الفَاتِنة

Chapter 01

'تقدم الأمير نحو مرقدها ليظهر له جسدها المتسطح هناك ,جفونها المنسدلة حاجبة عياناها, شعرها المتهاوي ببهتان على كتفيها ,أنفاسها المندثرة لا يسمع صوتها شهيقا كان ام زفيرا . أحنى جسده إلى جسدها سامحا لشفتاه بان تعانق خاضتها رادة لها الحياة '

حدقتان لامعتان كانتا خاشعتان تعبدا لحروف الكتاب الذي يعتنقه كفاها بينما شفتاها تحركت طواعية ناطقة بما هو منسوخ على صفحاته بصوت لم تلحظ كونه جهورا نقلت صداه حيطان القاعة التي تحيطها.

اِبتسمت و ِنقلبت عيناها حالمة ثم راحت ترج خصلاتها الدكناء كمعتوهة كل ذلك كان تحت نظرات شابة أخرى تنهدت بحسرة على حال صديقتها الميؤوس منها لكنها أطبقت جفناها بغضب ثم فتحتهم صارخة في وجهها

"اللعنة زوي! بدل مطالعة الكتب المعرفية التي تخص مصاصي الدماء على الأقل لتتزودي بما يكفيك في حياتك ما زلت تعتكفين هنا ساعات تحيطك كتب الأدب الرومانسية ثم تنتفضين بعدها كالمجانين متخيلة نفسك بطلة القصة, فقط اللعنة عليك " .

اِنتفصت المعنية لياقبلها جسد رفيقتها تطالعها بعيونها الحمراء الصارخة فقط ثوان و ستنقض عليها ,لذلك تأففت متمللة ثم اِستقامت بجسدها من الاريكة التي تهاوت اكوام الكتب المصفوفة عليها أرضا لكنها لم تعرها بالا بل تقدمت نحو النافذة متربعة هناك تطل على قصر عشيرتها الغفير

كونها تقطن قلعته استطاعت لمح الجموع المنتشرة في الساحة أمثالها اصحاب دماء مخملية انقياء ,يتدربون كلٌ يندفع مظهرًا خاصيته المختلفة عن الآخر

اِلتفت إلى صديقتها ثم اِبتمست ناطقة بمرحٍ

"إذن إيفي ما موضوع درس اليوم ؟"

خمدت ملامح إيفي المتهجمة فعندما يعود الأمر لها نقطة ضعفها هي زوي التي في مقام شقيقتها و أكثر ,يكفي أنهما ملتصقتان ببعضهما مذ اِنفصلت زوي عن والديها و أصبحت تعيش بالقصر الكبير.

ضحكت مستسلمة ثم قفزت ساحبة إياها إلى حضنها مربتة على رأسها بحنو أما الأخرى فحشرت نفسها بحضن صديقتها التي نطقت

"إنه درس الخواص الذي كنتي تتوسلينني حتى أقدمه لك "

بعد قولها هذا إيفي اِندفعت كلماتها دونما إنقطاع توضح لرفيقتها خواص مصاصي الدماء التي تنحصر في سبع خواص ,كل يولد بخاصية واحدة كما يمكن أن يشترك فردان في خاصية واحدة لكن الخواص هي من تحدد قوة و الكفاءة .

خاصية المتعقب تمكن صاحبها من تعقب أيٍ كان أي مكان كان ؛خاصية قراءة الأفكار ؛ الهيمنة الفكرية التي تخولك من التحكم بعقل خصمك ,كذلك خاصية التحكم بالمشاعر؛ بالجسد ؛القدرة على اِستعراض الماضي ,حيث أن صاحبها قادر على عرض ماضي الشخص من خلال لمسه؛ أما خاصية سحب الأحمر فصاحبها قادرعلى تغذية نفسه عن طريق سحب اللون المخملي من الأشياء ليعوض تعطشه للدماء.

"ماذا عني ؟ماهي خاصيتي ؟" كانت نبرة زوي حزينة اكثر من متسائلة كونها الوحيدة التي لاتعلم خاصيتها ذلك جعل إيفي تنظر بعمق نحو قرمزيتيها التي ستقيدك دون ان إفراج عنك إن غصت في دوامتهاطما الحال معها

"أبعدي عني عيناك زوي ,ثم إنّك مازالت شابة ستأتي الساعة التي تدركين فيها خاصيتك, قليل من الصبر فقط ايتها الفاتنة هكذا يناديك تين أليس كذلك ؟ "

"متأكد لم تكن هلوسة لقد سمعت اِسمي "

أطل عليهم تين بملامح مبتهجة لكنه برمشة عين سحب زوي و غدوا بساحة القصر بعد أن خرجوا من القلعة ؛وقتها زوي قفزت تضربه على رأسه مازحة حتى راحو يجولون بين جموع المتدربين وتين اِستمر بالثرثرة لكنه اِلتفت عندما لم تلتقط زوي دفة الحديث عنه لكنه لم يلق ظلها حتى

زوي كانت قد سارت مبتعدة و توقفت أمام بوابة القصر المحمية بحاجز سحري يمنع غير المنتمين للعشيرة من اِختراقها

طالعتها متأملة لكنها لا تدري لما في كل مرة تتجول بها تجد نفسها منتصبة أمامها تواقة تدفعها سريرتها لإختراقها و المضي نحو تلك الطاقة الهوجاء التي تستميلها ,تلك الموسيقى ,ذلك اللحن الضعيف الذي يرن بأذنيها فتجد نفسها تتقدم أكثر لكنها تعود أدبارها فهي محرومة من مغادرة أسوار القصرو قلعتها لسبب يجهله الجميع عدا زعيمهم.

͟

بين أحضان غابة ظلماء تلحفت أوراق فأغصان أشجارها الصنوبرية بحلة سوداء تمينا بإسمها -الغابة السوداء- محدثة تناقضا و اسم قاطنيها -العشيرة البيضاء-الذين قد تجمع حشد منهم أمام منزل زعيمهم منتظرين بشيرة تطمئنهم عن حاله

كان رجلا ستينيا يفترش سريره ببهتان بعدما خُطفت ألوان بشرته و تداعى جفناه على وشك غلق ستارتهما على عيناه , شهقاته ظلت متصاعدة تليها زفراته لا إدغام يمنحها صوتا مسموعا

جسده كان مدثورا بعمق تحت بطانية ثخينة عدا يده التي كانت محبوسة بين كفين ناعمين يعودان لذلك الشاب الذي لم يبرح كرسيه ذاك منذ ساعات ,لا يرضى ترك تلك اليد تسقط متهاوية كصاحبها

خصلاته الكحلية التي تتخللها أخرى مخملية صارخة كحال حدقيته كانت قد ذبلت اسىً منسدلة على وجهه المتطبع بأمارات الحزن .

"لا داعي للمكوث معي بيكهيون على كل حال لم تتبقى لي سوى دقائق سأُفنيها ناطقا بوصيتي لكَ"

بالكاد اِستطاع نصب عمود كلماته لتقويم جملته التي على أثرها اِحتدت ملامح ولده رافضة لما قاله و إن كان صدقا ,هو يكذب ما يراه الآن و إن كان حقيقة .والده الذي لطالما وقف منتصبا بجبروته بعظمته التي أخدمت نار حرب كانت على وشك أن تقام بين العشيرتين, والده الذي جعله يمتنع عن سفك دماء أبناء العشيرة الأخرى يراه الآن أمامه ينطق بكلماته الأخيرة .

"لقد ظننتني اِقترفت جرما عندما خنت عشيرتي المخملية و تزوجت ببشرية لكنني عندما رزقت بك أدركت العكس تماما ,حتى و إن كنت صاحب دماء بيضاء ملعون كمثلائك من البيض لازلت نعمة تماما كما همست بها والدتك التي توفيت بعد ولادتك. أنت نعمة بيكهيون " .كان الزعيم بيون يكافح غزوات انقطاع أنفاسه حتى ينطق بتلك لوحيده حتى أن يده المرتجفة قد اِمتدت مربتة على خاصته

"كلّي ثقة بأنّك قادر على فك لعنتكم فقط جد الفاتنة المنتظرة لفك اللعنة وقتها لن يسيل الأبيض من جرجك فسيلوّن بالمخملي عندها يختتم الصراع، تطوى صفحة الحرب و كتابنا المدنس بالاثام ".

"كيف لي أن أجد هذه المنتظرة بين آلاف مصاصي الدماء والدي ؟ كيف ؟ "

وإن كانت المآقي لا تنزف بدمعها يكفي أنّ حروفه تنتحب غارقة بغيثه الذي لا يأبى الإنقطاع جاعلا من مشاعره تتخبط بين أمواجه مستنجدة باغاثتها.

"ما دمت ستغدو الزعيم بعدي فإن أيسرك سيحكم على أيامك بأن تسير على نهج يقودك نحوها و يقودها نحوك , ثم إن روحك بلقائها لن ترضى فراقها بل ستبقى متشبتة بها حينها الخلاص "

بآخر كلمة نطقها حلق معها نفسه الأخير متحتضنا روحه التي فارقت جسده غدا بعدها جثة هامدة يحتضنها بيكهيون بقوة الآن لا يرضى تركها

اِقترب منه شيومين الذي كان يراقب ما حدث سابقا من بعيد فإنحنى مربتا على كتف رفيقه حتى سحب جثة والده الساكنة من أحضانه و وارى عنها الغطاء كما يوارى التراب.

بيكهيون الذي لم يذرف دمعه و للآن حرك جسده المتخاذل بخطوات صغيرة خارج بيته مطلًّا على ذلك الجمع الذي ينتظر فقط خبرا واحدا منه وإن كان مأساةً.

"والدي الزعيم قد قضى نحبه و عينني أنا لاكون زعيمكم الآن".

_

كانت الساعات قد توالت عقب بعضها فهاهي ذي زوي تقف شاهدة على فناء حلقة السماء الساطعة و اِندثار نورها لمَّا قبلت سطح الافق البعيد , ثم إنّ الشمس لَتذكرها دوما بنفسها ساطعة دافئة حتى تتوارى مختبئة ليلا بين جداران قلعتها .

حركت قدماها قاصدة مكانها المفضل الذي لن تمل لوظلت تعتكفه أمد الدهر 'مكتبتة القصر', دفعت بابها الكبير لتقابها قاعة فسيحة تتوسطها طاولة طويلة عادة ما يقصدها القراء لمطالعة كتبهم لكن هذا المكان قد تبرأ منه الكثيرون عدا زوي التي تبنته و جعلت نفسها تزوه كل عشية

جالت ببصرها على طول الحيطان التي دفنت بعمقها رفوف عجّت بكافة أصناف الكتب لكن ما خطف بصر زوي و اِهتمامها هو كتاب بحلة قديمة لذلك هي قفزت إلى مستواه ثم اِلتقطته عائدة إلى الطاولة

مسحت يديها على واجهته وكم شدّها اؤسمه 'تاريخ العشيرة البيضاء' ,لم تنتظر ثانية أخرى حتى وجدت نفسها طواعية تقلب صفحاته متفحصة كل كلمة قد نسخت عليها فكل ما يخص البيض كان يجذبها , كانت دوما راغبة بسماع قصص عنهم لكن لم تجد من يروي فضولها فقد نهاها الكل عن التعمق بتاريخهم كونهم أنداد لهم كما أنها لن تبلغ القاع مهما تعمقت في بحثها عنهم ؛ لكنّ هذا الكتاب كان كافٍ لسدّ رمق فضولها .

"لطالما نهيتك عن مجرد الاقبال على تصفح هذا الكتاب لكنك تملصت مني ولا شك أنّ جفونك قد إتسعت على طولها لما نقلته لكِ تلك السطور "

لقد كان هذا صوت الواقفة عندها والتي قطعت خلوتها لكنها فقط استدارت لها و سحبتها لتجلس إلى جانبها ,هي فقط تودّ أحدًا يستوضح لها ما تلقته عيناها ,لذلك سئلت لعلها تلقى إجابة

"إيفي فقط أخبريني لم دماؤهم بيضاء؟ لما هم ملعونون ؟"

"إنّهم هجناء على عكسنا نحن الأنقياء. منذ أمد بعيد كان مصاصو الدماء عشيرة واحدة متمثلة بعشيرتنا ,توارثوا دماءهم النقية عن آبائهم, لكن مع بداية اِختلاطنا مع البشر البعض منا قد إتخذ منهم شركاء لهم وقتها وقعت اللعنة التي تقضي بأن يكون أولادهم أصحاب دماء بيضاء, لكن المشكلة تكمن في أنّ هؤلاء البيض لا يتعطشون لدماء البشر أو الحيونات مثلنا بل يتعطشون لدمائنا نحن المخمليون و ذلك أقام صراعا أمديا بيننا لن تهدم أعمدته إلّا بفك اللّعنة "

إيفي قد قابلتها عيون زوي الخاشعة و كلامها لكنها اِستوقفتها متسائلة بعد أن اِقتربت نحوها أكثر

"كيف تفك اللعنة ؟"

"هناك فتاة تتميز بكونها حاملة لجميع خواص مصاصي الدماء تلك الوحيدة القادرة على فك اللعنة ,لا ندري متى قد تظهر فنحن لا نعلم عن الباقي شيئا ، فقط أطبقي هذا الكتاب لأنه بالنسبة لنا كابوس أدهم لن ينفك يطاردنا "

كانت زوي قد سحبت جسدها من هناك و سارت بعيدا عن المكتبة قاصدة قلعتها لكن فكرة قد لاحت ببالها ,فهي ترى أنّه مادام الليل قد رمى برواسيه على صفحة السماء فهذا هو الوقت المناسب لمغادرة القصر و نيل جولة سريعة بعيدا عن حدوده.

قادتها سيقانها نحو الأسوار الخلفية مبتعدة عن قلعتها بكثير, و لكن ما إن تجهزت لتقفز من ورائها حتى قوطعت بصوت إيفي مرة أخرى في هذه الليلة

"عودي إلى مكانك صغيرتي يبدو أنك تناسيت أنني حاملة لخاصية المتعقب فلن تخطي خارج هذه الجدران إلّا و أنا أعلم بذلك "

لم تملك زوي خيارا آخر غير الذي هذا فاستدارت ناحيتها ثم جثت على ركبتيها ملصقة كفيها ببعضها متوسلة لعلّها تستميلها لتسمح لها بقضاء قليل من الوقت لوحدهاخارج سجنها هذا.

" أنا أعدّك إيفي لن أبتعد فقط جولة قصيرة أُروِّح بها عن نفسي وإن حدث لي مكروه فأنتِ تستطيع معرفة ذلك و تعقب مكاني ".

بالفعل إيفي هنا خسرت عندما ترجتها زوي فما دامت هي الفاعلة فهي ستخسر لا محالة أمام ملامحها اللطيفة ,لذلك تنهدت بتعب ثمّ اومات للأخرى الّتي بسرعة قفزت خارج القصر و مضت راكضة بين الأشجار بسرعة لن تخول أحدا من لمح جسدها

هي أحست بجسدها يعانق الحرية و إن كان لوهلة ,أعجبها شعور نسيم الليل يداعب وجهها ,صوت نهام البوم الذي يهّل على مسامعها ,و كذا حدقتيها القادرة على تلمح جمع النمل و إن كانوا بمساكنهم ,هي لم تكره كونها مصاصة دماء ,هي تكره فقط اِحتجازها داخل ذلك القصر كأنّها وباء يخشون طغيانه في الأرض

توقفت متيبسة مكانها عندما أحست بحركة على مقربة منها ,بصرها تحرك شاخصا المكان و آذانها اِنتصبت لعلّها تمسك أثر الصوت مرة أخرى .

عادت تلك الحركة و هي اِستدارت نحو بؤرة إنطلاقها لكن قابلها حفيف الاوراق و حترشة بعض الحشرات , هي لم تبرح مكانها و قد كانت مستعدة للهجوم فحتى و إن كذبت ما وقع على مسامعها هي لن تستطيع التغاضي عن الحرب القائمة بدواخلها تنبئها بوجود طاقة غريبة بالمكان .

تتبعت مصدر الطاقة متوجسة بحذر حتى وصلت إلى بقعة نور خالية من ظلال الأشجار و عندما رفعت رأسها قابلها البدر المنير الذي سرحت تطالعه غير عالمة بذلك الجسد الذي اِنسحب مبتعدا عنها بعد أن اِستمتع بإيقاض خلدها النائم .

يتبع...

رأيكم بالفصل كبداية ؟

زوي و ايفي ؟

بيكهيون ؟

رايكم بفكرة الرواية الغريبة ؟

ألقاكم بالفصل القادم بإذن الله

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top