Chapter 28.✔
مازالت رأسي تؤلمني.. كمن يقرع الطبول فوقها، لم أنَم بشكلٍ جيّد اليوم، فالساعة الآن الثامنة ومازالا والداي نائمَين وأنا مُستيقظة منذ.. كثيرٍ مِن الوقت!
ذهبتُ لأودّعهما أثناء نومهما.. تحدّثت إليهما لكنهما غارِقَين في النوم بالفعل، زفرتُ الهواء بغضب لأُقبّل جبينهما وأخرج من الغرفة لأجلس علي الأريكة بغرفة المَعيشة.
تمنّيتُ وداعاً أكثر إهتماماً.. تمنّيت أن تعانقني والدتي وتُخفّف من توتُّري، وأن يرمقني أبي بنظراته الغاضبة بسبب ما آلَت إليه حالنا.. لكنه سيتغاضَى عن ذلك بكل تأكيد ويسحبني بين أحضانه مُطمئناً إياي، تمنّيت أن يتصرّفا معي كعائلة إكتشفت إنتقال إبنتهم للمصحّة اليوم! ليس كعائلةٍ لم تنَم منذ سنوات.
جَرَي الدم في عروقي ساخِناً هائجاً متحفّزاً للقتال، فعدم إهتمامهم بي قد زاد عن حدّه!
سمعت بوق سيّارة زين في الخارج، فأخذتُ حقيبة يدي وخرجت إليه مُسرِعة.
رحّب بي مُبتسماً بتوسُّع ليعانقني بقوّة، ثم صعدت سيارته وسُرعان ما تلاشَت إبتسامتي.. حين تذكّرت كلام آشلي عن تلك المصحة التي بدأ زين في القيادة نحوها.
"زين.. هل تلك المصحّة جيدة؟" تفوّهت بأوّل سؤال خطر ببالي، فنظر لي بتعجّب.. ثم أجاب بعد كثيرٍ مِن التحديق "بالطبع هي كذلك سيل، إختيار مستشفي كهذه لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل هي واحدة من أهم القرارات التي قد تأخذينها في حياتكِ.. إنها تضم أكبر فريق علاجي متخصص، لا شيء يدفعكِ للقلق!" أنهَى حديثه بإمساكه بيدي التي كنت أضغط عليها بقوّة لأقلل من حدّة توتُّري، إبتسمت بهدوء مُبادلةً إياه ثم ركّز هو علي الطريق، وركّزت أنا علي كلام آشلي المُبهَم مجدداً.
سحبتُ يدي من خاصته بطريقةٍ مُفاجئة، لطالما كان كلامه يؤثر بي.. لكن تلك المرة لم يُرِحني، رأسي يدور في دوّامةٍ كبيرة.. أجهلُ ما الذي عليّ فعله، لِمَ وكيف أصبحت صديقتي المُقرّبة غامضة لهذا الحد وغير مفهومَة مُطلقاً؟
حاولت قدر الإمكان أن أتوقّف عن إنهاك قدراتي العقليّة بالتفكير، وساعدني زين في ذلك حين قطع الصمت المُريب "نايل ينتظرنا أمام المصحّة."
نظرتُ إليه بتعجّب.. وتبخّر كل ما كنت أفكّر به منذ دقائق، لأسأله "لِمَ لَم يأتِ معك؟"
"كان أقرَب للمصحّة، فإقترح أن يُلاقينا هنالك.." رفع كتفيه ببساطة، فأومأت.. ليعمّ الصمت مجدداً، وإنزعاجي يزداد كُلّما توغّلت في التفكير..
توقّف محرّك السيارة، فرفعتُ عيناي لأحملق بالمبني الشاهق.. شعرتُ بأنّ الزمن توقّف تزامُناً مع توقُّف عجلات السيارة.
ترجّل وفتح لي الباب، ثابتةٌ أنا في المقعد وكل عضوٍ في جسدي يصرخ برغبته في عدم الترجّل.
حدّقتُ بزين ومُقلتاي غائرتَين في الخَوف، إزدردتُ ريقي منتظرةً منه أن يتفوّه بشيء يقنعني بالدخول..
"سيلينا، بربّك لا تخافي! أنا معكِ." مدّ يده مُبتسماً، فسلّمته يدي ليُساعدني علي الترجُّل، نبضات قلبي تتسارَع وأطرافي ترتعِش.. مع كل خطوة تخطوها قدمي أشعُر برغبةٍ جامِحة في العودة إلي منزلي والتراجُع عن هذا القرار.
"لا زين، أنا لن أدخُل.." سحبتُ يدي من خاصته بسرعة حين كنّا أمام مكتب الإستعلامات مباشرةً، تجاهلت صدمته وخرجت من المكتب بخطواتٍ سريعة وأجهل ما الذي أفعله حالياً، لكن تصرّفاتي نابعة من خوفي الشديد..
ركضت بسرعة حين سمعت صياحه بإسمي، ثم شعرت به يسحبني من معصمي لألتفت له بعبوس.. وأزفُر الهواء لعدّة مرّات بغضب "لنذهب إلي مصحة أخري، أرجوك زين!" فحرّك رأسله بالسلب.
"لِمَ تتصرّفين بغرابة؟ ما خطبكِ يا سيلينا؟" لم يترُك معصمي بَعد، وأخذ يرسل لي تلك النظرات القَلِقة التي جعلتني أتنهّد بينما أقول وأسحب ذراعي من قبضته "لا أعلم، أريد أن أشعر بالراحة والأمان.. وهذا المكان لا يشعرني بذلك! يُراودني شعور غريب يا زين.."
"إسمعي، أتُريدين أن تتعافي أم لا؟" حدّق بعيناي مباشرةً، فتنهّدت مُغلقةً عيناي بقلّة حيلة.. ثم أومأت بخفة.
غُلِّفت نبرتهُ بالدفء بينما يأخُذ يدي ليسحبني خلفه عائداً للمصحّة بحسم: "هيا تصرّفي كالناضجين، لا توجد مصحّة أخري بجودة هذه صدّقيني!"
وصدّقتك يا زين!
إستسلمت مُقتنعة بكلامه، دخلنا المصحّة وتفاجئت بوجود نايل بالداخل يتحدّث مع سيدة خلف مكتب الإستعلامات!
سُرعان ما ركضت نحوه لأعانقه بقوّة، وبادلني بالقوّة ذاتها بينما يشتمّ رائحة شعري مُبتسِماً.
"أنا خائِفة!" همست في أذنه بنبرةٍ مُهتزّة، وتشبّثت به كطفلةٍ تحتَمي بأبيها.. أشعُر بأنني علي حافة البُكاء!
"أنا معكِ حبيبتي!" أمسك بيدي ليحكم قبضته عليها مُبتسِماً، أرخيتُ أعصابي وزفرت الهواء طاردةً الأفكار السوداء التي تحوم حول رأسي.. ثم نظرت للسيّدة التي قصدتني بحديثها "إتبعينني آنِسة جوميز!"
نقلتُ عيناي إلي نايل.. فأومأ لي برأسه مُشجِّعاً، فضغطت علي يده بخفّة لنتبع السيّدة التي سبقتنا، وزين خلفنا.
أرفُض ترك يد نايل تماماً، وهذا ما جعله يقهقه علي قلقي الزائِد..
"مِن هُنا!" أشارت السيّدة علي ممرّ ثم أشارت علي غرفةٍ ما والتي مِن المُفترض أن تكون غرفتي!
"أهذه غرفتي؟" سألتها مُحافظةً علي ثبات نبرتي، لكن أقسم بأنني علي وشك الإنهيار بعد أن تمكّن التوتّر مِنّي.
أومأت لي مُبتسِمة، ثم قالت "تفضّلي، سيراكِ الطبيب بعد دقائق."
حاولت التخلُّص مِن توتُّري لأدخل الغرفة آخذةً معي زين ونايل، جلستُ وتنهّدت لأدفِن وجهي بين يَدَيّ وأبدأ في إنهاك عقلي بالتفكير بينما أحرّك قدماي علي الأرض بإرتباك.. وعمّ الصمت.
<<<<<<<<<<<<
"لا شك بأن حالتكِ صعبة، ولكني أراكِ مُقبلة علي العلاج! فجلوسكِ تلك الفترة دون تعاطي المُخدّرات مرة أخري بحد ذاتهُ إنجاز هائل.."
إبتسم الطبيب بينما يجلس علي مقعدِه، فكتّفت يداي أسفل صدري محاولةً إستيعاب كلامه، هل ما قاله سيء أم جيد؟
"ما الذي دفعكِ للإدمان؟ لأن معرفة السبب الرئيسي ستساعدنا في علاجكِ كثيراً.." خلع نظارته الطبيّة مُترقّباً إجابتي، فصمتّ لأحدّق بالأرضية بينما أعبث داخل ذهني عن إجابة..
سؤال مُعقّد!
لاحَظ تردُّدي في الإجابة، فظنّ أنه سهّل عليّ الأمر بقوله "هُناك بعض الأسباب التي تؤدي لوقوع الفرد في مصيدة الإدمان، مثل التفكُّك الأُسَري، مجالسة أصحاب السوء، ضعف الوازِع الديني، المسئوليات الكثيرة التي قد تقع علي عاتقكِ، مرض نفسي، والثراء الفاحِش والتبذير.. فأيّ واحدة منهم تنطبِقُ علي حالتكِ؟"
إنحنَت أطراف شفتاي في إبتسامةٍ مُنكسِرة بعد أن تأمّلت كل الأسباب المُقترحة، ربما جميعهم أيّها الطبيب، خصيصاً السبب الأول! لكنّي لم أدمن المخدرات بدافعٍ مِنهم!
"أيها الطبيب، حالتي مُختلفه تماماً.. فأنا لم أدمِن بإرادتي أصلاً." إختصرت إجابتي، فنظر لي بحاجبيه المعقودَين بدهشة.. وضيّق عينيه مُنتظراً تفسيراً مُقنِعاً لِما أقول.
"خادمتي اُجِّرَت لجعلي أدمِن عن طريق وضعها للممنوعات في القهوة التي أشربها يومياً." كتمتُ غضبي، وبدأت أشعر بضيقٍ في جهازي التنفسي.. أرجو ألّا يطول حديثنا حول هذا الموضوع.
ما لاحظتهُ هو أنني أرتجِف بقوّة وكأنني بمكانٍ شديد البرودة.. رغم أنني أرتدي كنزة شتويّة، وكذلك أتعرّق كمن يذوب أسفل آشعة الشمس الحارِقة، وأستمع للطبيب لكنّي لا أذكر أي هراء مِمّا قال.. أشعُر وكأنني مُغيّبة!
أخذ يسالني عن حياتي الشخصية وعن ما أحب وما أكره، أخبرني بمعلومات كثيرة عن الإدمان وآثاره الجسديّة وشرح لي نظام العلاج بطريقةٍ مُفصَّلة ومُختصرة في الآن ذاته، لكنّي أشعر بأنني أفقِدُ تركيزي بالفعل!
"آنِسة جوميز، سنضطرّ إلي إجراء عمليّة لإزالة سموم المخدّرات من جسدكِ.. لقد تعاطيتِ جرعات كثيرة جداً في فترة قصيرة، ويمكنكِ أن تعتبري إزالة التسمُّم هي مُقدّمة للعلاج!" إبتسم لي خاتِماً حديثه لينهض ويخرُج، ليتركني وحيدة بين أربعة جدران تكاد أن تتلامَس لتسحقني في المنتصف.
أغلقتُ الباب خلفه ثم إلتفتُّ لِأُقابِل الغرفة.. لا بأس بها، ويوجد بها سريرَين.. وواسعة لأن تكون مجرّد غرفة داخل مصحّة!
إستلقيتُ علي السرير بخللٍ في التناسُق الحركي، الإرهاق أكَل ملامح وجهي أكلاً، والملل يكاد يقتلني في الدقائق الأولى من جلوسي هنا..
لقد أخذوا منّي كل حاجياتي، هاتفي وجميع أشيائي بحوذتهم! لم يتبقَّ لي شيءٌ لأفعله سوي النَوم.
أعرف برنامجي العلاجي غداً ولستُ مُتشوّقة أبداً، اللعنة علي كلاوديا وعلي كل شخص كان السبب في إيصالي إلي هُنا..
مُهملةٌ أنا داخِل غُرفةٍ موحّشة، كقطعة ورقٍ مُهترئة ومتروكةً علي أحد الأرصِفة تتلاعب بها الرياح وتقذِفها حيثُ تشاء.
متي حدث كل هذا وكيف إنتهي بي الأمر إلي هنا؟ كم أنّ هذا جنوني!
بدأ قلبي يخفِق بقوّة وأصبحت رؤيتي ضبابيّة فور أن تجمّعت الدموع في عيناي شفقةً مِنّي علي حالي.
مسحتُ دمعتي التي فرّت من عيني.. وشعرتُ بأن قلبي ينبِضُ إشتياقاً وحنيناً لجميع أحبّتي، خصيصاً نايل!
لن أتمكّن مِن النوم اليَوم.
جيد هورآن، لقد حصلت علي سباق قلبي..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top