XXVI
بِداية يومٍ جديد، يكادُ ينتهي و يُنهي العام معه.
أليسَ الوقتُ يمُرُّ سريعاً؟ قد لا يكون كذلِك بِالنِّسبة لِجميع النّاس؛ و لكِن بلا، إنّهُ كذلِك بِالنِّسبةِ لي، لِهذا لا أحصُل على فُرصةٍ لِلإستمتاع بِوقتي.
لا فُرصة لِلـرّاحة؛ و لا العمل، فَكُلّ شيءٍ بدأ يُصبُّ فوق كاهلي و كأنّي الوحيدُ الذي يجدُر بِه أن يعمل بينما الجميعُ ذهبوا لِلمرح و اللهوا.
ليس كثيراً إنّما الأمرُ بدأ يُتعِبُني مُنذ سنتين، و الآن بدأتُ أكرهُ الأمر و ما هو عليه.
و عائِلتي لا تُساعِدُني مُطلقاً؛ أنا حقًّا مُنزعِج، لِأنّي أُعامل كَـآلةٍ لعينة.
الأمرُ فقط يتحسّن عِندما أكون بِجانِب ذلِك الشابّ، لا عائِلةٍ و لا أصدِقاء مُقرّبين يجعلونني أشعُر كما يُشعرني عِندما أكون إلى جانِبه.
قد أصغرهُ سِنّاً لكِنّي صديقُه، و الجميعُ يكره حقيقة أنّي أُماشي شخصًا يكبِرني سِنّاً، فرقُ سنةٍ لا يُغيّرُ شيء.
عِندما يحتضِنُني مِن خلفي مُحيطاً خِصري بِذراعيه أثناء عملي، ذلِك ما يحثُّني لِلإسترخاء فِعلاً.
كان دوماً يُفاجِؤني بِظهوره في مكتبي، بِالرُّغم مِن أنّ كِلينا يعمل في نفس المبنى، لكِنّهُ في الطابق العُلويّ. تبسّمتُ بِخفّة مُفكِّراً بِه أثناء طِباعة الأوراق "من يشغِلُ بالك؟" صوته ظهر مِن خلفي فأقفِزُ فزعاً عِندما أمسك بِخصري.
تِلك الضِحكةُ الصّاخِبة؛ كم أنا واقِعٌ لِأجل بسمتِه "مُضحِكٌ جِدّاً؛ في الواقِع، كُنتُ أُفكِّرُ بِك." ارتفعا حاجِبيه تعجُّباً عِند نِهاية جُملتي، لكِنّهُ لا يزالُ يبتسِمُ بِعُمق "حسناً يا جميل، أترغب بِمُرافقتي إلى أحد المطاعم؟ إنّها تُقارِب السابِعة الآن على أيّ حال."
اِستدرتُ ساحِباً آخِر ورقةٍ قد طُبِعت، و ما زال يتمسّكُ بِخاصِرتي "لا مانِع لديّ، إنتهت فترةُ عملي مُنذ دقائِق." أنهيتُ حديثي، فاقترب طابِعاً قُبلةً على فكّي "رائِع، سأكون بِانتظارك عِند سيّارتي!" و لقد رحل!
أكانت تِلك قُبلةً لِلتّو أم أنّي أتخيّل؟ أيفعلُ هذا مُتعمِّداً لِعِلمه بِأنّي واقِعٌ لِأجله، أم لِرغبته بِفعل ذلِك؟
إستدرتُ مُحدِّقاً بِه يخرُج مِن مكتبي الزُجاجيّ -و الذي أظُنّ بِأن زُملائي كانو يحدّقون بِنا عبره- بِـبِدلته الرسميّة الضيّقة على جسده، مُبرِزة عضلات صدرِه كما استدار مُتبسِّماً؛ ثُمّ غادر مُستخدِماً المِصعد.
استدركتُ الأمر سريعاً مُستديراً لِأضع الأوراق بيدي في أحد الملفّات بِعشوائيّة؛ ساحِباً مِعطفي و مفاتيحي مِن فوق المكتب خاصّتي لِأُغادِر واضِعا المِعطف فوق كتفي، مُقفِلاً مكتبي الخاصّ.
مُهروِلاً نحو السلالم كي لا أُجاوِب استجوابات زُملائي في العمل؛ فالأمرُ حقّاً بدأ يُصبِحُ سخيفاً كُلّ مساء.
وصلتُ أخيراً لِمصفّ السيّارات حيثُ كان يتّكِئ على سيّارته اللامبورغيني الزرقاء -مع خطّين مُتوازيين على جوانبها- يُدخِّنُ أحد سجائِر نيوبورت ذات الرّائِحة المُزعِجة الجميلة.
المُربِكُ بِالأمر أنّ عينيه كانت تتفحّصُني أثناء إقترابي مِنه، حزقتيه الفاتنِتين لَم تترُك جسدي و لو لِثانيةٍ واحِدة "أنذهب؟" نطقتُ بِرعشةٍ سرت في جسدي إثر إحاطته لِجسدي مُقرِّبني مِنه.
يُمسِكُ بِالمِعطف الذي كان يستقِرُّ فوق أحد أكتافي لِيُلبِسني إيّاه "فلنذهب الآن." هامِساً بِهدوء تارِكاً بِحّة صوته لِتُدمِّرني، رِفقاً بي يا وسيم!
نبيلٌ لِلغاية؛ وسيمٌ جِدّاً، حنون و مُضحِك، أجِدُه الرجُل المِثاليّ، لكِنّهُ لا يرى نفسهُ كذلِك. لطالما رأى نفسهُ مُهمِلاً، فوضويّاً و تعيس؛ رُبّما لن أستطيع تغيير نظرتُه بِنفسه، لكِنّهُ حقّاً عكسُ ما يظُنّ.
إنّهُ تِلك الروح التي تضُمّني كُلّما تبعثرت و تحطّمت؛ بالنِّسبةِ لي، هو أكثرُ مِن مُجرّد شخصٌ في هذا العالم، إنّهُ السّعادة الخاصّةُ بي، هو ملاكٌ مُجسّد على هيئة بشر.
"هل أنت بِخير؟" صوته جعل أفكاري تتلاشى، فتعمّقت إبتسامتي الغبيّة كما نظرتُ إليه "نعم، بِأفضل أحوالي!" عضضتُ شفتي مُحاوِلاً إخفاء تِلك البسمة الحمقاء لكِنّهُ رآها بِالفعل.
كان العشاءُ لذيذاً لِلغاية، لكِن فقط رؤية وجهه أمامي تجعلُني أتلذذ بِالطعام، كونه معي يجعلُني أُقدِّر كوني قادِرٌ على امتِلاكه من بين جميع النّاس.
قريبٌ مِن مُنتصف اللّيل توقّفنا خلف الحديقةِ العامّة حيثُ قِلّةً مِن النّاسِ يتواجدون؛ جلسَ على الأرضِ ساحِباً إيّاي لِأكون بِحُضنه "لو؟" همهمتُ خَجِلاً، لكِنّهُ إحتضنني أشدّ لِأستند على صدرِه "نعم، حبيبي؟" قُبلةٍ طُبِعت على فكّي مُجدّداً، فَـاسترخيت بين يديه كما ترك المزيد مِن القُبَل على وجنتي اليُمنى.
"هارولد، لا تهتمّ لِتِلك النّظرات مِن الغُرباء؛ دعهُم يحكمون عليكَ، في النِّهاية مُعتقداتهم لَن تُنقِص مِنك شيئًا، أنت مِثاليّ." تلت ما لفظَ بِهِ قُبلةً على جانِب شفتي حيثُ كُنت أنظُر لِجانبي و لكِن كُلّ ما استطعتُ رؤيته هو شفتيه.
تأثيرُه الخاصّ بِه عليّ غريب، يُفزِعُني في أحيانٍ كيف أنّه لن يتحدّث، لن يُلامسني، لن يقترِب مِنّي؛ فقط إستدارتُه لِلنّظر إليّ تجعلُ قلبي يخفقُ أسرع من مُعدّله الطبيعيّ لِلنّبض.
"أنا أُقدِّسُ كُلّ لحظةٍ نتشاركُها، حتّى و لو لم تكُن بِتلك الأهميّة؛ بل فقط لِأنّني أتشاركُها معك، كَـتبادلُنا الرسائل قبل النّوم، كَـحُضنٌ بيننا كُلّ صباح، أعيشُ لِرؤية إبتسامتُك تتعمّق بعد كُلِّ نظرةٍ عشوائيةٍ بينُنا." و فجأةً، قد كان ابتدأ حديثاً تركني مع دهشةٍ و خجلٍ يتآكلانني.
إبهامُه إرتفع مُحرِّراً شفتي السُّفلى مِن بين قواطعي العُليا، ليمسحُها بين كُلّ فينةٍ و أُخرى ناشِراً قشعريرةٍ و حرارةٍ شديدة إلى جسدي "بِالرُّغم مِن كِثرة وجودنا معاً، إلّا أنّي أستمِرُّ بِالتساؤل؛ لِمَ أشعُر بِالنّقص عِندما لا تكونُ إلى جانِبي؟"
"لِماذا أشعُر بِالسّعادة لِرؤيتك تبتسِم فقط؟ و لِمَ تملُك هذا التأثيرُ عليّ؟ لِمَ تُسكِرُني بِهذا الشكل؟ إلّا أنّي لَم أجِد تفسيراً عدا.." أسندتُ رأسي على كتفِه كما استمرّ بِمسح إبهامه على شفتي "أنّي واقِعٌ لِهاتين الكرزيّتين و المجهورتين اللتين تعتليهُما." فور اِنتهاء جُملته، أُطلِقت الألعابُ الناريّة لِتنفجر في السماء.
ليصرُخ الجميع مِن على بُعدِ مسافةٍ بِـ"سنةٍ جديدة سعيدة!"
"و هاقد بدأت سنتي بِك." هامِساً مِن خلفي، يديه كِلتاهُما تشابكت مع خاصّتيَّ، و مع استِدارتي لِلنّظر إليه، أخذت شفتيه بِخاصتيّ بينهُما و تركهُما لِيصدُر صوت القُبلة، فيهتاجُ قلبي لِذلِك "أُحِبُّك." تمتم دافِناً رأسُه في عُنقي.
لم أرغب بِأكثر مِن ذلِك لِيبدء بِه عامي الجديد؛ ما قد يكون أفضلُ مِن إعتراف، قُبلٌ و احتِضانٌ مِنه؟
"أُحِبُّك."
→Done←🎊
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top