༺الفصل الثاني༻

صلوا على الرسول-عليه أفضل الصلاة و السلام.
إستغفروا

قراءة ممتعة.

***********

(النّصيحة هديةٌ) الجميع يتفق على هذا ولا شكّ في ذلك، الاختلاف الوحيد هو طريقة تقديمها، هناك من يهتمّ بأدقّ التّفاصيل لتظهر نصيحته بأجمل شكل، وهناك آخرون يتركونها دون غلاف أساسًا ويكتفون بتقديمها بابتسامة، لكنّ النّصيحة الموجهة لي مختلفةٌ تمامًا؛ فهي تقدَّم بغلافٍ ذي طابعٍ غامقٍ قاتمٍ على النّفس، لونه الإهانة، وأحيانًا ما تُزيّن بطابع المقارنة البشع. 

أتسائل: هل حقًّا سأفي بوعدي لكِ يا نفسي؟ أبمقدوري التحمّل والمحافظة على روحك النقية؟»

يوميات جايكوب مالوي ٣/٤/٢٠١٦.

استيقظتُ صباحًا وقمت بأوّل فعلٍ روتينيّ أقوم به؛ تفقُّد جميع مواقعي. 

لقد تعرّض «كراكر» إلى العديد من هجمات الاختراق مؤخّرًا، خاصّةً بعد العرض الذي قدّمته الجامعة، ولكن جميعها باءت بالفشل بالطّبع؛ فأنظمة الحماية لديّ قويةٌ ويصعب إيجاد ثغراتٍ بها.

أغلقت حاسوبي بعد أن تأكّدت من سير الأمور بشكلٍ طبيعيٍّ، ثمّ تنهّدت بعمقٍ ساحبًا هاتفي ومفاتيح درّاجتي ثمّ نزلت للأسفل. 

حاولت تفادي والدتي، لكن يبدو أنّها كانت في انتظاري بالفعل، فقد رأيتها تقف مكتّفةً ذراعيها تحدّق في خطاي البطيئة بهدوءٍ، وعندما تفرّست ملامحها قبل أن تشرع في الحديث، لاحظت لمحةً مستاءةً بها فمسحت جبيني بحركةٍ عنيفةٍ في محاولة لتمالك أعصابي من القادم. 

قلت بخفوت: «صباح الخير».

أجابت مُتخصّرةً تميل برأسها قليلًا وترمقني بعدم تصديقٍ: «من أين سيأتي الخير وأنت غارقٌ في حاسوبك ومنقطعٌ عن أحداث العالم الحقيقيّ؟» 

قلت بدفاع عن آلاتي القيّمة: «ولكنّني أعمل عليه، أنتِ تعلمين!» 

لكنّها قلبت عينيها بنفاد صبرٍ ونهرتني بتأنيبٍ: «إن كنت تتحدّث عن موقعك الخاصّ بالكتابة والذي تجني منه بعض المال، فهذا حقًّا لا يهمّني بقدر نجاحك في دراستك.»

كدت أضحك بسخريّةٍ على تصديقها لأكذوبتي طوال السّنة ونصف الماضية بشأن هذه المدونة، هي حتّى لم تحاول أن تسألني عن اسمها أو محتواها لكي تكتشف أنّني كاذب، أجني المال من الكتابة؟ أنا حقًّا سأضحك. 

زمجرت بغضب أثناء ملاحظتها شرودي: «أتسمعني؟» 

فأومأت لها قائلًا: «أظنّ». 

«يا إلهي متى ستنضج وتتحمل بعض المسؤوليات كأخيكَ؟ لقد علمت بأنّك رسبت بأحد المواد». 

تبًّا لذلك الأستاذ اللّعين الذي لم أستطع سرقة الأسئلة منه، قلت بسرعةٍ: «آسف، أعدكِ بأنّني سأعوّضها.» وهممت بالخروج متفاديًا بقيّة توبيخها. 

ركبت درّاجتي بأنفاسٍ هائجةٍ بسبب تأنيبها المستمرّ لي مهما فعلت، «ديريك أفضل منك في كلّ شيء» ألم تسأم من تكرار الكلمات نفسها؟ 

عندما وصلت أمام الجامعة قمت بإخراج هاتفي وفتحت ذلك الجزء من «كراكر» الذي أكتب عليه يومياتي ومشاعري لأفرغ جلّ غضبي به، وكأنّني بذلك أتحدّت إلى صديق.

تغيّبت عن المحاضرات كالعادة، وبعد أن انتهيت من كتابة ما أشعر به قمت بتفقّد الطّلبات بالموقع، أجبت عن بعضهم وأعلمتهم بضرورة تحويل مبلغٍ رمزيٍّ إلى حسابي لأبدأ العمل.

بعد مدّةٍ زمنيّةٍ نظرت إلى ساعتي وشعرت بأنٌني أضعت وقتًا كافيًا لإقناع والدتي بأنّني أحضر محاضراتي وأثبت لها بأنّني مسؤول. 

عندما كنت سأخرج من الكليّة وجدت مجموعةً من الطلّاب يقفون بشكلٍ متوزٌع قرب المخرج ويقومون بتوزيع أوراقٍ، ولم يقوموا بتفويت طالبٍ دون إعطائه هذه الورقة، التي لا شكّ أنّها إحدى الحملات التطوعيّة التي تقيمها الجامعة.

وقفت في طريقي إحداهن، ذات شعرٍ أسود مجعّدٍ وناولتني الورقة التي تنصّ على أنّهم لن يقبلوا بدخول أيّ امتحانٍ آخر يعلمون بأنّه تمّ تسريب أسئلته لبعض الطّلاب، ثمّ قالت: «من فضلك، قم بدعم هذه المبادرة ضدّ موقع «كراكر» الفاسد، ولا تنسَ زيارة موقعنا ومتابعة جميع الأخبار بشأن هذه التّوعيات». أنهت كلماتها واتجهت بخطواتٍ سريعةٍ نحو شخص كاد أن يفلت من بين أيديهم ويخرج، ابتسمت في داخلي باستهزاء ورفعت بصري أرمقهم بنظرةٍ تنطق: «يا لكم من ملائكةٍ!» ثم عبرت من جانبهم دون أدنى تعليقٍ. 

فور وصولي إلى المنزل نزلت أتسلّل بهدوء إلى داخله، ولكن جلوس ديريك مع والدتي في غرفة المعيشة التي تقابل الدّرج جعلهم يلاحظون وجودي وقالت والدتي: «ألن ترحّب بأخيكَ بعد أن عاد من رحلة العمل؟» 

قلبت عينيّ بتأفّفٍ قائلًا من بين أسناني بنبرةٍ خافتةٍ: «بالطبع، وكيف لا وهو الأمثل.» ثمّ تقدّمت لمصافحته ببرودٍ عازمًا العودة إلى غرفتي بأسرعٍ ما يمكن. 

أردفت أمي: «ألن تسأله هل استطاع أن يربح القضيّة أم لا؟» 

زفرت بنفاد صبر، وأشرت له بيديّ أحثّه على الشّروع بالحديث، وكالعادة انفجر ساردًا إنجازاته بفخرٍ في حين تشكره والدتي بين كلّ كلمةٍ وكلمةٍ، هذا يكفي!

استأذنت من كليهما وصعدت إلى غرفتي بملامح مظلمةٍ، خاصّةً بعد أن أضافت والدتي في نهاية حديثه: «يجب أن تُعَّلِم جايكوب بعضًا من خبراتك، صحيحٌ أنّه يفسد أغلب الأمور، لكنّه مع ذلك استطاع دخول الهندسة كما تمنّينا، آمل أن يكون ناجحًا مثلك عزيزي ديريك!» ثم نظرت إلى عينيّ مضيفةً: «اتّخذ أخاك قدوةً!». 

صرخت بغضب: «تبًّا» ثم جلست بعنفٍ أقوم بفتح حاسوبي مُدوّنًا بعض الشّتائم التي شعرت بأنّني في حاجة لقولها، في أغلب الأحيان أشعر بالهدوء بعد أن أقوم بكتابة ما يخالجني، ولكن في هذه المرّة لم أستطع إخماد غضبي. 

فتحت «كراكر» موقعي المظلم، وقمت خلال ساعةٍ باختراق حساب أخي المصرفيّ. 

تمتمت بحقدٍ: «حسنًا ديريك، إن كنت محاميًا مذهلًا كما تدّعي، فأنا كراكر خارق» وقمت بتحويل رصيده إلى حسابي دون تردّد، أرني الآن كيف ستحلّ هذه القضية! 

أغلقت حاسوبي بغضبٍ وتجاهلت رسائل الصّفحة ثمّ نهضت متّجهًا لأخذ قسطٍ من الرّاحة، أسدل الليل ستائره واستفقت بعد بضع سويعاتٍ. 

نظرت إلى حاسوبي وتذكّرت ما قمت بفعله قبل بضع ساعات، لقد سرقت أخي! بدأت أتنفّس باضطرابٍ، ولكن فور تذكّري لطريقته المتعالية في الحديث ودعم والدتي المستمرّ له، بل عندما تذكّرت جميع المرّات التي نعتوني فيها بالفاشل ابتسمت برضا، ونهضت مُتقدّمًا لأجلس أمام حاسوبي وقمت بفتح موقعي الرّائع الذي أحقّق عن طريقه جميع إنجازاتي المذهلة، والتي لا أحد يقدّرها أو يعلم بها حتّى سحقًا!

نظرت إلى ورقة الاحتجاج ضدّ موقعي الغالي التي كان يوّزعها مجموعة المعاتيه صباح اليوم في الجامعة، رمقتها بغيظٍ، ثمّ قمت بكتابة اسم صفحتهم و فعلت ما توجب عليّ فعله، نعم، لقد أغلقتها. 

فرقعت أصابع يديّ ناظرًا بابتسامةٍ إلى شاشة الحاسوب المفتوحة على «كراكر» بإعجاب، ولكنّني لاحظت حركةً غريبةً، فقد تمّ إغلاق الموقع وفتحه مجدّدًا بشكلٍ سريعٍ، وعندما ضغطت على رسائل الصّفحة ظهرت لي بعض الإعلانات الغريبة. 

محاولة اختراق؟ من السّخيف الذي يحاول الولوج إلى عالمي؟ في الواقع، من الجريء الذي يرغب في أن أخرّب جميع حساباته وأغلقها؟ 

حرّكت رقبتي بشكل دائريّ فسمعت صوت طقطقتها، ثمّ شرعت في الضّغط على الأزرار وكتابة بعض الأكواد وتجهيز مخطوطاتٍ تخريبيّة، نظام الحماية بكراكر قويٌّ للغاية ويصعب اختراقه، أنا واثقٌّ.

عندما بدأت في شنّ هجومي لاحظت بأنّ نشاط الموقع عاد لسابق عهده فجأةً وكأنّ شيئًا لم يحدث. همست بسبب تراجع الخصم: «جبان!» ثمّ قمت بالدخول إلى الجزء الصّغير المخصّص ليومياتي وشرعت في كتابة باقي أحداث اليوم.

بعد أن انتهيت أغلقته وأقفلت حاسوبي، ثمّ اتّجهت إلى سريري كي أخلد إلى النّوم بأمانٍ. 

يتبع..

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top