Chapter 27.✔
"صباحُ الخير!" أرسلتُ إليه مُبتسِمة لأترُك الهاتف جانِباً وأعبثُ بشعري كعادَتي، فركتُ عيناي لأزيل آثار النوم منهما قبل أن أتوجّه نحو الحمام لأخذ حماماً بارداً.
إنتهيت من تنظيف جسدي ومشّطت شعري جيداً، حسب ما أخبرني نايل به قبل أن أنام فنحنُ ذاهِبان إلي الشاطيء وحدنا.. إلي هاواي! ليُعوّضني عن تلك الرحلة التي فوّتّها مع رِفاقي حين كان مُتعباً، ولم يسعني سوي الموافقة!
إحتجتُ لهذا العرض فعلاً، خصيصاً في آخر يومٍ لي قبل دخولي للمصحّة.
توجّهت إلي الطابق السُفلي فوجدتُ والدتي تُحضّر الفطور بنشاطٍ شديد، أخذتُ طبق البطاطا المقليّة لأبدأ بتناوله دون مُلاحظة والدتي ليتوسّط هاتفي يداي مُتفحّصةً مُحادثتي مع نايل.
"صباحُ النور سيلين!" تلقّيت الردّ منه لأبتسِم أثناء قرائتي له، تنهّدتُ بِعُمق لأستجمع الكلمات المُناسِبة كي أخبر والدتي بأمر سفري..
"لِمَ قد تستيقظين في هذا الوقت يا أمي؟ إنها الخامسة صباحاً.." سألتها بتعجُّب، فأجابت بتعبٍ يشوب نبرتها الخافتة "لم أنَم في الأصل، سهرتُ أعمل." فأومأت لها بهدوء، وعُدتُ أُفكّر في الكلمات المناسبة.
"أُمي! سأذهب إلي هاواي مع صديقي ايوم وسنعود غداً في مثل هذا الوقت." ملأتُ فمي بالبطاطا بينما أخبرها، فأومأت عدّة مرّات، تأكّدت حينها بأنها مُتعبة بالفعل ولم تنَم مطلقاً.
منحتني أُمّي القليل من الإنتباه، فتجمّدت بمكانها وتوقّفت عن الإيماء، لتلتفت لي بصدمةٍ بالِغة وفمٍ مفتوح علي مصرعيه بينما همس بإستنكار "صديقك؟ هاواي؟ اليوم؟" إبتلعتُ الطعام بصعوبة لأوميء لها بتشوُّش.
"مَن هو صديقك الذي قررتِ الذهاب معه دون أن تخبريني؟" ضمّت كلتا يديها أسفل صدرها لترفع حاجباً ماكِراً مُنتظِرة إجابتي بفارغ الصبر.
"يُدعَى نايل! وها أنا أخبركِ الآن يا أُمي العزيزة!" إبتسمتُ بتوسُّع وإقتربت منها مُعانِقةً إيّاها، بينما أدعو بداخلي ألّا تمنعني عن الذهاب الآن.
"نايل! لكنّكِ لم تخبريني عنه مِن قبل!" نظرت لي بمكرٍ إستوطَن عينيها، فأدركتُ أنها تريد تقريراً شامِلاً عنه!
"سوف أخبركِ بسيرتهُ الذاتيّة لاحقاً، لكن الآن.. أعتقد بأن معرفة أنهُ صديقي المُقرّب كافية جداً!" إبتعدت عنها في محاولةٍ منّي لقراءة ملامحها، فإبتسمت لتهمس "هل هو وَسيم؟"
تملّكت السعادة قلبي لأعانقها قائلة "الأوسَم علي الإطلاق يا أمي!" فقهقهت لتلفّ ذراعيها حول جسدي مُتهكّمة "صديقكِ المُقرّب، ها؟"
إلتزمتُ الصمت، فقهقهت والدتي مُجدداً، وكانت تلك المرّة الأولي منذ زمنٍ طويل التي أشعر بها بأن والدتي تتصرّف معي كأُم تهتم لإبنتها وتفهم صمتها وتدرك ألاعيبها!
"حسناً يا صغيرتي، أتمنّي لكِ وقتاً هنيئاً، وسأحدّث والدكِ بهذا الشأن كي لا يغضب لكسركِ للقوانين التي وضعها مؤخراً، أما الآن فعليكِ أخذ دوائكِ بعد تناوُل هذا!" أعطتني صينيّة بها شرائح الخُبز المحمّصة والجبن والقهوة وشريط الدواء فأومأتُ لها مُبتسِمة.
سمعتها تتنهّد لتتبعني وتجلس بجواري علي الأريكة، فسألتها في قلق "هل هناك خطبٌ ما؟"
"لا أرغب في تعكير مزاجكِ، أنتِ ذاهبة إلي هاواي.." رفع أحد حاجبيها بينما تحدّق بي، فقهقهت لتشاركني بتزيُّف، سألتها مجدداً "ماذا حدث؟" وأخذت أُخمِّن سبب إنزعاجها فجأة..
أعطتني هاتفها الذي كان مفتوحاً علي أحد مقاطع اليوتيوب مسبقاً، أخذتهُ منها وقُمت بتشغيله بينا أُهيِّيء نفسي داخلياً لأيّ خبرٍ صادم.
"العديد من شركات السيّد جوميز تُغلق مؤخراً; علمنا حديثاً أن إبنته الوحيدة مُدمِنة للممنوعات.. بينما السيّد جوميز لديه شركات للأدوية التي تعالج الإدمان، أليس نفاقاً وخداعاً؟" لم أحتمِل أكثر، فأغلقت المقطع سريعاً ونظرتُ لوالدتي التي تبدّلت ملامحها للحزن الشديد والهمّ يستوطن عينيها بطريقةٍ موجِعة.
شعرتُ بالذنبِ يتملّكني، أنا السبب في كل شيء يحدُث ولا يمكنني المساعدة حتي! لا أملِكُ سوي الإعتذار، شعرتُ بالعجز يُقيّدني لرؤية والدتي غارقة في الحزن ولا يسعني التخفيف عنها، ترجمتُ مشاعري بتنهيدةٍ عميقة خرجت من بين شفتاي بأسي.
لم تتسنّح لي الفرصة كي أفوّه بما يواسيها، حيثُ ملّست علي فخذي قبل أن تنهض قائلة "رغم أنني لستُ موافقة علي ذهابكِ إلي هاواي في هذا الوقت تحديداً يا سيلينا، لكن.. إعتني بنفسكِ ولا تتأخّري!" وتركتني لتصعد إلي غرفتها.
تنهّدتُ طويلاً، ونظرتُ للصينيّة بإشمئزاز لأبعدها عنّي لإنعدام شهيّتي فجأة، قبل أن يهتزّ هاتفي بين يديّ مُعلِناً عن وصول رسالة جديدة من مُحادثتي مع مُبَعثري.. أو عليّ القول حبيبي!
"أياً كان ما سترتدينه، إرسلي لي صورته أولاً.. أنا متحمّس للغاية ولا أتوق الإنتظار!" قهقهتُ بخفّة علي رسالته وبدأت أكتب الردّ: "لا لن أفعل، لا أثِقُ في زوقك!"
أردتُ أن أجعله يغتاظ فقط، ونجحت مُخطّطاتي فور أن أرسل لي مع الوجوه التي تنظُر بحقدٍ وإحتقار مُمتزجَين: "حقاً سيلين؟" فإنفجرتُ ضاحِكة لأكتب له: "ناي أنت تعطّلني! لم أتناول فطوري حتي."
تركتُ الهاتف علي الأريكة كي أتوقّف عن تضييع الوقت بمراسلته، رغم أنني سألتقي به بعد ساعة!
صعدت إلي غرفتي لأبدأ بتحضير حقيبة صغيرة ستفي بالغرض، إرتديتُ سُترة ذات حمّالاتٍ رفيعة، وسروال جينز قصير، ورششتُ القليل مِن عطري المفضّل ووضعتُ لمساتي الأخيرة مِن أحمر الشِفاه ثم تركت شعري منسدلاً بحُريّة، فأخذ يُداعِب ظهري.
إنتهيتُ من وضع كل ما قد أحتاج بداخل الحقيبة، وإسترقتُ النظر إلي مظهري في المرآة.. فأطلقتُ صَفيراً شبابيّاً مُتغزّلة بمظهري المِثالي، ثم قهقهت لأفتح مُحادثتي مع نايل التي كُتِب عليها -عشرون رسالة غير مقروءة-
"إشتقتُ إليكِ!"
"أنا في المطعم المُجاوِر لمنزلكِ أتناول فطوري."
"لقد إنتهيت، ألن تنتهي أنتِ؟"
"سيلينا ماري جوميز.. أجيبي الآن، حالاً!"
"لقد مللت الإنتظار يا حُلوَتي! أتعذبينني؟"
"أنا وسيّارتي في إنتظار جلالتكِ أمام منزلكِ، رجاءً لا تتأخّري!"
"لم أكُن أعرف أنّك ثرثار يا هورآن، أنا علي وشك الخروج علي أيّ حال!" قهقهتُ بخفّة بينما أرسل له لأجُرّ الحقيبة وأنزل للطابق السفلي.
صِحتُ في المنزل مُخبرةً والدتي برحيلي مودّعةً إياها، وبادلتني الوداع لأخرج من المنزل برمّته.
بدأ قلبي يرتجِفُ داخل قفصي الصدري فور أن أغلقت باب المنزل خلفي، كقطٍّ مُبلّل أثناء سقوط المطر في ليلةِ شتاء قاسية.
أخشي مِمّا أنا مُقبِلة عليه، أخاف مِن تقلُّب علاقتي مع نايل.. وأخافُ مِن نايل نفسه، غموضه يخنقني.. لكن شعورٌ بداخلي يصيح بأنّه الرجل المناسب لي، ولا أحد غيره!
لم يكُن قصدي أن أقع له، لكنّي جُننت به دون أن أدري!
اليوم.. قررت أخذ خطوةً للأمام في طريقِ علاقتنا المُبهَمَة، قررت مُصارحته بحقيقة مشاعري نحوه حتّي ولو كانت العواقب وَخيمة، سأتحمّل في سبيلِ أن أفرج عن مكنونِ صدري.
تشجّعت لأصيح "مرحباً نايل!" لوّحت له بيدي بينما كان داخل سيارته لا ينتبه لوجودي، دافناً رأسه بين يديه وكأنّه قد غرق في قيلولة.
"ناي، ماذا بِك؟" أدخلتُ رأسي من نافذة السيارة هامِسة، فإنتفض مفزوعاً لأسمعه يلعن بخفوت.. وإنفجرتُ ضاحِكة، لم تمرّ ثوانٍ حتي شاركني ساخراً من نفسه.
"لِمَ تأخّرت صاحبة السموّ -التي تتجاهل رسائلي-؟" فتح لي الباب مِن الداخل، فإلتفتُّ للناحية الأخري كي أصعد بعد أن وضعت حقيبتي في الخلف.
"أنت لا تملك أدني فكرة عن متطلّبات الفتاة كي تجهز لمغادرة المنزل، أليس كذلك؟" قُمت بهفّ الخصلة التي سقطت علي شعري بضجر، فقهقه.
نظرتُ إليه مُبتسِمة، لكن ملامحه تخشّبت فجأة لِتُظهِر كمّاً رهيباً مِن البرود بينما يتحدّث ببساطة "آسف سيلين، لكننا لن نذهب إلي أي مكان اليوم، هيّا عودي إلي منزلكِ."
فتحتُ فمي لأتحدّث، لكن الحروف ذابت علي شفتاي بينما أُطالِعهُ بصدمة..
"أمزح وحسب!" قهقه بقوّة، ثم وضع يده علي المقود ليبدأ بالقيادة، فضممتُ يداي أسفل صدري متمتمة بـ "سخيف جداً."
زالَ إنزعاجي فوراً، فأنا مع مَن يُبعثر مشاعري في طريقنا إلي هاواي.. ونسمات الهواء اللطيفة تُداعب جسدي وتجعل شعري يُحلّق بحريّة، كيف لي أن أشعر بالإنزعاج؟
رفعتُ يداي بتثاقُل مُحاربةً التيّار الهوائي لأخرجهما من النافذة وأحرّكهما بعفويّة كالأطفال، فإبتسم نايل بعد أن إسترق النظر إليّ.
الطريق كان طويلاً كفاية لأفكّر في مصارحته بمشاعري مرّاتٍ ومرّات، لكن كلّما رغبت في ذلك كلّما عجز لساني عن النطق!
"يا طِفلة، لديّ شيء لكِ!" جذب إنتباهي فأدخلتُ يداي إلي النافذة مجدداً لينعما بالدِفء، ونظرتُ إليه لأري إبتسامته اللعوبة تشقّ طريقها إلي وجهه.
"ما هو يا أبي؟" قُلت ساخرة، فقهقه وتناوَل علبةً بجانبه ليعطيني إيّاها، بدأت رائحتها الشهيّة تداعب أنفي فزادتني جوعاً علي جوعي.. البيتزا!
"يا إلهي، شكراً لك!" قمت بفتح العلبة لأبتسِم.
"لا داعٍ لهذا، حين أخبرتِني بأنّكِ لم تتناولي فطوركِ بَعد فكّرت في أن أحضر لكِ مّما أكلت!"
حدّقت به بإعجاب طويلاً، قبل أن آكُل وأُصفّي ذهني..
مع مرور الوقت تبدّل نشاطي وحركاتي الكثيرة داخل السيارة ورقصي في مقعدي علي الأغاني الصاخبة إلي التعب، حتّي شعرتُ بثقولة جفناي.. ووقعتُ فريسةً للنوم دون مقاومة!
>>>>>>>>>>>>
"سيلين الجميلة، هيا لتذهبِ إلي المدرسة لقد تأخّرتِ!" هزّ نايل جسدي مُداعِباً، فرمقتهُ بطرف عيني لأغلقهما مجدداً.
أدركتُ لاحقاً أنني أخذت قيلولة أثناء رحلتنا!
"هيّا، إنها سيارتي لا سريرك!" تأففتُ حين سمعت نداءه مجدداً، رفعتُ جسدي لأحكّ رقبتي بحرج.. وراقبتهُ يترجّل من السيارة ويفتح لي الباب كي أترجّل مثله.
"ماذا الآن؟" وجّهتُ عيناي لنايل فور أن ترجّلت، فهمس بـ "إتبعيني!" وسحب يدي لأسير خلفه مُترنّحة لعدم توازني بسبب نومي لساعاتٍ طويلة.
بدأ النشاط يدبّ في روحي فور أن رأيت ما جعل ذقني يُلامِس الأرض!
رأيتُ مُنتجعاً مُترامٍ الأطراف.. تعجز الأحرُف عن وصف جماله، تلك الطبيعة الساحِرة قد جعلت آلام رأسي تتلاشَي.. والشمس الوهّاجة رسمت البَسمَة علي شفتاي، وزقزقة العصافير أغمرت قلبي بالراحة.. يوجد بالمنتجع شواطيء ومطاعم بكلّ مكان، وكذلك الكثير من الفنادق!
أخذنا نتوغّل في المنتجع، وكادت رقبتي أن تنكسِر لكثرة إلتفاتي مُكتشفةً المكان في ذهول.
ما أذهلني حقاً هو أنّه خالٍ مِن البشر!
"كيف يكون المنتجع الخلّاب هذا خالياً لهذا الحد؟ أعني إنظر-.." قاطعني بنبرته البارِدة "أجل، لقد إختطفتكِ."
فكّرت مراراً في العودة إلي المنزل بعد سماع تِلك النبرة الغير مُطمئنة، سحبتُ يدي من خاصته بعنف لأعُد للوراء وأصيح "إن كنت ستحدّثني بتلك الطريقة طوال اليوم فلتذهب هاواي للجحيم وأعِدني إلي منزلي حالاً!"
"تعالِ إلي هُنا!" جزّ علي أسنانه، فترددت قبل أن أقترب منه.
"كم مرّة أحتاج لإخباركِ بأنني أمزح؟" أمسك بيدي مجدداً، ليقودني للداخل أكثر فأكثر.
"لقد إستأجرت هذا المنتجع لليلةٍ واحِدة." أخبرني فإبتسمت علي إهتمامه بتلك الرحلة.
لا يوجد بالمكان سوي العاملين به، وهو أمر مُربِك ومريح في الوقت ذاته!
توجّهنا إلي غرفتنا بعد أن أخذ نايل المِفتاح من الشاب بمكتب الإستعلامات، نَمَت إبتسامتي لا إرادياً حين دخلنا الغرفة التي سرقت قلبي بمساحتها الواسعة ورونق ألوانها.. والمنظر الخلّاب التي تطلّ عليه.
"أنتَ رائع!" عانقت نايل دون وعي، وقد بدا مُتفاجئاً لكنّه بادلني بقوّة ليهمِس "أي شيء لصاحبة السموّ!" فقهقهت بسعادة.
فتحت النافذة الصغيرة بالغرفة لأقف متأمّلةً السماء الصافية -والتي تُعَد نُسخةً طبق الأصل لعينَيّ نايل- سمحتُ للهواء النقي بالعبور إلي رئتاي، ولنسمة الهواء العابِرة بالمرور بين خصلات شعري لتداعبني بطريقةٍ لطيفة، جعلتني أبتسِم.
"سيلين.." تمتم نايل مُقترِباً منّي، شعرتُ بملمس شفتيه الرطبة علي كتفي حيثُ طبع قبلةً لطيفة، فإلتفتّ لأواجهه.
"نايل، بشأن ما قلته لي أمس فأنا-.." قاطعني بوضع إصبعه علي شفتاي فإرتعشت بخفّة، إبتسم هامِساً "لا أريد ردّكِ الآن، حسناً؟" أومأت له فأبعد إصبعه عني.
لو كان يعلم ما كنت علي وشك قوله لَما قاطعني أبداً.
نظر لساعة يده مُتفحّصاً، ثم رقّص حاجبيه قائلاً "لحُسن الحظ نملك بعض الوقت لنسبح به قبل الغروب."
أومأت بحماس، ورفعت شعري في كعكةٍ عملاقة بها خصل مُتهرّبة من كل إتجاه بينما أقول "لا أصدّق أنك قمت بحجز المنتجع بأكمله لنا! نحنُ إثنين فقط.. لابُدّ أن ذلك كلّفك الكثير!"
"أرأيتِ إبتسامتكِ المُحطّمة للقلوب تِلك؟ إنظُري في المرآة أيتها الفاتِنة.. إنّها تُساوي كنوز الدنيا وليس فقط ما كلّفني المنتجع لحجزه!" غمز لي لتتسع إبتسامتي، وعقّب ذلك بخروجه من الغرفة تاركاً إياي تحت تأثير كلماته.
"إلي أين تذهب؟" صحت بصوتٍ مرتفع، فعاد يفتح الباب ليُدخِل رأسه قائلاً "أنا فقط أنتظركِ أمام الباب كي تجهزي، لا داعِ للصُراخ فنحن وحدنا في المكان برمّته.. حسناً؟"
خرج مجدداً لأقهقه، أخذت أقفز بسعادة.. ثم أفرغت حقيبتي التي أحضرتها معي.. وإرتديت زِيّ السباحة خاصتي.
خرجتُ من الغرفة ووجدت نايل يُجرِي مكالمة هاتفيّة ويسير بالرُدهة بتباطُيء بعد أن أصبح شبه عارٍ، تبعتهُ دون إصدار أيّ جلبة قدر المُستطاع، أنوي أن أفزعه.. لكن حديثه شدّ حواسي لتتجمّد رجلاي بمكانهما.
"متي ستخرجين؟"
"جيد جداً!"
"إشتقتُ لكِ كثيراً!"
"أكُل شيء علي ما يُرام؟"
"أحبكِ! أراكِ قريباً."
شُتِّت عقلي تماماً، لكنّي لم أُرِد أن أُسيء الظن.
إنتظرته حتي أغلق الخط وإلتفت ليجدني خلفه، مما زاد حيرتي أنّه إبتسم بخفّة ومدّ يده قائلاً بحماسة تفيض من عينيه "هيا!"
سُرعان ما أدخلت يدي بخاصته، لنذهب إلي الشاطيء بخطواتٍ سريعة..
خضعتُ لفضولي فور أن سألته دون النظر له "مَن التي كُنت تُحدّثها منذ قليل؟" فإبتسم بهدوءٍ تام ورفع حاجبهُ بمكر.
"كانت أُمي، هل.. تغارين مثلاً؟" نبرتهُ اللعوبة تمكّنت مِن إستفزازي، فأجبت دون النظر له "قطعاً لا، بل شعرتُ بالفضول."
"علي أي حال، تبدين رائعة.. كعادتكِ!" إبتسم لأنظر إليه مُبتسِمة بإمتنان، وصلنا إلي الشاطيء وبدأت أسمع الأمواج ترتطم ببعضها البعض مُصدرةً نوعاً فريداً مِن الموسيقي المُحببة للقلوب، فأصبح الصمت ثالثنا مُتأمّلين تِلك الأجواء التي لا مثيل لها.
روعة الطقس وجمال البحر جعلاني أنسي كل ما قد يُقلقني ويفسد مزاجي، كذهابي للمصحة غداً..
أعلمُ جيداً أنني لا أملك الكثير من الوقت، لذا سأحاول الإستمتاع قدر الإمكان!
أفلتُّ يد نايل لأهرول نحو البحر حتي قفزت بداخله وإبتسامتي تحتلّ ثغري، صرخ نايل بإسمي ثم سمعت قهقهته العالية..
"نايل شارِكني! المياه بارِدة لكنّها رائعة-.. نايل؟" توقّفت عن السباحة وأبعدتُ خصلات شعري التي إلتصقت بجبيني، أخذت أبحث بعيناي عن هيكله علي الشاطيء.. لكنّي لا أري سوي الفرغ يُحيط بي.
رُبما ذهب لإحضار شيء ما؟ بالتأكيد لن يتركني ويعود إلي غرفتنا الفندقية!
أخذت المياه تُداعبني كلّما أخذت أسبح، كانت سعادتي لا توصَف بالفعل.. مع كل تلك المشاكل التي تقع علي عاتقي بشكلٍ يوميّ يأتي التوتُّر ليعترض راحتي بشكلٍ مُستمر، لكن اللجوء إلي البحر للتخلّص من التوتر والقلق كان خيار ذكي من نايل!
لطالما لجأت للبحر حين شعرت بالحزن يتمكّن مني، لكنّي توقفت عن فعل هذا منذ زمنٍ طويل..
حركة الأجواء تدفع جسدي للهدوء والإستجمام، فتُخلّصني من أي شعورٍ سلبي.
"سيلين!" سمعتُ نايل يصيح، فدلفت للشاطيء بخطواتٍ مُتسارِعة لألتقط كأس العصير الطازج الذي مدّه لي، وبيده الأخري كأسه الخاص.
تمدّد علي الرِمال فرفعتُ إحدي حاجباي في تعجُّب، هُناك كراسٍ لِمَ لم يستلقي عليها؟ والأهم من هذا.. مَن قد يستلقي أمام البحر بدلاً مِن الغوص بداخله والإستمتاع بمياهه؟
شربت الكوب دفعةً واحِدة، راغبةً في ألّا أضيّع ثانية إضافية بعيدةً عن مياه البحر، ووضعت كلتا يداي علي خصري قائلة "بجديّة ناي؟ ألن تسبح؟"
"سأفعل.. رُبما آخُذ إستراحة من رحلتنا الطويلة؟" نظر لي مُترجّياً، فتركته وذهبت إلي البحر بينما أصيح "دَع الإستراحة تُشعرك بنصف السعادة التي أشعر بها الآن!"
ترك كأس العصير ليركُض نحوي ويقفز في البحر، فأخذت أقهقه.. أخذنا نسبح دون توقُّف، كان يحاول أن يُغرقني طوال الوقت.. لكنّه يجهل أنني سبّاحة!
صوتُ ضحكاتِنا ملأ المكان ليُحوّله إلي مكانٍ مُفعم بالحياة، كان كالموسيقي مُتناغماً مع أصوات الأمواج المتراطمة!
إستلقينا علي الشاطيء لنلتقط أنفاسنا حيثُ أصبحت الساعة الخامسة.
"كان هذا جنوناً، أحببته!" صاح بجواري لأقهقه بينما نحاول تنظيم أنفاسَنا.
"أنتِ تسبحين ببراعة حقاً، لابُدّ أنّكِ تأتين إلي البحر كثيراً!" أخبرني فتوقّفت عن الضحك لثوانٍ، قُمت بحكّ ذراعي بتوتُّر.. فتلاشَت إبتسامته مُستفسِراً "هل ضايقتكِ؟ بِمَ أخطأت؟"
"ذات يوم حملتُ أوراقي وإتّجهت إلي البحر.. لِأرَى ذلك المنظر الذي لطالما ملأ القلوب بمشاعرٍ تختلط عند رؤيته.. وتتهامَس العيون بما في الخواطر من حب لأجله، فأصبح البحر صديقي المُقرّب وقتئذ، أقذِفُ فيه كل آلامي وأشكو له كل أحزاني.. لم يدفعني إلي اللجوء للبحر سوي تجاهل والداي المستمرّ لي، أُصِبت بالإكتئاب وإعتدت علي الذهاب إلي طبيبٍ نفسي وأخبرني أن جلوسي أمام البحر جعل منّي إنسانة مفصولة تماماً عن العالم المُحيط بها، وخسرت الكثير من أصدقائي.. أصبحت لا أتحدّث مع أحد سوي البحر، حتي والداي! لذا بدأت أتعالج مِن تعلُّقي بالبحر تدريجياً.. كان ذلك منذُ وقتٍ طويل، في بداية مُراهقتي!"
إبتسم بهدوء ليلتقط يدي هامِساً "لا بأس!"
"أتعلمين؟ كنت أكره البحر لأنني أخشي الغرَق، ولازلت أفعل! ولكني حاولت التغلُّب علي مخاوفي لأن ثمة شخص يُحِب البحر هُنا." رفع حاجبيه فإبتسمت، وإلتفتّ إليه ليُصبِح وجهي مُقابلاً لوجهه البَشوش، وإبتسامتي تتسع.
عمّ الصمت وخيّم الهدوء علي المكان، إنهُ مَوعِد غروب الشمس!
وقفتُ أمام البحر، كان منظرهُ بديعاً والشمسُ والبحر يتهامسان.. يتعانقان، شُعاع الشمس الهزيل يودّع السماء.. منظرٌ يُحي القلوب البائسة! طوت الشمس صفحات الأمس، مودّعةً يوماً مَضَى من حياتنا.
"ما أجمل غروب الشمس!" تأمّلت السماء بإعجاب، فنهض ووقف خلفي مباشرةً ليهمِس "إكتمل جمالهُ بوقوفكِ هُنا."
يداه إلتفّت حول خصري ليضمّني إلي جسده فيتلاصَق ظهري بصدره، وإستند برأسه علي كتفي مُدغدغاً بشرتي.. فإرتعشت وأخذ قلبي يخفق بقوّة، كقطعة المارشميلو أذوب بين يديه في سهولةٍ ويُسر.
"أشعُر بسعادةٍ كبيرة بالقرب منك!" إلتفتّ لهُ مُبتسِمة، فبادلني الإبتسام وحدّق بتفاصيل وجهي مما صعّب مُهمّتي في الإعتراف له الآن!
"لقد وعدتكِ بأن أجعلكِ تقعين لي، ربما لم أنجح اليوم ولكن-.." تنهّد فقاطعته "لا داعٍ لهذا ناي، فأنا أفعل!"
"لا تواسيني!" أطلَق صوتاً ما بين تنهيدةٍ وضحكة، ظنّاً منه بأنني أمزح، فنفيتُ برأسي.
"أأنتِ جادة؟" سأل رافعاً حاجبيه، فأومأت سريعاً لأضحك.
"أُحِبُكِ!" إقترب منّي هامساً، لتُداعبني أنفاسه الساخنة.. قام بإفساد كعكتي لينسدِل شعري علي كتفاي ويُمرّر أصابعه به بحريّة، فتورّدت وجنتاي بشدّة.
"أنا أيضاً.." همست بسعادة، فحملني لأحيط خصره بساقاي بينما أتشبّث برقبتِه.
"قوليها وحسب، أم عليّ أن أسحب أحرُف الكلمة مِن فمكِ حرفاً حرفاً؟" دغدغني بأنفِه، فإبتسمت بخجل وقبل أن أنطِق قام بمقاطعتي "قوليها يا حُلوَتي ولا تتلعثمي خجلاً!"
إزدادت نبضات قلبي سُرعة، وأنفاسي إضطِراباً، وجسدي إرتعاشاً.. وكأنّ تلك الكلمة إن غادرت السجن الذي فرضتهُ عليها سوف تقوم بثورةٍ ضِدّي.
تفوّهت أخيراً بعد صراعٍ داخليّ: "أُحِبُك!"
إبتسم بإرتياحٍ وسعادة مُمتزجَين، وأنزلني ليُحيط وجهي بيديه فأغلقت عيناي لترتطِم شفتانا في تناغُم.
<<<<<<<<<<<<
"بدّلي ملابسكِ فوراً، لدي مُفاجأة لكِ!" عقّب هذا بمغادرته للغرفة غير سامحاً لي بالإستفسار عن تلك المُفاجأة التي أثارت فضولي.
إرتديتُ أحد فساتيني القصيرة ذات اللون الأبيض، وتركت شعري منسدلاً كما هو عليه بعد أن مشّطته، خرجت من الغرفة بخطواتٍ مُتّزنة بينما أتفحّص هاتفي لأجد عشرون مكالمة فائتة من والدتي! والساعة الآن السابعة مساءً.. فكّرت في مهاتفتها، لكن شعرتُ بيد نايل -التي جائت من اللا مكان- تسحبني من ذراعي بحماس.
سِرتُ مُلاحقةً خطواته المليئة بالحماسة، دلفنا إلي أحد المطاعم بالمنتجع، وراق لي كثيراً بأجواءه الرومانسية وموسيقاه الهادئة..
"ماذا يُقدِّمون هنا؟" سألته لأغلق عيناي بإستمتاع وأعضّ علي شفتاي بحماس أثناء تسلُّل الروائح الشهيّة إلي أنفي، إختلطت الروائح ببعضها فصرت لا أستطيع تمييز الأكلات..
"هؤلاء!" همس فعقدت حاجباي بتشوُّش، ثُم نظرت إلي ما يُشير إليه.. ووجدت جميع أصدقائي يدخلون المطعم!
شاركونا الطاولة وجلس الجميع يتحدّث في مواضيعٍ غير هادفة مليئة بالثرثرة والضحك، أخبرتهم بمَدَى إعجابي بالمفاجأة.. لا أنكر كم إشتقت لكل فردٍ منهم! ولكنّي تعاملت معهم بجفاء نوعاً ما.
سعيدةٌ للغاية لأنني أمضيتُ ليلة أُنسٍ لا تُنسَى مع حبيبي، وكذلك أصدقائي الذين غمروني بالإهتمام والحُب.. قبل أن أذهب للمصحّة لفترةٍ مجهولة.
"إذاً.. هل أنتُما تتواعدان؟" إستفسر چيمس مُقاطعاً تلك الضحكات التي توقفت لثوانٍ.. بدأتُ بتحريك شفتاي كي أُجيب، لكن قاطعني ردّ نايل:
"أجل!"
وعلّقتُ علي ذلك بصمتي، ونَمَت الإبتسامة علي ثغري لنتابع تناوُل الطعام، وأخذ نايل يرمقني بنظراتٍ مليئة بالحُبِّ والإهتمام طوال الوقت.. لم أشعُر بالأُلفة والدِفء إلي هذا الحد قبلاً!
>>>>>>>>>>>>
إستيقظتُ لعدم نومي بأريحية، كثرة تقلُّبي في سريري أزعجتني.. كما هو واضح أنها أزعجت نايل الذي كان نائماً بجانبي.
"هل إستيقظتِ؟" همس بصوتٍ ناعِس فأومأت لأنهض سريعاً وأنظُر في ساعة يدي، ذهبت بإتجاه نايل لأسحب اللحاف عن جسده وأُجبِره علي الإستيقاظ.
"هيّا! علينا أن نتحرّك الآن كي لا نتأخر!" قُمت بهزّ جسده، فنهض مُستسلماً، توجّه للمرحاض ليبدّل ملابسه.. وبدّلت ملابسي كذلك.
خرجنا من الفندق ثم من المنتجع بأكمله ووجدنا جميع الرفاق في سيّاراتهم مُنتظرين خروجنا لنعُد إلي نيويورك سويّاً.
صعدت مع نايل السيارة، ثم مِلت عليه هامِسة "لا أشعر بأنني بخير!"
"حقاً؟ ظننت أنّكِ إستمتعتِ البارحة.." عبّر عن صدمته بحاجبيه المَرفوعَين، فوضّحت له بتوتُّرٍ ينهشُ معدتي "بلي فعلت، أنا فقط قلقة بشأن غد.. بشأن المصحة وكل تلك الأحداث المُفاجِئة تجعل معدتي تنكمِش ألماً!"
أمسَك بيدي ونظره مازال مُثبّت علي الطريق، ليهمِس "لن أترككِ أبداً يا سيلين، سأزوركِ في كلّ ليلة وسأحرص علي جعلكِ تملّين مِنّي!"
إبتسمتُ بخفّة لأضغط علي يده أكثر، كنت بحاجة لتلك الكلمات الدافِئة.. بحاجة إلي مَن يساندني تلك الفترة، ويهتمّ بي ويُشعرني بأنني جزء مهمّ في حياته، ورُبما حياته بأكملها، ووجدتُ كل هذا بشخصٍ واحِد لتكمُن فيه سعادتي!
وصلنا بعد قيادةٍ دامَت لساعاتٍ طويلة كفيلة بجعل المرء يملّ، ودّعت أصدقائي بعناقٍ دافيء.. ونايل كذلك، لكنّه سحب شفتاي في قُبلةٍ رقيقةٍ بعدها.
"لا يجب أن تُعاملي حبيبكِ كأصدقائكِ!" همس ضدّ أذني بعد أن أفلت شفتاي، فلم أستطع منع إبتسامتي من الظهور..
دلفت للمنزل بتعبٍ واضخ، ووجدت والدتي جالسة علي الأريكة تنتظرني وتُحرّك رجليها في قلقٍ وتوتُّر..
"هل أنتِ بخير؟" هرعت نحوي لتعانقني بدفء، فبادلتها قائلة "بالكاد أشعُر بعظامي!"
أخبرتها بأحداث اليوم برُمّته، وبتطوّر علاقتي مع نايل، أخبرتها بكلّ ما يخصّه.. وعلي عكس توقّعاتي، لقد تقبّلت هذه الأنباء بسعادةٍ كبيرة، فهي إعتقدت في فترةٍ أن إبنتها مُعقّدة وليست مستعدة للدخول في أي علاقة قبل سن اليأس.
تمنّيتُ لها ليلةً طيّبة، ثم إرتميت علي سريري الذي سأفتقده لفترةٍ طويلة دون شك.
<<<<<<<<<<<<
هاي😂💅
شابتر رومانسي ، طويل ، كومنتس كتير ها؟😏😂
أنا بكتبه وانا نايمه أصلاً فا سامحوني علي الأخطاء الإملائيه😂😂👏
ولتاني مرة.. عملت كتاب إسمُه Facts-حقائق روحوا إعملوا كومنت قولوا عايزين فاكتس عن مين وعينيا ليكوا😌
- إيه رأيكوا في سيـلينا ونايل كـ Couple ؟
- إيه اللي هيحصل في المصحه ؟
- الشابتر حلو عامةً ؟
- إيه اكتر حته عجبتكوا في الشابتر ؟
- حلو إن سيلينا إعترفت لنايل بحُبها ليه ولا غباء منها ؟
سي يو إن ذا نيكست شابتر❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top