إيد كيمبر: سفاح الرؤوس
يا تُرى ما الذي يخطر في بالك عند سماع لفظ «قاتل متسلسل»؟
على الأغلب أول ما ستتخيله هو وحش كاسر لا يعرف معنى الرحمة، وربما لو حدث ونظرت له على أنه مجرد إنسان مثلي ومثلك سيتبادر لذهنك العديد من الأسئلة وأهمها: ما الذي حدث له وجعله يُقدم على ارتكاب جرائمه الشنيعة؟ أهي طفولة مضطربة لم يجد فيها من يساعده، أم هو حادث أليم غيّر مسار حياته للأبد؟ أم ربما كان الشر والتعطش للدماء متأصلًا فيه منذ لحظة ولادته؟
أسئلة طرحها قبلنا العديد من الخبراء والمحللين المختصين في علم الجريمة عندما حاولوا فهم ودراسة القتلة المتسلسلين لأول مرة ووضع الخطوط العريضة لعلم التحليل الجنائي Criminal Profiling، وكان بطل قصتنا هو الملهم للتصور الأول للشخصية النمطية للقاتل المتسلسل...
في يوم 27 أغسطس من سنة 1964، استقبلت شرطة كاليفورنيا اتصال من ولد عنده 15 سنة وعرف نفسه باسم «إدموند كيمبر» وقالهم إنه قتل جده وجدته، وإنه مستنيهم عشان يسلم نفسه، وبالفعل لما راحت الشرطة لمزرعة آل «كيمبر» اتفاجؤوا بالجريمة البشعة وبـ«إيد» إللي كان قاعد مستنيهم بكل هدوء وسكينة، ولما سألوه إيه اللي خلاك تعمل كدة، رد عليهم بكل بساطة إنه كان نفسه يجرب شعور سلب حياة بني أدم تاني!
وبدأ «إيد» في سرد تفاصيل جريمته واللي بدأت لما جدته حاولت تاخد منه بندقية الصيد اللي جده كان أهداها ليه؛ لأنه كان بيقتل أعداد مهولة من الطيور والحيوانات، وده أدى لخناقة كبيرة حصلت بينهم وكانت نهايتها طلقة في رأس الجدة أردتها قتيلة في الحال، ولكن «إيد» مكتفاش بده وأطلق عليها رصاصتين تانيين في الظهر عشان يتأكد إن روحها فارقت جسدها للأبد.
في نفس الوقت ده، سمع «إيد» صوت محرك سيارة خارج المنزل وعرف أن جده رجع من مشواره، فقرر يستناه لحد أما يدخل البيت وبعدين يطلق عليه النار، وقال للشرطة أنه قرر يقتل جده عشان ميضطرش يشوف زوجته ورفيقة دربه وهي مقتولة.
أفراد الشرطة كانوا في حالة ذهول من شخصية «إيد» وخاصةً إنه مكانش ظاهر عليه أي علامات توحي إنه ندمان على اللي عمله، وحاولوا يقنعوا المدعي العام بإخضاعه لمحاكمة بالغين وخاصة إنه كان هيكون من السهل إقناع هيئة المحلفين بعدم التعاطف معاه بسبب أبعاد جريمته وكمان عشان «إيد» وهو إبن 15 عام كان يبلغ طوله 6 أقدام و4 بوصات ومظهره كان منعدم من أي معالم طفولية، ولكن قوانين ولاية كاليفورنيا منعتهم من ده وتم محاكمته كقاصر وإيداعه في مستشفى خاصة بالمجرمين اللي بيعانوا من أمراض عقلية ونفسية.
خلال سنوات المستشفى، كان «إيد» محط أنظار دكاترة ومتخصصين نفسيين كتير أجروا معاه عشرات المقابلات وخاصة بعد ما اكتشفوا إن معدل ذكائه كان يفوق الشخص العادي وجربوا معاه كل أساليب الإصلاح والتأهيل، وكانوا سعداء جدًا لما لقوه بيستجيب للعلاج، ولكن الحقيقة كانت إن ذكاء «إيد» مكّنه من خداعهم كلهم؛ فكان بيقولهم بالظبط اللي عايزين يسمعوه عشان يتأكدوا إن تم تأهيله وإنه مستعد للإنضمام للمجتمع من تاني.
وبالفعل نجحت خطته وتم إطلاق سراحه سنة 1969 وهو عمرة 21 عام وانتقل للعيش مع والدته واللي كانت بتشتغل في جامعة سانتا كروز بولاية كاليفورنيا، ووفرت لـ«إيد» رخصة تمكنه من دخول الحرم الجامعي وقت ما هو عايز، واللي في النهاية حولها لأداة مهمة في ارتكابه لجرائمه البشعة...
البداية كانت في خريف عام 1972 واللي بدأت فيه شرطة مدينة سانتا كروز تلاحظ العديد من حالات الاختفاء الغريبة لطالبات جامعيات، واللي أثارت الذعر في أرجاء مدينتهم الساحلية الهادئة.
ولكن بداية المأساة الحقيقة كانت في شهر أغسطس لما تم العثور على بقايا جمجمة بشرية على جبل سانتا كروز، وبعد تحليلها، اكتشفوا إنها بتعود لـ«ماري آن» اللي كانت اختفت هي وصاحبتها «آنيتا»، وفي شهر سبتمبر، تم تسجيل حالة اختفاء لطالبة تانية.
والأمور موقفتش عند كدة؛ ففي شهر أكتوبر، تم العثور على جثة رجل مشرد تم ضربه حتى الموت، وفي نفس الشهر، تم تسجيل حالة اختفاء تانية لسيدة كانت في طريقها لمقابلة عمل. وفي نوفمبر، تم العثور على جثة قسيس تم طعنه عدة مرات في حجرة الاعتراف الخاصة بيه.
كل الجرائم دي حولت المخاوف اللي كانت لدى الشرطة لكابوس بمعنى الكلمة؛ وده لإن في الوقت ده كانت الإحصائيات بتقول إن 95% من جرائم القتل كانت بتكون من غير سبق الإصرار والترصد، وبتكون نتيجة لخناقات أو عنف أسري، وده خلاهم مش لاقيين أي تفسير منطقي للي كان بيحصل في مدينتهم.
كمان كانت فكرة القاتل المتسلسل مش منتشرة في الوقت ده، وعشان كدة الشرطة كانت مستبعداها، بس في يناير 1973، تم تسجيل حالة اختفاء تانية لطالبة جامعية اسمها «سيندي»، وتم العثور على جثتها مقطعة إربًا وكانت الرأس مفصولة عن الجسد، ودي حاجة كانت مشتركة مع أغلب الضحايا من الطالبات، وده خلاهم أخيرًا يتجهوا لأن فيه قاتل متسلسل طليق في مدينتهم، وانهم لازم يوصلوله قبل ما تحصل فواجع تانية.
في الوقت ده كان «إيد» بتربطه علاقة وطيدة مع أغلب أفراد شرطة المدينة واللي اتعرف عليهم خلال فترة إطلاق سراحة المشروطة، وكان بيسهر معاهم يوميًا في حانة قريبة من مركز الشرطة، وكانوا بيستلطفوه جدًا وبيسموه «العملاق المحبوب إيد»؛ لأنه كان يبلغ طوله 6 أقدام و9 بوصات، ووزنة كان أكتر من 300 باوند، وكانوا بيحكوله عن المشاكل اللي بتواجههم في قضايا القتل المنتشرة، وكان «إيد» بينصت ليهم بتركيز شديد ويمثل إنه بيحاول يساعدهم، ولكن الحقيقة كانت إنه كان بيعرف منهم هم وصلوا لفين بالظبط عشان يتجنب ارتكاب أي أخطاء ممكن توصلهم ليه...
وفي 25 يناير، صُعقت الشرطة لما اكتشفت مقتل خمس أشخاص دفعة واحدة، لا وكمان اليوم اللي بعده على طول، اتقتل أربع شبان مراهقين رميًا بالرصاص في مخيم قريب من الجبال!
وفي 12 فبراير، الشرطة تلقت اتصال بعد مقتل عجوز تم إطلاق النار عليه في وضح النهار، ولكن المرة دي، كان في شهود وتمكنوا من الإمساك بالقاتل، واللي كان المدعو «هيربرت مولين»، واللي أخبر الشرطة إن كان في أصوات في عقله هي اللي وجهته أنه يقتل 13 شخص عشان يمنع حدوث زلزال كان هيدمّر المدينة ويقتل كل اللي فيها!
المشكلة هنا إن القبض على «مولين» مكانش نهاية القصة، خاصة إنه خلال التحقيق معاه قال إنه ميعرفش أي حاجة عن جثث الطالبات اللي لقوها مقطوعة الرأس.
كمان الشرطة لاحظت أن أسلوب «مولين» في القتل كان فوضوي جدًا على عكس جثث الطالبات اللي لقوها واللي كان التشريح فيها بيتم بطريقة احترافية وبيدل إن القاتل عارف هو بيعمل إيه بالظبط، وهنا وصلت الشرطة إن هم مكانوش بيطاردوا قاتل متسلسل واحد، لا دول اتنين!
وفي 23 إبريل من نفس السنة، الشرطة بتستقبل مكالمة من «إيد كيمبر» بذات نفسه حكالهم فيها إنه استنى والدته تنام بعدين اتسلل لغرفتها وقتلها بشاكوش بعدين قام بقطع رأسها، وكمان قتل صديقتها المقربة وقطع رأسها هي الأخرى، ووضع جثتها في دولاب أمه! وكمان قالهم إن بعد ارتكاب جريمته، سافر لولاية كولورادو، وإنهم لازم يقبضوا عليه بسرعة قبل ما يفقد السيطرة ويرتكب جريمة تانية.
الطريف في الموضوع إن الشرطة افتكرت إن «إيد» صاحبهم بيعمل فيهم مقلب سخيف، ومحدش صدقه إلا لما اتصل تاني وبدأ يحكي ليهم عن كل الجرائم التانية اللي قام بارتكابها، وقالهم على تفاصيل مستحيل حد يكون عارفها غير القاتل، فتواصلوا فورًا مع شرطة كولورادو واللي حددوا مكان «إيد» وقبضوا عليه وهو في منتهى الهدوء والسكينة.
طب ده مبيفكركش بحاجة، عزيزي القارئ؟
أيوة بالظبط، «إيد» عمل نفس اللي عمله وهو عنده 15 سنة بعد قتله لجده وجدته، وكأن التاريخ بيعيد نفسه...
طيب هو ليه عمل كدة؟
بعد القبض عليه، «إيد» مكنش مستني حد يسأله، هو بدأ يتكلم من غير توقف وسرد تفاصيل كل جريمة ارتكبها، واعترف بقتل 8 سيدات من ضمنهم أمه وصديقتها، وقال إن أمه هي كانت السبب في كل حاجة؛ لأنها كانت بتستحقره من وهو صغير وكانت بتهينه وبتضربه، وكمان وهو طفل كانت بتحبسه في القبو؛ لأنها كانت بتخاف يأذي حد من إخواته.
وبعد خروجه من المستشفى، كانت دايمًا بتقوله إن عمره ما هيلاقي واحدة ترضى بيه وبشكله، وعشان كدة كان الحل بالنسبة له هو قتل الفتيات اللي مكانوش هيرضوا بيه وهم أحياء، ولكن كجثث مكانوش هيقدروا يعترضوا على أي حاجة يعملها فيهم، وشبه الأمر كأنه كان بيلعب بدمى بهيئة بشرية.
وقالهم إن بعد خروجه من المستشفى حاول يسيطر على رغباته الجامحة كتير ولكن في النهاية مقدرش. واعترف إنه كان بيستخدم الرخصة اللي والدته ادتهاله عشان يدخل بأريحية للحرم الجامعى، وعشان يوحي للطالبات إنه مجرد طالب زيهم ويديهم شعور مزيف بالأمان.
وقال إن قبل ما يقتل أي بنت، قام بتعقب ودراسة أكتر من 150 طالبة عشان يعرف سلوكهم وروتينهم، وكان أول ضحاياه هم «ماري آن» و«آنيتا» إللي قتلهم وأخد الجثث لبيت والدته ودفنهم في الفناء الخلفي، وخلى الرؤوس موجهة ناحية غرفة والدته؛ لأنها كانت بتحب الناس دايمًا تبصلها وهي بتكلمهم عشان يظهروا احترامهم ليها.
وقالهم إنه كان لازم يقتل والدته؛ لأنها لو مكانتش ماتت، كان في بنات كتير تانيين هيموتوا مكانها، واعترف إنه قام بقطع لسان والدته وأحبالها الصوتية بعد قتلها؛ لإخراسها للأبد عشان متقدرش تهينه تاني.
بعد حبسه، «إيد» وافق على إجراء مقابلات مع عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي وهم «جون دوجلاس» و«روبيرت ريسلر»، واللي كانوا وقتها بيكّونوا وحدة العلوم السلوكية BSU، وكان هدفهم يدرسوا القتلة المتسلسلين عشان يعرفوا هم بيفكروا ازاي، ويقدروا يتنبأوا بأفعالهم ويقبضوا عليهم، وتم تجسيد شخصياتهم ورحلتهم في مسلسل «Mindhunter» الشهير.
ومن خلال كلامهم مع «إيد» اكتشفوا إن علامات اضطراب شخصيته بدأت من سن صغير؛ فكان مولع بقتل الحيوانات الأليفة، وبسببه أصبحت العدائية تجاه الحيوانات من العلامات الأساسية في تحديد الأشخاص السيكوباتيين.
كمان عرفوا منه إنه كان دايمًا بيقطع رؤوس الدمى اللي كانت أخته بتلعب بيهم، وكانت لعبته المفضلة هي ادعاؤه الموت بطرق بشعة فوق الكرسي الكهربائي أو في حجرة الغاز السام.
المقابلات اللي أجراها العملاء مع «إيد» قادتهم لمعرفة العلامات اللي يقدروا بيها ييكتشفوا القتلة المتسلسلين، وأدت إنهم يقبضوا على قتلة متسلسلين مشهورين زي «دينيس رادار» والمعروف بـBTK Killer، و«ديفيد بيركويتز» المعروف بـSon of Sam.
«إيد كيمبر» تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة دون فرصة لإطلاق السراح، ولحد النهاردة لسة عايش وموجود في أحد سجون كاليفورنيا مشددة الحراسة حيث ينتمي وحيث سيبقى لأخر يوم في عمره...
ايد مع عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي:
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top