Chapter 32.✔
فرّقتُ جفناي بخمولٍ وتعب، رفعتُ جسدي عن مُستوى السريرلأتكِئ على رُكبتاي بينما أضُمّهُما إليّ وأشعُر بصُداعٍ حاد.
قد تكون مرّت ساعاتٌ وأنا مازلتُ علي وضعيّتي.. يتملّكني التعبُ والكسلُ والسكوت المُخيف.
كان جسدي ساكناً قبل سماعي لصوتٍ صادرٍ مِن الخارج فإنتفضتُ، كان كصوتِ حملٍ ثقيلٍ يسقُط فجأة!
تجاهلتُ الأمر بعد أن نظّمتُ أنفاسي. تكرر الصوت نفسهُ بطريقةٍ أكثر رُعباً ففزعتُ فزعاً قاتلاً.. حتى بدأ جسدي يرتعِد لا إراديّاً!
سَمِعتُ صُراخاً يأتي مِن الخارج ينمُّ عن وجود فَوضَى عارِمة بالمصحّة وأجهلُ كيف أتصرّف!!
ضممتُ رُكبتاي إلي جسدي بخوفٍ، وإرتعدت أطرافي لتتحرّك مُقلتاي برهبةٍ بجميع الإتجاهات للتأكُد مِن كَوني بأمان.
تخلّصتُ مِن تردُّدي وقررت أن أنهض، إتجهتُ نحو البابِ وكان موصداً، حاولتُ فتحِه بكلّ قوّتي حتى ألمتني يدي في إحدى المُحاولات لأصرُخ مُتألِّمة... فزالَ الصوتُ الهمجيّ بالخارج مع صُراخي.
وكأنّها فُقّعة مليئة بالضوضاء تلاشت فور أن لمستها.
سيطر الهدوء علي المكان.. فإزددتُ خَوفاً ورُعباً.
إنتظرتُ سماع أيّ صوت من جديد، لكنّ الهدوء كان مُسيطراً على الأجواء بالفعل.
أكُنتُ أُهلوِس؟!
أفاقني مِن شرودي صوتُ خطوات أقدامٍ تقترِبُ من الباب.. تقترب أكثر فأكثر كلّما مرّت الثواني.
وقفتُ مُتسمّرة كمن سُلِبَت روحها من جسدها.. حتى توقّف الصوت ثم إلتفّ المِقبَض لينفتِح الباب، فوضعتُ يداي علي وجهي وصرخت بقوّة.
حاولتُ أن أتنفّس، إختنقتُ وقُمتُ مفزوعةً مِن نَومي.. أُتمتِمُ بأقذرِ الكلمات وألعنُ الكابوس.
وضعتُ يداي علي صدري لأُهدِّىء مِن روعي.. نظرتُ حولي فكُنتُ فريسةً لِلوحدة والفراغ يبتلعانني.
أخذت خصلات شعري المُتناثرة لأضع حولها الشريطة التي إنزلقت من شعري ووقعت علي الوسادة أثناء نومي، فدخلت الطبيبة المدعوّة بإيڤان ومعها الكثير من الورق، إبتسمَت فور أن نظرَت إلي وجهي إبتسامةً بشوشة، فبادلتها بمثلها.
"مُذهِل! أرى أنّكِ تستيقظين باكراً." سحبت كُرسيّاً لتجلس بجواري، فأومأت مُردِفة "الفضلُ يرجعُ للكابوس." فإختفت إبتسامتها.
ألا أمتلِكُ حِسّاً فُكاهيّاً؟!
"أليست لديكِ فِكرة عمّا حدث أمس؟" سألتني فجأةً مُترقبةً إجابتي.
كررتُ سؤالها عاقدةً حاجباي "ماذا حدث أمس؟"
أعطتني الأوراق التي بين يديها قائلة "هذه نتائج التحاليل والفحوصات، لقد فقدتِ وعيكِ." ضيّقتُ عيناي وعقدتُ حاجباي لأستطيع الرؤية مُحارِبةً الصداع الشديد.
"عفواً لكنّي لا أرى بوضوح. هل النتيجة جيّدة؟" رفعتُ عيناي إليها في قلقٍ، لتأخذ الورق مني وتتنهّد.
نجحتِ يا إيفان في زيادة قلقي.
"نعم. النتيجة طبيعيّة، لكن.. أتأكلين الوجبات السريعة؟! لا أظن أنها مُتوفِّرة في الطعام لدينا." رفعت أحد حاجبيها لأزدرِدُ ريقي بتوتُّر.
"أهُنالك مُشكلة في ذلك؟" غلّفتُ توتُّري مُستفسِرة، فقابلتُ نظراتها الحادة لأتمنّى لو تبخّرتُ الآن.
"غير معقول." تنهّدتُ مُسترسِلة "أياً كانت وسيلتكِ في إدخالها المصحّة، لا تتناوليها مجدداً.. فالدواء الذي تأخذيه ذو مفعولٍ قويّ لِذا الوجبات السريعة ستؤلم معدتكِ دون شكّ!" أومأتُ لها فعادَت تسألني "ألديكِ المزيد منها؟"
نفيتُ برأسي لتُحرّك رأسها مُتفهّمة، وبدأت في بثّ الحماسة بي لأتشجّع للعلاج.. وأخذت ترفعُ معنويّاتي وبشّرتني بشفاءٍ عاجِل.
<<<<<<<<<<<
-مِن وجهة نظر الكاتِبة-
"مرحباً سيّدة جوميز!" قال الأشقر بينما يدخُل المنزل بطريقةٍ مُهذّبة.
"مرحباً نايل، إجلس!" أخبرتهُ والدة سيلينا بينما تُغلق الباب خلفه وتذهب لتجلس فلحق بها وجلس أمامها.
"شكراً لكِ! لقد جِئتُ لأحدثكِ عن سيلينا.." جذب إنتباهها أولاً، فأومأت له ليُتابِع حديثه.
"لا اظن بأنها تتحسّن مُطلقاً. لقد قُمتُ بزيارتها أمس وأخبرتني بأنها تهلوس. لم أشعُر أنها مُقبلة على العلاجِ أصلاً. يجب أن تنقليها إلي مصحّةٍ أُخرَى.. فأنا أرى أن تلك المصحّة ليست جيّدة كفايةً لها." حاوَل إقناعها، فإختفت إبتسامتها وتنهّدت.
"هذه هي إبنتي.. إنها لا تُحِب المصحّات والمُستشفيات، فحتى وإن كانت تتحسّن لن تُقنع نفسها بذلك." إختصرت الردّ، كي لا تتوغّل في التفاصيل.. مما أثار فضولِ نايل وتعجُّبه، فهرب السؤال مِن شفتيه مُستفسِراً عن السبب.
أجابتهُ بإختصارٍ شديد "لديها خوفٌ مِنهم نوعاً ما.."
حبس الأسئلة داخِل فمه، لم يسألها مجدداً خشيةً أن يضايقها.. وبدى أنّها تبحثُ عن أيّ دَربٍ يُبعِدها عن الحديث بهذا الشأن.
مِن ناحيةٍ أُخري سيطر فضولُه عليه لمعرفة السبب، ففشل في إحكامِ لسانه وإندفع بسؤاله بإلحاحٍ واضِح "لماذا؟"
تنهّدت الأُم، فَفَهِمَ أن الموضوع يطُل شرحه، وإلتزم الصمت بجدٍّ تلك المرة..
"سيلينا عانَت من مرضٍ نفسيّ.." أخبرته مُحدّقةً بالأرضيّة.. ليرفع عينيه إليها بإندهاشٍ وصدمةٍ أخذا كُل كيانِه.
"وتعالَجَت." أخذت نفساً عميقاً وإستجمعت قواها لتُقلِّب في ذكرياتها مُسترسِلة: "عانَت مُشكلةً مع التعبيرِ عن مشاعرها.. وقد كان خطئنا مِن البداية. في فترةِ مُراهقتها كانت في أشدّ الحاجة إلي والديها، فخذلناها وإنشغلنا عنها! لم يكُن لديها أصدقاء وقتها. فغرقت في مشاعرها ومشاكلها وإضطراباتها النفسيّة وحدها.. حتى كَبُرَ الأمر وأصبحت لا تغادر غرفتها إلا عند الضرورة. وإنقطعت عن الكلامِ معنا والقيام بالنشاطات المُحاكية لعُمرِها. ولازَمَها الإكتئاب. حتى عرضناها علي طبيبٍ نفسيّ وأخبرنا أنها في حالة إكتئاب شديدة وإن إستمرّت قد تؤدي إلي أمراضٍ نفسيةٍ وعقليةٍ. أخفينا ذلك عنها كي لا تحزن أكثر."
"ويبدو أنّه مع مرورِ الوقت قد إكتسبَت قوّة كبيرة. أصبحت تسغنى عن مساعداتنا لها ومدّنا لها بآرائنا.. أصبحت تتصرّف وحدها دون تدخُّلٍ منا، وتقود حياتها بطريقةٍ مِثاليّة. لقد عالجت نفسها بنفسِها! وتكايفت مع الوضع، ولم تعُد تُحاوِل أن تطلب منّا أن نعطيها إهتماماً. أوتعلم يا نايل؟ لقد إنقلبت حياتها رأساً على عقب حين جِئتَ أنت! لم أرَى إبنتي مُحِبّة للحياة ومُتشبّثة بها لهذا الحدّ، والأجمل من هذا.. انها أحبّتك!" إبتسمت الأُم بدفىءٍ ناظرةً لهُ، والدهشة إستولت عليه. لم يُفكّر بأنّ سيلينا واجهت صعوبات ومشاكل في حياتها.. لطالما رآها فتاةً مُرفّهة.. فظلّت حكايتها تُعاد في ذهنِه لتستولي علي تفكيرِه.
شعر بالشفقةِ نحوها، وبالسوءِ حيال نفسِه.
قاطعت الأُم أفكاره بقولِها: "هي تخشى خسارة مَن تثقُ بهم.. وأنت أهمّهم! لا تخذلها يا نايل. لا أدري لِما أقولُ لك ذلك ولكنّي مُتأكّدة من حُبّها الشديد لك. وأشعُر أنّك تُبادلها بالقدرِ ذاته. فقط إعتني بها يا بُنيّ!" إبتسامتها الوَدودة جعلتهُ يبتسِم بلُطف، فظهرت تجاعيد وجهها الخفيفة والتي بطريقةٍ ما زادتها جمالاً.
"أُقسِمُ بحياتي سيّدة جوميز، لن أخذلها!" همّ بالنهوض، وإتّجه نحوها وقبّل جبينها لتتسع إبتسامتها قائلة "قُل لي ماندي."
لم تدعهُ يرحل وجلسا يتحدّثان في أمورٍ عِدّة، مُعظمها عن سيلينا وطفولتها. ضحكا كثيراً وأحبّته ماندي للغاية.
"وداعاً ماندي، أحببتُ العصيرَ بحقّ!" لوّح لها بعد أن خرج من المنزِل، فقهقهت بينما تودِّعهُ.
>>>>>>>>>>>
-مِن وِجهة نظر سيلينا-
مشّطتُ شعري بإهتمام ورفعتهُ في شكل ذيل حصان. إرتديتُ ملابساً مُريحة، ثُم رميتُ بجسدي فوق السرير بإعياءٍ لأضع اللحاف فوقه بينما أضبِط وضعيّتي وأضع رأسي علي الوسادة بهدوء إستعدادًا للنوم.
إستحضرتُ أحداثَ اليوم أمامي فمرّت كالشريط. مازلتُ مُتّصِلة بالمحاليل المُعلّقة -التي تمدّني بالفيتامينات والغذاء- ولكني أُزيلها بنفسي أحياناً. كم أتمنَّى أن أخرُج مِن هُنا سريعاً!
سمعتُ الباب ينفتِح فتوقّعتُ أن يكون الطبيب، فتظاهرتُ بالنوم مُتهرّبةً من ثرثرته المُزعِجة، وأخيراً أنا لا أشعُر بالصداع.. ولأوّلِ مرّة! فأردتُ بذل ما بوسعي في الحفاظِ علي ذلك.
"سيلينا!" إستطعتُ تحديد الصوت، إنها أوكتاڤيا.. أغلقتُ عيناي بقوّة وتماديتُ في التظاهُر بالنوم.
حاوَلَت إيقاظى بهزّةٍ لطيفة لكنّي لم أتزحزح. حاولت إيقاظي بلفظِها بإسمي لعدّة مرّاتٍ بنبراتٍ مُختلفة، فإستدرتُ للجهة الاخري بتذمُر. لم تنسَ أن تُحاوِل أن تدغدغني وأنا قاومتُ رغبتي في الضحك وتأففت وعُدتُ للنوم. حَشرَت يدها أسفل جسدي ورفعتني لأتفاجأ بتلك الحركة وشهقت فَكُشِفَ أمري.
لِمَ تُصِرّ علي إيقاظي بهذا الشكل؟ ماذا تُريد تِلك المُزعِجة؟
"ماذا يا اوكتاڤيا؟ دعيني أنَام بربِّك!" تذمرتُ بنعاس بينما أضع الوسادة علي وجهي وأتشبّثُ بها.
"خبرٌ هام!" قالت بغنج، وأخذَت الوسادة مني لتُلقيها على الأرض بِعُنف.
"إن كان شيئاً غير خروجي من المصحّة فهو غير مُهِم بالنسبة لي." تمتمتُ لأعقِد حاجباي بغضب، وعُدتُ أقول "أُقسِمُ إن كان شيئاً تافهاً وأفسدتِ نومي وحسب فسأجعلكِ تندم-.." قاطعتني بقولِها "هُناك مُدمِنة ستجلس معكِ بالغرفةِ نفسها، نُقِلَت اليوم لهذه المشفى ولا نَجِدُ لها غرفةً شاغرة.. هي قاربت علي التعافي فلا خطورة في بقائها معكِ."
سكتُّ مِن هَول المُفاجأة، ثُم صفعت جبهتي.
هذا ما كان ينقصني حتماً، صُحبة غير مرغوبٌ بها!
"ألا يُمكنني الحصول علي بعضٍ مِن الخصوصية؟" تمتمتُ فضحكت أوكتاڤيا.
"عن أيّ خصوصية تتحدثين؟ إن باب غُرفتكِ مَفتوحٌ دَوماً ويدخُل الجميع دون طرقِه حتّى.." جرحتني بكلامها المُرّ، فتأففتُ بضجرٍ وإستدرت للناحية الأخرى كي أنام.
ليت تِلك الشريكة ترحلُ سريعاً. بدأتُ أملّ مِنها قبل أن تأتي حتى!
"سوف أُدخِلُها.." أعلمتني كلاوديا فهمهتُ دون إكتراث.
"تفضلي!" سمعتُ صوت كلاوديا فدفعتُ اللحاف عن جسدي بخفّة، وقررتُ عدم النوم.. نظرتُ حيثُ الباب لأجد فتاةً شقراء، تستدعي الإنتباه بنحافةِ قامتها وطولها، وَسيمة الوجه، ذات أنفٍ دقيقٍ شامخٍ في الفضاء، ناصِعة البيان، رقيقة الشفتين، جميلة المظهر، شعرها قصير، أذناها صغيرتان لا تكادان تظهران من تحتِ شعرها، لديها عينان صغيرتان خضراوتان بهما جاذبيّة غريبة، في حوالي العشرون مِن عمرها.
"مرحباً! ما إسمُكِ؟" سبقتني بسؤالها بينما تبتسم بهدوءٍ وتقترب بعد مُغادرة أوكتافيا، إبتسامتها وطريقتها في التعرُّف إليّ تُشعِرُني بأننا في رحلةٍ مدرسيّة.. لا مصحّةٍ نفسيّة! ما هذه البشاشة؟ أهيّ مُتبلّدة المشاعِر؟
"سيلينا. ماذا عنكِ؟" إعتدلتُ في جلستي لأرسِم إبتسامةً خفيفةً علي ثغري.
"روز." خلعت معطفها لتتركه علي حافة السرير، ثُم تجلس أعلاه-السرير.
"سوف يجلبون لي سريراً آخراً في الصباح." فسّرت لتتثائَب بنُعاسٍ لأضحَك.
"أُريدُ التعرُّف عليكِ ولكن عسكر النُعاس في جفنيّ." أخبرتها ولم أسمع ردّاً مِنها، يبدو أنّها مِن مُحبِّي السهر..
وضعت يديها خلف رأسها وحدّقت بالسقف.
إستدرتُ للجهة الأخرى ووضعتُ رأسي علي الوسادة ثُم همستُ بصوتٍ ناعِس "إن كُنتِ ستسهرين عِديني بألّا تُصدِري الضجيج لأنني في حاجةٍ مُلِحّة إلي النَوم."
"لا يمكنني أن أعِدكِ بشيء." تحدّثت ببساطة، ثم تمددت بجانبي لتُطفِىء الضوء وتنام.
<<<<<<<<<<<
شخصية جديدة ظهرت💃💃 ولسه في تاني
الشابتر حلو؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top