إتجاه واحِد.
"أمّي أرجوكِ. غيّري تلك الموسيقى المملة."
رفعت حاجباي فور استماعي لحديث أجنيس الجالسة في مقعد المُسافر بجانبي.
"تلك الفرقة كانت من افضل الفرق العالمية، لما لا تستمتعين ببعض الموسيقى الجيّدة؟."
نظرت للطريق أمامي بينما أقود وسط الشوارع الشبه مزدحمة.
"إن موسيقاهم قديمة للغاية، لا أحد يستمع لهذه الأشياء بعد الآن!." أدارت إبنتِي عينيها و حاولت تغيير الأغنية التي تنبعث من المسجّل لكني صفعت يدها بسرعة.
"إنهم فرقتي المفضلة!" إعترضت و رفعت صُوت الأغنية.
من قد لا يحب وان دايركشن؟!
"أمي..لقد إعتزلوا الغناء منذ خمسة عشر سنة! أنتِ الآن في الخامسة و الثلاثين من عمركِ ولازالتِ تعشقين أغانيهم ذات الطراز القديم! يا إلهي."تذمرت مجدداً.
"لا يهم كم سني الآن متى إعتزلوا هُم. المهم أنني لازلت إحب موسيقاهم رغم كل شيء."
المراهقين. لا ينفكُون يتذمرون بشأن كل شيء و هذا يسبب لي الصداع القاتل.
"هذه سخافة." تمتمت و هي تخرج السماعات من حقيبتها و تحشرها في أذنيها.
كتفت ذراعيها و نظرت من نافذة السيارة نحو الطريق.
تنهدت و استمعت إلى أغنية Fool's gold الهادئة، ذكريات من مراهقتي الخاصّة تطفوا إلى عقلي.
دقائق و وصلنا إلى المنزل لتخرج أجنيس من السيارة نحو المنزل حيث أعرف أنها ستهرب إلى غرفتها لتحتمي بها كأي مُراهقة تحب الإنعزال.
هذا ما كنت أفعله كذلك في الحقيقة.
توجهت بدوري نحو المطبخ و بدأت بتحضير الدجاج المتبل بالخلطة المكسيكية الحارة و عدتُ أشغل مُوسيقى فرقتي المفضلة و الذين إعتزلوا الغناء تاركين فجوة في قلبي لن تُسد مهما كبرت في السن.
لم أقابل الفرقة أبداً طُوال فترة وجودهم، لم انشأ في عائلة غنيّة و لم يكن لدي مالاً كافٍ لتذاكر الحفلات.
لكن لم أفوت حفلة واحدة، كنت أشاهد كل شيء على الإنترنت و مواقع التواصل.
بعض الأشخاص قد يظنون أن هذا لا يجعل مني معجبة حقيقية أو في المراتب الأولى فبعد كل شيء أنا لم أقابلهم.
أجد هذا سخيف، لقد كنت داعمة لهم طوال الوقت حتى إن لم أكن في حفلاتهم.
صدح صوت أول أغانيهم what makes you beautiful. لم أكُن معجبة حين نزول تلك الأغنية لأكن صريحة.
لقد عرفتهم في وقت لاحق من عام ٢٠١٢
وضعت الدجاج في الفرن و بدأت بإعداد السلطة متمتمة ببعض كلمات الأغنيّة.
أمتلك عدّة ألبومات لهم و صور و كثير من المقتنيات التي كنت مهووسة بجمعها، أعتقد أن هذه الأشياء الآن مجمعة في صندوق خشبي قديم موضوع في القبو دون إهتمام.
لو أنا المراهقة علمت أن أنا الراشدة ستفعل شيئاً كهذا بتلك المقتنيات الثمينة لقتلت نفسها.
في الماضي والدتي بدورها كان لديها فرقة مفضلة تُدعى ace of base. هي إمتلكت شرائطاً وألبومات موقعة منهم كانت تغني لهم أغنية جديدة كل صباح.
حين كنت صبيّة أتذكر أن تلك الفرقة كانت مهربي من كُل شيء، بالمعنى الحرفي. كل أغنية يصدرونها تعطيني دافعاً لشيء ما. أو قد أجد مواساةً لي بطريقة أخرى.
حياتي الآن ليست سهلة بدورها، فحياتي مع أجنيس صعبة خصوصاً مع اختفاء عامل الأب في حياتها فوالدها لم يكن ليتحمل مسؤولية طفلة وحين علم بحملي لم يكن سعيداً كما انتظرت وبكل تأكيد بعد وقت انتهت علاقتنا بالطلاق.
وأنا الآن غارقة في مصاريف دراستها والبيت وكل شيء. حياة الراشدين ليست كما كنت أحلم حين كنت أصغير وأتمنى أن أجوب العالم في رحلات.
و مجدداً الأغاني و الكتُب تنسيني بعضاً من الواقع.
فالفن.. يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية كما قرأت لأحد الكتاب الذين لن أتعب نفسي حتى بتذكر اسمه.
انهيت تحضير الطعام و وضعته بروتينية على الطاولة الصغيرة في الصالة.
"إيخا!" صحتُ بالأسبانية أنادي على ابنتي أجنيس.
hija (إيخا): daughter (إبنة.)
لن أقول أن حياتي في المكسيك سيئة لكني أحلم بالخروج عن دائرة هذه البلد و الذهاب لمكان ما.. مكان آخر قد يساعندي على نسيان أي ذكرى مؤلمة كانت لي هُنا.
حضرت أجنيس و جلست تتناول الطعام بينما تشاهد التلفاز.
تأملتها مطولاً و شردت فيها بينما تحرك الطعام بشوكتها و تأكله.
و من العدم ظهرت لي فكرة مجنونة، فكرة تحررني من قيودي الجسدية و الفكرية.
"أجنيس.." بدأت لترفع عينيها نحوي، "أجل أمي؟"
"ما رأيك في السفر و الابتعاد عن هُنا؟" سألتها ليرتفع حاجبيها.
"السفر؟ بهذه البساطة؟ من أين لنا بالمال؟." سألت و سؤالها كان طبيعياً و في موضعه.
"سأبيع بضعة أشياء لي، و هناك أموال احتفظ بها كما أننا سنبيع هذه الشقة و نسافر لبريطانيا نستأجر شقة صغيرة تكفي كلتينا و نبدأ حياة جديدة."
"أمي هل تتحدثين بجدية الآن؟" عادت تسأل و هي تترقب.
"أجل. بكل جدية. لنبتعد عن هُنا فقد أرهقتني هذه الأرض." أخبرتها لتبتسم و تمسك بكفي تضغط عليه.
_________________
مضى شهر و بضعة أسابيع على تلك المحادثة و بعد أن إنتهت جميع الإجراءات سافرتُ تاركةً المكسيك و إتجهت إلى المملكة البريطانية مع أجنيس.
قد يبدو الأمر جنونياً وصعباً ولكننا استطعنا إنجاحه بطريقة ما.
كانت هذه بداية لي أنا و فتاتي الصغيرة التي تراقب الطرق في مدينة مانشِستر من نافذةِ السيّارة بسعادة بالغة أستشعرها من نظراتها.
استطعنا الحصول على شقة بسيطة و وضبنا أغراضنا و قد قررنا التبضع لشراء بعض الأثاث البسيط.
"أتشعرين بالجوع؟" سألت أجنيس التي ارتمت على إحدى الكراسي بإرهاق.
أغنية أوليفيا للفرقة تصدح في الخلفيّة، كانت تساعدنا على التحرك بحماس أثناء العمل في المنزل.
لطالما فكّرت في تسمية أجنيس أوليفيا، ديانا أو جورجيا روز لأن هذه كانت الاسماء التي ذُكرت في أغاني الفرقة.
"أجل للغاية." رد أجنيس قاطع أفكاري.
"لنخرج و نبتاع شيئاً ما لنأكله." قلت و تحركنا بالفعل وصولاً لأحد المطاعم القريبة للوجبات السريعة.
دخلنا المطعم فتحركت أجنيس لإحدى الطاولات و إتجهت بدوري نحو العامل الواقف أمام الكاونتر و طلبتُ شطيرتين برجر و جبن زيادة حجم كبير ثمّ وقفت جانباً منتظرة منهم إنهاء طلبي.
حركت عيناي في الأرجاء أسلي نفسي و أشاهد ديكور المطعم حتى وقع بصري على شخص لا أعلم إن كان حقيقياً حتّى.
ضيقت عيناي و ركزت بصري على الرجل صاحب الشعر الناعم داكن اللون يجلس في إحدى الأركان.
كان زين،زين مالك يضحك بصخب و بجانبه رأيت لوي جالساً يشاركه الضحك!
خفق قلبي بقوة مراهقة معجبة لم ترى أي من أعضاء فرقتها المفضلة في حياتها. كان الأمر أشبه بحلم سأفيق منه الآن على صوت أجنيس تدعوني لتحضير الفطور.
لوي اختنق من كثرة ضحكة و سعل بقوة جعلتني استفيق من شرودي و أركز على ملامحه. لقد كبر و قد ظهر له بعض الشعر الابيض في لحيته! يا إلهي.
دون أن أدري إقتربت قليلاً من مكانهم و وجدت نايل يعدل شعره بينما يقهقه و ليام يضرب لوي على ظهره ليوقف سعاله.
لم يكن هناك أثر لهاري في الأرجاء.
كانوا يجلسون وسط الناس بطبيعية..ألم يتعرف أحدٌ عليهم؟ هل نسوهم بهذه السرعة؟.
حسناً لقد مضى خمسة عشر سنة و لكنها ليست بكثير لينسوهم..سأبكي.
لابد أن أحدهم قد لاحظ وجودهم كما فعلت.
لم أعرف ماذا عليّ أن أفعل بعد أن لاحظتهم الآن فخطوت تلقائياً بضع خطوات إلى الخلف و لكني شعرت بجسدي يدفع جسد أحدهم و إستمعت إليه يسبُ بصوت منخفض.
"أنا حقاً أسف-.."نظرت نحو جسد الرجل الذي صدمت مُعتذرة لأحبس أنفاسي فوراً.
هاري ستايلز. هاري كان يقف أمامي الآن و مشروب ما منسكب فوق قميصه. عليّ اللعنة ماذا فعلت بهذه التحفة الفنية.
"لا مُشكلة..لا بأس."إبتسم مقاطعاً شرودي يحاول تنظيف قميصه الذي اصبح مبللاً.
أصبح شعره طويلاً مُجدداً و لحيته كانت غير محلوقة و قد بدى لطيفاً للغاية..لقد كبر كثيراً.
"أعتذر. دعني اساعدك."حاولت مساعدته و لكنه نفى قائلاً:"لا مشكلة سيدتي أنا بخير، يوماً طيباً."
أعطاني ابتسامة عذبة كشفت عن غمازتيه المشهورتان أكثر من العديد من الممثلين ثم تحرك نحو الطاولة التي يجتمع عليها الشباب.
كل ما فعلته هو أنني عدت اراقبهم و راقبتُ ذلك الشاب الصغير بجانب لوي..اه إنه فريدي!
لقد كبر كذلك و أصبح في سن يبدو اكبر من إبنتي!
بير ابن ليام كان موجود يضحك برفقتهم و جميعهم منسجمون للغاية..
العامل جذب انتباهي حين صاح برقم طلبي فتحركت نحوه وأخذت صينية الطّعام بينما قلبي يخفق بقوّة.
أنا لا أبالغ و لكني اشتاق لهم كثيراً..
توجهت نحو الطّاولة التي تجلس فوقها أجنيس أحاول ألا أفزع بينما أعبر من جوار طاولة الفتيان، ضحكة نايل العالية بنغمة (أهاهاهاها) تضرب أذني.
"أمي. وجهك يبدو شاحباً، ما الأمر؟" عقدت ابنتي حاجبيها وهي تنظر لي.
"لا..انا بخير بخير!"مسحت وجهي بسرعة و قمت بتشغيل أغنية -history- لأستمع لها بإشتياق.
وأضع سماعة أذني للحظات.
"متأكدة؟ هل أزعجكِ أحدهم؟." يدها امتدت لتمسك بكفّي.
خطفت نظرة أخيرة لطاولة الفتيان، وكم أردت الذهاب نحوهم في تلك اللحظة لأخبرهم بكم تمنيت أن أراهم في يوم ما ولو للحظة حتى أطلعهم على كل مشاعري و أفكاري نحوهم.
"لا! لقد رأيتُ من إشتاق قلبي لرؤيتهم و سماعهم..هم لازالوا متجهين في إتجاه واحد."
-
رأيكم؟
البارت الاخير هو الجاي!!
يالا تشاو.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top