المعجزة p2

هذا الفصل مكتوب من أجل مسابقة الفنتازيا-المرحلة الثانية. مُقدَّمة من قِبل @Criticisteam

الفصل تتمة لفصل سابق بقلم @Calli_Lune من كتابها: نضال-معجزة

-

الآن وقد استقرّت قدما إيروكيل على الضفة الأخرى، شعر أن شيئاً في داخله؛ في قلبه وفي روحه، ثبُت أيضاً.

«عليّ أن أنقذها مهما كلّفني الأمر».

حدّث نفسه. بصوت عالٍ اخترق صمت المكان.

لثوانٍ معدودات، ولثوان فقط، شعر الصبي بأنّه يستطيع بلوغ هدفه، فقط كما فعل صوته مع خواء المكان، كما بدّده..
بإمكانه تحدّي الشمس بهذا الجسد الواهن، وحتى بغير قماش ثخين ليستره ويقيه منها.. نعم سيفعلها!.

هو لا يعلم، هل يعقل أنّ نفساً عزيزة تمقت الخذلان قد استحوذت عليه؟
أينبع إصراره هذا من حاجة تلك النفس لردّ دَين لم يكن خاصّاً بها حتى؟.

خطا بثبات.

يتجاهل إحساسه العميق بالرهبة؛ خوف غريزي من المجهول.

استلَّ حدسه من مخبأه، يقرر استغلاله أيّما استغلال.

لسنوات طويلة هو عاش حجيز ما تدعوه شقيقته 'كهفاً'.

منذ بضعة أيام فقط، حتى شعاع نور خافت يلمحه كان ليأتي بهلعه، فما بالُ روحه تجرّأتْ على استدعاء مقاومة وحشية كهذه؟.

إن لم يحلّ هذا البلاء العظيم، ما هي نوعية المخاوف التي كانت لتسكنني حينها؟
فكّر المراهق.

أكان العمى ليحتل مرتبة ما ضمن قائمة ما يخشى ويهاب؟.
وإن فعل، هل كان ليتصوّره بشكل مشابه لما يعيشونه الآن؟.

تقدم خطوة أخرى بعد.

يأنّ تحت الأشعة المؤذية القادمة من نجم بعيد، ذاته النجم الذي تأمّله طويلاً في يوم ما، متطلعاً لاكتشاف المزيد عن خصائصه الفريدة فقط كما جميع مَن حوله.

بيده عدّل من وضعية القطعة البالية، والتي ما تزال تؤدي عملها على أكمل وجه ولم تخذله أمام هذا العدو الكوني الحار رغم ما تعانيه من قِدم واهتراء..

أكان ما يحدث لشقيقته لعنة كما يدّعي جيرانهم؟
أم أنّه كم وفير من الحظ فقط كما تقول والدته؟ هو حقاً لا يعلم.

بالتفكير بالأمر، هل تستحق تلك الرّضيعة ما يعتمر صدره من كره اتجاهها؟.

أحياناً، هو يغلق أذنيه محاولاً التفكير ببعض الموضوعية.

الصغيرة لا شك مظلومة، هي ولدت في الزمان والمكان الخاطئين.
ومقارنةً بهم؛ مَن عرفوا عالم ما قبل الفاجعة، هي حقاً بائسة.

ولكن بمجرد إعادة إعمال أذنيه من جديد فإن جل تلك الأفكار ستنحسر مخلّفة الحقد المألوف دون أي تغيير قد يلحق به.

«انعطف يميناً ثم سِر في خط مستقيم وانتظر تعليماتي القادمة».

نفّذ إيروكيل.

ربما هو لا يثق بما يخبئه مصيره، ولكنّه يعلم أن عزيمته تحتل موضع ثناء وتقدير عظيمَين في هذا العالم المليئ بالنفوس الضعيفة المَلولة قليلة الثبات.

هذا الفتى المَعمي لن يستسلم الآن، هو سيواصل ما بدأه.

«هل تسمع خرير المياه؟».

توقف الصبي، يركز حواسه، يحاول سماع ما يشير إليه الصوت العميق بداخل رأسه.

«أنا لا أسمع شيئاً»
في النهاية، اعترف الفتى.

«لا عليك، واصلْ التقدم».

الهدوء جعل إيروكيل يشعر وكأنه يمضي في الفراغ.
ولكنّ الغابة ما تزال حاضرة، جسده ينبئه بذلك.

«أنت الآن على بعد خطوة واحدة من الشلال. اسمعني جيداً، ربما لن أتمكن من الاتصال بك مجدداً».

«حتى هذه اللحظة، قامت القطعة النقدية بحمايتك.
عاجلاً أم آجلاً، وما أن ترميها في النهر، سيجد عدوي طريقه إليك.
عليك الحذر ثم الحذر ثم الثبات».

اقشعر الفتى للجدية في صوت محدّثه.

«مَن أنت؟ ومَن عدوك؟ أنا لا أفهم شيئاً»
بصراخ تقريباً تساءل إيروكيل.

«لا تحتاج للمعرفة. قم بما أتيتَ من أجله، وأعدكَ أنّي سأردّ لكَ صنيعك بأكثر مما تستحق حتى».

«عن أي صنيع وأي هراء تتحدّث؟ أنا هنا لأجل أختي! قل مَن أنت لا تتهرب»

«هل تظنّ أنّ هذه الخرقة البالية كافية لتردع الشّمس عنك لوقت أكثر طولاً؟ تعجّلْ!».

لم يُعجَب الصبي بالإجابة التي لم يعدّها أكثر من ردّ آلي ليست غايته الإيضاح حتى.

ولكنه عقد العزم على أية حال.

هو هنا لردّ دَينه، ولإنقاذ طفلة بائسة، ولو أنّه يعدّ ذاته أشدّ بؤساً..

لن يسمح لشيئ في الدنيا بثنيه عن هدفه.

ليس وقد بلغ هذا المكان أخيراً، ولو بشقّ النّفس!.

أخذ نفساً عميقاً يقفز تالياً في المياه التي كانت تتدفق بوتيرة سريعة.

يسمح للتيار بخطفه.

وهو أحب هذا الشعور.
أن تكون مُغيَّباً تماماً عن الأفكار والهموم على السواء.
أن تكون محاطاً بسيل قادر على تسييرك دون أن تتكبد أي عناء من شأنه أن يُذكَر لا في التخطيط ولا في القيام بالفعل.
أن تسمح للتيار بسحبك لهو أمر مبهر!.

هذا ما اكتشفه الفتى خلال اللحظات القليلة التي استغرقته ليبلغ غايته؛ النهر الذي سيُحال وردياً بسببه.

والآن فقط تذكّر ما قاله محدّثه المجهول، العملة تحميه، ولكنّها ستصبح عاجزة ما أن تفارقه.

هل ما قاله المجهول حقيقي حتى؟ هو لا يعلم.
ولكنّ القلق قد أوشك على تحيّته.

«يا هذا. هل ما قلتَه عن حمايتها لي حقيقي؟»

بصوت جَهور قال. يرفع العملة النقدية عالياً باتجاه السماء، غير أنّه لا يدرك حقاً الموضع الحالي للمقصود.

«متأسف لكَ حقاً، ولكن نعم هذا حقيقي تماماً..
وهناك شيئ آخر. ما أن ترميها لن أستطيع التواصل معك مجدداً. وستكون بمفردك في مواجهة عدوّي. أرجوك ألا تجزع، وتذّكر هو لا يقوى على إيذائك بشكل فعلي، سلاحه هو الهلوسات، التمتمات، وربما بعض النوتات ذات الترددات الحادة».

تمسك الولد بالقطعة النقدية وكأن حياته تعتمد على سلامتها من أي خَدش قد يطالها فيشوّه هيئتها ربما.

هو يسمع بعض التمتات بالفعل، قادمة من مكان بعيد، ربما من بُعد آخر..
وُضعت في بداية الدرب المتجه إليه، وبطريقة ما، هو مؤمن أنها وحين تتخلى عنه القطعة المعدنية، ستدركه.

«أرجوك ابقى معي».
استسلم الصبي. تقريباً خائف.

«لكَم أودّ ذلك! أكرر أسفي. تابع ما بدأتَه. وليس أنت فقط مَن سيطالهم كرمي حينها، بل عالمكم بأكمله».

الصوت أصبح خافتاً بحلول الآن وهذا دبّ الذعر في قلب إيروكيل.

«سيدي! هل من وسيلة للتواصل معك؟».

«هناك قطعة مماثلة ما تزال بحوزة شقيقتك كيسكيا، من خلالها سأتصل بك مجدداً.
ولكن الآن أرجوك أنقذ ابنتي!».

الجملة الأخيرة بلغت أذنه أشبه بالهمس بالتزامن مع تخلّي قبضته عن القطعة المعدنية أخيراً.

تنفس الفتى مراراً.

هذا كثير عليه لتحمله ولفهمه حتى.

صوت ببصمة جديدة ظهر في رأسه، يحثّه على فتح عينيه.

«أحقاً لا ترغب برؤية مياه وردية اللون؟».
تساءل المتكلم، مستنكراً.

وفي المقابل هو أغلقهما بكل ما أوتي من عزيمة.

«هل سمعتُه بشكل صحيح؟ هل كان يقصد الرّضيعة؟».

فكر إيروكيل. ولكن مهما أعمل عقله، هو لم يتوصل إلى أي شيئ مفيد..

-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top