| 5 | ثمِل ..

خرج من سيارته و توقف أمام الحانة, يتفحص المبنى بعينيه قاطبًا حاجبيه بتردد شديد و لكنه عازم علي الدخول, ساقته قدماه الي الداخل مستسلم لشيطانه بينما يقلب بصره بين الناس المتواجدون ليتجرعوا كل ما طاب لهم من مشروبات دون الوصول الي حالة الثمالة ! فـ ما من أحد قد تدفعه الظروف الي الثمالة في وضح النهار سوي صاحبنا .

وصل الي المنضدة و سحب كرسيه متخذًا مجلسه بينما الساقي كان يجفف الكأس بالمنشفة أمامه نظر له ثم زفر بقوة بتملل "ليس أنت مجددًا" قال بتملل من بين أنفاسه وهو يضع الكأس في مكانه بينما ينظر له لوي ببرود .

سحب محفظته من جيبه الخلفي و أخرج منها مبلغًا من الجنيهات الاسترلينية و بعض العملات المعدنية ثم ألقاهم علي الطاولة أمامه "اعطنى من المعتاد ما يكفي" قال لوي ببرود وهو يعيد محفظته الي جيبه بينما ظل الساقي واقفًا امامه بثباتٍ مستندًا بيديه علي الطاولة وهو يحدق به بصمت .

"الي متى ستفعل ذلك بنفسك .. ؟!" تساءل الساقي مقاطعًا حاجز الصمت بينهما ليزفر لوي بقوة وهو يفرك عينيه لاخفاء غضبه قم التفت اليه من جديد .

"هذا ليس من شأنك! فقط اعطيني أي لعنة لأفقد وعيي ربما أرتاح" قال بعصبية بينما ابتعد الساقي ثم سحب الكأس و احدى زجاجات المشروب و وضعهما أمام يد لوي علي الطاولة .

"اخدم نفسك بنفسك" قال الساقي ببرود شديد وهو يدفع المال بعيدًا ليسقطه أرضًا ثم ذهب لخدمة أي زبون غيره بينما ظل لوي يلاحقه ببصره بغضب .

سحب الزجاجة اليه ثم قام برجها, فتح الفلين و قام بسكب مقدار كبير بالكأس حيث ملأه بالكامل لم يقم بملء نصفه كما هو المعتاد ! وضع الزجاجة علي الطاولة بقوة ثم أمسك بالكأس وهو ينظر اليه بغضب, الصقه بشفتيه و ابتلع الجرعة كاملةً علي مرة واحدة ثم أبعده عنه سريعًا وهو يلعن بين أنفاسه بينما يصدم الكأس بالطاولة بقوة قاطبًا جبينه وهو يتنفس بصعوبة و الألم ظاهر علي وجهه بسبب الكحول الذي ابتلعه جرعة واحدة .

بينما الساقي ينظر اليه من بعيد بندم و هو يسكب جرعة اضافية بالكأس من جديد ليتكرر نفس المشهد حتى بسبب سرعته في الشرب أصبحت قطرات من المشروب تنساب من فمه دون أن يشربها ليقوم بتجفيف وجهه بكم قميصه و يعاود الكرّة من جديد, تنهد الساقي بيأسٍ ثم عاود خدمة الزبائن الآخرين .

الي متى .. تخلل صوته الرجولى بنبراته القوية الي مسامع لوي, رفع رأسه ببطء عن ذراعه بعد أن كان استند علي المنضدة برأسه مخفيًا وجهه في ذراعه و باليد الأخري يمسك بالكأس في يده شبه فارغ, نظر اليه بصعوبة بينما الأول يقف الي جواره و ينظر له بأسى .

"خِلتك .. لن تأتى .." قال لوي بتقطعٍ من بين أنفاسه و شهقاته الثملة التى تشبه الحازوقة بصوته الضعيف, لا طالما كانت نبرات صوته ضعيفة و رقيقه ذات نغمة مبحوحة باردة أحبتها كثيرًا و استمتعت بسماعها يوميًا ولا طالما أخبرته بمدى عشقها لصوته الذي كان يرسل الأمان الي قلبها و لكن بعد تدهور حالته بذلك الشكل أصبح صوته أضعف من ذي قبل حتى بدأت بعض الحروف تختفي من أحباله الصوتية .

"لم أكن سأفعل !" قال وهو يتخذ مجلسه الي جوار صديقه و يسحب الكأس من يده و يبعد الزجاجة عنه تمامًا بعد أن أفرغ محتواها في عشر دقائق لا أكثر "و لكن أدركت بأنىى لا أستطيع تركك بمفردك هنا حتى لا تقتل نفسك" أكمل وهو يبعد خصلات شعره الطويل نسبيًا عن وجهه ويرفعها بأصابعه الي الأعلي فابتسم لوي بانكسار .

"و من قال بأننى حي .. ؟!" تساءل لوي بسخرية و قد خذلته دموعه لتهرب احداها من مجراها الأيمن فحسب دون أن يجففها ولكن رفيقه لاحظها ليظهر الأسى أكتر علي وجهه "لقد تركتنى آخذةً معها روحى" همس بضعفٍ و صوت مرتجف وهو يحبس دموعه و شهقاته, مد يده لاحضار الكأس لكن الاخر أمسك بكتفيه بقوة حتى لا يفعل .

"ما خطبك يا رجل تماسك !" قال بتعجب وهو يسنده بيديه فقد بدأت حركته تترنح كثيرًا .

"هاري, اتركنى أرجـ ـوك .." قال لوي بتملل هامسًا "أرجوك دعنى فقط أغيب عن الوعي! فـ النوم أصبح بمثابة عذابٍ بالنسبة لي ولا أتمكن من الهروب من أحلامي عنها" أكمل بتوسل فـ تركه هاري بهدوء .

"لا لوي! لن أتركك تدمر نفسك أكثر" قال هاري بصرامة ليعود لوي و يدفن رأسه في ذراعه المستند علي الطاولة و صمت طويل حال بينهما حتى اعتقد هاري بأنه قد غاب عن الوعى أو نام ! اقترب منه واضعًا يده علي ظهره وهو يهزه بخفة ليطمئن عليه "لوي .." همس هاري باسمه بقلق لكن لوي لم يجبه فقط خرجت شهقة عالية من بين شفتيه كانت محبوسة بشدة صاحبت انتفاض جسده الهزيل .

سحبه هاري سريعًا من كتفه لينظر اليه وهو يبكى بحرقة خافيًا وجهه بذراعه حتى لا يظهر ضعفه أمام الملأ بينما هاري يربت علي كتفه بعدوء محركًا يده صعودًا و هبوطًا علي ذراعه "لوي, اهدأ" قال بأسى و حزن شديد على حال صاحبه الذي استحال في ليلة و ضحاها بينما تشبث لوي به بقوة مخبئًا وجهه في صدر هاري مكملاً نوبته من البكاء فركض الساقي اليهما و قد خارج من مكانه و التفت له زين .

"هل عاد لتلك الحالة من جديد !" قال الساقي بقلق ليومئ له هاري بلا حيلة, اسنداه الاثنين و ركضا به سريعًا خارج الحانة حتى لا يراه أحد فـ هو لا زال يكره أن يرى أحد دموعه, اتجها الي احدي المنازل القريبة و قام الساقي بفتح الباب مما يعنى أنه منزله ثم دلفا بـ لوي الي الداخل .

كان لوي قد بدأ يهدأ عن بكائه و يسير معهما بجسده المرتجف حتى وصلا الي الغرفة, مدداه علي السرير بهدوء بينما ظل شاردًا في الفراغ صامتًا تمامًا و الدموع جفت علي وجهه و تبعثر شعره بينما هاري و الساقي ينظران له بحزنٍ شديد, فقط انقلب علي معدته و دفن رأسه في الوسادة ببطء شديد حتى يخلد للنوم بينما زفر الاثنان الآخرين و خرجا من الغرفة تاركين اياه ليرتاح قليلًا ..

"أنا أتعبك معى زين" قال هاري بخفوتٍ موجهًا كلامه للساقي .

"لا تقل هذا الكلام ! فقط اتمنى رؤيته بخير من جديد" قال زين وهو يلتفت الي الغرفة و لوي النائم بها, فهما لم يغلقا الباب حتى لا يتكرر ذلك الحادث من جديد حين تركاه و عندما دلف هاري ليطمئن عليه وجده قد سبب جروحًا كثيرةً بيده .

*****

"تفضل لوي" قال نايل وهو يفتح باب المنزل و يساعد لوي علي الدخول "تصرف و كأنك في منزلك" أكمل وهو يساعده علي الجلوس فابتسم وهو يومئ بهدوء .

"شكرًا لك نايلر" قال لوي وهو لازال يشعر ببعض التوتر .

"هل تحتاج أن تتناول شيئًا؟ تستحم؟ أي شيء .. ؟!" تساءل نايل فأومأ له لوي بالنفي .

"لا لا فقط قد احتاج الي النوم" أجابه لوي ليتساءل نايل بتعجب: قد ؟

ضحك نايل بخفة ثم أمسك بيده و ساعده علي النهوض "هيا لوي, فـ قد تحتاج الي النوم سأرشدك الي غرفتك" قال بمزاحٍ ليضحك لوي بدوره ثم صعدا الي الغرفة بينما لوي كان يعد السلالم حنى يحفظها, دلفا الي الداخل ثم أوصله الي السرير .

"لحظة! لا تتحرك" قال نايل ثم خرج سريعًا من الغرفة بينما ظل لوي و كلبه في الغرفة منتظرين اياه, عاد نايل وهو يحمل تي شيرتًا قطنيًا و بنطالاً مريحًا "اسمع, ارتدي هاذين سيسساعدانك علي النوم" أكمل .

أومأ له لوي "شكرًا جزيلاً" قال فـ عقب نايل: لا شكر علي واجب, صديقي

"تعال سأرشدك الي الحمام لتستحم, عليك أن ترتاح و تبدل ملابسك تلك و ترخى عضلاتك لأنك نمت في العراء" قال نايل وهو يسحبه من يده ثم أدخله الي الحمام و أخبره بمكان كل شيء, خرج و انتظره بالخارج الي أن انتهى و خرج له فـ نظر له نايل بتعجب .

"لوي !" قال نايل بتعجب .

"ماذا .. ؟!" تساءل لوي .

"أنت ترتدى التي شيرت بالمقلوب" أجابه نايل ليصمت لوي لحظة ثم ضحك بخفة .

"لهذا السبب شعرت بأن ياقته ضيقة" قال لوي مازحًا ليضحك نايل بينما خلع لوي التي شيرت و ارتداه بشكلٍ صحيح و لكن نايل ركز جيدًا علي جسده الهزيل الذي لا يتناسب أبدًا مع عمره و تلك الحروق و الكدمات و علامات الضرب التى تغطيه حتى بدا الحزن عليه .

ساعده كلبه علي الوصول الي السرير و قد تمدد عليه لوي بتألم قليلًا بسبب جسده الذي تعرض للبرد و الأرض القاسية طوال الليل, أحضر نايل غطاءًا ثم دثره جيدًا "اخلد الي النوم الآن لوي, عليك أن ترتاح" قال بلطفٍ فأومأ له الثانى .

"طابت ليلتك" قال نايل وهو يبتعد عنه و صعد الكلب الي جواره لينام بقربه في حال احتاج شيئًا ثم أردف لوي: طابت ليلتك ..

خرج نايل بعد أن أطفأ الضوء و أغلق الباب وهو شارد في حال لوي, كيف لشخص مثله أن يعيش عشرين عامًا من عمره في الظلام و الضرب و الاهانة ولا يشتكى! فقط لازال حيًا يبتسم, يضحك و يمزح و يعفو عن زوج والدته وهو من يؤذيه نفسيًا و جسديًا ؟

----------- Stop -----------

إيه رأيكم في البارت ده .. ؟!

تفتكروا هيقدروا يصلحوا من حالة لوي .. ؟!

Vote and comments, please

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top