يذكره بشيء مهم لكنه لم يستطع تذكر ما هو

ظهرت فجأءة فتاة ما بذات عمر الصبي تحدق به بحمرة الخجل على وجنتيها لكن ملامحها بدت كمن يحاول الحصول على بعض الجرأة ، حدق بها ريكا بصمت وهو ينتظر منها الحديث لتقول بصوت متقطع
" مساء ....الخير ، سعيدة انك بخير !"

وملامحها ،صوتها وامساكها لطرفي الفستان بكل توتر جعلته يكاد يضحك لأول مرة بحياته ربما لكنه اكتفى بابتسامة ظهرت على وجهه وحدها دون شعور منه

لم يدرك سبب ذلك لكن كان يشعر بقلبه أخف من قبل ولم يحاول التعمق بالأسباب فقد أخرجه من ذلك إقبال ذلك الطفل وهو يجر يد شخص ما بشعره الداكن الشبيه بأبيه وعينيه الخضراوتين تشابه خاصة ابنه يرسم على وجهه ابتسامة سعيدة وهو يحدق بصغيريه بود وكأن أجمل ما بالعالم كله يتجمع بهذين الصغيرين ليكون مصدر سعادته ثم رفع بصره لينظر لريكا وهو ينطق بترحيب ودي بينما يجلس بقربه على كرسي مستمتعاً بملامحه المصدومة والتي تحدق به بتركيز تام
" مر وقت طويل نيكولا ، كيف تشعر الان؟ هل تتذكرني أم أعرفك بنفسي من جديد ؟!"

همس ريكا بصوت خافت بنبرة أقرب للتسائل
" ساي؟"

ابتسم المعني براحة وهو يجلس صغيرته بحضنه بينما الطفل يجلس على السرير يحدق بريكا
"أجل ولا أحد غيري ، يسعدني ان تتذكرني بعد كل هذه السنوات ، لكن ما يسعدني أكثر هو أنك حي وبخير أمامي !"

أشاح ريكا بوجهه وهو يجيب بخفوت
"كان من الصعب نسيانك خصوصاً وأن ديفيد عاود الظهور وتسبب بتنشيط ذاكرتي !"

أومأ المعني بتفهم وهو يجيب
" أجل أعلم التقيت به أيضا هو ورفيقيه ، ابني وجدهم وسط الغابة ويبدو انهم كانوا يبحثون عنك فتولى احظارهم وهم هنا ينتظرون استيقاظك لكنهم يأخذون قسط من الراحة "

تسائل ريكا من فوره بينما عاد يحدق به بحيرة
"كيف وصلت إلى هنا ؟"

آمال رأسه بينما يبتسم بتفهم لقلق من أمامه فقد كان يدرك أنه أوقع نفسه بمشاكل دون شك والا لما انتهى به بكل تلك الإصابات
" لا تقلق كثيراً المكان أمن ، هذا منزلي ، وجدتك مغمى عليك بالقرب منه وبدا عليك الإرهاق ونقص الدماء فساعدتك ودون شك عرفت من تكون، لا اخفي عليك كنت متفاجئاً برؤيتك "

اردف بينما يشير للطفلين
" وهذان طفلاي هذا مايرو وهذه ليزا"

الطفلان انحنيا بخفة وهما يحدقان به بفضول أما والدهما فقد صمت قليلاً بينما يردف بشيء من الحذر
" تعلم بعد كل ما سمعته عنك ، لم أتخيل أن أراك مجدداً"

ثم اردف بشيء من السعادة والسكينة وهو يميل برأسه
" المشكلة اني كلما رأيتك تكون بحال مريعة لا أعلم هل أنت من يصاب كثيراً أم أنني من يجلب سوء الحظ لك !"
حدق به ريكا بصمت ثم ابتسم بسخرية وهمس
"أراهن اني من يملك حظ مذهلاً !"

حدق به ساي بشيء من الحزن ثم اردف بتردد
"هل ستعتبر ذلك تطفلاً مني لو سألتك ماذا حدث معك ؟"

ثبت ريكا حدقتيه ناحيته ثم همس بعد تنهيدة عميقة بينما يحدق بيديه الممسكتين بالغطاء
"ليس وكأن ما حصل كان سراً من نوع ما ، وليس وكأني لم أتحدث بهذا الموضوع مئة مرة ربما للان ! الأمر بسيط ، سوء المعاملة واللقاء اللوم علي على كل شيء بالمختصر ، إفراغ استيائهم اهانة وغيرها ، الشيء المعتاد أظن لشخص عاش بالسجن ثم وحتى محاولة الانتحار فشلت "

اردف بسخرية
" ومن حسن حظي أكتمل الأمر وعدت إلى هنا بطريقة مريعة بسبب وغد مختل ما!"

حدق بالخارج بشيء من الضيق وكأنه تذكر تواً كل شيء ليصل لمسامعه صوت ساي يجيب بابتسامة حزينة
" أجل أعلم هذا الجزء ، هو شيء لابد منه ، لا يمكن لوم الآخرين ففكرة أن من يدخل السجن خطير لا يمكن أن تزول منهم ، مهما كانت جريمته فأول فكرة ستأتي إليك هي أنه شخص سيء ! أمر بذات الأمر منذ زمن لكن احاول التأقلم !"

التفت ريكا إليه وآمال راسه قليلا وهو يتسائل بتردد
"لم أسأل قبلا ،ما الذي أدخلك السجن ؟ وهذان الصغيران هل كانا لديك منذ السابق ؟! من عمرهما لا يبدوان بعده !ثم أهذا يعني أنك أكبر مني بكثير !"

ابتسم بمرح وهو يجيب بشيء من السعادة
" هل أنت مهتم بي الأن ؟ هذا يسعدني بطريقة ما !"

ريكا والذي فوجئ بذلك اشاح بوجهه بخفة ، لم يظهر هو اهتمام بأحد منذ زمن بعيد لذا لم يعتد على نفسه يتصرف هكذا وبطريقة ما فهم ساي هذا فاردف بابتسامة حنونة
" ساخبرك قصتي لكن قبل ذلك دعني اخبرك أحد أهم الأسباب التي جذبتني إليك فضلاً عن حظك السيء !"

ريكا بقي يحدق به بترقب وكذلك الصغيران فعلا المثل إلا أن ساي التفت فجأءة يحدق بالباب وهو يقول بمزاح
"ديف تعلم انك مرحب بك هنا فلما التصرف كالجواسيس؟ تعال وانظم إلينا "

توجهت الأنظار نحو الباب بذات الوقت ليطل اندرو " ديفيد " بابتسامة عابثة على وجهه
"كيف شعرت بي بهذه السرعة ؟ وصحيح !أعلم اني مرحب بي بل اعتبرت المنزل منزلي بالفعل دون ان تتعب نفسك بأخباري "

اغلق الباب خلفه ليتوجه للجلوس بالطرف الآخر من السرير وعينا ريكا لم تفارقه ليتحدث اندرو بمرح
"هل اشتقت الي ؟! أعلم أعلم الجميع يفعل حين اغيب عنهم !لا تقلق علي بالطبع انا بخير !"

وريكا فقط تنهد ورد من فوره بسخرية هادئة
" وهل سألتك عن ذلك حتى؟! أنت قط بسبع أرواح بعد كل شيء ستكون آخر من اقلق عليه "

أعاد بصره لساي ليحثه على بدأ قصته ليتوجه بصر اندرو نحوه أيضاً وهو ينطق بحماسة
" اذا ساي هل ستخبرنا حقاً بقصتك؟ كنت كلما سألتك بالسجن ادخلتني بفلسفة عن الحياة والظلم والحقوق والخ لذا سماع انك ستقول قصتك يعتبر معجزة !"

ابتسم بخفة وهو يجيب
" ليست بقصة كبيرة حقاً ، كل ما في الأمر هو أني تزوجت من فتاة ما ، أنجبت لي هذان الصغيران ، للأسف عند نقطة ما حصل بيننا بعض الجدال وخلال هذا تقرب منها احد الد اعدائي ، وهو اشترط عليها لكي يتزوجها أما أن تسلبني كل شيء أو لن يقبل !"

صمت بينما ملامح الصغيران طغى عليها الألم ليردف ساي وهو يبعثر شعرهما
"هي نجحت بأخذ ثروتي دون شعور مني ولكن حينها بدأت أشك بها وبهذا استطعت حماية ما هو أعز !"

حدق به الاثنان بتركيز تام لينظر إليهما ساي وعلى وجهه ابتسامة لا يعرف أي منهما كيف يحافظ عليها للان !
اردف بملامح خالطها الجد وشيء من الغضب ارتسم مع ابتسامته
" لم يكتفي الرجل بما فعله فاراد سلبي شيء أعز ، صغيراي !"

صدم الاثنان بشدة ليحدقا بالصغيران ثم اعادا بصرهما للاب والذي نطق بينما يشد على يديه
"حاولت هي قتل ابننا! بل ابني ! من حسن الحظ كنت قد شككت بها لذا تدخلت بالوقت الملائم لمنعها ! "

رفع رأسه يبتسم بهدوء ولطف خاتماً روايته
" قتلتها بذات اللحظة فهي لم تعد تستحق أي شيء بنظري ! أي أم تحاول قتل ابنها؟! لم احتمل رؤيتها أمامي حتى وهي ما كانت لتترك صغاري وشأنهم ! هو كان يخدعها اساساً فقط لتدميري وهي بكل غباء دمرت كل شيء !"

ارتسم الجد على ملامحه مجدداً بينما يثبت بصره على صغيره والذي اخفض راسه وتمسك بوالده
" لست نادماً على ما فعلته،لو لم أفعل لما كان صغيراي هنا اليوم ! والقانون الذي سبق وعاقبني بسبب الجريمة ما كان ليفعل شيء لها ! كيف لا وعدوي يعمل بالدولة الآن ؟! "

احتضن صغيره وهو يبتسم بينما يحدق بملامح ريكا واندرو الذين يثبتان بصرهما عليه ، كلاهما يدركان ذلك الشعور فهم مروا بذات المطبات في الحياة وكل منهم سمع سخرية الآخرين منه عند نقطة ما

اندرو هنا اقترح بنبرة جادة وهو يعقد ذراعيه لصدره ويركز بصره على من أمامه
" لما لا تذهب لعالم البشر ؟ الن يكون أكثر امناً لك طالما الأمر كذلك !؟"

ملامح ساي ظهر عليها الاستغراب وهو ينقل بصره بينهما بتسائل بينما صغيراه رفعا رأسيهما يتسائلان بطفولية بذات الوقت
" عالم البشر ؟"

نظر لصغيريه ليجيب بابتسامة ودودة
"مكان يعيش فيه البشر هو يشبه مدينتنا أيضا لكن هو للبشر "

أعاد انظاره للأثنين أمامه مردفاً
" عالم البشر اذاً؟ كنتما هناك ؟ الهذا لم أسمع أي شيء عنكما ؟"

أومأ ريكا ليجيب اندرو بمرح
" أجل قررت أن اتكرم على البشر واذهب إلى مدينتهم البائسة ، تخيل شخص مثلي يكون لديهم هم حصلوا على كنز رائع ! عليهم أن يكونوا ممتنين"

ضحك ساي بخفة وتنهد ريكا بيأس ليجيب ساي
"لا أعلم ،لدي صغيراي يحتاجان لبيئة جيدة، لا يمكنني أن أقرر فقط على أساس ما هو أفضل لي !"

حمل صغيرته بين يديه لينزلها ارضاً وهي تحدق به ببراءة واصبعها الصغير بفمها ، استقام بوقفته باسماً موجهاً حديثه لمن امامه
" سأذهب واحظر لكما بعض الطعام والدماء ، وأيضا اظن يجب تفقد الأخرين ! انتظروني هنا ،مايروا ليزا اعتنيا به في غيابي !"

اومأت الفتاة بخجل وهي تسترق النظر بينما ابتسم مايرو بخفة واومأ هو الآخر ، نهض اندرو هو الآخر ليلتفت إليه ريكا فابتسم مجيباً بمرح
"لا اعتبر نفسي ضيفاً هنا سأذهب لمساعدته بينما ترتاح انت ، عليك ان تشفى سريعاً فنحن مصدر كل الخير بالعالم كما تعلم قد نجلب له هنا انفجار وباء أو حتى لعنة تعود لالاف السنين !"

ابتسم ريكا بسخرية وهو يرجع جسده للخلف بينما يهمس
" لو لم يكن حظه مذهلاً اساساً لما التقى بنا ! أشفق عليه !"

ضحك بخفة وهو يجيبهما بمرح
" لا تقلقا تتحدثان مع شخص عدوه أحد أكبر رجال الدولة لذا كما قال نيك...أقصد ريكا لا تقلقا لن يحدث ما هو أسوء ! على الأقل لنامل ذلك !"

انصرف ليترك ريكا مع الصغيرين ليحل صمت على المكان ، ريكا اغمض عينيه وأرجع جسده للخلف ثم سرعان ما حدق بالخارج وهو يفكر بكل ما جرى حتى سمع صوت الصغير يتحدث بتردد مع ابتسامة منكسرة على وجهه
" سيد نيكولا "

التفت ريكا لينطق بهدوء وهو يجيبه
" نادني بريكا ولا حاجة للرسميات "

رفع الفتى عينيه ليحدق بريكا واومأ ليتابع كلامه
" اتعلم منذ عودة ابي إلينا وهو كان يخبرني عن شخص ما يذكره بي لسبب ما ،أظنه كان يقصدك ، قال إنه لم يستطع رؤيتك تتألم لسببين الأول انك بريء والثاني أنه تخيل لو كنت بذاك المكان وانتهى بي الأمر وحيداً "

اردف بينما بالكاد يمنع دموعه بتردد
" كيف كنت ستشعر لو كان والدك سجن بسببك ؟ "

شقيقته أجابت بعبوس شديد وهي تمسك بوجهه بين يديها الصغيرتين
"مجدداً؟ متى ستكف عن هذه السخافات ؟! قال لك ابي الف مرة أنه لم يكن بسببك !"

حدق بهما ريكا بصدمة ، أيقن سبب تلك الملامح طوال الوقت والتي كانت ترتسم على وجه الفتى والتي بينت ضيقه ، لم يكن ريكا ممن قد يواسي حقاً لكنه ولسبب ما شعر بضرورة التدخل ، مهما قال ساي لصغيره فهو لن يقتنع لذا سماعها من غريب ربما يحدث فرقاً ؟!

تردد بتحريك يديه بل إنه شعر ان ذلك
أصعب من التنفس ربما ، لم يعتد إظهار عاطفة ما والآن هو ملزم بذلك ، حث نفسه على وضع يده على رأس الفتى وأخرى على الفتاة ليبعثر شعرهما وتنهد براحة حين نجح ليحدق به الفتى والفتاة معاً بترقب ليشرع هو بالحديث بصوت هادئ رزين
"كما قالت شقيقك ، لم يكن بسببك ، عالم الكبار له مشاكله الخاصة ولا أحد قد يلومك عليها ، حتى لو لم تكن انت لوجد هو سبب آخر للتخلص منه ، لكن الآن على الأقل السبب استحق التضحية وهذا خفف الألم عن والدك ! هو ليس بنادم وهذا أمر جيد "

اردف بعد أن أبعد يده وعينا الفتى تراقبه بأحمرار طفيف ينذر برغبة الصغير بالبكاء
" لو كنت مكانك لكنت فخوراً جداً بأبي ! امتلاك آب مثله نعمة لا يملكها الجميع ! لذا لا تستمع لأي شيء فقط ضع ببالك أنك لست السبب كما قلت وافخر به فهو مستعد لفعل أي شيء لاجلكما !"

أومأ الصغير وابتسم بابتسامة صغيرة ليومأ ايجاباً ليشعر فجأءة بيد تنتشله وتمسك به وتطبع قبلة على وجنتيه ودنى من صغيرته ليفعل لها المثل وابتسم لهما بخفة
" حسناً الآن وقد سمعت رأيه هل ستتوقف عن تحميل نفسك المسؤلية !؟ أنا والدك كما تعلم وليس العكس ! أنت فقط ملزم باللعب والدراسة بعمرك فلا تحاول أن تكبر بهذه السرعة !"

تمسك بوالده بقوة ودفن رأسه بصدره ليوما أما ريكا فقد اشاح بوجهه بعد أن شاهد كل ما جرى وظهر على ملامحه بعض الحزن والذي سرعان ما ابعده حين سمع صوت اندرو والذي توقف أمامه واضعاً كوب الدماء قربه مقاطعاً أفكاره عمداً
" تفضل هذا ، أؤكد لك انك ستتحسن طالما تتذوقه واعلم انك ممتن لي لذا لا بأس لا داعي للشكر "

تنهد واحذه من بين يديه بقوة هامساً بأرهاق
" اتعلم من المتعب محاولة اخبارك مراراً كم انك مخطئ لذا صدق ما تشاء !"

جلس على الكرسي مردفاً بابتسامة مرحة
"يبدو أن أحدهم مرهق ولا رغبة له بالجدال حتى "

هنا نهض ساي ليستاذن ويتركهما للنقاش وفور خروجه توجهت أنظار اندرو نحو ريكا الذي كان يرتشف من الكوب ببطئ شديد مستمعاً له
"اذا هل من جديد ؟ أشعر بشيء مختلف "

رفع ريكا راسه لينظر نحوه ثم أعاد بصره لكوبه ليجيب بصوت خافت
" من يدري ، كل ما أعلمه هو أني أريد الخروج من هنا وحسب !"

ابتسم اندرو من فوره بابتسامة خالطها بعض الحزن ليجيب
" مبارك اذاً ، يبدو أنك اتخذت قرارك "

اردف بمرح
"يسعدني هذا فلا معنى من الذهاب لمنزلك دون رفع ضغطك !"

ابتسم ريكا بسخرية ليجيب
" تتحدث وكأنني ساسمح لك بالمجيء اساساً !ثم قراري لم يتغير منذ جئت إلى هنا ! لا بل منذ سنوات هو ذاته !"

أومأ بتفهم ليرد على كلام ريكا بينما يحدق بالارض
" أعتقد معك حق ، لا مكان لنا بمكان يتواجد به الماضي أحيانا ، ربما هو هروب أو ربما هو شيء آخر لكنه قطعا الخيار الأمثل !"

رفع رأسه محدقاً بريكا بمرح مجدداً
" اذا سيد متوحد هل ما يزال انتقامك قائماً؟"

حدق به ريكا وأجاب
" هو كذلك دون شك !وحتى لو فرضنا أنه ليس كذلك هو لن يتركنا بعد الآن ، الفتاة التي قتلت كانت كل شيء بالنسبة له ، أظن الانتقام صار متبادل ، لابد من موت أحدنا !"

ابتسم اندرو بمكر وملامح الشر ظهرت عليه
" تقصد لابد من موته فأنا لا انوي السماح له بقتلي، طبيعي أن يدفع ثمن محاولاته لقتلنا ! ان كان لديه شكوى ليشكو على نفسه وعلى المسار الذي اتخذه لحياته ! "

ارجع ريكا جسده للخلف واغمض عينيه مجيباً بأرهاق
" لست مهتماً بالحياة والموت حقيقة ، سأخذ انتقامي وما سيحدث بعدها ساتركه لوقته ،المهم أن استعيد حق مايك فهو انقذني ولست وغداً ينسى تضحيات الآخرين خصوصاً حين يكونون أمثال مايك!"

فتح الباب بقوة لتقبل صوفيا بشعرها الصبياني وخلفها اوليفر لتنطق هي بينما تقترب من السرير
" اتفق معك هذا العدل تماماً علينا التخلص منهم ! يسعدني انك تفكر جيداً "

أجاب اندرو بتهكم
" بل قولي يسعدني انك تفكري كما أريد ! أليس الطبيعي أن تقولي لا يجب أن تفكر بالانتقام ؟"

أجاب ريكا بينما يحدق بها بحاجب مرفوع
" هل التنصت طبيعي وانا لا اعلم؟! ألم يسمع أحدكم عن طرق الباب ؟! "

اوليفر والذي كان يقف هناك اقترب وهو يتسائل بتردد
" كيف تشعر ؟!"

أجابه ريكا بعد أن تنهد وعقد ذراعيه لصدره
"أفضل حالاً منك دون شك ، كف عن النظر إلي بهذه الطريقة كما لو كنت قتلتني وانا شبح منتقم أمامك !"

أجاب بينما يشيح بوجهه
" أن كنت أنت تريد ان ترد الفضل لكلبك الذي قتل فكيف لا أفعل انا لك وقد انقذتني وانا اورطك من مشكلة لأخرى؟!"

أجابه ريكا بشيء من الإستنكار
"وهل أنت تقارنني بكلبي الآن ؟!"

أجابه من فوره بأستغراب
"ماذا ؟! لا لم أقصد بل قصدت أن كنت تفعل هذا لاجله طبيعي أن افعل انا ايضا !"

أجاب ريكا بجدية بالغة
" جيد اذا، فلا أحد قد يصل لوفاء الكلاب لذا لا يحق لك مقارنة أحد بهم ، ليس وكأني لست وغداً ايضاً مثلي مثل غيري !"

وهنا حدق اوليفر بصدمة ثم اعترض مستنكرا" لحظة أهذا اعتراضك؟! ظننتك متضايق اني شبهتك به وليس العكس ! "

وهنا ضحك اندرو بخفة وهو يجيب
" عزيزي واضح انك لا تعرفه بعد ،انظر هو لن يحب أي أحد كما يحب حيواناته الأليفة تلك إلا تذكر أنه ابتسم له حتى ؟! لا تستغرب أي شيء ! "

تدخلت صوفيا وهي تهتف بعبوس
" حسناً اغلقوا هذا الموضوع متى ننطلق ؟! "

وقبل أن يصلها الرد وصل صوت صراخ مايروا وهو يصرخ برعب
" ابتعد عن أبي !"

انتفض الثلاثة والتفتوا يحدقون بالباب إلا أن ريكا لم ينتظر فقط نهض من السرير وتبعه اندرو ليتجهوا نحو المصدر ليجدوا الشرطة تقبض على ساي وصغيره واقع ارضاً ونظرات ساي المترجية نحو ابنه بأن يتراجع والفتاة تقف قرب شقيقها والدموع بعينيها

اقترب ريكا بملامح حادة لتتجه الأنظار نحوهم بينما دنى ريكا من الصغير وساعده على النهوض ووقف أمامه ليتنهد ساي براحة ،ريكا تجاهل الشرطي الذي كان واضحاً أنه قائدهم ليوجه حديثه لساي بقلق مبطن
" هل ستتأخر بالعودة ؟"

ابتسم ساي مطمئناً
" لا ، لن اتاخر !"

فامسك ريكا بيد الصغير ونطق بثقة
" اذا سانتظر عودتك ، من الأفضل أن لا تتأخر أو ..."

حدق بالرجل ببرود مقترن بتهديد غير ملفوظ ليتدخل اندرو وهو يستند على كتف ريكا
"اعذروا صديقي على وقاحته هو غير معتاد على التعامل بلطف فكيف به وهو يتعامل مع حثالة ؟ "

صرخ الشرطي بهما بتهديد بنبرة حملت الكثير من الغرور
"كيف تجرأ على قول هذا ؟! هل اعتقلك بتهمة إزعاج الشرطة ايضاً؟! "

هنا تدخل اوليفر ليتحدث بهدوء وان كانت ملامحه الغاضبة عبرت عن عدم اقتناعه بما يجري
" أرى أن تغادر وتقوم بعملك أفضل ! "

رغم ما شعر به من ضيق إلا أن الهالة التي بدأت تزيد بمرور كل لحظة تنذر برغبتهم بالقتل جعلته يفضل الانسحاب وحسب

غادروا آخذين ساي معهم بينما هو يحاول الحفاظ على ملامحه الجامدة تلك رغم ما ظهر بها من انكسار لعدم قدرته على حماية ابنه، لكنه احتفظ بها لاجل الحفاظ على كبريائه فإن أدرك عدوه الأمر لن يرحمه

فور إغلاق الباب الصغير بدأت دموعه تنزل بصمت وهو يحدق بالارض بحقد شديد ، أن يرى والده يعامل هكذا فقط لأنه حماه

كان هذا يثير بداخله حقداً وغلاً يكبر كلما تكرر المشهد ، لم يكن يستطيع أن يهنأ بأي لحظة وهو يفكر أنه وبأي وقت قد يأتي شخص ويسلبه والده ومن يعلم كم مرة سيرجع له ؟ فكرة أن لا يعود له يوماً ما ارقته لوقت طويل !

وقبل أن يعود للواقع ويغادر عالم كوابيسه الذي يتكرر كلما أخذ والده شعر بيد توضع على كتفه ، رفع رأسه ليرى ريكا يجثو أمامه يحدق به بملامح هادئة وفور أن التقت اعينهما تحدث ريكا دون ان يدرك سبب لتدخله بكل هذا أو يجد تفسير مقنع لأي تصرف مما يتصرفه حتى
"أنت سند والدك ، عليك ان تكون رجلاً يعتمد عليه والبكاء لا يندرج ضمن الأشياء التي تجعلك كذلك !
امسح دموعك واستقبله بأبتسامة سيكون ممتناً جداً لهذا "

دموع الصغير تمردت أكثر وهو يجيب بحسرة
" ماذا لو لم يعد ؟ ماذا لو بقيت انتظره للابد ليعود بابتسامة غبية وهو لم يرجع لي حينها !"

تحدث ريكا من فوره بينما يبعثر شعر الصغير أمامه وهذا فقط أضيف الأشياء الغريبة التي يقوم بها ، أن يجد نفسه يطمأن طفلاً صغيراً غريباً عنه بينما كان تصرفه جافاً تماماً مع من يفترض انه شقيقه وان كان يدرك بأعماقه أن تصرفات الاثنين تختلف بشدة أحدهما يجعلك تنفر منه بالقوة والآخر يجذب إليه بالقوة !

" سيعود دون شك ،وحين يفعل سيكون عليك الحديث معه بصراحة ، سأساعدك لاقناعه بما يضمن سلامته أكثر ولنرى أن كان سيقتنع ! الآن لديك شخص تعتني به حتى عودته !"

أشار برأسه نحو اتجاه شقيقته التي كانت تبكي بين يدي اندرو والذي منذ رؤية ما جرى ملامحه حافظت على كراهية واضحة لاجل صديقه وصغيريه ولأجل نفسه وهو يتذكر أنه عومل بنفس الطريقة!

اخذ يمسح على شعرها لتدنو منها صوفيا بابتسامة حانية وهي تخفف عنها
"صغيرتي الجميلة ، لا تبكي ، سيعود والدك أؤكد لك ولو لم يرجعوه سنرجعه نحن لكم ! ثقي بنا !"

شقيقها هنا تحرك من فوره ليتجه نحو شقيقته وياخذها من بين أيديهم، احتضنتها يديه الصغيرتين وهو يبتسم مع احمرار عينينه الدامعتين
" لا تقلقي ابي سيعود ! علينا استقباله جيداً حين يفعل ! لنعد له ما يحبه سيكون سعيداً دون شك ! "

اومأت الصغيرة لتبتسم بصعوبة وتوجها نحو المطبخ ليبقى الأربعة بالخلف ، كان اوليفر اول من بدأ بالحديث لينطق بأستياء
" قلنا أنه سيعود لكن هل حقاً سيحدث ؟ إن كانت مسألة كبيرة قد يتأخر !"

هنا أجابت صوفيا بينما تتجه نحو المطبخ بملامح متضايقة
" لا نعلم بالطبع لكن قطعاً لن تقول هذا أمام طفل ! لنامل أن يعود حتى نستطيع الرحيل بسرعة !"

ريكا اغمض عينيه ثم أظهر قزحيتيه بينما يتجه نحو الخارج للحديقة الخارجية ، اندرو تبعه بصمت حتى صار الاثنان بالخارج ،ريكا توجه نحو الارجوحة ليجلس هناك يحدق بشبيهه عينيه التي امتلئت بالغيوم القطنية كقطع الحلوى والشمس كانت قد بدأت تتوارى خلفها، القمر يظهر بأثر باهت يعلن اقتراب المساء ، حدق ريكا بالسماء بصمت ليجلس اندرو قربه
" من المزعج رؤية أمور كهذه صحيح ؟ هي تذكرني بأيام السجن ! "

نبرة صوته التي دلت على حزن دفين وغضب ما يلبث أن يظهر من حين لآخر ادركها من كان يستمع له

لم يبعد حدقتيه عن السماء التي كانت تبدو له وكانها تمتص كل مشاعره السلبية بتلك اللحظة
" هو مزعج طبعاً، بل يجعلك ترغب بتحطيم العالم فوق رأس ساكنيه، لهذا تماما لا أريد البقاء هنا ! لا يمكن أن يكون المجرم ضحية ،سيجد لك المرء الف عذر ليجعلك تبدو المجرم السيء والذي لا شيء يبرر فعله ! أجل صحيح أن لا شيء يبرر الجريمة لكن لو عوقب المجرم الحقيقي ، لو تم منع الظلم والاضطهاد ولو تم دفع الثمن للكل كما يجب ما كانت نمت هذه الأحقاد "

اردف بينما بغمض عينيه ويستنشق الهواء بعمق
" لا أحد يرغب بتلويث يديه بأي حال سوى المريض نفسياً وهؤلاء وضعهم مختلف ! لكن المجرم الذي يحاول أخذ حقه المسلوب والذي لم يقبل احد أن يرده له هذا وضعه حرج ، لا يمكنك القول أنه بريء ! ولا يمكن القول أنه مجرم ، هو مجرم استعاد حقه الذي لم يستطع استعادته بالقانون وليس الكل قادراً على انتظار دورة دولاب الحياة ليستعيده ! "

توجهت زرقاوتيه بنظرة جانبية للذي يستمع له بصمت
" المجرم يبقى مجرماً ويمكن تفهم وجهه نظر الآخرين ! لكن حتى المجرم قد يكون فقط أحتاج يد تنتشله قبل أن يهوي ولكنه لم يجدها ! لا أعلم حتى ما هذا الهراء الذي أقوله لكن لا يمكن لوم الآخرين على نظرتهم نحونا لكن من يحاول التسبب لنا بمشكلة أخرى هذا وضعه مختلف ! هو وغد باقصى الدرجات ! "

أستانف بسخرية مع ابتسامة استهزاء
"وطبعاً يبقى الكل وغداً تعيساً بنظري ! فقط النسب تتفاوت !"

اندرو أكمل كلام ريكا بمرارة
"أجل ، مستغلاً سوء السمعة يحاول جعلك موضوعاً للحديث وان يصعد هو لقمة الأخلاق بينما يجعلك تهبط لقمة الانحطاط ، يبني علو قيمته على مدى هبوط قيمتك ! "

تنهد اندرو وأرجع جسده للخلف لثواني بأرهاق ثم اردف وهو يبتسم بعبث
" دعك من هذا ، ساي قوي هو سيعود دون شك ! وفور حصول هذا نحن علينا الرحيل أيضاً ، اضعنا فصلاً دراسياً كاملاً ! أظننا رسبنا الآن صحيح؟! "

ابتسم ريكا بسخرية وهو يجيب
" لا شك بهذا وانا خسرت عملي وانت خسرت فتياتك !"

أجاب اندرو من فوره بمرح
"اوه لا تقلق لدي الآلاف حتى لو ذهبن سأجد غيرهن انا وسيم جدا كما تعلم والكل يتمناني !"

اكتفى ريكا بأن يجيب ببرود
" من مدح نفسه ذمها! "

حل وقت من الصمت بعدها بينما بالداخل كان يتم تحضير المائدة ، ظهر القمر كلياً بضوءه الأبيض الخافت وحوله صغاره النجوم تلمع بالإرجاء كلوحة فنية متألقة ، سمع ريكا واندرو الذين بقيا بالخارج صوت وقع أقدام فوق العشب والأهم من هذا رائحة دماء جعلتهما ينهضان من فورهما ويتجهان نحو المصدر والذي لم يكن سوى ساي والذي كان يلهث ارهاقاً بل وكان بالكاد يحافظ على خطواته ثابتة، شعر بتوازنه يختل وقبل أن يهوي وجد اثنين يسندانه ريكا من يمينه واندرو من يساره، رفع راسه ليحدق بهما ويبتسم بأمتنان رغم ارهاقه
" من اللطيف وجودكما حقاً ! اعتذر على ادخالكما بالأمر !"

لم ينطق أي منهما فقد كان منظره المنهك وأثر الدماء على ملابسه وبعض الجروح على وجهه كافية لمعرفة مدى رقة تعاملهم معه !

ريكا حرك يديه ليقوم بجرح معصمه ليحدق به ساي بتفاجأ فاخرجه ريكا من هذا مجيباً على تسائله قبل أن ينطق به حتى
"صغيراك قلقان بحق ، لا يمكنك الدخول بهذا المنظر والدماء العادية لن تشفيك فوراً أما دمائي فهي مختلفة "

ابتسم بوهن وهو يحاول الوقوف باستقامة
" لا داعي صغيري لا يمكنني قبول هذا انت بالكاد شفيت و ...!"

قبل أن يكمل كلامه وضع ريكا معصمه بفمه وهو ينطق بضيق
" حين لم أكن واعياً أظن اني هاجمتك ! لن اعتذر على الأمر مطلقاً دون شك لكن حينها لا حاجة لأن ترفض اعتبره رداً للأمر لا غير !وأكره كثرة الحديث لذا وفر علي المزيد من الشرح !"

ابتسم وامسك بيده ليشرب من دمائه ببطئ بينما اندرو ما يزال قربه حتى توقف اخيراً لتبدأ جروحه بالزوال فمسح أثر الدماء الباقية
" شكراً لك ، دمائك كما أذكرها تماماً قبل سنوات ! وبشأن ما حصل حين التقيتك لم أعلم أنك تذكرته لكن طالما فعلت عليك ان تعلم أن لاحاجة للاعتذار بأي حال ! رؤيتك بعد كل هذا الوقت تستحق الكثير !"

"ابي !"
صوت الصغيرين بذات الوقت ارتفع وهما يريان والدهما ليركض الاثنان نحوه ويحتضنانه بقوة ليستقبلهما والدهما بيدي مفتوحتين ترحب بهما بسعادة ، ورغم خوفهما عليه بسب بمظهر ثيابه إلا أنه بدأ لهما بصحة جيدة فتجنبا مضايقته لتنطق صغيرته وهي تجره للداخل
"ابي صنعنا لك الأطعمة التي تفضلها ! تعال لناكل بالداخل ! "

حملها بخفة وهو يجيب بينما يحتضنها ويتوجه لصغيره الذي كان يبتسم بسعادة وهو يرى والده أمامه
"شكراً لكما لنذهب ونأكل اذاً !"

ومجدداً تجمع الأربعة يحدقون بالأسرة الصغيرة بهدوء حتى نطقت صوفيا براحة
"من الجيد عودته؛لاجل الصغيران ولاجلنا ايضاً ! علينا الذهاب بسرعة صحيح ؟! "

حدق الجميع بريكا منتظرين سماع رأيه اما هو فقد كان يفكر بشأن موضوع معين يشغل تفكيره ، اغمض عينيه وأخذ نفساً عميقاً وتحرك نحو الداخل
" بعد العشاء سأتحدث إليه بشأن أمر ما ثم ساغادر أما انتم فافعلوا ما تشاءون! "

حدقوا ببعضهم البعض ليومأوا معاً متفقين انهم سيغادرون معاً طالما الهدف واحد وهم اساساً كانوا يبحثون عنه تركه الآن غير منطقي مطلقاً!

توجهوا نحو الداخل للمشاركة بالعشاء وفور انتائه توجه صغاره نحو غرفهم ، اقبل هو نحو ريكا والبقية لينطق ريكا بينما يحدق به بهدوء
"لدي شيء أقوله لك ، استمع للنهاية !"

حدق به ساي بأستغراب ثم أومأ بجدية ، توجها لمكان وحدهما وساي نصغي بكل تركيز ،أخذ الامر منهما بعض الوقت ليحين بعدها وقت الرحيل، نهض ريكا ليغادر الغرفة فتبعه ساي حتى وصلوا للباب ، مد ساي ذراعيه وسحب ريكا ليعانقه ومسح على ظهره بخفة بينما ريكا التزم الصمت ولكنه سرعان ما حاول الأبتعاد فلم يكن ممن قد يقبل العناق ومجدداً ساي لديه سيطرة غريبة عليه منذ أيام السجن هذا ما كان يثبته له كل لقاء مع ساي !
نطق ساي بود وهو يبتسم له
" سعيد حقاً برؤيتك ريكا ، أرجو لك رحلة موفقة ، لو لم يكن صغيراي هنا لساعدتكم لكن كما تعلم لا يمكنني المجازفة "

أومأ وهو يجيب بينما يلتفت
" أعلم لا داعي للشرح اساساً ماكان أحد ليسمح لك بالمشاركة !"

هنا اقبل وتبادل هو واندرو العناق ليقول اندرو بمرح
" حسناً أيها الأب أظن حان وقت العودة للداخل اتعبناك بما يكفي وان كان وجودي يعوض عن كل التعب !"

ضحك بخفة وابتسم مجيباً بدون تردد
"دون شك !"

التفت لآخر اثنين ليبتسم لهما بلطف ويودعهما أيضا
" سرني التعرف بكما صوفيا وأوليفر ، رحلة موفقة لكم جميعاً !"

التفت الجميع مغادرين بينما وقف هو يحدق بهم وهو يدعو لهم أن لا يصيبهم مكروه
~~~~~~~

ايجيروا وصل لمكانه المفضل ، المكان الذي ظل يتردد عليه طوال سنوات ، كان المكان الذي يحتضنه كلما شعر بالضيق حيث لا يجرأ أحد على ازعاجه حتى صار لا يجد الطمأنينة الا فيه

جلس مستنداً للشجرة التي اسندته لسنوات واغمض عينيه مرهقاً ، ابتسم بسخرية مفكراً لنفسه كم مرة تمنى أن يرى شقيقه ولو لمرة واحدة ؟! لما اذا حين تحققت المعجزة وظهر أمامه انعقد لسانه عن أي كلمة رغب بقولها ؟!أين ذهبت كل الكلمات ؟ لما تخلت عنه حين أن أوان قولها ؟

غاص بذكريات عميقة تعود لزمن بعيد حيث ظلت تلك الأمنية تنبض الماً بصدره وتجعله يكره كل ما حوله
Flash back
بتلك الفترة كانت قد مرت سنوات طويلة ورغم كل ما حصل فيها من أحداث لم يبعد هذا عن عقله الحدث الرئيسي الذي ظل بعقله طوال سنوات ، لا يزال يتمنى رؤيته كل يوم ، يذهب لذلك المكان حيث الوادي الذي قفز منه شقيقه منهياً حياته ،يجلس هناك يحدق بالمنحدر يوجه رسالات اعتذار لا تصل مهما حصل ،كانت امنيته الوحيدة هي أن يكون شقيقه أمامه أن يعتذر منه بصدق على فشله بحمايته وان يحاول أبعاده عن كل من اذاه لكن لم يكن منى القلب في متناول يده ، شقيقه الذي يتمنى هو رؤيته غادر للابد ورحل ، لم يعد له وجود ليعتذر له ، وأكثر ما كان يؤلمه هو أن الناس من حوله لم يكن كلامهم سوى أنه يستحق نهاية كهذه بل سعادتهم بيومها قتلته أكثر من المه على شقيقه حتى ربما والكلمات التي كانت تطعن قلبه كلما سمعها " اخيراً مات الخائن ، استحق كان عليهم قتله اساساً"
وآخر يقول " مثير للشفقة أتمنى لو قتلته بيدي !"
وآخرون يقولون " يجب إقامة احتفال لو كانت جثته هنا لاطعمناها للكلاب !"

من وقتها عزل نفسه عن الكل حتى صار يتجنب التعامل مع أي أحد خصوصا انهم ما يلبثون يذكرونه ولو دافع عنه بكلمة أسرته تفتعل مشكلة حتى بدأ الموضوع يختفي تدريجيا لكن أثره على ايجيروا لم يختفي ! هو فقط كره كل ما حوله تدريجياً لكنه احتفظ بذلك لنفسه!

كان ذلك الوادي عزائه يأتي إليه يبكي وحده ، يعتذر من شقيقه ويتذكر لحظاتهما ، لم يكن يمر أسبوع إلا ويذهب هناك ورغم علم الجميع أنه هناك ما كان أحد يأتي إليه ابداً ليضايقه حتى والده الذي حاول بداية لاحظ كم ان طباع ابنه بدأت تحتد وصارت الكراهية واضحة بعينيه من بعد انتحار شقيقه والتي حمله ابنه المسؤلية على هذا فما عاد يضايقه كثيراً طالما إختفى مصدر المشكلة بنظره حتى جاء ذلك اليوم ، وبينما هو يجلس وحده يستمع لما كان شقيقه يحبه سمع صوت صديقه نيك يصرخ بأسمه بصوت رج كل السكون وبعثره بل حتى الحيوانات هربت فور سماعه

أبعد ايجيروا السماعة عن أذنيه ليحدق لصديقه بحاجبين مقطبين، الكل يعلم أن هذا المكان غير مسموح لأحد المجيء إليه ! هكذا كان يعلم المقربون منه ! لكن ملامح صديقه جعلته ينهض وهو يتسائل بشيء من الضيق
" ما الأمر ؟!"

رفع نيك رأسه بينما يحاول التقاط انفاسه ، استند على قدميه بصعوبة بالغة وهو يبدو موشكاً على البكاء ،حدق به ايجيروا وقد نبض قلبه برعب ، شعر ان هناك شيء حدث فنطق مجدداً
"ماذا حدث ؟! "

أجاب نيك بصوت مهزوز وهو يبعد بصره عن رفيقه
" شقيقك نيكولا ، ظهرت برائته !"

~~~~
يتبع
ارجو ان يعجبكم 😍😍😍
أولا أشعر أن الفصل ممل بطريقة ما ولست مقتنعة به لكن هو ضروري لذا ابقيته بأي حال من لديه أي نصيحة، اعتراض على شيء معين أو ملاحظات ساكون سعيدة بتلقيها وشكراً لكم مقدماً❤🌷😄

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top