Dieciseis | قصّةُ القمر

_________________

لاهث الأنفاس ترقبَ موته
أصر على رؤية جثمانه
يطير مفارقًا روحه

بينَ أصابعه عود تبغٍ نازف
بليغٌ في حزنه على صاحبه
من لم ينهيه بل أماته دهسًا تحتَ قدميه

أبى الاستماع إلى هواجسه
أبي التسويف وإبطاء دفنه
أبى البقاء وإبقاء صوته

كان قليلًا الكلام كثيرًا النحيبَ داخل جدرانه المهترئة ، كان قليلًا الحيلة كثيرًا الغلبة

كان يبدو قويًا لكن في جحر ضعفه هو يعيش

تقدمَ من هاوية ليست بهاوية بل هي على سطح الأرض القريب من قدميه ، سكةُ الحديد كانت كحبلِ المشنقة أو كالمشرطِ بمحاذاةِ شريانه

أغلقَ عينيه واستبق الاصرار ولم يكن هناكَ من سيوقفه إلا نفسه ..

سمعَ دوي القطار يسرع بضرب الهواء حاملًا جلّ ثقله

كانت لتكونَ موتةً مريعة تليق بشخصٍ مريعٍ قاتم مثله

ما تبقى كثير وما تنفس هو الكثير
فقط تركَ وجهه يقابل السماء لأنها ستكون مقصده منذُ هذه اللحظة ..

كانت لتكون ، لولا تلك اليد التي جرّته بكل قوتها فألقي على صاحبها وسار القطار بكل عتوه أمام عينهما

أبصره حاصدُ موته يغادر بعيدًا عنه ، فشردَ يستعدي كل الأسئلة إلى ذهنه هل لروحه من وجود ؟

لامسَ جسده فأدرك أن حقيقته باقية فقام يتنفس عدة مراتٍ فجعًا من نفسه

كادَ أن يفقدها للأبد وها قد استعادها بغمضةِ عين بفضل ربه الذي رحمه أولًا ثم هذه المسكينة التي تأوهت من شدة الألم

"يا آنسة..."

قام يهز فيها يتفقد حالها ثم أخذها بينَ ذراعيه يبعدُ شعرها البندقي عن وجهها

جمالها قد حبسَ أنفاسه وكلماته المحبوسة بالأساس

"هل أنتَ بخير ؟"

هي سألت من يحملها وذلكَ لم يبدو واقعيًا حتى ، عينيه العميقة قد تفحصت كل شبرٍ من عينيها

"شكرًا ...لقد أنقذتني .."

أبعدته عنها بعدما شعرت بالريبة منه ، قامت تنفض عنها الغبار وتتحسس يدها التي تشبّعت بالكدمات مع خطّ دماء نحيل يفارق جلدها

"لماذا ؟!! لماذا تريد أن تفقد حياتك ؟!! هل تعتقد أنها شيء باهظ الثمن كي تستطيع أن تفرط به هكذا ؟"

صمتٌ قد اغتاله فظل يراقب هذه التي كلما تصرخ يهتز جسدها بأكملها

"أكرهكم ..أكرهكم يا من تودون الانتحار "

" إسأليني عن السبب إذًا ؟"

انطلقت عنده ثم شددت على ياقته تحدجه بعينيها

"أي سبب هذا ؟ هل أنتَ مريض ؟
هل في جسدك مرضٌ يقتلك هاه ؟"

"أجل...."

"ما هو ؟"

"الظلام .."

دفعته بقوة حتى ترنح ساقطًا

"ماذا عني أنا ..؟
أنا من تريد العيش حتى رؤيته فقط
فقط حتى أراه ، لا بأس إن مت بعدها .."

من هو ذاك الذي تريد أن تراه ؟

نفضَ عنه التراب وظل يراقب ذابلة العينين هذه

"أما أنا ..ففي داخلي مرضٌ سيقتل أحلامي
يقتلني ويقتل جمالي ...لا أعرف ما ينتظرني في الأيام القادمة ، لذا هربت وركضت .. ثم رأيتكَ يا أيها الانتحاري !"

تحامل واقفًا ، ثم ناهز ترنحاته ليصل إليها حتى وصول كفيه لكتفيها

" لا تموتي...جمالك لا يمكن أن يموت
ستظلين في داخلي حية للأبد "

أبصرته بصمتٍ شديد ..

"أنا لكِ مخلص حتى الموت "

أبعدت كفيه ..

"شكرًا ، إكتفي بعيشك فقط يا أيها البائس مثلي "

دفعته ثم هربت واختفت في ضباب رؤيته

هكذا ولم يلتقيا ثانيةً ...

حتى مضي الزمن ، ليرى فتاةً ما تضع قلنسوة على رأسها تعبر في ممرات المدرسة

رأت أقدامًا تحتل مساحة بصرها الذي كان يرتمي للأسفل لا غير ، تلكَ الأنامل قد رفعت ذقنها حتى واجهت صاحبها

"ها قد عشتِ.."

ابتسمت ببهوت ، أنزلَ القلنسوة ليتراءى له شعرها بالغ القصر كالفتيان

"وها قد عشتُ أنا "

هو ابتسم لتهتز دمعةً عندَ جفنيها

انحنى فجثى ، أمسكَ بكفها ثم قبّل كفها

"وأنا لكِ مخلصٌ ما حييت.."

________________________

"استغربَ الأطباء حالتها النادرة ، سرطان الرحم لا يباغت الصغيرات عادةً فعاشت في كرهٍ لذاتها
عاشت في انتقاد لحظها الذي اختارها من بين الجميع ، استغربت لمَ لا تكون الأكثر حظًا في الحصول على تذكرة لحضور حفل فنانها المفضل أو اليانصيب أو أي شيء آخر جيد وواحد من المليون ..
كان الشيء النادر هو مرضها هذا ، لا تدري لأجل من تحارب لكن لم يكن لأجلها ، ربما لأجل أمها التي فعلت كل ما بوسعها وأنفقت كل ما في جعبتها لأجلها
لكنها كانت تحارب وحيدة ..ودرست في غرفة المشفى الباردة وحيدة ..ثم عادت إلى المدرسة وحيدة.."

"كانت تخشى الكل ، لأنهم كانوا بالفعل يترقبونها
تلكَ التي تغطي رأسها بالقبعة ، فأصبحت ترتدي الشعر المستعار مما زاد السخرية عليها ..
هكذا مضت سنتها الاخيرة في الاعدادية
ثم كبرت ودخلت إلى الثانوية حيث الجحيم
حيث تجمعت كل مخاوفها هناك ، كانت تعلم أنها ستواجه ما هو أشد روعًا مما رأته ، تنمر لاحدود له لمختلفة مثلها أجنبية المظهر ضعيفة البنية والشخصية وبشعرٍ كالفتيان قصير .."

ابتسمت

"لكنها وجدت شخصًا ما قد قابلته سلفًا وأنقذته من الانتحار ، تجادلت معه ثم ولته ظهرها ولم تظن يومًا أنها ستلتقيه ثانيةً ...هو كان أشدّ اخلاصًا من المملوك لمالكه ، فاتبعت سراطه لأنها رأت فيه القوة
كان ذا هيبة وصيت لا بأس به ، فلم يكن لأحدٍ أن يمسها بسوء بقربه ، ثم غاصت في دورها كخليلته السيئة و أصبحت تلكَ التي تؤذي الجميع ترضي نقصها النابض داخلها...تؤذي وتؤذي فحسب
إلى أن رأت من أوقظها من غفوتها هذه ، وأغطسها في حزنها الذي تجاهلته لفترة..

أكثر ماهو محزن ، أنه مازال شخصًا جيدًا كما هو
مخلصًا كما هو..

كان مستعدًا لأن يكمل الأحلام التي لم يكتمل بناءها سابقًا ، فستقصد هي تحطيمها له لأنها لم تعد صالحة لأن تبنى بعد الآن..

هي لن تكونَ شخصًا جيدًا ، وحتى لو حاولت
ستكون ناقصة جدًا بالنسبة إليه

إضافة إلى كونها ترفض الذهاب وفحص نفسها ، لأن مرضها مرضٌ خبيث إن زارها مرةً لا يعني أنه لن يطرق الباب مرةً ثانية

لكن هي ترفض بشدة..

لأنه لم يعد لها قوة للمحاربة مجددًا ، ولو عاد
ستتركه يفتك بها حتى ترتاح ..

سيؤلمها بشدة لكن لا بأس ، سترتاح بعدها تحتَ الثرى

أليست نهاية جيدة لبائسة مثلها ؟"

سألت من ظل يسترق سماع كل كلمة تقولها ، حدقت به فوجده شاحبًا رهيفًا كورقةٍ خريفية ستسقط عمّا قريب

ربما رجاها بعينيه أن تقول ، أن تلكَ قصة لأخرى تعرفها

أن تلكَ التي رأت العذاب لم تكن نفسها صاحبة العسليتين البراقة

كيفَ للحياة أن تستهدف فراشةً قد تحررت توًا من يرقتها ؟ كيف ؟

لم يستوعب هذا الكمّ من الكوارث التي هطلت على عاتقها ، لم يستوعب بتاتًا

لم تكن بذلكَ الاكتراث لما يبديه من شفقةٍ شديدة داخل عينيه ، والحقيقة أنه حزنٌ قد رشقهُ بأقسى الرماح

"نانـ...."

"أنا بخير ، لا تسألني عن حالي الآن
أنا كما تراني بخير .."

" لا ..فقط
فقط لمَ لم تخبريني بشيء ؟ "

"هل تظن أن الحديث عن ضعفي بهذة السهولة ؟ هل تظن "

"كنتِ تخبريني كل شيء سابقًا "

"كل شيء لا أخجل منه أمامك
لكن ، كما قلت
نحنُ انتهينا
لذا لم يعد هناك شيء لأخجل منه
أنا لا أعني لك شيئًا على كل
وأتمنى بأن لا تكون أنتَ كذلك بالنسبة إلي "

وقفت ، نفضت تنورتها وهندمت زيها
ستسحب قدميها عن ساحة عيني هذا المفزوع مما سمعه الآن

لربما كان مصعوقًا جدًا حد عدم قدرته لأن ينبس بنصف حرف..

_________________

أغلق باب غرفته بهدوء ، تأكد من توصيد القفل
ثم جرجر أذياله صوبَ الكيس الأسود الذي لم يرميه

تردده كان عميقًا ، تردده في عدم إلقاءه لأوراق مذكراته

كان يشعر بالذنب كلما يقترب قصدًا لرميه ، والآن
يشعر بنصل السكين ينغرز فيه زيادة كلما يقترب منه بخطوة

الألم بداخله فظيع ، لن يستطيع شرحه لأحدٍ حتى

جثى على ركبتيه ففتح الكيس ثم أبصر الأوراق بأعينٍ مبتورة الآمال

أفرغه ثم طفقَ يجمع الأوراق الممزقة
تلكَ الطفولة الرغيدة بالأحلام

قد دُثرت تمامًا ...

وهو قد أدثرها بكل رعونة

"ماما مارك يبكي بالداخل "

تحدثت أخته الصغيرة من سمعت نواحه بالداخل ، كان متألمًا جدًا حدّ صياحه يلوم نفسه لأجل كل شيء

ماذا لو كنتَ معها سابقًا مارك ؟

__________

"أمي لا تنظري إلي"

نطقَ حبيسُ غرفته والذي لم يجب على نداءات القلق التي استمرت لفترة ، فاضطرت أمه في النهاية أن تفتح الباب بواسطة المفتاح الإضافي الذي معها

مسدت شعرَ الهامد في سريره يحدق بالسقف وعينيه ذابلةٌ تمامًا ومحمرةٌ بالكامل

"لماذا بني ؟"

سألت محتارةً وقلقة جدًا مما يجري معه وهذه الأخت الصغيرة قد حشرت نفسها فقط كي تطمئن عليه

" لأني شخصٌ سيء...لا تنظري لي
أنا قد جرحتُ أحدهم بشدة دون قصد"

"أنتَ قلتها بني ، دون قصد
لم تكن تعني ذلك ..لا تقسو على نفسكَ هكذا "

أدار نفسه للجهة الأخرى مغلقًا محاجره الدامعة
لن يفهمَ أحدهم ما يجري معه حتى لو روى له ذلك

"دعيني وحدي ..سأكون بخير"

"عدني بذلك.."

لم يجبها لكنها على علم تام أنه لن يهلكَ نفسه كثيرًا وسيعودُ أفضلَ في وقتٍ لاحق ، تعلم إبنها جيدًا حينما تغتاله نوبات الشجونِ هذه

أمسكت بيدِ الصغيرة لتقودها للخارج معها ثم تغلق الباب

أما عنه هو فقد بقي في حاله يلوم ويلوم هذا الشخص البريئ داخله ، فقط لو حاولَ تفهُمَها على الأقل

لكنه لم يفعل ، بغضَ النظر عن كونها هي السبب في ردعه عنها هكذا لكن لماذا قد استسلم لأشياء لم تبدو له واقعيةً من البداية ؟

لم يبدو تناقضها له واقعيًا لكنه لم يبذل ذلك الجهد الملحوظِ في جعلها تصارحه بكل شيء

-الشيء الذي لا تفهمه مارك ، أن الأمر كان مستحيلًا في كل الحالات ، القرار بيدها في إخبارك بذلك أم كتمانه للأبد

وسلوكها معكَ لم يكن صحيحًا وكانَ مقصودًا لكي تتركَ هذه المساحةَ فلا تعرفُ عنها المزيد-

لكن ها قد آلت الأمور لتخبره كل شيء بنفسها و تصفع كافّة المحاولات التي بذلتها سابقًا

-رسالة-

-مارك سأتغيب في الغد حسنًا ؟-

كان كجثةٍ تتحرك ، حتمًا قد انشلت الطاقة منه وراحَ صوته باهتًا جدًا

- وأنا كذلك..-

أجاب عليه ثم أغلقَ هاتفه ولم يعد يرى إلا الظلام

______________

" أوه مرحبًا يا جميلة ، حتمًا أنتِ تصبحين أجمل كل يوم بنيتي "

تحدثت جي يون لهذه التي ضغطت الجرسَ وانتظرت بتوترٍ شديد

"شكرًا لك .."

اخفضت رأسها في خجل ، ثم ارجعت خصلةً من شعرها المخضب هذا والذي أثار استغراب والدة مارك الواقفة هنا

قبل أن تنطقَ الصغرى بحرف قد دعتها الكبرى لدخول المنزل و الاسترخاء فيه

جلست على الأريكة وها قد جاءت جي يون إليها بكأس من العصير الطازج

"حضرته للتو ..تفضلي"

لم تستطع ردّه بالرغم من عدم رغبتها بشربِ أي شيء ، فالقلقُ قد سيطر على كافةِ ما في داخلها حتى بات جسدها يرتجف بقلة حيلة

" جئت لأطمئن على مارك فهو قد تغيب وهذا غريبٌ جدًا عليه ، أعني منذ أن داوم في هذه المدرسة هو لم يتغيب ولا ليومٍ واحد "

ابتسمت جي يون تخفي حزنها الجلي على ملامحها

"أجل أنتِ محقة ، هو متعب قليلًا فقط وسيتحسن عمًا قريب ..
أنا حقًا أقدر زيارتك صغيرتي "

"إذًا هل.."

هبّت واقفة " أه أجل بتأكيد ، تعالي معي
سيكون أفضل برؤيتك بكل تأكيد"

لا لن يكون ، هذا ما لاح في عقل المرتبكة هنا
تودّ الهرب لكن في نفس الوقت هي حتمًا لن تستريح إلا لو رأته بعينيها هاتين وتحدثت معه بشأن ما نطقت به آخر مرة

~

"مارك..افتح الباب عزيزي هناك زائر مميز قد جاء للاطمئنان عليك"

جرجر نفسه متنهدًا ومتململا ليفتح الباب فيجفل من الشعر الاخضر الذي رآه خلفَ والدته ، كانت تحاول الاختباء بعدَ أن أصبح اللقاء محتومًا

التفت الوالدة لتستغربَ هذه التي تختبي خلفَ ظهرها

" انظر من هنا "

ابتسمت مرتبكة ولوّحت له

"مرحبًا مارك "

مازال متسمّرًا في مكانه يداول عينيه بينها وبين والدته ، ليومأ بعدها بهدوء فتتركهما الأم ذاهبة لمكانٍ آخر

أفسحَ الطريق لتدخل غرفته التي احتوتها يومًا ، هي حتمًا تشعرُ بالدفء يختلجها بمجردِ ابصار هذه الغرفةِ من جديد

لكن ها هي موجة البردِ تعودُ حينَ رؤيتها لوجهه الشاحب وجسده خائر القوى

اقتربت منه فجلست على طرفِ السرير جنبَ هذا الذي ينظر للأرض لا غير

" بسببي ؟.."

وجّه بصره إليه

" بسببي أصبحتّ هكذا ؟"

" ومن يكون غيرك ، من غيرك يقلبُ سمائي على أرضها بمجردِ أن ينطق بحرف "

هذا اعترافٌ مباشر ، على مدى تأثير كل أفعالها السابقة عليه

أنكست رأسها وجعلت تعبث بأصابعها

" هل فهمت الآن لمَ حاولت ابعادكَ عنّي ؟"

________________________

.

.

🎀

اشتقت لألينا تشان 😭

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top