الفصل الأول.
أيتها السطور البالية..ربما لن أتحدث اليوم عن معاناة أود بمرارة ردم رمادها بمحيط لا تتكرر أمواجه.
لكنني..سأعترف..
إنني بارعة في قتل نفسي..هل بت أستمتع بذلك؟
ربما..
-----------
مذكرات بيون يوجيني..
القصة ليست بسيطة الحبكة..لن تتوضح من الفصل الأول.
لكنني أتمنى أن تشد اِنتباهكم كما استحقت محبة قلبي.
_______
فصلين كل أسبوع: موعد العرض[الخميس والجمعة].
شخصيات هذا الفصل:
الجد بيون جي سونغ- لم أجد شخصية بخبثه لتلعب هذا الدور.
إنه متروك للتخيل.
••••
جانغ يوجيني-19 سنة.
••••
بيون بيكهيون-19 سنة.
••••
بيون جيسونغ جونيور-33 سنة.
••••
كيم جي يونغ(ملقب بكينجي)-31 سنة.
••••
بارك ييجين-20 سنة.
••••
جي ميون-39 سنة.
••••
بيون نارَا- 50 سنة.
••••
جانغ كانغهو-45 سنة.
•••
حشرت أصابعه المرتعشة سجارته بخندق شفتيه، هو واقف بين خيوط دجى ليلته يؤرجح ساقيه من توتره. اِستهلكها للحظات ثم أفرغ فمه لينفث دخانها. كان يراقب قصر عائلة بيون الميلياديرة لساعات خلف تلك الشجرة، محبطٌ وراكع للتردد!
ليس بقدرته أن يتقدم إلى فوهة الهاوية، وإنه عليم بما سيخوضه.
جده، والد أبيه البيولوجي الذي اِنبثق فجأة أمر بعودته مجددًا بعد رحيله عنهم.
إنها ثماني أشهر! قد طويت منذ لقائهما الأول.
بذلك الحين قد تسأل حد اللوثة عن غايته من حفيد قد تخلوا عنه منذ يوم ولادته.
الأيام شاءت أن تلقنه تلك الإجابة، ولن تكون أبدًا منسية.
بيكهيون الذي ترعرع بميتم من الجحيم، ثم أكمل مراهقته بين شوارع سيؤول تعيسا؛ قد أيقن، أنه اِرتكب خطيئة بإدخالهم إلى حياته!
يدرك أنه عاجز عن تجاوز ما حدث ليبني لنفسه حاضرًا بهذه السهولة!
«عليك المضي، بيكِي.»
فاه أحدهم خلفه بنبرة مألوفة ساخرة؛ فاِنتفض مفزوعا، إنه لم يستشعر مجيئه.
«كينجي؟»
بسط ثغره كرد؛ فتراجع بيكهيون محدقا بالأرضية.
«لما أخذت عناءً الإعتصام هنا..، إن كنت لن تدخل؟»
فاه كينجي بينما قد أخرج سيجارة من العلبة التي كانت بسترته؛ فوجه بيكهيون القداحة إليه وأشعل ضياء فوهتها. حينما لم يقدم إجابة أخرى، جذب كينجي ياقته مهسهسا بسخط.
«لا تتخبط بالخارج وكأنك جرذ.»
دحره بيكهيون ليتحرر منه ثم صرّ بقلة حيلة:
«لست مستعدًا لذلك.»
شخر كينجي ثم تلقف القليل من دخانه قبل أن يقذف سيجارته أرضا ويدعسها.
«إنهم عائلتك!..، مستقبلك الذي تستحقه بينهم..، فبحق الإله، لماذا تراجعت عن ذلك؟..، هل هناك ما أجهله؟»
نبس كينجي معاتبا، وتحديقات بيكهيون المنكسرة قد سبقت حديثه البارد:
«لم أشعر بالانتماء.»
جمع تلك الحروف وقد كان يعنيها حقا، إنه حتى لا يعتقد أن من الممكن أن يخيط رابطًا بينه وعائلة بيون الشهيرة بعد الذي طعن به. هناك جزء تكتم عنه، قد حاول تناسيه، ولم يقم بتسريبه حتى بين أنفاسه.
لانت تعابير كينجي لتتلون بالحسرة، ثم بسط راحة كفه وربت على كتف صديقه لمواساته.
«ستعتاد ذلك..، المصلحة تغلف دائما بالتضحيات.»
إن عقدة اليتيم التي قضى حياته في محاولة تقبلها لم تكن ربيعًا، أيام كانت بملجأ الرعاية تحت التعذيب قبل أن يفرّ إلى أزقة الشر ليصارع المجهول، وتجاهل ذلك لن يكن متاحًا أيضا.
كينجي له مكانة خاصة بقلبه، إنه الأخ الكبير الذي اِنتشله من الإدمان، اِستضافه بسقيفته وعشرة أطفال أخرون كانوا يشاركونه وضعيته. لعب هذا الدور جيدًا، علمهم التأقلم بهذا العالم المتوحش؛ فقد كان الوحيد بينهم فوق السن القانوني حينئذ، وقد عاش ضعف ما قد تجرعوه.
كلما تعثر الشرطة على أحدهم، تعيده إلى ذلك الميتم الموحش؛ فكان الهروب خيارهم دائما. تورطوا بعصابات المخدرات التي كانت تستقطب المراهقين لصالحها، هناك من اِستمر كعبد لهم، لكن بيكهيون قد أراد صنع طريق نظيف لنفسه بعيدًا؛ فاِنتقل من عتمة ذلك الحيّ، واِستأجر لمستقبله غرفة بمقاطعة أخرى بما جناه من عمله مع كينجي بمحل لتصليح السيارات مملوك لأرملة تأتي لتقتسم معهما ما يجنيانه .
كينجي لطالما كان محبًا للإستقرار، لم يكن بند المغامرة ضمن قاموسه. عاش ببساطته وتزوج حبيبته وصديقة طفولته ييجين. تلك التي قد عاشت بينهم وكأنها فتى، تعلمت فن الطهي من مطابخ المطاعم حيث كانت تستمد قوت يومها. تغسل تلك الصحون الهائلة مقابل ثمن قد لا يكفي حتى لتعيل به نفسها. تلك كانت استطاعتها؛ فلم تجد من قد يغامر بتشغيل قاصر دون وثائق هويتها، لكنّ الآن، قد حظيت ببطاقة هوية لتحظى بوظيفة أحلامها بمطعم آخر لرجل إيطالي طيب بعدما أقنعته بموهبتها.
رأى بيكهيون أن ما قد حققاه ليس ضمن أهدافه، إنه لم يفكر في إنشاء أسرة ككينجي، بل لم يكن راضيا أبدًا عن أحواله، ولا يجد ذاته مستعدة لأن يكون زوجًا أو أبًا بيوم ما. كل ما يريده ويتمناه فؤاده بشدة، أن يكمل دراسته التي قد حرم من إكمالها؛ فيفرش له ذلك طريقًا كي يصبح محققًا بسلك الشرطة إن كتب ذلك في قدره أيضا.
بين جدران حجرته وحيدًا، لن يستطع أن يوصد جسور عدستيه. لم يرغب في أن يجالس عتمتها، أن يفكر وتتأكل أعماقه ببطء؛ لا ينوي أن يفني حياتها هكذا.
قبل اِقتحام الماضي طريقه، ظنّ أن ربما وجود عائلة بجواره ستشكل فرقًا. كلما كان يضيق به صدره، يلملم عزلته ثم يتدحرج بها إلى صديقه بابلو ليحتسيا الجعة بسطح منزله.
قاوم قلة حيلته، اِعتقد أنه قد ينجح في تقبل مصيره؛ فجاء من اِنعطف به إلى ضفة لم يعلم بوجودها. بذلك اليوم، عاد إلى غرفته مترنحًا من التعب، كل مخططاته ألغيت ونوى أن يرتمي فوق أريكته ليغفو؛ فإذا به عثر على رجل أشيب بطقم أسود فاخر، جالسا بها وحارسه الشخصي الذي كان متصنمًا قربه واِنسحب كالبرق ما إن أغار صاحب المكان حلبته.
ليس هناك من خلق بهذا البلد قد يجهل هوية هذا الرجل، إنه الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات بي إين..بيون جي سونغ.
أخذ ينظر إلى بيكهيون بهدوء؛ فحمحم عندئذ وقال:
«عذرًا، ما قمتما به يعد اقتحاما.»
طرق عكازه مرتين ثم أجاب:
«اِجلس، هناك ما يتوجب عليك سماعه.»
شق بيكهيون فكه وأومأ بطنز:
«لست في مزاج لذلك.»
تبسم ذلك الرجل ثم خاطب نفسه بتهكم:
«نسخة مصغرة حقا.»
«من أذن لكَ بالدخول؟»
رفع بيكهيون حاجبا منتظرًا هذا الجنون أن ينتهي، لكن ذلك الرجل أشار بعصاه صوبه قائلا:
«إني هنا لأجل حفيدي..، بيون..، بيكهيون.»
تيبس بيكهيون ببقعته، بؤبؤاه اِهتزا بينما تفحصا هيئة هذا الغني. حاول أن يجد ثغرة به لتقوده إلى غايته؛ فحتما ما يحصل إزاءه ليس لأنه قد أثقل بالشرب.
«سأضطر لاِصطحابك خارجا.»
فحّ بيكهيون؛ فهمهم الرجل ثم رد بما كاد أن يخرج مقلتا من جحريهما.
«يبدو أخذت مساوئ تلك اللعينة أيضا.»
صنع بيكهيون تنهيدة ودعك رقبته قبل أن يقترب من ضيفه المريب ثم تلفظ بنبرة تعبق بالشكوك.
«بحق الجحيم.»
فتن بشراهة معرفة المزيد عن أسرته؛ فلم يعي شناعة ذلك. لشهرين تماثل لأوامر بيون جي سونغ سونغ كالجميع؛ فاِحتسى كأس نبيذ معتق مستندًا بجدار بهو حفلتهم المملة تلك.
شكر الإله أنه قد تغاضى عن جزء تقديمه إلى العالم الراقي. رغم ذلك، فإنه لم يسلم من نظراتهم المتعطشة بالفضول عنه.
كان ذلك ما يؤرقه حتى وجد نفسه متورطًا بأسرار أخرى أكثر تعقيدًا، وكلما أراد الابتعاد يشتد نهمه لينقب عن التتمة.
إنه قد عاش تحت أشواك المعاناة؛ اِحتاج وقتًا حتى يصدق أنه جزء من هذا النعيم كحفيد لهذا الملياردير الذي قد أدخله إلى قصره وصار يعامله بلطف مبالغ به.
جده قد سرب حقائق بالكاد يمكن عدها باليد، لم يشبع ضمأه في الحديث عن الماضي كثيرًا، عدا أنّ والداه قد توفيا بعد ولادته، إنه حتى لم يمنحه فرصة ليرى صورة لهما.
رغم ذلك، قَبِل بيكهيون أن يخضع للاِختبار، وقد كانت النتيجة إيجابية، إنه حقًا يحمل دمائهم! بقيّ محترسا، لم يكن هناك سبب عقلاني لتتخلى أسرة عريقة كتلك عن طفل إبنها، هكذا ولسنوات.
ثم وصدفة! اِنقلبت مخططاتها ورغبت في استعادته.
حفر بالقليل مما قد طويّ عنه، لم يرتشف أن يوضع كدمية ليغلفوها بين ليلة وضحاها بزيّ الثراء دون بغية. حملق بضيوفهم بتبرم، إنهم نخبة المجتمع! حتى رئيس الوزراء وزوجته بالطاولة المقابلة له.
عائلة بيون تبسط سلطانها بالحزب الأشد قوة بالمنطقة، بالأحرى، أوامر جده الجديد، بيون جي سونغ مطاعة. أرمل بالثمانيات من عمره، تبقى له إبن وحيد يدعى هيونغ جين شارف أواخر الخمسينات وهو مدمن قمار محترف. ذلك ما تلقفه عنه بين ما كتب في صحف المشاهير، إن اللقاء الذي جمعهما كان بعد أسبوعين من اِنضمامه إلى إرث آل بيون.
بدا مريبًا..إذ كان الأخير بينهما!
بذلك اليوم..اِصطدما ببعضهما البعض بمنعطف الدرج المؤدي إلى السطح، لقد خطط بيكهيون حينئذ لأن ينغمس بتفكيره وهو يتناول دخانه. لكن الأمر قد تلاشى حينما وقع عمه هلوعًا بعد رؤيته وكأنه قد أبصر شبحًا!
ملامح الدهشة غلفت محيا بيكهيون وأثوى جذعه ليمد يد العون لهيونغجين الذي تراجع زاحفًا وكل عظمة بجسده تتقفقف جزعًا!
تكبد مشقة كي ينهض؛ فتجمد بيكهيون مراقبًا الآخر مبتعدًا بجوف ذلك الرواق الذي أمامه.
لم يمتلك وقتًا ليستفسر عن ما حدث بينهما؛ فقد اِختفى تماما من الوجود بعدها. لم يكن عمه اِستثناء بها؛ فحتى زوجته نارَا، حدقت بالوافد الجديد وكأنه قادم من الجحيم.
بالليلة ذاتها، فجرًا، عادت من باريس إلى القصر. كان بيكهيون ممددًا فوق حشائش الحديقة. ترجلت من سيارتها الفارهة الحمراء وتأففت؛ فرفع جسده إليها مبتسمًا!
اِستعد كي يقدم التحية لقطعة أخرى من أسرته؛ فتصلبت إزاءه كالصنم!
تفحصت تفاصيله بينما الذعر قد صبغ ملامحها الجميلة. بفيمتو ثانية تغيرت تعابيرها ثم رسمت بسمة ساخرة وتمتمت:
«آخيرًا!»
كانت مشرقة الهيئة، شعر أسود قصير إلى رقبتها وفستان يبلغ حدود ركبتها أفحم اللون كحذائها ذي الكعب الذي رصع بمجوهرات متلألئة شبيهة بالطوق الذي يزين عنقها. تراهن ونفسه أن من المحال أن تنجب رجلًا بالثلاثينات، رغم أنه قد قرأ بقسم فضائح المشاهير أنها قد حملت باِبنها الوحيد جيسونغ جونيور الحفيد البكر لعائلة بيون مبكرًا، وقبل ثلاث سنوات قد جلب لعرشهم حفيدًا من أمٍ بديلة.
لقد قلصت المسافة بينهما لتكبل ذقنه بأصابعها، تغافل عن فعلتها؛ فما قد أردفته اِستعمر تركيزه.
«أرجو أن لا تخضع لشره..، عليك حماية نفسك جيدًا..، لا تكن دمية أخرى.»
لم يخرس بيكهيون فمه، بل نبس بنبرة متلاعبة:
«أهذه نصيحة أم لأنكِ ترفضين وجودي بينكم.»
زمت شفتيها ثم ابتعدت عنه وأخرجت قهقهة صغيرة.
«أظن أن بك فطنة لتفهم مقصدي..، فلا تتصرف بحماقة كوالدتك.»
تخبط جوفه مما قالته، لكنه تمالك أنفاسه ولم يدع ذلك يكسر عزمه.
«والدتي؟»
فرقعت بأصابعها ثم اقتربت منه ونظرت بمقلتيه باِنغماس.
«أخشى أن ثقل ذلك الألم لن تتمكن من حمله.»
وجهت أناملها إلى ياقته لترتبتها في حين تبسمت بتهكم، لقد أحدثت به موجة من الارتباك، وهو منتظر أن تبوح بالمزيد.
«أحيانا أن تتجاوز الشيء..، سيصد عنك وجعه.»
مددت ثغرها؛ فقد أبصرت السيد بيون جي سونغ بثياب نومه المخملية، متمسكًا بعكازه خلفهما بمتر؛ فقبل أن تنطلق تشدقت:
«سأستمتع برؤيتك تنجو..، ليلة سعيدة أيها الوسيم!»
تغنجت بمشيتها في حين مرّت بجوار والد زوجها وهتفت بخفة:
«عمت مساءً أيها العجوز النتن!»
لقد تجاهلها! لم يكن بيكهيون أعمى عن ذلك حينها؛ فلم يبتلع مسرحيتهما السخيفة وقلص المسافة بينه وجده قائلا:
«هل ستستمر بالكذب أيضا؟»
غمغم جي سونغ ثم قال بنغمة ساكنة:
«حقيقة أنك بيون..، تابثة.»
شخر بيكهيون ثم أصدر ضحكة صفراء ودعك رقبته، لم يكن ذلك سوى أنه قد أبدى رأيه عن هذه المهزلة التي لن تضحك أحدًا.
«أي أب قد يجلب ولده إلى هذا العالم الملعون، ليلقيه إلى العراء؟»
اِمتعض بيكهيون حانقًا؛ فأومأ جي سونغ ثم أجاب بما لبد الدم بعروق حفيده.
«والدك..، ريوجين..»
اِرتعش قلبه بينما حاول التنفس، إنها المرة الأولى التي يذكر اِسم أبيه!
«لم يظل بهذا العالم ليدرك قدومك..، تلك المرأة كانت السبب في ذلك..، لذا لا تسألني عنها..، أنتَ حفيدي..، وأكون عائلتك الوحيدة..، نحن نمتلك بعضنَا الآن.»
أدبر جي سونغ إلى جناحه تاركًا وجدان بيكهيون يتقلب حيرة. لم يتزحزح عن موطن قدميه، ظلّ منتصب القامة وعينيه إزاء نوافذ المدخل.
بتلك الثانية، قد تمنت نفسه العودة إلى حياته السابقة؛ فخوفه من المجهول تأجج!
-بيون..ريوجين.
همس باِسمه حينها وزفر غصته.
وعى أنه مقيد، وطريق البقاء حكم لن يرتد عنه.
اِبن عمه جيسونغ جونيور، لم يكن لخياله آثر بين جدران القصر طوال الأشهر الثلاثة الأولى، جدهما جي سونغ من قام بلم شملهما.
كما قيل عنه.. رجل فاتن، متسلط، وأنيق بجسد رشيق رياضيّ، خصلاته من الليل ووسامته مثالية.
هذه الجملة قد طبعت بذاكرته حينما شاهد موجزًا بأحد برامج المشاهير.
ما اِستوعبه بيكهيون حينها، أنّ هذه العائلة تعشق الأدهم؛ فحتى جيسونغ هذا آتى بطقم يطفو في سوادٍ.
نظراته الجافة لم ترحب به، إنه حتى لم يلقي التحية. جاء ثائرًا وأغار مكتبة جده حيث كان بيكهيون يتأرجح بكرسيّ المكتب.
-ألعاب الوحش تلك لم تعد ممتعة أيها العجوز!-
اِستقام بيكهيون محملقًا به؛ فتيبس الآخر وتبادل وإياه تحديقات باردة، كلمات جيسونغ قبل دخوله كانت كافية حتى يؤكد ظنون بيكهيون.
إنها لعبة؟
مجيء الجد من خلفه، كانت بداية حديث شيق؛ فجيسونغ جونيور لم يمسح تعابير السخرية عن وجهه، لكنه تقمص الصمت وترك الحديث لجده.
«ستتولى إدراة أعمال العائلة إلى أن يتجهز بيكهيون..، ليكون خلف آل بيون النهائي.»
الذهول اِكتسح وجه بيكهيون فحسب، أما اِبن عمه فقد انفجر ضاحكًا ثم لكم طاولة المكتب بقبضتيه.
«فقدت صوابك أيها العجوز؟»
لم يكن بأعماق بيكهيون رغبة في أن يندس داخل شجارٍ عائلي لم يعتده؛ فرفض عرض جده حينها وأدبر.
لكن الشهور الثلاثة اللآتي تلينّ هذا الإجتماع العائلي، كن لظى حامية عليه، وقد ختمن بما لم يكن في الحسبان!
لقد اِتخذه جيسونغ عدوًا! أما بيكهيون؛ فلم يحاول مواجهته. تعايش بما قد فرض عليه؛ فجاءت هذه المرحلة من لعبتهم لتكسر ظهر صبره.
ليلة لعينة أخرى لن تحذف من جوفه!
بتلك الحفلة التي قد أُعد نصابها للاحتفال بخبر خطبة جيسونغ جونيور بحبيبته، بدا هادئا وهو يقهقه ورفيقه الإيطالي أنطونيو؛ فاِستغرب بيكهيون اِندثار غبار غضبه سريعًا. تكهنّ أنه قد أقنع جدهما بالعدول عن خطط اِنتزاع الأملاك منه.
إن جيسونغ محق، من الحماقة أن يتخلى عن ما قد اِعتنى به لسنوات لفتى جاهل رغم أنه ينتمي إليهم..أيفعل؟
حينما ألقى جيسونغ القبض عليه متلبسا، لوى إبتسامته بمكر؛ فرسم بيكهيون اِبتسامة واسعة ورفع كأسه كتحية. تعامى عنه جيسونغ مجددًا وأكمل حديثه وصديقه.
لم يلمه، كان واعيا أنّ هذا الرجل قد قرر مقته مسبقا، ولم ينكر أنه حزن لذلك.
صنع زفرة وهزّ رأسه كي يخرج ذلك من ذهنه، ثم ذهب ليضع كأسه بصينية الخادم التي كانت بين يديه حينما مرّ بمحاذاته. صعد الدرج الخارجي ليتجه إلى الحديقة، أراد اِستنشاق حريته؛ فتوقف عندما بلغ النافورة.
أبصر هناك فتاة الفستان الأحمر التي كانت تشاجر جيسونغ جونيور صباحًا برواق الطابق الثاني. لم يتسنى له رؤية ملامحها؛ فقد دحرت اِبن عمه وفرت هاربة إلى غرفة الضيوف.
كاد أن يهمّ عائدًا؛ فقد اِستأثرت مكانه المفضل ولم يبتغي أن يفسد خلوتها. لكن أنينها كبحه، إنكفأ واِستدار إليها، فالتفتت تجاهه مفزوعة.
خوفها كان شديدًا، مقلتاها المضيئتان اِتسعتا؛ فكأنها قد لمحت شيء لم تخطط لمقابلته. لم يظهر من محياها إلا القليل؛ فأضواء تلك الجهة كانت منطفئة.
أعلى بيكهيون راحة كفه معتذرًا:
«عذرًا آنستي..، لم أنوي إخافتك.»
اِرتعش فكها ثم بلعت غصتها، لم تقم ببصق ردٍ له، تجاوزته مسرعة لتعود إلى تلك الحفلة؛ فرجّ كتفيه وعاد أيضا. فور ما توسط تلك المسرحية التمثيلية بحثت عينيه عنها، كانت بجوار خطيبها قبالة طاولة العشاء. لوح جده إليه حينئذ ليأتي إليهم؛ فأومأ وأزاح المسافة التي بينهم.
اِتخذ كرسيا قربه وقد كان مقابلا لهما، رأسها كان إلى الأسفل وأخفت وجهها بين خصلاتها العسلية الطويلة.
بدت مألوفة له؛ فتفحصها بحذر.
«يوجيني!»
هتف الجد بحزم؛ فرفعت تعابيرها الساكنة إليهم، ألحقت بذلك صدمة جامحة بحفيده الجديد الذي اِنتفض ومقلتاه الجاحظتان. جاهدت على أن تتهرب منهما، لكنها قد اِسترقت لمحة من سكون تقاسيمه المليحة التي قد أخمد ذهولها مرغمًا حينما نبس جده بخفة وهو يلوح بكأسه.
«جمعتكم اليوم لمشاركة فرحتي..، حفيدي جيسونغ وحبيبته يوجيني..، حفلة خطبتهما يوم السبت المقبل!»
تلقى ذلك الخبر تصفيقات حارة، وعدستاه علقتا باللوحة التي أمامه، كان كمن قد تلقى صفعة بغتة.
«اللعنة..»
فحّ بمشقة بين أنفاسه؛ فقد دريّ بالكارثة التي ألقيّ بها.
لم يكن مظهرها كعروس سعيدة، عانقها جيسونغ وبادلته ببرود ثم زيفت إبتسامتها المرتجفة تلك!
ظلّ بيكهيون منغمسا بشروده، لم يستطع أن يتعامى عن لمعان الخوف الذي بعينيها وهي ترمقه بتوسل، راقصت إبن عمه وساقيها تتقفقفان. اِستنكر تجاهل عجزها عن الوقوف بينما خطيبها قد وهب يداه لتتحرش بخصرها لكنها لم تكبح اِشمئزاز وجهها منه.
لما سيكترث؟..اِستفسر بحنق، رغم أنه يدرك الإجابة.
اِنسحب بذلك الحين وتوجه إلى غرفته؛ فلم يعد ذلك مسليا. لا صلاحيات له حتى يتدخل بشؤونهما، إنها مجرد ليلة أخطأ بها..وقد كانت أحد نتائج الأشهر الماضية!
بعد يومين من لقائه باِبن عمه، أرسلهما جده برحلة إلى أحد فروع فنادقهم بجزيرة جيجو. أراد منه أن يلقي نظرة على جزء ضئيل مما يمتلكونه. قبلّ العرض ظانا أنه قد يستمتع بوقته. ذلك كان ليكون جيدًا لولا أنه قد أُودع بحماية جيسونغ جونيور بغية أن يقويا علاقة الأخوة المعدومة بينهما.
اِبن عمه الذي ما إن وطأ أراضي تلك الجزيرة حتى اِنقلبت شخصيته.
اِبتسم له بمرح حتى!
«أترى ذلك البرج؟»
أشار إليه بسبابته؛ فحرك بيكهيون رأسه مجيبًا.
كان رد جيسونغ جونيور المبتهج غريبًا!
«إنه لك!»
زمّ بيكهيون ثغره وحاول مجاراته فقط، البرج كان حقًا مذهلًا؛ فكأن بنائه قد صنع من الألماس. إنه فندق به منتجع سياحي، تصميمه كثنين يتلون ليلًا!
لم ينكر أن شعور اِمتلاك شيء كهذا بالنسبة له، يعد مستحيلاً!
سلمّ جيسونغ له بطاقات إئتمانية لم يرغب في عدها وأخرى كمفتاح لجناحه الملكي، ثم أخبره بطنز:
«إبتداء من الآن..، سترعى نفسك..، فلست بجليسة أطفال!»
أجابه بيكهيون بهدوء:
«لا تقلق..، أمتلك خبرة بذلك.»
كلاهما قد عثرا على الراحة بالتخلص من بعضهما البعض، لم يعاني بيكهيون وحده في التأقلم هنا أيضا، تمثيل أنك فاحش الثراء بدت له كفقرة إضافية لإضاعة وقته، إنه يعامل كملك، وقد تم حجز أفضل مكان لسموه.
السرير الحريري العسلي كان مريحًا، لكنه قد فضل قضاء نومه في مسبح قمة البرج الخاصة به وكأس الشمبانيا. تلك السقيفة الزجاجية كانت عالمًا آخر، بمفرده يرى سيؤول بعيدًا عن معاناته. آتى الساقي لخدمته وقدم إقتراح لخلطة مميزة من الكحول من اِبتكارهم. أثنى عليها بشدة، لكن بيكهيون قابل ذلك بالتردد؛ فلم يبتغي أن يستيقظ وآلام الثمالة به.
«أؤكد لك يا سيدي الرئيس..، إنها المفضلة لدى سيدي جيسونغ..، أتمنى أن تقوم بتجربتها أيضا..، سيكون ذلك منبعًا للشرف.»
الرئيس؟..لقد كان مغفلا، وقع بالفخ وصدق ذلك؛ فليته اِمتنع بذلك الحين. تفهم لطفهم حينها، أنهم أرادوا ترك انطباع جيدٍ لديه؛ فأذن له بصنع واحدة له..لكنه قد أُخذ إلى السقم.
من الرشفة الأولى اِستشعر ثقله، لم يكن مُرًا كما توقع، لكنّ الأمر اِشتد جنونًا حينما أتمم الرشفة الرابعة. شعر باِنتشاء كالمخدرات، رمش ببطء وحاول اِستجماع إدراكه.
«أبها مخدر..، ما؟»
رد الساقي بنفيّ قاطع:
«كلا يا سيدي..، إنه فقط كوكتيل مميز به تيكيلا عالية الجودة.»
غادر تاركًا لسيده وحدته بينما قد أنزل بيكهيون كأسه بكفه المرتعش. إنّه خبير في تمييز تلك النشوة؛ فقد كان التعاطي ضمن سوابقه. هدأ أعصابه واِستقام بحذر ليتوجه إلى جناحه.
قد أحس أن ما اِحتساه سيسحبه إلى السقوط في حضيض ما قد يجهله، إن ظل في الحوض.
لف حوله معطف اِستحمامه الرمادي ليعرج إلى حجرته، أغلق الأضواء ثم قذف خفه واِرتمى بحضن فراشه المهيع. تكاسل عن اِرتداء ثيابه، ولعنّهن؛ فقد بدأ يخسر وعييه..
بتلك اللحظات رنّت طرقات كعب بأرضية جناحه، لم يتمكن من سماعها لكنه اِسترجع إدراكه حينما هوى جسد فوقه وعانق خصره ثم ذفن وجهه بعنقه.
«لقد..نحرت..قلبي.»
اِستوعب أنها أنثى من بحة صوتها المجروحة، لم يكن بوضع ليرفض غريبًا، إنه لم يبني حدودًا؛ فلم يكن بعاقل حينها. إنها من رفعت عينيها الصفراء إليه؛ فتعلم أنها بين ذراعيّ رجل آخر.
إنه كان فاقدًا لواقعه، رغم ذلك لم يستطع تجاهل فتنتها.
كانت خارقة!
كسرت الحاجز الذي بينهما؛ ففاضى كأس تحمله ليطغى مبادلا إياها في ما اِعتبره إثمًا!
عندما استيقظت به الحياة، كانت تحاول اِرتداء حذائها برعونة وهي تحدق بوجهه.
لم تكن تجهل هويته..
أزاحت مقلتيها عنه؛ فغمغم وفاه بنغمة ممتلئة بالنعاس.
«من أنتِ؟»
لم تخطئ في سيرها، إنها بجناح بيون جيسونغ جونيور حقا. رمت بكرامتها عرض الحائط وجاءت لتترجاه أن لا يتخلى عنها بعدما أمسكت به أمس يخونها واِمرأة أخرى!
تذكرت فعلتها وأنها من ألقت ذاتها على اِبن عمه، لقد منحت هذا الغريب ما اِكتنزته له من نقاء.
الندم فقط من يفترس دواخلها الآن!
أرادت شيء ينسيها، الكأس الأخيرة التي عثرت عليها بجوار الحوض عندما جاءت باحثة عن جيسونغ، اِرتشفت نصفها وقد كانت مختلفة عن ما قد تجرعته سابقا أيضا.
كانت مدركة لأي مصير تقود نفسها إليه، لكنها لم ترغب في منعه. جرح خداعه المتكرر زينّ لها لذة ضربه بالفأس ذاتها، لكنّ ثمن تلك الخطيئة كان باهضًا.
حينما تجهز للنهوض اِنطلقت مغادرة، قبل أن يفتح فمه بحرف واحد أغلقت الباب في وجهه، إنه لم يستوعب ما قد جرى بينهما إلى أن أبصر أنه لم يكن نائمًا كدب هذه المرة.
اِرتدى معطفه برعونة ولحق بها، لكنها قد اِندثرت!
بالآخير، إنها حبيبة جيسونغ؟
اِستنفذ ذلك أعصابه!
باليوم الموالي، سحب ذاته وحلّ بمحل صديقه كينجي حيث كان يصلح سيارة أحد زبنائهم. اِنشغل بالمحرك في حين تمدد بيكهيون فوق الأريكة السوداء الجلدية وهو يحملق في الجدار إزاءه. لم يستشعر متى قد دلف كينجي الحجرة، نزع قفازه ومقلتيه لم تبرح رفيقه المتجمد كالصنم.
أرجع خصلاته البنية الطويلة إلى الخلف ثم توجه صوبه قائلا بسخرية:
«ما الجديد؟»
ارتفع وتفاجؤه؛ فعقد كينجي ذراعيه عند صدره منتظرًا ردًا، حمحم بيكهيون حينئذ ثم نهض من مجلسه.
«انتهيت؟»
همهم كينجي مجيبا ثم تلفظ بنغمة متلاعبة:
«لا تراوغ بيكهيوني..، هناك ما يزعجك.»
دلك بيكهيون رقبته ثم صنع تنهيدة ثقيلة، وضع كينجي قفازيه بخزانة معداته، وقبل أن يستدير إلى صديقه نطق بيكهيون بهدوء.
«خطيبة جيسونغ.»
رسم كينجي بسمة ساخرة ثم التفت إليه وتهكم:
«أعجبت بخطيبة اِبن عمك؟»
رمقه بيكهيون بتبرم ثم لوى فمه مردفًا:
«كلا، فقط يبدو..، أنه قد تمّ إجبارها على الزواج.»
زمّ كينجي شفتيه وهزّ كتفيه بلا مبالاة.
«وما أهمية ذلك؟..، إنها حياتهم.»
دس بيكهيون لسانه بجوف خذه ثم اِقترب منه قائلا:
«إنكَ محق.»
سحبه كينجي بعناق وربت على ظهره؛ فتمسك به بيكهيون وقال برنة مغمومة.
«أخي..، إن ذلك القصر ملعون.»
«بيكهيوني!»
دوت ييجين من وراءه ببهجة؛ فانفصل عن رفيقه، سعادتها برؤيته أحدثت إبتسامة بمحياه. ركضت لتحتضنه ثم تفحصته باِهتمام وأردفت:
«صغيري كبر بسرعة!..، متى أصبحت وسيمًا هكذا؟»
جعد بيكهيون ثغره معترضا:
«منذ مولدي!»
قهقهت ثم قيد عنقه بذراعها لتخنقه.
«أيها الوغد!»
حاول كينجي إنقاذه لكنها قد أرقدت نحوه نظرة سامة جعلته يتراجع كي تقوم بمحاسبة صديقها المفضل؛ فضغطت على أنفاسه في حين نطق بتقطع.
«ستقتلينني.»
حررته ليسترد حياته؛ فتوالت شهقاته بينما زفرت غضبها الحانق وتذمرت.
«نسيت أمري تماما!..، تواريت بين أولئك الأثرياء ولم تتصل بي ولمرة حتى!»
اِستند بكتف كينجي الذي كبح ضحكاته بمشقة، عندما اِسترجع صوته أجابها برقة.
«كنت أحتاج الاختلاء بنفسي..، أعتذر عن تقصيري ييجينآه.»
بللت شفتها السفلى ثم سدد تحديقاتها المليئة بالشك بعينيه؛ فتجاوزهنّ متمتمًا.
«ليس الآن.»
تأففت ثم حركت رأسها بالإيجاب.
«لأجلك..، سأنتظر.»
تبسم؛ فمسحت على وجنته بحنو، حينها نبس كينجي بطنز.
«إنه رجل..، لا تعامليه وكأنه قطكِ.»
مرر بيكهيون بؤبؤيه بينهما مستغربا في حين سخرت منه:
«أستغار منه أيضا؟»
قناع الإنزعاج غلف تقاسيم كينجي الفاتنة وثار بها.
«ييجين!»
أصدر بيكهيون تصفيرة صاخبة ليحد النزاع.
«ما المشكلة؟»
هتف متعجبا؛ فأشارت بسبابتها تجاه زوجها ثم اِنفجرت ممتعضة.
«منذ رحيلك!..، لقد حول حياتنا إلى جحيمٍ!..، يترصد لكل ذرة أفعلها!..، وكأنني سأقوم بخيانته!»
كان بيكهيون سيتكلم لكنّ صديقه قاطعه.
«بيكي..، دعنا بمفردنا.»
حينئذ اِنعطفت مغادرة؛ فزمجر كينجي بحزم:
«بارك ييجين!»
أسرعت بخروجها وصفقت البوابة الخارجية بكل ما بقدرتها؛ فبقيّ بيكهيون برفقته، حافظ على هدوئه إلى أن أسقط كينجي جسده على أريكته.
«تشاجرتما مجددًا؟»
همز كينجي:
«إنها عنيدة.»
طبطب بيكهيون على كتفه ثم فاه عسى أن يقلص تلك الفجوة.
«لا تخوضا صراعا عقيما قد يدمر الحب الذي بينكما أخي..، لقد عاشت بيننا لسنوات..، جميع أصدقائها من جنسنا..، لن تستطيع أن تحرمها من لقائهم.»
لجم كينجي فمه ولم يقدم إجابة؛ فتنهد بيكهيون وقرر الإنسحاب من أمامه كي يدعى له ملجأ ليفكر بما قاله. حينما رحل، اِستقام كينجي ليعود إلى السيارة الزرقاء التي كان يصلح محركها؛ فأبصر بسطحها علبة طعامه الصفراء.
فور ما أزالها عثر على رسالة كبيرة بيضاء ختم بطرفها الأيسر رمز لمختبر للتحليلات. أرقد تلك العلبة جانبا ليفتح جوفها، بدأ بقراءة تلك الأسطر وتيبس عندما وعى أنه إختبار حمل قد تم تأكيده.
اِرتجف قلبه وتدفقت غصة إلى حلقه، شعر بذعر قد امتزج بفرحة هائلة. لم يتمكن من إيقاف دموعه؛ فجففهم بكمّ قميصه الأسود ثم طوى تلك الورقة وحشرها بجيبه ليهمّ مغادرًا إلى منزلهما بالطابق العلوي.
صعد تلك الدرجات وداهم غرفة معيشته، كانت تتناول الفشار وهي تشاهد مسلسها المفضل. وجهت نظراتها الباردة صوبه، تعابيره قد فضحت سعادته؛ فشقت فكها ساخرة.
«أحدهم راضٍ عن إنجازاته.»
أراد أن يقلص المسافة بينهما؛ فقذفت الوسادة إلى وجهه لكنه تفاداها وأضحى الحائط هدفها.
«بحق الإله!»
تذمر فردت بحدة.
«بمكانك كينجي!..، لم أسامحك بعد.»
وقف ببقعته يحدق بها؛ فأردفت زفرة ونطقت بغضب:
«كف عن النظر إليّ هكذا!..، لن تستعطفني.»
بعثر خصلاته الدهماء ثم صرح بقلة حيلة:
«ييجينآه..، أُدرك أنني قد أخطأت بحقك..، لكنني لم أعد أتحمل أن تكون الأعين عليكِ.»
مددت بسمتها لتقول بإزدراء:
«تناسيت جزءً مهما.»
اِنتصبت قامتها وأدبرت إليه مكملة بنبرة معاتبة.
«لقد شككت بي!»
سار بكفه ليسبح بخذها، ثم انحدر وطبع قبلة علئ جبينها.
«إنني أكره أن ينظر إليك الأخرون كما أفعل..، أنتِ لي..، الهواء الذي أتنفسه ييجينآه..، سأموت بدونك.»
ضحكت ثم تشدقت بتهكم:
«لست برومانسيتك يا كينجي..، لكنني ممتنة لحبكَ.»
دحرج عينيه وقال.
«لما لسانك ليس بحلوة وجهكِ هذا؟»
ركلت ركبته؛ فركع متأوهً وضمته. أحاطها بين ذراعيه بشوق بينما همست:
«حسنا..، لقد دفعت دينك الآن.»
مساء تلك الليلة، سكن بيكهيون ليراقب هيئته الجديدة بمرآته، طقم أزرق داكن، وصفف شعره الفستقي إلى الخلف أما غرته بقيت متأرجحة فوق جبهته. كإبن لهذه العائلة، هذا الدور الذي أعده الجد له.
الجميع بالأسفل وإنه مازال بجناحه يتلقف التردد. إنه ليس بحاجة لنظرات أخرى تنتقص منه، لن يستطيع تجنبها. مجرد حفيد ترعرع بالشوارع ثم بعث إلى ثراء ليس بجزءً منه.
«بيون..، بيكهيون.»
فاه ببطء ثم رتب ياقته قبل أن يتشجع ويمضي. الأنظار كانت عليه حقا؛ فالسيدة ميون والدة يوجيني لم تبعد عينيها عنه، عندما أدركت أنه قد أمسك بها أدارت وجهها.
تجاهل ذلك ثم توجه إلى طاولة العشاء حيث تجلس وزوجها بجانب جده.
«أعتذر عن تأخري.»
لم يجبه، بل اِنغمس بالنظر إليه أيضا؛ فقطب بيكهيون حاجبيه وهتف.
«جدي؟»
أومأ قائلا:
«لا بأس، بني.»
«أهناك خطب ما؟»
أراد ردًا لكن صراخ الخادمة شتت اِنتباههم!
«الآنسة يوجيني بحافة السطح!»
لم يتمالك ذاته، اِنطلق إلى الأعلى قبلهم حتى، بينما اِندفع جيسونغ ووالدها خلفه. أما الجد؛ فقد أعاق مسير ميون بعكازه.
«أنتِ منبع تمردها.»
«دعني.»
هسهست بحدة؛ فكان سيصفعها به، لكنّ والدة جيسونغ غرست كلماتها به.
«من المثير اِنتظار مولود نسلٍ طاهر كآل جانغ في حين اِمتزج بنجاسة من آل بيون..، أليس كذلك؟»
لم تبرح نارَا مقعدها، بللت ريقها بالنبيذ السويسري ثم حركت ما بكأسها. اِستغلت ميون شرود العجوز بزوجة اِبنه وصعدت إلى حيث اِبنتها، عندما صار وحيدًا معها قال:
«إنكِ شيطان خسيس نارَا..، من المؤسف أنني لا أقوى على قتلك.»
أنزلت كأسها إلى الطاولة بهدوء ثم عانقت أصابعها في ما بينهما ونظرت بحدقتيه الدهماء.
«هل لأنني أشبهها؟»
هناك، كانت يوجيني بفستان الزفاف تحتضر، شهقاتها المريرة قد تسربت لتستغيث بآلامها.
فاِنتهت بصرخة متوجعة!
«لا أستطيع ذلك!»
إنها لم تعد تفكر في البقاء؛ فقضيتها قد ساءت!
ليس هناك حلٌ أمامها إلى بالاستسلام والرحيل بعيدًا عن هذا المصير الملوث بالخزي.
هوت كريشة بالهواء؛ فجاء الندم وإرادة الحياة لينعشا نبض ضميرها بتلك اللحظة. لم تكتمل صرختها حتى قفز بيكهيون ليستحوذ على رسغها بينما تعلقت يده اليسرى بالحافة.
رفعت أنظارها المهتزة الأخيرة إلى ذلك الوجه الذي لم تستطع نسيانه ثم أغلقتهما. والدها قد اِستأثر معصمه حتى يساعده على الإرتفاع؛ فقد كان متلهفًا لاِسترجاعها، لم يكترث لوجود زائر العائلة الجديد، نزع اِبنته من أحضانه ليضمها ودس أنفاسه برقبتها.
تراجع بها مغادرًا واِرتطم بزوجته بين عتبات الدرج، بتر لقاء مقلتيهما بتبرم؛ كانت ستلحق به في حين قصد الجناح الخاص بالضيوف.
تراجعت عن ذلك فور ما لمحت قدوم جيسونغ وبيكهيون وراءه.
مررت عدستيها العسليتين بينهما وتبتتهما بجيسونغ ثم أرسلت صفعة لم يتصدى لها.
ذلك فاق تكهنات بيكهيون؛ فإنها لم تنتظر أن تختلي بإبن عمه، جعلت منه متفرجًا رغم أنه أحس باِنزعاج جيسونغ من حضوره.
«لن تحلم بذلك!..، لن أسمح بهذه الزيجة الملعونة!..، ستدفع ثمن فعلتك الفاسقة بيون جيسونغ!»
نوى بيكهيون أن ينصرف ليدعى لهما مجالا ليفككا مشاكلهما العائلية، لكنّها من أدبرت مسرعة؛ فبقيّ واِبن عمه.
حينما غمر الصمت تلك الحلبة، تملكه الفضول مجددًا ولم يكبح نفسه عن سؤاله؛ فنبس باِرتياب:
«بما أذنبتَ؟»
شق جيسونغ فكه ووجه عدستيه الفحميتين إليه قائلا بنبرة متلاعبة:
«لقد..، اِغتصبنا اِبنتها.»
الصدمة خسفت بتعابير اِبن ريوجين، تأتأ بتلعثم؛ فلم يصدق ما التقطته أذناه. لكن جيسونغ قصر المسافة بينهما ثم دنَا نحوه وهو يحملق به ونظراته الخبيثة.
مدد ثغره بمكر ليتمم جملته:
«كنت الاِفتتاحية..، وقد أكملت التتمة.»
اِرتعش فك بيكهيون وزمجرّ بتقطع:
«ما الذي..»
لفّ جيسونغ ذراعه حول كتفيه وخافت قرب أذنه اليسرى:
«إن كنت تقصد ما فعلتُه أنا؟..، لقد اِختطفتها..، قيدتها بينما تسليت بها لأيام بعدما اِستعملتَها..، فقط.»
•••
-ما الذي تتوقعونه؟
[الفصل الثاني: غدًا.]
إنه جاهز.
لنلتقي..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top