8| Torn In Two
°°°
كان جيهيون مختلفا عن أخويه، لم يترعرع بجوار والده الذي توفى قبل ولادته وبداية طفولته كانت مأساوية؛ فأمه لم تكن ذات نفس مستقرة، اِستنزفت خلالها سنوات من حياته بينما كانت تحت العلاج من الِاكتئاب ومحاولاتها الفاشلة في الاِنتحار.
إنه لطالما شعر بقلة حبها له، وكم أخبرته أنه يشبهها بكل شيء. لم تستطع أن تخفي كم تفضل شقيقهما الكبير عن الجميع. كان والد بيك سول بيون دي هيون شابا طموحًا فقد سعى والده لأن يحقق فيه كل ما قد حرم منه خلال طفولته. أنهى دي هيون كلية الطب وتخصص في الجراحة بأمريكا منشئا مستقبلًا مبهرًا وحقق أمنية والده قبل أن يقدم على الزواج من خطيبته جينا.
حياته كانت مثالية!
إنها كانت تقول دائما لو أن الأيام أعيدت؛ فإنّ ولادة إبنها البكر كان أفضل جزء بحياتها؛ فهو يشبه والده، الرجل الذي قد أحبته بلوثة وفقدت صوابها إثر مقتله.
أما مينهيوك فكان يلعب دور الإبن المطيع والمتفهم، حتى أنه قد سلك درب إدارة الأعمال لأجل أن يتولى إدارة الشركات التي كانت تحت مسؤولية والدته. رحل إلى سويسرَا بعد زواجه من حبيبته يونغ أي وقد أثمرت علاقتهما بإنجاب طفلهما الأول مينهيون.
لكن جيهيون، ذو الثلاثة وعشرين سنة، والذي لم يؤسس لنفسه شيء، جعل من نجاح أخويه نقمة له. لقب بيون كان يوفر له كل ما يبتغيه من إموال؛ فإنه سليل بيون جي سونغ، ولقد ولد وبفمه ملعقة ذهب. في نهاية الأمر، توجه إلى درب عكس ظنونهم، لقد اِختار أكاديمية الشرطة!
اِعتقدت والدته حينئذ أنّ ذلك سيحول مسير حياته بشكل إيجابي، لذا لم تعترض عن ذلك.
صنع شخصية مزيفة أمامها حتى يسترجع مكانته بالمنزل، ثم خطط لنقل وصاية الطفل له. اِعتصر جانبها العاطفي، بإنه بحاجة للتقرب من إبنه، ذلك سيساعدهما على الشفاء معًا من الجراح الماضية.
لكن بيكهيون الصغير الذي أضحى منغمسا في سكونه يصاب بنوبة من البكاء كلما يذكر إسم والده صدفة ويختبئ تحت سريره عند رؤيته وهو يرتعش. إنه كان يتجنب لقاءه بمفرده، وقد وجد جيهيون فرصته حينما اِضطرت والدته للسفر إلى جنيڤ كي ترى إبنها مينهيوك لأجل أمر مهم.
لم يكن بسعتها اِصطحاب بيكهيون معاها؛ فطلبت من جيهيون المبيت في منزلهم عوضًا عن شقته، ذاتًا رئيسة الخدم ستعتني به، وقد يتحسن الأمر بعودة والده.
ترك جيهيون خطته إلى منتصف الليل ثم اِقتحم غرفته عنوة. فغاص بيكهيون بفراشه مرتعبّا بينما وقف جيهيون ليحدق بالكتلة المنكمشة داخل الملاءة ثم هسهس بتبرم.
«أتبتغي أن أتخذ الأسلوب الآخر..، أيها اللقيط.»
نزع الغطاء عن رأسه بحذر وإنه أخذ يهتزّ وشهقاته؛ فأردف جيهيون حينئذ قهقهة ساخرة ثم ارتمى بقربه. حينما أوشك أن يفر بجلده اِلتقط جسده بقبضتيه قبل أن تبلغ قدماه الأرضية الخشبية ثم وجه وجهه أمام بصيرته حتى يتسنى له النظر بعينيه السوداء التي ورثهما عن أمه البيولوجية.
«لما أخذت أكثر جزء قد أحببته فيها؟»
«لا..تؤذيني..»
تأتأ بيكهيون بمشقة؛ فرفع جيهيون حاجبيه بطنز في حين أتمم إبنه كلماته الضعيفة.
«لم..، أخبر أحدًا..، فلا تؤذيني.»
مدد جيهيون ثغره وجعد وجنة طفله بين إصبعيه.
«مطيع..، لكن ذلك لن يبعد العقاب عنك..، أيها اللقيط.»
تسربت دموع بيكهيون الصغير وإن والده اِستمر في نحر مهجته.
«ذلك الإسم لأبي..، لن يأخذه لعين مثلك..، أنت لا شيء..، مجرد خطيئة اِرتكبتها لدقائق.»
«وأنت لقيط لعين أيضا أيها الطويل!»
اِستدار لذلك الصوت اللين وإذا بها فتاة صغيرة، لا تصل سوى لمنتصف ساقه عند مدخل الحمام. كانت ترتدي من ثياب بيكهيون، قميص رمادي مزين بنجوم صفراء وسروال من القطن أخضر اللون.
شعرها الأسود القصير لازال مبتلًا!
قذفه إلى سريره ثم توجه إليها.
«أليس مبكرًا أن تدخل الفتيات لغرفتك؟»
سخر في حين تبسمت لإبنه ببشاشة بينما نهض بيكهيون من فراشه برعونة.
«يبدو أنك تشبهني في شيء ما.»
طنز مجددا فقد رفعت الفتاة شفتها بإزدراء حينما تجاهلها بيكهيون!
«من أنتِ؟»
عقدت ذراعيها عند صدرها ثم قالت.
«إن كنت تقصد إسمًا..، فلا أمتلك واحدًا.»
«وكيف أتيتِ إلى هنا؟»
أجابت ببراءة:
«تسللت.»
سددت سبابتها نحو بيكهيون الذي رمقها بنظرات غاضبة؛ فإنها لم تستشره قبل أن تستحوذ على قميصه المفضل!
«أردت التعرف عليه!»
شخر جيهيون لكنها هتفت بإنزعاج:
«لاتنظرا إليّ وكأنني لصة!..، لقد اِستعرت ثيابه فقط!»
«يمكنكِ الإحتفاظ بهم..»
«كلا!..، إنهم لي!»
اِعترض بيكهيون وتلك النظرة الحمراء بعينيه، لكنّ والده لوى ثغره بمكر بينما عثر على سبيل جاهز ليزعجه، لوهلة كان يريد قول الكثير لكن مدبرة المنزل السيدة بارك اِقتحمت خلوتهما وهدرت بقلق:
«ألم أخبركِ ألا تتحركِ؟»
تأتأت عندما وجدت جيهيون؛ فأشار بإبهامه إلى الطفلة:
«أتعرفينها؟»
تنهدت ثم أومأت مجيبة بآسى.
«دعنا نتحدث بالخارج جيهيونَآه.»
همهم واِنسحب قائلًا بسخرية:
«نوعية الأسرار التي أحب.»
جذبت ذراعه لتدخله مكتب والدته ثم أقفلت عليهما. وثب حينئذ فوق الطاولة في حين سكنت أمامه وهي تمسح رسغها.
قطب ما بين حاجبيه بعدما اِنفجرت بنحيبها:
«ماذا هناك؟»
حركت يديها محاولة التحدث وقالت بعد ذلك بمرارة.
«إنها حفيدتي..، إبنة غايون.»
الذهول اِكتسح ملامحه لكنها لم تنفي ما أفصحت عنه بل أخبرته بالمزيد.
«والدتك ذهبت إلى سويسرا لترى زوجة أخيك يونغ أي وأمها..، ستخبرهما بفعلة إبنهم الوغد.»
إبنة السيدة بارك، إيم غايون توفت أثناء ولادتها، حسب علمهم أنّ الجنين ولد ميتًا أيضا؛ فهذا ما أخبرهم به زوجها كيم أي جين شقيق يونغ أي.
لكنه قد أودع طفلته بالميتم!
«أفرج ذلك السافل عن سره وهو ثمل لجيمين..، حمدًا للرب أنه لم يكن بصفه..، عثر عليها وجاء ليخبرني..، ذلك كان قبل شهرين..، وبمساعدة والدتك..، قمت بتبنيها.»
وقتئذ، ظلت تلك الفتاة ترسم اِبتسامتها اللطيفة في وجه بيكهيون المتجمد، لم تستوعب حينها أنه قد أودعها ضمن لائحته السوداء.
«تلك المرأة قالت أنّ اِسمك..، بيكهيون.»
نبست بخفة واِنتظرت رده، لكنه رمقها بنظرات جافة ثم حملق بقميصه المفضل الذي حظيت به دون أن تطلب موافقته. قلصت المسافة بينهما وهي تنظر إلى اِحمرار آثار أصابع والده على وجنته.
«هل يمكن أن نكون أصدقاء؟»
صوتها المشتعل بالحماس سببت اِرتيابا بداخله ونطق ببرود:
«أخرجي من غرفتي.»
ضحكت وأرست يديها عند خصرها ثم قالت:
«وإن لم أفعل؟..، ماذا يسعك فعله؟»
تغاضى عن وجودها وعاد إلى رحيب سريره. بعدما أدار وجهه إلى الاِتجاه الآخر، تحركت واِرتزكت بركبتيها إزاءه. حدق بها بصدمة في حين تلفظت بتذمر.
«إننا بالعمر ذاته!..، لما ترفض صداقتي؟»
اِلتفت إلى الجهة الأخرى، وصعدت لتلقي برأسها أمام ملامحه مجددًا!
«لماذا!..، هل أبناء الأغنياء كلهم هكذا؟»
اِستمرت اِزعاجاتها حتى هوت بجواره نائمة، كانت جدتها تريد نقلها إلى الغرفة التي قامت بتجهيزها لكنّ جيهيون علق ساخرّا من منظرها المنكمش كالجنين في حين أسندت خذها الصغير فوق كتف إبنه.
«الفتاة قامت باِختيار غرفتها مسبقا.»
تنهد بيك سول وهو يحدق بمنظر الميتم مهترئ الجدران أمامه، لم يفرجا عن تساؤلهما؛ فقد أجاب بنغمة متأسفة.
«هنا ترعرعت والدتكما..، قبل أن تنتقل إلى منزل جدتي.»
دحرجت تاليا بؤبؤيها بتذمر، كانت ستزلزل الأجواء بغضبها الصاخب لكنّ بيك سول، أوصد فمها بكفها وصرّ من بين أسنانه بخفوت.
«لا علم لي بمن قد يكون هنا أيضا.»
قضمت شفتها السفلى في حين أزال يده، ثم أشار برأسه ليتتبعوا خطواته بحذر. اِلتصقت خلفه خوفا من تلك العتمة وفور اِقترابهم من بوابة المطبخ تمهل ثم عانق الجدار بينما اِسترقت الأنظار من خلف كتفه.
حينما لمحت أخاها الكبير سونغهيو مستندًا بالجدار دفعت بيك سول وركضت إليه!
اِندهش من وجودها فقد أعلمته قبل ساعات أنها تستعد للسفر إلى التايلاند. بعد عناقها ود أن يستفسر عن ذلك لكنه أبصر تقدم بيك سول ووراءه الأخران.
اِندست متمسكة بذراعه بينما اِنضم إلى المسرحية واين وأتت والدتهما برفقة ليو إيميلي.
«تلك.»
همس جيهيون مخاطبا شقيقه في حين ظنت غايون لوهلة أنها تتوهم، لكنّ نبرة واين الهادئة أيقظت شرودها وقد خاطب بيك سول.
«لما خالفت الأوامر؟»
لم تستطع التقدم بل أدبرت وراء والدهما. بركان جراحها اِنفجر عندئذ وحررت دموعها الحزينة دفعة واحدة.
«أقدم لكما..»
لم تكد تاليا تكمل جملتها فقد توجه بها سونغهيو إلى جناح الغرف رغما عنها في حين تصدى لصخبها بيده. نظر صوب إيميلي لتترك لواين وغايون الفسحة للحديث، لكنّها تجاهلت ذلك وحدقت نحو الولدان بينما تكهنت من منهما والد جنين إبنتها.
«بارك..، غايون.»
همس جيهيون بتقطع؛ فمددت ثغرها بمشقة ثم وجهت عدستيها إلى بيكهيون الذي تجمد وجهه وهو شارد بتفاصيلها. عندما لم تتمكن من الصمود هوت وأسندها واين بذراعه ثم تشدق ساخرًا بنغمة لينة.
«هيا..، أم أن الصراخ من حظي فقط.»
فح جيهيون ببرود:
«لما عدتِ؟..، فلا أعتقد أننا أحد أسبابك.»
أدارت جسدها إلى صدر والدهما ثم قبضت بأصابعها على كتفيه وهي تبكي بمرارة.
كانت تبتغي الفرار وإذا به شدد حصارها وأجبرها على أن تستدير إليهما ثم همس بجوار أذنها.
«علينا دفع الثمن..، معـا.»
نظراتها المخملية التي قذفته باللعن اِتهمته بأنه اِستغل نقطة ضعفها لعقابها.
«أكرهك.»
خافتت بأنين ضده؛ فلوى ثغره بلا مبالاة ثم حركه متحدثا باللغة الإنجليزية.
«أعلم.»
لم تقوى على إطالة النظر بهما، فلم تستعد لمواجهتهما، ولم تخطط لأن تحتك بلقائهما أبدًا. حسب ما كانت تعتقده، أنهما يجهلان الحقيقة، لكنّ الأمر لا يبدو كذلك بعد الآن.
توسلت إليه بمقلتيها عسى أن يفرج عنها، لكنه زمجر بنغمة عميقة.
«لنضع نهاية للقصة.»
لكمته بمرفقها ولم يبدي ذرة تراجع، قبض على ذقنها وأجبرها على النظر إليهما مهسهسا.
«كنت عند أبواب النسيان..، إلى أن عادت إلى حياتي لتحفر تراب قبور قد دفنتها.»
بلل غيثها كفه بينما اِسترسل بمرارة.
«أخبرتها بذلك اليوم أن تغادر..، لكنها قالت أنها هنا لأجلي..»
اِستنشق أنفاسه وأخرج ضحكة متهكمة:
«منحتها ثقتي..، وحبي..، كانت كل شيء بالنسبة لي..، لذا أردت صنع العائلة التي وددت الحصول عليها.»
نزع يده عن وجهها وقيدها بين ذراعيه حينما اِستشعر أنها ستنحدر إلى الأرضية.
«هنا إمرأة واحدة..، لكن في الحقيقة..، تمتلك وجهين.»
أزاحت عدستيها عن ولديها وإنّ الصدمة قد جعلت منهما أصنامًا.
طنز واين حينئذ بما لم يتوقعاه.
«هونغ كاثرين..، زوجة جين أل مون.»
أوصدت على جفنيها وقد أتمم جملته بنبرة متلاعبة:
«وبارك غايون..، إمرأة بيون بيكهيون.»
بعد ما قاله، رأت إيميلي أن من الحكمة أن تتراجع إلى غرفة إبنتها عندما اِندس بيك سول بين غيوم الظلام.
«إنه مجرد ضحية أخرى اِستغلته حتى تكون بقرب شقيقه الكبير جين ليون مالك اِمبراطورية الصناعة..، جزء كبير من ثروتهم كان مشبوهً..، سرقت وثائق قد تنهي مسيرتهم وفرّت بهن إلى كوريا بهويتها الحقيقية حتى تخبئهن في علية بيتي.»
عادت إلى سيؤول ولم تجد ما قد ألفت عليه قبل ثماني سنوات. الوحيد الذي ظلّ بتلك الأرض، كان بيون بيكهيون. اِكتشفت أن والده مات منتحرًا وما تبقى من عائلته توزعوا بين أقطاب العالم، بينما قد غدا نقيبا في صفوف القوات المسلحة الجوية.
كان عائدًا من عمله حينما تفاجأ بدخولها دون اِستأذان إلى شقته. رفض اِستقبالها وطردها خارجًا رغم أنّ الساعة تجاوزت منتصف الليل.
قالت أنها لم تختار الاِختفاء، والدها كيم أي جين اِختطفها وهاجر بها إلى أمريكا. لم تخبره عن المصير الذي حتم عليها تجرعه، فقد عاشت طوال تلك المدة كأداة قتل في صفوف اِستخبارات.
تبريراتها لم تشفع ليتقبل وجودها، ظنت أنه مازال غاضبا لكنها اِكتشفت أنه لا يبيح لأي أنثى دخول بيته، حتى حبيبته لي هانا.
«سيؤول بها من الفنادق ما تشتهين.»
تمسكت بالبقاء وأخبرته أنها اِستنزفت كل ما كان معها من مال؛ فأبدا رغبته في دعمها لحجز ما يكفيها من الأيام حتى تعثر على مكان لتستقر فيه بعدما أكدت مرارا أنها تبتغي العيش في كوريا بصفة نهائية.
قال قبل أن يوصد الباب في وجهها.
«أعتذر.»
كان من حسن حظها أن عاصفة داهمت ليلتهما؛ فتراجع عن قواعده حينما أبصرها جالسة عند عتبة منزله وهي تتقفقف من البرد. الأسبوع الذي اِتفقا عليه صار شهورًا، إنه اِنشغل بعمله في حين وجدت مخبأ جيدًا. لم تكن تغادر بيته إلا للضرورة وهي متنكرة، أما عند عودته؛ فإنها تغوص بالحجرة التي أضحت غرفتها مرغمة.
كلما كانت تحاول إزالة تلك الحدود بينهما يقابلها بالبرود الذي يميزه، الاِنجذاب كان بداية من جهته حقا، اِستشعرت ذلك، لكنّه قد بتره خشية أن يرتكب خطيئة إن بقيا تحت سقف واحد.
اِنفصل عن حبيبته بعدما تيقن أن مشاعره اِتجهت لأخرى ثم قرر مغاردة بيته كي ينهي تلك الحماقة، لم تعلم ذلك في البداية إلا حينما بدأ يتجنبها بشكل كلي.
هو لم يتوارى خلف رحيله، لقد أفصح عن ذلك دون تردد وإنه خجل من تصرفه، فلقد اِئتمنته على نفسها في حين أبتليّ برغبة سيئة تجاهها.
فقررت اِستغلاله! وكان من السهل أن تستحوذ على ثقته. اِخترعت جزء أنها تبادله حبه واِنتهى بها الأمر كزوجته. هو يرى هذا من زاويته، لكنها قد أحبته، منذ اليوم الأول لها ولم تستطع نسيانه طوال تلك السنين.
كانت تدرك أنّ ذلك لن يستمر وسيتوجب عليها العودة، لكنّها قد أدمنت قربه وتمنت البقاء. ضعفها أمام عشقهما جعلها تقامر وترجو أن تنتهي حكايتهما بالسعادة.
حملها بطفلهما الأول سبب لها ذعرًا، رغم أنّ حياتهما كانت محاطة بالأمان، فكرت بإجهاضه، لكنّ في اليوم الذي اِتصلت فيه مساعدة طبيبتها لتذكرها بموعدها الدوري كان الرد على اتصالها من نصيبه.
لم يخبرها بمعرفته، اِلتزم الصمت واِنتظر خطوتها القادمة، أدركت أنه قد كشف أمرها واِضطرت لأن تقلب المشكلة لصالحها؛ فأعدت عشاء لمفاجأته وبه قد خففت من شكه الذي اِندثر شيء فشيء.
بعد ولادة جيهيون، إزداد جزعها من القادم؛ فرفعت علو حرصها، لازمت منزلهما الجديد بعد اِنتقالهما. كانت تراقب الوضع من بعيد وفجأة ظهر صديقها لورينزو من فرقة التصفية.
بعد سنتين من الغياب، القناصة كاثرين أضحت زوجة نقيب ممتاز واِنكمشت داخل قالب ربة منزل. مجيئه كان ليوصل رسالة تحذير بأنّ شقيق أل مون الأوسط جين رايون يلهو في الجوار، وربما قد حدد موقعها.
كانت عند حافة الموت خوفّا من أن لا يستسلم حتى ينفذ ما بخلده. لقد مرت ثلاثة أشهر على قدوم إبنهما إلى هذا العالم، لن تستطيع أن تبتعد في ظل هذه الظروف. اِستنزفت صمودها ودخلت في أزمة نفسية حتى حينما عاد زوجها من مناوبته، حاولت أن تدعي الهدوء واِنتهى بها الأمر فاقدة الوعي.
أخذها إلى المستشفى وإنه كان يلوم نفسه على تركها بمفردها بينما إنها بأمس الحاجة إليه.
المفاجأة السارة كانت له وإنّ الثقل الهموم كان من نصيبها، لقد كانت حامل بإبنهما الثاني!
حتى إن خططت للاِندثار قبل ذلك، فلن يسعها الآن المضي حتى تضع مولودها. اِنقلب حالها وصنعت مشكلات واهية بينهما، أرادت أن يكرهها وإذا به كان يبتلع كل كلماتها المؤذية ولا يرد.
بوصول حملها للشهر السادس اِتسعت تلك الفجوة التي خلقتها، من جهتها تتجاهله وتحرق قلبه، لكنه اِكتفى بوجودها قربه وأحيانا تلين وتأتي للبكاء بين أحضانه.
كان يحاول إنهاء ما عليه ليحصل على إجازة حتى يعتني بها؛ فقد تدهوت صحتها. تلك الليلة التي غاب فيها جلست لتحادث ذاتها في إمكانية إخباره بالحقيقة وما تبقى سيكون له، إما بالِاستمرار في زواجهما أو أن ينفر منها بملء إرادته.
أيقظها صراخ جيهيون ونهضت من سريرها لتهرع إليه. اِصطدمت عند مقدمة مخرج غرفتها بلكمة رايون. تجنبتها وجابهته في حين كاد أن يضرب بطنها.
لم يكن بمفرده! لقد أتى بإبن خالته جيرالد أيضا في حين قاومتهما بكل ما ظلّ بمقدرتها. بنهاية ذلك! حقن رايون رقبتها بمخدر شلّ حركتها. لم يكن بنيتهما اِختطافها؛ فلن يتورطا بملاحقة جنونية من جهاز كالجيش بحثا عنها.
قاما باِغتصابها في رحيب فراشه بينما ترى ولا تستطيع أن تمنعهما. تسلى بها وبوحشية! لقد قتلا روحها وغادرا بهدوء وكأن شيء لم يكن. عندما اِسترجعت شعورها بأطرافها كان ألم مخاضها قد بدأ يشتد.
لم تدري في البداية أن جنينها قد دفع إلى الحياة مبكرًا؛ فلم يبدي بحركة تدل على وجوده. بذلك الحين ركن بيكهيون سيارته أمام ببوابة بيته المنفتحة على مصرعيها.
أصابه القلق فذلك ليس من عادة زوجته، لذا ترك مقعده وأسرع إلى دواخله.
دوى بإسمها ثم قصد غرفته ليجد منظرًا لن يستطع نسيانه!
إنه لا يتذكر كيف تحمل ذلك حتى يسعفهما، هو من قام بتلبيسها أول فستان يجده ولفّ رضيعهما في ملاءة أخيه الصفراء ثم أرقده بجوارها في حين بسط جيهيون بالمقعد الذي قربه.
لم يكن بقدرته التفكير في الأسباب، إنقاذهما كان غايته. نجح في ذلك وقد كان إبنه في وضع فقد منه الأمل لول أن الإله منحه فرصة للعيش.
اِختلت في جناحها لترتاح كما طُلِب منه وقد غاصت في نومها لليلة ونصف. جلس في الردهة، وبين ذراعيه جيهيون النائم، أخرس وفؤاده تحول إلى رماد من شدة غليانه.
ما بعث له سونغهيو حينئذ لم يكن سهل الاِبتلاع، فقد تم رصد آثار اِقتحام بمنزله، الكاميرات حطمت بشكل كلي ولا مجال لسحب أي دليل سوى من غرفته وعلى سريره!
رغم أنه علم أنّ ذلك سيؤلمه، أخبره أنّ هناك حمض نووي لرجلين عدا الذي يخصه وزوجته!
توجه إلى حجرتها التي غدت فارغة منها! لقد رحلت دون أن تقدم تبريرًا!
فقد صوابه وطوق كوريا للوصول إليها. إنه حتى نسيّ ولديه بالمستشفى لولا أنّ زوجة جونغ كي شايا كانت تعمل بمصلحة الجراحة هناك فقامت بتوفير مكان لهما في قسم المواليد.
لم يغلق جفنيه ووعد بإيجاد أم طفليه، لكن دون جدوى!
في ظل تلك المأساة تم التلاعب بفرامله قصد التخلص منه وقد نجى بأعجوبة. أضطر بتلك اللحظة للاِتصال بجدته التي كانت تجهل أمر زواجه، وقد أتت وبيك سول من جنيڤ حتى يصدما بما كتب في قدره.
عودة بارك غايون وإختفاؤها مجددا ثم مسؤولية رضيعين بحاجة ماسة لوالدتهما! لم يثقلا كاهله بالعتاب فقد كان مكسور الحال ولم ينم لأيام.
تأزمت حالته بعد بلوغه أخبار اِحتمالية غرقها ضمن باخرة كانت متجهة إلى تايوان، ثم صدم باِندلاع النيران في منزله بينما ذهبت جدته للتسوق وتركت إبن عمه بمفرده للاِعتناء بطفليه.
إلى الأن مازال يشعر بالإمتنان لبيك سول؛ فقد أنقذ السبب الوحيد لبقاءه على قيد الحياة في حين تشوهت ذراعه. كان وجوده كأبيهما مدخلا للجحيم في حياتهما، لذا أرغم على اِنتزاع قلبه وأذن لمينهيوك بالتدخل لمساعدته.
هيأ هوية مزيفة للرضيعين لينتقل عمه بهما إلى سويسرا حتى الحين الذي سيختتم فيه هذه المهزلة! بعد ذلك رتب خدعة موتهم في ذلك الحريق.
اِعتقد أن ذلك سيخرجها من مخبئها! وبالفعل! اِلتقط حبل مشنقة اِلتفّ حول رقبته!
زوجته منذ البداية كانت زوجة رجل آخر! تزوجت جين ليون قبل سبعة أشهر من مجيئها إلى كوريا! إنها لم تمت ولم يهوي جسدها بأعماق المحيط كما زعم.
لقد عادت إليه..
بتلك الليلة قرر دفن بيون بيكهيون إلى الأبد.
بسط كل تلك التفاصيل أمام ولديه ورغم اِنهيارهما وترجيها بأن يتوقف لكنه أفرج عن ما كبحه لنفسه.
«هما..، أرادا معرفة ما حدث حتى تخليت عنهما.»
ألقت ساقيها إلى الأرضية وشهقاتها المتقطعة؛ فكبل ذراعيها لتستقيم لكنها جذبتهما وصاحت به!
«يكفي!»
لم يلين إلا لدموع الصدمة بعينيهما، جيهيون إنكفأ واِرتطم ظهره بالجدار بينما كان بيكهيون جالسا على ركبتيه وأرقد يديه عند جبهته ليبكي بصمت.
فبلل واين ثغره ثم تمتم بهزؤ.
«مؤلم..، أليس كذلك؟»
أثوى بجسده إليها ورفع ذقنها لتنظر إليه:
«ماذا عني؟»
حنق بإزدراء وأغلقت على مقلتيها لقلة حيلتها.
«هل اِستحقيت ذلك؟..، أخبريني!»
طوال تلك السنوات كان أعمى عن تفاصيل تلك الليلة السوداء، لولا عثورهم على شريط كان بخزنة رايون، قام جونغ كي بإحضاره بين تلك الأدلة التي تم حجزها قبل شهر من الآن.
كان تسجيلا لجريمته وإنها إلى الآن لا تعلم أنه قد عرف، بل وقد تكلف بإحراق رايون حيا فور ما اِنتهى من تعذيبه.
«كل ما فعلته..، أنني أحببتكِ..، كنت والهًا وعاشقا اِنفطر قلبه..، لكنني خططت لإسترجاعهما حقا..، ولم أفلح..، فما عدت بقادر على إعطائهما حبي وهما كل ما أملك..، لقد ملأتني بالكره ولا أبتغي لهما مصيرًا مثل الذي عشته!..، فهو محق!..، إنني إبنه والنسخة الشريرة منهما!»
أدبر جيهيون إلى العتمة ليحرر نحيبه وارتمى بجوار بيك سول الذي كان يسند جبهته بين ركبتيه. أما بيكهيون؛ فرفع بصره إلى والده حينما سلّ مسدسه ووجهه مقبضه إليها.
«عليكِ بذلك..، فلن أنفك إلا بموتي.»
كادت أن تلمس المسدس بأصابعها المرتعشة لكنّ قبضة بيكهيون اِنتشلته من يده واِندس ليكون حاجزًا بينهما. ضمّ والده وبادله واين العناق بشدة؛ فربت بيكهيون حينئذ فوق ظهره بلطف ثم فاه بنغمة متمنية.
«أريد..، العودة للمنزل.»
كان واين يعي حجم ما فعله، واِستسلم لإبنه في حين سحب ساقيه إلى الخارج. اِستنشق الهواء وعيناه بحثتا عن جيهيون، كان واقفًا بمفرده بينما جاء بيك سول وسأل إبن عمه برنة قلقة.
«كيف حالكَ الآن؟»
أجاب بهدوء:
«بخير.»
أغارت الحلبة عشر سيارات رباعية الدفع ثم صفت قبالتهم، ترجل منها رجال ملثمون ليوجهوا التحية العسكرية لقائدهم قبل أن يتقدم الذي بمنتصفهم وأعاد التحية أمامه ثم قال بنبرة باردة.
«تمّ الأمر سيدي.»
همهم واين باِنغماس بينما رمقهم بيكهيون بحذر، أزاح بصره بعد ذلك إلى أخيه الذي تفحص ما يرتدونه باِهتمام. سحب والدهما مسدسه من خصره ثم جهزه بخفة وقال:
«لنرى طريدتنا أعزائي.»
بذلك الحين اِنزاحت غايون عن بقعتها ولحقت بهم، تعثرت بتعتبات الدرج ثم تمسكت بحوافهنّ لتكمل صعودها.
كان يحادث رجاله وإنها إنبلجت من الدجى مترنحة، فطن بيك سول بقدومها وهتف حينئذ بإسمها. عندما اِلتفتوا إليها حاولت أن تتمالك ما اِحتفظت به من صمود ثم وجهت المسدس صوب زوجها السابق.
بتلك الثانية سددوا أسلحتهم باِتجاهها أيضا، لكنّ واين هدر بأوامره واِمتثلوا لها رغم أنّ فعلتها تعد جريمة قاتلة:
«أنزلوا أسلحتكم!»
نظرت إلى ولديها وإن العتمة لم تسعفها لتلمح نتائج الصدمة جيدا. اِقتربت منه ثم بخطوات ثقيلة أرسلت الفوهة عند قلبه.
قضمت شفتها السفلى ولم تنزع مقلتيها عن عينيه.
«غايون التي صَنَعْتَها قد ماتت.»
أدارت مدخل المسدس إلى صدرها وأضافت:
«أكون جين كاثرين.»
شق فكره بطنز وقد كان اِهتزاز صوتها واضحًا.
«في كلتـا الحالتيـن..، جئـتِ إلى حضنـي للإختبـاء..»
جعد ثغره قائلا ثم نطق إسمها برقة.
«كاثـريـن.»
°°°°
يتبـع..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top