عالَم !
"ما هوَ العالم ؟"
لا تنظري إلى الوانه المُبهرجة ، أنتِ سألتِ سؤالاً بسيطاً
ساذجاً كسذاجتك .. لا تنظري إلى عيناه المُضيئتان ..
ادخلي إلى عُمق الغابة ، اتّبعي خطوات القطّة الشُّجاعة ..
تشعرينَ به ينظر اليكِ اثناء سيركما لداخل تلك الغابة ، عيناهُ تخترقك تتجنبين النظر اليه لأنَّ ابتسامته تُخيفك ..
لماذا تخافينَ ابتسامتهُ المسالمة ؟
فستانَك أزرق اللون علِقَ في غُصن الشَّجرة ، كانَ ليتمزَّق لو أنَّك استمريّت بالمُضيِّ قُدماً دون ملاحظتكِ إيّاه ولكنَّه لاحظ فأوقفك وأنقذَ فستانكِ من هذه المصيدة !
لم لا زلتِ تخشينه ؟
" دعيني أتولى الأمر !"
بكلِّ براءة قال لكِ ، لكنَّ قلبكِ نبض بالخوف ..
وما زلت تتبعين خطوات القطّة !
لم تدركِ أنَّك بتِّ تائهة بالفعل ..
"أينَ نحنُ الآن ؟ "
سألتِ وصوتكِ الخائف لم يخفى عنه .. كذلك وجهك الشّاحب ، لكنّه ابتسمَ بتغافلٍ كعادته الرّعناء وأجابكِ :
" في العالمِ .. رُبَّما ؟"
أكان عليك أنَ تسألي سؤالكِ السّاذج ؟
تذكرين أيّامكِ السعيدة ، بلا كثرة الاسئلة
كنت تجلسين في الحديقة وترسمين ،
على مكتبكِ تدرسين وعند الشّاطئ تلعبين ، ولم تجيدي السِّباحةَ يوماً..
وها أنتِ ذا في النّهر تسقطين وبه تستنجدين .
" ساعدني ، أنا أغرق !"
لن ينزلَ في النّهر لانقاذكِ فيخسر الوانه ..
"دعيني أتولّى الأمر !"
بمسالمته قال ، ارجوك فقط تولّى الأمر بسرعة !
اقتطع ذات الغصن الّذي كاد أن يُمزِّق فستانكِ وأنقذكِ به
أستلعنين الغصن ام تشكرينه الآن ؟
ليس عليكِ أياً من هذا .. استمري بالمضيّ ولكن انتبهي لطريقكِ هته المرّة ..
هو الّذي ينظرُ نحوك ، لماذا سقطّتِ انتِ ولم يسقط هو ؟
أكان النهرُ مستعصياً على عيناكِ لإبصاره ؟
" أغرقَ القطُّ يا تُرى ؟"
تسائلتِ بينما تعتصرين فستانك ، اراحك نظره نحو افق النّهر البعيد أيضاً ، تنفستِ الصّعداء لأنه ما عاد ينظر اليك لكنّه ما لبث وأن عاد ليحدِّق بك بابتسامته المُسالمة ..
"لا أعتقد .. القطُّ يقفزُ بمهارة ، ليتني كنتُ قطّاً "
ايتمنى المرءُ أن يكونَ قطّاً ؟
لم تتمنين أنتِ ان تكوني شجرة ؟
كلما اقتلعو منك غصناً تبنين غيره
كلّما سقطت أوراقكِ تنبتين أفضل منها ..
لما عليكِ ان تكوني انساناً بكلِّ هذه الفجوات ..
أأنتِ انسان ؟
"هل أنا انسان ؟"
اما استطعتِ الاحتفاظ بسؤالكِ لنفسك ؟
انتِ لا تتعلمين .. لكنّه لم يحاول ان يجبك هته المرة
هو توقفَ ينظر نحو يمينه لكن لم تكوني أنتِ هدفه هته المرّة ..
توقفت انتِ تباعاً ، أكنتِ تتبعين القطَّ أم تسيرين معه ؟
أما تستطيعين تحديد اتّجاهك ؟
جميلُ انعكاس صورتيكما نحو المرآة المُحطّمة بجانب الشّجرة ،
جميلُ حزين ، بصورة أوضح تراجيدي ..
كنتِ انت الجانب الجميل ، والجانب الحزين يجاورك الوقوف .
كانت دمعتهُ ذات اللون القرمزي تنهمر على وجنته بانعكاسه فالتفتِّ سريعاً
لمَ آلمكِ قلبكِ لدى ابصارك لدمعته ؟
لم ارتعدتِّ حين التفتِّ اليه ولم تجدي سوى ابتسامته المسالمة ..
اتحاول المرآةُ خداعك ؟
ما هو الإنسان ؟
تأكدتِ أنَّك انسان الآن .. ماذا عنه ؟
استأنف السيّر ففعلتِ المثل ..
أما حانَ الوقت لتتخذي طريقاً مغايراً ؟ آثارُ اقدام القطِّ تلاشت فلمَ تتبعينه ؟
صوتُ عقارب السّاعة ارتفع ، أنتِ تلتفتين فضولاً بحثاً عن الصّوت ، وجدت الأرنب ، نظرت للمبهرج بجانبك فما كانَ منه الا ان استأنف المشي بذات الابتسامة .
" الا تسمعُ صوت ؟"
لم يهمُّكِ سماعه للصّوت ؟ تريدين التأكد من صحّتك العقلية ؟
أتظنين أنَّ من يتّبع خطوات قطِّ في الغابة متزّنٌ عقلياً ؟
لقد لمحتِ الأرنب يتحرّك فتبعته ، أنتِ بلا وجهة ..
تبعكِ هو ، ما سبب اتّباعك للأرنب ، أتظنين أنَّ أرنباً سيخبرك عن ماهيّة العالم ؟
أما تكفيك السّاعةُ الّتي بيده ؟
وها أنتِ ذا معلّقةٌ رأساً على عقب ..
أترين الدّهشة في عيونه المشّعة ، كيفَ لكِ أن تقعي بفخٍ كهذا ؟
أأنتِ مستهترةٌ الى هذا الحد ؟
أما علمتِ أنَّ الغابة مليئةٌ بالفخاخ ؟
عادت ابتسامته المسالمة .
" دعيني اتولّى الأمر !"
ما زال صوت الساعة يصدحُ في رأسك ..
لم لم تسقط قبّعته الطويلة ؟
أنتِ ترينه رأساً على عقب ..
قبّعته لم تسقط حقّاً !
أيفترض بها أن تسقط ؟
ترغبين برؤية شعره الأحمر المُشع بشكل كامل صحيح ؟
كنت ستسقطين لكنّه أمسكَ بكِ سريعاً ..
ما عاد هناكَ داع لتسقط قبّعته ، لم تعودي ترينه بالمقلوب ..
لماذا لمحت الخوف في عيناه المشعة حينَ نظرتِ اليهما مطوّلاً ؟
لمَ انزلكِ سريعاً حينما حاولت الاقتراب أكثر ..
أأنتِ تخافينه أمَّ انّه الطرف الخائف هنا ؟
لمَ بتِّ تخافينه أكثر ؟ انظري لابتسامته المسالمة قبل أن تستأنفي سيرك خلف المجهول ..
" القِط !"
لمحته ، فغيّرتِ طريقكِ سريعاً لتتبعي القط ..
أهوَ قطّك ؟
ما هوَ العالم ؟
لمَ المبهرجُ ما زال يسير الى جانبك ؟
صوتُ صراخه بألم استوقفكِ بذعر ..
لمَ التفتِّ ؟ تظنين أنَّ الخطر الّذي أصابه قد يشكِّل خطراً عليكِ أيضاً .
نظرتِ للأسفل حيثُ ينظر ، كانت قدمكِ وبها شظيةُ زجاجِ مرآة ..
"دعيني أتولّى الأمر!"
قال وجثى بستخرج الشظية من قدمك ،
لم لستِ تتألمين ؟
لقد ضمّد جرحكِ العميق بربطة عنقه المبهرجة ، لكن لمَ باتت تلكَ الفراشةُ الزَّرقاءُ المضيئة تستحوذ انتباهك ؟
لم تعطهِ مجالاً للانتهاء من تضميدِ جرحكِ وبتِّ تركضين خلف الفراشة ..
احذري فراش الغابة !
لقد رست على الوردة القرمزيّة ..
لمَ هذه الوردة الوحيدة القرمزيّة بين هذا الحشد من الورود البيضاء ؟
لا تتدخلي بالطّبيعة !
لكنّك جزءٌ منها !
لا تقتطفي الوردة ..
لمَ فعلتِ ؟
جميلٌ منظر دمائك تُسكب معطيةً لوناً لتلك الورود البيضاء ..
" لقد آذتني الوردة "
كانت نبرته حزينةً عكس ابتسامته المسالمة
" الوردة حمت نفسها ، لقد التقطُّها اولاً ، ولم انظر لشوكها "
لمَ تدافعين عن الوردة ؟
لم تشعري بالالم صحيح ؟
لو شعرت لقلتِ غير ذلك .. كما أعجبك لون الورود الّذي صار أحمراً ..
لقد عادت الفراشةُ لترفرف ، وعدت تتبعينها ..
لم تنتبهِ للذي ظلَّ واقفاً أمام الورود البيضاء ..
لم تنتبهِ لدموعه المنهمرة
لم تنتبه لهمساته
"لكنّها فشلت في حماية نفسها .."
لقد سرتِ طويلاً ونسيت المبهرج
لم تعد التفاتُتك للخلف تجدي ،
لمَ أنتِ على وشكِ الإنهيار ؟
ما عادَ أحدُ يحدِّقُ بكِ فلم خوفُكِ ازداد ..
الفراشةُ تحطُّ على كتفك ، تعلمين انّك لستِ وحيدة ..
عليكِ إمّا التقدُّم أو التّراجع ، فلمَ علقت بالمنتصف هكذا ؟
خطوتكِ جيّدة ، لمَ تتراجعين عنها ؟
لا يوجدُ مسارَ عودةٍ في الغابة ، فلا تكوني مغفّلة ، إمّا ان تمضي قُدماً او أن تقفي حيثُ أنتِ حتّى النهاية ..
وها هو صوتُ السَّاعةِ مُجدداً ..
خوفكِ يتلاشى ، صحيح ؟
عدتِ تبحثين عن الأرنب .. اتلتمسين الأمان من أرنبِ الغابة ؟
وها قد لمحته ، فتبعته ..
الى أين يقودك ؟
لم دخلتِ الغابة؟
لا ترفعي رأسكِ في الغابة ، سينتفضُ قلبكِ من كم العيون الّتي تُحدّق بكِ من فوق الأشجار..
توهانُكِ ممتع لهم .. لمَ صرت تشعرين بهذه العيون فجأة
لم تشعرين بابتساماتهم ..
لا تنظري لأعلى الأشجار ..
لا تنظري لأعلى الأشجار ..
أنتِ لا تستطيعين كبح نفسك ، صحيح ؟
قلبكِ ينبض بعنفٍ من فرط الخوف !
قطط بكلِّ مكان بعيونهم المضيئة وابتساماتهم يحدّقون بك ..
أخبرتكِ الّا تنظري ..
لمَ توقّفت عن السّير ؟
استتعلقين على شجرة ما كقطّة وتنتظرين ضحيّة غابةٍ جديدة لتحدّقي بها رفقتهم ؟
يدُكِ باتت تؤلمكِ مكان جرح الوردة
قدمكِ كذلك ، ما دهاكِ ؟
دموعكِ تنساب كفراشةٍ تحررت من قفص على وجنتيك ..
لا قوّة لكِ حتّى لمسحها !
لمَ افترشتِ الأرض ؟
ما عادت لكِ قوّةٌ على الاستمرار ؟
ها قد عجزت ، أستصبحين قطّة ؟
لمَ تلاشى المك فجأة ؟
لمَ دموعكِ توقّفت ؟
يد من هته الّتي حطّت على كتفك ؟
بيضاءُ شاحبة بمفاصل حمراء
يدٌ تعرّضت للكثير ..
لكنّها آمنت خوفكِ
فالتفتِّ بلهفة ..
مصدرُ خوفكِ منذُ بضعِ أيّامٍ صار أمانك ..
تحديقه بكِ بعيونه المُشّعة هوّن عليكِ تحديق القطط فوقَك ..
"لا تتركني مجدداً أرجوك !"
لكنّكِ من تركته ، أنسيتِ ؟
لمَ ما عاد ينظر اليك ؟
لمَ باتَ ينظر لكتفكِ الأيسر ، بل للفراشة الزّرقاء تحديداً ..
سبابته الشّاحبة امتدت سامحةً للفراشة بأن تحطَّ عليها
لمَ ينظر للفراشة بهذا الاهتمام ؟
" نحنُ لا نغادر الأشياء ، هي مَن تُغادِرُنا "
لمَ صوته بدا حزيناً الى هذا الحد ؟
لمَ آلمكِ قلبكِ لوهلة ؟
" القِط!"
قلتِ بلهفة عندما لمحتِ القط ..
ألم تلحظي أنَّ قطط الغابة جميعها تتشابه ؟
ها قد عدت تتبعين القط مع حرصكِ على المسير بجانب المُبهرج
جفلتِ حينَ دفعكِ المبهرج ، كيفَ لهُ أن يفعل ؟
التفتِّ بانزعاجك ، حتّى رأيت السّهم الطّويل الّذي اخترق الشّجرة ..
كان ليخترقَكِ لولا أن دفعَكِ ..
لكنَّ رأسكِ تأذى حينَ دفعكِ !
التفتِّ تبحثين عن مصدر السّهم ..
" توقّعي سهماً من أيِّ اتّجاه ، في الغابة - يا عزيزتي - لا مصادر للسّهام ، ستأتيكِ من حيثُ لا تحتَمين !"
لمَ ما زلتِ مُصرّة على معرفةِ مصدرِ ذلك السّهم ؟
تريدينَ طريقاً جديداً ؟
اتّبعي طريقَ السّهم اذن ..
" لا تبحثي عن مصدره فتتعرضين لسهامٍ أكثر .. "
أعاد الفراشةُ إلى كتفك ..
ستطيرُ الفراشةُ أوّلاً لو كان هنالكَ سهمٌ جديد ..
الفراشةُ ستشعر بالخطر الّذي لا تشعرين به ..
" أأتركهُ يرمي سهاماً أكثر اذن ؟"
" أنتِ ستعطينه الفرصة لإصابتك ، لا تعبأي به ، وامضي "
لمَ يبدو منطقياً كثيراً ؟
لكنَّ غروركِ يقول لك ان تبحثي عن الرّامي ..
نسيتِ أنّك عزلاء ؟
سمعتِ صوتَ السّاعة فاستأنفتِ المسير بفتور ..
ما عدتِ تبحثين عن الأرنب ،
عثرتِ على طاولة ..
طاولةٌ في منتصفِ الغابة !
"حفلُ الشّاي !"
هَتف المبهرجُ وترأسَ الطاولة يجلس ..
رأيتِ الأرنب والقطَّ ايضاً يجلسان ، أتيا من حيثُ لا تدرين !
فجلستِ تباعاً ..
" استمتعي بحفل الشّاي"
قال المبهرجُ قبل ان يرتشفَ من فنجان الشّاي خاصّته ..
لم تدركِ حتّى هذه اللحظة أنَّ ابتسامتكِ جميلة ففعلتِ حينَ رأيتِ انعكاسها على المرآة الصّحيحة أمام الشّجرة ..
ارتشفتِ من الشّاي ..
"ستجدين الكثير من حفلات الشّاي في الغابة ..
لذا لا تُكثري من الشّاي!"
قال المبهرجُ ليصعدَ الطَّاولة ويسير عليها واصلاً اليكِ .
سحب يدكِ واضعاً فنجان الشاي جانباً ليسحبكِ وتستأنفان السّير في الغابة .
" لكن .. الحفل ؟"
ترغبين بالعودة الى ذلك الحفل بشدّة ؟
تعلمين انَّ هناكَ حفلٌ كثيرٌ بانتظاركِ فلمِ الحزنُ على هجرِ ذلك الحفل ؟
" لا تعلقي بالحفل فتنسين الطّريق !"
الطريق ..
أيُّ طريق ؟
أكنتِ تتخذين طريقاً ام تتبعين القطَّ تارة ، الأرنب تارة ، المبهرجَ تارة والفراشة تارةً أُخرى ..
أينَ الطّريقُ الّذي اتّخذته انت ؟
أيعرفُ أيٌّ منهم وجهتك ؟
أوقتُ الأرنبِ شبيهٌ لوقتكِ ؟
لربما كان القطُّ يبحثُ عن شجرةٍ فارغة ..
أين طريقك ؟
لمَ باتَت الطريقُ واضحةً جدّاً أمامك ، بانحناءاتها وعثراتها ..
لم بتِّ ترينها جيّداً حتّى تدركين المجهول منها ؟
هذا طريقكِ !
لا مسارَ لكِ في الغابة ..
ما هو شعور السَّير في طريقكِ الخاص في هذا العالم ؟
ما هو شعور الادراك ؟
استأنفي السير ..
والقطُّ يتبعك ...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top