٣-الحادية عشر.

تسارعَت أنفاسُه وكأنهُ خائضٌ لمعركةِ الأبدية مع الهواءِ مِن حولِه, قلبُهُ اليائِس هو الأرضُ التي لقَتِ الخرابَ جميعًا.

"ما كانَ ذلِك؟"
قابِضةً على الجُزءِ الأيسَر مِن صدرِها حاولَت هي تنظيمَ تنفُسِها الذي لَم يكُن بأيِ شكلٍ في سلامٍ أكثَرَ مِن خاصَتِهِ.

"ما هو؟"
ارتفَعَ واقِفًا, مُصارِعًا شعورَهُ بالسقوطِ تعبًا لثوانٍ ليسَت بقليلة, كانَ الأمرُ صعبًا لدرجة كان فيها على وشكِ الأيمانِ بأنَ الأرضَ هي التي تَتحركُ مِن تحتِه وليسَ ذنبَ قدميهِ.

"النيران, مِن أينَ أتت؟"
نهَشَت وجهَهُ بنظراتٍ مجهولة الهوية, كَكتابٍ دونَ عنوان.

"وما أدراني؟"
هو لَن يكونَ بساقطٍ في تِلك الحفرة ثانية, لَن ينهَشَ هذا القبرَ بأظافِرِهِ الخاصة.
"هَل يُمكِنُنا الانتِقالُ إلى الذِكرى التالية؟"

"حالًا والأن؟"
توقَفَ فيضُ أنفاسِها المُضطرِبة لتجحظَ بنظراتِ العجَبِ في اتِجاهِه.

"حالًا والأن."
بأصابِعِه التي رفضَ الرُعاشُ تحرِيرها, انتَشَل الصورةَ التي فرَت هارِبة مِن أنامِلِها, وضعها مقلوبَةَ المعالِمِ على طاولَةِ القهوة وأمسَك التالية في الترتيب.

تمامًا كما لو بِهِ مسٌ مِن جنون, استمرَت بتحديقِها المُنفَعِل باتِجاهِه, ولكِن وكأنَ نظرَةَ عينيهِ المُمتَلِئة بالعدَم درعٌ أبعَدها عَن قُدرةِ فهمِه, اكتَفَت بالتنهُد واقِفة.

أمسَكَت بالصورةِ وتأملَتها باهتِمامٍ أخفَضَ بكثيرٍ مِن المرة الأولى, في داخِلِ الإطار, نسخة أخرى أصغَرُ مِنه, بينما أمامَها قبَعَت كعكة عِملاقة أطفِئَتِ الشموعُ مِن فوقِها.

أعادَت ذاتَ اللقطةِ مرةَ أخرى برهبةٍ أعظَم, أمسَكَت معصَمَه, رفعَت ذراعَها, وحشَرَت الضوءَ بعيدًا عَن عينيه.

غرقٌ تام في لينٍ فارغٍ مِن أي شعور.

ثُم صورَة مُتسارِعة الإحياء في عينيه.

هذِهِ المرة عندما بدأ إدراكُه, كانَ قادِرًا على الإحساسِ بالعُشبِ الرطِبِ الذي تكَسَر تحتَ وزنِ قدميهِ العارِية.

حديقةُ منزِلِه, المنزِلِ الذي انتقلوا إليهِ عِندما كانَ على أبوابِ السابِعة, لَم يميزهُ عَن الذي سبقَهُ سوى اتساعَهُ بصورة أبسَط, ووجودُ هذهِ الباحةَ الخضراء التي أطلَت على باقي الحَي.

كانَ هذا الأولَ مِن سبتمبِر, ما سبقَ الخريف، وما هو حتى أكثرُ أهميةٍ, يومُ مولِدِه.

رأى ذاتهُ, ذاتهُ التي أصبحَتِ اليومَ في الحادية عشر,كان جالِسًا على درجاتِ واجِهَةِ المنزِلِ الخشبية, جسدُهُ الشاحِب في مواجهةِ الهواءِ البارِد, في ساعاتِ النهارِ الأولى, ينتَظِر.

هو قادِرٌ بطريقَة واضِحة تذكُرَ سبَبِ هذا الفعلِ.

في الأسبوعِ الذي سبقَ يومَ مولدِهِ، كانَ قَد اتخَذَ قرارًا جازِمًا بانتِظارِ رسالةِ هوغورتس الخاصة بِه, كُل صباح.

كونَهُ قرأ الكِتابَ في مراتٍ جاوزَتِ الثلاثة, هو يعلمُ يقينًا ما يعني إقبالُهُ على الحادية عشر, هو على واجِهةِ استقبالِ رسالتِهِ الخاصة, على وشكِ أن يتِم دعوتُهُ إلى المكانِ الأحبِ إلى قلبِه, إلى مدرسةِ هوغورتس لِلسحرِ.

لا أحدَ طبعًا على دِراية بما يفعَل, لا أحدَ كانَ يعرفُ بطقسِهِ الغريبِ الذي استمرَ طولَ الأسبوع, يستيقظُ فجرًا مِن كُلِ يوم, يتسلَلُ إلى واجهَةِ المنزِل, وينتظِر حضورَ بومةٍ مِن شكلٍ ما بِرفقَةِ رسالتِهِ, هو لم يرى بومة بعينهِ المُجردة مِن قبلُ حتى.

الخطبُ هو أن الرسالة لَم تصِل أبدًا, طولَ الأسبوعِ كانَ يُقاسي الصقيعَ في انتِظارِ أنَ تُبصِرَ عيناهُ أي أثرٍ لأيِ طائِرٍ قادِمٍ مِن الافُق, ولكِن هذا لَم يحدُث, حتى في صباحِ يومِ مولِدِهِ ذاتَه.

صريرُ مفاصِلِ البابِ الصدِئة إثرَ تحريكِها خلفَه, خطواتٌ ناعِمة وكأنها تمسحُ على الأرض, ثم جلوسُ جيهون على الدرجِ عَن قُربِهِ, كانَ شعرُهُ الأملس مُبعثرًا كعُشٍ فوقَهُ, بينما يحاولُ مسحَ النومِ عن أهدابِه.

"ألَم تصِل الرسالة بعد؟"
أثقلَ النومُ نبرةَ صوتِهِ الرفيعة.

لَم يكُن أحدٌ يعرِف, سوى جيهون دونَ شَك.

"لا."
دفَنَ معالِمَ وجهِهِ السُفلية في دفءِ الذراعينِ التي احتضَنَ بهِما قدميه.

"أنا أسِف."
وبدا أسِفًا بصِدق, كانَ أخوهُ في السابِعة مِن عُمرِه هو الأنسيُ الوحيد الذي أمَنَ بهذا الخيالِ بقدرِه.

"لا بأس, ما كانَ عليَ توقُعُ الكثيرَ مِن كتابٍ خيالي على أيةِ حال."
بغضِ النظرِ عَن أملهِ ساحِق البُنية, بغضِ النظرِ عَن رغبتهِ العارِمة بالحصولِ على الرِسالة, هو كانَ في الصميم يعرِف, يدرِكُ, أنَ هذا لَن يحدُث يومًا, لكِنهُ أحبَ التمسُكَ بأطرافِ هذا الحُلم.

لأنهُ في كُلِ مرة يحلمُ بِها بالذهابِ إلى تِلك المدرسة التي أنقذَت هاري بوتر سابِقًا مِن بطشِ خالتهِ وأسرتِها, كانَ يرى أن هذا سيكونُ ملجأهُ أيضًا, سيكونُ ما ينقذهُ مِن مشاكِلِهِ الخاصَة, ستكونُ بداية جديدة لحياةٍ جديدة في مدرسةٍ حيثُ الجميعُ طيبون, وسيكونُ قادِرًا على العيشِ دونَ شبحِ خجلِه.

كانَت سنواتُ طفولَتِهِ المدرسية غيرَ سهلة, على الإطلاق.

نما حتى أصبحَ طفلًا خجولًا, بطريقة غير اعتيادية, وسيئَة تمامًا.

خجلُهُ كان قاسيًا بصورة منعتهُ مُنذُ يومهِ الأولِ بالمدرسة مِن التحدُثِ مع أحد, هو أرادَ أن يتبادلَ أطرافَ الحديثِ مع باقي الأطفال، أرادَ بشِدة أن يملِك صديقًا أيضًا, وأن يحاولَ مُشاركتهُم بكُلِ ما يفعلون, لكِن يبدو أن أحدًا لَم يرغَب في قرعِ قوقعتِه.

ربما كانَ أطفالُ مدرستِهِ بسذاجة كافية لكونهِم غيرَ قادرينَ على فهمِ الحروبِ التي يخوضُها في كُل مرةٍ يحاولُ الكلامَ.

بدأ الأمرُ في الصفِ الأول, واستمرَ حتى اليوم.

خارِجَ الخطوطِ التي كونَت معالِمَ منزلِهِ, هو كانَ وحيدًا.

ليتَ الأمرَ كانَ يقتصرُ على عدمِ قبولِ باقي الأطفالِ, هُم كانوا أيضًا يطلقونَ العنانَ لخيالهِم الخصبِ وحقدهِم الطفولي, ليجعلوا المدرسة, وإن كانَ الأمرُ مُمكننًا, أفظَع.

لكِنهُ كانَ جيدًا جدًا في ارتداءِ الأقنِعة مِن مُختلفِ الأحجامِ والألوان, استمرَ لسنواتٍ بإخفاءِ الخراب, بكُل مهارةٍ وإتقان, لدرجة ستبدو مُرعبة لطفل.

كانَ في كُلِ مرةٍ يوجهُ إليهِ سؤالٌ مِن والديهِ عَن أوضاعِ المدرسة, يعرفُ تمامًا كيفَ يبتسِم بصورة مُحببة إلى قلوبِ الكبار, ليجيبَ بعدها بأدبٍ عن مدى سعادتهِ فيها.

في كُل مرة يتمُ توجيه تساؤلاتٍ عن أصدقائِه ومواصفتهِم, يكتفي بالكذبِ والتلفيق, عن أناسٍ لم ولن يوجدوا يومًا ليطؤوا هذهِ الأرضَ ويؤنِسوا وحشته.

لكِن حتى وإن كانَ مُتمكِنًا مِن الكذبِ على والديهِ, أخيه, وحتى قلبِه, لن يكونَ قادِرًا على الكذبِ لجسدِه.

في صيفِ الصفِ الخامِس وحتى نهايتهِ, طرأ حضورٌ لمُشكِلة مُعقدة, أو ربما عيب؟ عيبٌ أرادَ الاحتراقَ بنيرانِ خجلِهِ في كُل مرةٍ يذكُرهُ فيها.

لا يستدعي على وجهِ التحديد أولَ مرةٍ بلَلَ فراشهُ فيها, ولكِنهُ يعلَم أنها كانت بداية لدوامةٍ كامِلة مِن الأحراج, رُغمَ أن لا أحد كانَ على درايةٍ بالأمرِ عدا والديه, إلا أنهُ لَم يكُن قادرًا على منعِ العارِ من ابتلاعِ أطرافِه, شبرًا شبرًا.

كانَ الامرُ غير طبيعيٍ بتاتًا لطفلٍ في العاشِرة, مِما أثارَ قلقَ والديهِ, عرضوهُ على طبيبٍ مُختصٍ, لكنهُ أخبرهُم أنهُ لا يعاني مِن أي مُشكلة, على الأقلِ بدنية, لذا اقترَحَ أن يأخذوا مُنحنًا أخرَ ويعرضوهُ على طبيبٍ نفسي.

وكيفَ لهُ ان يدري أن الخجلَ وعدمَ الثقة سيؤديانِ إلى هذا؟

كانَ كلامُ الطبيبِ واضِحًا, واستطاعَ كمَن يسرقُ قطعة حلوى, أن يجمعَ كُل المعلوماتِ مِن رفوفِ أفكارِه.

هو كان خجولًا بشدة, وخجَلُهُ أبعدَ أقرانَهُ عنه, عدمُ وجودِ أصحابٍ له, كونَ حِسًا عاليًا مِن عدمِ الثِقة, وعدمُ الثِقة, عنت تبليلَ الفراش.

لا يعرفُ أي سيفٍ كانَت طعنتُهُ الأبشَع, كونَهُ واقعٌ في مُشكلةِ ثِقتهِ المُتزعزعة, أو انكشافُ كِذبتهِ العظيمة أمامَ والديهِ بعد كُلِ ذلكَ الوقتِ.

لقَد خذلهُما, برهنَ أنهُ سيءٌ كفاية كي لا يكونَ على مقدِرةٍ مِن الحصولِ على صديقٍ حتى.

على العكسِ مِن جيهون.

كانَ أخوهُ أكثرَ شخصٍ انفتاحيٍ ومحبوبٍ عرفَهُ, لم يكُن سوى في الصفِ الثاني, ولكنهُ كانَ صديقَ الجميع, امتلكَ عددًا لا يُحصى مِن الرِفاقِ, وبدا دومًا سعيدًا بذلِك.

وقد كانَ واثِقًا تمامًا.

رغمَ كونِ جيهون الأفضَل, رغم تمكُنهِ مِن كونِ كُلِ الأمورِ التي لم يقدِر هو على كونِها, رغمَ عيشهِ بفرحٍ تام, عَكسهُ, إلا أنهُ لَم يكرَه أخاهُ أبدًا, لم يحتكِ الحِقدُ بقلبِهِ اتجاهَهُ مطلقًا.

لأنهُ حتى لو أرادَ ذلِك, لن يكونَ قادِرًا, كانَ يحبُ أخاهُ بشِدة, كانَ صديقَهُ الوحيد.

وحتى لو امتلكَ جيهون عددًا لا يحصى مِن الرِفاق, كانَ هو سيبقى الأفضَل بالنسبةِ له.

ساعاتٌ هربَت قضياها جالسينِ على عتبةِ المنزِل, ارتفعَ قُرصُ الشمسِ كخيالٍ بطيء نحو سقفِ السماء, أصبحَ الجو أدفأ بصورةٍ ضئيلة, ودبتِ الحياةُ في الحي, كأنَ أحدهُم كبسَ زِر التشغيلِ للعالمِ حولهُم.

عندما استيقظَ والداهُ, كانت تِلك إشارة لضرورةِ الدخولِ إلى المنزِل, كان لديهِم حفلةُ ميلادٍ ليُحضِروا لها على أيةِ حال, ركضوا إلى الداخِلِ, وشعرَ هو بنفسهِ يلحقُهُم دونَ أن يُفكِر بفعلِه.

لم يكُن قادِرًا على رؤيةِ أثينا هذهِ المرة أيضًا, لكنهُ مرةً أخرى لم يعُر لِلأمرِ بالًا, كانَت هذهِ الذِكرى هي كُلُ ما يهُم الأن.

زينوا المنزِلَ بقُصاصاتٍ مُلونة, بعضٌ مِما صنعوا بيدهِم وبعضٌ مِما ابتاعوا, نظموا أكياسَ الوجباتِ الخفيفة, وشاهدَ والدتهُ تضعُ اللمساتِ الأخيرة على كعكتهِ المُميزة.

"إنها مثالية بشِدة أمي!"
توسعَت الدهشةُ في مُقلتيهِ, مُسندًا رأسهُ على يديهِ فوقَ طاولةِ المطبخِ بارِدةِ السطحِ.

كانوا بالأساسِ قد وضعوا قرارًا بشراءِ كعكةٍ ليومِ مولدهِ, لكِنَ رغبتهُ كانَت بكعكةٍ كبيرة عليها رسمٌ مِما يُفضِل, شراءُ هذا النوعِ مِنِ الكعكِ مُكلفٌ دونَ شكٍ, ليسَ وكأنَ والداهُ تذمرا, هو الذي أراد التخلي عن فكرةِ ابتياعِ واحِدة, وطلبَ أن تصنعَ والدتهُ إيها بدلًا, وهي دونَ إلحاحٍ وافقَت.

لذا أمامَهُ قبعَت كعكة عملاقة, رُسمت عليها بالكريمة الملونة عصًا سِحرية غير مُتقنة بشكلٍ تام, لكنهُ كانَ رغمَ ذلِكَ راضيًا بصورة كامِلة.

وضعوا الكعكة العظيمة بحذرٍ بينَ جميعِ الأغراضِ الباقية, وكأنها طريقة واضِحة تمامًا للإعلانِ عن كونِها الأفضَلَ والأهم, قربوا جميعًا أجسادَهُم مِن طاولةِ المطبخِ الواسِعة حيثُ كانت الحفلة ستُقام حولها.

ثم بدأوا, لَم ينتظروا أي ضيوفٍ, هو لَم يملِك أي أصدِقاء, ويعرفُ والداهُ جيدًا كم كانَ عظيمًا شعورُهُ بعدمِ الراحة في حضورِ الغرباءِ.

لذا كانَت هذهِ حفلتهُم وحدهُم, وقد رحبوا بذلِكَ بصدرٍ رحِب.

أشعلَت والدتُهُ الشموعَ الأحدَ عشرَ فوقَ نسيجِ الحلوى الأسفنجي, وضعَت القدَّاحَة على جنبٍ وقَد أخذَت تتأملهُ بمحيًا بشوش.

"هيا تمنى أمنية."
حدقَت بهِ حالِمة وقَد اقتربَ جيهون أكثَر مِن الطاولة ليشهدَ عملية أطفاءِ الشموعِ بوضوحٍ.

"سأحضِرُ الكاميرا!"
ارتفعَ والدهُ عن مجلسِهِ ليجري باتجاهِ غُرفةِ الجلوس.

يتمنى أمنية.

ماذا سيتمنى؟

كانَ دونَ كذبٍ يملِكُ الكثيرَ ليتمناه, العديد مِن الأشياءِ حتى كونهِ غيرَ قادِرٍ على عدهِا بأنامِلهِ الصغيرة.

كانَ يريدُ أن يتخلصَ مِن خجلِهِ الذميم, تمنى لو يستعيدُ ثقتَهُ بذاتِه, أرادَ لو يتوقفُ الأطفالُ الباقونَ عن إزعاجِه, رغِبَ أن يكونَ محبوبًا كجيهون, وحتى كانَ قادِرًا على تمني أن تكونَ هوغورتس حقيقة.

لكنهُ لم يتمنى أيًا مِن ذلِك.

رؤيتهُ لاتساعِ عيني أخيهِ في اتجاهِهِ حماسًا لِلحظةِ الانتظارِ الطويل, الطريقة التي احتضنَت والدتهُ تفاصيلَ وجهَهُ مِن عينيهِ الواسعة إلى شفتيهِ الذابِلة الوردية شغفًا, محاولةُ والدِهِ لتجهيزِ الكاميرا في الوقتِ المُناسِب.

كُل ذلِك, جعلهُ مُتأكِدًا مِما يريدُ أن يتمنى.

"أتمنى أن تبقى عائلتي برفقتي للأبد."
همَسَ داخِلَ صدرهِ بعيدًا عن مسامعِهِم, ثم زفرَ بكُل قوتهِ الهواءَ مِن داخِلِ رئتيهِ مُسبِبًا باختفاء جميعِ الأنوارِ الخافتة الخاصة بالشموع.

"لا! لم أصورِ الشموعَ مُشتعِلة!"
انتحبَ والدهُ, قبل أن تضرِبَ عليهِم جميعًا موجة عاتية مِن الضحِك.

في مُنتصفِ انشقاقِ وجهِهِ بالابتِسامة, وأثناءَ انكماشِ عينيهِ إلى هلالينِ لامعين, التقطَ والدهُ الصورة, حابِسًا داخِلها الكثيرَ مِن المشاعِر التي ستعيشُ لوقتٍ أطولَ مِما تصوروا جميعًا.

ثم مرة أخرى, بعدَ ثوانٍ مِن اشتِعالِ ضوءِ الكاميرا, اختفى كُلُ شيء, تبخرَ المطبخُ وجميعُ من قبعوا فيهِ وكأنهُم لم يوجدوا.

ولشدةِ ذُعرهِ لم يشعُر سوى بكيانهِ يصبحُ في ذاتِ الغُرفة المُشتعِلة ثانية, الأمرُ أن النيرانَ كانت تبدو حتى جائِعة ونهِمة أكثرَ مِن المرة السابِقة, كانَت تلتهمُهُ كُله, مِن أصابعِ قدميهِ حتى كتفيه, ساخِنة, لكِن لَم تؤذِه, فقط بعثَت فيهِ رُعبًا لا يُقارَن.

مِن الطرفِ المُقابِل رأى أثينا, عيناها فارِغتانِ تمامًا وكأنهُما أكثرُ بُقعةٍ مهجورة في الوجود, لم تنبَس بحرفٍ مُحدِقة بهِ تهجُمًا.

اهتزَ بالغُرفةِ صوتُ صُراخ, لا صوتها ولا خاصتَه, كانَ لشخصٍ ليسَ مُتواجِدًا هُنا معهُم, شخصٌ يصرخُ بألم, وكأنهُ يلقى من العذابِ الكَمَ العظيم.

ارتعَبَ بِشدة, كان على وشكِ فقدِ عقلهِ وسمعِه, استمرَ صوتُ الصُراخِ مزيدًا, وما لبِثَ أصبحَ حادًا أكثَر لدرجة شعرَ بها أن أحدهُم يقومُ بوخزِ طبلةِ أذنيهِ بإبَرٍ حديدية.

تلوى قابِضًا على رأسهِ راكِعًا بينَ اللهيب, حاولَ حجزَ الصوتِ بعيدًا عنهُ بقنوط, لكِن دونَ فائِدة.

أسدلَ جفناهُ على عينيه, تلوى مزيدًا, شعرَ بأنهُ محشورٌ في دوامة مِن الفزَع, ثُم اصطدمَت رُكبتاهُ وكِلتا يديهِ بالسجادةِ الجلِفة ذاتها.

قساوةُ الأرض, رائِحةُ الشمعة, وسنفونية أنفاسِهِ العنيفة.

لكن هذهِ المرة شعرَ بدموعٍ دافئة تقطعُ طريقها على وجنتيهِ طيشًا.

____________________

أمر بدوامة كسل فظيعة وما عندي شي اسويه بالحياة 🌝💔

شكرا على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت 💕

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top