LXV




"حَتَّى عِندما ينطَفِئ القَمَر و تسقُط النُّجوم مِن السَّماء، عِندَما تجفُّ المِياه و يُعمى العالم؛ سَـأُحِبُّكَ حَتَّى الأبديَّة."

-

"ارحم عينيك ولو قليلًا." همس ليام مُقهقِهًا.

كُنتُ أنظُر إليه يجلُس على الأريكة مُحاطًا بِـالمُعجبين المولعين بِـأعماله، أستطيع سماع ضحكاتهم رُغم المسافة والموسيقى وأحاديث الضّيوف.

لَـٰكِن بِالنِّسبة لي كان المكان هَادِئًا، هادِئًا كِفاية لِأستَمِع لِـضحكته هو مِن بين الجميع؛ أُشاهِد عينيه وابتِسَامَته السَّاطِعَة تجعلُ المكان أكثر جمالًا.

"لوي." همس ليام مُجدَّدًا، ثُمَّ تنهَّد مُستَسلِمًا "لِماذا لا تذهب وتتحدَّث معه؟" هذا كان ما جعلني أُبعِد أبصاري عن حُبّ حياتي أخيرًا و أنظُر إلى ليام.

"تظنُّ أنَّني لَم أُحاول؟ إِنَّهُ يدفعُني بعيدًا، و أنا أُريدُه أكثر هكذا."

نظرتُ هُناك مَرَّةً أُخرى، لَكِنَّهُ اختفى، بحثتُ عنه في الأرجاء لَكِنَّني لَم أجده بين الضيوف؛ فَـزفرتُ بِيأس ورفعتُ كأس النَّبيذ خاصَّتي و أنهيته.

"دعنا نعود لِلمنزل." أخبرت ليام، ومشيتُ مُبتعِدًا عنه.

"تستسلم من الآن؟"
"أنا لا أستسلم ليام، لكِنَّني مُرهَق اليوم."

في طريقي لِلخارج، رأيتُ قدميه تمشي عكسي، ذاهِبًا عودةً لِلدَّاخل لِلحفلة.

توقَّفتُ مكاني و رفعتُ عينيّ عن الأرض، هو وقف مُحَدِّقًا بِي وكِلانا صَامِتان. ثُمَّ تحدَّث ليام "سَـأكون في السيَّارة، سُرِرتُ بِرؤيتك سيّد ستايلز." ثُمَّ رحل وتركنا.

"أنتَ راحِلٌ بِالفعل؟" سأل، كُنتُ سَـأُجيبُه، لَـٰكِن رَجُلٌ ما اقترب مِنه وكان وسيمٌ جِدًّا، أحاط ذِراعُه حول خصر هاري خاصَّتي لِـتسقط ابتِسامتي الخفيفة بل وتتحوَّل لِـملامِح غاضِبة عِندما نطق "مرحبًا، هارولد."

"نعم، أنا راحِلٌ الآن." أنا أجبتُه، هو همس لِـلرَّجُل هذا "هَلّا أعطيتني لحظة؟ سَـأكون معك في غضون دقائق." لِـينحني هذا الضَّخم و يُقَبِّلُ رأس هاري ثُمّ يرحل.

لَكِنَّنِي كُنت بِالفعل قد تحرَّكت قبل أن يرحل "سيّد توملينسون، أرجو أنَّكَ استمتعت بِبقاؤك هُنا و بِضيافتي؛ كما أرجو أنَّكَ سَـتخرُج مِن حياتي لِلأبد." نطق هاري مِن خلفي.

توقَّفتُ عِندما سمعت ذلك، قلبي انقبض بِألم وشعرتُ بِالخيبة تُثقِلُ كاهلي؛ لَـٰكِنَّنِي استدرتُ إليه بِابتِسامة ومُقهقهًا "اسمع يا هاري، لا تظُنّ أنَّني أتيتُ هُنا لِأجلك، لقد تمَّت دعوتي مِن قِبَل ضيف مِن ضيوفك ومِن الأدب أن أقبل الدَّعوة لِذا أتيت رُغم كوني مشغول بِالأعمال الكثيرة، لا تقلق، لن أظهر أمامك مرَّةً أُخرى."

هو لايزال لا يبتسم، لا أستطيع قِرائتُه بعد الآن، لا أستطيع معرفة مَشاعِرُه كما اعتدت أن أفعل سَابِقًا؛ لقد تغيَّر كثيرًا.

"جيّد جِدًّا، وداعًا الآن." هو قال واستدار مُبتَعِدًا لِـيتركني وحدي، حينها أبعدتُ الإبتِسامة المُزيّفة وحدَّقتُ في الأرض بِـعينين تشتَعِلان غضبًا وحُزنًا.

أنا سَعيدٌ كونه تغيَّر هكذا، لَـٰكِن لِماذا يستمِرُّ بِدفعي بعيدًا بِهذه القساوة؟ قلبي يؤلِمُني عِندما أراه لطيفٌ جِدًّا مَع النَّاس، يبتَسِمُ ويضحك، لَكِن ليس لي أنا. عينيه تُصبِحُ أبرد تِجاهي والإبتِسامة تتحوَّل إلى غضب، أُريدُه كُلَّهُ لي، أُريدُ أن يبتسِمُ لي كما يفعل لِـغيري، أرغبُ بِجعله يضحك أيضًا!

..

جَالِسٌ خارِج مطعمي المُفضَّل بِـسيجارة بين شفتيّ، أُرَبِّتُ على كتفي و أُخبِرُ نَفسي أنَّ كُلَّ شيء سَـيكون بِخير؛ لَـكِنَّنِي عَميقًا في داخِلي أعلم أنَّني سَـأنهارُ قبل أن يتحسَّن كُلّ شيء.

كما أعلم أنّ انهياري لا يعني ضعفي، والإنتظار يستحق كل العناء.

لقد مضت أيَّام مُنذ تِلك الحفلة، أردتُ الذَّهاب والحديث معه لَكِنَّني أعلم أنَّهُ سَـوفَ يدفَعُني بَعيدًا كَالعادة.

و بِالحديث عنه..

"لوي!" نظرتُ إلى جانبي الأيسر حيثُ كان يقف هاري بِـعينين مُتَّسِعتين يرمِقُ السِّيجارة والدُّخانُ يخرجُ مِن بين شفتيّ، اتَّسعت عيناي و أطفأتُ سيجارتي ورميتُها أرضًا لِأدهسُها بِـفزع.

نظرتُ إليه مُجَدَّدًا "مُنذ متى تُدَخِّنُ، لوي؟!" تسائل بِانفعال وشعرتُ بِانقباض قلبي، لكِن بِحُبٍّ هذه المرَّة "مُنذ اليوم..؟"

"توقَّف عن ذلك، لوي، أنت تعلم أنَّهُ ليس شيئًا جيّد." ثُمَّ تحدَّثت وَالِدَتُه "لن ينفع معه، عزيزي، حاولت إيقافه لَكِنَّهُ أصرَّ على التدخين فَـطردتُه مِن مطعمي." آن قالت كما وقفت أمام الباب.

حَدَّقتُ بِها بِـانزعاج "كان ذلك وَقِحًا، أنا زبونٌ هُنا وكان يجب عليكِ تقديم الطَّعام لي لا طردي." هي أتت إليّ بِـطبق وجبتي المُعتادة ووضعته على الطَّاولة أمامي "هاهو طعامك، لا تُدَخِّن في الدَّاخل."

ثُمَّ رحلت عودةً لِداخل المطعم، نظرتُ إلى هاري فَـوجدته يرمقني لِذا أبعدت أبصاري عنه "لِماذا لا تزالُ تُقابل والدتي؟ تعلم أنَّها تُحِبُّك لَكِنَّك تؤذيها."

هاهو مُجَدَّدًا يجرحُني بِـكلماته "وماذا تُريدُني أن أفعل مثلًا؟ أمحي وجودي مِن على الأرض؟ أنا هُنا لِأنَّنِي يجب أن آكُل، يجب أن آكُل لِأعيش!" هتفتُ بِـغضب لِـيبقى هو صَامِتًا ثُمَّ يُتمتم بِـهدوء "أرجوك تناول وجبتك ثُمَّ ارحل، سَـأُخبر والِدتي أن تتوقَّف عن استقبالك في مطعمها أيضًا، وداعًا."

تنهَّدتُ كما حَدَّقتُ في المكان الذي كان واقِفٌ بِه، أعلَمُ أنَّنِي قُلت لن أستسلم؛ لَـكِنَّهُ لا يُريدُني هُنا وأنا لا أرغب بِـإزعاجُه.

شاهدتُ مِن خلف الزُّجاج كما وضعت له وَالِدَتُه وجبةً أيضًا وجلست أمامه، ابتسمتُ كما حَدَّقتُ بِـكليهما يتحدَّثان كما تناول هاري وجبته وأنا كُنت مُشتَّتًا عن طبقي.

حَتَّى عِندما كُنت أتناول طعامي استمررتُ بِالنَّظر إليه، رَغِبتُ بِـالجلوس إلى جَانِبه لكِنَّني أعلم أنّ هذا لن يحدُث. رَغبتُ بِـالتَّحديق بِه لِلأبد لَكِنَّهُ عِندما نظر إليّ غصصتُ بِـطعامي وسعلت.

لَم أنظُر إليه بعدها، لِأنَّنِي أعلم أنّ لو النَّظرات تقتل لَـكُنت ميّتًا الآن؛ ورُبَّما لِهذا غصصتُ بِـالطَّعام، كان يُحاول قتلي!

أنهيتُ وجبتي وعُدت داخِل المطعم، وقفتُ أمام الباب مُحَدِّقًا فيه ووالِدته؛ كان المكان هَادِئًا الآن. اقتربتُ مِن كِلاهُما لَكِنَّنِي كُنتُ إلى جانب كُرسيّه هو.

"شُكرًا على الوجبة، سيّدتي.. و لن أعود هُنا كما طُلِب مِنّي، لا داعي لِلقلق." رفعتُ قبضتي، أردتُ مُصافحته لَـكِنَّنِي أخفضتُها سريعًا، هو حَدَّق بِـقبضتي "وداعًا." أنا قُلت.

خرجتُ مِن المطعم بِـالخيبة ذاتها مُتضاعفة تُثقِلُني، قلبي المُتحَطِّم لا أعلم كَـم يستطيع أن ينكَسِرُ أكثر.

لاحِقًا ذَلِك اليوم طلبتُ مِن ليام البقاء إلى جانبي لِأتحدَّث معه وأُخرِجُ مشاعري كُلَّها له لَكِن انتهى الأمر بِنا نضحكُ ونمزح معًا لِأنَّهُ حَتَّى هو كان حزينًا، ثُمَّ نُمنا معًا سعيدان.

..

"سيّد توملينسون، لديك ضيف." تحدَّث حارِس بوَّابة منزلي عبر الهاتف لِأُجيبه "أدخله."

خادِم المنزل خاصّتي -توماس- سَـيعتني بِالضيف أثناء ارتدِائي لِملابس مُناسبة، لَم أهتم كثيرًا بِـمظهري لَكِنَّني ارتديتُ ثيابًا فقط.

عِندما خرجتُ مِن غُرفتي إلى صالة الإستقبال خاصَّتي رأيتُ هيئته، كان يَقِفُ مُراقِبًا المنزل، ورفضَ عِندما طلب مُنهُ توماس الجلوس.

ظننتُ أنَّنِي أتخيّل الأمر لَـكِنَّهُ استدار مُحَدِّقًا بِي، عينيه تقودني لِـلتقدُّم إليه لَكِن جسدي واقِفٌ مكانُه في صدمة، كيف يطلبُ مِنّي أن أبتعد عنه ثُمَّ يأتي هُنا بِنفسه؟

لَكِنَّهُ هاري، هو بِالطَّبع لَم يأتِ هُنا لِأجلي.

"هل لديك المزيد مِن العِتاب والكلِمات المؤذية أردت رميها عليّ قبل أن أترُكك لِلأبد؟" تبسَّمتُ بِـسُخرية وبِألم، أتقدَّم إليه و أَقِفُ أمامه.

"هل هذا ما تظُنّ؟" سألني، أرى عينيه تتفحَّصُني كما كانت مُحاطَةٌ بِالإحمرار و مُغرَّقة دمعًا. "وهل لي أن أظُنّ بِـشيءٍ آخر؟ كُلَّما حاولتُ الحديث معك تدفعُني في هاوية أُخرى، تُعطيني نظرتُكَ القاتِلَة وترمي كَلِماتُكَ السَّامة على قلبي الضَّعيف."

هو ابتسم "أعتَذِرُ عن كوني قاسٍ عليك، ثلاث سنوات ولازِلتُ أتألَّم." ونظرتُ بعيدًا عنه، إن كان هو يتألَّم، فَـمَاذا أقول عن نفسي؟ "لستُ أفضل حالًا مِنك، سيّد ستايلز."

"ظَنَنتُكَ وعدتَني أن تَكونَ نَجمًا مُشِعًّا حَتَّى رُغمَ العتمة المُحيطة بِك، مَا لَكَ انطفأت؟" همسَ بِـهدوء، صوتُه يجعلُ قلبي في فوضى، جسدي لَم يشعُر بِهذه السَّكينة مُنذ مُدَّة "لِأَنَّ حَتَّى النُّجوم تحترق، بعضُها تسقُط لِلأرض أيضًا."

جلستُ على الأريكة خلفي، عينيّ تُحَدِّقُ في كُلّ شيءٍ عداه "رأيتُ أنَّكَ لاتزالُ ترتدي الخاتم الذي أهديتَهُ لك، رُغم كونك تكره الخواتم." هو قال، ونظرتُ إلى إصبعي فورًا حيثُ أحاط بِه ذَلِكَ الخاتَمُ الفضيّ اللَّامِع.

"نعم.. إنَّهُ نوعًا ما خاتَمٌ مُميّز، لَم يفقد بَريقُه رُغم استِخدامي الدَّائِم له، لَهُ مَكانَةٌ خَاصَّة في قلبي." أجبتُه، هو أتى وجلسَ إلى جانبي. رفع قبضته ووضعها على خاصَّتي يُمَرِّرُ إبهامه على العروق البَارِزة.

"أعلمُ لِمَ دفعتَني بعيدًا عنك وقطعتَ عِلاقتُك بي، أعلمُ أنَّكَ كُنتَ تُحارِبُ المرض وحدك ولم تَرغَب بِـإيذائي، لَكِنَّكَ بِخير الآن؛ وأنا لا أهتَمُّ أبدًا إن كُنتَ مَريضًا أم لا، سَـأتمَسَّكُ بِك حَتَّى النِّهاية. حَتَّى عِندما ينطَفِئ القَمَر و تسقُط النُّجوم مِن السَّماء، عِندَما تجفُّ المِياه و يُعمى العالم؛ سَـأُحِبُّكَ حَتَّى الأبديَّة."

"سَـأصنَعُ معكَ خريطَة لِـحياة جديدة مَبنيَّة مِن النُّجوم، سَـأسلُك الدَّربَ معك وأُحِبُّكَ وأُخلِصُ لَكَ وَأُقَدِّرُكَ وَأحميكَ حَتَّى بَعد المَمات."

هو أمسكَ بِـقميصي بِـقبضته وشدَّني قريبٌ مِنه "سَـأجعلُكَ تَسطُع كَما كُنت، سَـأُريك أنَّ حَتَّى النُّجوم المُحتَرقة لَها سِحرُها الخّاص، أنَّها تَستطيع أن تُشرِق وَتُغيّر الكثير مِن الأشياء فَقط بِـتواجدها."

"أُحِبُّكَ."
كانت آخر ما نطقَ بِه قبل أن يندفع نحوي بِـعُنف و يُقَبِّلُني، حينها انهمرت دموعي.

ابتعدَ عَنِّي وحدَّقَ فيني ورأيتُ قطرات دمعه تتساقط على خَدّيه النَّاعِمين لِأرفع يدي وأمسحُ دموعه بِأناملي ثُمَّ أقترب و أُقَبِّلُه.

كان قلبي قد شَعر بِالأمان أخيرًا، أشعرُ بِالطَّمأنينة والعالم أصبحَ مَكانًا جَميلًا أخيرًا.

تأمَّلتُ عينيه واستَمعتُ لِـضحكته السَّعيدة أخيرًا، ورأيتُه يحمرُّ خَجلًا وكُلُّه بِسبَبي عِندَما تَحدَّثت، جَعلتَهُ سعيدًا وهذا كان كافيًا لِإنارة عالمي؛ لِأنَّ عالمي كان يجلِسُ إلى جانبي ويبتسِمُ لي ويُخبِرُني أنَّهُ سَـيُحِبُّني لِلأبد.

"أنتَ بِالفعل أريتَني أنَّ العَالَم يستطيعُ أن يكون أسطَع مِن عِندما تُنيرُه الشَّمس، لِأَنَّ لا يوجد نجمَ أكثرُ إشراقةً مِنك."

▪️ -Done- ▪️

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top