PART 27
" الحياة كالبيانو! النوتة السوداء هي الحزن، والنوتة البيضاء هي السعادة، فلا يمكننا عيشها إلا عند مزجهما معًا كي نستطيع خلق سمفونية جميل 🤍🖤. "
----
ذلك الشعور القاتل الذي يملأ أعماقك حين يبتعد عنك شخص عزيز عليك ذلك هو أصعب شعور .. شعور إنك فارغ من الداخل .. شعور أن ذاك الشخص لن تراه مجدداً .. لن تسمع صوته .. لن تحادثه .. و لن يحادثك مرة أخري .. هذا فقط يحزنك .. بل يأكلك من الداخل و لا مجال للإعتراض فالموت يأخذ الاحباء أمامنا دون ان نستطيع فعل شئ لمنعه .. و لن نستطيع اخراج ذلك الكم الهائل من المشاعر المكتومة الا بالصراخ و البكاء و كأن بكائنا أو صراخنا سيعيده للحياه مره أخري .. فقط انه يدمرنا نحن .. تلك المشاعر تدمرنا حد النخاع حتي لو أخرجناها علي هيئة بكاء و صراخ و لكن الالم الحقيقي يكون داخلنا .. يسجن بأعماقنا لنتفتت ببطء دون ان ندري انه يدمرنا كي نتلاشي !!
أخذ البكاء و الصراخ يعلو ذلك القسم .. الجميع كان يقف ينظر لما يحدث دون إستطاعتهم ان يهدئوا الفتي الذي بين يدي مديرهم و طبيبهم الذي تركه يصرخ و يبكي بينما يحتضنه أكثر .. كلمة واحدة كانت كفيلة بإخراج ذلك الكم الهائل من المشاعر المتراكمة داخله ..
"لقد مات"
لماذا ؟ .. لماذا كل من يحبهم يموتون ؟ .. لما كلما تقرب منهم يموتون ؟ .. أولاً تم التخلي عنه .. ثم تربي بين يدي تلك المرأه التي أحبها من الصغر لتتركه بعدها و تموت بسبب المرض و الان بعدما أحبه زوجها .. والده الذي إعتبره كوالد له حتي بعد أن إكتشف حقيقة كونه لم يكن والده الحقيقي و لا تلك المرأة تكون أمه .. بل أمه هي سبب كل ذلك .. هي من تخلت عنه و الان بسببه و بسبب ما فعلته هو مات .. مات و تركه بعد ان ندم و شعر بحبه الكامن داخله تجاهه .. لقد سامحه .. لقد أراده ان يعود معه فقط .. أن يبقي امامه يحدثه .. أن ينسي معاملته القاسية ليحصل علي ذكريات حلوه معه .. لكن بسببه مات .. لانه جاء لينقذه .. بسببه هو حاماه بجسده ليتلقاه الموت بكل سهولة !! .. و كل شئ كان بسببه فقط لانه ما زال يحيي بهذه الحياة .
تحرك رايان من جموده بإبعاد إحدى يديه ليضعها تحت قدمي الاصغر ليحمله و يغادر به لمكان أخر .. هو يعلم إنه لن يصمت عن البكاء .. لكن و رغم ذلك لم يعطه مهدئ لينام .. يريده أن يخرج كل ما عاناه فقط .. لقد عانى كثيراً بمحاولة إخراج كلمة واحده فقط من زين عن حياته السابقة بسبب شدة كتمانه تلك ، و خوفه من الحديث لعدم تذكره للذكريات .
سار أمامهم دون أن ينبث أحدهم بحرف ليخرج الي حديقة المشفي ليختار مكاناً هادئاً ليجلسا به بعيداً عن الانظار .
جلس علي العشب و ما زال الفتي يحتضنه و يبكي ليتحدث رايان بهدوء عجيب : أخرج ما بداخلك يا زين ، أنا أسمعك .
أبعده لينظر لوجهه و رفع يده يمسح دموعه التي أغرقت وجهه .. كان يبدو كطفل أخذت منه لعبته المفضلة فإبتسم رايان علي مظهره ليرفع بيده شعره للخلف و تحدث مغيراً الموضوع قليلاً كي يهدأ الاصغر : لما لا تقص شعرك ؟
و الغريب في الامر انه تجاوب معه و رد بصوت مبحوح باكي : لا شأن لك .
تفاجأ رايان من رده الوقح الا إنه إبتسم مبعثراً شعره فمال زين علي صدر أخيه و قبض علي قميصه بشدة بينما يتحدث بخفوت و صوت ظهر به كمية الألم داخله : لما يحدث هذا معي ، أخي ؟
إحتضنه بيد و اليد الاخري أخذت طريقها للعبث بشعره و أجاب : الطيبون يحدث معهم هذا و أكثر و لكن فقط الشجعان منهم من يقفون مجدداً بعد كل حدث سئ يمر بحياتهم .. انت من هؤلاء الناس و لكن يجب أن تكون من الفئة الشجاعة التي ستقف مجدداً .
شد علي قميصه أكثر ليقول بحزن شديد : و لكنه مات أمامي دون ان أفعل شئ لأنقذه .. انا فقط جبان .
أبعده رايان لينظر لوجهه و نطق بإبتسامة : لا تقل ذلك .. تحتاج فقط أن تثق بنفسك .. ثم كيف ستفعل شئ لتنقذه ؟ ..
تنهد ثم أحاط وجهه بكفيه ليتحدث بجدية : إسمع زين .. انت تلقيت تعذيباً شديداً هناك و هذا لن يمر علي خير أبداً و لكن دعك من هذا الان .. المهم إنك بخير و كون أن ميكايل ذاك ضحي بنفسه لأجلك فهو لانه إكتشف أنه كان يحبك و لكنه إكتشف ذلك متأخراً .. هو إن لم يفعل ذلك سيشعر بالندم دائماً لانه لم يجعلك تعيش حياة كأي طفل أو مراهق بعمرك .. و أنت لا تعلم كيف يشعر الانسان و شعور الندم يأكله من الداخل .. الموت كان أهون عليه من ذلك الشعور .. ثم يجب أن تشعر بالراحة لإنك إكتشفت انه يحبك قبل فوات الاوان و أن طفولتك لم تضيع بالمشاكل و الكره منه .. عليك ان تستغل اي فرصة او مشكلة لصالحك .. تعلم من الماضي و استغله ليبقي حاضرك في امان و من هنا سيأتي مستقبلك الملئ بالاشراق و الامل صغيري .
إختتم حديثه بإبتسامة دافئة مليئة بالامل ليظل زين محدقاً بوجه شقيقه مفكراً بكلماته التي تعطيه الامل كلما وقع بقاع اليأس فرسم إبتسامة متفائلة و ممتنة لأخيه فضمه الاكبر و تحسس جبينه و تحدث بهدوء : هيا للداخل فحرارتك مرتفعة و تحتاج الي الراحة كما أن جو أصبح بارداً .
أومأ زين بصمت ليساعده رايان بالوقوف و السير معه للداخل و كلاً منهما يفكر بشئ مختلف و له نفس الهدف .
----
لم أعد أستوعب كم مر من الايام و أنا جالس بهذه الغرفة بهذه المشفي المخصصة للامراض النفسية و العقلية .. أشعر أني مسجون لا أحد يدخل أو يخرج دون اذن أخي .. أبي لم أره أبداً و حتي توماس رايان رفض أن أزوره متحججاً بمرضي .. و ويليام لم أعد أراه أيضاً .. منذ ذلك اليوم و أخي يتناوب عليّ بأخذ تلك الادوية ذات المذاق السئ .. حتي بعد ما دار بيني و بين أخي من حديث أول يوم فتحت عيني لأجد نفسي بهذه الغرفه .. الا ان الكوابيس لم تتركني أنام بسلام دون أن تفسد نومي و بسببها يزيد خوفي من المجهول .. ذلك الوجه الذي دائماً ما يأتي بأحلامي يحاول قتلي و ابي ميكايل من يتصدي له و يموت بدلاً عني .. كانت تلك الاحداث تتكرر مراراً و تكراراً بأحلامي حتي ما عادت تفرق معي و رغم ذلك أستيقظ و أشعر و كأن جسدي مصلب و مكسر و كإني خُطت حرباً .
العلامات و الكدمات بجسدي بدأت تختفي و جرح كتفي لم يعد يؤلمني كالسابق و قد أزلت حامل الكتف عني و لكن الذي لم يتغير هو جلوسي و كأني سجين بهذه الغرفة .
و ها أنا مستلقي علي السرير أحدق بسقف الغرفة ذا اللون الابيض الذي بدأت أكرهه حقاً بعد ان إعتدت علي رؤيته كلما فتحت عيني .. أين تلك الايام التي كنت أرسم بها بألواني المختلفه الزاهية ؟! .. أين تلك الايام التي كنت أذهب بها و أتنزه مع توم ؟ .. و الايام التي كنت أفجر غضب أخي بها .. آه كم أود أن أخرج من هذه الغرفة .. حتي ذاك الوغد دارك لم يظهر لي منذ أن أخذت تلك الادوية اللعينه .. تباً !! .
--
ظهر عليه ملامح الغضب بينما يستلقي علي بطنه دافناً وجهه بالوسادة شاعراً بالعجز و ما هي الا ثواني حتي تحول ذلك الغضب إلي دموع بللت الوسادة و قد كتم تلك الشهقات بالوسادة كي لا يسمعه أحد .. هو حقاً مل من كل ذلك و يريد الخروج .. يشعر انه سجين بهذه الغرفة .. هل تركه الجميع ؟ .. هل تخلو عنه لانه مريض ؟ .. لانه مجنون ؟ .. ألم يخبروه انه لن يأتي ذلك اليوم و يتخلو عنه ؟ .. هل توماس مات و رايان يكذب عليه بشأنه ؟ .. لما يحدث هذا ؟ .. فقط لما الجميع هكذا ؟
:"_زين ألم تشتاق لي ؟ "
فتح عيناه بسرعة حين سمع صوته الهادئ و الغامض ليبعد وجهه عن الوسادة و حدق برماديتيه بالذي ظهر فجأة بالغرفة ينظر له ببرود ، فنطق هامساً بغير تصديق : دارك ؟!
إبتسم دارك و أومأ مؤيداً ، فإعتدل زين يمسح دموعه و سأل بعفوية : لكن كيف ظهرت و أنا أخذت تلك الادوية ؟
تقدم دارك بهدوء ليقف أمام سرير زين و رفع يده مشيراً لقلب زين و نطق مجيباً بنبرة هادئة و عميقة : لأن تلك الأدوية تؤثر علي العقل و ليس القلب .. قلبك ما زال يعاني لهذا أنا سأظهر دائماً لك .. ستراني دائماً بجانبك طالما هذا القلب يعاني و يتألم .
صمت و تقدم نحوه و زين يحدق به بصمت دون أي رد فعل حتي أحس بيدي دارك تحيطان به بعد أن إحتضنه ، فأتسعت عيناه صدمة مما حدث و لكن فجأة إختفي كل شئ من أمام ناظريه و ظل يحدق بالفراغ بصمت .. حتي أفكاره مسحت من عقله !! و سؤال واحد الذي ظل يدور بعقله و هو .. أين دارك و كيف شعر به و هو مجرد طيف من مخيلته!؟
طُرق الباب ليخرجه من عالمه المظلم لينتشل نفسه و يحدق بالباب منتظراً من الشخص الدخول حتي رأى إمرأة ذات شعر أسود و عينان أخذت اللون الازرق طابعاً لها بملامح انثوية جميلة .. كانت جميلة طبع وجهها بذاكرة زين الذي سرح بها و بجمالها بينما هي تقدمت نحوه بخطوات هادئة بينما تقبض علي حقيبتها الصغيرة بكل توتر و ما إن وقفت أمامه حتي نطقت بهمس حزين : هل .. أنت زين ؟
لم يشعر بنفسه و هو يرد عليها بإيماءة لتمتلئ تلك الزرقاوتين بالدموع تأثراً .. حزناً .. ألماً و ندماً بينما تحدق بتلك الجروح و الكدمات .. تحدق بصغيرها بعد أن حرمت نفسها منه بسبب أنانيتها و قسوة قلبها .. و الان هي تراه لأول مرة و لكن ليس بجسد سليم بل شبه مشوه و فقط ذلك حدث بسببها هي فقط! .
أقتربت بسرعة لتجلس علي سريره و أخذته بين يديها تضمه إليها بشدة و كأنها خائفة من فقدانه و إبتعاده مرة أخري عنها ، ثم همست بحزن و ندم : أسفة .. سامحني أعتذر صغيري .. أرجوك سامحني ..
مع كل كلمة كانت تتسع عيناه بها تدريجياً و معها يتشكل كلمة " امي " بعقله حتي همس بها و ظنت هي أن تلك الكلمة هي بداية الامل لعودته لحضنها مجدداً لكن ..
لم يشعر بيديه التي دفعتها حتي تبتعد عنه .. لم يشعر بنفسه و هو يصرخ عليها بأنه يكرهها .. أنه لم يعد يريدها .. لم يعد يطيقها .. لم يعد يعتبرها أماً له .. هي السبب .. هي سبب كل شئ .. هي تخلت عنه .. تركته .. بسببها هو مات .. رغم أن ميكايل فعل به الكثير و قسي و لكنه يحبه أكثر منها .. علي الاقل انه كان امامه .. إعتني به .. تربي أمام ناظريه أما هي .. فهي تخلت عنه .. تركته لأجل اشخاص اخرين .. هو يكرهها .. يمقتها .. يريدها فقط ان تبتعد عنه .. لا يريد ان يراها أو يستمع لصوتها ذلك لأن كل شئ بها أصبح بالنسبه له ذكري سوداء ، فبسببها و بسبب ما فعلته به هو واقع بهذه المشكلة و والده ميكايل قد مات بسببها هي !!
حاولت التقرب منه مجدداً إلا انه غادر السرير و أصبح يدفع بكل شئ و يكسره بينما يصرخ عليها بغضب .. حزن .. ألم ، و ذاكرته تعود لتريه أسوأ أيام حياته التي مر بها بدونها : إبتعدي عني .. لا أريد رؤيتك مجدداً .. أخرجي من حياتي .. إبتعدي عني ..
سقط أرضاً يحاوط رأسه و يصرخ .. يبكي ألماً و حزناً .. لا يدري أهي ذهبت أم هنا .. حتي أنه لم يشعر بكف يده الذي إمتلأ بدماء تتدفق كالسيل ليتسخ جانب وجهه بدمائه ، و فقط لم يتوقف عن الصراخ و البكاء ، و هي ظلت تحدق به بفزع .. صدمة .. حزن لكون إبنها لا يود رؤيتها .. تعلم انها سبب كل شئ و أن من حقه أن يفعل ذلك و لكن كان هناك أمل صغير بعودته لحضنها مجدداً لكن ذلك الامل إختفي .. ماذا تفعل لتعتذر ؟ ..ماذا تفعل لتخبره إنها تشعر بالندم ؟
فجأة إقتحم الغرفة رايان و جوناثان ليقف الأول محدقاً بصدمة بما يحدث بينما رمق جون إيزابيلا بغضب عارم و لكنه تجاهل ذلك حين رأي زين ما يزال يصرخ و يشد علي خصلات شعره .. كان إبنه الصغير منهاراً بشدة ليقترب منه بسرعة قلقاً ..
جثي رايان سريعاً قرب أخيه ليضمه و يبعد يديه عن شعره حتي لا يؤذي نفسه و قد صرخ عليه أن يتوقف الا أن زين تمسك به و رفع نظره الذي أظلم بغضب شديد و حقد دفين ليصرخ بقوة بكل ذرة غضب و حقد داخله تجاهها : أخرجها من هنا .. لا أريد رؤيتها أبداً .. أكرهها .. اطأنا أكرهها و بشدة !
جلس جون أمامهم ليمسك بزين يضمه بقوة ممسكاً برأسه من الخلف ليدفنه بصدره مربتاً علي ظهره و ملقياً كلمات مطمئنة حتي هدأ تماماً و رغم ذلك كان جسده يرتجف بقوة و تنهمر دموعه الغزيرة لتبلل قميص والده الذي ظل يربت علي ظهره بحنان بينما يضمه ، ثم نطق ببرود موجهاً حديثه لإيزابيلا : أخرجي إيزابيلا .. هو لم يعد يود رؤيتك بعد ما فعلتيه به و هو رضيع .. يكفي ما حدث بسببك أنت و شقيقك .. إبتعدي عنا و أتركينا وشأننا .
و قبل أن يكمل بكلمة أخرى تحركت قدماها بإنكسار لتغادر و بطريقها قابلت إبنها الاخر واقفاً يحدق بها ببرود قبل أن يدلف للغرفة و كأنه لم يراها أبداً و هذا فقط أحزنها أكثر و كسر قلبها و لكن هي تعلم إنهم محقون بهذا الكره ، فبسببها تدمر كل شئ .. هي فقط خانت الجميع .
بعد أن غادرت نطق جون لرايان بجدية : أعطني الدواء رايان .. و هذا اليوم سيكون الاخير بالمشفي لزين فهو سيعود للمنزل غداً ليبقي بيننا و نعالجه هناك .
*
*
*
يتبع..
بارت قصير قليلاً .. بارت هادئ 🙃 .. و ملئ بالمشاعر 🙂💔
رأيكم بردة فعل زين حين قابل والدته ؟
هل كنتم تتوقعون ان يسامحها؟
هل كنتم تتوقعون ردة فعله تلك ؟
دارك ظهر مرة أخري فهل سيظهر مجدداَ 🙃
توقعاتكم ؟
رأيكم ؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top