المعجزة p2 تتمة
«يااه. يا له من مشهد مدهش!
إن سألتني رأيي، أعتقد أنّك لا يجب أن تفوّته».
الصّوت الجديد زنّ في دماغ إيروكيل، مزعج، حادّ، قدرته على التأثير مخيفة للصّبي بحقّ.
وهو هزّ رأسه بشدة يحاول قطع الاتصال الغير مرغوب به.
‹حقيقة أنّه يصرّ على جعلي أرى، تؤكد خطورة هذا الفعل›.
حدّث الفتى نفسه. يومئ مراراً يقنع نفسه بما استنتجه.
مع ساعد يده اليسرى فوق قطعة القماش يعينها على أداء مهمتها، أدخل إيروكيل يمناه في الجيب المبلل يبحث عن القارورتَين.
أخرج الزجاجة الأولى، رأسه يهتز الآن بحركات ترددية بغير إرادة من طرفه.
هو يشعر بالماء يحيطه من كلّ الاتجاهات، ولكن مهما حاول لم تلج ولو قطرة واحدة إلى الزجاجة.
تحسس المياه بكفّه مراراً، هي ما تزال موجودة! وهذا ضاعف من حيرته، قلقه، وصداعه.
توقف أخيراً بعد محاولات كثيرة فاشلة، نصف السفلى حتى الصدر تقريباً مغمور بمياه يعتقد أن لونها وردي.
يداه مرفوعتان عالياً باتجاه السّماء التي تحمل في كبدها عدوّه اللدود، تدور، تراقبه، تنتظر استسلامه.
شهيق. زفير. شهيق. زفير. شهيق. زفير.
كرر العمليتين مراراً.
يتجاهل ما يخبره به محدّثه المجهول عن مقدار الإبهار والفن الطبيعي-السحري الذي يضيّعه في هذه الأثناء بينما يصمّ أذنيه عن نصيحة قيّمة كهذه _على حدّ تعبير مُقدِّم النّصيحة_.
‹فكر يا إيروكيل فكر›
حدّثَ نفسه. حذراً من أي حرف قد يخرج من فاهه يسمح للشيطان بداخله بالتقدم خطوة أخرى بعد، ربما ستكون القاضية بالنسبة له.
‹ربما تكون تلك هي الزجاجة الخاطئة؟ نعم. نعم. بالتأكيد هذا هو الأمر!›
أشرقتْ ملامحه النّاعمة إلّا من بضعة خدوش تشير إلى نوعيّة الحياة القاسية التي تحتم عليه خوضها في سنّ مبكرة كهذه.
ولكن اليأس كشّر عن أنيابه مجدداً، إذ ما أفلحت فكرته ولا أتت ثمرها..
عندما أوشكت قوى إيروكيل أن تخور، وبدا وكأنه سيفتح عينيه في أي لحظة تحدّث المجهول مجدداً:
«أوههه. يا ليتني جلبتُ آلة التصوير الخاصة بي. هذا مشهد يستحقّ التخليد في الذاكرة».
«اخرسْ. فقط اخرسْ».
صاح الصبي تكاد السلاسل المقيِّدة لغضبه تفلت منه.
قهقهات متعالية تلقّاها في المقابل جعلته يصرخ بجنون، يخرّ أرضاً، ومن فوره رفع يده القابضة على الزجاجتَين مجدداً وكأنّها ستتلوث بمياه لا تلمسها حتى..
عمّ الصمت مجدداً إلى أن تناهى إلى مسمع إيروكيل أصوات نقرات متتالية قريبة جداً منه، و هل هي قادمة من ناحية يده؟ أم أنّه يتوّهم ذلك؟.
«مهلاً مهلاً. يداي تتحركان بمفردهما»
هو أدرك شيئاً ما أخيراً. ودون تفكير تكلم بصوت عالٍ نسبياً يتخلى لأول مرة عن النجوى التي تمسّك بها لوقت يُحسَب له ولصبره الآن..
حرّك رأسه عالياً يركّز يحاول فهم ما يحصل.
بكل وضوح، الزجاجتان هنا تتضاربان بواسطة يديه؟
«هل تقولان شيئاً ما؟»
هو فكّر بصوت جهور مجدداً.
«ربما تطلبان منكَ أن تفتح عينيك وتنظر؟».
سمع ذلك، ولكن هناك شيئ غريب، أيعقل أنّ المتكلم متوتر بطريقة ما؟
النقرات أخذت تتعالى، تجعل أفكار الصبي متداخلة، هو لم يعد يفهم ما يجري.
التوتر أصبح جلياً الآن في عبارات مُحدّثه.
والقارورتان لا تزالان تتضاربان، أو.. تتكلمان إن شئنا الدّقة.
«برأيي كان عليكَ أن تسمح لكيسكيا بتعليمك لغة مورس رفقة التوأمين».
بنبرة لعوبة تحدّث أحد، بجانبه، تقريباً أمامه مباشرة.
«على أية حال، هما تخبرانك بضرورة أن ترى النهر ومياهه لكي يكونا قادرتين على الامتلاء.
هو يحاول ثنيك عن النظر! كان عليكَ استيعاب الأمر منذ البداية، ولكن لا تهتم لقد مضى بالفعل».
«مَن أنتَ أيضاً؟».
تساءل الصبي، غضبه طفا أخيراً يهرب من آخر قيد كان قد تشبّث به في وقت سابق من هذا النهار المجنون.
«لا تستمع له. لا تستمع له».
الصّوت بداخل رأسه عاد للظهور، مَشوب بارتياب جنوني لا يخفى على أحد.
بلحظة كان القماش يغطّي عينيه، وفي اللحظة التالية امتدت يد تخطف القطعة.
والفاعل سخرَ غير مهتم حقاً: «برأيي. ابحث لكَ عن عمل مفيد. ربما تفاحة؟ أو موزة؟ الأخيرة أفضل بالنسبة لي».
التفت إيروكيل نحو المتحدّث.
‹هل يسمع الصوت هو الآخر؟›.
تساءل الصبي.
«ولكن ما هذا؟ ما أنت بالضبط؟».
صرخ الصبي يتراجع عدة خطوات للخلف مذعوراً.
أمام عينيه اللتين قد أصبحتا مبصرتين بحلول الآن انتصب حيوان ثديي واقفاً؛ قرد، لا يشبه واحداً.
وجه مشعر مبتسم مخيف يقع في مرمى بصره، يعلو جسداً بطول الصبي تقريباً؛ مغطى بمعطف رمادي يصل لركبته الملتفة ببنطال حالك السواد، مغمور بدوره في المياه.
«لا تخف. أنا صديق!».
قال القرد ذلك وعاد ليبتسم ملأ شدقيه، عيناه بندقيتان يعكسان بداخلهما الهيئة المزرية التي كان عليها الصبي، والتي ما أن رآها حتى عبس يتراجع خاطياً للخلف أكثر بعد.
في المقابل، تقدم القرد يتابع قوله: «في الحقيقة، أنا صديق قديم للزجاجتين في يديك».
نظر الفتى لما تحمله يديه مدهوشاً، الآن تستقران على جانبي خصره، لم يعد يكترث لاقترابهما من المياه أو أي شيئ آخر..
«حين رأيتُهما تحاولان بكل هذا التفاني أن تتحدثا إليك. وأنت واقف هنا لا تفهم! لم أقوى على تجاهلهما فقط والتحديق عن بعد! لذا، قررت عرض المساعدة».
لهجته العابثة تغري قدم إيروكيل لركله ولكنه تحكم بذاته جيداً.
‹اصبر قليلاً بعد فقط› حادث الفتى نفسه.
«أغلق ْالزجاجتين. وعد أدراجك.
تذكّر لا تستمع له».
حوّل إيروكيل نظره نحو الزجاجتين اللتين قد طفحتا عن آخرهما الآن.
وبكم ضخم من السعادة يغمره أعادهما إلى جيبه يضحك بمرح.
للحظة يتناسى كل همومه وأحزانه وما ينتظره من أمور ليقلق بشأنها..
_نهاية الفصل_
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top