Chapter 33.✔
إستيقظتُ ولم أكُن أوّل مَن فعل، روز أيضاً قد إستيقظت ولكن بقيت مُنحشِرة أسفل غِطائها خوفاً من مُواجهة البرد.
"صباح الخير سيليفيا." تحدّثت شريكتي فور أن لاحظت إستيقاظي، بينما تمضغُ شطيرتها.
"سيلـينا." صححتُ لها مُتذمّرة، ثُم بحثتُ عن تلك الشريطة التي ربطت شعري بها أمس، دائماً ما تنزلقُ على الوسادة ولكن تلك المرة لم أجدها.
"أتبحثين عن هذه؟" سألتني بينما تمدّ لي الشريطة.
"نعم!" أخذتها منها فضحكت، تجاهلتها ولملمتُ شعري.
"اخبريني المزيد عن نفسكِ سيلفيا! أُريد التعرُّف بكِ." أخبرتني بعد أن نظّفت فمها بمنديلٍ ورقيّ وهي تنظر لي.
حدّقتُ بها بحدّة، فتسائَلَت بتعجُّب "ماذا؟" فأخبرتها ساخرة "إنتظري مِن سيلفيا أن تُعرّفكِ بنفسها."
"آه سيلينا! آسفة." تمتمت، فتنهّدتُ.
"أنا لا أُحِب الشاي. إشتريتُ في حياتي خمس نظارات شمسيّة نسيتُ أين نسيتهم. أضعتً بطاقتي الشخصيّة مرّتان. أنا مِن عُشّاق القهوة، وصبغتُ شعري إلي اللون الأحمر ذات مرّة." ابتسمتُ في نهاية حديثي لأنظر إليها وأجدها مَصعوقة، تُطالِعني في غرابة.
"أتعلمين؟ سأتعرّف بِكِ مع مرورِ الوقت." قالت ضاحِكة لأُشارِكها. أنا لستُ جيدة أبداً في التعرُّف بالناسِ أو صُنع الصداقات أو بداية أي علاقة تحديداً!
"سوف أنهض لأستحمّ." أخبرتني بينما تنهض فتمتمتُ مُوافِقة.
مددتُ جسدي علي السرير حين سمعتُ باب المرحاضِ يُغلَق، حاولتُ أخذ قيلولة قصيرة وتجاهلت وجود وجبة الإفطار، ليست لديّ شهية اليوم.. بالإضافة إلى أن طعامهم يُصيبني بالإعياء!
أخذتُ الوسادة التي نامت عليها روز لأضعها علي وجهي بينما أضعُ رأسي على وِسادتي، لأستدير للناحية الأخرى بملل.
بعد مرورِ الوقت ألمني جسدي لكثرة نومي، إعتدلت بجلستي وعبثتُ بشعري ثم نظرت بجانبي وإكتشفتُ أنّه يوجد هاتف علي السرير! تحديداً أسفل وسادة روز -التي أخذتها-.
نهضتُ وإتّجهت للمرحاض وقبل أن أطرُق الباب وجدتها تخرُج بينما تجفف شعرها، ترددت قبل أن أحدثها ثم أخذت قراري.
"روز، أهذا الهاتف لكِ؟" أشرتُ لها إليه، فتوقّفت وأخبرتني ببساطة "نعم!"
"كيف أدخلتِه إلى هُنا؟ هم يأخذون كل شئ."
"لقد وضعته في حمّالة صدري، حسناً؟" تحدّثت ببساطة وأخرجَت عُلبة سجائر من أسفل الوسادة أيضاً ووضعت واحدةً بفمها وبدأت تُشعلها، توسعت عيناي بينما أُشاهدها تتصرّف بطبيعيّة.
"هل السجائر كانت في ملابسكِ الداخلية أيضاً؟" سألتها ساخِرة لتُقهقه وتُحرّك رأسها.
"أنتِ غريبة! إبتعدي عنّي فأنا أقلعتُ عن التدخين." حذّرتها، فرفعت حاجبها بمكرٍ وإقتربت منّي.
"إن هذا النوع غير مُتوفّر في الأسواق، ستندمين على عدم تجرُبته. أتُريدين واحِدة؟" إقترحت بخُبثٍ بينما تمدّ لي السيجارة التي كانت تشعلها.
لم اُجِبها، نظرتُ لها بإحتقارٍ ودخلتُ المرحاض وأغلقت الباب خلفي لأسمعها تقهقه بقوة.
ما يُثيرني بشأنها هو فضولي الذي يلحّ عليّ لمعرفة مِن أين تأتي هذه المَخلوقة بكلّ هذا البرود؟
خرجتُ بعد أن إستحممت بالمياه الباردة، إحدى عاداتي القديمة. رفعتُ شعري في كعكةٍ صغيرة ونظرتُ إلي المائدة التي تحمِلُ وجبة الإفطار مُنذُ الصباح.. وتنهّدت مُتجهةً نحوها حين ألمتني معدتي.
جلستُ علي السرير بجانب روز التي كانت تعبث بهاتفها قبل أن أخرُج. لم أندهِش، فلو كُنتُ مكانها لما تركتُ هاتفي لدقيقةٍ واحِدة! وجدتُ روز تنهض مِن جانبي وتسحب الكرسي لتجلس أمامي وتُقابلني، ثم تتحدث بنبرةٍ جادة "نحتاج لأن نتحدّث!"
نظرتُ إليها بغرابة، ثم نظرتُ لطعامي مُجدداً وبدأت بتناوله بينما أسمعها تتأفأف من حينٍ لآخر. سَحَبَتْ طبقي مِن أمامي لأنظر إليها بضجر "ألا يمكنني تناول الطعام في سلام؟"
"أنا جادة." قالت بغيظٍ لأبتلِع طعامي وأشبّك يداي علي المائدة وأقول "جيّد، ماذا بَعد؟"
"إنتظري.. أترتدين مَنامة مَرسومٌ عليها هِرّة؟" أخذت تضحك، ونظرتُ أنا لِما أرتديه ثم أدرتُ عيناي وأخذتُ أنتظِر حتى تنتهي مِن تلك السخافة، أتضوّرُ جوعاً.
"هل أنتِ في عِلاقة عاطفية؟" سألتني بعد أن إستعادت جديّة نبرتها، لتتبدّل نظرتي مِن الضجر إلى الدهشة.
ضيّقتُ عيناي مُستفسِرة "لِمَ هذا السؤال تحديداً؟" أجابتني ببساطة "فقط لأعلم! نحتاج إلي التعرُّف ببعضنا، تعلمين ذلك." إبتسمت بخفّة في نهاية حديثها، وضيّقتُ لها عيناي لفترة.
"إذاً.. هل أنتِ في علاقة؟" كررت السؤال مُجدداً بينما تبادلني بالنظرةِ ذاتها حتى أومأتُ لها، وقُمت بإغتنامِ الفُرصة لأسحب طبقي من بين يديها.
"جيّد، حدّثيني عنكِ!" وضعَت كلتا يديها على المائدة، ثم ذقنها فوقهما لأتوقّف عن تناول الطعام لمعرفتي بأنها لن تتركني وشأني.
ألا تؤلمها عضلاتُ لسانها؟
<<<<<<<<<<<
-مِن وِجهة نظر الكاتِبة-
الأجواء الهادِئة المليئة بالتوتُّر تُغلّف المكان. جميعهُم مُلتفّون حول مائدةٍ كبيرة وُضِع عليها الطعام.. مِنهُم مَن يأكُل، ومَن يضيعُ في أفكارِه، ومَن تبتلعه الحيرة، ومَن يعبثُ بهاتفه بملل، لكن تشاركوا جميعهم في فِعل الشيء ذاته: لا يتحدّثون.
سبعة أشخاصٍ إجتمعوا بمكانٍ واحِد، ولا صوت مسموعٌ سوى صوت إرتطام الملاعق بالأطباق بطريقةٍ مُزعجة! ينُمّ المجلس برُمّته عن الأجواء المَشحونة بالطاقة السلبيّة.
"لا يمكنني تصديق ما يحدُث، ما الذي يمنعني مِن قتلِك يا ترى؟" تسائلت إيفا ببرود لتتجه أنظار الجميعُ لها، بينما هي تُوجِّه كلامها لشخصٍ بعينِه-نايل، وتوجّه له النظرات الثاقِبة.
"لا تتحدث.. أبداً!" قاطعتهُ بنبرتها المليئة بالغيظ والإنفعال حين لاحظت أنّه على وشكِ أن يَرُد.
"وأنا لا أُصدِّقُ كيف نلعبُ تلك اللُعبة القذرة؟!" جاء صوتٌ هادئٌ مِن العدم ليخترق مسامعهم جميعاً، وينظروا نحو المُتحدِّث-جاك الذي يتّجه إليهم بخطواتٍ بطيئةٍ بارِدة.. واضعاً كلتا يديه في جيوب بنطالِه، ينظُر إليهِم في إحتقارٍ شديد.
سكت الجميعُ وكأن أفواههم مُوصَدَة ومُحتجِزة ألسنتهم المَعقودة بالداخل، لا يملكون شيئاً لقوله.. أو لتبرير أفعالهم المشينة.
"نايل، أنا أنسحِب." تحدّثت آشلي مُستجمعةً شجاعتها بعد زمنٍ طويلٍ من الصمت، نظر الرفاقُ لبعضهم بتعجُّب بينما هي تسحبُ حقيبتها وتنهض.. فنهض خلفها وأمسك بمعصمها بقوّةٍ جعلتها عاجِزة عن الإفلاتِ مِن قبضتِه.
"تنسحبين؟ إنها ليست لُعبة تحدّي أم صراحة أيتها الحمقاء! لا تقولي شيئاً تندمين على التفوّه بِهِ بعد دقيقتين.." إستفزّها بسُخريته وترك معصمها بقوة، لتنظر هي إلى ذراعها الذي أخذ اللون الأحمر بالكامل، وترفع عينيها الغاضبة لتواجه نظراته الباردة.
إقتربت منهُ حتى أصبحت شِبه مُلتصقة بِه لترفع عينيها وتُطالِع خاصتيه مُباشرةً ثم تهمس بنوعٍ من التحدي: "تباً لك ولعائلتك يا هورآن."
إبتعدت عنهُ وإتجهت نحو باب المنزل لتغادره، فلم يستطِع أن يتمالَك أعصابه ويزِن تصرُّفاته فسُرعان ما أمسك بشعرها في عُنفٍ ولفّه علي يديه بحركةٍ فُجائيّة جعلت أفواه الجميع تُلامِس الأرض.. وصرخت آشلي "ماذا تفعل أيها النذل الحقير؟!!"
"ستندمين-..." لم يُكمِل حيثُ قاطعه صياح جاك "إترُكها!"
أدرك نايل ما يفعله فترك شعرها لينظُر إلى جاك -الذي يلعبُ بإحدى زجاجات الخمر بين يديه- ويقول دون النظر له.. "أنت لا ترغبُ بتجربة هذه على رأسك، أليس كذلك؟"
"ما الذي أصابكم بحق الله؟!" صاح سام ولكن تمّ تجاهله بالكامل.
"وأنت لا تريد أن تسوء الأمور أكثر، صحيح؟" رفع نايل حاجبه بمكرٍ، ثم أخذ مِعطفهُ ليضعه على كتفه ويغادر المنزل قبل أن يُلقِي جاك الزُجاجة، فأصابت الباب وتحطمت لأشلاءٍ لتسقُط على الأرض بينما الجميعُ في حالةٍ مِن الصدمة البالغة.
دخل جاك غرفته بغضب وصفع الباب خلفه، إنتفضت الفتيات أثر ذلك.
"أنا لم أعُد أحتمِل. سوف أُسافِر، أنتُم أخبرتُموها بأنني سافرت، صحيح؟ لِمَ لا نُسافِر جميعنا فعلياً؟" عرضت أماندا فكرتها بتوتُّر، فإنتبه لها الجميعُ.
"وسيلينا؟ هل سنتركها هكذا؟" رفعت آيميلي إحدى حاجبيها.
"وهل نحن الآن نُساعدها مثلاً؟ بربِّك نحنُ نُدمِّرها أكثر!" صرخ زين لتنظر لهُ أماندا بأسفٍ، وتُمسِك بيده وتضغط عليها لتهدئته.
حدّق بيدها المَوضوعة فوق خاصته، ثم قال "لا يُمكننا أن نرحل. لا تنسي ما يمكنه أن يفعل بنا!"
"جيمس، لِمَ لا تتحدث؟" تسائلت إيفا بتعجُّب، حيثُ أنه يعبث بهاتفه مُنفصِلاً عن الحديث المُتبادَل بين الجميع.
رفع عينيه لها في شيءٍ مِن البرود والوقاحة لينهض مُتجهاً خارج المنزل دون إضافة أيّ كلمة!
"إنتبهوا لي! إن سافرنا لن يفعل شيئاً، سوف يشعُر بالعجز لأذيّتنا جميعاً. لن يُنفِّذ أيَّ شيئ، لن يستخدمنا ولن نضطر للكذب او التمثيل، فكروا بالأمر قليلاً!" حاولت أماندا جذبهم لفكرتها لكن البعض حرّك رأسه نافياً.
"أماندا، أنا حقاً لا أعلم ماذا يجبُ أن نفعل الآن.." أضافت آيميلي بينما تعتصِرُ رأسها وتُفكِّر بِعُمق.
"هذا لن ينجح!" غضبت إيفا ليتنهّدوا، وفجأةً سيطر النساء علي المُناقشة.. كُلٌّ مِن زين وسام لا يتحدّث.
تابعن الفتيات النِقاش حتى قاطعهن سام قائلاً "لِمَ لا نفعل كُلّ ما يُطلَب مِنّا دون تفكير أو مُجادلة حتى ننتهي مِن هذا الأمر اللعين وعِندها نسافر لأي مكان كما تُرِدن؟!"
وليته لم يتحدّث! فلقد إنقلب هدوء المكان إلي صياحٍ وهمهماتٍ وشتائم تُقذَف مِن كُل مكان، وكأنّ ما قاله سام كان الكبريت الذي إحتاجهُ البنزين لتحدُث الحرب.
سُرعان ما تحدّث زين مُحافظاً علي هدوءِه قدر الإمكان "سام هل أنت غبيّ يا صاح؟ نحنُ لا نريد فعل أي شيئ مما يأمُرنا به!!"
"ولِمَ لا؟ لن نكسب شيئاً في النهاية." أخبره سام ببساطة لتتسع عينا زين، وتصفع إيفا جبهتها.
"إنها.. إنها صديقتُك يا رَجُل!" هزّ زين جسد سام لعلّه يعود إلي رُشدِه، لرُبّما مَفعول الخمر وصل إلي خلاياه العقليّة.
"نحن مُجبَرون يا صديقي!" برّر لهُ سام، فسَئِمَ زين مِن مُجادلته.
شعر زين بأنه يقومُ بإتلافِ أعصابِه في هذا المجلس، وبأنه يحتاج إلي تصفيةِ ذهنه قليلاً. نهض ليُحذّر الفتيات بإصبعه "لا تجعلنهُ يُغيّر رأيكن، أو مِن الأفضل أن تذهبن الآن فما بداخل رأسِه جُرثوم قد ينتشر فيما حوله!"
لم يتلقَّى ردّاً مِنهُنّ، فترجَم ذلك أنّهُنّ وافقن على فكرة سام.. فتحدّث ساخراً "رائع! سأذهب أنا إذاً." وسحب معطفه وإرتداه ليخرج من المنزل إلى الشوارع والأزقّة المُبتلّة لغزارة هطول المطر تلك الليلة.
أخذ يتذكّر صوتها، وتتردّد كلماتُها في أذنه.. حاول إخراجها من رأسِه، فشدّد على معطفه بقوّة علّه يكتسِب القليل مِن الدفىء، وسارَع في خطواتِه قبل أن تُمطِر مرّةً أُخرى وتبتلّ ملابسه.
إرتسمت إبتسامتها أمامه علي بِركة المياه الصغيرة، فأبعد عينيه عنها.. سمع صوت ضحكاتها يرنّ في اذنيه، ومرّت بعض المواقف لهما في مُخيّلته كشريطٍ في عرضٍ مُستمِر، مهما حاول إيقافه لا ينجح.
أمطرت السماء وهو يسيرُ هائماً على وجهِه، لا يعلمُ إلى أين يذهب ولمن يلجأ.. كُل ما يحاول فعله هو النجاح في إحتباس دموعه داخل مُقلتيه في تلك اللحظة.
كَمَن يتقاتلُ مع عقلِه للتوقُّف عن التفكير، وعقله خصمٌ قويّ قد تحالف ضدّه.. إعتصر رأسه بقوّة ولكن دون جدوى، مازال يسمعُ كلماتها وكأنها تسيرُ بجوارِه وتُثرثر. لم يحتمِل أكثر وشعر برئتيه تتضخّمان هائجتين بينما تحتويان علي قلبِه الهائِج بين ضلوعِه، فإختلطت دموعِه مع قطرات المطر.
"لن أفعل بكِ مثلهم!" همس باكياً، وتكثّفت دموعه حتي باتت رؤيته غير واضِحة.
وأثناء مسحِه لدموعِه أتت سيارةٌ في الطريقِ المُعاكِس بضوءٍ مُسلّط تماماً علي بصرِه مُندفِعةً نحوِه بقوّة....
>>>>>>>>>>
-مِن وِجهة نظر سيلينا-
مرّ إسبوعان على هذا الحال. روز تلك لم تكُن مُريحة ابداً، كانت وقحة وجريئة إلي حدٍّ كبير، تُدخِّن كثيراً وتلعن وتسُب طوال الوقت.. لم أُحِب قضاء الوقت معها، ولكن على الأقل وجدتُ مَن أتشاجر معه وأثرثر معه بأوقات وِحدتي.
"مهلاً! ماذا تفعلين؟" صِحت بدهشةٍ بالِغة عندما وجدتها تُحضِرُ شيئاً ما، فنظرت لي مُتعجّبة.
"ماذا؟ إنهُ بعضٌ مِن الكُوكايين فقط يا سيلينا!"
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top